آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

الاحكام الواقعية لأن الاحكام الظاهرية تابعة للملاك في نفس الجعل مثلا الدعاء عند رؤية الهلال اذا كان واجبا بالحكم الواقعي وفرض ان المكلف شك في وجوبه لا يكون واجبا عليه حال الشك لأجل اصالة البراءة فان الوجوب المتعلق به في الواقع لأجل الملاك الموجود فيه وأما جعل الحلية الظاهرية فلأجل المصلحة فيه فالمولى يشتاق الى الدعاء عند الرؤية ولكن مع ذلك يبيح عدمه عند الشك فلا محذور لا من ناحية المبدأ ولا من ناحية المنتهى أما من ناحية المبدأ فلأن الدعاء محبوب عند المولى ليس إلّا وأما من ناحية العبد فلأجل ان العبد بلحاظ الاباحة الظاهرية معذور عقلا فلا تنافي بين الحكم الواقعي والظاهري ، نعم يشكل الأمر في بعض الموارد وهو انه لو كان فعل حراما في الواقع وواجبا في الظاهر ، فقد صرح سيدنا الاستاد بعدم التنافي بينهما والحال انه مشكل اذ جعل الحكم في الواقع لا أثر له إلّا الاحتياط ومع الالزام الظاهري لا مجال للاحتياط ففي هذه الموارد لا بد من الالتزام بعدم الحكم فى الواقع إلّا أن يقال ان الأحكام الواقعية مجعولة على نحو القضية الحقيقية والاطلاق رفض القيود فالحكم الواقعي مجعول على الاطلاق فلا محذور فتأمل.

وصفوة القول : انه لا تنافي بين الحكم الواقعي والظاهري ، ان قلت ما الوجه في التفصيل بين القسمين من الحكومة قلت : قد ظهر وجه الفرق من مطاوي ما ذكرنا ، فان نتيجة الحكومة الواقعية التصرف في الواقع فلا مجال للتعدد ، وبعبارة واضحة : يكون دليل الحكومة الواقعية متمما للجعل فمرحلة الحكم مرحلة واحدة وأما في الحكومة الظاهرية فقد فرض الحكم في الواقع ولا يتصرف فيه وانما المجعول حكم آخر في ظرف الشك في قبال ذلك الحكم ، فالفرق بين المقامين أوضح من ان يخفى فلاحظ.

ويرد عليه ثالثا : انه لو كان الأمر كما ذكره يلزم تأسيس فقه جديد مثلا لو

١٢١

اغتسل الجنب بماء شك في طهارته ونجاسته ولكنه محكوم بالطهارة بالاستصحاب أو بقاعدة الطهارة ثم انكشف انه نجس يلزم أن يكون غسله صحيحا ، وأيضا لو تزوج بامرأة باستصحاب كونها خلية ثم انكشف كونها ذات بعل هل يمكن أن يلتزم بصحته زواجها؟ وهكذا.

نعم فى خصوص باب الصلاة يحكم بالصحة ولو مع انكشاف الخلاف بلحاظ قاعدة لا تعاد فلا تغفل. اذا عرفت ما تقدم فتارة يقع الكلام في الاجزاء وعدمه على مسلك الطريقية والكاشفية في باب الامارات والطرق كما هو المسلك المنصور ، واخرى يقع الكلام على القول بالموضوعية فيها فيقع الكلام في موضعين :

الموضع الأول في الأجزاء وعدمه على القول بالطريقية والكلام فى الموضع الأول يقع تارة في الأجزاء عن الاعادة واخرى في الأجزاء المأمور به بالأمر الظاهري عن القضاء فيقع الكلام في الموضع الاول في موردين :

أما المورد الأول ، فمقتضى القاعدة عدم اجزاء المأمور به بالأمر الظاهري عن الاعادة وذلك لما تقدم منا انه لا فرق بين الامارات والاصول وان المجعول في مواردهما جعل الحكم الظاهري في قبال الحكم الواقعي وان الواقع محفوظ في مواردهما ومع بقاء الواقع على حاله لا مجال للقول بالأجزاء الا مع قيام دليل خارجي على الأجزاء وهذا ظاهر على هذا المسلك وقد تقدم انه يمكن جعل الطريقية للامارات والاصول المحرزة.

وأما على القول بأن المجعول في باب الامارات الطريقية والكاشفية فائضا الأمر كذلك وقبل اثبات المدعى نقول : الالتزام بالاجزاء في موارد الأصول والامارات يتوقف على الالتزام بالتصويب وأما مع عدم التصويب وبقاء الواقع بحاله فلا مجال للأجزاء كما هو ظاهر ، فنقول التصويب في موارد الامارات والاصول

١٢٢

القائمة على الموضوعات الخارجية غير معقول اذ لا شبهة في عدم تغير الواقع بقيام الامارة ، مثلا اذا قام الدليل الشرعي على كون المائع الفلانى ماء وكان في الواقع خمرا لا ينقلب الخمر الى الماء وقس عليه بقية الموارد فلو توضأ المكلف بذلك المائع أو اغتسل به يكون وضوئه وغسله باطلين فلا مجال للاجزاء في هذه الموارد وايضا لا مجال للالتزام بالاجزاء فيما لا يكون حكم ظاهري كما لو تخيل المجتهدان الرواية الفلانية ظاهرة في الحكم الفلاني والحال انه لا ظهور لها بل المجتهد تخيل فلا يكون مجال للقول بالاجزاء لعدم الموضوع والمستفاد من كلام سيدنا الاستاد على ما في التقرير التسالم على عدم الاجزاء.

