تفسير البيان - ج ٢

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

تفسير البيان - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد حسين الطباطبائي


المحقق: أصغر إرادتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٨

ولعلّه لذلك قيل لإبراهيم ـ عليه‌السلام ـ : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) فأجاب بوجود الإيمان بالأصل ، وأنّ السؤال للحصول على الأسباب الأصليّة ليحصل العلم بالحقيقة ، حيث قال : (بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).

فأجابه سبحانه أن قال له : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) بضمّ الصاد بمعنى الضمّ والجمع. وقرئ بالكسر ؛ يعني اضممهنّ إليك لتعرف شأنها فلا تشتبه عليك (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) بقتلهنّ وتخليط أجزائهنّ ثمّ تفريقهنّ أجزاءا ، وهذه هي العلل المادّية (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) وفيه بقيّة العلل ، ولم تكن الدعوة لمعدوم ولا لموهوم ، وهو ظاهر ، فعند ذلك تمّ له العلم بحقيقة الأمر بتمامها بمشاهدة تمام العلل ، وقد أفاد بعين هذه الإفادة تمام العلّة العالية بقوله : (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

وفي المعاني عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في حديث قال : «وهذه آية متشابهة ، ومعناها : أنّه سأل عن الكيفيّة ، والكيفيّة من فعل الله ـ عزوجل ـ ، متى لم يعلمها العالم لم يلحقه عيب ، ولا عرض في توحيده نقص ...» (١) الحديث.

وفي تفسير العيّاشي عن عليّ بن أسباط : «إنّ أبا الحسن الرضا ـ عليه‌السلام ـ سئل عن قول الله : (قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أكان في قلبه شكّ؟ قال : لا ، ولكن أراد من الله الزيادة ...» (٢) الحديث.

وفي تفسير القمّي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «إنّ إبراهيم نظر إلى جيفة على ساحل البحر تأكلها سباع البرّ وسباع البحر ، ثمّ يثب (٣) السباع بعضها

__________________

(١). معاني الأخبار : ١٢٧ ، الحديث : ١.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ١٤٣ ، الحديث : ٤٧٢.

(٣). في المصدر : «تحمل»

١٢١

على بعض فيأكل بعضها بعضا ، فتعجّب إبراهيم فقال : يا (١) ربّ أرني كيف تحيي الموتى فقال الله : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢) فأخذ إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ الطاووس والديك والحمام والغراب ، فقال الله ـ عزوجل ـ : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) أي قطّعهنّ ، ثمّ اخلط لحمهنّ وفرّقهن على عشرة جبال ، ثمّ (٣) دعاهنّ ، فقال : أحيي (٤) بإذن الله (٥) فكانت تجتمع ويتألّف لحم كلّ واحد وعظمه إلى رأسه ، فطارت إلى إبراهيم. فعند ذلك قال إبراهيم : (أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)». (٦)

أقول : وهذا المضمون وارد في روايات اخر.

ويظهر من القصّة وجه الجمع في قوله : (تُحْيِ الْمَوْتى) من غير إفراد ، ولذلك امر بخلط اللحوم والأجزاء ، فهي أمسّ بشبهة الآكل والمأكول ، وإن لم تكن عينها.

وفي العيون عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ فيما سأله المأمون في عصمة الأنبياء في الآية ، قال الرضا ـ عليه‌السلام ـ : «إنّ الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم : إنّي متّخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته ، فوقع في

__________________

(١). في المصدر : ـ «يا»

(٢). في المصدر : ـ «عزيز حكيم»

(٣). في المصدر : + «خذ مناقيرهنّ وادعهنّ يأتينك سعيا ففعل إبراهيم ذلك وفرّقهن على عشرة جبال ثمّ»

(٤). في المصدر : «أجيبني»

(٥). في المصدر : + «تعالى»

(٦). تفسير القمّي ١ : ٩١.

١٢٢

نفس إبراهيم أنّه ذلك الخليل ، فقال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) على الخلّة ...» (١) الحديث.

