آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

ذلك لا شبهة في صحة الطهارات الثلاث اذا اتى بها بداعي التوسل بها الى ذي المقدمة والحال انه لو كان المنشا لعباديتها الأمر النفسي لم تكن صحيحة اذ مع الغفلة عن أمرها النفسي بل مع القطع بعدمها كيف يمكن الالتزام بأن الوجه في عباديتها الأمر النفسي المتعلق بها ، واجيب عن هذا الاشكال بأجوبة :

الجواب الاول : ما أفاده صاحب الكفاية بتقريب ان الامر الغيري انما يدعو الى ما يكون مقدمة والمفروض ان الطهارات الثلاث تكون مأمورا بها بالأمر النفسي فيكون قصد الامر النفسي متحققا ولو ضمنا.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأنه لا يمكن الالتزام بهذه المقالة اذ كيف يمكن الالتزام بكون المكلف قاصدا للأمر المتعلق بها مع كونه غافلا عن أمرها بل ربما يكون قاطعا بعدمه وعلى فرض الكفاية يلزم ان المكلف لو أتى بصلاة الظهر بقصد الأمر الغيري ومن باب كون الظهر مقدمة للعصر يكون كافيا والحال انه ضروري الفساد. ويمكن أن يقال بأن المكلف اذا كان قاطعا بأن الفعل الفلاني لا يجب أن يؤتى به بداعي محبوبيته للمولى والحال ان الواجب في الواقع كذلك فلو أتى بالفعل بالداعى الواجب شرعا يكون صحيحا فيكون المقام كذلك مضافا الى أنه ما الوجه في فساد الظهر في الصورة المفروضة في كلامه ولا نرى فارقا بين مقامنا وذلك المقام.

الجواب الثاني ما افاده الميرزا النائيني وتقريبه : ان الامر النفسي ينحل الى الاوامر المتعلقة بالاجزاء والشرائط فكما ان كل جزء له حصة من الأمر النفسي كذلك كل شرط له حصة منه بلا فرق.

ان قلت : على هذا يلزم قصد القربة في كل شرط من شرائط الصلاة ، قلت قد علم من الشرع ان الأمر المتعلق بالطهارات الثلاث قربي دون غيرها.

ويرد عليه : اولا انا لا نسلم الامر الضمني وقد انكرناه بل ليس إلّا أمر واحد متعلق بالمجموع من حيث المجموع ، وثانيا : ان الامر النفسي انما يتعلق بالأجزاء

١٦١

وبتقيدها بالشرائط وأما نفس الشرائط فلا أمر لها نفسيا.

الجواب الثالث : ان منشأ عبادية الطهارات الثلاث احد أمرين ، احدهما : قصد امرها النفسي المتعلق بها ، ثانيهما قصد التوسل بها الى الواجب النفسي فلو فرض تحقق قصد التوسل تصح الطهارات الثلاث ولو كان المكلف غافلا عن أمرها النفسي.

بقي في المقام أمران : الأمر الاول : ان المكلف لو لم يأت بالطهارات الثلاث قبل الوقت الى ان دخل الوقت فهل يجوز له أن ياتي بها بداعي الامر الاستحبابي المتوجه اليها؟ ربما يقال بأنه لا يجوز لاندكاك الامر الاستحبابي النفسي في الامر الغيري الوجوبي فلا موضوع للامر الاستحبابي ، وربما يجاب عن الاشكال كما عن صاحب العروة بأنه لا مانع عن تعلق حكمين الوجوب والاستحباب بالعمل الواحد بجهتين.

وفيه : ان تعدد الجهة انما تفيد اذا كان الجهة حيثية تقييدية وأما اذا كانت تعليلية فلا اثر لتعدد الجهة والصحيح في الجواب أن يقال اولا : انه لا دليل على الوجوب الغيري فلا حكم للطهارات بعد الوقت الا الاستحباب ، نعم انما تجب بحكم العقل وأما بحكم الشرع فلا ، وثانيا : فرضنا تعلق الوجوب الغيري بها لكن قد تقدم منا ان الوجوب الغيري يتعلق بما هو مقدمة والمفروض ان المقدمة الطهارة بقصد القربة فالنتيجة انه لا مانع عن قصد الامر الاستحبابي.

الأمر الثاني : ان المكلف اذ أتى بالطهارات الثلاث بداعي التوسل بها الى الواجب النفسي ثم بدا له في الاتيان بالواجب فهل تقع الطهارات صحيحة أم لا الحق أن يقال انها تقع صحيحة أما على القول بعدم وجوب المقدمة كما ان الحق كذلك أو كان الواجب مطلق المقدمة لا خصوص الموصلة منها فالأمر ظاهر ، وأما على القول بكون الواجب خصوص المقدمة الموصلة فالأمر ايضا كذلك لأن قصد التوسل بالمقدمة الى الواجب يوجب قربيتها فلا تكون الصحة متقومة بالأمر الغيري

١٦٢

ومما ذكر يظهر ان المكلف لو أتى بالطهارات الثلاث قبل وقت الواجب كما لو توضأ قبل الظهر للتوسل بها الى الصلاة تكون صحيحة اذ المفروض تحقق قصد القربة ومع تحققه لا وجه لعدم صحتها فلاحظ.

ثم ان وجوب المقدمة على القول به تابع في الاطلاق والاشتراط لوجوب ذيها فان كان وجوب ذيها مطلقا يكون وجوبها كذلك وان كان مشروطا فوجوبها كذلك ايضا ، والوجه فيه ظاهر اذ القائل بالوجوب يرى ان العقل يحكم بكون المقدمة واجبة عند وجوب ذيها ويرى الملازمة بين الوجوبين ، وان شئت قلت : ان العقل يدرك تبعية المقدمة لذيها فى الوجوب والعدم فيلزم أن تكون تابعة له في الاطلاق والاشتراط ، اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان القائلين بوجوب المقدمة اختلفوا وذهبوا الى الأقوال المختلفة :

القول الاول : ما ذهب اليه صاحب المعالم قدس‌سره وهو ان المقدمة انما تجب فيما يكون المكلف مريدا لاتيان ذي المقدمة.

