آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

بارادته تعالى.

الثاني : ان يعطي شخص آلة قتالة شخصا آخر والحال انه يعلم ان المعطى له يقتل بها الثالث ومع ذلك يعطي فان المعطى له لو قتل شخصا يكون القتل بفعله وبارادته ولا يرتبط بالمعطى وهذا مذهب المفوضة اذ هم قائلون بأن الافعال الصادرة عن العباد باختيارهم وارادتهم ولا يرتبط بساحة قدسه.

الثالث : أن يعطي شخص شخصا آخر آلة قتالة ويقدره على القتل بالقوة الكهربائية مثلا بحيث يمكن للشخص الاول أن يقطع القدرة عنه ويعجزه عن الفعل فان هذا مسلك الامامية الشيعة حيث ذهبوا الى الأمر بين الأمرين فان القتل الصادر عن المعطى له باختياره وارادته بلا اشكال ، واما أصل قدرته على القتل فهو من المعطي اذ ببركته يقدر على القتل.

اذا عرفت ما تقدم نقول لا اشكال في أن الممكن كما مر محتاج الى الواجب بل عين الاحتياج فاذا لم يفض عليه الفيض من المفيض المطلق لا يقدر على اي فعل من الافعال ، فمن هذه الناحية لا تفويض بل في كل آن يفاض عليه الفيض ولكن مع ذلك كله يكون العبد مختارا فباختياره وارادته يرتكب المعاصي ويأتي بالافعال وبهذا الاعتبار لا جبر بل الامر مفوض اليه ويشير الى هذه الحقيقة قوله تعالى (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(١) أي لا بد في مشيئة العبد من مشيئة الله بأن يفيض اليه الحياة والقدرة وجميع المقدمات اللازمة للعمل كى يفعل العبد فعلا اختياريا ولا تكون الآية دالة على الجبر بل دالة على القول الحق وهو الأمر بين الامرين كما انه تدل عليه الآية الشريفة ايضا وهي قوله تعالى (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(٢) فان الله سبحانه ينهى أن يقول العبد اني

__________________

(١) الانسان / ٣٠

(٢) الكهف / ٢٣ و ٢٤

٨١

افعل كذا إلّا ان يشاء الله خلافه بل الحق ان كل الامور الخارجية التكوينية ومن الافعال الاختيارية بارادته تعالى وقدرته وافاضته المقدسة ومع ذلك لا جبر في افعال العباد.

ازمة الامور طرا بيده

والكل مستمدة من مدده

وقد مثلنا للمدعى سابقا مثالا ، وهو انه ان كان شخص في مكان في طرفه الايمن جميع اللذات والامور الملاءمة مع الطبع الانساني وفي طرفه الآخر جميع الامور المنافرة مع الطبع ويكون زمام الشخص بيد شخص آخر في كل آن يمكنه أن يجره من مكانه ويبعده عنه ، فهذا الشخص لا اشكال في كونه قادرا على اختيار اي طرف من الايمن والايسر ، فاذا اختار احدهما لا يكون مجبورا بل باختيار اختاره. ولكن الامر ليس مفوضا اليه على الاطلاق اذ بقائه في ذلك المكان باختيار الغير وأرادته فلا جبر بهذا الاعتبار ولا تفويض بالاعتبار الآخر بل امر بين الامرين.

بقي شيء : وهو انه قد ورد في بعض النصوص ما قريب من هذا. منها رواه الحسن بن علي الوشاء ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال سألته فقلت : الله فوض الامر الى العباد؟ قال : الله اعز من ذلك ، قلت فجبرهم على المعاصي؟ قال : الله أعدل وأحكم من ذلك ، قال : ثم قال : قال الله يا بن آدم انا اولى بحسناتك منك وانت اولى بسيئاتك مني ، عملت المعاصي بقوتى التي جعلتها فيك. (١) ولا يبعد أن يكون الخبر اشارة الى الصدق العرفي لا الى الدقة العقلية فان من هيأ أسباب التوفيق ومقدمات الطاعة للشخص فان عمل الشخص العمل الحسن والطاعة يقال هذا فعل من هيأ له المقدمات وان ارتكب المعاصي والقبائح يقال ارتكب بنفسه.

__________________

(١) الاصول من الكافى ، ج ١ ، باب الجبر والقدر ، ص ١٥٧ ، حديث : ٣

٨٢

الفصل الثانى :

فيما يتعلق بصيغة الامر وفى هذا الفصل يقع الكلام في جهات : الجهة الاولى : في أن صيغة الامر موضوعة لمعان عديدة : اي البعث ، والتهديد ، والتعجيز ، الى غيرها على نحو الاشتراك اللفظي ، او انها موضوعة للجامع بين المعانى او انها موضوعة ، لخصوص البعث وتستعمل في غيره على نحو استعمال اللفظ في غير ما وضع له؟ الذي يختلج بالبال ان يقال : ان صيغة الامر موضوعة لابراز اعتبار الفعل في ذمة المكلف ، وبعبارة واضحة : الواضع وضع الصيغة لاجل انه متى كان في مقام ابراز الاعتبار النفساني يتلفظ بصيغة الامر ، غاية الامر الداعي لهذا الابراز يختلف باختلاف الداعي الموارد والمقتضيات والاشخاص والحالات.

فتارة ، يكون الداعي الطلب والبعث والتحريك الاعتباري.

واخرى يكون الداعي التعجيز ، وثالثة يكون الداعي للابراز الامتحان ورابعة يكون الداعي له السخرية الى غيرها من دواعي الابراز وعليه لا يكون استعمال الصيغة على نحو المجاز بل تكون مستعملة في الموضوع لها دائما ، وان الداعي يختلف ويتفاوت.

