آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

والمجاهدة وهو امر فوق ادراك البشر وأما التشكيك في الماهية فهو أمر معقول لكن يختص بالحقائق البسيطة التي يكون ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز.

وأما الثاني : فأورد عليه ايضا بأن الاركان لها عرض وسيع بالنسبة الى القادر والعاجز الى غير ذلك من الاقسام فلا بد من تصوير الجامع بين نفس الأركان فيعود المحذور.

وأورد صاحب الكفاية على القمي ايرادا ثالثا وهو انا نقطع بعدم وضع الصلاة لخصوص الأركان اذ نرى صدق عنوان الصلاة على الفاقد لبعض الاركان اذا كان واجدا لبقية الاجزاء والشرائط ونرى عدم صدقها على الاركان اذا كانت فاقدة لبقية الاجزاء والشرائط.

وقال سيدنا الاستاد في هذا المقام انه لا مجال لقياس المركبات الاعتبارية على المركبات الحقيقية فان المركب الاعتباري أمره بيد معتبره فله أن يعتبر حدا محدودا من طرف القلة وأما بالنسبة الى الزائد فيعتبر لا بشرط بحيث اذا وجد يكون داخلا ومع عدمه لا يكون ومثل لمدعاه بعنوان الدار فان لفظ الدار موضوع لارض وجدار وبيت مثلا فاذا زيد سرداب يكون جزءا وإلّا ، فلا مجال للاشكال الاول ولا للثاني اذ يمكن أن يكون الموضوع له الاركان بعرضها الوسيع على نحو البدلية اذ امر المركب بيد مخترعه فيعتبر الركن على سبيل البدل فقد يكون مصداقه ركوع المختار واخرى ركوع المضطر فيصح ما ذكرناه ولا يرتبط بالتشكيك الوارد في الوجود والماهية.

وأورد على صاحب الكفاية بأن لفظ الصلاة بماله من المفهوم قد يصدق على الأركان وحدها فان المصلي لو أتى بالأركان مع الموالاة المعتبرة فيها تصح الصلاة فيصدق عليها عنوان الصلاة ولو على القول بالأعم اذ قد علم من النصوص ان الصلاة في نظر الشارع ومخترعها عبارة عن الأركان فعليه لا يصدق على الصلاة

٤١

الفاقدة لبعض الأركان فلا مجال لا يراد صاحب الكفاية لا لإيراده الاول ولا للثاني.

ثم ذكر عدة من النصوص تدل على أن الصلاة عبارة عن التكبيرة والركوع والسجود والطهارة فالمستفاد من مجموع هذه الروايات ان الصلاة مركبة من الأمور المذكورة.

منها ما رواه عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سها خلف الامام فلم يفتتح الصلاة؟ قال : يعيد الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح (١).

ومنها ما رواه الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الصلاة ثلاثة اثلاث ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود (٢).

ومنها ما رواه القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : افتتاح الصلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم (٣).

ومنها ما رواه محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته؟ قال : لا صلاة له إلّا ان يقرأ بها في جهر أو اخفات قلت : ايما احب اليك اذا كان خائفا أو مستعجلا يقرأ سورة أو فاتحة الكتاب؟ قال : فاتحة الكتاب (٤).

ومنها ما رواه زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام في حديث : وقم منتصبا فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من لم يقم صلبه فلا صلاة له (٥).

ويرد عليه : اولا : أن المستفاد من بعض النصوص ان التسليم جزء من الصلاة كبقية الأركان ان قلت قد علم من حديث لا تعاد عدم كونه ركنا حيث لم يذكر

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢ ، من ابواب التكبير ، الحديث : ٧

(٢) الوسائل ، الباب ٩ ، من ابواب الركوع ، الحديث : ١

(٣) الوسائل ، الباب ١ ، من ابواب التسليم ، الحديث : ١

(٤) الوسائل ، الباب ١ ، من ابواب القراءة فى الصلاة ، الحديث : ١

(٥) الوسائل ، الباب ٢ ، من ابواب القيام ، الحديث : ١

٤٢

فيه ولم يردف ببقية الأركان.

قلت المستفاد من حديث لا تعاد ان الصلاة تصح بلا تسليم فالميزان في الصدق الصحة لا الأركان وايضا المستفاد من بعض النصوص ان الفاتحة جزء الصلاة حيث قال عليه‌السلام لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب وايضا المستفاد من بعض النصوص انه لا صلاة لمن لم يقم صلبه فأية خصوصية للأركان وحدها.

وثانيا : ان الأركان تختلف كما بحسب اختلاف انواع الصلاة فان الركوع في صلاة الفجر اقل من الركوع في صلاة المغرب وركوع المغرب اقل من ركوع الظهر للحاضر وركوع المسافر اقل من ركوع الحاضر وركوع صلاة الآيات اكثر من البقية وهكذا السجود. إلّا أن يقال التقدير قلة وكثرة بيد المخترع فربما يكون الركن اقل وربما يكون اكثر.

وثالثا : ان الشارع الاقدس لا يتكلم لغوا فاذا قال الصلاة ثلثها الركوع يستفاد منه ان الصلاة المأمور بها هو المركب الكذائي.

وبعبارة اخرى المستفاد من كلام الشارع الاشارة الى المركب الذي يكون محبوبا له ويكون معراج المؤمن ويكون قربان كل تقي ويكون عمود الدين وهذا العرف ببابك.

