آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

اما على الفرض الاول : فيلزم على المولى أن يوجب ايجادهما دفعة كى لا يفوت الغرض الملزم واما على الفرض الثاني فيلزم عدم تحقق الامتثال اذ فرض التضاد بين الغرضين ولا يمكن الالتزام باللازم المذكور.

المذهب الرابع : أن يكون الواجب كل من الفردين بشرط عدم الاتيان بالفرد الآخر.

ويرد عليه : انه لو لم يأت بأفراد الواجب يلزم وجوب كلا الأمرين لحصول شرط الواجب ويترتب عليه تعدد العقاب والحال انه لا يمكن الالتزام به.

المذهب الخامس : وهو المذهب الحق ان الوجوب يتعلق بالجامع بين أمرين أو الامور ، وتقريب المدعى انه لا اشكال في تعلق الأمر الاعتباري بالعنوان الانتزاعي هذا من ناحية ومن ناحية اخرى اذا كان الغرض مترتبا على وجود واحد من امور لا جامع ذاتي بينها كالعتق والاطعام والصيام فلا مناص عن تعلق الأمر بالجامع الانتزاعي بينها فيوجب المولى احد الأمور المذكورة فيكون الواجب هو الجامع بين الأمور وتكون النتيجة انه لو أتى بها دفعة تكون مصداقا للواجب ولو أتى بواحد منها يكون ممتثلا ولو ترك جميع الافراد يكون عقابه واحدا وان شئت فقل ان التخيير الشرعي والعقلي لا فرق بينهما الا في مقام الاثبات والدلالة وإلّا فلا فرق بينهما بحسب مقام الثبوت والواقع فلاحظ.

بقي شيء ، وهو انه هل يمكن التخيير بين الاقل والاكثر استدل على عدم الامكان بأن الاقل اذا كان من أفراد الواجب يحصل الامتثال به فلا مجال للاكثر والظاهر ان ما افيد تام فانه لو كان الأقل من أفراد الواجب يكون انطباق الطبيعي عليه قهريا ويكون الاجزاء عقليا وبعد تحقق الاجزاء لا مجال للامتثال ، وربما يتوهم انه يجوز التخيير بين الأقل والاكثر فيما قيد الاقل بشرط لا عن الزائد كما لو دار الأمر بين الاتيان بالتسبيحات الاربع بين الواحدة بشرط لا والثلاثة ، قلت في

٢٢١

الحقيقة يكون التخيير بين المتباينين لأن النسبة بين بشرط لا وبشرط شىء التباين فلاحظ.

نعم اذا كان الاكثر يوجد دفعة في الخارج لا مانع من التخيير بين الاقل والاكثر مثلا يمكن أن يوجب المولى ايجاد خط بمقدار ذراع مثلا ولكن يلزم ايجاده دفعة فالمكلف له أن يوجد خطا بقدر ذراع وله أن يوجد خطا بمقدار ذراعين.

الجهة السادس عشرة فى الواجب الكفائى :

الواجب الكفائى هو الواجب الذي يكفي الاتيان به من قبل مكلف واحد وبعبارة اخرى الواجب الكفائي هو الواجب الذي لو أتى به الجميع يسقط ويستحق الجميع الثواب لصدق صدور الواجب عن كل واحد وان لم يأت به احد يستحق الجميع العقاب لصدق ترك الواجب بالنسبة الى كل واحد من آحاد المكلفين وان أتى به بعض المكلفين دون الباقين يسقط الواجب عن التاركين لتحقق الغرض وعدم الموضوع بعد اتيان ذلك البعض.

اذا عرفت ذلك نقول : وقع الكلام بين القوم في تصوير الواجب الكفائى وان المكلف بحسب الجعل اي شخص وفي هذا المقام يمكن تصوير مذاهب :

المذهب الاول : أن يقال : ان المكلف واحد معين عند الله لكن اذا أتى به غيره يسقط التكليف عن ذلك المكلف.

ويرد عليه : اولا ، انه خلاف ظاهر الادلة حيث ان الظاهر منها ان جميع الآحاد مكلفون لا واحد معين منهم ، وثانيا : انه لا وجه لسقوط الواجب بفعل غير المكلف الا مع قيام دليل على السقوط واي دليل دل على هذا المدعى ، وثالثا : ان مقتضى ادلة البراءة العقلية والنقلية عدم وجوبه على احد اذ كل واحد من المكلفين له أن يأخذ بالبراءة ولا يقوم بالعمل وهل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

٢٢٢

المذهب الثاني : أن يقال ان الوجوب الكفائي متوجه الى مجموع المكلفين من حيث المجموع.

ويرد عليه : اولا ان لازمه انه لو قام واحد منهم بالواجب لا يحصل الامتثال والحال انه ليس الأمر كذلك في الوجوب الكفائي ، وثانيا : انه كيف يمكن صدور الواجب عن مجموع آحاد المكلفين فاذا فرض ان أفرادهم كثيرة كيف يمكن قيام كلهم بعمل واحد بحيث يصدر كل جزء منه من شخص وكيف كان هذا القول ساقط عن درجة الاعتبار مضافا الى أنه خلاف ظاهر الادلة.

المذهب الثالث : ان الواجب الكفائي واجب بالنسبة الى كل مكلف ولكن مشروط بعدم اتيان الآخرين فيجب على كل واحد منهم بشرط ترك بقية المكلفين.

ويرد عليه : اولا ان الشرط ان كان ترك بعض المكلفين فلازمه أن يتعين الوجوب على الجميع لتحقق الشرط فيصير الواجب الكفائي عينيا وهذا خلف وان كان المراد ترك الجميع فلازمه انه لو أتى به الجميع لا يحصل الامتثال لأن شرط الواجب ترك الجميع والمفروض عدم تحقق الشرط.

