آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

في كثير من الموارد تستعمل الحروف بلا عناية ورعاية والحال ان الالتزام بوجود القسم الرابع في هذه الموارد لا يمكن فتحصل ان هذا القول ايضا لا يرجع الى محصل صحيح.

القول الخامس : ما اختاره المحقق العراقي وهو ان الحروف موضوعة للاعراض النسبية توضيح المدعى ان الاعراض على قسمين : قسم يكون قائما بموضوع واحد كالكيف والكم وقسم يكون متقوما بموضوعين كمقولة الأين والمتى والاضافة ويسمى بالاعراض النسبية والحروف موضوعة للقسم الثاني فلو قلنا زيد في الدار يكون لفظ زيد حاكيا عن جوهر زيد ولفظ الدار يكون حاكيا عن جوهر الدار ولفظ (في) يدل على النسبة الأينية ولو لا الحروف لم تكن مناسبة بين الألفاظ الكلامية وان شئت قلت : ان المعاني منحصرة فى الجواهر والأعراض وربطها لمحالها ولا رابع والحروف لم توضع للقسم الاول كما هو ظاهر ولا للقسم الثاني ايضا فان الموضوع للقسمين المذكورين الاسماء ولا للقسم الثالث فان الموضوع له الهيئة فينحصر في أن الحرف يكون موضوعا للعرض النسبي.

وبعبارة اخرى الفرق بين الحروف والهيئات ان الحروف تدل على العرض النسبي مهملا والهيئة تدل على مصداق تلك النسبة وبعبارة ثالثة الحروف موضوعة للعرض المنتسب الى موضوع ما والهيئة تدل على ربط ذلك العرض الى موضوع معين.

ويرد عليه اولا : ان الحروف تستعمل في جميع الموارد على نحو واحد وكيف يمكن الالتزام بهذه المقالة على النحو الكلي مثلا نقول ان الله على العرش استوى والحال انه لا يمكن ان نلتزم بقيام العرض بذاته تعالى فانه اجل من ان يعرضه عرض من الأعراض وايضا تستعمل الحروف في الأمور المستحيلة والامور الاعتبارية والامور الانتزاعية وكيف يعقل قيام العرض بالأمر المستحيل أو الأمر

٢١

الاعتباري أو الأمر الانتزاعي فان العرض يقوم بالامور الموجودة.

وثانيا : العرض النسبي عبارة عن المعنى الاسمي فلازم هذه الدعوى اتحاد الاسم والحرف في المعني وهو لا يلتزم بهذا اللازم.

القول السادس : ما اختاره المحقق النهاوندى قدس‌سره (١) وهو ان الحرف ما يدل على معنى في غيره وعن مولى الموحدين علي عليه‌السلام (٢) الحرف ما أوجد معنى في غيره وايضا عرف الحرف بانه ما انبأ عن معنى ليس باسم ولافعل ومن ناحية ثالثة يعبر عن الحروف بالادوات ومن ناحية رابعة نرى الادباء في مقام تعريف هذه الادوات يقولون من للابتداء وفي للظرفية الى آخر كلامهم فنرى انه هل يمكن الجمع بين هذه التقريبات.

فنقول لا اشكال في أنه نتصور في أنفسنا مفاهيم كثيرة من الجواهر والاعراض من الواقعيات واجبا كان أو ممكنا والاعتباريات والانتزاعيات والمحالات ولكن كل مفهوم اجنبي عن الآخر وايضا نتصور المفاهيم المقيدة مثلا نتصور الانسان حالكونه راكبا على الفرس شاربا للماء الى غير ذلك من القيود ومن الظاهر ان الأسماء لا تفي بافادة الخصوصيات فلو جمع بين عدة مفاهيم كما لو قال احد : رأيت زيد شرب ركوب فرس لا يستفاد من هذه الألفاظ ان اللافظ بهذه الالفاظ رأى زيدا في حال الشرب راكبا على الفرس فلا بد من وضع الفاظ تدل على هذه الخصوصيات وبعد الفحص نرى ان الموضوع لافادتها هي الحروف فيصدق ما نسب في الرواية الى سيدنا ارواحنا وارواح العالمين له الفداء فإنا لو قلنا جاء زيد مع أخيه نرى ان الدال على المصاحبة لفظ مع فيوجد هذا اللفظ معنى في غيره وهو زيد وبعبارة واضحة يوجب تضييقا في مقام الدلالة.

__________________

(١) تشريح الاصول : ص ٣٩

(٢) البحار : ج ٤٠ ص ١٦٢

٢٢

وايضا يصدق ما أفاده صاحب تشريح الاصول اذ يدل لفظ مع على معنى في غيره وايضا يصح أن يقال لفظ مع للمصاحبة وايضا يصح أن يقال ان المعنى الحرفي لا اسم ولا فعل وايضا يصح ان يقال ان الحروف آلات وأدوات اذ الحروف ادوات للتفهيم.