ورابعا الاركان لا ينتهى بالمذكورات بل القبلة منها وايضا الوقت منها.

ان قلت الوقت والقبلة يستفاد كونهما ركنين من حديث لا تعاد.

قلت المستفاد من حديث لا تعاد توقف الصلاة على الخمس لا التسمية فعلى هذا القول أي قول القمي قدس‌سره لا بد من دخلهما في المسمى والحال انه لا دليل عليه فتحصل ان هذا القول غير مستند الى مدرك صحيح.

القول الثاني ان الجامع معظم الأجزاء وصدق اللفظ دائر مداره وأورد عليه صاحب الكفاية انه يلزم فيما يكون جميع الأجزاء موجودا أن يكون صدق

٤٣

عنوان الصلاة عليه صدقا مجازيا اذ المفروض انه ليس فردا للصلاة بل امر آخر وفيما يكون جميع الاجزاء موجودا يلزم ان يكون مصداق الصلاة فردا بين أفرد المعظم.

اذ ترجيح جملة منها بكونها مصداقا دون الاخرى بلا مرجح وتركب المركب من الأمر المردد وغير المعين غير معقول وان شئت قلت المردد لا واقع له.

واجاب عن الايراد سيدنا الاستاد بأن المعظم موضوع له على نحو البدلية مع لحاظ جميع الاحوال من السفر والحضر والصحة والمرض وايضا اخذ المعظم بالنسبة الى الزائد عليه بنحو لا بشرط بحيث اذا وجد يكون جزءا وان لم يكن موجودا لا يوجب عدم الصدق.

اقول قد تقدم ان الحق ان اللفظ موضوع بازاء الجامع الصحيح وتقدم امكانه ثبوتا وتحققه اثباتا فلا تصل النوبة الى البحث في الجامع الأعمي.

القول الثالث : ان اللفظ موضوع لما يصدق عليه هذا العنوان وربما يقال هذا الوجه فاسد لأن صدق اللفظ متوقف على الوضع والوضع لما يصدق عليه اللفظ وهذا دور ويمكن أن يقال يرجع هذا القول الى القول الثاني وهو ان اللفظ موضوع لمعناه وطريق كشف المعنى الظهور العرفي وفي العرف يصدق اللفظ على معظم الأجزاء والشرائط فلاحظ.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان الحق ما قلناه فانه قد ثبت في بحث الحقيقة الشرعية ان اللفظ موضوع للمعنى الشرعي ومن ناحية اخرى كل مخترع يضع اللفظ بازاء المركب التام لا الناقص.

ومن ناحية ثالثة : الشارع الأقدس بين حدود الصلاة بقوله الصلاة معراج المؤمن وعمود الدين وخير موضوع وقربان كل تقي والظاهر ان هذه الآثار للصلاة لا لبعض اقسامها.

٤٤

وبعبارة اخرى يفهم ان الصلاة بما هي صلاة كذلك ولا اشكال في أن المركب الذي تترتب عليه هذه الآثار عبارة عن المركب الصحيح مضافا الى التبادر وصحة السلب اللذين تقدم ذكرهما ولا دليل على كون لفظ الصلاة موضوعا للاعم ودعوى تبادر الاعم ممنوعة كما ان دعوى عدم صحة السلب كذلك وأما جواز الاستعمال في الاعم أو في خصوص الفاسدة فلا يكون دليلا على المدعى لأن الاستعمال اعم من الحقيقة وان أبيت عن ذلك وقلت انه لا يصح سلب عنوان الصلاة عن الفاسد كما ان المتبادر عن لفظ الصلاة بما له من المفهوم الاعم من الصحيحة.

قلت : سلمنا كون لفظ الصلاة حقيقة في الأعم ولكن اقول هذا في العرف العام ولا دليل على كونه كذلك في زمان الأئمة عليهم‌السلام والرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ان قلت اذا ثبت كونه كذلك في العرف العام يمكن اثباته بالنسبة الى ذلك الزمان ايضا باصالة عدم النقل وبالاستصحاب القهقري الجاري في الألفاظ. قلت لا مجال لهذا البيان اذ قد مر ان الدليل قائم على أن الصلاة في عرف الائمة عليهم‌السلام اسم لخصوص الصحيحة من الصلاة حيث ذكرنا ان الظاهر من قولهم عليهم‌السلام الصلاة عمود الدين والصلاة معراج المؤمن وامثال هذه التعبيرات ان الصلاة بما هي صلاة لا بما هي قسم منها.

وايضا يدل على المدعى قوله عليه‌السلام : الصلاة ثلاثة اثلاث ثلثها الركوع فان الصلاة الصحيحة كذلك لا الاعم فالدليل قائم على المدعى ومعه لا مجال لهذا البيان فلاحظ واغتنم.

فالنتيجة ان لفظ الصلاة موضوع لخصوص الصحيحة.

وأما نتيجة البحث فربما يقال بأنه لو كان اللفظ موضوعا للأعم تجري البراءة في مورد الشك في الأقل والاكثر بناء على المسلك المشهور من جريان البراءة

٤٥

فيما دار الامر بين الاقل والاكثر وأما على الصحيح فلا تجرى بتقريب ان الشك في الزائد مرجعه الى الشك في المحصل ومقتضاه الاشتغال لا البراءة.