ويرد عليه : انه لو لم يكن المكلف مريدا لاتيان ذي المقدمة ، فاما لا تكون المقدمة واجبة واما لا يكون الواجب واجبا وكلا الامرين باطلان اذ على فرض عدم وجوب المقدمة يلزم الانفكاك بين الوجوبين وقد تقدم التلازم بين الأمرين وعلى الثاني ، اي على فرض عدم كون الواجب واجبا يلزم أن يكون وجوب الواجب متوقفا على ارادة المكلف وهذا أمر غير معقول فان ايجاب المولى يكون داعيا للارادة لا ان الارادة تكون داعية للايجاب وان شئت قلت : مرجع هذا الاشتراط الى تحصيل الحاصل مضافا الى أن الاشتراط المذكور مقطوع الفساد.

القول الثاني : ما نسب الى الشيخ الاعظم الانصاري قدس‌سره وهو : ان الواجب خصوص المقدمة التي يقصد بها التوسل الى الواجب.

ويرد عليه : ان الملاك في وجوب المقدمة على القول بوجوبها التمكن من

١٦٣

الواجب النفسي وهذا الملاك موجود في المقدمة بلا تقيدها بالقيد المذكور ولذا لو أتى المكلف بالمقدمة بلا قصد التوسل يحصل الملاك وهو التمكن من ذيها ، نعم ترتب الثواب على المقدمة يتوقف على قصد التوسل.

ان قلت : انما تجب المقدمة بعنوان كونها مقدمة فالواجب الفعل المعنون بهذا العنوان فما دام لم يقصد العنوان لا يتحقق الواجب وحيث ان قصد التوسل مرجعه الى قصد عنوان المقدمية يحصل الواجب بهذا العنوان.

قلت : عنوان المقدمية من الجهات التعليلية لا من الجهات التقييدية وبعبارة اخرى : عنوان المقدمية كالمصالح الكامنة في الأفعال الواجبة الموجبة لوجوبها.

وقد تصدى بعض الاعلام لتقريب ما أفاده الشيخ قدس‌سره ببيان أمرين :

احدهما : ان الجهات التقييدية تمتاز عن الجهات التعليلية في الأحكام الشرعية فان عنوان الصلاة جهة تقييدية ولذا يلزم قصدها وأما المصالح فهي جهات تعليلية ولا يلزم قصدها في مقام الامتثال واما في الأحكام العقلية فالجهات التعليلية ترجع الى الجهات التقييدية بلا فرق بين الاحكام النظرية والاحكام العملية مثلا العقل اذا حكم باستحالة شيء بلحاظ استلزامه للدور يرجع الى حكم العقل باستحالة الدور وقس عليه بقية احكامه النظرية وأما الثاني فائضا كذلك مثلا لو حكم العقل بحسن ضرب اليتيم للتأديب يكون متعلق حكمه التأديب فالنتيجة ان الجهات التعليلية لا تفترق عن الجهات التقييدية.

وفيه : ان الكلام في المقام ليس في وجوب المقدمة عقلا بل الكلام في وجوبها الشرعي بحكم العقل.

ثانيهما : ان متعلقات التكاليف اعم من أن تكون تعبدية او توصلية لا تقع على صفة الوجوب ومصاديق للواجب بما هو واجب الا مع الاتيان بها عن قصد وعمد والسبب في ذلك ان التكليف لا يتعلق إلّا بالفعل المقدور وأما العمل غير الاختيارى

١٦٤

وان كان محصلا للغرض فلا يكون مصداقا للواجب بما هو واجب بل يستحيل أن يتعلق به التكليف وحيث ان المفروض ان الحكم العقلي موضوعه عنوان المقدمة لا يتحقق الواجب في الخارج الا فيما يقصد بالمقدمة التوسل الى ذيها.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأنه لا دليل على لزوم تعلق التكليف بخصوص الحصة المقدورة بل يمكن تعلقه بالجامع بين المقدور وغيره وانما المستحيل تعلق التكليف بخصوص الحصة غير المقدورة فلا يتم ما أفاده. والذي يختلج ببالي في هذا العجالة أن ما افاده اولا ان تم فلا يحتاج الى الامر الثاني ويتم الاشكال وان لم يتم فلا اثر للمقدمة الثانية فلاحظ.

القول الثالث : ما ذهب اليه صاحب الفصول قدس‌سره وهو ان الواجب من المقدمة الحصة الموصلة منها ، وقد أورد على القول المذكور بايرادات :

منها : انه يلزم الدور والتسلسل ، أما الدور فلان ترتب ذي المقدمة اذا كان قيدا لوجود المقدمة يجب ذو المقدمة بوجوب مقدمته فوجوب المقدمة يتوقف على وجوب ذي المقدمة كما ان وجوب ذي المقدمة يتوقف على وجوب مقدمته وهذا دور ، وأما التسلسل فلأن الواجب على هذا القول خصوص الموصلة فيكون الواجب المقدمة المقيدة بهذا القيد فننقل الكلام الى ذات المقدمة ونقول ان كانت واجبة بلا قيد يلزم الخلف وان كانت مقيدة ننقل الكلام الى الذات وهكذا.

ويرد على الايراد المذكور ان وجوب المقدمة ناش عن وجوب ذي المقدمة ووجوب ذي المقدمة بالوجوب الغيري ناش عن وجوب المقدمة وبعبارة اخرى وجوب المقدمة يتوقف على وجوب ذي المقدمة بالوجوب النفسي ووجوب ذي المقدمة بالوجوب الغيري ناش عن وجوب المقدمة فلا دور.