ثم ان المستفاد من كلام القوم في هذا المقام ان القائلين بالاجزاء فرقوا بين انكشاف الخلاف بالعلم الوجداني وبين انكشاف الخلاف بالامارة ، بتقريب ان العلم الوجداني يوجب معرفة المكلف بأن الواقع على خلاف تلك الامارة وبعبارة اخرى : بالعلم الوجدانى ينكشف خطاء الامارة فلا مجال لترتيب الأثر عليها وأما مع قيام الامارة الثانية فلا ينكشف الخلاف اذ كما يحتمل كون الامارة الثانية مطابقة للواقع كذلك يحتمل أن تكون الامارة الاولى كذلك وهذا التقريب فاسد اذ بالاجتهاد الثاني يكشف فساد الاجتهاد الاول وان شئت قلت الاجتهاد الثاني يقتضي فساد ما وقع على طبق الاجتهاد الاول ، فيكون لغوا ومع فرض كونه لغوا لا مجال لكونه مجزيا وهذا ظاهر واضح فالنتيجة : ان مقتضى القاعدة عدم الاجزاء فمع انكشاف الخلاف في الوقت لا بد من الاعادة هذا تمام الكلام في المورد الاول.

وأما الكلام في المورد الثاني فنقول مقتضى القاعدة وجوب القضاء اذ بعد كشف الخلاف ينكشف ان الفريضة الواقعية فاتت فيجب القضاء هذا تمام الكلام في الموضع الاول ، وأما الكلام في الموضع الثاني فقد ذكر للموضوعية انحاء :

١٢٣

الاول : ما نسب الى الاشاعرة وهو أنه لا حكم في الواقع الا ما أدى اليه الامارة وعلى هذا الاساس لا مجال لعدم الاجزاء اذ المفروض انه لا واقع كى يخالفه المأتي به تارة ويوافقه اخرى وبعبارة اخرى : مثلا اذا تبدل رأي المجتهد يكون من تغير الموضوع ولكن هذا القول يستلزم الدور اذ قيام الامارة يتوقف على ثبوت الحكم في الواقع ، والواقع متوقف على قيام الامارة مضافا الى أن الاحكام الشرعية لا تختص بمن قامت عنده الامارة بل مشتركة بين جميع المكلفين بالاجماع واطلاقات الادلة كتابا وسنة.

الثاني : ما نسب الى المعتزلة وهو ان الحكم الواقعي محفوظ في الواقع غاية الامر كما ان الحكم الواقعي يزول بطروّ بعض العناوين الثانوية كالاضطرار مثلا كذلك الحكم الواقعي مقيد بمن لم تقم عنده الامارة على الخلاف.

وبعبارة واضحة : الامارة القائمة على الحكم الواقعي اما مطابقة مع الواقع أو مخالفة ، أما على الاول فالحكم هو الحكم الواقعي ، وأما على الثاني فالحكم الواقعي هو المؤدى وعلى كلا التقديرين لا مجال لعدم الاجزاء ، أما على الاول فظاهر وأما على الثاني فلأن المفروض انقلاب الواقع ومع عدم بقاء الحكم في الواقع فلا مجال لعدم الاجزاء اذ الاجزاء وعدمه انما يتصور ان فيما يكون هناك حكمان وأما مع وحدة الحكم فلا مجال لهذا البحث والدليل الذي ذكر لهذا الوجه ان الحكم الشرعي تابع للمصلحة والمفسدة فمع التطابق يكون الملاك الواقعي مؤثرا في الحكم.

وأما على تقدير المخالفة فالامارة توجب مصلحة في المتعلق وتكون تلك المصلحة أقوى من المصلحة الواقعية والمؤثر الفعلي هذه المصلحة الحادثة. وهذه النظرية وان كانت معقولة بحسب مقام الثبوت ولازمها القول بالاجزاء لكن لا دليل عليها في مقام الاثبات لا بلحاظ الادلة الشرعية المثبتة للاحكام ولا بلحاظ ادلة

١٢٤

اعتبار الامارات ، أما أدلة الأحكام فمفادها ثبوت الأحكام الواقعية لجميع المكلفين بل مقتضاها يناقض النظرية المذكورة اذ مقتضاها ثبوت الحكم الواقعي للجميع وأما ادلة الاعتبار ، فلا يستفاد منها الا اعتبارها لا أزيد من هذا المقدار.

مضافا : الى الاجماع القائم على اشتراك الاحكام الواقعي بين جميع المكلفين.

الثالث : ما نسب الى بعض الامامية ، وهو ان الحكم الواقعي محفوظ في الواقع ومشترك بين جميع المكلفين ، غاية الأمر اذا كانت الامارة على خلاف الواقع يكون في السلوك على طبقها مصلحة يتدارك بها المصلحة الواقعية ، فاذا كان الواجب في يوم الجمعة في الوقت صلاة الظهر وقامت الامارة على كون الواجب صلاة الجمعة وقد صلى المكلف صلاة الجمعة يتدارك ما فات منه من ملاك صلاة الظهر اذا عرفت ما تقدم نقول يقع الكلام في مقامات :

المقام الاول : انه لا مقتضي للالتزام بهذا القول ، وبعبارة اخرى : لا دليل على القول بالمصلحة السلوكية ، ان قلت : كيف يمكن أن يكون ما حكم به الشارع خاليا عن الملاك ، قلت : يمكن أن يكون المصلحة في نفس الجعل فان ترخيص الشارع العمل على طبق مقتضى الاصل والامارة فيه ملاك ومصلحة فلا دليل على الالتزام بهذا القول.