المذهب الرابع : أن يكون الواجب الجامع بين المكلفين ولازمه حصول الامتثال بفعل واحد وبفعل الجميع وهذا هو الحق.

الجهة السابع عشرة فى الموسع والمضيق :

ينقسم الواجب باعتبار تحديده بزمان خاص وعدم تحديده الى موقت وغير موقت ، وينقسم الموقت الى الموسع والمضيق ، فان الوقت اذا كان أزيد من مقدار زمان الواجب يكون الواجب موسعا كالصلوات اليومية بالنسبة الى أوقاتها واذا لم يكن أزيد بل كان مساويا له يكون الواجب مضيقا كصوم شهر رمضان فان اليوم بتمامه ظرف للصوم ولا يكون أزيد منه.

٢٢٣

وربما يقال : بأنه لا يتصور الموسع كما انه ربما يتوهم عدم امكان المضيق أما الاول فبتقريب ان الواجب لو ترك في اول وقته يصدق ان المكلف ترك الواجب في ظرفه فلا توسعة في الوقت.

وفيه : ان ظرف الواجب من المبدأ الى المنتهى ولا يجب الاتيان بالواجب في اول وقته وبعبارة اخرى : اول الوقت من أفراد الظرف والواجب الاتيان بالفعل بين الأول والآخر ، وبعبارة واضحة : لا يجب ايقاع الفعل في أول زمان الواجب بل اللازم ايقاع الواجب في ظرفه فللمكلف ايقاعه في اي جزء من ذلك الزمان.

وأما الثاني وهو عدم امكان المضيق فبأن الامتثال متأخر عن الوجوب والانبعاث متأخر عن البعث فلا بد من كون الوجوب متقدما على زمان الامتثال.

وفيه : اولا : ان تأخر الامتثال عن الوجوب تأخر رتبي لا زماني ، وثانيا : انه يمكن أن يكون زمان الوجوب متقدما على زمان الامتثال ولكن يكون زمان الواجب مساويا لزمان الفعل الذي امر به فان الواجب التعليقي مؤخر زمانا عن زمان الوجوب فلاحظ.

ثم انه وقع الكلام بين القوم في أن القضاء هل يكون تابعا للاداء ام يكون بامر جديد؟ وربما يقال بالتفصيل بين كون القرينة على التوقيت متصلة وبين كونها منفصلة بتقريب ان القرينة اذا كانت متصلة بدليل الواجب لا مجال للأخذ بدليل الوجوب للاتيان بالفعل خارج الوقت وبعبارة اخرى : ينعقد ظهور الدليل في التوقيت فلا مقتضي للاتيان بالعمل خارج الوقت ، وأما ان كانت القرينة منفصلة عن دليل الواجب فلا تكون القرينة مانعة عن ظهور دليل الواجب في الاطلاق فمقتضى دليل الواجب الاتيان ولو خارج الوقت ويكون القضاء تابعا للاداء فالنتيجة : التفصيل بين كون القرينة منفصلة ومتصلة بأن يقال القضاء تابع للاداء في الأول دون الثاني.

ويرد عليه : انه لا فرق بين الاتصال والانفصال فان ظهور القرينة حاكم على

٢٢٤

ظهور ذي القرينة وان شئت قلت : ان كان الظاهر من القرينة تقييد الواجب بحصة خاصة فلا فرق بين الاتصال والانفصال وعلى كلا التقديرين توجب تقييد الواجب بالقيد الخاص وهو الوقت المقرر للواجب وان لم تكن ظاهرة في التقييد بل كانت دالة على مطلوب آخر فائضا لا فرق بين الاتصال والانفصال ، نعم بين الاتصال والانفصال فرق من حيث ان اتصال القرينة مانع عن انعقاد الظهور في الاطلاق وانفصال القرينة لا يمنع عن انعقاد الظهور ولكن اي اثر للظهور فقط بعد سقوطه عن الحجية بواسطة القرينة المنفصلة الحاكمة على ذي القرينة ولذا التزم الأصحاب على عدم الأخذ باطلاق قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وقيدوه بقيود مستفادة من النصوص الواردة في مقام بيان تقييد الاطلاق وحكموا ببطلان بيع الغرر والمجهول الى غيرهما من القيود وهذا ظاهر واضح.

وفي المقام تفصيل آخر أفاده صاحب الكفاية وهو انه لو كانت القرينة الدالة على التوقيت متصلة أو كانت القرينة منفصلة وكان لها اطلاق بحيث يقيد دليل الواجب على الاطلاق لا مجال للأخذ بدليل الواجب واثبات وجوب القضاء وأما اذا كانت القرينة منفصلة ولم يكن لها اطلاق بالنسبة الى حالتي الاختيار والاضطرار وكان لدليل الواجب اطلاق أمكن الأخذ بدليل الواجب واثبات وجوب الفعل خارج الوقت وما أفاده تام ، لكن لا يترتب عليه الأثر المهم الذي عقد له هذا البحث وهو انه لو عصى المكلف ولم يأت بالواجب في الوقت اختيارا لا يثبت في حقه وجوب القضاء بدليل الواجب ، نعم لو فات الواجب عن المكلف بلا اختيار يثبت عليه وجوب القضاء بالدليل الاول مضافا الى أنه مجرد تصور والظاهر انه لا موضوع له حتى في مورد واحد.

