آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

مقدما على المعلول مع ان عدم العلة في رتبة المعلول.

ويرد عليه : ان تقدم الأمر بالأهم على الأمر بالمهم بالملاك لانه في سلسلة موضوعه والموضوع وما يكون في سلسلة الموضوع مقدم بالرتبة على الحكم وبعبارة واضحة ما دام لا يكون امر لا يكون عصيان وما دام لا يكون عصيان لا يكون امر بالمهم.

ثم يرد على الميرزا بأنه لا فرق بين العصيان والعزم عليه بأن كل واحد منهما يمكن أن يكون موضوعا لتعلق الأمر بالمهم لأن الميزان برفع المحذور والمحذور يرتفع بكل واحد من الأمرين ، نعم الشرط بحسب حكم العقل هو العصيان الخارجي فان الخطاب الترتبي بحكم العقل والعقل لا يدرك محذورا لتعلق الأمر بالمهم في ظرف العصيان.

اللهم إلّا ان يقال ان العزم على العصيان لا ينفك عن العصيان لأن العزم السابق على زمان العصيان لا يكون محل الكلام وبعبارة اخرى : الكلام في زمان العصيان وهو زمان تعلق الأمر بالأهم والعزم على العصيان ملازم للعصيان فلا فرق بين جعل الشرط العصيان أو العزم عليه فان الميزان عدم الاشتغال بالامتثال.

الوجه الرابع : ان العصيان لأمر الأهم اما يكون شرطا مقارنا للامر بالمهم واما يكون شرطا متأخرا له أما على الاول فمرجعه الى هدم اساس الترتب فان القائل بالترتب يقول الأمر بالأهم والامر بالمهم كلاهما موجودان في زمان واحد والحال ان زمان عصيان الأمر بالأهم متأخر عن زمان الأمر به فان عصيان كل أمر متأخر عن زمان ذلك الأمر وبعبارة واضحة : زمان الأمر لا عصيان وزمان العصيان لا أمر فان كان العصيان شرطا مقارنا للأمر بالمهم لا يكون الأمر بالمهم موجودا في زمان وجود الأمر بالأهم فينهدم اساس الترتب وان كان شرطا على نحو الشرط المتأخر يلزم أن يتعلق الأمر والالزام بالجمع بين الضدين فالترتب باطل على كلا التقديرين.

٢٠١

وفيه : انه لا يصح ما أفاده على كلا التقديرين ، أما على نحو الشرط المتأخر فيرد عليه انه فرضنا اجتماع الأمرين لكن حيث ان احدهما مشروط بعصيان الآخر لا يلزم محذور الأمر بالجمع ، وصفوة القول : ان القائل بالترتب يقول لا يقع العبد في المحذور أبدا اذا ما يطيع الأمر بالأهم واما لا يطيع ، أما على فرض الاطاعة فلا أمر بالمهم ، وأما على فرض العصيان فيقدر على الاتيان بالمهم وكما قلنا سابقا ان العبد يمكنه أن لا يجمع بين التركين وعقابه عليه لا على عدم الجمع بين الضدين كى يقال ان القدرة لا تتعلق بالجمع بين الضدين ، وأما على فرض كون العصيان شرطا مقارنا فائضا لا يصح ما أفاده من انه هادم لاساس الترتب فان هذا التوهم ناش من تصور ان زمان العصيان متأخر عن زمان الأمر والحال انه ليس كذلك فان زمان العصيان مقارن مع زمان الأمر ولا يعقل تأخره الزماني فانه لو لم يكن الأمر موجودا لا يتصور الامتثال ولا يتصور العصيان ، وان شئت قلت : قوام الامتثال والعصيان بوجود الأمر وبدونه لا موضوع للامتثال ولا للعصيان فالحق ان العصيان شرط للأمر بالمهم على نحو الشرط المقارن ولا ينهدم اساس الترتب.

ثم ان سيدنا الاستاد أفاد على ما في التقرير بأن المسقط للامر احد امرين لا ثالث لهما احدهما : الامتثال ، بتقريب ان الأمر معلول للغرض ومع الامتثال يحصل الغرض ومع حصوله لا مجال لبقاء الأمر وبعبارة اخرى : الأمر معلول للغرض وبقائه مع عدم الغرض يرجع الى بقاء المعلول بلا علته وهو غير معقول وبهذا الاعتبار يكون الامتثال موجبا للسقوط لا أن الامتثال بنفسه يوجب السقوط وكيف يمكن أن يكون كذلك فان الامتثال معلول للامر فكيف يكون المعلول علة لانعدام علته.

ثانيهما : عدم القدرة على الامتثال فان بقاء الأمر مع عدم قدرة العبد على الاتيان غير معقول وأما العصيان بما هو فلا يعقل أن يكون مسقطا فان ثبوت الأمر

٢٠٢

في حال العصيان ضروري هذا ملخص كلامه في هذا المقام.

ويرد عليه : اولا ان الغرض لا يكون علة للأمر فان الأمر فعل اختياري للمولى ولا يكون معلولا للغرض ، وبعبارة واضحة : ان الأحكام الشرعية لا تكون داخلة في باب العلل والمعاليل التكوينية وثانيا : انه لا تنافي بين كون العصيان مقارنا زمانا مع الأمر وبين سقوط الأمر بالعصيان لأن العصيان لا يتحقق إلّا بعد انقضاء وقت الواجب وبعد انقضاء الوقت لا يبقى مجال لبقاء الأمر لانتفاء موضوعه على الفرض فيصح أن يقال انه بتحقق العصيان يسقط الأمر بالبيان المتقدم ذكره آنفا.

