آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

حرمة البيع أو وجوب امساكه وعدم بيعه لكن لو عصى وباع يكون بيعه نافذا صحيحا.

بقى شيء ، وهو أنه ربما يقال أنه يستفاد من حديث زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سألته عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال ذاك الى سيده ان شاء أجازه وان شاء فرق بينهما قلت : أصلحك الله ان الحكم بن عيينة وابراهيم النخعي واصحابهما يقولون ان أصل النكاح فاسد ولا تحل اجازة السيد له فقال أبو جعفر عليه‌السلام : انه لم يعص الله وانما عصى سيده فاذا أجازه فهو له جائز (١) ان النهي عن العقد يقتضي الفساد بتقريب ان المستفاد من الحديث ان عصيانه تعالى يوجب الفساد لا يقال ان عصيان العبد عصيان للسيد وقد صرح في الحديث بعدم اقتضائه الفساد.

فانه يقال : ان عصيان الله على نحو الاستقلال يوجب الفساد وأما العصيان التبعي أي بتبع عصيان السيد فلا.

ويرد على الاستدلال المذكور : ان الانشاء وقول العبد تزوجت أو بعت وامثالهما لا يكون محرما قطعا فيكون المراد من العصيان العصيان الوضعي وبعبارة اخرى : يستفاد من الحديث ان حجر العبد من العقد أو الايقاع ان كان بلحاظ عدم اذن المولى يمكن أن يصح بالاجازة وان لم يكن كذلك بان كان فاقدا للشرائط الشرعية من غير ناحية اجازة المولى فلا يكون قابلا للصحة فلا يرتبط الحديث بما نحن بصدده وربما يقال ان الحديث يدل على ان النهي عن المعاملة يدل على الصحة بتقريب ان المعصية في الجملة الاولى وضعية وفي الثانية تكليفية ومعلوم ان عصيان السيد عصيان له تعالى فالنهي يدل على الصحة وفيه : ان المعصية في كلا الموردين المعصية الوضعية فلا يدل الحديث لا على دلالة النهى التكليفي على

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢٤ ، من ابواب نكاح العبيد والاماء ، الحديث : ١

٣٠١

الفساد ولا على الصحة فلاحظ.

المقصد الثالث فى المفاهيم :

المفهوم في مقابل المنطوق فان كل لفظ منطوق وكل معنى مفهوم هذا بحسب اللغة وأما بحسب الاصطلاح ان المفهوم عبارة عن حكم غير مذكور لازم للخصوصية المستفادة من الجملة مثلا لو قلنا «ان جاءك زيد اكرمه» يكون مفهومه على القول بالمفهوم ان لم يجئك فلا يجب اكرامه وهذا الحكم اي عدم وجوب اكرام زيد على تقدير عدم مجيئه يستفاد من خصوصية في الهيئة الكلامية وهي العلية المنحصرة وبهذا البيان يظهر أن لا يكون المدلول الالتزامي داخلا في المفهوم فان الانتقال من حاتم الى الجود أو من انوشيروان الى العدالة من باب الملازمة بين الجود والحاتم والملازمة بين انوشيروان والعدالة وان شئت قلت : المفهوم المبحوث عنه في المقام لا يستفاد من الألفاظ المذكورة في القضية الشرطية مثلا بل يستفاد من كون العلة منحصرة وانحصار العلة مستفاد من الجملة ولا فرق فيما ذكرنا بين المفهوم المخالف والموافق فانه لو قال المولى لا تهن غلام زيد يستفاد من كلامه حرمة اهانة زيد وهذا حكم غير مذكور مستفاد من خصوصية مستفادة من كلام المولى وهي أهمية زيد فى نظره.

فالنتيجة : انه يمكننا ان نعرف المفهوم بكونه حكما غير مذكور مستفاد من خصوصية مستفادة من الجملة بالوضع أو بالقرينة العامة أو الخاصة ويتفرع على ما ذكر ان دلالة اللفظ على المنطوق اولا وبالذات وعلى المفهوم ثانيا وبالعرض فالمفهوم لازم للمنطوق باللزوم البين بالمعنى الأخص فان المفهوم على القول به أمر غير مغفول عنه لا عند المتكلم ولا عند المخاطب وبعبارة اخرى : لا يتوقف فهم المفهوم من الجملة الشرطية مثلا على التأمل وتصور الملزوم واللازم والنسبة

٣٠٢

بين الأمرين واللازم بهذا المعنى لا ينطبق على المفهوم اذ المفهوم أمر واضح عند ابناء المحاورة ويؤخذ به ويحتج به ولا مجال لدعوى الغفلة لا من قبل المولى ولا من قبل العبد.

ان قلت : دلالة صيغة الأمر على وجوب المتعلق بالمنطوق وعلى وجوب المقدمة على القول به بالمفهوم وايضا دلالتها على النهي عن الضد على القول به والحال انه لا يكون من المفاهيم بحسب الاصطلاح فالتعريف لا يكون مانعا.