المقام الثاني : في أن الالتزام بهذا القول هل يستلزم محذورا أم لا؟ ربما يقال بأنه لا محذور فيه ولكن الحق ان الالتزام به مشكل للزوم عدم اشتراك الاحكام. بيان ذلك : ان سلوك الامارة اذا كان مشتملا على ملاك الواجب الواقعي كيف يعقل بقاء الحكم الواقعي بحاله ، وبعبارة اخرى : على هذا القول يكون الملاك قائما بالجامع بين الواجب الواقعي وبين سلوك الامارة فاللازم أن يكون الواجب هو الجامع فيلزم أن يكون التكليف الواقعي مختصا بمن لم يقم عنده الامارة

١٢٥

على خلاف الواقع وهذا هو المحذور ، ولا يخفى ان الحق أن يعبر بمثل ما عبرنا وقلنا يلزم اختصاص الحكم الواقعي بمن لم يقم عنده الامارة ، وأما سيدنا الاستاد فقد أفاد بأنه يلزم اختصاص الحكم الواقعي بخصوص العالم به على ما في كلام المقرر فانه يرد عليه اولا : انه لا وجه لاختصاصه بخصوص العالم لأن المكلف على اقسام ثلاثة : قسم يعلم الحكم الواقعي ، وقسم يشك فيه ولم يقم عنده الامارة على الخلاف ، وقسم قام عنده الامارة على الخلاف ، فلو قلنا باختصاص الحكم الواقعي بخصوص العالم يلزم عدم شمول التكليف للقسم الثاني وكونه بلا تكليف وهو كما ترى ، وثانيا اختصاص الحكم الواقعي بخصوص العالم به يستلزم الدور المحال فلاحظ.

المقام الثالث : في أن الالتزام بهذا القول هل يوجب القول بعدم الاجزاء ، ربما يقال كما عن الميرزا النائيني قدس‌سره ، ان الالتزام به لا يستلزم الاجزاء بتقريب ان الملاك الواقعي الفائت يتدارك بالسلوك بذلك المقدار لا الأزيد فان الفائت لو كانت مصلحة اول الوقت يتدارك بذلك المقدار ، واذا فات بمقدار الوقت يتدارك بذلك المقدار ايضا وأما الزائد فلا وعليه لو قامت الامارة على وجوب صلاة الجمعة والحال ان الواجب هو الظهر لكن بعد مضي الوقت بمقدار فضيلته انكشف الواقع لا بد أن يصلي المصلي صلاة الظهر والفائت يتدارك ، وأما لو لم ينكشف الا بعد مضي الوقت يتدارك بالقدر الفائت لكن يجب القضاء فالالتزام بهذا القول لا يستلزم القول بالأجزاء.

ويرد عليه : ان ما افاده موقوف على القول بأن الامر القضائي يستفاد من الأمر المتعلق بالواجب وبعبارة اخرى لا يكون وجوب القضاء بأمر جديد بل بالأمر الاول على نحو تعدد المطلوب فعلى هذا الاساس نقول لا وجه للقول بالاجزاء اذا لمطلوب الاولي غير قابل للامتثال ، وأما الواجب الثانوي فهو قابل للامتثال لكن هذا المسلك

١٢٦

فاسد ، ولا دليل عليه فان التقييد بالوقت يوجب تضييق الواجب بلا فرق بين كون دليل الوقت متصلا أم منفصلا فان القرينة الدالة على التضيق يدل على أن الواجب هي الحصة الخاصة وهو ما يقع في الوقت وأما الزائد عليه فهو محتاج الى قيام دليل آخر عليه فلا مقتضي لوجوب القضاء بعد فرض عمل المكلف بمؤدى الامارة بل فرق بين كون الواجب هو الواجب الواقعي وبين القول بأن الواجب هو الجامع بين الأمرين أما على الثاني فواضح وأما على الاول فلأن المفروض ان العمل بالامارة يتدارك به الملاك الواقعي فلا مجال للقضاء لعدم فوت الملاك.

فالنتيجة : ان القول بالموضوعية يستلزم الاجزاء على جميع تقاديرها ولا يختص بقسم دون قسم. ثم انه لو شك في اعتبار الامارة من حيث الطريقية والموضوعية فقد فصل صاحب الكفاية بين القضاء والاعادة وقال : لا يجب القضاء اذا كان الانكشاف بعد الوقت لان وجوب القضاء بأمر جديد وتعلق الأمر بالقضاء مشكوك فيه ومقتضى البراءة عدمه وأما لو كان الانكشاف في الوقت تجب الاعادة لقاعدة الاشتغال.

واورد عليه سيدنا الاستاد بان ما أفاده من عدم وجوب القضاء تام وأما ما أفاده من وجوب الاعادة لو كان الانكشاف في الوقت فغير تام اذ مع الشك في الطريقية والموضوعية يشك في توجه التكليف وحكمه البراءة لا الاشتغال. وبعبارة اخرى : مع الشك في الطريقية والموضوعية يشك في توجه التكليف الواقعي اليه وعدمه ومع الشك في التكليف تجري البراءة.

ان قلت : المكلف بعد انكشاف الخلاف في الوقت يعلم اجمالا اما تجب عليه الصلاة التي تكون واجبة في الواقع وهي صلاة الظهر مثلا ، واما تجب عليه صلاة الجمعة التى قامت عليها الامارة ، والعلم الاجمالي منجز.

قلت : العلم الاجمالي في المقام لا اثر له لخروج احد طرفيه عن محل الابتلاء اذ فرض الاتيان به فيكون الشك في الوجوب في خصوص الظهر ولا مانع من

١٢٧

البراءة.

ويختلج بالبال أن يقال : هذا التقريب انما يتم لو حصل العلم الاجمالي بعد الاتيان بمفاد الامارة وأما لو قامت الامارة على وجوب الجمعة وقبل الاتيان بالجمعة علم اجمالا بأنه اما تجب عليه صلاة الجمعة واما تجب عليه صلاة الظهر يكون العلم منجزا اذ فرض حدوث العلم قبل العمل ولكن يمكن أن يقال ان مقضى الاصل عدم وجوب الظهر لعدم تعارض الأصليين اذا للازم العمل على طبق الامارة الفعلية.

ثم انه لا يخفى انه لا فرق في نتيجة هذا البحث بين الامارة والاصل ، اما اذا كان المراد من الامارة رأي المجتهد فواضح فان رأي المجتهد تارة مستند الى الامارة واخرى الى الاصل واما ان كان المراد من الامارة قول العادل مثلا فالامر كذلك ايضا لان الاصول الشرعية مستندة الى الروايات ، ففي النتيجة المستند قول العادل وبعبارة اخرى اعتبار الاستصحاب مستند الى قول العادل كما ان حجية اصل البراءة كذلك وهكذا فلاحظ ولا تغفل.