وثالثا : انه لا مانع من أن يقال الامتثال يقتضي سقوط الأمر ولا يصح أن يقال ان الامر علة للامتثال فكيف يمكن أن يكون الامتثال علة لعدم الأمر اذ كما ذكرنا لا تكون الاحكام الشرعية داخلة في باب العلة والمعلول بل الصحيح أن يقال ان الامر عبارة عن اعتبار الفعل في ذمة المكلف واشتغال ذمته به والعقل يدرك لزوم افراغ الذمة فاذا حصل الامتثال تفرغ الذمة عما اشتغلت به ومع الافراغ لا موضوع لبقاء الأمر ولذا يقال انطباق المأمور به على المأتي به قهري والاجزاء عقلي وان شئت قلت : كما ان اشتغال ذمة المكلف بعين خارجية يبقى إلى حين الاداء ومع اداء الدين لا تبقى الذمة مشغولة كذلك الاشتغال بالفعل الواجب وكلا الأمرين من من واد واحد ولذا لو كان الغرض من الأمر لم يحصل بالامتثال لا يبقى الأمر اذ مع الاداء تفرغ الذمة فالصحيح أن يقال الامر يسقط باحد امرين : احدهما الامتثال ، ثانيهما العصيان.

بقى شيء : وهو ان الترتب على مسلك المحقق النائيني لا يصح اذ هو يرى ان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة ويرى ان استحالة أحد المتقابلين بتقابل العدم والملكة تستلزم استحالة الطرف الآخر فعليه الامر بالمهم لا يمكن أن يكون مطلقا فلا يمكن أن يكون مقيدا أيضا ، وبعبارة واضحة تعلق الأمر بالمهم

٢٠٣

لا يمكن أن يكون مطلقا بالنسبة إلى امتثال الأمر المتعلق بالأهم وعدمه فلا يمكن أن يكون مقيدا بصورة عصيانه ومن ناحية اخرى الاهمال في الواقع غير معقول هذا على مسلكه وأما على المسلك الحق فالمتحصل مما تقدم ان الترتب صحيح بحكم الوجدان وواقع في العرف والشرع وان ما رامه الخصم من الادلة على بطلانه غير تام.

ثم أنه تذكر في المقام بالمناسبة امور : الامر الاول : أنه أفاد الميرزا النائيني ان المكلف قد يكون عالما بخطاب الأهم قبل الشروع فى امتثال الخطاب بالمهم وقد يكون عالما به بعد الشروع فيه ، أما على الفرض الاول فالحكم بالصحة يتوقف على القول بالترتب وأما على الثاني كما لو دخل المسجد وشرع في الصلاة ، ثم علم بكون المسجد نجسا فيمكن الحكم بصحة الصلاة بلا التوسل الى الترتب ، والوجه فيه ان قطع الصلاة حرام ولا دليل على وجوب الازالة في هذا الحال وبعبارة اخرى : قد علم من الدليل ان ازالة النجاسة أهم من الصلاة لكون وجوبها فوريا لكن حيث ان دليل وجوب الازالة هو الاجماع والقدر المعلوم منه وجوبها بالنسبة الى غير المشتغل بالصلاة فلا دليل على وجوبها بالنسبة الى من يكون داخلا في الصلاة وعليه تصح الصلاة ولو مع عدم القول بالترتب.

وأفاد سيدنا الاستاد انه لا دليل على حرمة قطع الصلاة وعلى تقدير تسلم الاجماع الكاشف ، نقول القدر المعلوم من حرمة القطع مورد عدم وجود المزاحم فلا دليل لحرمة القطع في هذا الحال وحيث لا دليل على وجوب احد الطرفين بالخصوص يكون المرجع التخيير بين الأمرين.

اقول : يمكن الاستدلال على حرمة قطع الصلاة بما رواه حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق ، أو غريما لك عليه مال ، أو حية تتخوفها على نفسك ، فاقطع الصلاة ، فاتبع غلامك

٢٠٤

أو غريمك واقتل الحية (١) فانه بمقتضى مفهوم الشرطية يفهم عدم جواز القطع في غير الصور المفروضة هذا بالنسبة الى حكم قطع الصلاة ، وأما بالنسبة الى التفصيل المذكور في كلام الميرزا فيمكن أن يقال انه لا مجال لهذا التفصيل اذ المفروض ان المزاحمة بين الواجبين واقعية ولا ترتبط بالعلم وعدمه غاية الأمر مع الجهل يمكن للمكلف أن يتمسك بالأصل وبمقتضى الحكم الظاهري يأتي بالواجب المهم وأما مع حصول العلم فلا يبقي مجال للامتثال بالنسبة الى الواجب المهم الاعلى نحو الترتب اضف الى ذلك كله انه لا تزاحم بين الأمر بالازالة والأمر بالصلاة لأن الصلاة مع سعة الوقت لا تجب على الفور فيقدم خطاب الازالة بلا اشكال وأما مع ضيق الوقت فالصلاة مقدمة علي الازالة بلا اشكال ايضا.

الأمر الثاني : انه قد مر أن الترتب لا مجال له بين الواجبين احدهما مضيق والآخر موسع كما لو وجبت الازالة عن المسجد في اول الزوال فان الامر بالازالة مضيق والأمر بالصلاة موسع ، وأفاد الميرزا النائيني على ما في التقرير بجريان الترتب بينهما ايضا بتقريب ان القدرة شرط في متعلق التكليف باقتضاء نفس التكليف وعليه يكون التكليف مختصا بخصوص الحصة المقدورة فلا يشمل اطلاق الأمر الفرد المزاحم فوجوب المهم مع الأمر بالأهم يتوقف على القول بالترتب فنقول الذي يظهر من كلمات سيدنا الاستاد ان الأقوال في اشتراط التكليف بالقدرة ثلاثة : القول الأول : ان اشتراط القدرة في المتعلق بحكم العقل حيث ان العقل يدرك قبح تكليف العاجز.

القول الثاني : ان اشتراط القدرة في المتعلق باقتضاء نفس التكليف بتقريب ان الأمر والتكليف بداعي بعث المكلف نحو الفعل ومن الظاهر انه لا يمكن البعث نحو أمر غير مقدور فالمقتضي للاشتراط نفس الأمر لا حكم العقل لأن الاستناد ما دام ممكنا الى الأمر الذاتي لا تصل النوبة الى الاستناد الى الأمر العرضي.