قلت : ان الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته مثلا لا تكون على نحو اللزوم بالمعنى الأخص أو الأعم اذ مجرد تصور وجوب شيء ووجوب مقدمته لا يكفي بل يتوقف على حكم العقل بالملازمة بين الأمرين وان أبيت عن الفارق المذكور نقول : المفهوم الذي محل الكلام يفهم من الخصوصية التي تفهم من الجملة أي العلة المنحصرة في مفهوم الشرط مثلا وأما الدال على الملازمة هناك فهو العقل وان شئت قلت : ان الملازمة في المقام ملازمة لفظية اي اللفظ دال على خصوصية مستلزمة للمفهوم وأما هناك فالدلالة عقلية فلا تغفل.

ثم ان بحث المفاهيم هل يكون من المباحث اللفظية أو من المسائل العقلية؟ ربما يقال انها من مباحث الألفاظ حيث ان اللفظ يدل على المنطوق بالذات وعلى المفهوم بالعرض ويمكن أن يقال انها من المباحث العقلية لأن اللفظ يدل على تلك الخصوصية وبعد دلالة اللفظ على تلك الخصوصية يحكم العقل بأن الخصوصية المستفادة من اللفظ تستلزم الانتفاء عند الانتفاء في القضية الشرطية مثلا.

ثم ان محور البحث في بحث المفاهيم فى وجود المفهوم وعدمه لا في حجية المفهوم بعد فرض وجوده وبعبارة اخرى لا اشكال في حجية المفهوم كالمنطوق وانما الكلام في أن الجملة الشرطية هل لها مفهوم أم لا.

اذا عرفت ما تقدم نقول : قد وقع الكلام عند القوم في المفهوم وعدمه في عدة مواضع :

٣٠٣

الموضع الاول : في مفهوم الشرط وعدمه وليعلم ان تحقق المفهوم للشرط يتوقف على أركان : الركن الاول : رجوع القيد في القضية الى مفاد الهيئة لا مفاد المادة ففي مثل قولنا «اذا جاءك زيد اكرمه» على القول بالمفهوم لا بد من أن يكون القيد قيدا أو شرطا لوجوب الاكرام معلقا على المجيء لا أن يكون الشرط قيدا للمادة بأن يكون المعنى اكرم زيدا الجائي فانه يدخل في تعلق الحكم بالموصوف ويبحث فيه عن مفهوم الوصف والظاهر انه لا اشكال في أن الظاهر من القضية الشرطية تعليق الهيئة أي الجزاء على الشرط ولا يكون القيد قيدا للموضوع والعرف ببابك.

الركن الثاني : ان تكون علاقة لزومية بين الشرط والجزاء ولا يكون المقارنة بين الطرفين اتفاقية وهذا ايضا غير قابل للانكار فان المتبادر من القضية الشرطية التلازم بين المقدم والتالي وأما استعمال الشرطية في الموارد الاتفاقية كقولهم ان كان الانسان ناطقا فالحمار ناهق لو لم يكن غلطا يكون بعلاقة وعناية مجوزة للاستعمال.

الركن الثالث : أن تكون القضية الشرطية ظاهرة في أن ترتب الجزاء على الشرط من باب ترتب المعلول على العلة لا من باب ترتب العلة على المعلول ولا من باب ترتب احد المعلولين لعلة ثالثة على المعلول الآخر وقد أورد سيدنا الاستاد على التقريب المذكور بان التفريع المستفاد من الشرطية وان كان مقتضيا لترتب الجزاء على الشرط لكن لا تدل على كون ترتبه نحو ترتب المعلول على علته التامة بل أعم فربما يكون ترتب التالي على المقدم ترتب المعلول على علته وربما يكون على نحو ترتب العلة على المعلول وربما يكون على نحو ترتب احد المعلولين لعلة ثالثة على المعلول الآخر ، مثال الأول ، قوله ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ، فان ترتب النهار على طلوع الشمس ترتب المعلول على علته ، مثال الثاني ، قوله

٣٠٤

اذا كان النهار موجودا فالشمس طالعة فان ترتب وجود الشمس على النهار ترتب العلة على المعلول ، مثال الثالث ، قوله اذا كان النهار موجودا فالعالم مضيء فان الضياء معلول للشمس كما ان النهار معلول لها فترتب الضياء على النهار ترتب احد المعلولين على المعلول الآخر ، والسر فيما نقول ان استعمال القضية الشرطية في الموارد المذكورة على نسق واحد واستعمالها في هذه الموارد كلها استعمال حقيقي ، نعم الترتب في القسم الأول ترتب مطابق للواقع وأما في غيره فلا يكون ترتبا واقعيا بل ترتبه فرضي اذ من الواضح ان الترتب الواقعي لا يكون إلّا في ترتب المعلول على علته.