الجهة العاشرة : فى مقدمة الواجب

وفي هذه الجهة يبحث في موارد عديدة :

المورد الأول : ان البحث عن وجوب المقدمة ليس بحثا عن اللابدية العقلية فانه لا مجال للبحث فيها اذ لا اشكال في أن ذا المقدمة لا يتحقق ولا يمكن أن يوجد الا بعد وجود مقدماته فالذي يكون قابلا للبحث أن يبحث في أن العقل هل يرى ملازمة بين ايجاب شيء وايجاب مقدماته أم لا ، ونعم ما قال سيدنا الاستاد في هذا المقام حيث قال : وجوب المقدمة على تقدير القول به وجوب تبعي ارتكازي أما كونه تبعيا فواضح ، وأما كونه ارتكازيا فلان كثيرا ما لا يلتفت الامر الى مقدمة المأمور به.

١٢٨

المورد الثاني : في أن بحث مقدمة الواجب بحث اصولي فان المبحوث عنه في المقام عن الملازمة بين ايجاب شيء وايجاب مقدمته ولا يبحث عن وجوب المقدمة شرعا ، كى يقال انه بحث فقهي وعلى ما ذكرنا ينطبق عليه تعريف الاصول حيث قلنا في اول الكتاب «ان علم الاصول هي القواعد التي تكون دخيلة فى الاستنباط» وذكرنا هناك انه لا تكون في المسائل الأصولية مسئلة تقع في طريق الاستنباط وحدها بل كل مسئلة من المسائل الأصولية تقع في طريق الاستنباط مع ضم غيرها اليها ، فالحق أن يقال ان المسألة الاصولية دخيلة في الاستنباط فراجع ما ذكرناه هناك.

لكن الذي يختلج بالبال في هذه العجالة ان نتيجة بحث وجوب المقدمة تقع في طريق الاستنباط بلا ضم مسئلة اخرى اليها لأنه بعد اثبات الملازمة نقول الفعل الفلاني واجب وله مقدمة والمقدمة واجبة ولا اشكال في أن نتيجة هذا البحث دخيلة في استنباط الحكم الشرعي اذ على القول بالملازمة نلتزم بوجوب المقدمة وعلى القول بعدم الملازمة نلتزم بعدم وجوبها فالمسألة اصولية.

المورد الثالث : أن البحث في وجوب المقدمة عقلي فان الحاكم بالملازمة وعدمها هو العقل ، نعم هي من المسائل العقلية غير المستقلة ، فان المسائل العقلية على نحوين :

احدهما : عقلي مستقل كحكم العقل بالحسن والقبح ، ثانيهما : عقلي غير مستقل كمباحث الاستلزامات ومنها البحث في المقام.

المورد الرابع : في تقسيمات المقدمة الى اقسام ، منها : تقسيم المقدمة الى الداخلية وهي الأجزاء والخارجية بالمعنى الاعم وهي الشرائط فان السورة مقدمة داخلية فانها بنفسها دخيلة في الواجب وأما الطهارة فهي مقدمة خارجية فان المطلوب تقيد الواجب بها والخارجية بالمعنى الأخص وهي المقدمات التي لا تكون دخيلة

١٢٩

في الواجب لا جزءا ولا قيدا كطي المسافة الى كربلاء بالنسبة الى من يجب عليه زيارة الحسين عليه‌السلام ولا اشكال في عدم تعلق الوجوب النفسي بذي المقدمة الى القسم الثالث والقسم الثاني فان الوجوب المتعلق بذي المقدمة متعلق بالأجزاء فقط ، وأما الشرائط فهي خارجة عن دائرة الواجب وما عن الميرزا النائيني قدس‌سره بأن الأمر كما ينبسط على الاجزاء ينبسط على الشرائط غير تام فانه لا مقتضي له.

اذا عرفت ما تقدم نقول : لا اشكال في دخول القسم الثاني والقسم الثالث في محل النزاع ، انما الاشكال في القسم الأول ويقع الكلام فيه من وجوه :

الوجه الأول : في صلاحية القسم الاول للاتصاف بالمقدمية وعدمه ، قال سيدنا الاستاد : قد يطلق المقدمة ويراد بها ما يكون وجودها في الخارج غير وجود ذيها بأن يكون في الخارج وجودان احدهما يتوقف على الآخر وقد يطلق ويراد بها مطلق ما يتوقف عليه الشيء وان لم يكون وجوده في الخارج غير وجوده أما المقدمة بالاطلاق الأول فلا تصدق على الجزء اذ الجزء وجوده في الخارج عين وجود الكل وبعبارة واضحة : ان كل جزء بشرط انضمام بقية الأجزاء اليه عبارة عن الكل وان شئت قلت : اعتبار الجزء لا بشرط عن بقية الأجزاء جزء وبشرط الانضمام مع غيره عين الكل وأما بالاعتبار الثاني فيصح الاطلاق اذ لا اشكال في توقف الكل وجودا على الأجزاء ولا عكس.

وما أفاده جمع بين المتنافيين اذ الجزء لو كان وجوده عين الكل كيف يمكن أن يقال التوقف من جانب واحد لا من الطرفين وبكلمة اخرى اذا كان الجزء وجودا عين وجود الكل لا يتصور التعدد ، كى يقال بتوقف احدهما على الآخر وعدم التوقف من الجانب الآخر ، فانه لا موضوع للتعدد كى يصح هذا البيان. والذي يختلج بالبال ان يقال يصح اطلاق المقدمة بما لها من المفهوم على الجزء وذلك لأن الكل عبارة عن المجموع واعتبار كل جزء بشرط بقية الأجزاء عبارة عن الكل وأما

١٣٠

كل جزء بحياله واستقلاله فهو جزء للكل وليس وجوده عين وجود الكل فيصح أن يقال ان الصلاة من التكبير الى السلام هو الواجب وهو الكل ، وأما الركوع بما هو ركوع فلا يكون صلاة.