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢١ ، من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث : ١

٢٠٥

القول الثالث : ما اختاره سيدنا الاستاد ، وهو ان الاشتراط المذكور لا بحكم العقل ولا باقتضاء نفس التكليف بل تكفي القدرة على الامتثال في زمانه وبعبارة اخرى : الأمر غير مشروط بالقدرة بل المشروط بها الامتثال.

اذا عرفت ما تقدم نقول : الذي يختلج ببالي القاصر ان ما أفاده الميرزا النائيني لا يرجع الى محصل اذ لو لا حكم العقل ومع قطع النظر عن حكم العقل من اي طريق يعلم اشتراط القدرة وبعبارة واضحة : اذا قطعنا النظر عن حكم العقل بقبح تكليف العاجز فاي مانع عن تكليف العاجز فالأمر باي معنى نفرضه يكون تعلقه وتوجيهه نحو العاجز قبيحا بحكم العقل وببيان اوضح : نفرض ان الأمر عبارة عن ايجاد الداعي للمكلف نحو الفعل لكن الحاكم بلزوم قدرة العبد ليس إلّا العقل ، فالنتيجة عدم الفرق بين القولين ، وأما ما أفاده سيدنا الاستاد من كفاية القدرة في زمان الامتثال فيجوز أن لا يكون المكلف في زمان التكليف قادرا وانما يكون قادرا حين الامتثال فلا يرجع الى محصل ايضا اذ لا نتصور تحقق التكليف قبل زمان الامتثال فان التكليف اما مشروط أو مطلق وعلى الثانى اما منجز واما معلق أما على الأول فلا يتحقق الحكم قبل الشرط وأما على الثاني فالمفروض تحقق الحكم وأما على الثالث فلا اثر لقدرة المكلف قبل زمان الواجب وبعبارة اخرى : ليس على المكلف تكليف قبل زمان الواجب ولذا لو تمكن من جر الزمان المستقبل لم يكن الجر واجبا عليه فنقول : تارة يكون الفعل الواجب على المكلف واجبا توصليا ولا يكون من الامور القصدية كالمشي ساعة واخرى يكون الواجب تعبديا أو توصليا قصديا كالتعظيم وأمثاله أما على الأول فلا تعتبر القدرة على الفرد بل تكفي القدرة على الجامع فان القبيح تكليف العاجز والمفروض ان القادر على بعض الأفراد قادر على الطبيعي.

ان قلت : ان التكليف بالجامع بين المقدور وغير المقدور وان لم يكن مستحيلا لكن يكون لغوا وبلا ملاك قلت : فائدته سقوط الحكم بصدور فرد من الطبيعي بلا

٢٠٦

اختيار منه وأما ان كان تعبديا أو توصليا قصديا فلا بد من تعلقه بالحصة المقدورة بحكم العقل اذ قصد القربة أو قصد التعظيم مثلا لا يعقل ان يتحقق من العاجز وبعبارة واضحة : ان المشي يمكن ان يتحقق من المكلف بدون اختياره وارادته وأما الأمر القصدي فكيف يمكن أن يصدر عنه بلا ارادته واختياره فنقول : على هذا الاساس لا مجرى للترتب بين واجبين احدهما مضيق والآخر موسع اذ المفروض ان الأمر بالموسع متعلق بالجامع والجامع بين المزاحم وغير المزاحم مقدور فيمكن أن يمتثل المكلف الأمر المتعلق بالموسع قبل الاتيان بالمضيق بداعي الأمر المتعلق بالجامع ، نعم على مسلك من يرى ان التقابل بين الاطلاق والتقييد بالعدم والملكة واذا استحال احدهما استحال الآخر لا بد له من التوسل الى الترتب ، لكن يرد عليه ان التقابل بينهما بالتضاد.

وثانيا على فرض التقابل بينهما بتقابل العدم والملكة حيث ان الاهمال في الواقع غير معقول فلو استحال احد الطرفين وجب الآخر فلا يحتاج الى الترتب ، وبعبارة واضحة : على مسلك الميرزا لا بد من التمسك بالترتب لتصحيح الواجب الموسع اذ تقييد الواجب بالحصة المزاحمة غير معقول واذا استحال التقييد استحال الاطلاق فلا يشمل دليل الواجب لا بالاطلاق ولا بالتقييد لاستحالتهما فالطريق منحصر في الترتب هذا فيما وقع التزاحم بين الموسع والمضيق وأما اذا وقع التزاحم بين واجبين مضيقين احدهما أهم من الآخر فلا يمكن تصحيح الواجب المهم بالترتب على مسلك الميرزا اذ هو يرى استحالة الاطلاق في الواجب المهم واذا استحال الاطلاق استحال التقييد فلا طريق الى تصحيح العبادة بل لا طريق الى تحقق الامتثال ، فلو كان الواجب المهم توصليا لا يمكن الحكم بتحقق الامتثال لعدم طريق الى اثباته فلاحظ واغتنم.

الأمر الثالث : انه هل يمكن الحكم بصحة الوضوء أو الغسل بالماء المغصوب أو من الاناء المغصوب أو في الفضاء المغصوب أو في الأرض المغصوبة أو من

٢٠٧

اناء الذهب أو الفضة أم لا يمكن فهنا فروع :

الفرع الأول : لا اشكال في عدم جواز الوضوء أو الغسل بالماء المغصوب اذ المفروض ان الوضوء أو الغسل مصداق للغصب ولا يمكن أن يقع الحرام مصداقا للواجب ويستحيل اجتماع الضدين.