وأما التسلسل فأيضا لا يلزم لأن ذات المقيد بالنسبة الى القيد لا تكون مقدمة بل نسبتها اليه نسبة الكل الى الجزء ولا يكون كل جزء من المركب واجبا

١٦٥

بالوجوب الغيري ويمكن أن يقال : ان الواجب على هذا القول المقدمة الموصلة وعليه لا تصل النوبة الى الاشكال المذكور وبعبارة اخرى : الواجب خصوص الموصلة فيكون الواجب منحصرا في فرد واحد وهو الموصل.

وأفاد سيدنا الاستاد ان القول بوجوب المقدمة الموصلة لا يستلزم القول بوجوب ذي المقدمة ولا يلزم أن يكون ذو المقدمة قيدا للمقدمة الواجبة كى يلزم هذا الاشكال بل الواجب الحصة الملازمة لوجود ذي المقدمة.

ويرد عليه : انه لا اشكال في استحالة الاهمال في الواقع وعليه نسأل ان الواجب من المقدمة بالنسبة الى الواجب النفسي بشرط شيء أو بشرط لا أو لا بشرط لا مجال للثاني والثالث ، فيكون مقيدا به فيتوجه الاشكال.

ومن تلك الايرادات : ان ملاك الوجوب الغيري اذا كان قائما بخصوص ما يترتب عليه الواجب النفسي خارجا فلا بد من القول باختصاص الوجوب بخصوص السبب دون غيره وهذا لم يلتزم به صاحب الفصول وان كان ملاكه مطلق التوقف فهو مشترك بين جميع أقسام المقدمات فلا وجه لاختصاص الوجوب بخصوص الموصلة.

والجواب عن هذا الاشكال : ان القائل بهذا القول قائل باختصاص الوجوب بخصوص المقدمة التي يتحقق بعدها الواجب النفسي وبعبارة واضحة يختص الوجوب الغيري بمقدمة واحدة وهي الموصلة ومرجع هذا القول ليس الالتزام باختصاص الوجوب بالأسباب التوليدية بل نقول يختص الوجوب بالحصة الخاصة وهي الموصلة من المقدمة وببيان اوضح : نقول ان الواجب من المقدمة على هذا القول مصداق واحد ومقدمة واحدة وهي الموصلة ، فان كل مقدمة تفرض اما تكون موصلة الى الواجب واما لا تكون أماما لا تكون موصلة فلا تكون واجبة وأما الموصلة اليه فهي واجبة فقط وهي منحصرة في الفرد الواحد.

ومن الايرادات الواردة على هذا القول : ان الغرض من ايجاب المقدمة

١٦٦

التمكن من الاتيان بذيها وهذا الغرض يترتب على مطلق المقدمة لا خصوص الموصلة منها.

ويرد عليه : ان التمكن من ذي المقدمة حاصل بالتمكن على مقدمتها فان المقدور بالواسطة مقدور مضافا الى أن التمكن من ذي المقدمة اذا كان متوقفا على الاتيان بالمقدمة فللمكلف أن لا يأتي بمقدمة الواجب لأن تحصيل القدرة على الواجب لا يكون واجبا اضف الى ذلك ان المقدمة الموصلة اذا تحققت في الخارج يكون مرجعه الى تحقق الواجب فلا مجال لأن يقال : الغرض من ايجاب المقدمة حصول التمكن من الواجب.

ومن الايرادات الواردة على القول بالمقدمة الموصلة : ان المكلف اذا أتى بالمقدمة ولم يأت بذيها ، فاما يسقط الامر الغيري أو لا يسقط لا سبيل الى الثاني وإلّا يلزم التكرار وأما ان قلنا بسقوطه فسقوط أمره اما لأجل حصول الامتثال واما لأجل العصيان واما لاجل انتفاء الموضوع وحيث ان العصيان لم يتحقق ، وأيضا المفروض عدم انتفاء الموضوع يتعين ان السقوط لأجل الاطاعة والامتثال وهذا هو المطلوب.

والجواب : انه ان قلنا بأن الواجب المقدمة الموصلة فما دام لم يتحقق ذو المقدمة في الخارج لا تتحقق الاطاعة بالنسبة الى المقدمة ، وبعبارة اخرى : ان تحقق الواجب في الخارج يكشف عن ان الامتثال حصل بالنسبة الى وجوب المقدمة وإلّا فلا ، وان شئت قلت وجود الواجب النفسي شرط متأخر للواجب الغيري فلا يتوجه الاشكال المذكور.

وقد استدل على المدعى أي اختصاص الوجوب بخصوص المقدمة الموصلة بوجوه : الوجه الاول : ان الحاكم بالملازمة هو العقل ، والعقل لا يرى الملازمة الا بين ايجاب شيء وايجاب مقدمته الموصلة.

وأورد عليه في الكفاية بأن ملاك الوجوب والملازمة العقلية موجود في

١٦٧

جميع انحاء المقدمة ، ولا فرق بين تلك الأفراد والملاك حصول التمكن من ذي المقدمة.

ويرد عليه الاشكال المتقدم وهو ان التمكن حاصل بالقدرة على المقدمة فان المقدور مع الواسطة مقدور.

الوجه الثاني : ان العقل لا يأبى عن تصريح الامر بشيء بعدم ارادة غير المقدمة الموصلة ، ومن الظاهر ان حكم العقل بما ذكر دليل قطعي على اختصاص الوجوب بخصوص المقدمة الموصلة.

واورد عليه : بأن المولى اذا لم يكن مجازفا لا يصرح بما ذكر بعد اشتراك ملاك الوجوب في الموصلة وغيرها وان الملاك هو التمكن من الاتيان بالواجب.

والايراد المذكور مدفوع بما مر من أن التمكن حاصل قبل الاتيان بالمقدمة وقلنا ان المقدور بالواسطة مقدور.