وفيه انه لا فرق بين القولين من هذه الجهة لأنه على القول بالصحيح يكون متعلق الامر هو الجامع المنطبق على الأجزاء والشرائط الخارجية فلا يكون الشك في المحصل بل الشك في أن الواجب أقل أو أكثر فالنتيجة انه لا ثمرة لهذا البحث من هذه الجهة.

هذا من حيث جريان البراءة وأما من حيث الأخذ بالاطلاق اللفظي فتظهر الثمرة بين القولين اذ على القول بالاعم يمكن الأخذ بالاطلاق اللفظي لأن الفرد المشكوك فيه من مصاديق موضوع الحكم فببركة الاطلاق يدفع احتمال دخل شيء في الواجب على نحو الجزئية أو الشرطية وأما على القول بالصحيح فلا يجوز اذ صدق اللفظ بما له من المفهوم مورد الشك والاشكال ومع الشك في الصدق لا مجال للأخذ بالاطلاق لكن يكفي للوصول الى المطلوب الاطلاق المقامي المنعقدة في بعض نصوص الباب من ابواب الصلاة لاحظ حديث حماد (١) فان مقتضى الاطلاق المقامي عدم وجوب ما يشك في وجوبه فالمتحصل ان هذا البحث لا ثمرة له.

هذا تمام الكلام في لفظ الصلاة وأما لفظ الصوم فأيضا هو موضوع في لسان الشرع للكف عن المفطرات ولا اشكال في وجود الاطلاق المقامي في النصوص الواردة فى الصوم كقوله عليه‌السلام (٢) في رواية محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا يضر الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء.

فان مقتضى الاطلاق المقامي عدم وجوب شيء بل لا يبعد أن يقال كما في كلام

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١ ، من ابواب افعال الصلاة ، الحديث : ١

(٢) الوسائل ، الباب ١ ، من ابواب ما يمسك عنه ، الحديث : ١

٤٦

سيدنا الاستاد جواز الأخذ باطلاق الكتاب فان مقتضى اطلاق قوله (كُلُوا وَاشْرَبُوا) عدم وجوب شيء آخر وقس على ما ذكرنا لفظ الحج فانه لا اشكال في كون الحج موضوعا كلفظ الصلاة للمعنى الشرعي وايضا لا اشكال في جواز الأخذ بالاطلاقات المقامية المنعقدة في جملة من النصوص الواردة في احكام الحج.

واما لفظ الزكاة فالظاهر انه ايضا اسم في الشرع للمعنى الشرعي والكلام فيه من حيث الاخذ بالاطلاق هو الكلام.

واما لفظ الخمس فالظاهر انه باق على معناه اللغوى غاية الامر قد رتب عليه الحكم الشرعي يفسره من الموضوعات العرفية وبعبارة اخرى الخمس من الكسور وقد تعلق به احكام من قبل الشارع فهو خارج عن محل النزاع والمتحصل مما تقدم انه لا ثمرة لهذا البحث ومما يترتب على هذا البحث انه لو صلى رجل وتصلي امرأة بحياله صلاة فاسدة فعلى القول بالأعم تفسد صلاة الرجل وعلى القول بالصحيح تصح هذا تمام الكلام في العبادات.

وأما الكلام فى المعاملات وهو المقام الثاني : فالظاهر انه لا مجال لهذا البحث اذ على كلا القولين يجوز الأخذ باطلاق ادلتها ولا يختص بخصوص القول بالاعم والوجه فيه انه لا اشكال ان الفاظ المعاملات لا تكون لها حقيقة شرعية بل هي للمعاني اللغوية العرفية فعلى هذا الاساس يجوز الأخذ باطلاقها على كلا القولين.

أما على القول بالاعم فظاهر وأما على القول بالصحيح فلأنه لو احرز عنوان البيع أو الصلح أو الإجارة أو غيرها وصدق ذلك العنوان وشك في اعتبار قيد زائد يدفع بالاطلاق كما هو ديدن الاصحاب في هذه الابواب فلاحظ.

٤٧

الامر السادس فى المشتق :

وقع الخلاف بين القوم في أن المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ بالفعل أو حقيقة في الاعم منه وممن قضى عنه المبدأ بعد الاتفاق على كونه مجازا فيما يتلبس به في المستقبل قال في الكفاية انه لا اصل في هذه المسألة يعول عليه عند الشك فان اصالة عدم لحاظ الاطلاق واسعة لا تثبت كون اللفظ موضوعا لخصوص المتلبس الا على القول بالاثبات مضافا الى أن الاصل المذكور يعارضه اصل عدم لحاظ التلبس.

وأما ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز اذا دار الامر بينهما لاجل الغلبة فممنوع اولا : بعدم تسلم الغلبة المذكورة وثانيا لا دليل على الترجيح بها فعلى هذا تصل النوبة الى الأصل العملى الحكمى ومقتضاه يختلف إذ لو تعلق الوجوب بعد انقضاء المبدأ يكون مقتضى اصل البراءة عدم الوجوب فلو قال المولى «اكرم كل عالم» وزيد كان عالما ثم زال عنه العلم فان كان الشك في تعلق الوجوب باكرام العالم بعد انقضاء العلم عن زيد يكون مقتضى البراءة عدم الوجوب.