ان قلت : كيف يجمع بين قول امامنا حيث يعبر عن الحرف بكونه ايجاديا وبين قول الآخرين حيث يعبرون عنه بكونه حاكيا قلت : كلا القولين صحيحان فان الحروف حاكيات عن مقام الثبوت وموجدات في مقام الاثبات ولتوضيح المدعى نقول : المفاهيم في الواقع مختلفة وكل واحد منها يغاير الآخر مثلا لا اشكال في ان الرقبة المتصفة بالايمان يغاير الرقبة المطلقة والحرف يحكي عن اتصاف الرقبة بالايمان فيصح أن يقال حاكيات عن مقام الثبوت ومع ذلك يوجد الحرف تضييقا في الرقبة في مقام الاثبات إذ لو قلنا اعتق رقبة يفهم من لفظ الرقبة مفهوما واسعا مطلقا ولكن لو قلنا اعتق رقبة مع الايمان يوجد لفظ مع تضييقا في مفهوم الرقبة فيصح ان يقال ان الحرف ما اوجد المعنى في غيره ويصح ان يقال ان الحرف يدل على معنى في غيره ويصح أن يقال ان الحروف ادوات للافادة والاستفادة ويصح أن يقال ان الحرف ما انبأ عن معنى لا يكون اسما ولا فعلا.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان الهيئات الناقصة تلحق بالحروف فان وزانها وزان الحروف مثلا لو قلنا غلام زيد يفهم من الاضافة ما يفهم من الحرف طابق النعل بالنعل وبعبارة واضحة الهيئات الناقصة تحكي عن المعاني في الغير وتوجد تلك التضييقات في مقام الاثبات وأما الهيئات التامة انشائية كانت او اخبارية فتكلم فيها إن شاء الله فانتظر.

هذا تمام الكلام في الحروف الداخلة على الجمل الناقصة كلفظ في وعلى.

وأما الحروف الداخلة على الجمل التامة كلفظ هل وليت وامثالها فان هذه

٢٣

الحروف وضعت لابراز ما في نفس المتكلم فان حروف الاستفهام وضعت لابراز ان المتكلم في مقام الاستفهام وقس عليها حرف التمني والترجي وأمثالهما ولنا أن نقول ان ما نسب الى المولى ينطبق عليها فان حروف الاستفهام توجد في مقام الاستعمال معنى في مورد الاستفهام فلاحظ.

ايقاظ : قد اشتهر في الألسن ان المعاني الحرفية آلية بخلاف المعاني الاسمية وقد ظهر من مطاوي ما ذكرنا ان هذا توهم فاسد فان المعاني الحرفية ملحوظة بالاستقلال ويترتب عليه امكان الوجوب المشروط اذ ربما يقال ان المعنى الحرفي حيث انه آلي لا بد من ارجاع القيد في قولنا ان جاءك زيد اكرمه الى المادة كي يكون قابلا للحاظ فيرجع الوجوب المشروط الى الوجوب المطلق.

وبعبارة اخرى : بعد فرض كون المعنى آليا لا مجال للحاظ الاطلاق والاشتراط فيه وقد ظهر ان الامر ليس كذلك وان المعنى الحرفي قابل لأن يلاحظ مستقلا وهذا اثر مهم مترتب على القول بكون المعنى الحرفي استقلاليا.

بقي شيء وهو ان الموضوع له في الحروف عام أو خاص الظاهران الموضوع له للحروف خاص فان الواضع يلاحظ التقيدات والتضيقات المتصورة في مواردها بجامع اسمي وبعبارة اخرى يلاحظ التقيدات الأينية بمفهوم اسمي وهي الظرفية وبهذا العنوان يشير الى تلك الخصوصيات ويضع اللفظ بازائها فالوضع عام لأن الملحوظ في مقام الوضع عنوان عام والموضوع له خاص لأن كل واحد من الخصوصيات التي لا تناهي لها موضوع له.

اذا عرفت ما ذكرناه في الحروف فاعلم ان الظاهر ان اسماء الاشارة والضمائر والموصولات كلها يكون الوضع فيها عاما والموضوع له فيها خاصا توضيح المدعى : ان المذكورات تشار بها الى ما يراد منها فالحق ان كلها للاشارة وان سمي بعضها بالضمائر وبعضها بالموصولات ولذا نرى يعبر عن الموصول في اللغة الفارسية ب (اونيكه) فان هذه الالفاظ بحسب التعهد الوضعى وضعت لايجاد

٢٤

الاشارة بها الى معانيها فيصح أن يقال انها موضوعة للايجاد أي ايجاد الاشارة.

وأما وجه كون الوضع فيها عاما والموضوع له خاصا فلأن مصاديق الاشارة لا تناهي لها فالواضع يتصور الجامع بين تلك المصاديق ويضع اللفظ بازاء كل مصداق فالوضع عام والموضوع له خاص ولا فرق بين الموارد والمصاديق من حيث المعنى فان المشار اليه ربما يكون من الجواهر وربما يكون من الأعراض كما انه قد يكون المشار اليه ذات الواجب وقد يكون مصداقها الممكن وقد يكون من الامور المحالة وهكذا.

الجهة الرابعة فى وضع المركبات التامة من الانشائية والاخبارية :

فنقول : الحق ان الجملات الانشائية والاخبارية موضوعة لابراز ما في النفس غاية الامر المبرز بالفتح يختلف فان الجملة الاخبارية موضوعة بحسب التعهد لابراز أن المتكلم في مقام الحكاية وبهذا الاعتبار يتصف الخبر بالصدق والكذب اذ لا اشكال في أن المتكلم في مقام الحكاية وانما الصدق والكذب يتحققان باعتبار مطابقة الحكاية مع الواقع فان طابق الخبر الواقع يكون الخبر صدقا وإلّا يكون كذبا.

وأما الجملة الانشائية فهي موضوعة لابراز ما في النفس من الاعتبار مثلا يعتبر البائع الملكية ويبرز اعتباره بقوله بعت ويعتبر المزوج الزوجية ويبرز اعتباره بقوله زوجت ويعتبر المولى اللابدية من الفعل في ذمة المكلف ويبرز اعتباره بقوله صل وهكذا وهكذا.