الوجه الثالث : ان الغرض من ايجاب المقدمة انما هو ايصالها الى الواجب ووقوعها في سلسلة علة وجوده وإلّا فلا داعي الى ايجابه.

واورد عليه بوجهين : احدهما : ان الغرض هو التمكن من الواجب وهو امر مشترك بين الموصلة وغيرها وقد مر الجواب عن هذا الاشكال فلا نعيد.

ثانيهما : انه سلمنا ان الغرض من ايجاب المقدمة ترتب ذي المقدمة عليها لكن مع عدم ترتب الغرض المذكور تقع المقدمة على صفة الوجوب ايضا.

وفيه : انه لو كان ترتب ذي المقدمة قيدا للواجب فكيف يمكن وقوع المقدمة على صفة الوجوب فانه خلف.

الوجه الرابع : انه لا يرى العقل مانعا عن نهي المولى عن الاتيان بالمقدمات غير الموصلة وأما الموصلة فلا يجوز العقل النهي عنها وهذا بنفسه دليل اختصاص الوجوب بخصوص الموصلة.

١٦٨

واورد عليه بإيرادين : الاول ، ان ما فرض خارج عن محل الكلام فان الكلام في المقدمة المباحة ، وأما اذا كانت المقدمة محرمة فلا تكون واجبة بالضرورة وبعبارة اخرى : كون المقدمة متصفة بالوجوب مشروط بعدم كونها محرمة وهذا الجواب متين والايراد وارد.

الثاني : ان الوجه المذكور يستلزم احد المحذورين لأن شرط جواز المقدمة الاتيان بذي المقدمة فما دام لم يأت المكلف بالواجب لا يجوز له الاتيان بمقدمته وبعد الاتيان يكون الايجاب تحصيلا للحاصل وهو محال وأيضا مع حرمة المقدمة غير الموصلة لا يكون المكلف قادرا على الاتيان بالواجب فيجوز له تركه فان غير القادر لا يكون مكلفا كما هو ظاهر وعلى الجملة : ان فرض الاتيان بالواجب فلا يصح الامر لاستحالة تحصيل الحاصل ومع عدم الاتيان يكون التكليف ساقطا لعدم القدرة.

ويرد عليه : ان ترتب الواجب على المقدمة ليس شرطا لوجوب المقدمة كى يلزم هذا المحذور بل الترتب قيد وشرط متأخر للواجب كما سبق فلا يلزم محذور لا محذور تحصيل الحاصل ولا محذور التكليف بما لا يطاق ، وصفوة القول : أنه بحكم الوجدان ما أفاده في الفصول تام اذا قلنا بوجوب المقدمة.

ثم انه قد ذكرت ثمرات للقول بوجوب المقدمة وعدمه :

الاولى : صحة العبادة اذا كان تركها مقدمة لواجب اهم وقلنا بأن الواجب منها خصوص المقدمة الموصلة واما ان قلنا بكون الواجب مطلق المقدمة تكون العبادة باطلة لأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده.

وفيه : ان ترتب هذه الثمرة تتوقف على القول بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده وبأن النهي الغيري يقتضي الفساد كالنهي النفسي وكلا الأمرين مورد الاشكال والنقاش وببيان واضح : انه لو قلنا بكون الواجب خصوص

١٦٩

المقدمة الموصلة تكون الصلاة صحيحة فيما يكون تركها مقدمة لواجب أهم كانقاذ الغريق فرضا فان الواجب على هذا القول هو الترك الخاص ونقيض هذا الترك ليس عين الصلاة بل مقارن لها اذ يتحقق في ضمن الصلاة مرة وفي ضمن الترك غير الموصلة مرة اخرى وحرمة الشيء لا تسري الى مقارنه وأما لو قلنا بأن الواجب مطلق المقدمة فترك الصلاة واجب ونقيض الترك المطلق عين الصلاة فالأمر بالترك يقتضي النهي عن الصلاة والنهي عن العبادة يوجب فسادها لكن قد ظهر الجواب بما ذكرناه آنفا فلاحظ.

الثانية : ثبوت الوجوب شرعا على القول بوجوب المقدمة وعدم وجوبها الشرعي على القول بعدم الوجوب. وفيه : ان اللابدية العقلية تكفي للزوم الاتيان بها ولا يحتاج الى الوجوب الشرعي.

الثالثة : ان المقدمة اذا كانت واجبة يمكن الاتيان بها بقصد القربة.

وفيه : ان امكان التقرب لا يتوقف على الوجوب الشرعي كما مر من أنه يمكن قصد التوسل بها الى ذي المقدمة قربة الى الله.

الرابعة : برء النذر بالاتيان بالمقدمة ولو لم تكن موصلة ، اذا نذر الاتيان بالواجب وفيه : ان النذر تابع لقصد الناذر.

الخامسة : انه على القول بالوجوب لا يجوز اخذ الاجرة عليها وفيه : انه قد ثبت في محله جواز اخذ الاجرة على الواجب وان وجوب الشيء لا ينافي اخذ الاجرة عليه.

السادسة : حصول الفسق بترك الواجب النفسي مع مقدماته الكثيرة وفيه : اولا انه لا بد من فرض الكلام فيما يكون ترك الواجب من الصغائر ، وثانيا : ان ترتب الثمرة المذكورة يتوقف على القول بعدم تحقق العصيان بالمعصية الصغيرة وهذا محل الكلام والاشكال.