الفرع الثاني : انه هل يصح الوضوء أو الغسل من الاناء المغصوب أو الذهب أو الفضة أم لا؟ فنقول : ان قلنا بان الوضوء أو الغسل في مفروض الكلام بنفسه مصداق لاستعمال الاناء فلا اشكال في عدم الصحة اذ المفروض كون الوضوء أو الغسل بنفسه مصداقا للحرام ومصداق الحرام لا يمكن أن يقع مصداقا للواجب واما ان لم نقل بذلك كما لا نقول به وقلنا بأن الحرام الأخذ من الاناء فلا اشكال في صحة الغسل والوضوء لعدم ما يقتضي البطلان وحرمة المقدمة لا تسرى الى ذيها ، وربما يفصل بين كون الماء منحصرا وبين ما لم يكن كذلك بتقريب انه في صورة عدم الانحصار يكون الوضوء صحيحا غاية الأمر يكون المكلف مرتكبا لفعل محرم.

وأما في صورة الانحصار فالوظيفة التيمم فان المستفاد من الآية الشريفة ان الوضوء وظيفة الواجد والمكلف في مفروض الكلام وان كان واجدا تكوينا لكنه فاقد شرعا والمنهي عنه شرعا كالممتنع عقلا ، فنقول يتصور المقام على وجوه :

الوجه الأول : أن يكون الماء منحصرا ويمكن للمكلف تفريغ الماء بلا صدق التصرف في الآنية وفي هذه الصورة لا اشكال في وجوب الوضوء عليه اذ المفروض انه واجد للماء ويمكنه الوضوء وفي هذا الفرض لو لم يفرغ الماء في مكان آخر بل أخذ الماء من الاناء المغصوب غرفة غرفة بحيث يصدق التصرف فهل يكون وضوئه صحيحا بلا توسل الى ذيل قاعدة الترتب أم لا؟ الحق ان وضوئه صحيح وان المكلف موظف بالوضوء لأن المفروض انه قادر على الطهارة المائية وواجد

٢٠٨

غاية الأمر بسوء اختياره يرتكب الحرام فلا يحتاج الى التوسل الى قاعدة الترتب.

الوجه الثاني : أن ينحصر الماء ولا يمكن افراغه في ظرف آخر على نحو مباح وفي هذه الصورة ، تارة يفرغ الماء دفعة واخرى يأخذ الماء تدريجا أما في فرض الافراغ الدفعي فلا اشكال في وجوب الوضوء عليه اذ بعد الافراغ وارتكاب الحرام يكون واجدا للماء فلا وجه لعدم الوضوء ، وأفاد سيدنا الاستاد في هذا المقام ان مثله بعد الأخذ واجد للماء ووظيفته الوضوء لأنه واجد للماء عقلا وشرعا وأما قبل الأخذ فيكون فاقدا للماء شرعا ووظيفته التيمم.

ويرد عليه : انه كيف تكون وظيفته التيمم والحال ان الموضوع للتيمم الفقدان في جميع الوقت لا في قطعة من الزمان ، فالحق أن يقال انه على فرض العصيان يكون المكلف موظفا بالوضوء اذ فرض كونه قادرا على الماء شرعا وعقلا على فرض العصيان وبعبارة واضحة : لا اشكال في أن المكلف على فرض العصيان يمكنه الوضوء فلا وجه لأن يتيمم لكن الانصاف انه لا ايراد عليه فان مرجع ما أفاده الى ما ذكرنا. وأما في الفرض الثاني اى في صورة أخذ الماء تدريجا فهل يكون وضوئه صحيحا؟ الحق أن يقال ان القاعدة تقتضي الصحة وذلك لأن المفروض ان مقتضى المذهب الحق تمامية الترتب ومن ناحية اخرى قد ثبتت سابقا صحة الشرط المتأخر ومن ناحية ثالثة تكفي القدرة الحاصلة في زمان العمل ، ولا دليل على اشتراط القدرة الفعلية على المركب من اول العمل فنقول على هذا الاساس لا مانع من تعلق التكليف بالوضوء اذ فرض تمامية الشرط المتأخر وايضا قد تقدم قريبا ان الترتب على القاعدة ، وايضا لا دليل على اشتراط القدرة ازيد من هذا المقدار.

الوجه الثالث : أن لا يكون الماء منحصرا وفي هذه الصورة يصح الوضوء بلا اشكال ولا كلام لأن المفروض ان المكلف قادر على الماء وواجد له عقلا وشرعا غاية الأمر يمكن أن يرتكب الحرام بسوء اختياره.

٢٠٩

الفرع الثالث : في الوضوء أو الغسل في فضاء الغصب وقد فصل سيدنا الاستاد ـ على ما في التقرير ـ بين المسح والغسل فاختار الفساد في الاول والصحة في الثاني بتقريب ان المسح امرار اليد وهو تصرف في المغصوب فيكون حراما والحرام لا يقع مصداقا للواجب فلا يصح وأما الغسل فحيث انه لا يكون تصرفا فيصح.

ويمكن أن يرد عليه بأن الغسل وان لم يكن امرار اليد لكن لا يبعد أن يكون نقل الماء من جانب الى جانب آخر تصرفا في الغصب فيكون مثل المسح بلا فرق بين المقامين إلّا أن يقال : انه لا يصدق التصرف العرفي على نقل الماء بالمقدار الذي يصدق عليه الغسل والله العالم.

الامر الرابع : انهم بنوا على عدم جريان قاعدة لا تعاد بالنسبة الى الجاهل المقصر واختلفوا في الجاهل القاصر فتجب الاعادة عند انكشاف الخلاف ان كان جهله تقصيريا ولكن بالنسبة الى من أجهر في موضع الاخفات أو من أخفت في مورد وجوب الجهر وايضا بالنسبة الى من أتم في مورد القصر قالوا بعدم وجوب الاعادة ومع ذلك التزموا باستحقاق العقاب والمنشأ لما ذهبوا اليه من عدم وجوب الاعادة النص الخاص.

لاحظ ما رواه زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه ، فقال : أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الاعادة ، فان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلاته (١) وعن زرارة ، أيضا ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه ، فقال : أى ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شيء عليه. (٢).