فالنتيجة ان القضية الشرطية تدل على مطلق ترتب التالي على المقدم ولا تدل على كون الترتب من ترتب المعلول على علته هذا من ناحية ومن ناحية اخرى عدم المعلول لا يدل على عدم علته اذ من الممكن ان عدمه مقرون بمانع يمنع عن وجوده مثلا وجود الممكن في الخارج يكشف عن وجود الواجب لأنه لا يمكن وجود الممكن بدون وجود الواجب ، وأما عدم الممكن فلا يكشف عن عدم وجود الواجب نعم عدم الممكن يكشف عن عدم وجود علته التامة اذ مع وجودها لا يعقل أن يكون الممكن معدوما فتحصل ان القضية الشرطية لا تدل على ترتب التالي على المقدم ترتب المعلول على علته فلا تدل على المفهوم.

الركن الرابع : أن تدل القضية الشرطية على كون المقدم علة منحصرة للتالي اذ على تقدير عدم دلالتها على العلية المنحصرة لا يستفاد منها المفهوم كما هو ظاهر وأورد عليه سيدنا الاستاد بأنه قد ظهر مما ذكرنا عدم دلالتها على كون الترتب على نحو ترتب المعلول على علته فلا مجال للركن الرابع ، وان شئت قلت : تحقق الركن الرابع يتوقف على تمامية الركن الثالث وبعد عدم تماميته لا موضوع للركن الرابع.

٣٠٥

وعن الميرزا النائينى كلام في المقام وهو ان استعمال القضية الشرطية لا تكون مجازا في الأقسام المذكورة لكن حيث ان مقام الاثبات تابع لمقام الثبوت ، ومن ناحية اخرى ان الظاهر من المتكلم انه في مقام التفريع اي تفريع التالي على المقدم وكون الترتب ترتب المعلول على العلة والظاهر حجة عند العقلاء فيحكم بأن الترتب الواقعي مطابق مع الترتب الإثباتي ويكون الاثبات مطابقا مع الثبوت.

واورد عليه سيدنا الاستاد بأنه وان لم يكن بعيدا لكن يتوقف على احراز كون المتكلم في هذا المقام وأما اذا لم يحرز كونه في هذا المقام بل كان في مقام مجرد الاخبار أو الانشاء بلا عناية تفهيم الترتب الكذائي فلا يمكن أن يستفاد من كلامه المقصود والظاهر ان ايراده على الميرزا في غير محله اذ لو سلمنا ان الظاهر من حال المتكلم حين تلفظه بالقضية الشرطية انه في مقام بيان تفريع التالي على المقدم بالترتب الكذائي لا يكون مجال لهذا التفصيل كما هو ظاهر ، فالعمدة ملاحظة ان ظاهر الحال كذلك أم لا فتحصل ان القضية الشرطية لا تدل على المفهوم لا بالوضع ولا بالاطلاق.

وذهب الميرزا النائيني لاثبات المفهوم للقضية الشرطية الى طريق آخر وهو التمسك باطلاق الشرط بتقريب ان القضية الشرطية على نوعين : احدهما : ما يكون الشرط فيه فى حد نفسه يتوقف عليه الجزاء عقلا وتكوينا ثانيهما : ما يكون توقف الجزاء على المقدم بالجعل.

أما النوع الاول ، فليس له مفهوم اذ المفروض ان ترتب الجزاء على الشرط قهري وتكويني فالقضية مسوقة لبيان الموضوع كقول القائل اذا رزقت ولذا فاختنه ، أو قوله اذا ركب الأمير فخذ ركابه فان القضية الشرطية في أمثال هذه القضايا سيقت لبيان الموضوع ولا مفهوم لها وعلى القول بالمفهوم فيها يلزم القول به في القضايا الحملية لأن كل قضية حملية تنحل الى قضية شرطية مقدمها وجود الموضوع والتالي

٣٠٦

فيها وجود المحمول والحال ان القائل بالمفهوم في الشرطية لا يلتزم به في الحملية ، وان شئت قلت : مرجع الالتزام بالمفهوم في القضايا التي سيقت لبيان الموضوع الى الالتزام بمفهوم اللقب فالنوع الاول من الشرطية لا مفهوم له.

وأما النوع الثاني فيدل على المفهوم بتقريب ان الجزاء اما مقيد بوجود المقدم واما غير مقيد به ولا ثالث كما انه لا مجال للثاني اذ الظاهر من القضية ان الجزاء علق وقيد بالمقدم ومقتضى اطلاق الشرط وعدم تقيده بشيء آخر وعدم ذكر عدل له ان الجزاء مقيد بخصوص المقدم لا به وبشيء آخر ولا بالجامع بينه وبين شيء آخر ومقتضى الاطلاق ان القيد الدخيل في ترتب الحكم هو القيد المذكور الذي يكون مقدما في القضية الشرطية وعلى الجملة فان القضية الشرطية وان لم تكن موضوعة لخصوص الشرطية التي قيد الجزاء بالمقدم ونرى جواز استعمالها في القضايا التي سيقت لبيان الموضوع لكن مقتضى الاطلاق الجاري في الشرط في القضايا التي يكون تعلق الجزاء بالشرط بالجعل انحصار القيد المذكور في القضية ولازم الانحصار تحقق المفهوم.