ولا يذهب عليك ان الجملة الانشائية وضعت لابراز الاعتبار أي ان الواضع تعهد انه كلما أراد ان يبرز الاعتبار يتكلم بهذه الجملة لكن الدواعي للابراز تختلف فربما يكون الداعي للابراز الاعتبار كاعتبار اللابدية وربما يكون الداعي التهديد وربما يكون الداعى التعجيز وهكذا.

٢٥

وفي جميع هذه الصور اللفظ مستعمل في معناه وعلى طبق التعهد فلا يكون مجازا غاية الامر الدواعي تختلف كما ان الامر يكون في الجملة الخبرية كذلك فانها وضعت لابراز ارادة الحكاية والدواعي لهذا الابراز تختلف.

فتارة يكون الداعي الحكاية وأخرى يكون الداعي البعث نحو الفعل كما يقول المولى يعيد ويتوضأ الى غيرهما من الأمثلة ويكون داعيه البعث.

وربما يكون الداعي امرا آخر مثلا اذا قال المتكلم زيد كثير الرماد يكون داعيه في هذا الاخبار عن جود زيد ولذا يكون صدق خبره وكذبه بجود زيد وعدمه لا بكثرة الرماد وعدمها.

وربما يقال : ان الجملة الاخبارية وضعت للدلالة على النسبة الخارجية والجملة الانشائية وضعت لايجاد المادة ولكن مقتضى النظر الدقيق أنه لا تصح هذه المقالة فان الوضع كما سبق عبارة عن التعهد ولا مجال لأن يتعلق التعهد بالأمر غير الاختياري مثلا هل يمكن أن يتعلق تعهد الشخص بنزول المطر من السماء كلا ومن الظاهر ان دلالة شيء على شيء آخر ليس اختياره بيد شخص فكيف يتعهد الواضع أن يدل اللفظ على النسبة الخارجية مضافا الى أن المخاطب ربما يقطع بكذب الاخبار فكيف يدل الخبر على تلك النسبة الخارجية كما ان الجملة الانشائية لا توجد بها شيء لا في الخارج ولا في الذهن ولا في عالم الاعتبار فلا مجال لتعلق تعهد الواضع به فان الانشاء عبارة عن النشء والابراز أي الواضع يتعهد انه متى يكون في مقام ابراز ذلك الامر النفساني يبرزه باللفظ الفلاني فالنتيجة ان جميع جمل الخبرية والانشائية موضوعة لابراز ما في افق النفس وعلى هذا يكون الوضع في جميع الجملات عاما والموضوع له خاصا فان الواضع يتصور جميع الموارد بالعنوان العام ويضع اللفظ بازاء تلك المصاديق الكثيرة غير المتناهية فالوضع فيها عام والموضوع له فيها خاص فلا تغفل.

٢٦

الامر الثالث فى التبادر :

فنقول : التبادر علامة كون اللفظ الفلاني حقيقة في المعنى المتبادر منه.

ان قلت يلزم الدور لأن التبادر متوقف على العلم بالوضع والحال ان العلم بالوضع يتوقف على التبادر.

قلت : التبادر يتوقف على العلم بالوضع اجمالا والعلم بالوضع تفصيلا يتوقف على التبادر فالمتوقف غير المتوقف عليه هذا بالنسبة الى العالم بالوضع اجمالا وأما بالنسبة الى الجاهل بالوضع فالتبادر عند أهل اللسان علامة الحقيقة بلا اشكال الدور فان التبادر عندهم متوقف على العلم بالوضع والعلم بالوضع عند الجاهل يتوقف على التبادر.

ثم ان التبادر المبحوث عنه في المقام هو التبادر الذي يكون من حاق اللفظ وأما التبادر اذا لم يكن عن حاق اللفظ بل يكون مستندا الى القرينة فلا يكون علامة الحقيقة كما هو ظاهر ولو شك في كون التبادر عن حاق اللفظ أو عن القرينة لا طريق الى اثبات الحقيقة لأن اصالة الحقيقة لا تكون من الاصول الشرعية التعبدية التي تجري على كل تقدير بل من الاصول العقلائية الجارية لاحراز المراد وأما لو احرز المراد وشك في كيفيته لا طريق الى اثبات الكيفية وأنه لا يكون بالقرينة لأن طريق استفادة الكيفية اما باستصحاب عدم كونه بالقرينة واما بالسيرة العقلائية.

أما الاستصحاب فلا يفي بهذا المقصود الا على القول بالمثبت الذي لا نقول به فان استصحاب عدم كونه مستندا الى القرينة لا يقتضي الاستناد الى حاق اللفظ الا على القول بالمثبت مضافا الى كونه معارضا باستصحاب عدم كونه مستندا الى حاق اللفظ فلا يتم الأمر بالاستصحاب.

٢٧

وأما السيرة العقلائية فلم تثبت وبعبارة اخرى السيرة جارية في مورد الشك في المراد لا في مورد كون المراد معلوما ولا ندري كونه بأي كيفية.

ثم انه لو انكشفت الحقيقة لكن شك في النقل وعدمه يكون مقتضي الأصل العقلائي عدم النقل وكونه حقيقة في المعنى المتبادر منه من الاول وان شئت قلت : الاستصحاب القهقري حجة في المقام والوجه فيه ان دليله السيرة العقلائية لا أدلة الاستصحاب كي يقال لا تستفاد من ادلته الاستصحاب القهقري فلاحظ.