ثم ان ما ذكرنا في مفاد صيغة الامر يجري في بقية الجمل الانشائية كالترجي ، والتمني ، والاستفهام الى غيرها ، فان صيغة الترجي مثلا وضعت لابراز الترجي والدواعي لهذا الابراز مختلفة وعليه يكون استعمال ما وضع للترجي مستعملا على الدوام فيما وضع له والدواعي تختلف حسب اختلاف الموارد فلا يكون استعماله في كلامه تعالى مجازيا وقس عليه بقية الجملات الانشائية.

الجهة الثانية : في ان صيغة الامر هل وضعت للوجوب وحده ، ويكون استعمالها في الندب مجازا أو تكون موضوعة للجامع بين الوجوب والاستحباب؟ أفاد سيدنا

٨٣

الاستاد بأن الوجوب المستفاد من الصيغة بحكم العقل ، بتقريب ان المولى اذا اعتبر فعلا في ذمة المكلف وابرز حبه الى أن يفعل المكلف الفعل الفلاني ولم ينصب قرينة على جواز الترك يحكم العقل بلزوم الامتثال فلا يكون الوجوب من المداليل اللفظية بل من المداليل السياقية بحكم العقل.

ويرد عليه أولا : النقض بانه لو قام دليل مجمل ولم يعلم منه المراد وتردد أمر المولى بين كونه وجوبيا أو ندبيا ، فهل يحكم سيدنا الاستاد بالوجوب والحال ان اجمال النص أو تعارضه أو فقدانه موضوع لجريان البراءة.

وثانيا : انه لا وجه لهذا الادعاء ولا موجب لحكم العقل مع الشك في أن المولى أوجب أو لم يوجب مع ان قبح العقاب بلا بيان يقتضي عدم الوجوب ويوجب البراءة عن الالزام.

فالحق ان يقال ان الصيغة موضوعة لابراز اعتبار الفعل في الذمة ، غاية الأمر لو كان المولى في مقام البيان ولم ينصب قرينة على الندب يستفاد من كلامه الوجوب ، وان شئت قلت : الاهمال لا يعقل في الواقع فاذا اعتبر المولى فعلا في الذمة ، فاما يجوز ويرخص في الترك او لا يرخص فاذا رخص يكون التكليف ندبيا ، واذا لم يرخص يكون وجوبيا فلو كان في مقام البيان ولم يرخص يكون مقتضى الاطلاق المقامي هو الوجوب وعليه لا مانع من أن يقال ان الندب والتكليف الاستحبابى مركب من اعتبار الفعل في الذمة مع الترخيص في الترك فعلى هذا لا تكون الصيغة موضوعة لخصوص الوجوب بل موضوعة لابراز الاعتبار الجامع بين الأمرين.

وصفوة القول : ان المولى لو استعمل الصيغة ، وقال «صل» يكون مقتضى الاطلاق المقامي الالزام حيث لم ينصب قرينة على الترخيص في الترك كما ان مقتضاه عدم الهزل والمزاح والامتحان والسخرية والتهديد والتعجيز الى غيرها ، فان

٨٤

كل واحد من هذه المذكورات وان كان ممكنا ثبوتا لكن بدون قيام القرينة والبيان لا مجال لحمل الكلام عليه.

وان شئت قلت ان كان احتمال الامور المذكورة مانعا عن حمل الكلام على ارادة الالزام والتحريك نحو العمل لانسد باب الافادة والاستفادة ، وبعبارة واضحة : كل واحد من المذكورات يتوقف على البيان وصفوة القول : ان ارادة كل واحد من الامور المذكورة تحتاج الى مئونة فلو كان المولى في مقام البيان ولم ينصب قرينة على واحد من المذكورات يستفاد من كلامه ان الداعي له الزام الفعل.

الجهة الثالثة : في الجمل الخبرية التي تستعمل في مقام الانشاء ، لا يبعد أن يقال : ان الجمل الخبرية التي تستعمل في مقام الانشاء تكون مستعملة في معانيها غاية الامر الداعي فيها لا يكون الحكاية عما في الخارج ، وبعبارة واضحة : الجملة الخبرية موضوعة لابراز الحكاية اي الواضع تعهد انه كلما اراد ان يبرز انه في مقام الحكاية يتلفظ بالجملة الخبرية فاستعماله الجملة دائما للابراز المذكور غاية الامر ، تارة يبرز الحكاية بداعي الاخبار عما في الخارج ، واخرى يبرزها بداعي البعث والتحريك نحو العمل ، وعلى هذا لا يكون استعمال الجملة الخبرية في مقام الانشاء مجازا بل تستعمل الجملة في الموضوع لها مع اختلاف الدواعي ولذا في الاستعمالات الكنائية تكون الهيئة مستعملة فيما وضعت له ففي قول القائل «زيد كثير الرماد او مهزول الفصيل» لا يكون الاستعمال مجازيا نعم الداعي للقائل زيد كثير الرماد لا يكون الاخبار عن كثرة رماده بل الداعي الحكاية والاخبار عن جوده وسخائه ولذا ، لا يكون الاخبار كذبا اذا لم يكن له رماد بل انما يتحقق الكذب اذا لم يكن جوادا.

الجهة الرابعة : في أن اطلاق الصيغة هل يقتضي التوصلية ، فيكفي في مقام الامتثال الاتيان بالعمل ولو مع عدم قصد القربة ، أو لا يقتضي بل لا بد في مقام

٨٥

الشك في التعبدية والتوصلية الأخذ بالاصل العملي.

وربما يراد بالتوصلي معان أخر : منها : ان الواجب التوصلي ما يسقط بفعل الغير.