وأما لو كان الانقضاء بعد تعلق الوجوب يكون مقتضى الاستصحاب بقاء الوجوب فيجب اكرامه.

واورد عليه سيدنا الاستاد بأنه على القول بعدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي ومعارضته باصالة عدم الجعل الزائد فعدم الجريان ظاهر.

وأما على القول بالجريان فأيضا يشكل جريانه اذ الاستصحاب اما يجري في الحكم أو الموضوع أما في الحكم فكيف يجري فيه مع الشك في بقاء الموضوع وأما استصحاب بقاء الموضوع فيشكل بعدم جريان الاصل في موارد الشبهة

٤٨

المفهومية ويمكن أن يقال انه لا مانع من جريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية كما قلنا انه يجري في عدم حصول المغرب اذا شك في أنه يحصل بسقوط القرص او بذهاب الحمرة المشرقية وقلنا في تقريب جريانه انه قبل سقوط القرص نقطع بعدم تحققه وبعد السقوط نشك في تحققه فنحكم بعدمه باستصحاب عدمه بما له من المفهوم عند العرف ولا نرى مانعا من جريانه.

وعلى هذا الاساس لا مانع من بقاء صدق العالم بما له من المفهوم على زيد العالم الذي انقضى عنه المبدأ فتكون النتيجة وجوب الاكرام بلا فرق وتفصيل ولا تصل النوبة الى الاصل الحكمي مع الشك في الموضوع اذ الأصل الجاري في الموضوع حاكم على الاصل الحكمى ومع جريان الأصل الحاكم لا مجال لجريان الاصل المحكوم.

اذا عرفت ما تقدم نقول الحق ان لفظ المشتق موضوع لخصوص المتلبس بالمبدإ ويدل عليه امور :

الاول : التبادر فانه يتبادر من لفظ المشتق في كل لغة خصوص المتلبس بالمبدإ فاطلاقه على المنقضى عنه المبدأ يكون مجازا ولا يختص التبادر المدعى بالجمل التامة ، كى يقال : ان التبادر المذكور ببركة الحمل ولا يكون من حاق اللفظ بل الامر كذلك في غيرها فان المتبادر من لفظ (ضارب) في لغة العرب ومن لفظ (زننده) في لغة الفرس الذات المتلبس بالضرب فعلا لا الأعم وان شئت قلت المتبادر من المشتقات في الجمل الناقصة ما هو المتبادر منها في الجمل التامة وهي الاضافات والتقييدات والتبادر آية الحقيقة.

الثانى : صحة السلب فانه يصح سلب عنوان الضارب عمن انقضى عنه المبدأ ان قلت مطلق صحة السلب لا يدل على المدعى وبعبارة اخرى صحة السلب مقيدا لا يدل على المجاز اذ لا تنافي بين صحة السلب كذلك وكون اللفظ حقيقة في الأعم

٤٩

وان شئت قلت صحة سلب الحصة الخاصة لا تدل على صحته على الاطلاق والدليل على المدعى هو الثاني.

قلت يصح السلب اى يصح سلب العنوان بما له من المفهوم فيدل على كون اللفظ بما له من المفهوم مجاز فى المنقضى عنه المبدأ ولا يخفى ان الذي ذكرنا من كون صحة السلب تدل على كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس لا يرتبط بكون المتبادر من اللفظ خصوص المتلبس بل يدل على المدعى بالاستقلال بتقريب ان عنوان المشتق بما هو المرتكز من معناه في الذهن يصح سلبه عن الذات المنقضى عنه المبدأ فلا تغفل.

الثالث : انه لا ريب في تضاد مبادي جملة من المشتقات كالسواد والبياض والحلاوة والحموضة وهكذا ولا يعقل اجتماع الضدين فلو كان المشتق موضوعا للاعم يلزم جواز اجتماع الضدين اذ لو صح أن يقال زيد عالم وجاهل في زمان واحد يلزم اجتماع الضدين وهو محال.

وهذا التقريب فاسد اذ لا منافاة بين التضاد بين السواد والبياض وبين عدم اجتماع الضدين لو قلنا هذا الجسم ابيض اسود اذ معنى كون المشتق موضوعا للاعم انه موضوع للاعم من المتلبس فلا تنافي بين كونه اسود وبين كونه ابيض فالحق ان يقرب الدليل بتقريب آخر وهو انا نرى التضاد والتنافي بين عنواني الجاهل والعالم والحال ان المشتق لو كان موضوعا للاعم لم يكن وجه للتضاد فلاحظ.

واستدل على القول بأنه موضوع للاعم من المتلبس بأن استعمال المشتق في المنقضى عنه المبدأ اكثر واستعمال اللفظ استعمالا مجازيا اكثر من الاستعمال الحقيقي بعيد وينافي حكمة الوضع فنعلم بأنه موضوع للاعم.

والجواب عن الاستدلال المذكور انه مجرد استبعاد والحال انه لا مانع منه

٥٠

فان باب المجاز واسع واستعمال اللفظ في المعنى المجازي مع القرينة القائمة ومع المجوز للاستعمال امر جائز مضافا الى أن الاستعمال يمكن أن يكون بلحاظ حال التلبس فلا يكون استعمالا مجازيا.

