تفسير البيان - ج ٢

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

تفسير البيان - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد حسين الطباطبائي


المحقق: أصغر إرادتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٨

[يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩) بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٥٣) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى

٣٠١

مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥)]

قوله سبحانه : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ)

حيث وعدهم بالنصر إن صبروا واتّقوا ، فإنّ دائرة القتال في احد كانت أوّلا على المشركين ، حتّى إذا فشل أصحاب عبد الله بن جبير وانسلّوا عن موقفهم ومركزهم.

وقوله : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ)

أي تقتلونهم قتلا ذريعا.

وقوله : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ)

يشير إلى الرماة ، وهم أصحاب عبد الله بن جبير.

وقوله : (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ)

وهو انهزام المشركين والغنيمة.

وقوله : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا)

وهم المتفرّقون المنسلّون من أصحاب ابن جبير.

وقوله : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)

وهو عبد الله بن جبير ومن ثبت معه في مركزه حتّى قتلوا.

٣٠٢

وقوله : (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ)

أي : عن المشركين (لِيَبْتَلِيَكُمْ).

قوله سبحانه : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ)

الإصعاد : الإبعاد في الأرض والذهاب فيها ، واللّي : هو الميل.

وقوله : (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ)

أي : ساقتكم وجماعتكم الاخرى.

وقوله : (غَمًّا بِغَمٍ)

في تفسير القمّي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : فأمّا الغمّ الأوّل : فالهزيمة والقتل.

والغمّ الآخر : فإشراف خالد بن الوليد عليهم. (١)

قوله سبحانه : (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ)

روي أنّه : غشيهم النعاس في المصافّ ، حتّى كان السيف يسقط عن يد أحدهم فيأخذه ثمّ يسقط فيأخذه. (٢)

*

__________________

(١). تفسير القمي ١ : ١٢٠ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٢ : ٥١٣ ، الحديث : ٤.

(٢). أنوار التنزيل ١ : ١٨٧ ؛ تفسير الصافي ٢ : ١٣٨.

٣٠٣

[يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨) فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠) وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣) لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤)]

٣٠٤

قوله سبحانه : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ)

بدأ بالقتل لكون مساق الكلام هو الجهاد وكون القتل أقرب إلى المغفرة من الموت ، ثمّ لمّا أمكن توهّم اختصاص المغفرة بالقتل ألحق به الموت أيضا ، على خلاف ما صنع في قوله : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ) ، (١) وقوله : (ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) ، وقوله : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) ، فبدأ فيها بالموت لكونه أسبق إلى الذهن وأعرف في الوقوع.

وفي المعاني ، عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ قال : «سبيل الله : عليّ وذرّيّته ، من قتل في ولايته قتل في سبيل الله». (٢)

أقول : وهو من الجري.

قوله سبحانه : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)

تأديب له في العزم والعمل.

وفي النهج : «من استبدّ برأيه هلك ، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها». (٣)

وفيه أيضا : «الإستشارة عين الهداية ، وقد خاطر من استبدّ برأيه». (٤)

وعن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «لا وحدة أوحش من العجب ، ولا مظاهرة

__________________

(١). آل عمران (٣) : ١٤٤.

(٢). معاني الأخبار : ١٦٧ ، الحديث : ١ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٠٢ ، الحديث : ١٥٩ و ١٦٢ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٢ : ٥١٦ ، الحديث : ١ ؛ تفسير الصافي ٢ : ١٤١.

(٣). نهج البلاغة : ٥٠٠ ، الحكمة ١٦١.

(٤). نهج البلاغة : ٥٠٦ ، الحكمة ٢١١ ؛ ولقد راجعنا ما بأيدينا من نسخ نهج البلاغة وشروحها ، كشرح ابن ميثم ، ابن أبي الحديد ، عبده ، صبحي صالح ، مغنيّه ، فيض الاسلام ، السيد الشيرازي ؛ وفي كلّها : «إستغنى» بدل : «استبدّ».