ولا يرد على هذا التقريب ما أورده صاحب الكفاية في هذا المقام حيث أفاد انه لا يقاس المقام بمقام الشك في كون الوجوب تعييني أو تخييري حيث قلنا بأن مقتضى الاطلاق كونه تعيينيا فان مقتضى الاطلاق هناك عدم كون الوجوب تخييريا وذلك لأن الوجوب التخييري يباين الوجوب التعييني ويحتاج بيانه الى مئونة ، فلو كان المولى في مقام البيان ولم يقم قرينة على التخييرية يعلم عدمها وبعبارة اخرى : انهما متباينان سنخا بخلاف ترتب الجزاء على الشرط فان ترتب الجزاء على المقدم لا يفرق فيه بين ترتبه على العلة المنحصرة وبين ترتبه على العلة غير المنحصرة فلا وجه لقياس المقام بذلك الباب وهذا الاشكال لا يرد في المقام على طبق ما أفاده الميرزا لأن الكلام ليس في ترتب الجزاء بل الكلام في ان مقتضى اطلاق الشرط

٣٠٧

انحصار القيد في المذكور ، وبعبارة واضحة : مقتضى اطلاق الشرط كونه قيدا ليس إلّا فيستفاد المفهوم من اطلاق الشرط بالتقريب المذكور.

وأورد عليه سيدنا الاستاد : اولا ، بأن لازم هذا التقريب الالتزام بمفهوم الوصف مثلا لو قال المولى اكرم العالم العادل فاما يكون الموضوع هو العالم مقيدا بالعدالة أم لا ولا ثالث كما انه لا مجال للثاني فان مقتضى الظهور تقيد الموضوع بالعدالة وعليه ، نقول مقتضى اطلاق القيد انتفاء الحكم عند انتفائه بعين التقريب المذكور وهل يمكن الالتزام بالمفهوم فى الوصف.

وثانيا : ان لازم الاطلاق كون المذكور في الشرطية مستقلا في الموضوعية بحيث لا يكون له عدل وايضا لا يكون الموضوع مركبا من المذكور وغيره وبعبارة اخرى : المستفاد من القيد ثبوت الحكم للموضوع الخاص لكن اختصاص الحكم بالموضوع الخاص لا يدل على كون العلة منحصرة بالمذكور في القضية وبعبارة واضحة : المفهوم يستفاد من انحصار العلة وان شئت قلت : المفهوم لازم انحصار العلة لا لازم اطلاق الموضوع.

وثالثا : ان استفادة المدعى من الكلام تتوقف على كون المتكلم في مقام بيان انحصار العلة واذا كان في هذا المقام فلا اشكال في استفادة المفهوم.

وربما يقال في مقام الاستدلال على المفهوم ان مقتضى القضية الشرطية بحسب الظهور العرفي ان التالي متفرع على المقدم بتمام خصوصياته وببيان واضح : ان المستفاد من الشرطية ان المقدم بجميع خصوصياته علة لوجود التالي وسبب له فلو قام علة اخرى مقامه يلزم صدور الواحد عن كثير وقد قرر في محله استحالته فتكون العلة منحصرة بالمذكور في القضية ويرد عليه : اولا ان ترتب الأحكام الشرعية على موضوعاتها لا يكون من باب ترتب المعاليل على عللها التكوينية فلا يجرى ذلك البرهان في المقام.

٣٠٨

وثانيا : قد تقدم منا ان البرهان المذكور على تقدير تماميته انما يجري في الواحد الشخصي وأما الواحد النوعي فلا اشكال في صدوره عن المتعدد ولذا نرى ان الحرارة تصدر عن الشمس والنار والحركة والقوة الكهربائية والشهوة والخجل الى غيرها والحال انه لا جامع بين الأمور المذكورة.

وأفاد سيدنا الاستاد في مقام الاستدلال على أن القضية الشرطية لها المفهوم بأن الجمل الانشائية الشرطية على نوعين : النوع الأول : ما يتوقف الجزاء على المقدم عقلا وتكوينا كقول القائل ان رزقت ولدا فاختنه فان تحقق الجزاء متوقف على تقدير الشرط وبدون فرض وجوده لا يتحقق الجزاء ولا يعقل وهذا القسم لا مجال للالتزام بالمفهوم اذ مع عدم الموضوع لا مجال للبحث عن المفهوم.

النوع الثاني : أن لا يكون التعليق عقليا وتكوينيا كقول المولى ان جاءك زيد فاكرمه فان زيدا له حالتان ، حالة المجيء وحالة عدم المجيء ويتصور الاكرام في كلتا الحالتين لكن يعلق المولى حكمه على صورة المجيء وبعبارة اخرى : لا اشكال في أن مقتضى الشرطية تعليق الجزاء على المقدم فيرتبط حكم المولى بالمقدم المذكور في القضية ولازم هذا الارتباط والتعليق انتفاء الجزاء عند انتفاء المقدم وهذا هو المطلوب والفرق بين القضية الوصفية كقولنا المستطيع يجب عليه الحج وبين القضية الشرطية كقولنا ان جاءك زيد اكرمه ان الحكم في القضية الوصفية يتعلق بموضوع خاص ولا مقتضي في مقام الاثبات لنفي الحكم عن غير الموصوف فلا مفهوم للوصف ، وأما القضية الشرطية فقد علق حكم المولى وارتبط بالمقدم ولازمه انتفائه عند انتفائه ، وبعبارة واضحة : انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط لازم التعليق باللزوم البين بالمعنى الأخص هذا ملخص كلامه في المقام.