فالمتحصل مما تقدم ان القضاء لا يثبت بالأمر الأول الا في صورة واحدة ، فالحق ان وجوب القضاء بالأمر الجديد ، ثم انه لو فرض انه ثبت وجوب القضاء

٢٢٥

بالدليل الدال عليه وكان موضوعه عنوان الفوت فتارة يثبت الفوت بالعلم الوجداني أو التعبدي واخرى لا يثبت ، أما على الأول فلا اشكال في وجوب القضاء لاحراز الموضوع ، وأما على الثاني فهل يمكن اثبات الموضوع باستصحاب عدم الاتيان ام لا؟

أفاد سيدنا الاستاد : ان الفوت امر وجودي ولا يمكن احرازه باستصحاب عدم الاتيان لأنه من أظهر انواع المثبت ، وبعبارة اخرى : الفوت عبارة عن الذهاب عن الكيس ، وما أفاده ليس بعيدا فان المتفاهم من هذا اللفظ انه كان لكن ذهب ، وعلى فرض الشك لا مجال للأخذ باستصحاب عدم الاتيان اذ على تقدير كونه أمرا وجوديا لا يثبت بالأصل ومع الشك في كونه أمرا وجوديا لا يمكن الأخذ بدليل وجوب القضاء للشبهة المصداقية فالنتيجة انه لو لم يكن دليل على وجوب القضاء يكون مقتضى البراءة عدم الوجوب ولا مجال لاستصحاب الوجوب الثابت في الوقت لأن الاستصحاب لا يجري إلّا مع بقاء الموضوع والمفروض زواله ، مضافا الى معارضة الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي باصالة عدم الجعل الزائد.

لكن يشكل التقريب المذكور بما يستفاد من اللغة ، قال في مجمع البحرين «وفات الأمر فوتا وفواتا أي فات وقت فعله ومنه فاتت الصلاة اذا خرج وقت فعلها ولم تفعل» وعليه يصدق عنوان الفوت بعدم تحقق الفعل الفلاني في وقته الكذائي وبناء على هذا الاساس لو خرج وقت فعل صلاة الظهر وشك في تحققها يمكن احراز فوتها باستصحاب عدمها فان فوت وقتها وجداني وعدم الاتيان بها في الوقت يحرز بالأصل.

بقى شيء وهو انه لو شك في الوقت انه أتى بالصلاة مثلا أم لا؟ لا اشكال في أنه يجب عليه الاتيان بها اما لقاعدة الاشتغال على المشهور بين القوم أو لاستصحاب عدم الاتيان على المسلك المنصور ، فلو فرض انه لم يأت بها بعد فهل يجب القضاء بعد الوقت أم لا؟

٢٢٦

ربما يقال : لا يجب بالتقريب الذي تقدم والحق أن يفصل في المقام بأن يقال على القول بأن المقتضي لوجوب الاتيان والمدرك له ان كان استصحاب عدم الاتيان كما هو مختارنا يجب القضاء لاحراز الفوت وأما على القول بأن وجه وجوب الاتيان قاعدة الاشتغال كما هو المشهور بين الأصحاب يشكل الجزم بالوجوب لأن قاعدة الاشتغال عبارة عن حكم العقل بلزوم الاتيان بالواجب في ظرف الشك لكن لا دليل على بقاء التكليف فيشك في الفوت ومع الشك فيه لا تصل النوبة الى الأخذ بدليل وجوب القضاء لأنه من الأخذ بالدليل في الشبهة المصداقية فلاحظ.

الجهة الثامن عشرة فى الامر بالامر بالشىء :

وقع الكلام بين القوم في أنه هل الأمر بالامر بشيء امر بذلك الشيء أم لا فنقول : لا اشكال في أن مقتضى الظهور العرفي انه أمر بذلك الشيء وان المأمور الأول واسطة في ايصال أمر المولى الى المأمور الثاني كالأوامر الصادرة عن الله تعالى الى العباد بواسطة الأنبياء والرسل ويترتب على هذا البحث ثمرة فقهية وهو كون عبادات الصبي مشروعة حيث أمر الامام عليه‌السلام الأولياء بأمرهم الصبيان بالصلاة بقوله عليه‌السلام مروا صبيانكم بالصلاة ، وربما يقال : يمكن اثبات المطلوب بطريق آخر وهو أن الأمر الوجوبي مركب من الطلب والالزام ، وحديث الرفع يرفع الالزام عن الصبي ويبقى اصل الطلب بحاله ، وفيه : أن التكليف ولو كان استحبابيا يقتضي الكلفة ومقتضي المنة رفعه على الاطلاق ، وثانيا : ان الأمر الوجوبي ليس مركبا بل عبارة عن اعتبار المولى الفعل في ذمة المكلف وعدم ترخيصه في الترك فلا مجال للتقريب المذكور وعلى الجملة ان الظاهر من الأمر بالأمر كون المأمور الثاني مأمورا من قبل المولى هذا بحسب مقام الاثبات والظهور العرفي ولو وصلت النوبة الى الشك يكون مقتضى البراءة الشرعية وقبح العقاب بلا بيان عقلا عدم

٢٢٧

الوجوب فلاحظ.

الجهة التاسع عشرة فى ان الامر ثانيا قبل امتثال الامر الاول هل يكون تأكيدا او يكون تأسيسا

فنقول اذا ورد امر بشيء بعد الأمر به قبل امتثال الأمر الاول فتارة علق كل من الأمرين على سبب غير ما علق عليه الأمر الآخر كما لو قال ان بلت فتوضأ ، ثم قال ان نمت فتوضأ واخرى يعلق احدهما على سبب ولم يعلق الآخر على سبب كما لو قال ان بلت فتوضأ ثم قال : توضأ وثالثة يعلق كل واحد من الأمرين على سبب واحد كما لو قال ان بلت فتوضأ ثم قال ان بلت فتوضأ ورابعة لا يعلق شيء منهما على السبب كما لو قال توضأ ثم قال توضأ ، أما الصورة الاولى والثانية فيقع الكلام فيهما في بحث المفاهيم إن شاء الله.