٣٠٥

أوثق من المشاورة». (١)

قوله سبحانه : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ)

في تفسير القمّي : نزلت في حرب بدر ، وكان سبب نزولها أنّه كان في الغنيمة التي أصابوها [يوم بدر] قطيفة حمراء ففقدت ، فقال رجل من أصحاب رسول الله : ما لنا لا نرى القطيفة؟ ما أظنّ إلّا رسول الله أخذها ، فأنزل الله في ذلك هذه الآية ، فجاء رجل إلى رسول الله ، فقال : إنّ فلانا غلّ قطيفة حمراء فاحفرها (٢) هنالك ، فأمر رسول الله بحفر ذلك الموضع ، فأخرج القطيفة. (٣)

وفي المجالس ، عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «إنّ رضى الناس لا يملك ، وألسنتهم لا تضبط ، وكيف تسلمون ممالم يسلم منه انبياء الله ورسله وحجج الله ـ عليهم‌السلام ـ ؛ ألم ينسبوا يوسف ـ عليه‌السلام ـ إلى أنه همّ بالزنا؟ ألم ينسبوا أيوب عليه‌السلام ، الى أنه ابتلى بذنوبه؟ ألم ينسبوا داود إلى أنه تبع الطير حتى نظر إلى امرأة أوريا فهواها وأنه قدم زوجها أمام التابوت حتى قتل تزوج بها؟ الم ينسبوا موسى إلى أنه عنّين وآذوه حتى برأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها؟ ألم ينسبوا جميع انبياء الله إلى أنهم سحرة طلبة الدنيا؟ ألم ينسبوا مريم بنت عمران ـ عليها‌السلام ـ الى أنّها حملت بعيسى من رجل نجّار اسمه يوسف؟ ألم ينسبوا نبينا ـ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إلى أنّه شاعر مجنون؟ ألم ينسبوه إلى أنه هوى امرأة زيد بن حارثة فلم يزل بها حتى

__________________

(١). بحار الأنوار ٧٧ : ٦١ ، الحديث : ٤.

(٢). في المصدر : «فأخبأها»

(٣). تفسير القمي ١ : ١٢٦ ؛ تفسير الصافي ٢ : ١٤٤.

٣٠٦

استخلصها لنفسه؟ ألم ينسبوه يوم بدر أنّه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء حتّى أظهره الله على القطيفة وبرّأ نبيّه من الخيانة وأنزل في كتابه : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ). (١)

أقول : ولحن الآية يشعر بوقوع ظنّ من المسلمين بذلك ، فلسانها لسان التبرئة ، والغلّ : أخذ شيء من المغنم خفية.

قوله سبحانه : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَ)

في تفسير القمّي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : «من غلّ شيئا رآه يوم القيامة في النار ، ثمّ يكلّف أن يدخل إليه فيخرجه من النار» (٢).

أقول : وهي استفادة لطيفة من قوله : (يَأْتِ).

قوله سبحانه : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ)

العنديّة ، ليست تشريفيّة بل عنديّة حكميّة ، كما يقال : عندي أنّ كذا كذا ، فيعمّ الفريقين جميعا ، وشاهد ذلك قوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

وفي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : الذين اتّبعوا رضوان الله هم الأئمّة ، وهم والله درجات عند الله للمؤمنين وبولايتهم ومعرفتهم إيّانا يضاعف الله لهم أعمالهم ويرفع الله لهم الدرجات العلى ، (٣) والذين باؤوا بسخط من الله هم الذين جحدوا حقّ عليّ وحقّ الأئمّة منّا أهل البيت ، فباؤوا لذلك بسخط من الله». (٤)

__________________

(١). الأمالي للصدوق : ١٠٢ ، المجلس الثاني والعشرون ، الحديث : ٣ ؛ سنن أبي داود ٤ : ٣١ ، الحديث : ٣٩٧١ ؛ سنن الترمذي ٥ : ٢٣٠ ، الحديث : ٣٠٠٩ ؛ تفسير الطبري ٤ : ١٠٢.

(٢). تفسير القمي ١ : ١٢٢ ؛ تفسير الصافي ٢ : ١٤٤.

(٣). إلى هنا روي في الكافي ١ : ٤٣٠ ، الحديث : ٤٨ ؛ ومناقب آل أبي طالب ٤ : ١٧٩.

(٤). تفسير العيّاشي ١ : ٢٠٥ ، الحديث : ١٤٩ ؛ تفسير الصافي ٢ : ١٤٥ ، باختلاف يسير في العبارة.