__________________

(١ و ٢) الوسائل ، الباب ٢٦ ، من ابواب القراءة فى الصلاة ، الحديث : ١ و ٢

٢١٠

وما رواه زرارة ومحمد بن مسلم قالا : قلنا لأبي جعفر «عليه‌السلام» : رجل صلي في السفر أربعا ، أيعيد أم لا؟ قال : ان كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد ، وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه (١).

فوقع الاشكال في أنه كيف يجمع بين الأمرين اذ لو كان الواجب في حال الجهل هو الحكم الواقعي ولا يتغير بالجهل فكيف لا تجب الاعادة وان لم يكن الواقع محفوظا بحاله فما الوجه في العقاب.

ويمكن أن يجاب عن الاشكال بأنه يجوز أن يكون كل من الجهر والخفت في ظرف الجهل بالواقع ذا مصلحة بحيث اذا وجدت في الخارج لا يبقى مجال لتدارك المصلحة الفائتة ، وبعبارة اخرى : من الممكن ان صلاة القصر في حق المسافر الجاهل بوجوبه ذو مصلحة تامة كاملة ولكن لو صلى المكلف الجاهل تماما يدرك مقدارا من المصلحة والمقدار الباقي من الملاك ملزم لكن لا مجال لادراكه وكنا نمثل للمدعى بشخص ذي صداع وذي عطش فان المصلحة الملزمة تقتضي أن يشرب ماء الرمان لرفع صداعه وعطشه وأما اذا شرب الماء يزول عطشه ولا يزول وجع رأسه ولا يمكن بعد شرب الماء أن يشرب ماء الرمان لعدم قابلية المعدة لكلا الأمرين فاللازم في حق مثله أن يشرب من الأول ماء الرمان والمقام يمكن أن يكون من هذا القبيل وقد تقدم ان الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده كى يترتب عليه فساد ما أتى به مضافا الى ما قد مر من أن النهي الغيري لا يوجب الفساد اضف الى ذلك انه مع الغفلة لا يكون التكليف متوجها الى المكلف لكونه لغوا.

وأفاد سيدنا الاستاد في هذا المقام ان التضاد بين الملاكات أمر بعيد بل تكاد تلحق بالعدم ولم يظهر لي ما رامه ، وصفوة القول : انا لا نرى مانعا عن كون ادراك

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٧ ، من ابواب صلاة المسافر ، الحديث : ٤

٢١١

احد الملاكين مانعا عن ادراك الملاك الآخر ، وأفاد في المقام ايضا ، ان الملاكين المفروضين اما يكون احدهما مرتبطا بالآخر واما لا يكون ، أما على الاول فلا يمكن انفكاك احدهما عن الآخر وأما على الثاني فيلزم تعدد العقاب لتعدد الواجب فلو ترك المكلف الصلاة على الاطلاق ولم يصل ولم يأت بشيء يلزم أن يعاقب عقابين وهو خلاف الضرورة.

وبعبارة اخرى : على هذا الاساس هناك ملاكان كل واحد موضوع لوجوب مستقل فالجهر مثلا واجب في واجب فاذا ترك الصلاة على الاطلاق ترك واجبين فيعاقب عقابين وهذا خلاف الضرورة.

وفيه : اولا يمكن أن يكون الملاك الذي يدرك في الصلاة الناقصة ليس بحد يوجب الأمر الوجوبي بل يكون بمقدار الاستحباب ولكن مع ذلك لا يبقى مجالا لدرك المصلحة الاخرى فلا مقتضي لتعدد العقاب ، وثانيا : لا يكون المقام من مصاديق واجب في واجب كى يتم هذا البيان بل صلاة القصر مثلا ذو ملاك تام وصلاة التمام ذو ملاك ناقص ولا يمكن اقحام احدهما في الآخر ويوجب المظروف الاخلال بالظرف فالواجب واجب واحد وهو القصر ولكن في حال الجهل لو أتى بالتمام يدرك مقدارا من المصلحة بحيث لا يبقى مجال لتدارك الباقي.

ان قلت : على هذا مع العلم لو أتى به يلزم أن يكون صحيحا غاية الأمر يعاقب على ترك الأهم. قلت : يمكن أن يكون درك تلك المصلحة مخصوصا بحال الجهل بالحكم فيرتفع الاشكال. وأفاد سيدنا الاستاد في مقام دفع الاشكال انه لا دليل على تعدد العقاب أما الشهرة فلا تكون حجة وأما الاجماع فلا اثر له لأن استحقاق العقاب لا يكون من الأحكام الشرعية كى يقوم عليه الاجماع مضافا الى أن كلمات كثير من الأصحاب خالية عن التعرض لذلك.

فنقول : الجاهل بالقصر لو صلى قصرا وتمشى منه قصد القربة ثم علم بالحكم ،

٢١٢

فاما يكون ما أتى به مجزيا عن الواقع واما لا يكون ، أما على الأول فيلزم أن يكون تكليف الجاهل هو التخيير وأما على الثاني فيعلم أن التكليف بالنسبة الى الجاهل بالواقع هو التمام فعلى كلا التقديرين لا موجب للعقاب اذ المفروض انه أتى بما هو وظيفته ويرد عليه : ان لازم هذه المقالة اختصاص الحكم الواقعي بخصوص العالم وهذا يستلزم الدور فلاحظ.

الجهة الثانية عشرة فى جواز الامر مع العلم بانتفاء شرطه ،

أفاد في الكفاية : انه لا يجوز أمر الامر مع العلم بانتفاء شرطه خلافا لما نسب الى اهل الخلاف. والحق أن يقال انه تارة يلاحظ صدور الأمر من الامر ومن حيث انه فعل من أفعاله واخرى يلاحظ بالنسبة الى تحقق الحكم في الخارج ويلاحظ نسبة الحكم الى المكلف فهنا مقامان : أما المقام الاول : فلا اشكال في عدم صدور الفعل الاختياري من الفاعل المختار الا بعد تمامية مقدماته فلا يمكن أن يأمر المولى ويعتبر لابدية فعل في ذمة المكلف الا بعد تحقق شرطه وهذا ظاهر واضح ولا مجال للبحث فيه.