ومنها : ما يسقط الواجب ولو مع عدم التفات المكلف حين العمل بل يكفي ولو مع صدور الفعل لا عن اختيار ، ومنها : ما يسقط الواجب ولو مع اتيانه في ضمن الفرد المحرم ففي المقام فروع ثلاثة : الفرع الاول : لو شك في سقوط الوجوب بفعل الغير ، فتارة يقع الكلام في مقتضى الاطلاق واخرى فيما يقتضيه الاصل العملي فهنا مقامان :

أما المقام الاول ، فربما يقال : ان مقتضى الاطلاق اللفظي التوصلية ، ويشكل الالتزام به ، فان صيغة الامر تدل على اعتبار المولى الفعل في ذمة المكلف ومقتضى الاطلاق بقاء الاشتغال حتى بعد الاتيان من قبل شخص آخر.

وبعبارة واضحة : مقتضى الاطلاق عموم الحكم لصورة اتيان الغير بالمكلف به فالاطلاق يقتضي عدم التوصلية ، هذا فيما كانت مقدمات الحكمة تامة.

وأما لو لم تتم فما هو مقتضى الاصل العملي؟ ربما يقال ان قلنا بجريان الاستصحاب في الحكم الكلي فعند الشك في بقاء الوجوب وسقوطه بفعل الغير يكون مقتضى الاستصحاب بقاء التكليف وعدم سقوطه وان لم نقل بجريان الاستصحاب في الحكم الكلي لمعارضته باستصحاب عدم الجعل الزائد يكون مقتضى الاشتغال لزوم الاتيان بالمكلف به ولو بعد وجوده من قبل شخص آخر.

وفيه ان مرجع الشك في كفاية فعل الغير الى الشك في بقاء الوجوب بعد تحقق المكلف به من قبل الشخص الآخر.

وبعبارة واضحة : ان الاهمال غير معقول في الواقع ، ففي الواقع اما يكون الوجوب مقيدا بعدم الاتيان من قبل شخص آخر ، واما يكون مطلقا واما يكون

٨٦

مقيدا بوجوده فعلى تقدير تحققه من الشخص الآخر ، يمكن أن لا يتعلق الوجوب به فيكون الشك في أصل توجه التكليف ومقتضى البراءة انتفاء الحكم في الصورة المفروضة فلاحظ.

الفرع الثاني : ما لو شك في سقوط الوجوب فيما يؤتى بالفعل غير الارادي وبلا اختيار ربما يقال ان مقتضى القاعدة الاولية عدم السقوط باتيانه في ضمن الفرد غير الارادي وما يمكن أن يذكر في تقريبه وجهان وقبل بيان الوجهين ، نقول : ان الخطاب بنفسه لا يقتضي اثبات المدعى لا بمادته ولا بهيئته مثلا لو أمر المولى بضرب احد لا يقتضى الضرب بما هو الحصة الارادية والسر فيه ان الارادة لا تكون دخيلة في تحقق المراد ولذا نرى يصح أن يقال اسرع حركة نبض فلان ومن الظاهر عدم كونها ارادية نعم بعض الموارد له خصوصية لا يتحقق إلّا مع الارادة كالاكرام والاهانة.

وايضا : الهيئة لا تقتضي الاختيارية والارادية ولذا يصح أن يقال اسرع حركة نبض فلان كما قلنا فالمواد والهيئات بنفسها لا تقتضي الارادة والاختيار.

اذا عرفت ما ذكرنا نقول : الوجه الاول : لاثبات المدعى ان الغرض من الامر تحريك العبد وبعثه نحو الفعل ولا يعقل البعث نحو غير المقدور فلو شك في سقوطه يكون مقتضى الاستصحاب بقائه ، وعلى فرض تعارض الاستصحاب بمثله في الاحكام الكلية يكون مقتضى الاشتغال لزوم الاتيان فان الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة كذلك.

ويرد عليه : ان البعث نحو غير المقدور بما هو وان كان غير معقول ولكن البعث نحو الجامع بين المقدور وغير المقدور معقول فلو كان المولى في مقام البيان ولم ينصب القرينة على الخصوصية يكون مقتضاه عدم التقييد وكفاية كل واحد من الفردين.

٨٧

نعم لو قلنا بأن التقييد اذا كان محالا يكون الاطلاق كذلك ، لا بد من الالتزام بعدم امكان الاطلاق لكن على هذا المسلك لو قلنا باستحالة الاطلاق لاستحالة التقييد بخصوص الاختياري وهو كما ترى ، مضافا الى انه لو وصلت النوبة الى هنا يكون المرجع البراءة لا الاشتغال اذ الاهمال في الواقع محال ففي الواقع الحصة الواجبة ، اما خصوص الاختيارية على نحو الاطلاق أو يكون الواجب الحصة الاختيارية بشرط لا بالنسبة الى الحصة الاخرى ، أو بشرط شيء ومقتضى البراءة عدم التقييد بخصوص الارادية فالنتيجة ان مقتضى الاطلاق المقامي بل اللفظي عدم التقييد وعلى فرض وصول النوبة الى الاصل العملي يكون مقتضاة البراءة فلاحظ.

الوجه الثاني : ان الواجب كما انه يشترط بالحسن الفعلي كذلك يشترط بالحسن الفاعلي ومن الظاهر ان الفعل الصادر عن غير الارادة والاختيار لا يوجب تحسين فاعله فلا بد من التقييد بالارادي.

وفيه : اولا انه لا دليل على هذا الاشتراط بل الدليل قائم على خلافه فان الامامية يرون ان الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها لا ازيد من هذا المقدار.

وثانيا : لازم هذه المقالة عدم تحقق الامتثال إلّا بقصد القربة وعدم سقوط الواجبات الا بالقربة ، وبعبارة اخرى يلزم كون جميع الواجبات تعبدية وهو كما ترى ، إلّا ان يقال : ان الاحسان موجب لصدق عنوان الحسن على الفاعل وان لم يأت به بقصد القربة.