٣٠٧

أقول : وهو من قبيل الجري.

وقوله : «وبولايتهم» ، بيان لكونهم درجات ، وهو ظاهر في كون كلّ واحد منهم عليهم‌السلام ذا مراتب بحسب المعرفة. (١)

وعن الرضا ـ عليه‌السلام ـ : «الدرجة ما بين السماء والأرض». (٢)

*

__________________

(١). أي بحسب معرفة الموالين.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ٢٠٥ ، الحديث : ١٥٠ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٢ : ٥٢٤ ، الحديث : ٣.

٣٠٨

[أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥) وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١)]

قوله سبحانه : (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها)

في تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «كان المسلمون قد أصابوا ببدر

٣٠٩

مائة وأربعين رجلا قتلوا سبعين رجلا وأسروا سبعين ، فلمّا كان يوم احد اصيب من المسلمين سبعون رجلا فاغتمّوا بذلك فنزلت». (١)

قوله سبحانه : (قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)

عن تفسير القمّي : وكان الحكم في الاسارى يوم بدر ، القتل ، فقامت الأنصار فقالوا : يا رسول الله! هبهم لنا ولا تقتلهم حتّى نفاديهم ، فنزل جبرئيل فقال : إنّ الله قد أباح لهم الفداء أن يأخذوا من هؤلاء القوم ويطلقوهم على أن يستشهد منهم في عام قابل بعدد من يأخذون منهم الفداء ، فأخبرهم رسول الله بهذا الشرط فقالوا : قد رضينا به ، نأخذ العام الفداء من هؤلاء القوم ونتقوّى به ويقتل منّا في عام قليل بعدد من نأخذ منه الفداء وندخل الجنّة ، فأخذوا منهم الفداء وأطلقوهم ، فلما كان يوم احد قتل من أصحاب رسول الله سبعون ، فقالوا : يا رسول الله! ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا النصر؟ فأنزل الله : (لَمَّا أَصابَتْكُمْ) ، و (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) ، أي بما اشترطتم يوم بدر. (٢)

أقول : وروي هذا المعنى في المجمع (٣) عن عليّ ـ عليه‌السلام ـ.

قوله سبحانه : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً)

في المجمع ، عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : «نزلت في شهداء بدر واحد معا». (٤)

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ٢٠٥ ، الحديث : ١٥١ ؛ تفسير الصافي ٢ : ١٤٦ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٢ : ٥٢٥ ، الحديث : ٦.

(٢). تفسير الصافي ٢ : ١٤٦ ؛ عن تفسير القمي ١ : ١٢٦.

(٣). مجمع البيان ٢ : ٨٧٦.

(٤). مجمع البيان ٢ : ٨٨١.

٣١٠

وفي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «هم والله شيعتنا حين صارت أرواحهم في الجنّة واستقبلوا الكرامة من الله عزوجل علموا واستيقنوا أنّهم كانوا على الحقّ وعلى دين الله عزوجل فاستبشروا بمن لم يلحقوا بهم من إخوانهم من خلفهم من المؤمنين». (١)

أقول : وهو من الجري ، بمعنى باطن التنزيل ؛ إذ القتل في سبيل الله تعالى وهو مفارقة النفس للبدن ومشتهياتها لا يتفاوت فيه الحال بين أن يكون ذلك بتسبيب أعداء الدين بسيف أو نحوه ، أو بتسبيب نفس الإنسان بمجاهدة نفسانيّة ؛ ولذلك سمّى النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مخالفة النفس جهادا في ما روي عنه : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ...» الحديث ، (٢) وقد مرّت الرواية : «إنّ سبيل الله : عليّ وذرّيّته ، والقتل في ولايتهم قتل في سبيل الله تعالى». (٣)

قوله سبحانه : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)

قد مرّ كلام في نظير الآية من سورة البقرة ، وهو قوله : (بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) ، (٤) فقد نفى سبحانه عنهم الموت وأثبت الحياة ، وقوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، متعلّق بقوله : (أَحْياءٌ) ، على ظاهر السياق ؛ إذ لا وجه لتعلّقه بقوله : (يُرْزَقُونَ) إلّا مراعاة السجع ، وحينئذ فمعنى كون حياتهم عند ربّهم على ما يفيده كلمة (عِنْدَ) من الحضور وكلمة : (الرّبّ) من الملك والتدبير أنّها حياة

__________________

(١). الكافي ٨ : ١٥٦ ، الحديث : ١٤٦ ؛ تفسير القمي ١ : ١٢٧ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٢ : ٥٢٦ ، الحديث : ٢ ؛ تفسير الصافي ٢ : ١٥٠. ولم نجده في تفسير العيّاشي.