وبعبارة واضحة : الكلية والجزئية من الامور الانتزاعية العقلية ولا تنالهما يد الجعل فاذا تعلق الوجوب الى مجموع من الأفعال ينتزع العقل عنوان الكلية للمجموع وعنوان الجزئية لكل واحد من أجزائه ولا اشكال في أن عنوان الكلية ينطبق على المجموع بما هو مجموع وكل واحد من الأجزاء بشرط الانضمام عين الكل وبما هو عبارة عن الجزء كما ان الامر كذلك في المركبات الخارجية فان السقمونيا مثلا مركب من عدة اشياء فان مجموعه مصداق للكل وكل من أجزائه مصداق للجزء ولا يصدق العنوان على كل جزء منه وهذا ظاهر واضح.

فالنتيجة : ان المقدمة بما لها من المفهوم تطلق على الجزء ويصح الاطلاق المذكور الوجه الثاني : أفاد سيدنا الاستاد تصديقا لمقالة صاحب الكفاية انه لا مقتضي للوجوب بالنسبة الى الجزء اذ المفروض ان وجود الجزء عين وجود الكل فلا مجال ولا مقتضي لوجوبه بالوجوب المقدمي ، وبعبارة اخرى المفروض ان الجزء عين الكل ولا مجال لأن يترشح الوجوب من وجوب الواجب الى نفسه. وقد علم مما ذكرنا ان الأمر ليس كذلك وان الجزء بما هو ليس عبارة عن الكل.

الوجه الثالث : انه على فرض وجود المقتضي للوجوب هل يكون مانع عن تعلق الايجاب أم لا؟ ربما يقال ـ كما فى كلام صاحب الكفاية ـ : انه لا يمكن الالتزام به لاجتماع المثلين واجتماعهما محال كاجتماع الضدين.

وفيه : ان الاحكام الشرعية من مقولة الاعتبار ولا مجال للاشكال العقلي كاجتماع مثلين أو ضدين في الاعتباريات وقال سيدنا الاستاد في هذا المقام : انه لا يلزم اجتماع المثلين اذ أحد الوجوبين يندك في الآخر والنتيجة لا يكون إلّا وجوب واحد.

١٣١

وفيه : ان الاندكاك انما يتصور في الأمور الواقعية الخارجية كاللون وأمثاله حيث يندك أحد اللونين في الآخر ويحصل مصداق من اللون ولا يلزم اجتماع المثلين وأما الاندكاك في الحكم حيث انه من الأمور الاعتبارية فلا يتصور ، نعم لا اشكال في ان المستفاد من تعدد الايجاب التأكيد واهتمام المولى بحصول المأمور به فلاحظ.

ثم انه قد علم مما ذكرنا انه لا يصح الالتزام بالوجوب الضمني للجزء فان كل جزء بشرط الانضمام عبارة عن نفس الكل والواجب هو الكل والوجوب المقدمي على تقدير القول به يتعلق بكل جزء بحياله مع قطع النظر عن الانضمام ولا نتصور للوجوب الضمني موضوعا فلاحظ.

ومن التقسيمات الواردة على المقدمة ، تقسيمها الى مقدمة الوجوب ، ومقدمة الوجود ، ومقدمة الصحة ومقدمة العلم. أما مقدمة الوجوب وهي المقدمة التي لولاها لا يتحقق الوجوب فلا اشكال في عدم وجوبها ولا يعقل ترشح الوجوب اليها من وجوب ذي المقدمة اذ المفروض انه لا يتحقق وجوب ذي المقدمة كوجوب الحج مثلا الا بعد مقدمة الوجوب كالاستطاعة فيتوقف وجوب الواجب على وجودها فلو تعلق الوجوب من ذي المقدمة اليها يكون تحصيلا للحاصل ، وبعبارة واضحة قبل وجوب المقدمة لا وجوب للواجب وبعد وجودها ووجوب الواجب لا مجال للبحث فيها كما هو ظاهر.

وأما مقدمة الوجود وهي المقدمة الخارجية بالمعنى الاخص فلا اشكال في دخولها في محل النزاع ، وأما مقدمة الصحة وهي التي تكون دخيلة شرعا في تحقق الواجب فهي ايضا داخلة في محل الكلام ، وأما مقدمة العلم وهي ما يعلم بها المكلف بتحقق الواجب كالصلاة الى الجوانب الاربعة للجاهل بالقبلة فلا تكون داخلة في محل الكلام بلا كلام اذ الصلاة بأي طرف فرضت اما تكون واقعة الى

١٣٢

القبلة واما واقعة الى غير القبلة أما الصلاة الواقعة الى القبلة فهي نفس الواجب وأما غيرها فهي أجنبية عن الواجب فلا يتصور فيه النزاع الجاري في المقام فلاحظ.

ومن تلك التقسيمات تقسيمها الى الشرعية والعقلية والعادية :

أما المقدمة الشرعية فهي المقدمة الخارجية بالمعنى الأعم وأما العقلية فهى المقدمة الوجودية وأما العادية ، فان كان المراد بها جريان العادة عليها فلا تكون داخلة في محل النزاع كما هو ظاهر وان كان المراد منها ان الوصول الى ذي المقدمة لا يمكن عادة لا عقلا الا بها كنصب السلم للكون على السطح فان الفاقد للجناحين لا يمكنه الوصول الى ذي المقدمة الا بنصب السلم والصعود الى السطح بالصعود على السلم فتدخل في المقدمة العقلية فان الصعود على السطح لا يمكن إلّا بالطيران او بالصعود على السلم فالجامع بين الأمرين مقدمة عقلية للكون على السطح وعليه لا مجال لهذا التقسيم اذ لا يرجع الى محصل صحيح.