الفرع الثالث : انه هل يحصل الامتثال بالفرد المحرم وهذا يتصور في موردين :

احدهما : أن يكون المحرم مصداقا للواجب كما لو غسل الميت بالماء المغصوب.

ثانيهما : أن يكون الفرد الواجب ملازما للحرام كالصلاة في الدار المغصوبة

٨٨

أو كالصلاة في مكان يلازم استماع الغناء أو النظر الى الاجنبية أو لمسها.

أما الصورة الاولى فمقتضى الاطلاق المقامي عدم تحقق الغرض وعدم سقوط الوجوب وذلك لأن الحرام لا يعقل أن يكون مصداقا للواجب لاستحالة اجتماع الامر والنهي وان شئت قلت كل واجب قابل لأن يتقرب به من المولى وكيف يعقل أن يتقرب بمبغوض المولى.

فلو شك في السقوط يكون مقتضى الاطلاق المقامي بقاء الامر وعدم حصول الامتثال ، وبعبارة واضحة : لا يتحقق الامتثال بالحرام غاية الامر يمكن حصول الغرض وسقوط الامر ومقتضى الاطلاق بقائه ، هذا بحسب الاصل اللفظى.

وأما لو وصلت النوبة الى الاصل العملي فالظاهر ان المرجع البراءة اذ الاهمال غير معقول في الواقع ففي الواقع الوجوب المتعلق بالفعل اما لا بشرط بالنسبة الى الفرد المحرم ، واما بشرط شيء ، واما بشرط لا ، فعلى فرض تحقق الفرد المحرم في الخارج نشك في تعلق الوجوب وعدمه والبراءة تقتضي عدمه فعلى فرض جريان الاستصحاب في الاحكام الكلية وعدم تعارضه باستصحاب عدم الجعل الزائد لا مجال لجريانه ايضا لأن المفروض انه مع تحقق الفرد المحرم يحتمل عدم تعلق الوجوب فلا موضوع للاستصحاب فلاحظ.

وأما المورد الثاني فمقتضى القاعدة تحقق الامتثال حتى على القول باشتراط الامتثال بكون الفاعل مورد التحسين ، وبعبارة اخرى يتحقق الامتثال حتى على القول بلزوم الحسن الفاعلي ، مضافا الى الحسن الفعلي وذلك لجواز اجتماع الامر والنهي فيما يكون التركيب انضماميا وعدم سراية حكم احد المتلازمين الى الآخر فالذي يصلي في مكان وينظر الى الاجنبية يكون ممتثلا بالنسبة الى الامر الصلاتي ويكون عاصيا بالنسبة الى النهي عن النظر وتكون صلاته فعلا حسنا ويكون نظره اليها فعلا قبيحا ويكون المصلي من حيث صلاته مورد التحسين ويكون بالنسبة

٨٩

الى النظر موردا للتقبيح ، وبعبارة اخرى مقتضى الاطلاق اللفظى والمقامى تحقق الامتثال.

هذا بحسب الاصل اللفظي وأما بالنسبة الى الاصل العملي فالتقريب المتقدم في المورد الاول جار في المقام بعينه فالنتيجة هي البراءة.

اذا عرفت ما تقدم نقول : الغرض المترتب على الواجب الذي يوجب تعلق الوجوب بالفعل ربما يحصل بمجرد وجود الواجب في الخارج ولو مع عدم قصد القربة ، وربما لا يحصل إلّا مع قصد القربة والاول يسمى الواجب بالتوصلي والثاني بالتعبدى لا اشكال فيما علم من الخارج كون الواجب تعبديا كالصوم مثلا كما انه لا اشكال فيما علم من الخارج كونه توصليا كرد السلام انما الكلام فيما لا يعلم ان الواجب من اي القسمين ، والكلام يقع في مقامين : المقام الاول فيما يقتضيه الاصل اللفظي ، المقام الثاني : فيما يقتضيه الاصل العملي.

أما المقام الاول ، فربما يقال انه لا يعقل اخذ قصد القربة في المتعلق هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى انه اذا استحال التقييد يستحيل الاطلاق فلا بد من التكلم في موضعين : الموضع الاول : في امكان اخذ قصد القربة في متعلق الامر وعدمه وذكرت في تقريب عدم الامكان وجوه :

الوجه الاول : ما عن الميرزا النائينى قدس‌سره ، وهو ان كل قيد يؤخذ في المتعلق اذا كان امرا غير اختياري ، لا بد أن يفرض وجوده ولا يعقل أن يتعلق به الامر ، مثلا اذا تعلق الامر بالصلاة عند الزوال لا بد من فرض وجود الزوال ثم الأمر بالصلاة عنده فان الصلاة امر اختياري للمكلف كما ان الاتيان بها عند الزوال امر اختياري واما الزوال بنفسه فلا يكون اختياريا للمكلف فلا يعقل أن يتعلق به الامر بل لا بد من أخذه مفروض الوجود ومن الظاهر ان الأمر زمامه بيد المولى ولا يكون باختيار المكلف ، فاذا اخذ قصد الامر في الواجب يلزم اتحاد الحكم

٩٠

والموضوع وهو غير معقول.

وأيضا يلزم الدور لان تحقق الحكم يتوقف على تحقق الموضوع وبعبارة اخرى : يشترط في تحقق الحكم أن يتحقق موضوعه ويفرض وجوده فالأمر يتوقف على نفسه اذ فرض ان قصده مأخوذ في المتعلق فما دام لا يتحقق الامر في الخارج لا يحصل شرط الوجوب ، فالوجوب يتوقف على الأمر والحال انه ما دام لا يتحقق الأمر لا يتصور وجوده فيتوقف الأمر على نفسه.