١٧٠

السابعة : انه لو كانت المقدمة محرمة فعلى القول بوجوب المقدمة يلزم اجتماع الأمر والنهي وإلّا فلا وقد اورد عليه باشكالات : الاشكال الأول ، ان تحقق اجتماع الأمر والنهي يتوقف على تعلق كل من الأمر والنهي بعنوان غير العنوان الآخر بأن يتعلق الأمر بعنوان كتعلق وجوب الصلاة بها ويتعلق النهي بعنوان آخر كتعلق النهي بعنوان الغصب ويجتمع العنوانان في أمر واحد والمقام ليس كذلك لأن وجوب المقدمة لا يتعلق بعنوان المقدمة بل يتعلق بما يكون مقدمة وبعبارة اخرى : المقدمية عنوان تعليلي لا تقييدي فيكون المقام داخلا في مسئلة النهي عن العبادة.

واورد عليه : بأن عنوان المقدمية وان كان من الحيثيات التعليلية ولكن الواجب في باب المقدمة الجامع بين المقدمات فيدخل المقام في باب الاجتماع اذ متعلق كل من الأمر والنهي غير متعلق الآخر والاجتماع بينهما اتفاقي.

الاشكال الثاني : ان المقدمة المفروضة اما منحصرة واما غير منحصرة ، أما على الأول ، فاما يكون الواجب اهم واما يكون الحرام كذلك اما لو كان الواجب أهم فلا تتحقق الحرمة وأما على تقدير كون الحرام أهم فلا يتحقق الوجوب ، وأما على الثاني ، فمتعلق الوجوب الحصة المباحة فقط ، فالنتيجة انه لا تكون المقدمة المحرمة مجمعا للأمر والنهي.

واورد على الاشكال : بأن الأمر في صورة انحصار المقدمة وان كان كذلك ولكن في غير هذا الصورة لا وجه لاختصاص الوجوب بالحصة المباحة بل متعلق الأمر الجامع بين الحصة المباحة والحصة المحرمة فعلى القول بالاجتماع تظهر النتيجة.

الاشكال الثالث : ان الغرض من المقدمة الايصال الى ذي المقدمة فان كانت المقدمة توصلية يمكن التوسل بها الى ذيها وان كانت محرمة بلا فرق بين تعلق الوجوب بالمقدمة وعدمه ، وان كانت تعبدية فان قلنا بجواز الاجتماع تصح المقدمة بلا توقف على القول بوجوب المقدمة ، وان قلنا بعدم الجواز وترجيح جانب النهي

١٧١

تكون العبادة فاسدة بلا فرق بين القولين فلا أثر للنزاع.

اذا عرفت ما تقدم نقول : أفاد صاحب الكفاية انه لا اصل في المسألة بالنسبة الى اصل الملازمة وعدمها اذ الملازمة على تقدير تحققها أمر ازلي ولا تكون مسبوقة بالعدم كى يستصحب عدمها وأما في المسألة الفرعية فمقتضى الاصل عدم وجوب المقدمة.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأنه : لا مجال للاصل العملي لا للبراءة ولا للاستصحاب أما الأول ، فان البراءة العقلية انما تجري لدفع العقاب والمفروض انه لا عقاب على ترك الواجب الغيري ، وأما البراءة الشرعية فائضا لا تجري لانها لرفع الكلفة امتنانا ولا امتنان في رفع الوجوب الغيري اذ لا كلفة في وجوده وبعبارة اخرى وجوده وعدمه سيان.

وأما الاستصحاب ، وان كان اركانه تامة لكن لا أثر لاستصحاب عدم الوجوب فان العقل حاكم بلزوم الاتيان بالمقدمة مقدمة للاتيان بالواجب ، وان شئت قلت بعد عدم ترتب اي اثر على وجوب المقدمة لا مجال لجريان الاستصحاب واثبات عدمه ، ولقائل ان يقول : ان مقتضى الاطلاق رفض القيود والرفض خفيف المئونة وحيث ان دليل الأصل أعم من البراءة والاستصحاب باطلاقه شامل للمقام فلا مانع من الالتزام بإباحة المقدمة وعدم وجوبها ببركة اصالتي البراءة والاستصحاب.

ان قلت : ان الملازمة على تقديرها تقتضي عدم الانفكاك بين اللازم والملزوم فكيف يحكم بعدم الوجوب ببركة الأصل.

قلت : الملازمة على تقديرها بين أمرين واقعيين والأصل يقتضي التفكيك في مقام الظاهر ، وصفوة القول انه لا تنافي بين الحكم الواقعي والظاهري فلاحظ هذا تمام الكلام بالنسبة الى الأصل العملي.

وأما مقتضى الأصل اللفظي فقد استدل على وجوب المقدمة شرعا بوجوه

١٧٢

ثلاثة :

الوجه الأول : ما عن الاشعري ، وهو أنه لو أوجب المولى شيئا يجب عليه أن يوجب مقدمات ذلك الشيء وإلا جاز تركها فيلزم احد المحذورين ، اذ الوجوب مع ترك المقدمات اما يبقى بحاله فيلزم التكليف بما لا يطاق واما يسقط فيلزم اناطة الوجوب بالاتيان بالمقدمات ومرجعه الى الوجوب المشروط.

ويرد عليه : ان المقدور مع الواسطة مقدور ومن ناحية اخرى يلزم العقل المكلف بالاتيان فلا يتوقف لزوم الاتيان على ايجاب المقدمة.

الوجه الثاني : ان الأوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات تدل على لزوم ايجاب المقدمة من قبل المولى فان الشارع الأقدس أمر في كتابه وسنته المقدسة بالوضوء بقوله (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) وقوله عليه‌السلام «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» الى غير ذلك ، والامر المتعلق بالمقدمة في هذه الموارد اما ناش من ملاك نفسي واما ناش من ملاك غيري أما على الأول فيلزم أن يكون الوجوب نفسيا وهذا خلف ، وأما على الثاني فيلزم الايجاب من قبل المولى بالنسبة الى المقدمة وهذا هو المطلوب.