ويرد عليه : انه لم يظهر من كلامه وجه الفرق بين القضية الشرطية والوصفية وانه ما الدليل على اقتضاء الشرطية للمفهوم وعدم اقتضاء الوصفية له فان مقتضى

٣٠٩

تعلق الحكم بالموصوف وترتبه عليه ارتباطه به ولو لا الارتباط لم يكن وجه لذكر الوصف ومن الواضح ان مجرد الارتباط لا يقتضي الانتفاء عند الانتفاء وببيان واضح : ان اثبات حكم لموضوع خاص لا يقتضي نفي ذلك الحكم عن موضوع آخر فلا بد من اقامة دليل آخر لاثبات المدعى وهو المفهوم للشرطية.

وصفوة القول : ان مجرد التعليق لا يقتضي المفهوم اذ لا تنافي بين تعليق الجزاء على شرط وتعلقه بشرط آخر ايضا مثلا لو قال احد ان كانت تحت القدر نار يصير الماء في القدر حارا وهذا الاستعمال صحيح بلا كلام مع انه لا ينافيه انه يقال ان كان الماء الموجود في القدر متصلا بالقوة الكهربائية يصير حارا وهكذا فمجرد التعليق لا يقتضي المفهوم اذا عرفت ما تقدم نقول : اثبات المفهوم للقضية الشرطية يتوقف على مقدمات :

المقدمة الاولى : ان يكون القيد المذكور في القضية أي الشرط قيدا للهيئة لا قيدا للمادة وإلّا يدخل محل البحث في مفهوم اللقب والكلام في مفهوم الشرط.

ان قلت : كيف يمكن رجوع القيد إلى الهيئة والحال ان الهيئة معنى حرفي والمعنى الحرفي جزئي والجزئي غير قابل للتقييد وايضا المعنى الحرفي آلي والالية تنافي التقييد فان التقييد يستلزم الاستقلال باللحاظ ، فالنتيجة ان الهيئة غير قابلة للتقييد نعم لو استفيد الحكم من الاسم كما لو قال المولى يجب اكرام زيد ان جاء أمكن رجوع القيد الى الحكم فلا بد من التفصيل.

قلت : الانشاء عبارة عن ابراز الاعتبار النفساني بلا فرق بين تعلق ذلك الاعتبار بالمطلق أو بالمقيد وبعبارة اخرى لا فرق بين كون متعلق ذلك الاعتبار مطلقا أو مقيدا وقد ذكرنا في بحث المعاني الحرفية ، ان الحروف الواقعة في الهيئات الناقصة موضوعة للدلالة على تلك التضيقات وعبرنا في ذلك البحث عن الحروف الواقعة في الهيئات الناقصة بانها حاكيات عن مقام الثبوت موجدات في مقام الاثبات وأما الحروف

٣١٠

الواقعة في الجمل التامة انشائية كانت أو اخبارية فهي موضوعة لابراز ما في النفس وقلنا في ذلك البحث ان كون المعنى الحرفي جزئيا لا يرجع الى محصل كما ذكرنا ان كونها آلية لا أصل له فتحصل انه لا مانع عن رجوع القيد الى الحكم بلا فرق بين كون الدال عليه الاسم أو الحرف وهذه المقدمة لا ريب فيها ، فان الظاهر من القضية الشرطية رجوع القيد الى الحكم لا الموضوع ولا مقتضي لرفع اليد عن الظهور المشار اليه.

المقدمة الثانية : أن تكون العلاقة بين التالي والمقدم علاقة لزومية لا علاقة اتفاقية ولا اشكال في استفادة العلاقة المذكورة من الجملة الشرطية.

المقدمة الثالثة : ان يستفاد ترتب التالي على المقدم وتفرعه عليه تفرع المعلول على علته لا العكس ولا تفرع احد المعلولين لعلة ثالثة على المعلول الآخر وهذا المعنى ايضا يستفاد من القضية الشرطية لأن الظاهر من التفرع المستفاد من كلمة التفريع ان التفريع واقعي لا تفريع علمي فرضي فان تفرع المعلول على العلة تفرع واقعي وأما تفرع العلة على المعلول أو تفرع احد المعلولين لعلة ثالثة على المعلول الآخر تفرع فرضي وعلمي والظاهر من التفرع التفرع الواقعي فان التفرع الفرضي العلمي خلاف الظاهر لا يصار اليه بلا قرينة وان شئت قلت : التفرع الواقعي منحصر في تفرع المعلول وما في حكمه على العلة والظاهر من الشرطية تطابقه مع الواقع وبعبارة واضحة : التفرع الفرضي العلمي محتاج الى مئونة.