الامر الرابع فى الحقيقة الشرعية :

قال في الكفاية : ان الوضع التعييني كما يحصل بالتصريح به كذلك يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له مع قيام القرينة على الوضع وهذه القرينة لا تكون قرينة للاستعمال المجازي بل قرينة على الوضع.

ان قلت هذا الاستعمال لا يكون حقيقة كما هو المفروض ولا يكون مجازا لعدم رعاية العلاقة المجازية.

قلت : الاستعمال يتوقف على الحسن الطبعي ومثله كثير في المحاورات.

اذا عرفت ما أفاده نقول لا اشكال في عدم الوضع التعييني بأن يقول صاحب الشريعة وضعت اللفظ الكذائي للمعنى الفلاني اذ لو كان لبان ولا داعي للاخفاء فانه لا ينافي التقية.

وأما الوضع للمعنى الجديد والحادث بالاستعمال على النحو الذي تصوره في الكفاية فيقع الكلام تارة في امكانه واخرى في وقوعه فهنا مقامان.

أما المقام الاول : فربما يقال بأنه محال اذ لازمه الجمع بين اللحاظ الآلي واللحاظ الاستقلالي فان الاستعمال يستلزم فناء اللفظ في المعنى ويكون اللفظ ملحوظا في هذا الحال بلحاظ آلي وأما وضع اللفظ لمعنى يستلزم أن يكون اللفظ

٢٨

ملحوظا استقلاليا ولا يعقل أن يجمع بين اللحاظين كيف واجتماع الضدين فساده أظهر من الشمس وأبين من الامس.

ويجاب عن الاشكال كما في بعض الكلمات ان الملحوظ باللحاظ الاستقلالي طبيعي اللفظ والملحوظ باللحاظ الاستعمالي الآلي شخص اللفظ فلا يكون اللحاظان مجتمعين في محل واحد.

وفيه : ان الاستعمال يتعلق بالطبيعي فان الطبيعي يوجد بالاستعمال وبعبارة اخرى بالاستعمال يحصل التشخص ولا يعقل أن يتعلق بالشخص وإلّا يلزم تحصيل الحاصل واجتماع وجودين في ماهية واحدة ومن الظاهر ان لكل ماهية وجودا واحدا فالحق أن يقال إن الوضع عبارة عن التعهد والتعهد امر قلبي يحصل قبل الاستعمال فلا مجال للاجتماع هذا اولا.

وثانيا : انا لا نسلم كون اللفظ ملحوظا عند الاستعمال ملحوظا آليا ولذا يراعى فيه ما يلزم رعايته من حيث الادب وبعبارة واضحة لا اشكال في أن المستعمل للكلمات عند التكلم يلاحظ خصوصيات الألفاظ من حيث الاعراب والبناء ومن حيث الصحة والاعتلال ومن حيث الغلط والصحيح ومن حيث الحسن والقبح اضف الى ذلك ان الوضع بهذا النحو أمر ممكن بالوجدان بل واقع وبعد وقوع الشيء خارجا لا مجال لا قامة البرهان على عدم امكانه وادل الدلائل على امكان الشيء وقوعه.

ثم ان صاحب الكفاية افاد بأن الاستعمال المشار اليه لا حقيقة ولا مجاز.

أما عدم كونه حقيقيا فلعدم الاستعمال في الموضوع له وأما عدم كونه مجازا فلعدم لحاظ العلاقة المجازية وفيه : ان الوضع ان كان عبارة عن التعهد النفساني يكون الاستعمال المزبور حقيقيا فان رتبة الاستعمال وزمانه بعد الوضع.

وان شئت قلت : الاستعمال متأخر عن الوضع فيكون حقيقيا إلّا أن يقال :

٢٩

ان الوضع لا يتم إلّا بالابراز فيكون الوضع والاستعمال يوجدان في زمان واحد فلا يكون الاستعمال حقيقيا اذ بالاستعمال يتم الوضع فلا يمكن أن يكون حقيقيا وإلّا يلزم الخلف لكن لا بأس بهذا الاستعمال فانه صحيح عرفا وان أبيت عن صحته نقول نفرض كونه غلطا لكن الأثر المرغوب منه يترتب عليه بلا اشكال فلاحظ.

وأما المقام الثاني : فأفاد في الكفاية ان دعوى الوضع التعييني في ألفاظ العبادات في لسان الشارع قريبة جدا والدليل عليه تبادر المعاني الشرعية من هذه الألفاظ في زمانه والتبادر آية الحقيقة ويؤيد المدعى أنه لا علاقة بين هذه المعاني والمعاني اللغوية كى يلتزم بالمجاز فانه اي علاقة بين الدعاء والصلاة ومجرد تضمن الصلاة للدعاء لا يقتضي الجواز فان علاقة الكل والجزء في المجاز مشروط بكون الجزء بحيث ينتفي الكل بانتفائه كالرقبة بالنسبة الى الانسان ولذا يصح أن يقال اعتق رقبة هذا على تقدير حدوث هذه المعاني في الشريعة الاسلامية وأما على تقدير كونها في الشرائع السابقة كما يدل عليه قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(١)(وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ)(٢) فلا طريق الى اثبات الحقيقة الشرعية ومع الغض عن هذه الجهة لا يكون دعوى القطع بحصولها في لسان الشارع وتابعيه جزافا نعم حصولها في خصوص لسانه لا يمكن اثباته.