وفيه : «انّه أخذ نسرا وبطّا وطاووسا وديكا».

أقول : والأحاديث في تعيين أسامي الطيور مختلفة ؛ وفي بعضها : النعامة والوزّة والطاووس والديك ، وفي بعضها : الهدهد والصّرد والطاووس والغراب (٢) وقد مرّ في حديث القمّي : الطاووس والديك والحمام والغراب.

*

__________________

(١). عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ ١ : ١٩٨ ، الحديث : ١.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ١٤٣ ، الحديث : ٤٧١ و : ١٤٥ ، الحديث : ٤٧٧ ؛ الخصال ١ : ٢٦٤ الحديث : ١٤٦.

١٢٣

[مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)]

١٢٤

قوله سبحانه : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ)

روى العيّاشي في تفسيره ، والبرقي ، عن الصادق ـ عليه‌السلام : «إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف الله عمله بكلّ حسنة سبعمائة ضعف ؛ وذلك قول الله : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) فأحسنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب الله». (١)

أقول : وروي هذا المعنى في بعض روايات اخر. (٢)

قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا ...)

في تفسير العيّاشي عنهما ـ عليهما‌السلام ـ : «نزلت في عثمان». (٣)

قوله سبحانه : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ ...)

في تفسير العيّاشي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : «نزلت في عليّ ـ عليه‌السلام ـ». (٤)

*

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ١٤٧ ، الحديث : ٤٨١ ؛ المحاسن ١ : ٢٥٤ ، الحديث : ٢٨٣.

(٢). الأمالي للطوسي : ٢٢٣ ؛ ثواب الأعمال : ١٦٨ ؛ اعلام الدين : ٤٣٨.

(٣). تفسير العيّاشي ١ : ١٤٧ ، الحديث : ٤٨٢.

(٤). تفسير العيّاشي ١ : ١٤٨ ، الحديث : ٤٨٥.

١٢٥

[يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩) وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١) لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢)]

قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا ...)

في تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «كان أهل المدينة يأتون

١٢٦

بصدقة الفطر إلى مسجد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وفيه عذق يسمّى الجعرور ، وعذق يسمّى معافارة ؛ كانا عظيم نواهما ، رقيق لحاهما ، في طعمهما مرارة ، فقال رسول الله للخارص : لا تخرص عليهم هذين اللونين ، لعلّهم يستحيون لا يأتون بهما ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ)». (١)

وفيه عن أبي الصباح عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ قال : «سألته عن قول الله : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) قال ـ عليه‌السلام ـ : كان الناس حين أسلموا عندهم مكاسب من الربا ومن أموال خبيثة ، فكان الرجل يتعمّدها من بين ماله فيتصدّق بها ، فنهاهم الله عن ذلك ، وإنّ الصدقة لا تصلح إلّا من كسب طيّب». (٢)

أقول : وفي معنى الروايتين روايات اخر. (٣)

قوله سبحانه : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ...)

في تفسير القمّي قال ـ عليه‌السلام ـ : «إنّ الشيطان يقول : لا تنفقوا فإنّكم تفتقرون. (٤)

قوله سبحانه : (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً)

أي يغفر لكم إن أنفقتم لله ، وفضلا يخلف عليكم». (٥)

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ١٥٠ ، الحديث : ٤٩٣.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ١٤٩ ، الحديث : ٤٩٢.

(٣). الكافي ٤ : ٤٨ ، الحديث : ١٠ ؛ دعائم الإسلام ١ : ٢٤٤.

(٤). في المصدر : «لا تنفق فإنّك تفتقر»

(٥). تفسير القمّي ١ : ٩٢.