المقدمة الرابعة : أن يستفاد من الشرطية ان تفرع التالي على المقدم تفرع المعلول على علته المنحصرة ، ولتمامية هذه المقدمة نقول مقتضى ظاهر القضية ان المقدم بنفسه مؤثر وعلة للتالي وبعبارة واضحة : مقتضى الاطلاق المستفاد من مقدماته ان المقدم بنفسه علة للتالي سبقه شيء آخر أم لا ، قارنه شيء آخر أم لا ومقتضى هذا الاطلاق ان المقدم علة تامة لا انه جزء العلة اذ لو كان جزء العلة لتوقف

٣١١

تأثيره على وجود أمر آخر والحال ان مقتضى الاطلاق استقلاله كما ان مقتضى الاطلاق تأثيره واستقلاله ولو سبقه أمر آخر أو قارنه فانه بهذا التقريب يثبت الانحصار اذ لو كان له شريك في العلية فسبقه أو قارنه لم يكن تأثيره بالاستقلال.

ويمكن اثبات الانحصار بتقريب آخر ايضا بأن نقول لو كان له شريك في العلية يكون المؤثر في التالي الجامع بين الأمرين والحال ان مقتضى الظهور كون المقدم بما هو وبهذه الخصوصية علة ومؤثرة ولازمه انتفاء المعلول عند انتفاءها وانتفاء التالي عند انتفاء المقدم ، لا يقال : الأحكام الشرعية لا تبتني على العلية والمعلولية ، فانه يقال لا فرق فيما ذكر من هذه الجهة فان الظاهر من الشرطية تفرع التالي على خصوص المقدم ، ومما ذكرنا علم الفرق بين الوصف واللقب وبين الشرط فان الوصف أو اللقب لا مقتضي فيهما للمفهوم اذ اثبات شيء في مورد لا يقتضي النفي عن المورد الآخر وبعبارة اخرى لا تنافي بين المثبتين.

ان قلت : لا اشكال في انتفاء كل حكم بانتفاء موضوعه فما الفرق بين الموردين قلت : انتفاء شخص الحكم بانتفاء موضوعه ولو بانتفاء بعض قيوده أمر عقلي لا يرتبط بالمفهوم ، والمفهوم عبارة عن انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الشرط ، وان شئت قلت : تعليق شخص الحكم على الشرط أمر غير معقول اذ الشيء قبل وجوده لا يتشخص فكيف يمكن تعليقه قبل تشخصه فالحق ان المعلق على الشرط سنخ الحكم وبانتفاء الشرط ينتفى السنخ.

ثم ان دلالة الشرطية على المفهوم هل يكون بالوضع أم بالاطلاق؟ لا يبعد أن يقال ان دلالتها على الملازمة بين التالي والمقدم بالوضع ودلالتها على تفرع التالي على المقدم تفرع المعلول على علته بالدلالة السياقية ودلالتها على كون العلة علة منحصرة بالاطلاق. ثم انه لا فرق على القول بالمفهوم بين أن يكون الشرط واحدا أو متعددا وعلى فرض التعدد لا فرق بين كون الشرط على نحو التركيب وبين

٣١٢

كونه على نحو التقييد فان مقتضى الالتزام بالمفهوم في القضية الشرطية انتفاء التالي عند انتفاء المقدم وانتفائه تارة بانتفاء نفسه واخرى بانتفاء جزئه وثالثة بانتفاء قيده.

ثم ان الحكم المعلق على الشرط في القضية الشرطية على نوعين : احدهما : انه حكم غير انحلالي كتعليق وجوب الحج على الاستطاعة فان وجوبه غير انحلالي اذ وجوبه ثابت لصرف الوجود نعم هو انحلالي بانحلال الموضوع فان كل مكلف يجب عليه اذا استطاع اليه سبيلا وهذا النوع ينتفي بانتفاء الشرط فلو لم تتحقق الاستطاعة لا يجب الحج.

ثانيهما : حكم انحلالي كقوله عليه‌السلام : اذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء فان الحكم بعدم التنجس ينحل بالنسبة الى كل شيء يكون قابلا لأن ينجس الماء فاذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه البول ولا الدم ولا الميتة الى غيرها من النجاسات وفي هذا النوع وقع الكلام عندهم في أن مفهوم القضية الايجاب الجزئي أو الكلى ذهب الى القول الثاني وهو الايجاب الكلي ، الميرزا النائيني على ما في التقرير بتقريب ان النظر في علم الميزان مقصور على القواعد الكلية لتأسيس البراهين العقلية ولا ينظر فيه الى الظواهر ولذا جعلت الموجبة الجزئية نقيضا للسالبة الكلية وأما علم الأصول فالمهم فيه استنباط الحكم الشرعي من الظواهر وان لم يساعد الظاهر البرهان الميزاني فلا منافاة بين كون نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية في الميزان وبين كون نقيضها موجبة كلية في الاصول ، فنقول ان كان المعلق في القضية نفس عموم الحكم فالمفهوم يكون نفي العموم كما في العام المجموعي فيكون تقيض السالبة الكلية موجبة جزئية وأما ان كان المعلق الحكم العام المنحل الى أفراد عديدة بحيث يكون لكل موضوع حكم في قبال الآخر كان في الحقيقة كل حكم معلقا فيكون المفهوم للسالبة الكلية موجبة كلية ايضا هذا بحسب مقام الثبوت ،