ثم ان سيدنا الاستاد أفاد بأن استعمال المشتق بلحاظ حال الانقضاء وان كان امرا ممكنا ومحتملا في القضايا الخارجية وأما استعماله في القضايا الحقيقية فأمر غير معقول لاحظ قوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) وقوله تعالى (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) وأمثالهما فان المراد ان كل من تلبس بالزنا وكل من تلبس بالسرقة يجب ضربه أو يجب قطع يده وهكذا وهذا العنوان لا يعقل ولا يتصور فيه الانقضاء فان الشيء لا ينقلب عما هو عليه كما هو ظاهر فلا مجال للاستدلال بالآيتين على كون المشتق موضوعا للاعم كما انه لا مجال لما أفاده صاحب الكفاية بأن الاستعمال في الآيتين بلحاظ حال التلبس لا حال الانقضاء لأن الانقضاء لا يتصور ولا يعقل هذا حاصل كلامه.

وفيه انه من اظهر مصاديق المغالطة اذ الكلام في عنوان المشتق والحال ان سيدنا الاستاد في مقام بيان مدعاه غير العبارة وانتج من هذا التغيير مراده فان قوله تعالى (السَّارِقُ) يجب قطع يده مرجعه الى أن من صدق عليه عنوان السارق يجب قطع يده وان شئت فقل بأن مرجعه الى قوله كل مكلف ان صار سارقا وان صدق عليه هذا العنوان يجب قطع يده فعلى القول بكونه موضوعا للاعم يصدق عليه انه سارق بالفعل وإلّا لا يصدق بل يصدق انه كان سارقا وبعبارة واضحة الموضوع للحكم في الآيتين وأمثالهما ليس ما ذكره من قوله من زنا او سرق او قذف او اجنب او حاض بل الموضوع عنوان الزاني والسارق والقاذف والحائض فما أفاده غير صحيح والحق في الجواب أن يقال كما في عبارة الكفاية ويصح سلب عنوان المشتق عن المنقضى عنه المبدأ كما تقدم وصحة السلب آية المجاز وصفوة

٥١

القول ان الأدلّة قائمة على كون المشتق موضوعا لخصوص المتلبس ومعه لا مجال للاستدلال على كونه موضوعا للأعم فلاحظ.

واستدل ايضا على كونه موضوعا للأعم باستدلال الامام عليه‌السلام على عدم لياقة العابد للصنم أو الوثن للخلافة الالهية بقوله تعالى («لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(١) فلا يكون الثلاثة قابلين لهذا المنصب الإلهي بتقريب انهم في زمان دعواهم الخلافة كانوا مشرفين بالاسلام فيكون المشتق حقيقة في الاعم وإلّا لا يتم الاستدلال.

وفيه اولا : قد ورد في النص انهما لم يؤمنا بالله طرفة عين فدعوى الاسلام منهما جزافية وكذب محض وانما كانت مقدمة للنيل الى حطام الدنيا وزخرفها ولذا يعبر عنهم وعن اتباعهم بكفار الآخرة.

وثانيا : المذكور في الآية عنوان الظالم وأي ظلم اعظم من ضرب الصديقة الطاهرة وهتكها والهجوم على دار النبوة والرسالة واحراق باب الوحي واخافة اولاد الرسول واخذ الوصي واخ الرسول وزوج البتول كالاسير وسوقه كأحد المجرمين الى الجامع.

أو أى ظلم اعظم من هتك الرسول الاكرام والنبي المعظم وحين وفاته طلب ما يكتب ليكون هداية بعده فقال الملعون ان الرجل ليهجر فما زالوا ظالمين كافرين.

فالنتيجة ان الآية الشريفة لا تدل على مدعى الخصم مضافا الى أنه يمكن أن يكون بعض الاوصاف منافيا مع بعض المناصب ولو مع زوال تلك الصفة مثلا نرى انه لو حد احد يسقط عن كونه قابلا لامامة الجماعة ولا يكون قابلا للامامة شرعا فبطريق اولى لا يكون من عبد الوثن في زمان أن يصير خليفة الله في ارضه ويتصدى الزعامة العامة فالنتيجة ان المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ.

__________________

(١) البقرة / ١٢٤

٥٢

وأما نتيجة البحث : فقد ذكر من نتائجه انه يكره البول تحت الشجرة اليابسة اذا كانت مثمرة سابقا لاحظ ما رواه عاصم بن حميد عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : قال رجل لعلي بن الحسين عليه‌السلام : أين يتوضأ الغرباء؟ قال : يتقي شطوط الانهار ، والطرق النافذة ، وتحت الاشجار المثمرة (١) فعلى تقدير كون المشتق موضوعا للاعم يكون البول تحت الشجرة التي اثمرت في زمان سابق مكروها وان لم تكن فعلا ذات ثمرة.

وأما على القول بكونه موضوعا لخصوص المتلبس بالمبدإ بالفعل فلا يكون مكروها الا في حال تلبسها بالثمرة.

ومن تلك الثمرات التي ذكروها كراهة الوضوء بالماء المشمس فانه على القول بالوضع للاعم تكون الكراهة باقية بعد برده لاحظ ما رواه اسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضئوا به ولا تغتسلوا به (٢) ولكن المذكور في الرواية ليس عنوان المشمس كى يجري فيه هذا النزاع.