ومنها : تقسيمها الى المتقدم والمقارن والمتأخر ، وربما يقال : كيف يمكن ويتصور ان الشرط يتأخر والحال انه من أجزاء العلة ، وربما يجاب عن الاشكال بأن الشرط المتأخر بوصف كونه متأخرا شرط ، وهذا الجواب فاسد اذ مرجعه الى تجويز تأثير المعدوم بوصف كونه معدوما في الموجود ، وقال صاحب الكفاية : لا فرق بين الشرط المتأخر والمتقدم من هذه الجهة والاشكال المذكور مشترك ، وبعبارة واضحة : لا يعقل تخلف الشرط عن المعلول فلا يجوز تأخره كما لا يجوز تقدمه.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأنه لا مانع عن تقدم الشرط والتقارن لازم بين العلة التامة ومعلولها ، وأما التقارن بين كل جزء من أجزاء العلة والمغلول فغير لازم ، ولذا نرى ان غليان الماء خارجا يتوقف على احراق النار وايجاد الحرارة فيه على

١٣٣

التدريج الى ان تبلغ درجة خاصة فاذا وصلت الى هذه الدرجة يتحقق الغليان فالاحراق شرط له وهو متقدم عليه زمانا فتقدم الشرط جائز في التكوينيات فما ظنك في التشريعيات؟

ويرد عليه : ان اجزاء العلة عبارة عن المقتضي والشرط وعدم المانع ومن الظاهر انه يلزم مقارنتها بتمامها مع المعلول مثلا العلة للحرقة الحادثة في الخشب النار وشرطها المماسة والمانع الرطوبة في المحل ومن الظاهر انه يلزم مقارنتها مع الحرقة وإلّا لا تحصل الحرقة في الخشب وان شئت قلت : المماسة التي تكون شرطا هي المماسة حين تحقق المعلول وايضا عدم الرطوبة الذي يكون لازما الحصة المقارنة وأما المتقدم من هذه الأجزاء أو المتأخر منها لا يكون دخيلا في حصول المعلول ، نعم بعض الأمور يكون معدا وبعبارة أخرى : قد يكون لحصول أمر في الخارج سلسلة امور بعضها مقدم على الآخر ويكون دخيلا في حصول ذلك الأمر لكن الكلام في العلة الاخيرة المؤثرة في المعلول ولا يعقل تقدم المقتضي بما هو على المعلول وكذلك الشرط وعدم المانع ، وصفوة القول : انه لا يعقل الانفصال بين أجزاء العلة ومعلولها لا بنحو التأخر ولا بنحو التقدم فما أفاده في الكفاية تام.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم انه لا مجال لهذا البحث في المقام فان باب الأحكام الشرعية يغاير الأمور الخارجية التكوينية ولا مجال لقياس أحد المقامين على المقام الآخر فان الأمور الخارجية فيها التأثير والتأثر ولذا يكون لكل شيء علة وتلك العلة لها أجزاء وحيث ان التخلف بين العلة والمعلول امر غير معقول يصح أن يقال : الشرط المتأخر أمر غير معقول اذ كيف يمكن أن يتأخر الشرط عن المشروط والحال ان الشرط من أجزاء العلة ، وأما باب الأحكام فلا يكون كذلك فان الحكم الشرعي أمر اعتباري أمره وضعا ورفعا بيد المولى بجميع قيوده والبحث تارة يقع في شرائط الحكم تكليفا أو وضعا واخرى في شرائط المأمور به :

١٣٤

فنقول : ان المولى يجعل الاحكام على نحو القضية الحقيقية مثلا يعتبر وجوب الحج للمستطيع ويعتبر الطهارة لمن يغسل يده القذرة ويعتبر الملكية لمن يشتري دار غيره مع الشرائط المقررة وبعد انشاء المولى يصير الحكم فعليا ولا تتوقف فعليته على فعلية موضوعه وبكلمة اخرى : يجعل القانون ولا اشكال في تحقق القانون بعد جعله والحكم المجعول باق على حاله إلّا أن ينسخ من قبل المولى ويمكن أن لا يوجد له مصداق وهذه الفعلية من قبل المولى وفي هذه المرحلة الأمر بيده وباختياره له أن يعلق حكمه على أمر موجود بالفعل وله أن يجعل موضوع حكمه أمرا متقدما وله أن يعلق حكمه على أمر متأخر فله أن يجعل وجوب اكرام العالم بشرط ان زار ذلك العالم الحسين عليه‌السلام قبل الصلوات وله أن يعلقه على من يزوره في المستقبل وله أن يعلق على من يكون زائرا بالفعل ويكون عاكفا هناك ولا اشكال في هذه الأقسام كما ان الأمر كذلك في الحكم الوضعي ولا فرق بين الحكم الوضعي والتكليفي من هذه الجهة.

وبكلمة واضحة : الحكم الشرعى أمر اعتباري يعتبره المولى ولا يرتبط بالأمور الخارجية ولا اثر للامور الخارجية في وجوده وعدمه ولا يعقل أن يكون الأمر الخارجى مؤثرا فيه اذ الحكم عبارة عن الاعتبار والاعتبار من الأفعال الاختيارية للمولى فتأثير الأمر الخارجي فيه يستلزم الخلف المحال وبعد تمامية الحكم من قبل المولى وفعليته اذا تحقق الموضوع في الخارج كما لو استطاع العبد يتصف الحج بالنسبة الى من استطاع بالوجوب الفعلي والوجوب الفعلي المذكور تابع لجعل المولى كما تقدم أي تابع للقيود التي اعتبرها المولى في الحكم ولا مجال للاشكال اذ لا تأثير ولا تؤثر في الخارج بل ليس إلّا الاعتبار المحض وتحقق الاعتبار تابع للجعل وتحقق موضوع الجعل في الخارج كما ان الأمر كذلك في الحكم الوضعي فاذا اشترى زيد دار عمرو مع رعاية الشرائط المقارنة والمتقدمة والمتأخرة تتحقق الملكية.