واجيب عن الاشكال ، بأن ما يجب اخذه مفروض الوجود موضوع الوجوب وأما قيود الواجب فلا يشترط فيها ، هذا الشرط ولذا يجوز أن يتعلق الوجوب بالصلاة عن الطهارة لأن الطهارة قيد الواجب لا موضوع الوجوب فلا يلزم فرض وجودها ، وفي المقام قصد الأمر من قيود الواجب فلا يلزم فرض وجوده قبل الامر.

ويرد عليه : ان الكلام في نفس الامر لا في قصده فان قصد الامر بيد المكلف وأما الامر فزمامه بيد المولى فالحق في الجواب ان يقال : ان لزوم فرض الموضوع قبل الحكم اما بلحاظ الظهور العرفي ، واما بلحاظ الحكم العقلي ، فان مقتضى الظهور العرفي عدم فعلية الوجوب قبل تحقق الموضوع كما لو قال المولى «اكرم كل عالم» فان العرف يفهم من هذه الجملة انه ما دام لا يكون عالم في الخارج لا وجوب للاكرام وقس عليه بقية الموضوعات بلا فرق بين كون الموضوع امرا اختياريا وبين غيره ، فلو قال المولى «يجب الانفاق على الزوجة» يفهم العرف أنه لو تزوج احد يجب عليه انفاق زوجته مع ان الازدواج امر اختياري للمكلف.

واما بلحاظ حكم العقل فكما لو أمر المولى بالصلاة الى القبلة ، فان العقل يحكم بأن الصلاة لا تجب الا بعد وجود القبلة ، وأما في غير هذين الموردين فلا دليل على هذا الاشتراط ولذا لو فرض تحقق الموضوع بنفس الامر لا يلزم وجوده

٩١

قبله ، وفي المقام لا مقتضي للاشتراط المذكور لا من قبل العرف ولا من قبل العقل اذ المفروض تحقق الامر بنفس الايجاب.

الوجه الثاني : ما عن الميرزا ايضا وهو ان اخذ قصد الامر في متعلقه يستلزم تقدم الشيء على نفسه ، لأن قصد الامر عبارة عن قصد الامتثال وقصد الامتثال متأخر رتبة عن نفس الأجزاء والشرائط ، فلو اخذ قصد الامتثال في متعلق الامر يلزم تقدم الشيء على نفسه وهو محال.

وفيه ان هذا الاشكال على فرض تماميته ، انما يتم لو اخذ قصد امتثال مجموع الأجزاء ، وأما لو اخذ قصد الامر الضمني فلا يتوجه هذا الاشكال.

وبعبارة واضحة : لو قلنا بأن المأخوذ في المتعلق الامر الاستقلالي لكان لتوجه هذا الاشكال مجال بالتقريب المتقدم واما لو اخذ في المتعلق الامر الضمني المتعلق ببقية الأجزاء غير قصد الامر فلا مجال لهذا الاشكال وهذا الجواب انما يتم على القول والالتزام بالوجوب الضمني ، وأما لو قلنا بأنه لا وجوب الا الوجوب الاستقلالي ولا مجال للالتزام بالوجوب الضمنى ، فيشكل الامر ، وبعبارة اخرى : لو قلنا انا لا نتصور الوجوب الضمني فان كل جزء من أجزاء الواجب المركب ، اما يؤخذ بشرط لا عن بقية الأجزاء ، واما يؤخذ لا بشرط بالنسبة اليها ، واما يؤخذ بشرط شيء بالنسبة اليها ولا رابع أما على التقدير الاول والثانى فخارج عن محل الكلام كما هو ظاهر.

وأما على التقدير الثالث فهو عبارة عن المركب وبعبارة واضحة : ان الركوع مع بقية الأجزاء على الترتيب المقرر عبارة عن المركب وليس جزءا منه فلا مجال للالتزام بالوجوب الضمني بل الوجوب منحصر بالاستقلالي وان شئت قلت : ان الوجوب الذي يلزم قصده في المقام هو الوجوب الشرعي المتحقق من قبل الشارع ولا وجوب من قبله الا الوجوب الاستقلالي مضافا الى أن الالتزام بالوجوب الضمني

٩٢

بعدد الأجزاء يستلزم تحقق الوجوبات غير المتناهية اذ قد حقق فى محله عدم امكان الجزء الذي لا يتجزى وحيث انه لا نهاية للاجزاء فلا نهاية للوجوبات ، إلّا ان يقال انه لا محذور من هذه الناحية.

وصفوة القول : انه على القول بعدم الالتزام بالوجوب الضمني يشكل اخذ قصد الامر في المتعلق ان قلت : ما المانع من أخذ قصد الأمر الاستقلالي المتعلق بالأجزاء وبالقصد ايضا في المتعلق كى لا يلزم تقدم الشيء على نفسه قلت : اذا وجب الاتيان بالقصد بقصد أمره فى ضمن الكل يلزم أن يكون الأمر متعلقا بالقصد وقصد امره فيكون الامر بهذا المقيد متأخرا عنه فالنتيجة ان لا يرتفع الاشكال فلا بد من حيلة اخرى للوصول الى المقصود.

الوجه الثالث : ما عن بعض الاجلة ، وهو ان اخذ قصد الامر في متعلق الأمر يستلزم الخلف اذ فرض تعلق الامر بالصلاة مثلا بداعي الأمر بها يقتضي عدم تعلق الامر بالصلاة وحدها ، وبعبارة اخرى يقتضي أن تكون الحصة الخاصة من الصلاة مأمورا بها وفرض ان الاتيان بالصلاة أن يكون بداعي أمرها يقتضي تعلق الامر بنفس الصلاة.

واجيب عن الاشكال بأنه ان اريد من قصد الأمر ، الأمر الاستقلالى النفسي فالاشكال وارد ولا مناص عنه ، وان اريد من الأمر ، الأمر الضمني فلا يتوجه هذا الاشكال اذ الأمر الضمني يتعلق بكل جزء من المركب فلا مانع عن ايجاب الإتيان بالصلاة بداعي الأمر الضمني المتعلق بكل جزء من الأجزاء.