١٢٧

أقول : إشارة إلى قوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ). (١)

وروى الصدوق عن أبي عبد الرحمن قال : «قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ :

إنّي ربّما حزنت ، فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد ، وربّما فرحت ، فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد ، فقال : إنّه ليس من أحد إلّا ومعه ملك وشيطان ، فإذا كان فرحه كان من دنوّ الملك منه ، وإذا كان حزنه كان من دنوّ الشيطان منه ؛ وذلك قول الله تبارك وتعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ) إلى آخر الآية». (٢)

أقول : وروى قريبا منه العيّاشي في تفسيره. (٣)

قوله سبحانه : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ)

في تفسير العيّاشي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ قال : «المعرفة». (٤)

وفيه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «إنّ الحكمة : المعرفة والتفقّه في الدين». (٥)

أقول : الحكمة هي المتقن من العلم ، وإذ لا إتقان فيما فيه شوب الشكّ كانت المعارف الظنّيّة غير حكم ، ولا جدوى فيما يزول ويفنى ، فلا إتقان في العلوم الدنيويّة ، فهي أيضا غير حكم ، فانحصرت في العلوم الحقيقيّة المتعلّقة باصول معارف الدين والعلوم المتعلّقة بالفروع الدينيّة ؛ كما فسّر في الرواية.

فما في الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية ـ قال : «طاعة الله ومعرفة

__________________

(١). سبأ (٣٤) : ٣٩.

(٢). علل الشرائع ١ : ٩٣ ، الحديث : ١.

(٣). تفسير العيّاشي ١ : ٦٥٠ ، الحديث : ٤٩٥.

(٤). تفسير العيّاشي ١ : ١٥١ ، الحديث : ٤٩٧.

(٥). تفسير العيّاشي ١ : ١٥١ ، الحديث : ٤٩٨.

١٢٨

الإمام ...» (١) الحديث ، وفي مضمونه روايات اخر (٢) ـ فمن قبيل عدّ المصداق.

قوله سبحانه : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ)

ظاهر الآية : أنّ الصدقة إبداؤها وإخفاؤها خير ، والإخفاء أفضل ؛ لقوله : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) فهو سياق الحصر المفيد لذلك ، غير أنّ الأدلّة الدالّة على أفضليّة إذاعة الفرائض وإشاعتها ـ وخاصّة الصدقة الواجبة ـ أوجبت اختصاص أفضليّة الكتمان بالنافلة من الصدقات ، وعليه وردت الروايات :

ففي الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في قوله : (وَإِنْ تُخْفُوها) قال : «هي سوى الزكاة ؛ إنّ الزكاة علانية غير سرّ». (٣)

أقول : وفي مضمونه روايات اخر. (٤)

وفيه عنه ـ عليه‌السلام ـ قال : «كلّ ما فرض الله عليك فإعلانه أفضل من إسراره ، و (٥) ما كان تطوّعا فإسراره أفضل من إعلانه ...» (٦) الحديث.

*

__________________

(١). الكافي ١ : ١٨٥ ، الحديث : ١١.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ١٥١ ، الحديث : ٤٩٦ ؛ المحاسن ١ : ١٤٨ ، الحديث : ٦٠ ؛ تأويل الآيات : ١٠٣.

(٣). الكافي ٣ : ٥٠٢ ، الحديث : ١٧.

(٤). تهذيب الأحكام ٤ : ١٠٤ ، الحديث : ٣٢ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ١٥١ ، الحديث : ٤٩٩ ؛ دعائم الإسلام ٢ : ٣٢٩ ، الحديث : ١٢٤٦.

(٥). في المصدر : + «كلّ»

(٦). الكافي ٣ : ٥٠١ ، الحديث : ١٦.

١٢٩

[لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)]

قوله سبحانه : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا ...)

في المجمع قال : «قال أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ : نزلت الآية في أصحاب الصفّة» قال : وكذلك رواه الكلبي عن ابن عبّاس ، وهم نحو من أربعمائة رجل ، لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر يأوون إليهم ، فجعلوا أنفسهم في المسجد ، وقالوا : نخرج في كلّ سريّة يبعثها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فحثّ الله النّاس عليهم ؛ فكان الرجل إذا أكل وعندهم فضل أتاهم به إذا أمسى. (١)

__________________

(١). مجمع البيان ٢ : ٢٠٢.