وفيه : ان الاوامر الواردة في هذه الموارد أوامر ارشادية الى الشرطية أو المانعية ولا تكون اوامر مولوية ، ولذا نرى ان جملة من الأوامر تعلقت في الشريعة بالاجزاء والحال ان الجزء لا يكون واجبا بالوجوب المولوي.

الوجه الثالث : ان الانسان اذ اشتاق الى شيء اشتاق الى مقدماته وما يتوقف عليه ذلك الشيء ، والوجدان أصدق شاهد على هذه الدعوى ولا فرق في تعلق الاشتياق الى المقدمة بين الارادة التكوينية والارادة التشريعية.

ويرد عليه : اولا انه على فرض تمامية الدعوى انما يتعلق الاشتياق الى خصوص المقدمة الموصلة لا الى مطلق المقدمة وثانيا : ان الاشتياق امر تكويني غير اختياري

١٧٣

للمولى والكلام في الوجوب الذي هو فعل اختياري للمولى ولا وجه لايجاب المقدمة بعد فرض عدم موضوعية لها ومن ناحية اخرى يكون الواجب مقدورا للمكلف ولو مع الواسطة والعقل يلزم المكلف باتيان الواجب اذ فرض كونه اختياريا له ولو مع الواسطة بل لقائل ان يقول : ان الايجاب الشرعي للمقدمة أمر مستحيل لأن العقل يلزم المكلف باتيان المقدمة للايصال الى ذيها فلا وجه لايجاب المولى ، وان شئت قلت كما ان الأمر بالاطاعة من قبل المولى لا يمكن أن يكون مولويا بل ارشاد الى حكم العقل كذلك الامر بالمقدمة على فرض تحققه ارشادي لا مولوي. فتحصل مما تقدم انه لا دليل على وجوب مقدمة الواجب ، وأما مقدمة المستحب فالأمر فيها كمقدمة الواجب بلا فرق والملاك واحد والمناط فارد فلاحظ.

وأما مقدمة الحرام فربما يقال ان مقدمة الحرام تارة تكون علة تامة لارتكاب الحرام بحيث لا تبقى قدرة الترك للمكلف واخرى لا تكون كذلك ، أما على الاول فتكون المقدمة محرمة اذ المفروض ان ذا المقدمة خارج عن القدرة بعد الاتيان بمقدمته فالمقدور هي المقدمة ويشترط القدرة في متعلق التكليف ، وأما مع بقاء القدرة فتارة يأتي المكلف بالمقدمة للايصال الى ذيها واخرى لا يكون قاصدا للاتيان بالحرام ، أما على الاول فائضا تكون المقدمة محرمة ولو من باب التجري وأما على الثاني فلا تكون محرمة لعدم المقتضي للحرمة.

ويرد على هذا التفصيل : انه لا مقتضي للحرمة على الاطلاق ، أما القسم الاول فان الحرمة تتعلق بنفس الحرام لا بمقدمته لأن المفروض كونه مقدورا ولو مع الواسطة فلا وجه لتعلق الحرمة بالمقدمة ، وأما القسم الثاني ، فائضا لا وجه لحرمة المقدمة لعدم المقتضي لها ، نعم الآتي بمقدمة الحرام بقصد الاتيان بالمحرم يتعنون بعنوان المتجري ، والتجري يوجب استحقاق العقاب وأما الفعل المتجرى به فلا يكون حراما ، فالنتيجة انه لا مقتضي لحرمة مقدمة الحرام كما لا مقتضي لوجوب

١٧٤

مقدمة الواجب ، وأما مقدمة المكروه ، فهي كمقدمة الحرام فلاحظ.

الجهة الحادية عشرة :

في أن الأمر بشيء هل يقتضي النهي عن ضد ذلك الشيء ام لا؟ قال في الكفاية : الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده أولا؟ فيه أقول والبحث في هذه المسألة يقع في مواضع : الموضع الاول في أن البحث في هذه المسألة بحث عقلي وبحث عن التلازم بين وجوب شيء وحرمة ضده فلا يكون داخلا في الأبحاث اللفظية.

الموضع الثانى : الاقتضاء المذكور في عنوان المسألة أعم من أن يكون بنحو العينية أو الجزئية أو اللزوم كى يعم النزاع جميع الأقوال فان من الأقوال قولا بكون الأمر بشيء عين النهي عن ضده ، ومن الأقوال ان النهي عن الضد جزء من مدلول الأمر ، ومنها ان الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده.

الموضع الثالث : ان المراد بالضد المبحوث عنه في محل الكلام أعم من الضد الخاص والمراد بالضد مطلق ما ينافي الشيء بلا فرق بين الخاص والعام اذا عرفت ما تقدم نقول يقع الكلام تارة في الضد الخاص واخرى في الضد العام فالكلام يقع في موردين :

أما المورد الاول : فقد استدل على المدعى بوجهين : الوجه الاول : ان ترك احد الضدين مقدمة للضد الآخر ومقدمة الواجب واجبة ، فاذا كان الترك واجبا يكون الفعل حراما وهذا هو المدعى وتوضيح الاستدلال ان العلة التامة مركبة من المقتضي والشرط وعدم المانع وحيث ان التمانع موجود بين الضدين يكون عدم كل منهما دخيلا في تحقق الآخر وبعبارة اخرى : عدم احد الضدين مقدمة للضد الآخر هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى قد ثبت في بحث مقدمة الواجب ان المقدمة واجبة فاذا كان ترك الضد مقدمة للضد الآخر يكون واجبا بالوجوب المقدمي فيكون الفعل

١٧٥

حراما وهذا هو المطلوب ، والنتيجة ان الدليل المذكور مركب من امرين : احدهما : ان عدم احد الضدين مقدمة للضد الآخر.