ويرد على هذا البيان ما ذكرناه آنفا وهو انا لا نتصور الوجوب الضمني في قبال الوجوب الاستقلالي وكل جزء من الأجزاء المركب لو لوحظ بالنسبة الى بقية الأجزاء الأخر يكون بشرط شيء ومع هذا القيد يكون عبارة عن الكل ولا مقتضي لتعلق الوجوب به على حياله واستقلاله وبعبارة واضحة : كل واحد من الأجزاء جزء الواجب ولا يكون واجبا.

٩٣

الوجه الرابع : ما افاده صاحب الكفاية ، وهو ان قصد الامتثال والإتيان بالواجب بداعي أمره مما يعتبر في الطاعة عقلا ولا يمكن أخذه في العبادة شرعا وذلك ، لاستحالة اخذ ما لا يتأتى إلّا من قبل الأمر في متعلق ذلك الأمر لا بنحو الشرطية ولا بنحو الجزئية ، وبعبارة واضحة : متعلق الأمر متقدم عن الامر رتبة والأمر متأخر عن متعلقه وقصد الأمر متأخر عن الأمر فقصد الأمر متأخر عن المتعلق برتبتين فكيف يمكن أخذ قصد الأمر في المتعلق ، وان شئت قلت : قصد الأمر متوقف على الأمر والحال ان الأمر متوقف على القصد فيلزم محذور الدور.

ان قلت : يمكن للمولى أن يتصور الصلاة مثلا مقيدة بالقصد المزبور ، ثم الأمر بها بهذا العنوان ويكفي القدرة على الاتيان حال الامتثال ولا يشترط في امكان الأمر بشيء القدرة على ذلك الشيء في زمان الأمر كي يقال في حال الأمر لا يكون المكلف قادرا على الاتيان بالصلاة بداعي امرها فان القدرة اللازمة هي القدرة حين الامتثال.

قلت : ما ذكرت من التصور قبل الامر وان كان ممكنا لكن الاتيان بالصلاة بقصد أمرها غير ممكن اذ لا امر بالصلاة على الفرض بل الامر تعلق بالمقيد. ان قلت : نعم ولكن نفس الصلاة أيضا مأمور بها قلت : كلا فان الجزء التحليلي العقلي لا يتصف بالوجوب فان الواجب هو الواجب النفسي وله وجود واحد ان قلت : ما ذكرت انما يتم على فرص اخذ قصد الامر على نحو الشرطية ، وأما لو أخذ على نحو الشطرية فلا محذور اذ المركب عبارة عن نفس الأجزاء وتتصف الأجزاء بالوجوب المتعلق بالمركب.

قلت : او لا يلزم تعلق الوجوب بالارادة والارادة غير اختيارية وإلّا يلزم التسلسل وثانيا يلزم أن يكون الامر داعيا الى داعوية نفسه فيلزم توقف الشيء على نفسه ويمكن أن يكون وجه الاشكال في نظره ان المكلف اما ان يقصد قصد الامر حتى في قصده الأمر المتعلق بالأجزاء ، واما لا يقصد أما على الاول فلا يمكن اذ لا امر

٩٤

من قبل المولى بأن يقصد القصد بقصد امره ، وأما على الثاني فيلزم أن يكون الواجب مركبا من التعبدي والتوصلي.

ويرد عليه : انه يمكن ان يتصور قصد الامر على نحو الشرطية وليس فيه اشكال اذ الجزء التحليلي وان لم يكن مستقلا في الوجود لكن لا مانع من الاتيان به بقصد الامر مع فرض تمكن المكلف ، وبعبارة اخرى : عدم استقلال الجزء العقلي بالوجود لا يستلزم عدم اتصافه بالوجوب ويمكن ان يتصور على نحو الجزئية ولا يتوجه اشكال أيضا أما من ناحية الارادة فلا اشكال في أن الارادة اختارية ولولاها لم يكن الفعل اختياريا أيضا ، وأما من ناحية عدم امكان الواجب مركبا من التعبدي والتوصلي فهو ليس كذلك ، وأنه مجرد استبعاد ، فاذا نذر شخص أن يصلي صلاة الليل واطعام فقير على نحو العام المجموعي يكون الواجب عليه بالأمر النذري المركب من التعبدي وهي صلاة الليل والتوصلي وهو اطعام الفقير ، واما عدم امكان أن يكون الامر داعيا الى نفسه ، فنقول : الامر الاستقلالي يدعو الى داعوية الأمر الضمني فلا يلزم الدور.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان عمدة الاشكال في المقام عدم دليل على الوجوب الضمني في مقابل الوجوب النفسي الاستقلالي والظاهر انه مع الالتزام بعدم الوجوب الضمني لا طريق الى تصحيح تعلق الامر باتيان المتعلق بقصد أمره وداعيه نعم لا مانع من الوصول الى المطلوب بتعدد الأمر بأن يأمر المولى بالصلاة ثم يأمر بالامر الثاني باتيان الصلاة بداعي الأمر الاول المتعلق بها.

وبعبارة واضحة : لو قلنا بأن اخذ قصد الامر لا يمكن اخذه في المتعلق بالأمر الاول ومن ناحية اخرى يرى المولى انه لا يحصل الغرض إلّا بأن يأتي العبد الفعل بقصد أمره ، فلا مناص له إلّا أن يصل الى مطلوبه بالأمر الثاني ونسمي الأمر الثاني بمتمم الجعل ونتيجة التقييد أي بهذه الوسيلة يقيد المولى المتعلق.