١٣٠

قوله سبحانه : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ)

في المجمع قال : سبب النزول : عن ابن عبّاس : نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب (١) ـ عليه‌السلام ـ كانت معه أربعة دراهم ؛ فتصدّق بواحد ليلا ، وبواحد نهارا ، (٢) وبواحد سرّا ، وبواحد علانية ، فنزل : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً). (٣)

قال الطبرسي : وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ.

أقول : وروى هذا المعنى العيّاشي والمفيد ورواه ابن شهر آشوب في المناقب عن ستّة عشر من رجال التفسير من العامّة. (٤)

*

__________________

(١). في المصدر : ـ «بن أبي طالب»

(٢). في المصدر : «بواحد نهارا وبواحد ليلا»

(٣). مجمع البيان ٢ : ٢٠٤.

(٤). تفسير العيّاشي ١ : ١٥١ ، الحديث : ٥٠٢ ؛ الاختصاص : ١٥٠ ؛ المناقب ٢ : ٧١.

١٣١

[الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥)]

قوله سبحانه : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) ـ إلى قوله ـ : (وَحَرَّمَ الرِّبا)

للإنسان العاقل طريق مستقيم في حياته الاجتماعيّة ، قوّتها بالالتزام بأحكام اعتباريّة في عشرته ومعاملاته ، وكلّ مواصلة له مع أبناء نوعه يتحفّظ بها ويحفظ بها استقامة طريقه ـ وبالجملة : كمال حياته الاجتماعيّة ـ وإن كان ربّما يسهو في بعض الموارد على خلاف العادة ، لكنّ مستواه هو الطريق المستقيم العادي ، وهاديه العقل المميّز بين الخير والشرّ والنافع والضارّ.

وأمّا الإنسان الممسوس ـ وهو الذي اختلّت قوّته المميّزة ـ فهو لا يفرّق بين الحسن والقبيح والخير والشرّ والنافع والضارّ ، فيجري حكم كلّ مورد فيما يقابله ، لا من جهة جعله الغير العادي مثل العادي ، بل لبطلان حكم العادة وغيرها عنده ، وفي نظره ، وكون ما يتخيّله ويريده هو المتّبع عنده ، كالناقة

١٣٢

العشواء تخبط وتمشي في غير استواء.

والذي يأكل الربا مثله في معاملاته مثل هذا الممسوس ؛ فهو لا يريد أصول أحكام المعاملات ، وإنّما يريد استفادة شخصه بالمعاملة كيف كانت ؛ ولذلك علّله سبحانه بقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) ولم يقل : إنّما الربا مثل البيع ، مع أنّ مقتضى الظاهر ذلك ؛ وذلك أنّ الممسوس المجنون يسلك في العاديّات سلوكا غير عادي لا بالعكس ؛ فمن حاله كحاله يتلقّى البيع مثل الربا لا بالعكس ، ولذلك أردفه بفرق الموردين ، فقال تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا).

ولكون خبطهم في المعاملة دون سائر جهات الحياة ـ بل فيما هو العمدة من بين أسباب انتظام العيش ـ أورد البيان بلفظ القيام دون المشي ، كما في قوله : (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) (١) وذلك أنّ القيام والسقوط يكنّى بهما عن انتظام الحياة الاجتماعيّة وعدمه ، ولكون المعاملات والمبادلات في لوازم الحياة هي الناظمة لشتات الحياة عبّر عنها بالقيام ، فآكل الربا في قيامه كمن يتخبّطه الشيطان من المسّ لا يدري كيف يقوم ؛ فيريد القيام على رأسه وجنبه والقيام إنّما يستوي على ساق ، هذا.

وفي تفسير القمّي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : لمّا اسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون الربا ، لا يقومون إلّا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ ،

__________________

(١). الأنعام (٦) : ١٢٢.

١٣٣

وإذا هم بسبيل آل فرعون ؛ يعرضون على النار غدوّا وعشيّا ، ويقولون : ربّنا متى تقوم الساعة؟!». (١)

أقول : وهو مثال برزخي وتصديق لقوله ـ عليه‌السلام ـ : «كما تعيشون تموتون ، وكما تموتون تبعثون».