١٣٥

هذا كله في شرائط الحكم وقس عليه شرائط المأمور به فان الصلاة كما تقدم لها أجزاء ولها شرائط والمراد من شرائطها قيودها التي تضاف اليها الصلاة فيمكن أن يكون مضافة الى الأمر المقارن كالستر ويمكن أن يكون مضافة الى المتقدم كالوضوء أو الغسل بناء على أن الطهارة عبارة عن نفس الغسلات ويمكن أن تكون مضافة الى المتأخر كالاغسال الليلية بالنسبة الى المستحاضة بناء على كون غسل الليلة الآتية شرطا لصحة صوم اليوم الماضي ولا مجال للاشكال اذ الموضوع المأخوذ في اعتبار الشارع موجود بالفعل فان اضافة المأمور به تارة متعلقة بالامر الفعلي واخرى بالأمر المتقدم ، وثالثة بالأمر المتأخر ولا يقاس بالشرط الخارجي ولعل منشأ الاشتباه استعمال عنوان الشرط في كلام الاصحاب في الأحكام والحال ان الشرط الخارجي عبارة عن المؤثر في المعلول والشرط الشرعي عبارة عن القيد.

وان شئت قلت القياس المتشكل في كلام المستشكل حيث يقول : الغسل في الليلة الآتية شرط وكل شرط يجب مقارنته مع المشروط غير تام فان المراد بالشرط في الصغرى شرط شرعي أي القيد والمراد به في الكبرى الشرط العقلي وينحل الاشكال بأن نقول الشرط الشرعي يمكن أن يقدم ويمكن أن يؤخر ويمكن أن يقارن هذا بحسب مقام الثبوت ، وأما بحسب مقام الاثبات والدلالة فالظاهر من الدليل في مقام الاثبات لزوم مقارنة الشرط والقيد إلّا أن يدل دليل على الخلاف فتحصل مما ذكرنا انه لا مانع من تخلف الشرط وتأخره وتقدمه في الأحكام الشرعية والعمدة في رفع الاشكال التفريق بين التكوينيات والتشريعيات ولا فرق فيما ذكر بين شرائط التكليف والوضع والمأمور به فان جميعها من واد واحد فان اللازم تحقق الموضوع ومن الظاهر انه لا فرق بين المضاف اليه المقارن والمتقدم والمتأخر اذ كما تكون الاضافة الى المقارن فعلية ومتحققة كذلك الاضافة الى المتأخر أو المتقدم أمر فعلي ومع فعلية الموضوع أو المتعلق يتم الأمر فالشرط المتأخر بهذا المعنى أمر جائز كالشرط

١٣٦

المقارن ومثلهما الشرط المتقدم فلاحظ.

ولتوضيح المدعى نقول لا اشكال في استحالة الشرط المتأخر في الامور الخارجية التكوينية لاستحالة تخلف المعلول عن علته والمفروض ان الشرط من أجزاء العلة وأما الشرط المتأخر في الأمور الاعتبارية والاحكام الشرعية فلا مانع فيه ولا يتصور فيه اشكال في مقام الثبوت فلو دل عليه الدليل في مقام الاثبات يؤخذ به وذلك لما قلنا ان الحكم الشرعى يترتب على موضوعه فربما يكون الموضوع المأخوذ في الدليل مقيدا بقيد مقارن واخرى يكون مقيدا ومضافا الى الأمر المتقدم وثالثة مقيدا ومضافا الى الأمر المتأخر فان الاضافة الى المقارن أو المتقدم أو المتاخر فعلية ولا اشكال في صحة فعلية الاضافة مع تقدم المضاف اليه أو تأخره فان يوم السبت متاخر عن الخميس ومتقدم على الأحد والحال ان يوم الخميس متقدم على السبت ويوم الأحد متاخر عنه وقس عليه شرائط المأمور به فان العمل الخارجي ربما يقيد بالأمر المقارن واخرى يقيد بالأمر المتأخر وثالثة يقيد بالأمر المتقدم فان الاضافة المأخوذة في الموضوع فعلية وطرفها يختلف فالمتحصل ان التأخر في الشرط لا مانع منه لأن الدخيل في الموضوع الجزء العقلي وهو التقيد وهو فعلي.

ومن تلك التقسيمات تقسيم الواجب الى المطلق والمشروط ، والمشهور بين القوم جعل المقسم الواجب فيقال الواجب اما مطلق أو مشروط والحال ان الحق جعل المقسم نفس الوجوب فان المجعول من قبل المولى بالنسبة الى كل شيء فرض اما مشروط واما مطلق فان كان مشروطا كوجوب الحج بالنسبة الى الاستطاعة وكوجوب صلاة الظهر بالنسبة الى الزوال يكون الوجوب وجوبا مشروطا وان لم يكن مشروطا كوجوب الحج بالنسبة الى الزوال يكون الوجوب مطلقا فيعلم مما ذكر امران :

١٣٧

احدهما : ان وجوب كل واجب مشروط بالنسبة الى الشرائط العامة وهي العقل والقدرة والاختيار والبلوغ الى غيرها من شروط التكاليف فما من وجوب في الشريعة الا وهو مشروط في الجملة.

ثانيهما : انه يختلف كون الوجوب مشروطا أو مطلقا بالنسبة الى الامور فيمكن أن يكون وجوب واجب مشروطا بالنسبة الى أمر ومطلقا بالنسبة الى أمر آخر وقد علم مما ذكر ايضا ان الاشتراط والاطلاق المذكورين في المقام بالمعنى اللغوي وليس فيهما اصطلاح خاص لأهل الفن فان الاطلاق عبارة عن الارسال وعدم الاشتراط والتقييد والاشتراط عبارة عن عدم الارسال.

ثم انه نسب الى الشيخ الانصاري قدس‌سره انه لا يعقل رجوع القيد الى نفس الوجوب بل القيد والشرط يرجعان الى المادة ولو فرض ظهور اللفظ في مقام الاثبات في كون الشرط راجعا الى الهيئة ترفع اليد عنه ويلتزم برجوعه الى المادة وعدم كونه راجعا الى الهيئة ولاثبات هذه الدعوى ذكرت تقريبات ثلاثة :

التقريب الاول : ان الهيئة معنى حرفي والمعاني الحرفية جزئية غير قابلة للتقييد.