٣١٣

وأما بحسب مقام الاثبات فان كان العموم المستفاد من التالي معنى اسميا مدلولا عليه بلفظ كل وأشباهه أمكن أن يكون المعلق الحكم العام كما انه يمكن أن يكون عموم الحكم فتعيين احدهما يحتاج الى قرينة معينة وأما اذا كان معنى حرفيا مستفادا من مثل هيئة الجمع المعرف ونحوها وغير قابل لأن يكون ملحوظا بنفسه وكان ملحوظا آليا أو كان مستفادا من النكرة الواقعة في سياق النفي ولم يكن مستفادا من نفس اللفظ يكون المعلق لا محالة الحكم العام كما في الرواية الشريفة فان المذكور في الرواية النكرة في سياق النفي فيكون التالي المعلق على المقدم الحكم العام فيكون مفهوم القضية كذلك اي يكون مفهوم القضية الموجبة الكلية.

فالنتيجة ان مفهوم قوله عليه‌السلام الماء اذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء ان الماء اذا لم يكن قدر كر ينجسه البول والدم والميتة والمني الى غيرها من النجاسات مضافا الى أنه لو اغمضنا عما ذكرنا وقلنا ان نقيض السالبة الكلية الموجبة الجزئية لا يكون مؤثرا في خصوص المقام لأنه لو ثبت تنجس ما دون الكر بجملة من النجاسات يتنجس بجميعها لعدم القول بالفصل بين النجاسات فلاحظ.

ان قلت : الفرق بين كونه موجبة جزئية أو كلية يظهر في ملاقاة ما دون الكر مع المتنجس اذ على تقدير كون النقيض موجبة جزئية نلتزم بالعموم بعدم القول بالفصل ونلتزم بعموم الحكم بالنسبة إلى بقية النجاسات لكن لا نسري الحكم الى المتنجس وأما لو كان النقيض موجبة كلية يسري حكم الانفعال الى المتنجس ايضا.

قلت : هذا توهم فاسد اذ لا اشكال في أن عنوان الشيء بما هو لا يوجب انفعال ما دون الكر بالملاقاة بل الموجب الشيء القابل للتأثير فان ثبت كون المتنجس منجسا كبقية النجاسات نلتزم بالسراية وإلّا فلا ، فلا فرق بين الأمرين والنتيجة واحدة هذا ملخص كلامه.

٣١٤

ويرد عليه : اولا ان المفهوم عبارة عن انتفاء التالي عند انتفاء المقدم ومن ناحية اخرى ذكرنا ان انتفاء التالي تارة بانتفاء المقدم بنفسه واخرى بانتفاء جزئه وثالثة بانتفاء قيده وعلى هذا الاساس نقول : مقتضى تعليق الحكم العام على المقدم انتفائه ولو بانتفاء بعض أفراده فلا فرق في القضية الشرطية بين أن يكون المعلق والتالي عموم الحكم أو الحكم العام ، وثانيا : انا ذكرنا في بحث المعنى الحرفي ان المعنى الحرفي ليس آليا ، وثالثا : يرد عليه انه ما الوجه في تعيين عموم السلب فان الالية اذا كانت منافية مع سلب العموم كان منافيا مع عموم السلب وان لم يكن منافيا فما وجه الترجيح ، فالنتيجة : ان المستفاد من الحديث الشريف انفعال القليل فى الجملة.

فصل :

اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء كما لو قال المولى في دليل اذا خفي الاذان فقصر وقال في دليل آخر اذا خفي الجدر ان فقصر يقع التعارض بين مفهوم كل من الدليلين ومنطوق الدليل الآخر فلا بد من رفع التنافي بين الدليلين وما يمكن أن يقال في التوفيق في الجمع بين الدليلين وجوه :

الوجه الاول : ان ترفع اليد عن المفهوم في كل من الدليلين ويبقى ظهور كل من المنطوقين بحاله والوجه فيه ان هذا الجمع يوجب عدم التصرف في المنطوق.

ويرد عليه : أولا : ان رفع اليد عن المفهوم تصرف في المنطوق وبعبارة اخرى : المفهوم يستفاد من دلالة المنطوق على العلية المنحصرة ، وثانيا ، سلمنا ما ذكر فى التقريب لكن لا وجه لرفع اليد عن المفهوم وبعبارة اخرى رفع اليد عن المفهوم وابقاء المنطوق بحاله ترجيح بلا مرجح.

الوجه الثاني : ان اساس استفادة المفهوم من القضية الشرطية العلية المنحصرة

٣١٥

وبعد قيام الدليل على عدم الانحصار ترفع اليد عن المفهوم لانهدام اساسه.