ويرد عليه اولا : انه لا دليل على كون هذه الالفاظ حقيقة في هذه المعاني في الشرائع السابقة اذ مجرد ثبوت هذه المعاني في تلك الشرائع لا تلازم كون هذه الالفاظ موضوعة بازائها والنزاع في المقام في الوضع لا في تحقق المعاني في

__________________

(١) البقرة / ١٨٣

(٢) مريم / ٣١

٣٠

تلك الازمنة بل لا ريب في عدم الوضع في الأزمنة السالفة اذا لم تكن لغتهم عربية.

وثانيا لو فرض كون الألفاظ موضوعة بازاء هذه المعاني في تلك الأزمنة تترتب عليه النتيجة المطلوبة فانه لا فرق في النتيجة بين القولين الا بالاصطلاح وبعبارة اخرى : على كلا التقديرين يحمل اللفظ على المعاني الحادثة.

وثالثا ان الوضع التعييني الموضوع للبحث على فرض تحققه اما باستعمال الشارع المقدس أي النبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله واما باستعمال تابعيه واما حصوله بكليهما فلا معنى له.

اذا عرفت ما تقدم نقول لا مجال لنفي تحقق الوضع في زمان الائمة والصادقين عليهم‌السلام لتبادر هذه المعاني من هذه الالفاظ في ذلك الزمان وعليه لا أثر لهذا البحث اذ البحث في المقام في أن الألفاظ موضوعة للمعاني الشرعية كي تحمل عليها عند الاستعمال أو لا تكون كي تحمل على المعاني اللغوية ومع فرض كونها موضوعة في زمان الائمة عليهم‌السلام تحمل على المعاني الشرعية لأن الاحكام الشرعية واصلة الينا بطريقهم فلا فرق في النتيجة.

ان قلت على فرض كونها موضوعة في زمان الائمة عليهم‌السلام في المعاني الشرعية تكون الألفاظ مشتركة لفظية ولا بد من قرينة معينة.

قلت اولا : على هذا لا فرق في ورود الاشكال بين القول بثبوت الحقيقة الشرعية وبين القول بثبوت الحقيقة المتشرعية.

وثانيا : لا مجال لاصل الاشكال اذ لو ثبت الوضع يثبت النقل وبعبارة اخرى : بعد وضع الشارع أو الائمة عليهم‌السلام هذه الالفاظ لهذه المعاني الخاصة ورفع اليد عن التعهد السابق لا مجال لهذا الاشكال مضافا الى أن القرائن الموجودة تعين

٣١

المراد وصفوة القول : ان ما وصل الينا من طريق الائمة عليهم‌السلام يكون المراد منه ظاهرا ولو ببركة القرائن وما وصل الينا من طريقهم اذا كان محفوفا بالقرينة فالكلام فيه هو الكلام وأما مع عدم القرينة وكونه حجة ومعتبرا فتحققه مورد الكلام.

وأما ما ورد من هذه الالفاظ في القرآن فالمراد منه معلوم بالقرينة فان قوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ)(١) يدل على الامساك الخاص وقس عليه قوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)(٢) مضافا الى النصوص الواردة من اهل البيت الذين هم أدرى بما في البيت فالنتيجة انه لا أثر لهذا البحث ولا تترتب عليه نتيجة عملية.

الامر الخامس :

في أن أسماء العبادات وكذا المعاملات موضوعة للصحيح أو للأعم فيقع الكلام في مقامين :

المقام الأول : في أسماء العبادات وقد مر في بحث الحقيقة الشرعية أن الفاظ العبادات موضوعة في لسان الائمة عليهم‌السلام للعبادات للتبادر فلا بد من ملاحظة ان الموضوع لها خصوص الصحيح أو الموضوع له الاعم من الصحيح.

فنقول ربما يقال : لا يمكن دخل القيود في المسمى لأن الشرط متأخر رتبة عن المقتضي فلو كان دخيلا يلزم تقدم المتأخر وهو محال.

والجواب عن الاشكال : انه لا مانع في مقام التسمية من جمع المتقدم والمتأخر ولا يلزم الخلف والمحال ولذا لا مانع عن جعل لفظ اسما للعلة والمعلول مع تأخر

__________________

(١) البقرة / ١٨٧

(٢) آل عمران / ٩٧

٣٢

المعلول عن العلة بل لا مانع عن جعل لفظ اسما للمتقدم والمتأخر الزماني فكيف بالتأخر الرتبي اذا عرفت ما تقدم فاعلم : انه يقع الكلام في موضعين :

الموضع الاول في الجامع الصحيحي فنقول : قال في الكفاية يمكن تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة بوحدة الاثر كالنهي عن الفحشاء والمنكر اذ وحدة الأثر تكشف عن وحدة المؤثر وتتوجه بكلامه في المقام ايرادات :

منها : ان برهان ان الأثر الواحد يكشف عن وحدة المؤثر يجري في الواحد الشخصي أو الواحد النوعي وفي المقام الوحدة عنوانية.

بيان ذلك ان الفحشاء عنوان انتزاعي ينتزع عن الزنا واللواط وشرب الخمر والقمار الى غيرها من المحرمات فأنواع الفحشاء مختلفة فالوحدة عنوانية لا وحدة شخصية ولا نوعية.

ويمكن الجواب عن هذا الايراد اولا : ان الفحشاء انواع مختلفة ولكن الكلام في النهي عن الفحشاء لا عن نفس الفحشاء إلّا أن يقال : اذا كان الأمر كذلك لا يكون الوحدة نوعية اذ عليه يمكن أن تنهى صلاة الصبح عن فحشاء وتنهى صلاة الظهر عن غيرها فلا مجال لكشف الجامع وثانيا : يكفي للوصول الى المطلوب الوحدة العنوانية.