٩٥

فلا مجال لما افاده في الكفاية حيث قال ما ملخصه : ان الاتيان بمتعلق الامر الاول ان كان موجبا لسقوط الامر الاول وموجبا لحصول الامتثال فلا مجال للأمر الثاني ، وان لم يوجب ويبقى الامر بحاله ولم يحصل الامتثال فليس وجهه الابقاء الغرض وعدم حصوله ، ويكفي حكم العقل بالالزام اذ العقل حاكم في باب الاطاعة فبمقتضى الزام العقل يحصل المطلوب ولا تصل النوبة الى الأمر الثاني.

فان هذا البيان مخدوش اذ لنا أن نختار الشق الثاني ونقول لا يحصل الغرض إلّا مع الاتيان بداعي الأمر والعقل لا يلزم المكلف به اذ مع امكان الوصول الى المقصود ولو بالأمر الثاني يمكن الأخذ بالاطلاق المقامي بل بالاطلاق اللفظي ، فلا وجه لالزام العقل.

فتحصل انه يمكن الوصول الى المطلوب بالأمر الثاني ، ولكن ربما يقال : ان الأمر الثاني لا يمكن أن يكون مولويا بل يكون امرا ارشاديا الى الشرطية ، والوجه في عدم امكان كونه مولويا ان غرض المولى قائم باتيان المأمور به بالأمر الاول بداعي أمره.

ويرد عليه : ان الحق ان الأمر الثاني مولوي كالأمر الاول ، فان مطلوب المولى على الفرض أن يأتي العبد بالمركب المأمور به بقصد امره ولا يصل الى مقصوده إلّا بامرين على النحو المذكور.

ان قلت : حيث ان الاهمال لا يمكن في الواقع ان المتعلق للامر الاول بالنسبة الى قصد الامر مطلق أو مقيد أو مهمل ، لا سبيل الى الثاني والثالث فيكون مطلقا ومع فرض الاطلاق يلزم تحقق الامتثال فلا تصل النوبة الى الأمر الثاني.

قلت : متعلق الأمر الأول وان كان مطلقا ، لكن غرض المولى قائم بالمقيد وحيث انه لا يمكنه التقييد الا بهذا النحو يلزمه الوصول الى مقصوده التوسل الى تعدد الأمر بأن يأمر اولا أمر نفسيا بالمركب ثم بالأمر الثاني يأمر أن يأتي المكلف

٩٦

بالمتعلق بقصد أمره ولا اشكال فيه وقد تحصل مما ذكرنا انه لا يمكن اخذ قصد الأمر في المتعلق بالأمر الاول ويمكن أخذه فيه بالأمر الثاني بل يمكن للمولى الوصول الى مطلوبه بالاخبار بأن يخبر بعد الأمر الأول بأن غرضي من المأمور به لا يتحقق إلّا بالاتيان بالمأمور به مع قصد الأمر فلا ينحصر الطريق في الأمر الثاني.

وأما الموضع الثاني وهو انه لو لم يمكن التقييد هل يستحيل الاطلاق ايضا أو يجب فنقول : ربما يقال ان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة ، فاذا فرض استحالة التقييد والملكة استحال الاطلاق ، وبعبارة اخرى في التقابل المذكور يشترط قابلية الملكة ومع فرض استحالة الملكة يستحيل الآخر.

وبعبارة واضحة : الاطلاق عدم القيد في مورد يكون قابلا للقيد وأما مع عدم امكان التقييد لا يمكن الاطلاق ايضا.

وفيه : اولا ان التقابل بين الاطلاق والتقييد في مقام الثبوت تقابل الضدين ، نعم في مقام الأثبات التقابل بينهما بالعدم والملكة.

وبعبارة واضحة : ان الاطلاق في مقام الثبوت والواقع عبارة عن لحاظ المتعلق أو الموضوع مرفوضا عنه القيود والتقييد لحاظهما مقيدا ففي مقام الثبوت كلا الأمرين وجودي فالتقابل في مقام الثبوت تقابل الضدين ، اذ كل من الاطلاق والتقييد وجود في اللحاظ غاية الأمر في التقييد يلاحظ وجود القيد وفي الاطلاق يلاحظ رفض القيد.

وثانيا نقول : انه يكفي قابلية الملكة في الجملة لا بالجملة ، ومن الظاهر ان التقييد قابل في متعلق الأمر وهذا يكفي في امكان الإطلاق ويظهر المدعي في جملة من الامثلة فان التقابل بين العلم والجهل بالعدم والملكة ولا اشكال في أن علم المخلوق بذات الخالق محال وأما جهله بذاته فواجب وكذلك جهل الباري بذات المخلوق

٩٧

محال وأما علمه بذات المخلوقات فهو واجب ، وايضا الغنى عن ذات الباري محال وأما الافتقار اليه تعالى فهو واجب وايضا احتياج الواجب الى الممكن محال وغناه عنه واجب والحل فى جميع هذه الموارد انه لا يشترط في التقابل بالعدم والملكة امكان الملكة في المورد الخاص بل يكفي الملكة ولو في مورد آخر.

فنقول اذا استحال التقييد يجب الإطلاق لاستحالة الإهمال في الواقع وعلى الجملة لو سلمنا ان التقابل بين الإطلاق والتقييد بالعدم والملكة لكن نقول استحالة التقييد لا تقتضى استحالة الاطلاق اذ اننا نجد في جملة الموارد عدم استحالة احد المتقابلين بالعدم والملكة مع فرض كون المقابل الآخر محالا بل نرى كونه ضروريا لاحظ الموارد التي ذكرناها نعم هذا الاطلاق انما يؤخذ به ويجعل دليلا لعدم وجوب قصد الأمر فيما لا يقيم المولى قرينة على لزوم قصده ، وأما لو أقام دليلا عليه كما لو أمر ثانيا أو بين المطلوب بالأخبار لا يمكن الأخذ بالاطلاق كما هو ظاهر وأما ما أفاده صاحب الكفاية من عدم امكان تعلق القصد والارادة لعدم كون الارادة اختيارية ، فقد تقدم دفعه وقلنا أن الارادة أمر اختياري ولو لم تكن اختيارية لم يكن الفعل الارادي اختياريا فلا تغفل.