وأما الصورة الثالثة والرابعة فقد وقع الكلام بين القوم في أن المستفاد من الأمر الثاني التأسيس أو المستفاد منه التأكيد للأمر الاول الذي يمكن أن يقال : ان المستفاد منه بحسب الفهم العرفي التأكيد والسر فيه ان المادة في الأمر الثاني لم يقيد بقيد فكلا الأمرين تعلقا بأصل الطبيعة ولازمه التأكيد ، وان شئت فقل : ان الظاهر من الأمر الثاني ان المطلوب فيه هو المطلوب من الأمر الاول فطبعا لا يكون إلّا تأكيدا له وان أبيت عن هذا التقريب وقلت ان الهيئة ظاهرة في التأسيس فلا وجه لرفع اليد عن ظهورها فيه ، قلت الهيئة ترد على المادة وتركبها فتكون المادة قرينة على كون المراد من الهيئة التأكيد كما ان الأمر كذلك في كل مورد يكون احد الأمرين قرينة على الآخر أو فقل يكون احد الظهورين معارضا ومزاحما للظهور الآخر وبالنتيجة يصير اللفظ مجملا والمرجع اصالة البراءة فعلى كلا التقريبين لا يكون الأمر الثاني تأسيسا.

٢٢٨

المقصد الثانى : فى النواهى

والكلام فيه يقع في جهات : الجهة الاولى في معنى النهى : قال في الكفاية : ان معنى النهي بعينه هو معنى الأمر غاية الأمر مفاد الأمر طلب وجود الفعل ومفاد النهي طلب ترك الفعل وتوهم ان الترك غير اختياري فيكون متعلق النهى الكف عن الفعل مدفوع ، بأن الترك مقدور بقاء وإلّا لم يكن وجود الفعل اختياريا ايضا هذا ملخص ما أفاده في الكفاية.

ويمكن ان يقال ان مفاد صيغة افعل ابراز الاعتبار النفساني فان المولى يعتبر الفعل كالصلاة في ذمة المكلف وببرز الاعتبار المذكور بقوله صل مثلا ، وأما في باب النواهي يعتبر حريما بين الفعل والمكلف ويعتبر حرمانه عن ذلك ويبرز ذلك الاعتبار بقوله لا تشرب الخمر مثلا ، وبعبارة واضحة : تارة يشتاق المولى الى فعل وله غرض في تحقق الفعل وصدوره عن المكلف فيعتبر ذلك الفعل في ذمة المكلف ويبرز ذلك الاعتبار بصيغة الأمر واخرى ينزجر عن الفعل ويريد عدم صدوره عن المكلف فيعتبر كون المكلف محروما عنه ويعتبر حريما بين المكلف وذلك الفعل ، ويبرز ذلك الاعتبار بصيغة النهي فيصح أن يقال ان متعلق الأمر والنهي واحد وهو عبارة عن الفعل غاية الأمر تارة يعتبر الفعل في ذمته فيكون مصداقا للأمر واخرى يعتبر حريما بين المكلف والفعل فيكون مصداقا للنهي.

وصفوة القول : ان الفرق بين صيغة الأمر وصيغة النهي ان الاولى وضعت لابراز الفعل في ذمة المكلف وبعبارة واضحة : ان الواضع يتعهد بأنه كلما أراد أن يبرز ويظهر انه في مقام ابراز اعتبار الفعل في ذمة المكلف يتكلم بهذه الكلمة اي يتلفظ بهذه الصيغة وايضا يتعهد الواضع بأنه اذا أراد أن يبرز كونه في مقام ابراز اعتبار حرمان المكلف عن الفعل يتلفظ بصيغة النهي فالأمر مبرز لاعتبار كون الفعل في ذمة

٢٢٩

المكلف والنهي مبرز لاعتبار المولى حرمان المكلف عن الفعل اي صيغة الأمر موضوعة لابراز ان المتكلم في هذا المقام وصيغة النهي مبرزة لكون المولى في مقام ابراز جعل الحريم بين الفعل والمكلف فالأمر يغاير النهي في المفاد والمعنى ، تعم متعلق كل واحد منهما عين متعلق الآخر.

بقى شيء وهو انه ما الوجه في أنه يكفي لامتثال الأوامر اتيان فرد من الطبيعة التي امر بها وأما في باب النواهي فلا يسقط النهي بالانزجار عن فرد دون فرد ، وبعبارة اخرى : المستفاد من النهي حرمة جميع الأفراد بحيث لو عصى المكلف لا يكون النهي ساقطا بل يحرم بعد العصيان ايضا ، ويمكن أن ما أفاده في الكفاية في هذا المقام تام وهو ان مقتضى مقدمات الحكمة في ناحية الأمر الاكتفاء بفرد واحد من الطبيعة فانه لو تمت المقدمات يصح أن يقال ان المأمور به انطبق على أول وجود تحقق من تلك الطبيعة المأمور بها وبعد الانطباق يكون الاجزاء عقليا وأما في ناحية النواهي فمقتضى الاطلاق ومقدمات الحكمة شمول الحكم وانحلاله لكل موضوع ومتعلق ، فاذا قال المولى لا تشرب الخمر يكون مقتضى الاطلاق ترتب الحرمة على كل خمر فسقوط النهي بالنسبة الى خمر فلاني يحتاج الى الدليل وكذلك ينحل الحكم بانحلال متعلقه فاذا قال لا تكذب يكون كل كذب حراما بلا فرق بين أفراده ومقتضى الاطلاق بقاء النهي حتى بعد العصيان وبعبارة واضحة : عدم اختصاص النهي باول وجود من الطبيعة بل مقتضى الاطلاق النهي عن ايجاد الطبيعة مطلقا ومقتضى الاطلاق عدم الفرق بين الوجود الأول والثاني والثالث وهكذا فلاحظ.

الجهة الثانية فى اجتماع الامر والنهى :

قال في الكفاية : اختلفوا في جواز الاجتماع في واحد ، وامتناعه على أقوال :

٢٣٠

ثالثها : الجواز عقلا والامتناع عرفا.