وأما المقام الثاني ، فتارة يبحث في القضايا الخارجية ، واخرى يبحث في القضايا الحقيقية أما في القضية الخارجية فمع العلم بانتفاء الشرط لا يصدر الأمر من الحكيم لكونه لغوا وبعبارة اخرى الكلام في الأمر بداعي البعث والتحريك ومع العلم بانتفاء الشرط لا مجال لتحقق المشروط. وببيان اوضح : انه لو لم تكن القضية شرطية بل كان المولى في مقام البعث والتحريك الفعلي المنجز فلا يعقل مع فرض عدم تحقق شرط الحكم فانه خلف ، وأما ان كان على نحو القضية الحقيقية فربما يكون الأمر بشيء يوجب انتفاء شرط ذلك الحكم ويكون انتفائه مطلوبا وغاية للامر كما في أمره سبحانه بالقصاص فان الأمر بالقصاص يوجب عدم تحقق القتل

٢١٣

حيث يخاف القاتل عن القصاص والدليل عليه قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) فلا مانع من البعث بل يلزم كى تتحقق الغاية المطلوبة وبعبارة واضحة : في مثل الأمر بالقصاص لا مانع عن الأمر مع العلم بانتفاء شرطه وأما انتفاء الشرط الناشي عن عدم قدرة المكلف كما لو كان الحكم معلقا على أمر محال في الخارج أو على أمر ممكن في حد نفسه ولكن يعلم المولى بعدم تحققه لبعض الجهات كالاستطاعة مثلا فلا يمكن جعل الحكم المشروط بذلك الشرط لكون الجعل لغوا واللغو لا يصدر عن الحكيم.

الجهة الثالث عشرة : فى انه هل يتعلق الامر بالطبيعة او بالفرد.

وقع الكلام بين القوم في أن متعلق الامر الطبائع أو الأفراد؟ والظاهر انه لا اثر لهذا البحث اذ لا اشكال في أن المطلوب للمولى الوجود الخارجي ومن ناحية اخرى وجود الفرد وجود للطبيعى مثلا لو كان زيد موجودا في الخارج يكون الانسان موجودا أيضا بوجوده والذي يدل على هذا المدعى أنه يصح أن يقال زيد انسان ومن الظاهر ان صحة الحمل تتوقف على اتحاد الموضوع والمحمول وحيث أنه لا اتحاد بين الانسان وزيد اتحادا مفهوميا فيكونان متحدين وجودا وعلى هذا الاساس ، نقول لا فرق بين القولين اذ لو قلنا متعلق الأمر هو الفرد معناه احد الأفراد بلا خصوصية لفرد خاص ويكون المكلف مخيرا بين الأفراد كما أنه لو قلنا يكون متعلق الأمر هو الطبيعة تكون النتيجة تلك النتيجة لكن الحق تعلقه بالطبيعة ولذا لو امكن ايجاد الطبيعة على النحو الكلي يحصل الامتثال به وان شئت قلت : تعلقه بالأفراد يتوقف على انتزاع جامع وجعله متعلق الأمر وهذا يحتاج الى المئونة ولا دليل عليه فالحق ان الأمر متعلق بالطبيعة.

وأفاد المحقق النائينى على ما في التقرير : ان مرجع هذا النزاع الى أن

٢١٤

الأمر بشيء هل يتعلق بلوازمه الخارجية أم لا وتترتب عليه ثمرة مهمة اذ لو قلنا بأن الامر يتعلق بالأفراد يكون معناه تعلق الامر بالطبيعة مع مشخصاته الفردية وتظهر الثمرة بين القولين في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، فعلى القول بأن الأمر يتعلق بالطبيعة لا بالأفراد يجوز اجتماع الامر والنهي اذ المفروض ان الصلاة غير الغصب والامر قد تعلق بالصلاة والنهي قد تعلق بالغصب وأما على القول بتعلقه بالأفراد فلا يجوز لعدم امكان اجتماعهما في محل واحد وبعبارة واضحة : القائل بتعلق الأمر بالطبيعة يقول لا يسري الامر الى مشخصاتها بحيث لو امكن للمكلف أن يوجد الطبيعة خالية عن العوارض والمشخصات كفى في مقام الامتثال وأما القائل بتعلق الأمر بالفرد ، فيقول الأمر بالطبيعة يسري الى مشخصاتها فعلى القول الاول يجوز اجتماع الأمر والنهي لأن الأمر تعلق بالصلاة والنهي تعلق بالغصب فلا مجمع لهما كى يلزم اشكال اجتماع الضدين وأما على القول بتعلقه بالأفراد فيكون الأمر متعلقا بالمشخصات أيضا فلا يجوز الاجتماع.

ولكن يرد عليه : ان المراد بتعلق الامر بالطبيعة أو بالفرد ما ذكرناه لا ما أفاده قدس‌سره وان التشخص بالوجود لا بالعوارض ولا مقتضي لتعلق الأمر بالعوارض الوجودية.

ثم ان سيدنا الاستاد أفاد في المقام بأنه لو قلنا بلزوم اتفاق المتلازمين في الحكم تكون الصلاة في الدار المغصوبة فاسدة اذ المفروض كون الغصب حراما فيلزم أن يكون ملازمه أيضا حراما والحرام لا يقع مصداقا للواجب وأما ان لم نقل بذلك بل قلنا انما يلزم عدم تخالف المتلازمين فى الحكم يجوز اجتماع الأمر والنهي وحيث ان الحق هو الثاني اي يكفي عدم تخالفهما في الحكم يكون الاجتماع جائزا. والذي يختلج ببالي القاصر أنه لا مجال لهذه المقالة في المقام اذ لا تلازم بين الصلاة والغصب كى يتم هذا التقريب.