وفي تفسير العيّاشي عن شهاب بن عبد ربّه قال : «سمعت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ يقول : آكل الربا لا يخرج من الدنيا حتّى يتخبّطه الشيطان». (٢)

أقول : القول فيها كسابقتها ، وقد مرّ في أوّل السورة بعض الكلام في هذه التشبيهات والتمثيلات الواقعة في كلامه تعالى.

قوله سبحانه : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ...)

يعني ما سلف من الربا (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) فلا يتعلّق به حقّ من غيره ، وهذا الخصوص في نتيجة الجزاء مع ترائي العموم في الشرط ؛ أعني قوله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ولم يجئ موعظة غير هذه الآية ، وأيضا تقييد الانتهاء بمجيء الموعظة ، يفيد أنّ المراد من الموعظة منه سبحانه العظة النفسانيّة بتوفيقه تعالى للتوبة ، وهي التوبة من الله ، وقد مرّ أنّ التوبة من العبد مسبوقة بتوبة من الله تعالى ؛ ولهذا فسّرت الموعظة في الروايات بالتوبة :

ففي الكافي عن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ وفي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، قال : «الموعظة : التوبة». (٣)

__________________

(١). تفسير القمّي ١ : ٩٣ و ٢ : ٧ ؛ بحار الأنوار ١٠٠ : ١١٦ ، الحديث : ١١.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ١٥٢ ، الحديث : ٥٠٣.

(٣). الكافي ٢ : ٤٣١ ، الحديث : ٢ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ١٥٢ ، الحديث : ٥٠٥.

١٣٤

وفي التهذيب عن محمّد بن مسلم قال : «دخل رجل على أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ من أهل خراسان ، قد عمل بالربا حتّى كثر ماله ، ثمّ إنّه سأل الفقهاء فقالوا : ليس يقبل منك شيء حتّى تردّه إلى أصحابه ، فجاء إلى أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ فقصّ عليه قصّته ، فقال أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ : مخرجك من كتاب الله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) قال : الموعظة : التوبة». (١)

وفي الكافي والفقيه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «كلّ ربا أكله الناس بجهالة ثمّ تابوا ، فإنّه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة» وقال ـ عليه‌السلام ـ : «لو أنّ رجلا ورث من أبيه مالا ، وقد عرف أنّ في ذلك المال ربا ، ولكن قد اختلط في التجارة بغيره ، فإنّه له (٢) حلال طيّب فليأكله ، وإن عرف منه شيئا معروفا (٣) فليأخذ رأس ماله وليردّ الزيادة (٤)». (٥)

قوله سبحانه : (وَمَنْ عادَ ...)

في الفقيه والعيون عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ : «هي كبيرة بعد البيان ـ قال : ـ والاستخفاف بذلك دخول في الكفر». (٦)

وفي الكافي أنّه : «سئل عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنّه حلال ، قال :

__________________

(١). تهذيب الأحكام ٧ : ١٥ ، الحديث : ٦٨.

(٢). في المصدر : ـ «فإنّه له»

(٣). في المصدر : «إنّه ربا»

(٤). في المصدر : «الربا»

(٥). الكافي ٥ : ١٤٥ ، الحديث : ٤ ؛ من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٧٥ ، الحديث : ٣٩٩٧.

(٦). من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٦٥ ، الحديث : ٤٩٣٤ ؛ عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ ٢ : ٩٤.

١٣٥

لا يضرّه حتّى يصيبه متعمّدا ، فإذا أصابه متعمّدا فهو بالمنزلة التي قال الله ـ عزوجل ـ». (١)

أقول : والآية ـ كما ترى ـ توعد الخلود على الربا نظير القتل عمدا ، قال سبحانه : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) (٢) وسيجيء الكلام فيه.

*

__________________

(١). الكافي ٥ : ١٤٤ ، الحديث : ٣.

(٢). النساء (٤) : ٩٣.