وعنوان البحث يوهم امكان اجتماع الأمر والنهى في شيء واحد والحال ان التنافي بين الأمر والنهي وامتناع اجتماعهما من الواضحات ، وانما الكلام في أن تعدد العنوان هل يوجب عدم تسرية الحكم من متعلق احدهما الى متعلق الآخر أم لا؟ وبعبارة واضحة : لو تعلق النهي بطبيعة وتعلق الأمر بطبيعة اخرى هل يسري احدهما الى متعلق الآخر ام لا؟ فذهب بعض الى الجواز بدعوى ان تعدد العنوان يكفي في عدم السراية ولو كان المعنون واحدا وذهب آخر الى عدم الجواز بتقريب ان احد الحكمين يسري الى متعلق الآخر فلا يجوز اجتماع الأمر والنهي ، وقال ثالث انه يجوز عقلا ويمتنع عرفا بتقريب ان متعلق احدهما غير متعلق الآخر فيجوز وأما العرف فحيث يرى عدم انفكاك احدهما عن الآخر لا يجوزه ولا يخفى انه ليس للعرف في هذا الباب سبيل فان البحث عقلي فلو جوزه العقل لا أثر لحكم العرف بالامتناع كما انه لو أدرك العقل امتناعه لا سبيل الى حكم العرف بالجواز.

وصفوة القول : ان البحث في المقام بحث عقلي صرف وهو ان الوجود الواحد اذا تعدد عنوانه هل يمكن تعلق الأمر باحد عنوانيه وتعلق النهي بعنوانه الآخر وببيان أوضح : هل يكون تعدد العنوان موجبا ومؤثرا لارتفاع غائلة اجتماع الضدين أم لا؟ وعليه لا يكون مجال لحكم العرف بالجواز أو الامتناع فان العرف محكم في باب استفادة المفاهيم من الألفاظ والمقام اجنبي عن ذلك الباب فلا تغفل.

وقال صاحب الكفاية : قبل الخوض في المقصود تقدم أمور : الاول : ان المراد من الواحد في محل الكلام مطلق ما كان ذا عنوانين بأحدهما يكون موردا للأمر وبالآخر يكون موردا للنهي وان كان كليا قابلا للشمول بأن يكون قابلا للانطباق على كثيرين كالصلاة في الدار المغصوبة فان الصلاة بهذه الصفة أمر كلي

٢٣١

مورد للنهي والأمر ، وبعبارة واضحة : أنه لا مجال للبحث فيما يكون مورد الأمر اجنبيا عن مورد النهي كما لو أمر المولى بقتل المرتد الفطري ونهى عن قتل المؤمن فان متعلق أحد الحكمين غير متعلق الآخر ولا وحدة بينهما الا بالنوع أي انهما واحد بالواحد النوعي وأما الصلاة في الدار الغصبية فكلي ومع ذلك مورد للأمر والنهي ولتوضيح المدعى نقول : الواحد قد يكون شخصيا كوجود زيد واخرى يكون نوعيا كمفهوم الانسان وثالثة يكون جنسيا كالحيوان والوحدة في هذه الأقسام وحدة حقيقية لا مجازية وقد يكون الوحدة واحدا بالنوع كما يقال زيد وبكر واحد بالنوع والحال ان زيدا وبكرا متباينان وان شئت قلت : ان التوصيف بالوحدة في هذه الموارد توصيفا بحال المتعلق والوحدة المبحوث عنها في المقام ، القسم الاول ، ولذا نقول يقع الكلام في جواز اجتماع الأمر والنهي في الصلاة في الدار المغصوبة فان هذا العنوان عنوان واحد ، وأما السجود له تعالى والسجود للصنم فلا يقعان موردا للبحث لأن كل واحد منهما اجنبي عن الآخر ولا اتحاد بينهما الا بالنوع فانهما واحد بالنوع لا واحد نوعي.

الثاني : ان الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي عن العبادة ان البحث في تلك المسألة كبروية وهي ان النهي عن العبادة هل يوجب فسادها أم لا ، والبحث في هذه المسألة في الصغرى وهي أنه هل يسري النهي من متعلقه الى ما تعلق به الأمر أم لا يسرى فاذا قلنا بعدم جواز اجتماعهما ورجحنا ناحية الأمر يصير المقام من صغريات تلك المسألة فبهذا النحو لا بد أن يميز لا بما ميزه في الفصول حيث قال على ما نقل عنه : ان الفرق بين المقامين أما في المعاملات فظاهر حيث أنه لا أمر في باب المعاملات وأما في العبادات فبأن يتعلق الأمر بطبيعة والنهى بطبيعة اخرى بلا فرق بين ان تكون النسبة بينهما بالعموم من وجه أو بالعموم المطلق وأما في مسألة النهي عن العبادة فان متعلقهما واحد والفرق بالاطلاق والتقييد فانه

٢٣٢

يرد عليه ان مجرد التغاير بالنحو المذكور ، لا يقتضي تعدد المسائل بل الميزان في التعدد والوحدة التمايز بالجهة ، وأما ما افيد من ان البحث في المقام عقلى وهناك لفظي ، ففيه : ان البحث هناك أيضا عقلي مضافا الى أنه يمكن عقد مسألة واحدة والبحث فيها تارة من حيث العقل واخرى من حيث النقل.

الثالث : ان هذه المسألة هل هى من المسائل الاصولية أو من المسائل الفقهية أو من المسائل الكلامية أو من المبادي التصديقية أو من المبادي الأحكامية؟ ربما يقال انها من المسائل الفقهية اذ البحث في هذه المسألة عن عوارض فعل المكلف أي الصحة والفساد.

وفيه : ان البحث في هذه المسألة عن سراية النهي الى متعلق الأمر وعدمها وتكون النتيجة صحة فعل المكلف على القول بالجواز.