ومنها : ان البرهان المذكور انما يتم لو كان الأثر للجامع والحال أن الأمر لا يكون كذلك فان كل صلاة بمالها من الخصوصيات تؤثر في الأثر المطلوب لا الجامع فان صلاة الفجر بخصوصياتها الخاصة من كونها ركعتين وتكون القراءة فيها جهرية وهكذا تؤثر وقس عليها بقية الصلوات فالمؤثر الخصوصيات لا الجامع بما هو جامع. ويمكن أن يجاب عن هذا الاشكال بأن الأمر وان كان كما ذكر لكن يكفي للمدعى الجامع العنواني المنتزع عن الأفراد المختلفة كما مر إلّا أن يقال انه خارج عما أفاده صاحب الكفاية ورامه.

ومنها : ان هذا الجامع اما مركب او بسيط أما على الاول فكل مركب

٣٣

نتصوره جامعا لا يكون جامعا بين الأفراد الصحيحة كما هو ظاهر فان صلاة المسافر تغاير صلاة الحاضر وصلاة المغرب تغاير صلاة العشاء وهما تغايران صلاة الآيات وهكذا وهكذا.

وأما على الثاني فكيف يمكن أن الجامع البسيط جامعا بين المركبات من امور كل واحد منها من مقولة غير مقولة اخرى.

ويمكن أن يجاب عن الاشكال المذكور ايضا بكفاية الجامع العنواني ولكن صاحب الكفاية في مقام اثبات الجامع الذاتي.

ومنها : انه لا اشكال في مدخلية قصد القربة وعدم المزاحم وعدم تعلق النهي بالمأمور به والحال ان هذه القيود غير دخيلة في المسمى وربما يقال في وجهه كما عن الميرزا قدس‌سره : ان الصحة من هذه النواحي متأخرة عن المسمى وفرع تحققه فكيف يعقل أن تؤخذ في المسمى.

ويرد على هذا البيان انه لا مانع عن أخذ هذه القيود في المسمى وقد تقدم ان التأخر الرتبي بل الزماني لا يكون مانعا عن وضع اللفظ بازاء مجموع المتقدم والمتأخر بل الوجه فيه ان عدم أخذها مقطوع.

ويرد على هذا الايراد اولا : ان الكلام في تصوير الجامع وهذا الاشكال لا يكون اشكالا في اصل المدعى وثانيا : لا وجه للقطع المدعى في المقام اذ على القول بكون اللفظ موضوعا لخصوص الصحيح نلتزم بدخل الامور المذكورة مضافا الى أنه لا وجه لقيد عدم المزاحم فان المزاحم لا يوجب بطلان العمل كيف وقد ثبت في بحث الترتب جواز الأمر بالمهم عند عصيان الامر بالاهم فلاحظ.

ومنها : ان المسمى لا بد أن يكون مفهوما عرفيا يفهم من اللفظ ومن الظاهر ان الجامع البسيط المؤثر في النهي عن الفحشاء لا يفهمه العرف كما ان الجامع المركب لا يفهم منه اذ قد ثبت انه لا جامع مركب بين الأفراد فالمسمى لا يكون جامعا ذاتيا لا بسيطا ولا مركبا وأما الجامع العنواني فلا يمكن الالتزام بكونه

٣٤

موضوعا له وإلّا يلزم الترادف بين عنوان الناهي عن الفحشاء ولفظ الصلاة ويلزم صحة حمل هذا العنوان على الصلاة بالحمل الاولى الذاتي وهو كما ترى. ان قلت : يمكن القول بكون الوضع فيها عاما والموضوع له خاصا. قلت كيف يمكن الالتزام به والحال ان المفهوم من لفظ الصلاة عنوان عام واحد ويحكم به على المصاديق الخارجية والدليل على ذلك ان حمل لفظ الصلاة بما له من المعنى على كل واحد من مصاديقها على نسق واحد بلا فرق بين الموارد.

ومنها : ان الجامع المركب لا يكون جامعا كما تقدم والجامع البسيط على فرص تسلمه يكون حاصلا من تلك المركبات فلو شك في الأقل والأكثر لا تجري البراءة اذ قد ثبت في محله ان المرجع عند الشك في المحصل الاشتغال والحال ان بناء القوم عند الشك في الأكثر البراءة.

ويمكن أن يجاب عن الاشكال المذكور وان لم يكن موجها عند صاحب الكفاية بأن الجامع يمكن أن يكون عنوانا انتزاعيا عن المركب الخارجى ومحمولا عليه فيكون الواجب ذلك المركب فلا يكون الشك في المحصل بل الشك في الزائد على المقدار المعلوم فالنتيجة عدم تمامية ما أفاده صاحب الكفاية.

وافاد المحقق العراقي : بأنه لا جامع بين الأفراد الا الجامع الوجودي وبعبارة اخرى لا ينحصر الجامع بالجامع المقولي والعنواني بل يمكن أن الجامع جامعا وجوديا.

وبعبارة واضحة : ان الصلاة مركبة من مقولات متعددة متباينة كل واحدة منها اجنبية عن الاخرى ولا جامع صوري بينها وايضا لا جامع مقولي يجمع تلك الشتات ولكن مع ذلك يجمعها جامع وجودي ولذا نرى ان مفهوم الصلاة يصدق بلا عناية على الصلوات المختلفة وجميع هذه المختلفات مجتمعة في الإطار الوجودي فنقول الجامع هو الوجود لكن مع التحفظ على الأركان قلة وكثرة واما بلحاظ غير الاركان يكون لا بشرط وان شئت قلت : يؤخذ من كل جزء وجوده

٣٥

ويلاحظ بهذا اللحاظ بلا نظر الى خصوصية وجوده.