ويرد عليه : اولا انه قد تقدم في بحث المعنى الحرفي ان الحروف لم توضع للمعاني الجزئية بل الحروف موضوعة للحكاية عن التضييقات الواردة على المفاهيم الاسمية وقلنا انها حاكيات عن مقام الثبوت وموجدات فى مقام الاثبات.

وثانيا : ان التقييد تارة يراد به التضييق والتخصيص في مقابل الاطلاق واخرى يراد به التعليق والذي يكون محالا بالنسبة الى الجزئي هو القسم الاول اذ الجزئي الخارجي لا سعة فيه كى يضيق ولا اطلاق فيه كى يقيد ، وأما القسم الثاني فلا مانع عن تحققه بالنسبة الى الجزئي الحقيقى وبعبارة واضحة يجوز تعليق وجوب اكرام زيد على عدالته او قراءته للقرآن مثلا وأفاد الميرزا النائيني قدس‌سره بأن المراد من

١٣٨

تقييد المادة ليس ما هو ظاهر تقريرات شيخنا الانصاري الى أن قال : بل المراد منه هو تقييد المادة المنتسبة الى آخر كلامه (١).

وأورد عليه سيدنا الاستاد في الهامش بقوله لا يخفى ان تقييد المادة المنتسبة الذي هو بمعنى تقييد اتصاف المادة بالوجوب عبارة اخرى عن تقييد مفاد الهيئة ولا مغايرة بينهما الى آخره كلامه ، والحق ما أفاده فان مرجع كلام الميرزا عند التأمل الى تقييد الوجوب وانما الفرق مجرد اللفظ مضافا الى ما أورده عليه سيدنا الاستاد.

التقريب الثاني من التقريبات الثلاثة : ان المعنى الحرفي منظور اليه بالنظر الآلي والتقييد يستلزم النظر الى المقيد بالنظر الاستقلالي وكيف يمكن الجمع بين النظر الآلي والاستقلالي.

وفيه : اولا انه قد تقدم في بحث المعنى الحرفي انه لا فرق بين المعاني الاسمية والمعاني الحرفية من هذه الجهة بل قلنا هناك انه ربما يكون تمام النظر وعمدته الى المعنى الحرفي كما لو علمنا بأن زيدا قد سافر الى النجف الاشرف مثلا لاكمال دراسته ولكن لا ندري في أي يوم من الايام فنسأل ان زيدا هل سافر في يوم الجمعة أو في يوم السبت فلا ينافي المعنى الحرفي مع كونه منظورا اليه استقلالا.

وثانيا : يمكن أن يقيد المعنى اولا ثم ينظر اليه بالنظر الآلي وبعبارة اخرى الممنوع على هذا المبنى كون المعنى الحرفي منظورا اليه بالنظر الاستقلالي وهذا المحذور يرتفع بالتقييد اولا ثم النظر اليه بالنظر الآلي ، إلّا أن يقال ان التقييد يحصل حين النظر الآلي اليه فالجواب منحصر في الجواب الاول.

التقريب الثالث : ان رجوع القيد الى الوجوب يستلزم تفكيك الانشاء عن المنشأ والايجاد عن الوجود بتقريب انه لا اشكال ولا كلام في استحالة تخلف الايجاد عن الوجود فان الفرق بين الامرين اعتباري اذ لحاظ الوجود بما هو وجود

__________________

(١) اجود التقريرات المحشى بتعليق سيدنا الاستاد ، ج ١ ص ١٣٠

١٣٩

ولحاظه باعتبار نسبته الى الموجد يوجبان الفرق وإلّا لا يكون في الخارج الا أمر واحد فلا يتصور التفكيك بين الأمرين وحيث ان الانشاء ايجاد فلا ينفك عن المنشأ.

وفيه ان الانشاء كما ذكرنا سابقا عبارة عن الابراز فان المولى يعتبر حكما تكليفيا أو وضعيا ثم يبرزه بمبرز لفظي أو فعلي وبعبارة اخرى : الحكم التكليفي أو الوضعي من عالم الثبوت والانشاء والابراز من عالم الاثبات ، وان شئت قلت : الاعتبار يتحقق ثم يتحقق الانشاء ، وصفوة الكلام : ان الانشاء ليس ايجادا كى يتم هذا التقريب فنقول : الاعتبار من أفعال النفس ومن الأمور ذات الاضافة يتعلق تارة بالأمر المتقدم واخرى بالأمر المقارن وثالثة بالأمر المتأخر والشاهد على ما ذكر باب الوصية فانه لو أوصى بثلث ماله لاخيه بعد وفاته فهل تتحقق الوصية التمليكية أم لا؟ لا سبيل الى الثاني وعلى الأول هل تتحقق الملكية بالفعل أم تتحقق بعد موت الموصي لا سبيل الى الاول فالوصية فعلية والملكية متأخرة وحكم الامثال واحد.

ان قلت : الملكية فعلية لكن المملوك الحصة الخاصة المقيدة بالزمان قلت : الأعيان الخارجية لا تتصف ولا تتقيد بالزمان فلا يصح أن يقال الدار المقيدة بيوم الجمعة مضافا الى أنه على فرض التسليم يلزم جواز بيعه من غيره بهذا النحو وهل يمكن الالتزام به؟ كلا ثم كلا.

ثم انه يمكن أن يستدل على رجوع القيد الى المادة بتقريب آخر وهو ان الانسان اذا توجه نحو شيء فاما يطلبه أو لا يطلبه لا كلام على الثاني وعلى الأول فاما يطلبه على الاطلاق وبلا قيد أو يطلبه مقيدا بقيد وذلك القيد تارة يكون اختياريا واخرى لا يكون وعلى الأول تارة يتوجه الطلب نحو ذلك القيد واخرى يفرض وجوده ولا يتعلق به الطلب وعلى الثاني لا يعقل أن يتعلق الطلب بالقيد اذ فرض كونه

١٤٠