وربما يقال : انها من المسائل الكلامية بتقريب ان البحث فيها في أن الله تعالى هل يمكن أن يأمر بشيء وينهى عنه ، وفيه : ان البحث في هذه المسألة عن سراية النهي الى متعلق الأمر ومجرد امكان عقد المسألة بحيث تكون كلامية لا يوجب كونها كلامية وعدم كونها اصولية بلحاظ آخر.

وربما يقال : انها من المبادي الأحكامية فان المبادي الأحكامية عبارة عن بحث أحوال الأحكام كان يبحث في أن وجوب شيء هل يستلزم وجوب مقدمته وفي المقام يبحث في جواز اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد ، وفيه : أنه لا مجال لهذا البحث فان المبادي اما تصورية أو تصديقية فان المبادي التصورية عبارة عن تصور الموضوعات وتصور المحمولات ، والمبادي التصديقية عبارة عن القضايا التي توجب العلم بثبوت المحمولات للموضوعات وبهذا الاعتبار تكون المسائل الاصولية مبادي تصديقية للمسائل الفقهية فلا مجال للمبادي الأحكامية

٢٣٣

واختار الميرزا النائيني على ما في التقرير أنها من المبادي التصديقية ، بتقريب ان المسألة الاصولية ما يقع في طريق استنباط الحكم الشرعي وفي المقام لو اخترنا الامتناع يدخل المقام في باب تعارض الدليلين ولا بد من اجراء قانون التعارض عليهما.

وفيه : أنه يكفى لكون المسألة اصولية ترتب الأثر على احد طرفيه وحيث ان القول بالجواز يترتب عليه صحة العبادة تكون المسألة اصولية وإلّا يلزم خروج مسألة حجية الخبر الواحد عن المسائل الاصولية فان الأثر مترتب على كونه حجة ولا يترتب الأثر على عدم تمامية اعتباره وهل يمكن الالتزام بخروجه عن علم الاصول وقس عليه غيره مضافا الى أن المبادي التصديقية لعلم الاصول الادلة التي بها ثبت المحمولات للموضوعات واية مسألة من المسائل الاصولية تبتني على هذا المبدأ وبعبارة اخرى : ان كان هذا البحث من المبادي ففي أي مورد يظهر اثره وأي محمول اصولي يثبت لموضوعه فالحق ان المسألة اصولية.

الرابع : ان هذه المسألة عقلية ولا ترتبط بعالم الألفاظ والتعبير في عنوان المسألة بجواز اجتماع الأمر والنهي ليس من باب خصوصية اللفظ بل لأجل الغلبة فان الغالب استفادة الوجوب من الأمر واستفادة الحرمة من النهي وإلّا الميزان الوجوب والحرمة بلا خصوصية للدال عليهما ، وصفوة القول : ان الميزان في الجواز تعدد متعلقي الأمر والنهى وعدم سراية النهي الى متعلق الأمر والامتناع متوقف على أحد امرين اما الالتزام بوحدة المتعلق واما بالسراية والحاكم في هذا المقام هو العقل ولا دخل للعرف في الباب ، ان قلت : ان العقل وان كان حاكما بالجواز لدركه تعدد المتعلق وعدم السراية ولكن العرف بالنظر المسامحي يرى وحدة المتعلق فيحكم بعدم الجواز وهذا معنى الجواز عقلا والامتناع عرفا.

قلت : لا اثر لحكم العرف في تطبيق المفاهيم على مواردها فان المدار هو

٢٣٤

الواقع فان كان متعددا وكان أحد المتعلقين منفكا عن الآخر نحكم بالجواز وإلّا فلا وبعبارة واضحة : العرف محكم في تشخيص المفاهيم لا في تشخيص المصاديق

ان قلت : المراد من حكم العرف بالامتناع أنه يفهم من قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) الخ ، ايجاب الصلاة في مكان لا يكون غصبا فلا يمكن الاجتماع.

قلت : يرد عليه اولا أنه لا وجه لهذه الدعوى فان مقتضى الاطلاق جواز الاتيان في كل مكان حتى المكان الغصبي ودليل تحريم الغصب لا يمكن أن يكون مقيدا لدليل الصلاة اذ المفروض أن النسبة بين الدليلين العموم من وجه فلا ترجيح لتقدم أحدهما على الآخر ، وثانيا : لو سلم هذا الادعاء نقول مع هذا الفرض لا تصل النوبة الى بحث جواز الاجتماع وعدمه فان المفروض تقيد مطلوب المولى بحصة خاصة من الصلاة.

الخامس : ان ملاك النزاع في المقام يعم جميع أقسام الايجاب والتحريم فان الميزان عدم امكان اجتماع الأمر والنهي في محل واحد وهذا الملاك عام ومطرد في جميع الموارد وعليه كما قال في الكفاية لو أمر المولى بالصلاة والصوم تخييرا ونهى عن التصرف في الدار ومجالسة الأغيار فلو صلى المكلف في الدار وجالس الأغيار يتحقق النزاع.

ولسيدنا الاستاد كلام في المقام وهو ان النزاع لا يجري في الايجاب والتحريم التخييريين لأن مرجع التحريم التخييري الى الجمع بين فعلين أي يحرم على المكلف وبعبارة واضحة : معنى الحرمة التخييرية الجمع بين فعلين فنقول : يمكن للمولى أن يأمر باتيان أحد أمرين كان يأمر بالرواح الى السوق والسفر الى بغداد على نحو التخيير ونهى عن الجمع بين الأمرين فانه لا اشكال لا من ناحية العبد ولا من ناحية المولى اما من ناحية المولى فظاهر لأنه لا تنافي بين الأمر والنهي

٢٣٥

المذكورين وأما من ناحية العبد فانه يمكنه أن يمتثل كلا الحكمين بأن يأتي باحدهما ويترك الآخر.