٢١٥

وبعبارة واضحة : اما نفرض انحصار مكان المصلي في المغصوب بلا مندوحة واما نفرض مع المندوحة ، أما على الاول فيدخل في باب التزاحم فاما يقدم جانب الوجوب فلا حرام واما يقدم جانب الحرام فلا واجب ، وأما على الثاني فلا مانع من اجتماع كلا الحكمين فان المكلف اختار الفرد الملازم مع الحرام بسوء اختياره.

نعم لو كان المأمور به من قبل المولى له ملازم كاستدبار الجدي بالنسبة الى استقبال القبلة فلا يمكن أن يكون الاستقبال واجبا والاستدبار حراما أو مكروها. ثم ان ما أفاده الميرزا قدس‌سره على فرض تماميته انما يتم فيما يكون المشخص للواجب وجود غير وجود ذلك الواجب كبياض الجسم فان وجود البياض في قبال وجود الجسم واما عنوان الصلاة والغصب فكلاهما عنوانان انتزاعيان فان صدقا على وجود واحد لا يجوز الاجتماع وان لم ينتزعا عن وجود واحد بل كان كل منهما عنوانا لوجود غير ما هو مصداق الآخر يجوز الاجتماع على ما هو الحق من ابتناء الجواز وعدمه على كون التركيب انضماميا أو اتحاديا ، نعم على ما رامه الميرزا قدس‌سره يمكن التفصيل الذي أفاده فلاحظ.

الجهة الرابع عشرة في النسخ :

وقع الكلام بين القوم في أنه اذا نسخ الوجوب من قبل المولى فما هو الوظيفة؟ ربما يقال بأن الوجوب عبارة عن جواز الفعل مع المنع من الترك وبالنسخ يرتفع المنع عن الترك ويبقى جواز الفعل بحاله.

ويرد عليه : اولا انه ليس الوجوب عبارة عن جواز الفعل مع المنع من الترك بل الوجوب اعتبار الفعل في ذمة المكلف وابرازه بمبرز من قول أو فعل بداعي ان يقوم به وبعبارة واضحة : الأمر الوجوبي عبارة عن اعتبار المولى الفعل الفلاني كالصوم مثلا في ذمة المكلف وانشاء ذلك الاعتبار بمبرز خارجي ليصير داعيا

٢١٦

للعبد لأن يوجد ذلك الفعل في الخارج والأمر الاستحبابي عبارة عن اعتبار الفعل الفلاني كصلاة الليل مثلا في ذمة المكلف وابراز ذلك الاعتبار بمبرز وترخيص المكلف في ترك ذلك الفعل فالفرق بين الوجوب والاستحباب فى أن الاستحباب متضمن للاذن في الترك والوجوب ليس فيه اذن في الترك فعلى هذا الاساس لا مجال للتقريب المتقدم وان شئت قلت : لا دلالة في النسخ على بقاء الجواز لا في الدليل الناسخ ولا في الدليل المنسوخ ، أما دليل الناسخ فيدل على ارتفاع الوجوب وأما دليل المنسوخ فهو دال على الوجوب لا على ارتفاعه.

وثانيا : ان النسخ في الشريعة المقدسة عبارة عن التخصيص الزماني ومعناه بيان أمد الحكم ، وبعبارة واضحة النسخ الشرعي لا يكون رفعا بل يكون دفعا فلا موضوع لهذا البيان فعلى هذا بعد تحقق النسخ يؤخذ بالدليل الاجتهادي من الاطلاق أو العموم ان كان وإلّا فيؤخذ بالأصل العملي ومقتضاه الجواز بلحاظ اصالة الاباحة الجارية في الاشياء ولو تنزلنا وقلنا الوجوب عبارة عن تجويز الترك لا مجال لاستصحابه اذ قد ذكرنا مرارا ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فلاحظ.

الجهة الخامس عشرة فى تحقيق الواجب التخييرى

فنقول وقع الكلام بين القوم في تعريف الواجب التخييرى وفيه مذاهب : المذهب الاول : ان الواجب التخييرى ما يختاره المكلف في مقام الامتثال ويرد عليه : اولا انه مخالف لظواهر الادلة فان ظواهرها تعين الواجب على المكلف وعدم اختيار الواجب بيد المكلف ، وثانيا : انه مخالف لقاعدة الاشتراك في التكاليف اذ من يختار القصر مثلا يجب عليه القصر ومن يختار التمام يجب عليه التمام ، إلّا أن يقال الاشتراك في أن الاختيار بيد المكلف ، وثالثا : ان لازم هذا القول عدم كون المكلف مكلفا عند

٢١٧

عدم اختياره فردا فان الوجوب المشروط لا يتحقق قبل حصول شرطه إلّا أن يقال يجب عليه اختيار احد الامرين ، ورابعا : انه ما المراد من الاختيار فان كان المراد به ايجاده في الخارج فيلزم تحصيل الحاصل وهو محال وان كان المراد عزمه على الاتيان ولا أثر للانصراف أو الترديد بعد العزم فمرجعه الى تعين ذلك الفرد فلا تخيير بعده وهذا خلاف ان المكلف مخير بين الأمرين أو الامور.

المذهب الثاني : ان كل واحد من الطرفين او الاطراف واجبا تعينيا فكل واحد من الأمرين أو الامور واجب غاية الأمر اذا أتى المكلف بواحد من أفراد الواجب يسقط الباقي وقد تصدى بعض الاساطين لتصحيح هذا القول بأحد نحوين : النحو الاول : ان المصلحة الملزمة قائمة بكل واحد من الفعلين ولذا يجب كل من الفعلين أو الافعال لكن لو أتى المكلف بواحد منهما او منها يسقط الوجوب عن الباقي ارفاقا.