(٢). جامع الأخبار : ١٠٠.

(٣). معاني الأخبار : ١٦٧ ، الحديث : ١.

(٤). البقرة (٣) : ١٥٤.

٣١١

لا تشغلهم عن ربّهم لا كالحياة الدنيا اللاهية الشاغلة ، وقد أبهم سبحانه الرزق الذي يرزقونه كما أبهم النعمة والفضل الذين يستبشرون بهما.

وكيف كان ، فهذه الحياة إذ كانت لا بحذاء العمل ؛ إذ الأجر الذي بحذاء العمل أن يعمل الإنسان عملا يريد به ما عند الله سبحانه ، وأمّا القتل في سبيل الله فهو رفض للحياة وليس بفعل وجوديّ يستتبع غاية وجوديّة ، ولذلك كان ما هيّأه الله من الحياة للشهداء حياة اخرى عنده لا غائبا عنه وفضلا منه ، لا أجرا لعمل عملوه ، وعليه يمكن أن ينزّل (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).

وقد أثبت سبحانه الحياة والبقاء لكلّ ميّت على خلاف ما كان يقوله الكافرون من الموت والفوت بقولهم فيما حكى الله : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) ، (١) بل الإنسان باق وإن فنى البدن ، قال سبحانه : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ* قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) ، (٢) فهذا الخطاب والبيان منه سبحانه أعني قوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) ، بتخصيص الكلام بالمقتولين في سبيل الله ، مع أنّ الحكم عامّ للشهداء وغيرهم ، والمؤمن والكافر ليس مسوقا إلّا لبيان أنّ الحياة التي كانت تعتقده النفوس فيهم ، ثمّ افتقدوها بزعمهم وزالت عنهم وزهقت لم يبطل عنهم ، وهذا دليل على أنّ تعلّقهم بالدنيا وإشرافهم على هذه الدار باقية بعد وإن حلّ بهم القتل واخمدت إحساساتهم في الظاهر ، ويشير إلى ذلك قوله سبحانه وتعالى : (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، إذ الإستبشار : تلقّي البشارة

__________________

(١). الأنعام (٦) : ٢٩.

(٢). السجدة (٣٢) : ١٠ ـ ١١.

٣١٢

بالسرور ، والبشارة : هي الإخبار بخير مقبل قريب : فاستبشارهم بالذين لم يلحقوا بهم من الذين انسلكوا في سلكهم من المؤمنين كما يفيده قوله : (مِنْ خَلْفِهِمْ) ، لما يرون ويشاهدون (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) فهم يشاهدون أحوال الذين من خلفهم أن لا شرّ يستقبلهم حتّى يخافوا منه ولا خير يفوتهم حتّى يحزنوا عليه ، فهم مشرفون عليهم يشاهدون أعمالهم.

ويؤيّده البيان الثاني ، وهو قوله : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) ، على قراءة فتح أنّ ، فافهم. وهذا هو الإشراف الذي ورد في الأخبار بلسان أنّ الميّت ربما يزور أهله فيشاهد أعمالهم.

ففي الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «إنّ المؤمن ليزور أهله ، فيرى ما يحبّ ، ويستر عنه ما يكره ، وإنّ الكافر ليزور أهله فيرى ما يكره ، ويستر عنه ما يحبّ». (١)

وفيه أيضا ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن الأوّل ، قال : سألته عن الميّت يزور أهله؟ قال : «نعم». فقلت : في كم يزور؟ قال : «في الجمعة ، وفي الشهر ، وفي السنة على قدر منزلته ...» الحديث. (٢)

أقول : والروايات في هذه المعاني كثيرة ، (٣) ويلحق بها الروايات الواردة في زيارة أهل القبور ، (٤) فارجع ، ومع ذلك فهذه الإشرافات مختلفة سعة وضيقا ،

__________________

(١). الكافي ٣ : ٢٣٠ ، الحديث : ١.