وما أفاده في غاية الغرابة فان الكلام في أنه هل يمكن أن يجتمع المأمور به والمنهي عنه في شيء واحد مع تعدد العنوان أم لا؟ وما أفاده من امكان الأمر والنهي بتعدد المتعلق لا يرتبط بالمقام فلاحظ.

السادس : انه ربما يتوهم ان النزاع في المقام يبتني على وجود المندوحة ومع عدمها لا مجال للبحث بتقريب : انه مع عدم المندوحة لا يمكن أن يتعلق التكليف اذ مرجعه الى التكليف بالمحال ولكنه توهم فاسد ، فان النزاع في المقام في أن تعدد الوجه والعنوان هل يوجب تعدد متعلقي الأمر والنهي وعلى تقدير التعدد هل يسري احد الحكمين الى متعلق الآخر من باب لزوم كون المتلازمين متوافقين في الحكم أم لا؟ فان قلنا بالتعدد وعدم السراية يجوز الاجتماع وان لم نقل بالتعدد أو قلنا بالتعدد لكن قلنا بالسراية لا يجوز الاجتماع وعلى كلا التقديرين لا يرتبط بوجود المندوحة وعدمها وان شئت قلت : جواز الاجتماع وعدم جوازه راجع الى مرحلة الجعل فان القائل بعدم الجواز يقول لو اجتمعا يلزم اجتماع الضدين وأما القائل بالجواز فيقول مركز الأمر اجنبي عن مركز النهي ، وصفوة الكلام : ان القول بالامتناع يرتكز على احد أمرين اتحاد متعلقي الأمر والنهي وسراية احد الحكمين الى متعلق الآخر والقائل بالجواز يستند الى أمرين تعدد المتعلق وعدم السراية ، نعم على القول بالجواز وعدم المندوحة يدخل المقام في باب التزاحم فلا بد من ملاحظة ذلك الباب فعلى تقدير تقديم جانب الأمر فلا كلام وأما على تقدير تقديم جانب النهي يسقط الأمر اذ لا يمكن التكليف بالمحال لكن يدخل المقام في باب الترتب فان عصى المكلف ودخل الدار الغصبية مثلا تجب عليه الصلاة لفرض جواز الاجتماع هذا من ناحية ومن ناحية اخرى يصح الترتب ، وصفوة

٢٣٦

القول على الامتناع يدخل مورد الاجتماع في باب التعارض ولا بد من اعمال قانونه بلا فرق بين وجود المندوحة وعدمها ، وعلى القول بالجواز فعلى تقدير وجود المندوحة فلا تعارض ولا تزاحم كما هو ظاهر وأما على فرض عدم المندوحة يدخل في باب التزاحم ولا بد من تقديم الأهم هكذا ينبغي أن يحرر محل الكلام فلاحظ.

السابع : انه ربما يتوهم ان النزاع في المقام يبتني على القول بتعلق الأوامر والنواهي بالطبائع وأما على القول بتعلقها بالأفراد فلا مجال لهذا النزاع بتقريب انه لو تعلقت بالأفراد يلزم تعلقها بلوازم الوجود ، توضيح المدعى : ان التشخص الخارجي بالعوارض الخارجية مثلا تشخص الانسان بعوارضه الخارجية القائمة به في الخارج ، فعلى هذا الامر بالصلاة مثلا أمر بالغصب والنهي عن الغصب نهي عن الصلاة اذ كل واحد منهما مشخص للآخر ومن الظاهر عدم امكان تعلق النهي والأمر بوجود واحد شخصي خارجي ، وأما على القول بتعلقها بالطبائع فلا اشكال من هذه الجهة ولذا يقع البحث في أن تعدد العنوان هل يوجب تعدد المعنون بحيث لا يكون الأمر والنهي واردين على مورد واحد أو لا اثر لتعدد العنوان فان القائل بالامتناع يقول لا يؤثر والقائل بالجواز يقول يؤثر ومن ناحية اخرى لا يسري النهى الى متعلق الأمر ولا يسري الأمر الى متعلق النهي ، وصفوة القول انه على القول بتعلقها بالأفراد يمتنع الاجتماع فان الاجتماع على هذا القول بنفسه محال لا انه تكليف بالمحال اذ مرجعه الى اجتماع الضدين واجتماع الحب والبغض ، وأما على القول بتعلقها بالطبائع فمجال للبحث.

ويرد عليه : ان التشخص بنفس الوجود لا بالعوارض وان شئت قلت : تشخص الكلي بوجوده الخارجي وتشخص الوجود بنفسه ولذا يقال الشيء ما لم يوجد لم يتشخص ولو لم يكن تشخص الوجود بنفسه لدار أو تسلسل اذ نقول لو كان تشخص الوجود بوجود عوارضه وملازماته نسأل عن شخص تلك العوارض وهكذا

٢٣٧

فالنتيجة ان التشخص بالوجود نفسه فلا فرق بين القولين انما الفرق في أن القائل بتعلقها بالطبائع يقول الأمر يتعلق بنفس الطبيعة بحيث لو أتى المكلف ولو على فرض المحال بالكلي بما هو في الخارج يحصل الامتثال والقائل بتعلقها بالفرد يقول المأمور به احد الأفراد الخارجية واحد الاشخاص.

وربما يتوهم ان القول بتعلقها بالطبائع يستلزم القول بالجواز والقول بتعلقها بالأفراد يستلزم القول بالامتناع ، بتقريب انه لو كان متعلق الأمر والنهي الطبائع فمورد الأمر مغاير مع مورد النهي ، ويمكن للمولى أن يأمر باحد الأمرين وينهى عن الآخر ولا يتوجه محذور ، وأما على القول بالتعلق بالأفراد فيكون مورد الأمر والنهي واحدا ولا يمكن تعلق كلا الحكمين به.