ويرد عليه : اولا أنه خلاف ظاهر الادلة فان المستفاد منها ان الواجب واحد من الأمرين أو الامور والشاهد على ما نقول ان الدليل متضمن لكلمة (أو) فيلزم القول بخلاف ما يستفاد من الدليل ، وثانيا : انه لا طريق لنا الى اثبات وجود المصلحة في كل واحد اذ الطريق الى الواقع ليس إلّا تعلق الأمر بفعل وحيث ان المتعلق للوجوب أمر واحد فلا سبيل الى كشف المصلحة في كل واحد على نحو الاستقلال وان شئت قلت : من أين نعلم بأن في كل من الفعلين مصلحة وملاكا تباين المصلحة في الآخر ومن الظاهر أنا لا نعلم الغيب ، وثالثا : ما معنى الارفاق الذي أفاده فان الارفاق ان كان مقتضيا لسقوط الوجوب فلا وجه لجعله من أول الأمر وبعبارة اخرى : ان كانت مصلحة الارفاق بحد تزاحم مصلحة الجعل فلا وجه للجعل وان لم تزاحم فلا وجه للسقوط ، ورابعا : يلزم انه لو ترك كلا الأمرين أو الامور يتعدد العقاب لأنه ترك واجبين ، وخامسا : أنه لو ترك الأمرين الى زمان لا يمكنه إلّا

٢١٨

الاتيان بواحد منهما فأتى بذلك الواحد يلزم أن يعاقب على ترك الآخر اذ المفروض فى كلامه ان سقوط الواجب الآخر بعد الاتيان بواحد منهما وأيضا يلزم سقوطه عن العدالة ان كان عادلا اذ المفروض أنه ترك الواجب على ما رامه.

النحو الثاني : ان الغرض المترتب على المتعدد واحد بالنوع ويترتب على كل واحد من الأمرين أو الامور لكن يكفي وجود واحد من تلك المصلحة وعليه يجب كل واحد لأن ترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجح والواحد المردد لا واقع له لكن حيث يكفي الوجود الواحد من ذلك الغرض يسقط الوجوب لو قام بواحد من تلك الأفراد.

ويرد عليه : اولا : أنه خلاف ظاهر الدليل حيث ان المستفاد منه وجوب احد الأمرين أو الامور ، وثانيا : ما افيد في تقريب المدعى يتوقف على العلم بالغيب فانه من أين يعلم أن الغرض واحد بالنوع ويحصل بوجود واحد ، وثالثا : على هذا يلزم أن يجب واحد من الأمرين أو الامور لا أن يجب كلا الامرين أو الامور

ان قلت : لا مناص منه اذ ايجاب الكل غير لازم ووجوب واحد معين ترجيح بلا مرجح وايجاب الواحد المردد غير معقول اذ المردد لا واقع له فلا مناص من ايجاب كلا الأمرين أو الامور.

قلت : يمكن الوصول الى المطلوب بطريق آخر وهو ايجاب الجامع بين الأمرين أو الامور بأن يتعلق الحكم بعنوان أحد الأمرين أو الامور ولا مانع ، ورابعا يلزم على مسلك الخصم أنه لو ترك المكلف جميع الأفراد يكون عقابه متعددا لأنه ترك الواجب المتعدد وأيضا يلزم أنه لو أخر الاتيان الى أن لا يبقى من الوقت الا مقدار واحد من الأمرين أو الامور فأتى بذلك الواحد يعاقب على ترك الآخر اذ المفروض وجوب كلا الأمرين وقد فرض عدم الاتيان باحدهما بلا عذر والخصم لا يلتزم بهذا اللازم الفاسد فلاحظ.

٢١٩

المذهب الثالث : ما اختاره صاحب الكفاية وهو ان الأمر باحد الأمرين ان كان بلحاظ انه هناك غرض واحد يقوم به كل واحد من الفعلين يكون في الحقيقة هو الجامع بينهما لأن الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد فالغرض الواحد يكشف عن المؤثر الواحد وهو الواجب فيكون التخيير عقليا وأما ان كان الغرض متعددا لترتب كل من الغرضين على فعل بحيث لا يكون الجمع بين الغرضين ممكنا يكون التخيير شرعيا ، وبعبارة اخرى : يسقط الواجب بوجود واحد من الفعلين.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأن قانون ان الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد وقاعدة عدم صدور الكثير عن الواحد يختصان بالواحد الشخصي ، وأما الواحد النوعي فلا يتم فيه البيان المذكور ولذا نرى ان الحرارة التي واحدة بالنوع تصدر عن النار تارة وعن الشمس اخرى وعن القوة الكهربائية ثالثة وعن الغضب رابعة وعن الحركة خامسة وهكذا ، وثانيا : لو فرض تمامية التقريب المذكور فانما يتم فيما يكون بين أفراد الواجب التخييري جامع حقيقي ويكون الأفراد جميعا داخلة تحت مقولة واحدة والحال ان الواجب التخييري ربما لا يكون كذلك ويكون كل فرد منه داخلا تحت مقوله مباينة لمقولة اخرى ومن الواضح ان المقولات متباينة ، وثالثا : فرضنا الجامع المذكور لكن الجامع بين أفراد الواجب هو الجامع العرفي القابل لأن يخاطب به وأما الجامع الدقي الفلسفي فهو غير قابل لان يخاطب به العرف والكلام في بيان الوجوب التخييري ، ورابعا : ان ما أفاده مخالف لظواهر الادلة فان الظاهر منها ان الواجب واحد من الأفراد لا كل واحد منها ، وخامسا : انه يمكن للمكلف أن يجمع بين التركين أو التروك فلا بد من كون عقابه متعددا.

وسادسا : ان عدم امكان الجمع بين الغرضين اما يختص بصورة تعاقب الفردين بأن يوجدا على التدريج وأما لا يختص بل يتضادان حتى في صورة أن يوجدا دفعة

٢٢٠