ان قلت يلزم حصول الامتثال بالاتيان بما يكون تحت هذا الجامع فيجوز أن يصلي الحاضر صلاة القصر وهكذا.

قلت قد استفيد من الادلة وجوب مركب خاص بالنسبة الى الحاضر كما ان الأمر كذلك بالنسبة الى المسافر وكل واحد من المكلفين يجب عليه أن يمتثل ما وجب عليه شرعا فالنتيجة ان الجامع جامع وجودي.

ويرد عليه اولا : انه ان اريد اشتراك الأجزاء والشرائط في مفهوم الوجود فمن الظاهر ان مفهوم الوجود جامع بين جميع الموجودات وان اريد بالجامع الوجودي حقيقة الوجود على مسلك الذاهبين الى أن الاصل هو الوجود فائضا جميع الأشياء مشتركة في حقيقة الوجود فان حقيقة الوجود حقيقة تشريكية بين تمام الموجودات وان اريد ان وجودا واحدا عينيا شخصيا خارجيا جامع بين المقولات المتعددة فهذا أمر غير معقول اذ لا يعقل أن يتحد مقولة مع مقولة اخرى وجودا بل لا يعقل حصول الوحدة الحقيقية بين الأمور المتأصلة وانما الوحدة بينها وحدة اعتبارية لا حقيقية.

وثانيا : ان الصلاة لها أفراد عديدة صادرة من اشخاص مختلفة فان الصادرة من زيد غير الصلاة عن بكر بل صلاة الفجر الصادرة عن شخص واحد غير صلاة ظهر الصادرة عن ذلك الشخص وهكذا وكيف يمكن أن يكون وجود واحد خارجى جامعا بين جميع هذه الأفراد.

وثالثا : ان الصلاة ليست الحصة الوجودية الخاصة المتحصلة في الخارج بل الصلاة عبارة عن نفس المقولات ولذا يحكم عليها بأحكام كثيرة من دون أن يكون لها تحقق خارجي.

ورابعا : ان كانت الصلاة هو المجموع الوجودي فكيف يمكن أن يتعلق بها

٣٦

الامر اذ يلزم تحصيل الحاصل المحال.

وخامسا : اما تلغى الخصوصيات واما لا تلغى أما على الأول فيكون الوجود جامعا بين جميع الأفراد الموجودة وأما على الثاني فلا يكون جامعا بل كل وجود مخصوص بمورده.

وسادسا : ان الالفاظ موضوعة للماهيات كي تحضر في الذهن عند الاستعمال والموجود الخارجى غير قابل لأن يحضر في الذهن وإلّا يلزم الخلف.

وسابعا : انه لا يتبادر من اللفظ الا المفهوم لا الموجود الخارجى.

وثامنا : مرجع هذا المسلك الى وحدة الوجود والقائل اجل أن يلتزم بهذا اللازم الفاسد.

وأفاد الميرزا النائينى قدس‌سره انه لا يلزم تصوير الجامع لا على القول بالصحيح ولا على القول بالأعم بل يمكن وضع اللفظ للمرتبة العالية للصلاة ثم استعماله في بقية المراتب اما بادعاء كون الفاقد منزلة الواجد واما من باب الاشتراك في الاثر فالصحيحي يستعمل اللفظ في بقية المراتب الصحيحة من باب الادعاء أو من باب الاشتراك في الاثر فان كل واحد من الأمرين يصح الاستعمال والأعمي يستعمل اللفظ في بقية المراتب الأعم من الصحيح والفاسد اما من باب الادعاء واما من باب الاشتراك في الاثر وكون الفاسد بمنزلة الواجد مثلا صلاة الغريق لا يمكن فيها الادعاء لكن تشترك مع غيرها في الاثر ويمكن ادعاء كون الفرد الفاسد منها منزلة الواجد.

نعم يلزم تصوير جامع بين صلاة القصر والتمام اذ كل منهما له مراتب ولا يختص الامر بواحدة منهما ثم رتب على ما أفاده عدم نتيجة لهذا النزاع لان الأخذ بالاطلاق غير جائز على كلا القولين أما على الصحيح فظاهر وأما على الاعم فلان المفروض ان اللفظ وضع لخصوص الصحيح وعدم احراز المسامحة والادعاء فى مقام الاستعمال

٣٧

فيكون اللفظ مجملا ولا يجوز التمسك بالاطلاق لعدم موضوعه.

ويرد عليه اولا : ان استعمال لفظ الصلاة بالنسبة الى جميع المراتب على حد سواء ولا تفاوت بين الاستعمال في مورد ومورد آخر.

وثانيا : ان المرتبة العالية لها انواع متعددة فان صلاة التمام غير الصلاة القصر وصلاة المغرب غيرهما وصلاة الفجر تغايرها وصلاة الآيات تغاير الجميع وصلاة العيدين تغاير الكل فلا بد من تصوير جامع بين المراتب العالية.

وثالثا : تظهر الثمرة بين القولين اذ الأعمي قائل بوضع اللفظ للأعم فعلى القول بالصحيح لا مجال للتمسك لأن الأخذ بالاطلاق والعموم لا يجوز مع الشك في المصداق وأما على الأعم حيث ان المصداق محرز والشك في الزائد يجوز التمسك فلاحظ.

اذا عرفت ما تقدم نقول : الحق ان الجامع بين الأفراد الصحيحة متصورة كما ان الحق وضع اللفظ بازاء الجامع الصحيح فلنا دعويان :

الاولى : امكان تصور الجامع.