ويرد عليه : انه لا فرق بين القولين من هذه الجهة والعمدة في مدرك الجواز وعدمه ان تعدد العنوان هل يوجب تعدد المعنون ، وبعبارة اخرى : لا بد من ملاحظة ان التركيب بين المتعلقين تركيب اتحادي أو تركيب انضمامي فعلى تقدير كون التركيب اتحاديا لا يجوز الاجتماع بلا فرق بين القولين وعلى تقدير كون التركيب انضماميا يجوز بلا فرق بين القولين ايضا.

الثامن : قال صاحب الكفاية : انه لا يكاد يكون من باب الاجتماع إلّا اذا كان في كل واحد من متعلقي الايجاب والتحريم مناط حكمه مطلقا ، حتى في مورد التصادق والاجتماع ، كى يحكم على الجواز بكونه فعلا محكوما بحكمين وعلى الامتناع بكونه محكوما بأقوى المناطين أو بحكم آخر غير الحكمين فيما لم يكن احدهما أقوى كما ياتى تفصيله.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأن مسألة اجتماع الأمر والنهي لا تبتني على مسلك دون مسلك ولا تختص بمذهب العدلية القائلين بكون الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد بل النزاع في المقام يجري حتى على مذهب الاشاعرة والذي يختلج بالبال أن ما

٢٣٨

اورده عليه ، غير وارد اذ لا شبهة في ان عموم الحكم وخصوصه على كل مسلك ومذهب تحت ضابط ، وبعبارة اخرى : لا اشكال في أن جريان النزاع في المقام يتوقف على تحقق كل واحد من الأمر والنهي اذ مع عدمهما أو عدم احدهما لا موضوع للبحث المذكور فهذا الايراد غير وارد على كلام الكفاية إلّا أن يقال ان المستفاد من كلام الكفاية اختصاص النزاع بالالتزام بكون الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد فالايراد وارد عليه.

وقال صاحب الكفاية في طى كلامه : هذا بحسب مقام الثبوت ، وأما بحسب مقام الاثبات والدلالة فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان اذا احرز ان المناط من قبيل الثاني فلا بد من عمل المعارضة بينهما من الترجيح والتخيير ، وإلّا فلا تعارض في البين بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين ، فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا لكونه أقوى مناطا فلا مجال حينئذ لملاحظة مرجحات الروايات اصلا ، بل لا بد من مرجحات المقتضيات المتزاحمات كما تاتي الاشارة اليها.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأن التعارض بين الدليلين لا يبتني على مذهب دون مذهب ولا يختص بمذهب العدلية القائلين بتبعية الاحكام للملاكات بل يجري حتى على مسلك الاشعري الذي لا يقول بالتبعية وان المناط في التعارض التكاذب بين الدليلين على جميع المسالك. والظاهر ان هذا الايراد غير وارد على كلام الكفاية اذ لا اشكال في تحقق التعارض في مفروض كلامه فلا يتوجه الى كلامه ايراد من هذه الجهة ، نعم يرد عليه اعتراض من ناحية اخرى وهو ان التزاحم ربما يتصور في مقام الجعل بين الملاكين واخرى يتصور في مقام الامتثال أما ما يرتبط بمقام الجعل فهو مربوط بالمولى والمولى يميز ترجيح احد الملاكين على الآخر ويميز الراجح عن المرجوح ولا طريق لنا الى تشخيص تلك الجهات وأما التزاحم في

٢٣٩

مقام الامتثال فهو متقوم بجعل كلا الحكمين ولا تنافي بينهما في مقام الجعل وانما التزاحم والتنافي بينهما في مقام الامتثال لأجل عدم قدرة المكلف على امتثال كلا الحكمين.

وقال صاحب الكفاية في ذيل كلامه : نعم لو كان كل منهما متكفلا للحكم الفعلي لوقع بينهما التعارض فلا بد من ملاحظة مرجحات باب المعارضة لو لم يوفق بينهما بحمل احدهما على الحكم الاقتضائي بملاحظة مرجحات باب المزاحمة.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بوجوه : الاول ان موارد التوفيق العرفي غير موارد التعارض فاذا فرض التوفيق العرفي فلا تعارض ومع تحقق التعارض لا مجال للتوفيق فالجمع بين الأمرين جمع بين المتنافيين الثاني : ان التوفيق العرفي في الجمع بين الدليلين لا يرتبط بمرجحات باب المزاحمة فان احد البابين مغاير مع الباب الآخر فان الجمع العرفي بلحاظ تقديم الأظهر على الظاهر وأما تقديم احد الحكمين على الآخر بلحاظ مرجحات باب المزاحمة فلا يرتبط بالتوفيق العرفي والمرجحات في باب المزاحمة توجب انتفاء الحكم عن طرف المرجوح من باب عدم قدرة المكلف على الجمع بين الأمرين الثالث : ان حمل الدليل على بيان المقتضي وانه موجود في المتعلق وبعبارة اخرى : حمل الدليل على الحكم الاقتضائي خارج عن الفهم العرفي وليس هذا جمعا عرفيا الرابع : ان هذا الجمع لا يدفع محذور اجتماع الامر والنهي فان اجتماع المصلحة والمفسدة وان كان ممكنا لكن اجتماع الحب والبغض بالنسبة الى شيء واحد غير ممكن.

ويرد عليه : ان اقتضاء الحب يمكن أن يجتمع مع اقتضاء البغض والذي لا يمكن أن يتحقق الحب والبغض كلاهما بالنسبة الى شيء واحد ، وأما اجتماع كلا المقتضيين فلا مانع منه فلاحظ.

التاسع : قال في الكفاية : انه قد عرفت ان المعتبر في هذا الباب أن يكون

٢٤٠