ثانيهما : ان مقدمة الواجب واجبة ، وقد اورد على المقدمة الاولى بايرادات :

الاول ما أورده الميرزا النائيني على الاستدلال باستحالة المقدمية بتقريب ان العلة مركبة من المقتضي والشرط وعدم المانع وهذه الثلاثة ليست فى الرتبة الواحدة بل طولية مثلا اذا لم تكن النار موجودة وكان المحل مرطوبا لا يقال عدم الاحتراق ناش من رطوبة المحل أو اذا لم تكن النار موجودة لا يستند عدم الاحتراق بوجود الرطوبة وايضا اذا كانت النار موجودة لكن لم تتحقق المحاذاة لا يستند عدم الاحتراق الى وجود الرطوبة فاستناد عدم المعلول الى وجود المانع يتوقف على وجود المقتضي ووجود الشرط فلا يتصف المانع بالمانعية الا بعد وجود المقتضي ووجود الشرط فعلى هذا الاساس لا يمكن أن يكون احد الضدين مانعا عن الضد الآخر لأن اتصافه بالمانعية يتوقف على تحقق المقتضي للضد المعدوم ومع وجود احد الضدين في الخارج يستحيل تحقق المقتضي للضد الآخر فانه كما يستحيل اجتماع الضدين كذلك يستحيل اقتضاء الاجتماع فان اقتضاء المحال محال ، وصفوة القول : انه لا وجه لدعوى مقدمية عدم احد الضدين لوجود الآخر الا المنافرة بينهما والحال ان المنافرة بين الضدين لو كانت مقتضية لصحة الدعوى لكان تحقق احد النقيضين متوقفا على عدم الآخر والحال ان بطلانه أوضح من أن يخفى فان طرفي النقيضين في رتبة واحدة.

وبعبارة واضحة : ان عدم عدم زيد عبارة عن وجوده فلو توقف وجود زيد على عدم نقيضه يكون وجوده متوقفا على نفسه ، فتحصل : انه لا يمكن الالتزام بكون احد الضدين مانعا عن الضد الآخر كى يقال ان وجود احدهما يتوقف على عدم الآخر توقف وجود الشىء على عدم مانعة.

١٧٦

الثاني من الايرادات الواردة على المقدمة الاولى من الاستدلال : انه لو فرض وجود المقتضي للضد المعدوم يكون عدمه مستندا الى وجود المقتضي للضد الآخر ، بيان ذلك ان الصور المتصورة في المقام ثلاثة لا رابع لها :

الاولى : أن يكون المقتضي لكلا الضدين موجودا ، الثانية : أن لا يكون المقتضي لشيء من الضدين موجودا عكس الاولى ، الثالثة : أن يكون المقتضي لاحدهما موجودا ولا يكون المقتضي للآخر موجودا ، أما الصورة الثانية والثالثة فالأمر فيهما واضح اذ عدم ما لا مقتضي له مستند الى عدم المقتضي وأما الصورة الاولى فاما يكون المقتضيان لضدين متساويين في القوة والضعف واما يكون احدهما أقوى أما في الشق الأول فلا يؤثر شيء منهما لاستحالة تأثير كليهما وترجيح احدهما على الآخر بلا مرجح على الفرض وأما في الشق الثاني فيؤثر الأقوى ويكون مانعا عن تأثير مقتضي الضد الآخر فعلى كلا التقديرين لا يكون المانع عن الوجود الضد الآخر أما في الشق الاول فكل من المقتضيين يمنع عن تأثير الآخر وأما في الشق الثاني فالمقتضي الأقوى يكون مانعا عن تأثير المقتضي الضعيف فعلى كلا التقديرين لا يكون الضد مانعا عن الضد الآخر بل المانع في كلا الشقين المقتضي ، وان شئت قلت : تأثير كل مقتضي فيما يقتضيه مشروط بعدم المزاحم ومع وجود المزاحم يكون العدم مستندا الى عدم الشرط.

الايراد الثالث على الاستدلال المذكور : هو ان هذا الاستدلال يستلزم الدور ، فان التمانع بينهما لو كان موجبا لتوقف وجود احدهما على عدم الآخر كان عدم الضد الآخر متوقفا على وجود ضده ، وبعبارة اخرى : لو كان وجود احد الضدين متوقفا على عدم الضد الآخر توقف وجود الشيء على عدم مانعة كان عدم الضد الآخر متوقفا على وجود الضد توقف عدم الشيء على وجود مانعة ، فكل من العدم والوجود يتوقف على الآخر وهذا دور ومحال.

١٧٧

وقد اورد على التقريب المذكور بأن التوقف من طرف الوجود فعلي حيث فرض وجود مقتضيه وتحقق شرطه والوجه في عدم وجوده وجود مانعة فيلزم فرض عدمه كى تتم العلة التامة ويتحقق المعلول ، وأما التوقف من طرف العدم فشأني اذ يمكن كون العدم مستندا الى عدم مقتضيه بيان ذلك : ان الارادة المتعلقة بالضدين اما صادرة من الشخص الواحد واما صادرة من شخصين أما على الأول فلا يمكن تعلق الارادة من الشخص الواحد الا بواحد من الضدين وأما تعلقه بكلا الضدين فأمر غير ممكن فعدم الضد المعدوم مستند الى عدم ما يقتضيه وأما اذا كانت الارادة من شخصين فيمكن تعلق ارادة كل منهما باحد الضدين غير ما تعلقت به الاخرى وفي مثله أيضا يكون المانع عن الوجود قوة الطرف المقابل.

وبعبارة واضحة : قوة المقتضي في احداهما تمنع عن تأثير الاخرى فدائما يكون العدم مستندا اما الى عدم المقتضي واما الى قوة المقتضي الآخر المزاحم ولكن هذا التقريب لا يرفع اشكال الدور اذ لو سلمنا امكان كون وجود الضد واقعا في سلسلة علة الضد الآخر وسلمنا كونه صالحا لذلك فكيف يمكن أن يكون معلولا له وان شئت قلت : كيف يعقل أن يكون جزء علة الشيء معلولا له وبعبارة واضحة : اما نسلم امكان استناد عدم احد الضدين الى وجود الضد الآخر واما لا نسلم امكانه أما على الاول فيلزم الدور لتوقف كل منهما على الآخر ، وأما على الثاني فلا يمكن استناد وجود احدهما الى عدم الآخر وعدم امكان المانعية.