١٣٦

[يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١)]

قوله سبحانه : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ)

في الكافي والفقيه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ وقد سئل عن الآية ، وقيل : قد أرى من يأكل الربا يربو ماله ـ قال : «فأيّ محق أمحق من درهم الربا؟! يمحق الدين ، وإن تاب منه ذهب ماله وافتقر». (١)

__________________

(١). من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٧٩ ، الحديث : ٤٠٠٥.

١٣٧

أقول : وهذا ـ كما ترى ـ تفسير للمحق بالمحق التشريعي ؛ أي بعدم اعتبار الملكيّة والتحريم ، وتقابله الصدقات ، أو المحق الباطني في مقابل التربية الباطنيّة ، كما قال سبحانه : (مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ* تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) إلى أن قال : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ). (١)

ويروم إلى هذا المعنى ما في تفسير العيّاشي عن عليّ بن الحسين ـ عليهما‌السلام ـ عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال : «إنّ الله ليربّي لأحدكم الصدقة كما يربّي أحدكم ولده ؛ حتّى يلقاه يوم القيامة وهو مثل احد». (٢)

وفيه عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ قال : «قال الله تعالى : أنا خالق كلّ شيء ، وكلّت بالأشياء غيري إلّا الصدقة فإنّي أقبضها بيدي ؛ حتّى أنّ الرجل والمرأة يتصدّق بشقّ التمرة ، فاربّيها له كما يربّي الرجل منكم فصيله وفلوه ، (٣) حتّى أتركه يوم القيامة أعظم من احد». (٤)

أقول : قوله : «أقبضها بيدي» سيجيء بيانه في قوله تعالى : (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) (٥) وأمّا التربية بالتعظيم فهو المحصّل من قوله تعالى : (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) وآيات تضعيف الحسنات وأخذه بنفسه.

قوله سبحانه : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا)

__________________

(١). إبراهيم (١٤) : ٢٤ ـ ٢٦.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ١٥٣ ، الحديث : ٥٠٨.

(٣). الفلو والفلوّ : الجحش أو المهر يفطم أو يبلغ السنة.

(٤). تفسير العيّاشي ١ : ١٥٣ ، الحديث : ٥٠٩.

(٥). التوبة (٩) : ١٠٤.

١٣٨

في تفسير القمّي أنّه لمّا أنزل الله : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) (١) قام خالد بن الوليد إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وقال : يا رسول الله ربا أبي في ثقيف ، وقد أوصاني عند موته بأخذه ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا)». (٢)

وروى قريبا منه الطبرسي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ. (٣)

قوله سبحانه : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ)

«كان» تامّة ، أي : وإن وجد ذو إعسار من غرمائكم.

وقوله تعالى : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤) كقوله : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٥) ظاهر معناه : إن كنتم تعلمون ما فيه من الفضل علمتم أنّ التصدّق خير لكم.

وفي الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «صعد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ المنبر ذات يوم ، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على أنبيائه ، ثمّ قال : أيّها الناس ليبلّغ الشاهد منكم الغائب : ألا ومن أنظر معسرا كان له على الله في كلّ يوم صدقة بمثل ماله ، حتّى يستوفيه ، ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

__________________

(١). البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٢). تفسير القمّي ١ : ٩٣.

(٣). راجع : الميزان في تفسير القرآن ٢ : ٤٢٦.

(٤). البقرة (٢) : ٢٨٠.

(٥). البقرة (٢) : ١٨٤.

١٣٩

أنّه معسر ، فتصدّقوا عليه بمالكم فهو خير لكم». (١)

أقول : قوله : «إن كنتم تعلمون أنّه معسر» معنى غريب ، وله أثر مترتّب في أحكامه ليس هاهنا موضع ذكره.

قوله سبحانه : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ ...)

في المجمع عن ابن عبّاس : أنّها آخر آية نزل بها جبرئيل. (٢)

*

__________________

(١). الكافي ٤ : ٣٥ ، الحديث : ٤.

(٢). مجمع البيان ٢ : ٢١٤.

١٤٠