ومنها كراهة غسل الميت بالماء الذي كان حارا سابقا لا بالفعل لاحظ مرسل ابن المغيرة عن رجل ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : لا يقرب الميت ماء حميما (٣) ومنها وجوب ترتيب الاثر على الحيوان الجلال ولو بعد ارتفاع جلله فانه من آثار وضع المشتق للاعم لكن يقتضى النص انه يرتفع الحكم بعد ارتفاع جلله.

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٥ ، من ابواب احكام الخلوة ، الحديث : ١

(٢) الوسائل ، الباب ٦ ، من ابواب الماء المضاف ، الحديث : ٢

(٣) الوسائل ، الباب ، ١٠ من ابواب غسل الميت ، الحديث : ٢

٥٣

المقصد الاول «فى الاوامر» وفيه فصول :

الفصل الاول : فيما يتعلق بمادة الامر وفيه جهات من البحث.

الجهة الاولى : انه قد ذكر لمادة الامر معان عديدة قال في الكفاية منها الطلب والظاهر ان تفسير الامر بالطلب من مصاديق تفسير الاخص بالاعم وبعبارة اخرى الامر من مصاديق الطلب لا ان مفهوم الامر مساوق مع مفهوم الطلب وان شئت قلت الامر ليس مساويا للطلب مفهوما فانه يصدق في كثير من الموارد ولا يصدق عليها الأمر مثلا طلب الغريم ليس امرا وكذلك طلب العلم وطلب الضالة فلا اشكال في أن الأمر بما له من المفهوم يقع مصداقا للطلب كما انه لا اشكال في ظهور المادة في الطلب في المشتقات التى تشتق منها فاذا قيل أمره بكذا أو آمرك او يأمره أو فلان أمر والشيء الفلانى مأمور به وأمرتك بكذا الى غيرها من الأمثلة يفهم منه الطلب وبعبارة واضحة ان الظاهر من المشتقات التي تشتق من مادة الأمر هو الطلب.

الجهة الثانية : قال في الكفاية الظاهر اعتبار العلو في معنى الأمر فلا يكون الطلب من السافل أو المساوي امرا ولو اطلق عليه كان بنحو من المسامحة والظاهر عدم اعتبار الاستعلاء في تحقق معناه فيكون الطلب من العالى امرا ولو كان مستخفضا لجناحه وأما احتمال اعتبار احد الأمرين فضعيف وتوبيخ الداني السافل الطالب من العالي المستعلى عليه انما هو لاستعلائه عليه لا لامره بعد استعلاءه وكيف كان ففي صحة سلب الامر عن طلب السافل ولو كان مستعليا كفاية.

والذي يختلج بالبال ان يقال انه لا يشترط في صدق اللفظ بما له من المفهوم الشرط المذكور ولذا يصح أن يقال ان العبد أمر مولاه بكذا وكذا يصح أن يقال ان الفلان خادم زيد أمر مخدومه بكذا وصحة الحمل آية الحقيقة ويصح أن

٥٤

يوبخ الداني على أمره العالي فالنتيجة عدم تقيد المادة بهذا القيد فلاحظ.

الجهة الثالثة : هل يكون لفظ الامر حقيقة في الوجوب او يكون حقيقة في الجامع بين الوجوب والاستحباب ربما يقال انه حقيقة في الوجوب وذلك لوجوه :

الوجه الاول : التبادر وفيه ان التبادر علامة الحقيقة فيما يكون من حاق اللفظ وأما اذا كان ببركة القرينة فلا ويمكن أن يكون التبادر المدعى بلحاظ الاطلاق المقامي فلا يكون من حاق اللفظ.

الوجه الثاني : قوله تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) بتقريب انه لا مقتضى للحذر إلّا أن يكون الأمر دالا على الوجوب وفيه انه يفهم من وجوب الحذر ان امره كان وجوبيا فيجب الحذر وبعبارة اخرى يعلم من السياق ان المراد من أمره القسم الخاص من الأمر فلا تكون الآية دليلا على المدعى.

الوجه الثالث : قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) بتقريب ان التوبيخ على الترك وعدم امتثال الأمر يتوقف على كون الأمر للوجوب وإلّا فلا مقتضي للتوبيخ.

والجواب عن هذا الوجه هو الجواب عن الوجه السابق وهو ان المراد من الأمر في الآية الأمر الوجوبي لكن لا دليل على كونه حقيقة في خصوص الوجوب.

الوجه الرابع : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو لا ان أشقّ على امتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة (١) بتقريب ان الأمر لو لم يكن حقيقة في الوجوب لم يكن وجه لوقوع الامة في المشقة اذ الامر الاستحبابى لا يجب امتثاله.

وفيه انه يفهم ان الأمر الالزامي بالسواك فيه ملاك الالزام لكن بلحاظ رفع الحرج والسهولة على الامة لم يأمر به فلا يدل على المدعى.

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٣ ، من ابواب السواك ، الحديث : ٤

٥٥

الوجه الخامس : ان بريرة قالت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أمرها بالرجوع الى دار زوجها أتأمرني يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لا بل أنا شافع. بتقريب ان الأمر لو لم يكن للوجوب لم يكن وجه لسؤال بريرة.

والجواب ان هذه القضية لا تكون دليلا على المدعى اذ يستفاد الوجوب من القرينة وصفوة القول ان استفادة الوجوب من القرائن لا تكون دليلا على المدعى.