الايراد الرابع على الاستدلال المذكور : انه كما لا يمكن اجتماع الضدين في الخارج كذلك لا يمكن اجتماعهما في الرتبة فلا يمكن أن يكون الضدان في رتبة واحدة وان شئت قلت : لا فرق بين وعاء الخارج ووعاء الرتبة من هذه الجهة هذا من ناحية ومن ناحية اخرى التقدم الزماني ملاكه الزمان كما هو ظاهر وأما التقدم الرتبي فهو متوقف على ملاكه كتقدم العلة والشرط وعدم المانع على المعلول وأما مع فقدان الملاك فيكون كل شيء مع غيره في رتبة واحدة وبعبارة اخرى :

١٧٨

المعية في الرتبة فرع عدم ما يقتضي التقدم وحيث ان ملاك التقدم لا يكون بين ضدين يكون الضدان متحدين رتبة ولكن قد تقدم آنفا ان اجتماع الضدين محال في الرتبة ، فيلزم أن يكون عدم احد الضدين في رتبة الضد الآخر اذ لو لم يكن يلزم احد المحذورين اما اجتماع الضدين في الرتبة وهو محال واما ارتفاع النقيضين عن الرتبة وهو ايضا محال ، فالنتيجة ان عدم احد الضدين في رتبة الضد الآخر فلا يعقل أن يكون عدم احد الضدين في سلسلة وجود الضد الآخر اذ يلزم الخلف.

وان شئت قلت : ان عدم كل شيء في رتبة وجود ذلك الشيء فعدم كل من الضدين في رتبة ذلك الضد ، فاذا كان الضدان في رتبة واحدة لكان عدم كل كل واحد منهما في رتبة الضد الآخر وليس هذا من باب قياس المساواة بأن يقال الف مساو ل «ب» و «ب» مساو ل «ج» ف ج مساو ل «الف» كى يقال هذا يتم في التقدم والتأخر الزمانيين وأما في الرتبة فكل من التقدم والتأخر يتوقف على ملاك التقدم والتأخر ولذا العلة مقدمة رتبة على المعلول وعدم العلة لا يكون مقدما على المعلول والحال ان عدم العلة في رتبة العلة وعدم المعلول متأخر عن عدم العلة والمعلول لا يكون متأخرا عنه والحال ان المعلول في رتبة عدمه بل الوجه فيه ان اجتماع الضدين في الرتبة محال فعلى هذا اما يكون عدم احدهما في تلك الرتبة واما يلزم ارتفاع النقيضين عن الرتبة وحيث ان ارتفاعهما محال فالعدم البديل في تلك الرتبة فاذا فرض ان عدم الضد فى رتبة الضد الآخر كيف يمكن أن يكون مقدما عليه رتبة ويكون من أجزاء علته كما هو مبنى الاستدلال المذكور.

وفيه : ان الاشكال المذكور مبني على أصل فاسد وهو استحالة اجتماع الضدين في الرتبة لأن الصفات المذكورة ، اي المضادة والمماثلة والمناقضة صفات عارضة على الموجود الخارجي ولذا نرى انه لا فرق بين كون الرتبة واحدة ام لا ، مثلا

١٧٩

العلة والمعلول مختلفان في الرتبة ومع ذلك يستحيل اجتماعهما في الوجود الخارجي ، وصفوة القول انه لا تعتبر فى التناقض وحدة الرتبة فلا مانع من كون الضدين في مرتبة واحدة وعدم احدهما في رتبة متقدمة على الضد الآخر فهذا الايراد لا اساس له.

ثم انه نسب الى المحقق الخوانساري قدس‌سره ، التفصيل بين الضد الموجود والضد المعدوم بأن يقول المحل القابل لعروض الضدين كالجسم القابل للسواد والبياض اذا كان خاليا وقابلا لعروض كل من السواد والبياض فعروض كل واحد من العرضين يتوقف على مقتضيه وشرطه ولا يتوقف على شيء آخر واذا فرض عروض احدهما كما لو اسود الجسم فعروض البياض يتوقف على عدم السواد الموجود اذ المفروض ان المحل مشغول بالضد ولا يمكن اجتماع الضدين فالضد الموجود مانع عن الضد الآخر وأما الضد المعدوم فلا يكون مانعا كى يكون عدمه دخيلا في وجود الضد.

ورد هذا التفصيل بأن هذا التقريب انما يتم على القول بأن الممكن في بقائه لا يحتاج الى المؤثر اذ على هذا المسلك ان الممكن بعد تحققه ووجوده يبقى بلا علة ولكن هذا المسلك فاسد اذ مناط الاحتياج الى المؤثر ليس هو الحدوث كى يقال الشيء بعد حدوثه غير محتاج واذا كان مناط الاحتياج الحدوث يلزم عدم احتياج كل موجود ممكن قديم فيلزم أن يكون الممكن واجبا اذ فرض عدم احتياجه الى العلة فلا يكون مناط الاحتياج الحدوث.

وبعبارة واضحة : لو فرضنا كون بعض الموجودات قديما ولم يكن حادثا فلا يكون محتاجا فيكون واجبا والحال انه فرض كونه ممكنا فالنتيجة ان مناط الاحتياج ليس حدوث الاشياء ، بل المناط في الاحتياج هو الامكان وعليه كل ممكن كما يكون محتاجا فى حدوثه الى العلة كذلك يكون محتاجا في بقائه اليها فعلى

١٨٠