ثم انه لو قلنا بعدم امكان وصول المولى الى مطلوبه ولو بوسيلة الأمر الثاني أو الأخبار لكن نقول : لا ينحصر تحقق العبادية بخصوص قصد الأمر بل يحصل بغيره وما قيل في هذا المقام أو يمكن ان يقال امور :

منها الاتيان بالعمل بقصد الثواب أو الخوف من العقاب ويرد عليه : ان جلب الثواب ودفع العقاب داعيان للاتيان بالعبادة وليسا في حد ذاتهما موجبين لعبادية العبادة.

ومنها : اهلية المولى للعبادة ، وفيه ان هذا يتصور في فعل يكون عبادة ذاتا كالسجود وأما في بقية العبادات كالصوم مثلا فلا يتصور فيه اذ الصوم بما هو مع قطع النظر عن كونه محبوبا أو مأمورا به ليس قابلا لأن يؤتى به بداعي اهلية المولى

٩٨

للعبادة.

ومنها : اتيان العمل بداعي ما يترتب عليه من كمال النفس ، وفيه ان كمال النفس المترتب على العمل اما يحصل ويترتب عليه مع قصد القربة واما يحصل ولو مع عدم قصد القربة أما في الصورة الأولى فيلزم قصد القربة ولا اثر لقصد كمال النفس.

وأما في الصورة الثانية فلا يرتبط بالمقام فان الكلام في الدواعي القربية.

ومنها : قصد المحبوبية فانه من الأمور القربية ولا يتوقف على الأمر كى يعود المحذور بل الأمر بالعكس اذ لو لم يكن الفعل محبوبا لم يؤمر به نعم لا بد من احراز كونه محبوبا كى يمكن التقرب به ومن طرق احراز كونه محبوبا تعلق الأمر به ، ففي مقام الثبوت الأمر تابع له وفي مقام الاثبات هو تابع للأمر.

ان قلت : العمل القربي محبوبيته متوقفة على قصد التقرب وقصد التقرب متوقف على كونه محبوبا فيلزم الدور.

قلت : اولا ننقض ونقول لا اشكال في تحقق التعظيم بالقيام والحال ان تحققه بالقيام يتوقف على قصد التعظيم وقصد التعظيم بالقيام متوقف على كون القيام تعظيما اذ لا يحصل التعظيم بكل فعل فيلزم الدور.

وثانيا نجيب بالحل وهو ان تحقق التعظيم بالقيام يتوقف على قصده والحال ان قصد التعظيم بالقيام يتوقف على كون القيام قابلا للتعظيم فالمتوقف عليه من أحد الطرفين الفعلية ومن الطرف الآخر الشأنية فلا دور ، والمقام كذلك لكن الظاهر ان هذا التقريب لا يتم في المقام لأن قصد كون الفعل محبوبا متوقف على فعلية المحبوبية.

وبعبارة أخرى : ان لم يكن الفعل محبوبا في حد نفسه لا يمكن أن يكون الاتيان به لأجل كونه محبوبا فالقصد المذكور يتوقف على كون الفعل محبوبا بالفعل

٩٩

والحال ان المحبوبية الفعلية تتوقف على الاتيان بهذا القصد فاشكال الدور في المقام لا بد منه ، ولا يقاس المقام بباب التعظيم اذ بعض الأمور كالتعظيم متقوم بالقصد وفي المقام يلزم أن يكون الفعل في حد نفسه محبوبا وفي التعظيم لا يلزم أن يكون الفعل قبل تعلق قصد التعظيم به تعظيما وبعبارة واضحة : القيام بقصد التعظيم تعظيم وبدون قصده لا يكون تعظيما وعليه جعل قصد المحبوبية من الدواعي القربية يتوقف على كون الفعل محبوبا في حد نفسه ولازمه ان كل واجب تعبدي محبوب للمولى ولو مع عدم قصد القربة غاية الامر الأمر المتعلق به تعبدا بقصد القربة أمر تعبدي اذ لا يسقط إلّا أن يؤتى بالداعي القربي.

فانقدح بما ذكر : ان جعل قصد كون الفعل محبوبا للمولى من الأمور القربية وبعد كون القصد المذكور مقربا يقع الكلام في امكان جعله في المتعلق وعدمه ذهب صاحب الكفاية ، الى عدم جعله في متعلق الأمر بتقريب : أنا نقطع بصحة الصلاة مع قصد أمرها وان شئت قلت : قد مر ان قصد الأمر غير مأخوذ في المتعلق لما مر من الاشكال ومن ناحية أخرى : ان الاتيان بالصلاة مع قصد أمرها يقتضي الامتثال بلا اشكال فلا يكون قصد المحبوبية مأخوذا في المتعلق اذ لو كان مأخوذا لم يكن وجه لتحقق الامتثال بقصد الأمر فالنتيجة : انه لم يؤخذ في المتعلق لا قصد الأمر ولا غيره من الدواعي القربية.

ويرد عليه : انه لو ادعى احد أخذ خصوص قصد الأمر أو أخذ خصوص الداعي القربى غير قصد الأمر لكان لهذا الاشكال مجال ، وأما لو ادعى احد أخذ الجامع في المتعلق لا يتوجه عليه هذا الاشكال.

ان قلت : قصد الأمر لا يمكن أخذه في المتعلق كما تقدم فكيف يمكن أخذ الجامع بينه وبين غيره في المتعلق ، وبعبارة أخرى لو لم يمكن أخذ قيد بخصوصه لا يمكن أخذ الجامع بينه وبين غيره.

١٠٠