والذي يختلج بالبال أن يقال ان لفظ الأمر ليس لخصوص الوجوب بل للجامع بينه وبين الاستحباب ولذا يصح ان يقال الأمر الفلاني استحبابي وايضا لو أمر المولى بفعل امرا استحبابيا لا يصح أن يسلب عنه عنوان الأمر ويقال انه ليس امرا وعدم صحة السلب علامة الحقيقة.

نعم يمكن أن يقال ان المولى اذا طلب من عبده عملا بقوله آمرك بكذا ولم ينصب قرينة على الاستحباب يستفاد منه الوجوب بلحاظ الاطلاق المقامي بتقريب ان المولى في مقام البيان ولم ينصب قرينة على الاستحباب فطلبه الزامي وبعبارة اخرى الاستحباب يحتاج الى مئونة زائدة وأما الوجوب فلا وان ابيت عن هذا التقريب وقلت لا نرى فرقا بين الوجوب والاستحباب من هذه الجهة اذ الاستحباب كالوجوب بسيط نقول الظهور العرفي معتبر والأمر بمادته ظاهر في الالزام إلّا أن يقوم دليل على خلافه.

واستدل سيدنا الاستاد على كون الوجوب مفاد مادة الأمر بمقتضى حكم العقل بتقريب ان المادة وضعت لابراز اعتبار المولى كون الفعل في ذمة المكلف فاذا احرز اشتغال الذمة بالعمل من قبل المولى ولم يرخص في الترك يحكم العقل بلزوم الامتثال على طبق الوظيفة العبودية في قبال المولى فالنتيجة ان دلالة المادة

٥٦

على الوجوب ليس بالوضع ولا بالاطلاق بل بحكم العقل.

ويرد عليه اولا النقض بمورد اجمال النص بحيث لا يكون اللفظ ظاهرا في المعنى ويحتمل الوجوب ويحتمل الندب فهل يكون المورد موردا للاشتغال او البراءة الظاهر انه لا اشكال في كونه مورد البراءة فان اجمال النص كفقدانه وتعارضه مورد للبراءة والحال ان مقتضى ما أفاده من حكم العقل بالوجوب لا بد من الالتزام بالوجوب ولزوم الامتثال وهل يرضى هو بهذا اللازم لا اظن وان كان الظن لا يغني عن الحق شيئا.

وثانيا نجيب عن دليله بالحل وهو انه دعوى بلا دليل فان مجرد العلم باشتغال الذمة من قبل المولى من دون دليل على الالزام لا يقتضي عقلا لزوم الامتثال بل مقتضى الحكم العقلي اجراء البراءة بمقتضى قبح العقاب بلا بيان.

فالوجه في الالتزام بالوجوب الظهور العرفي اذ نرى ان العرف والعقلاء يستفيدون من تحقق الأمر الالزام ولا يكون الاعتذار بعدم العلم بالوجوب مقبولا عندهم وهذا دليل على ان المادة مع قطع النظر عن القرينة ظاهرة في الوجوب فلاحظ.

الجهة الرابعة : في اتحاد الطلب والإرادة وعدمه.

ويقع البحث في هذه الجهة في ضمن امور :

الأمر الأول : قال في الكفاية «ان الطلب عين الارادة مفهوما ومصداقا غاية الأمر ينصرف الطلب عند الاطلاق الى الانشائي والارادة تنصرف عند الاطلاق الى الارادة الحقيقية وربما يقال ان الارادة والطلب يتغايران مفهوما ويتحدان مصداقا كالانسان والناطق». وأفاد سيدنا الاستاد ان الحق ما ذهب اليه الاشاعرة من مغايرة الطلب والارادة مفهوما ومصداقا بتقريب ان الارادة هو الشوق الأكيد ومن صفات النفس كالشجاعة والفراسة وأما الطلب فهو من مقولة الافعال الخارجية

٥٧

وبعبارة اخرى التصدي الخارجى نحو شيء عبارة عن الطلب بعد تحقق الشوق المؤكد الذي يكون مصداقا للارادة فالطلب متأخر رتبة عن الارادة ولذا لا يقال لمن يحب الدراسة ويشتاق اليها انه طالب للدراسة ما لم يتصد خارجا.

فالنتيجة ان الطلب مغاير للارادة مفهوما ومصداقا فالقول باتحادهما مفهوما ومصداقا أو اتحادهما مصداقا وتغايرهما مفهوما فاسد.

والظاهر ان ما أفاده غير تام بل الحق ما أفاده في الكفاية من اتحادهما مفهوما ومصداقا غاية الامر انهما مختلفان في الانصراف عند الاطلاق.

وما استشهد لمدعاه من عدم صدق الطلب على الشوق المؤكد غير تام ، فان الطلب مثل الارادة عبارة عن التصدي نحو شيء ولذا لا يصدق عنوان الارادة على مجرد الشوق والحب والميل وانما يصدق عنوان الارادة عند التصدي وعنده يصدق كلا العنوانين.