(٢). الكافي ٣ : ٢٣٠ ، الحديث : ٣.

(٣). راجع : بحار الأنوار ٦ : ٢٠٢ ، باب ٨ ، احوال البرزخ والقبر وعذابه وسؤاله وسائر ما يتعلق بذلك.

(٤). راجع : الكافي ٣ : ٢٢٩ ، باب زيارة القبور ؛ من لا يحضره الفقيه ١ : ١٧٣ باب التعزية والجزع عند المصيبة وزيارة القبور ... ؛ وسائل الشيعة ٣ : ٢٢٢ باب استحباب زيارة القبور وغيرها.

٣١٣

كما في الرواية ، غير أنّ الشهداء خاصّة دائموا الإشراف والاطّلاع ، وقريب من الآية مضمونا ، قوله تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) ، (١) وسيجيء الكلام فيه.

ويتبيّن من الآيات :

أوّلا : أنّ الحياة متّصلة واحدة ذات مراتب ، وأنّ أنزلها الحياة الدنيا.

وثانيا : أنّ بين الأحياء والأموات رابطة مّا ، ربما اتّصلت فاتّصل الحياتان ، فافهم ذلك.

*

__________________

(١). التوبة (٩) : ١٠٥.

٣١٤

[الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)]

قوله سبحانه : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ)

في تفسير القمّي : إنّ النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لمّا دخل المدينة من وقعة احد نزل عليه جبرئيل فقال : إنّ الله يأمرك أن تخرج في إثر القوم ولا يخرج معك إلّا من به جراحة ، فأمر رسول الله مناديا ينادي : يا معشر المهاجرين والأنصار! من كانت به جراحة فليخرج ، ومن لم يكن به جراحة فليقم ، فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها [فأنزل الله على نبيه : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) (١) وهذه الآية في

__________________

(١). النساء (٤) : ١٠٤.

٣١٥

سورة النساء ، ويجب أن تكون في هذه السورة قال عزوجل : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) (١)] ، (٢) فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح ، فلمّا بلغ رسول الله ، حمراء الأسد وقريش قد نزلت الروحا ، قال عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد : نرجع ونغير (٣) على المدينة ، قد قتلنا سراتهم وكبشهم (٤) ـ يعنون حمزة ـ فوافاهم رجل خرج من المدينة ، فسألوه الخبر فقال : تركت محمّدا وأصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم جدّ الطلب ، فقال أبو سفيان : هذا النكد والبغي ، فقد ظفرنا بالقوم وبغينا ، والله ما أفلح قوم قطّ بغوا.

فوافاهم نعيم بن مسعود الأشجعي ، فقال أبو سفيان : أين تريد؟ قال : المدينة لأمتار لأهلي طعاما. قال : هل لك أن تمرّ بحمراء الأسد وتلقى أصحاب محمّد وتعلمهم أنّ حلفاءنا وموالينا قد وافونا من الأحابيش (٥) حتّى يرجعوا عنّا ولك عندي عشرة قلائص أملؤها تمرا وزبيبا؟ قال : نعم ، فوافى من غد ذلك اليوم حمراء الأسد فقال لأصحاب رسول الله : أين تريدون؟ قالوا : قريشا ، قال : ارجعوا ، إنّ قريشا قد اجتمعت إليهم حلفاؤهم ومن كان تخلّف عنهم ، وما أظنّ إلّا أوائل خيلهم يطّلعون عليكم الساعة ، فقالوا : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، ما نبالي ، فنزل جبرئيل [على رسول الله] فقال : ارجع يا رسول الله! فإنّ الله قد

__________________

(١). آل عمران (٣) : ١٤٠.

(٢). ما بين المعقوفتين ساقط عن الأصل وعن تفسير الصافي ٢ : ١٥١ ، أضفناه من المصدر.

(٣). من الإغارة بمعنى : الغارة.

(٤). السراة : أعلى كلّ شيء والكبش : سيّد القوم.

(٥). الأحابيش : الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة وجبل بأسفل مكّة.