الثانية : كون اللفظ موضوعا بازائه.

أما الدعوى الاولى : فنقول لا اشكال ولا كلام في أن الصلاة بما لها من المفهوم تنقسم الى الصحيحة والفاسدة ولذا نقول هل لفظ الصلاة موضوع لخصوص الصحيحة أو للاعم فيتصور مفهوم ، للصحيح بلا اشكال فيكون ذلك المفهوم المتصور جامعا للافراد الصحيحة هذا اولا.

وثانيا : نقول اذا كان اثر مترتبا على مركب خارجي تختلف أجزاء هذا المركب ولكن مع الاختلاف يكون مشتركا في ذلك الأثر كالسكر مثلا فاذا كان السكر مترتبا على اشياء مختلفة كما هو كذلك خارجا ولا يكون جامع مقولي بين تلك الأشياء والقدر الجامع بينها ترتب السكر عليها لا اشكال في أنه ينتزع عنوان

٣٨

المسكر عن المجموع ولا اشكال في صحة حمل عنوان المسكر على كل واحد من من مصاديقه بالحمل الشائع الصناعي فيقال الخمر مسكر والترياق مسكر والاسبرتو مسكر والبنج مسكر الى غيرها من المسكرات فالجامع بين تلك الامور الجسم المسكر او الشيء المسكر فيوضع اللفظ بازاء هذا الجامع وفي المقام نقول كل واحد من أنواع الصلاة وكل فرد من أفرادها يشترك مع النوع الآخر والفرد الآخر في جملة من الآثار وهي النهي عن الفحشاء ومعراج المؤمن وقربان كل تقي وخير موضوع وذو ملاك ومصلحة وكونه محبوبا للمولى فيكون الجامع الفعل الذي يكون موضوعا لهذه الآثار ويتصور الجامع بهذا العنوان ويوضع اللفظ بازائه بلا ترتب اى محذور عليه ولعمري هذا ظاهر واضح ولا يرد عليه اشكال وايراد هذا تمام الكلام في الدعوى الاولى.

واما الدعوى الثانية : فقد تقدم في بحث الحقيقة الشرعية ان اللفظ بمقتضى التبادر موضوع للمعنى الحادث الشرعي انما الكلام في كونه موضوعا لخصوص الصحيح أو موضوع للاعم ولا ريب ان كل مخترع اذا وضع اسما لمخترعه يضع لما هو جامع للأجزاء والشرائط وبعبارة اخرى الديدن الخارجي والعادة العقلائية جارية عليه والخروج عن الطريق العقلائي يحتاج الى مئونة ودليل مضافا الى أن الشارع الاقدس عرف مخترعه بكونه ينهى عن الفحشاء والمنكر وانه خير موضوع وانه قربان كل تقي والظاهر ان هذه الآثار آثار نفس الماهية المخترعة لا لخصوص نوع خاص منها وقس على ما ذكرنا ما ورد من كلامهم عليهم‌السلام من أن الصلاة عمود الدين وقوله عليه‌السلام بني الاسلام على الخمس منها الصلاة الى غيرها من التعبيرات المشابهة ومجرد استعمال لفظ الصلاة في الأعم أو في الفاسد احيانا لا يدل على مدعى الخصم اذ الاستعمال اعم من الحقيقة واصالة الحقيقة ليست اصلا تعبديا يجري فيما يكون المستعمل فيه معلوما ويشك في

٣٩

كونه على نحو الحقيقة أو المجاز فانه لا اصل لهذا الاصل بل الاصل العقلائي يجري فيما لا يكون المستعمل فيه معلوما ويشك في أن اللفظ استعمل في المعنى الحقيقي أو المجازي مضافا الى أنه يمكن ادعاء صحة السلب عن الفاسدة وتبادر الصحيحة من اللفظ وهما آيتا الحقيقة هذا تمام الكلام في وضع الفاظ العبادات لخصوص الصحيح وفي قبال هذا القول القول بكون الفاظ العبادات موضوعة للاعم من الصحيح وفيه اقوال ايضا :

القول الاول : ما عن المحقق القمى قدس‌سره وهو ان الفاظ العبادات موضوعة لخصوص الأركان وبقية الاجزاء والشرائط دخلية في المأمور به فلفظ الصلاة مثلا موضوع للطهارة من الحدث والتكبيرة والركوع والسجود وما أفاده يرجع الى امرين :

احدهما : ان الاجزاء والشرائط غير الاركان لا تكون داخلة في المسمى.

ثانيهما : ان الاركان موضوع لها للفظ الصلاة.

وأورد الميرزا النائيني قدس‌سره على كلا الامرين أما على الاول فبأن خروجها دائمي أو عند عدمها أما على الاول فلا يكون استعمال الصلاة في الواجد منها استعمالا حقيقيا بل يكون الاستعمال مجازيا لعلاقة الكل والجزء.

وأما على الثاني فهو أمر غير معقول فان كل شيء متقوم بجنس وفصل ولا يمكن الالتزام بكونه متقوما عند وجوده وعدمه عند عدمه فاما خارج دائما واما داخل كذلك.

ثم أورد على نفسه بأن الحقيقة التشكيكية كذلك اذ يصدق على الواجد عند وجوده وعدم صدقه عليه عند عدمه ولا يضر ما ذكر في الحقيقة الوجودية وجملة من الماهيات التشكيكية كالسواد والبياض.

ثم أجاب هكذا : أما التشكيك في الوجود فلا نعرفه ولا يعرفه احد الا بالكشف

٤٠