ويدل على المدعى انه يصح أن يقال اريد منك كذا كما يصح ان يقال اطلب منك كذا فالارادة كالطلب تستعمل في الانشائي من الارادة وان ابيت وقلت يصح اطلاق الارادة قبل التصدي فيقال فلان مريد للدراسة قبل التصدي الخارجي قلت يصح اطلاق الطلب ايضا فيصح أن يقال فلان طالب لأمر كذا ولا يبعد أن يكون استعمالهما قبل التصدي الخارجي استعمالا مجازيا وصفوة القول ان كلما يصدق احد العنوانين يصدق العنوان الآخر ايضا فالطلب الانشائي ارادة انشائية كما ان الارادة الحقيقية طلب حقيقي ويمكن الاستدلال على المدعى بأن الارادة إنشاء وحقيقة تستعمل في ذاته تعالى فيقال كما في كتابه المقدس (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) كما انه يقال كما في كتابه ايضا (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فالإرادة من صفات الفعل لا من صفات الذات وفي

٥٨

الخبر (١) قال عاصم بن حميد قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام لم يزل الله مريدا قال : ان المريد لا يكون إلّا المراد معه لم يزل الله عالما قادرا ثم أراد فالمتحصل مما ذكرنا ان الطلب والارادة متحدان مفهوما ومصداقا حقيقة وإنشاء.

واستدل الأشعري على التغاير بأن الطلب قد يتحقق بلا ارادة كما في الاوامر الامتحانية والعذرية بتقريب ان الارادة في هذه الموارد غير موجودة وأما الطلب فهو موجود واجاب عنه في الكفاية بأن الموجود الطلب الانشائي ومن الظاهر ان الطلب الانشائي ليس متحدا مع الارادة الحقيقية.

الأمر الثانى : في أنه ربما يقال بل لعله المشهور بين القوم بأن الجمل الخبرية تدل على ثبوت النسبة في الخارج او عدمها والجمل الانشائية تدل على ايجاد المعنى في الخارج والحق ان الأمر ليس كذلك بل الجمل الخبرية وضعت لابراز الحكاية عن الخارج ولذا لا يتصف الأخبار بالصدق والكذب إلّا بلحاظ المطابقة وعدمها مع الخارج فالجملة الخبرية لا تدل على النسبة الخارجية ولذا كثيرا ما لا يتغير حال السامع بعد سماع الخبر من المخبر نعم يفهم من الأخبار ان المخبر في مقام الاخبار وابراز الحكاية.

واما الجمل الانشائية فهي موضوعة لابراز الاعتبار كما في الأوامر والنواهي او ابراز الترجي والتمني والاستفهام ولذا لا مجال لتطرق الصدق والكذب فيها وعلى فرض تسلم كلام القوم لا يكون كلامهم دليلا على كلام الاشاعرة حيث ذهبوا الى اثبات الكلام النفسي وليس في النفس غير العلم والترجي وغيرهما شيء يسمى بالكلام النفسي كما قيل :

ان الكلام لفي الفؤاد وانما جعل اللسان على الفؤاد دليلا.

الأمر الثالث : في بيان الادلة التي ذكرت لاثبات الكلام النفسي وردها

__________________

(١) مجمع البحرين مادة رود

٥٩

فنقول الدليل الأول : ان الله سبحانه وصف نفسه بالتكلم فقال (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) فقد اصبح التكلم من اوصاف ذاته تعالى وبما انه تعالى قديم ولا يعقل اتصافه بالحادث فلا بد من الالتزام بأحد الامرين : اما حدوث الواجب واما قدم الكلام ومن الظاهر عدم امكان الالتزام بحدوث الواجب فلا بد من الالتزام بقدم الكلام وهو الكلام النفسي ولا محذور فيه.

وأما الكلام اللفظي فحيث انه امر حادث تدريجي الحصول يوجد منه جزء بعد انعدام جزء آخر منه فلا يمكن الالتزام بقدمه فذلك القديم كلام نفسي.

والجواب عن الدليل المذكور ان صفاته على قسمين قسم منها صفات ذاتية قديمة كالعلم والقدرة والحياة والضابط الكلى فيها انه لا يمكن نفيها عنه ولا يمكن توصيف ذاته بمقابلها وعدم تعلق قدرته بها فلا يقال انه تعالى لا يعلم ولا يقال انه قادر على أن يعلم وايضا لا يتعلق ارادته بها اذ الارادة فرع القدرة.

وقسم منها صفات فعلية كالخلق والرزق وامثالهما فان الصفات الذاتية صفات قديمة وعين ذاته تعالى وأما الصفات الفعلية فلا يعقل فيه القدم اذ المفروض كونها حادثة جديدة والتكلم من الصفات الفعلية والضابط فيها ان الاتصاف بها لا يصح إلّا بعد تحققها فلا يقال انه رازق أو خالق الا بعد تحققهما ويتعلق بها القدرة والارادة فالدليل المذكور لا يصلح لا ثبات المدعى فلاحظ.

الدليل الثاني : انا نرى صحة توصيفه تعالى بكونه متكلما.

وايضا نرى انه تعالى وصف نفسه بالتكلم ويشترط في صحة اتصاف الذات بصفة حلول مبدئها فيه ولو لا الحلول لما جاز التوصيف وإلا جاز توصيفه بالنوم والحركة وامثالهما لقيام المبدا به قياما صدوريا تعالى عن ذلك علوا كبيرا.

فلا بد من الالتزام بكون التكلم حالا في ذاته ولا بد من الالتزام بقدم الكلام لعدم جواز حدوث الحوادث في ذاته وذلك القديم هو الكلام النفسي.

٦٠