٣١٦

أرعب قريشا ومرّوا لا يلوون على شيء ، فرجع رسول الله إلى المدينة ، وأنزل الله : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ...). (١)

أقول : وفي معناه روايات ، وهي مختلفة في خروج رسول الله بين مثبت وناف. (٢)

قوله سبحانه : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا)

فيه دلالة ظاهرة على أنّ فيهم من لم يتّصف بذلك ، كما في قوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) إلى قوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً). (٣)

قوله سبحانه : (قالَ لَهُمُ النَّاسُ)

في المجمع عنهما ـ عليهما‌السلام ـ : «يعني نعيم بن مسعود الأشجعي». (٤)

قوله سبحانه : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ)

في المجمع عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : «أنّها نزلت في غزوة بدر الصغرى ، وذلك أنّ أبا سفيان قال يوم احد حين أراد أن ينصرف : يا محمّد! موعدنا بيننا وبينك موسم بدر الصغرى القابل إن شئت ، فقال رسول الله : ذلك بيننا وبينك وفلمّا كان العام المقبل خرج أبو سفيان في أهل مكّة حتّى نزل مجنّة من ناحية الظهران ، ثمّ

__________________

(١). تفسير القمي ١ : ١٢٤ ـ ١٢٦ ؛ تفسير الصافي ٢ : ١٥١ ؛ والمتن مطابق لتفسير الصافي ، وإن نسبه المؤلف الى القمي.

(٢). البرهان في تفسير القرآن ٢ : ٥٠١ و ٥٢٧ ، الحديث : ١ ـ ٥.

(٣). الفتح (٤٨) : ٢٩.

(٤). مجمع البيان ٢ : ٥٢٨.

٣١٧

ألقى الله عليه الرعب فبدا له في الرجوع ، (١) فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي ـ وقد قدم معتمرا ـ فقال له أبو سفيان : إنّي واعدت محمّدا وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر الصغرى ، وإنّ هذه عام جدب ولا يصلحنا إلّا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن ، وقد بدا لي أن لا أخرج إليها وأكره أن يخرج محمّد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جرأة ، فالحق بالمدينة فثبّطهم ولك عندي عشرة من الإبل أضعها على يد سهيل بن عمرو ، فأتى نعيم المدينة فوجد الناس يتجهّزون لميعاد أبي سفيان ، فقال لهم : بئس الرأي رأيكم ، أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلّا شريد ، فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم ، فو الله لا يفلت منكم أحد ، فكره أصحاب رسول الله [الخروج ، فقال رسول الله] (٢) : والذي نفسي بيده ، لأخرجنّ ولو وحدي ، فأمّا الجبان فإنّه رجع ، وأمّا الشجاع فإنّه تأهّب للقتال وقال : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، فخرج رسول الله في أصحابه حتّى وافى بدر الصغرى وهو ماء لبني كنانة ، وكانت موضع سوق لهم في الجاهليّة يجتمعون إليها في كلّ عام ثمانية أيّام ، فأقام ببدر ينتظر أبا سفيان وقد انصرف أبو سفيان من مجنّة إلى مكّة فسمّاهم أهل مكّة : جيش السويق ، ويقولون إنّما خرجتم تشربون السويق ، ولم يلق رسول الله وأصحابه أحدا من المشركين ببدر ، ووافوا (٣) السوق وكانت لهم تجارات فباعوا وأصابوا الدرهم درهمين وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين. (٤)

__________________

(١). ساقط عن المصدر.

(٢). ساقط عن المصدر.

(٣). في المصدر : «وافق»

(٤). مجمع البيان ٢ : ٨٨٨ ؛ تفسير الصافي ٢ : ١٥٣.

٣١٨

قوله : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ)

المراد به : نعيم بن مسعود ، وهذا أحد المواضع الدالّة من القرآن على أنّ الإنسان ربما يصير شيطانا ، وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى.

وفي قوله : (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) ، وظاهر الفعل المضارع الحال ما يؤيّد ما مرّ في ذيل قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ).

*

٣١٩

[وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٧٨) ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠)]

قوله سبحانه : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً)

الإملاء هو الإمهال ، وقد مرّ بيان معنى الآية مرارا.

وفي تفسير العيّاشي (١) عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : أنّه سئل عن الكافر ، الموت

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ٢٠٦ ، الحديث : ١٥٥.

٣٢٠