وفيه : ان الضرورات تقدر بقدرها فان مقتضى كون العلة منحصرة عدم علية شىء غير المذكور في القضية وما ذكر في الدليل المعارض فرد آخر من العلة فلا وجه لرفع اليد عن دلالة المفهوم على نفي العلية بالنسبة الى غير ما ذكر في الدليل الآخر.

الوجه الثالث : أن يلتزم بأن الشرط مجموع الأمرين ، وفيه : ان الجمع بهذا النحو رفع اليد عن كلا الدليلين فان ظاهر كل من الدليلين استقلال الشرط المذكور فيه.

الوجه الرابع : رفع اليد عن احد الدليلين وجعله كالعدم ففي المثال مثلا ترفع اليد عن دليل موضوعية خفاء الجدران وجعل الميزان خفاء الاذان فقط.

وفيه : اولا انه الغاء لأحد الدليلين بلا وجه اذ يمكن الجمع بين الدليلين بنحو آخر ، وثانيا ، يكون ترجيحا من غير مرجح ، ان قلت : يمكن أن يكون خفاء الجدران علامة لخفاء الاذان فمع خفاء الجدران وعدم خفاء الاذان لا أثر لخفاء الجدران لعدم كونه موضوعا للحكم. قلت مجرد الامكان الثبوتي لا أثر له في مقام الاثبات والدلالة والمفروض ان الظاهر من الدليل كون خفاء الجدران بنفسه موضوعا للحكم.

ان قلت : ان خفاء الاذان دائما قبل خفاء الجدران فلا يعقل كون خفاء الجدران مؤثرا.

قلت : عهدة هذه الدعوى على مدعيها مضافا الى أن الأثر يظهر عند خفاء الجدران والشك في خفاء الاذان.

الوجه الخامس : ان يكون الشرط هو الجامع بين الأمرين وربما يقال في تقريبه انه يلزم وجود السنخية بين العلة والمعلول وإلّا يصدر كل شيء عن كل شيء

٣١٦

وايضا قد ثبت في محله ان الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد ، فلا يعقل صدور الواحد عن المتعدد بما هو متعدد إلّا أن يكون الجامع بين الأمرين مؤثرا.

وفيه : اولا ان باب الأحكام الشرعية اجنبي عن باب العلل والمعاليل والحكم الشرعي فعل اختياري للمولى ولا مجال لأن يقال ان الأمور الخارجية مؤثرة فيه.

وثانيا : انا قد ذكرنا مرارا ان البرهان المذكور على فرض تماميته انما يجري في الواحد الشخصي وأما الواحد النوعي فلا اشكال في صدوره عن امور متباينة كالحرارة الصادرة عن الحركة والغضب والنار والشمس الى غيرها.

الوجه السادس : ان يخصص كل واحد من المفهومين بالمنطوق الآخر فان مقتضى كون خفاء الاذان ميزانا للقصر عدم موضوعية شيء آخر وهذا العموم يخصص بدليل موضوعية الجدران كما ان دليل موضوعية الجدران بمفهومه ينفي موضوعية بقية الامور ويخصص بدليل موضوعية الاذان ففي النتيجة يكفي احد الأمرين واختار الميرزا النائيني على ما في التقرير ان مقتضى القاعدة أن يجعل الشرط مجموع الأمرين من خفاء الاذان وخفاء الجدران لا احدهما ، والوجه فيه ان القضية الشرطية يدل على استقلال المقدم في السببية وانحصار السبب والتعارض يرتفع برفع اليد عن احد الأمرين بان نرفع اليد اما عن الاستقلال واما عن الانحصار ولا ترجيح لاحدهما على الآخر.

ان قلت : الانحصار فرع الاستقلال فيكون متأخرا عنه بالرتبة فيلزم رفع اليد عنه. قلت : التقدم والتأخر في الرتبة لا يؤثر فيما هو المهم فان الموجب لرفع اليد عن احد الأمرين العلم الاجمالي فنقول قبل خفاء الأمرين بأن لم يخف الاذان ولا الجدران يجب التمام كما ان الواجب القصر بعد خفائهما وأما لو خفي احدهما دون الآخر فحيث انه لا مرجح كما ذكرنا تصل النوبة الى الأصل العملي ومقتضاه اصالة البراءة عن القصر بل مقتضى الاستصحاب وجوب التمام لأنه قبل الخفاء

٣١٧

كان التمام واجبا والاستصحاب يقتضي بقاءه ، فالنتيجة : انه يجب على المصلي ان يتم.

ويرد عليه : اولا انه لو سلم ما أفاده وقلنا انه يلزم رفع اليد عن كلا الأمرين لعدم الترجيح فلا نسلم ما أفاده من الأخذ بالبراءة أو الاستصحاب وذلك لأن المستفاد من الدليل ان المسافر يجب عليه القصر فبمجرد خروج المكلف من بلده يجب عليه أن يقصر غاية الأمر قد عين له حد الترخص ومع خفاء احد الأمرين يصدق عليه عنوان المسافر فيجب عليه القصر بمقتضى الدليل اللفظي فلا تصل النوبة الى الاصل العملي وان شئت قلت ان المستفاد من الادلة وجوب التمام على كل مكلف ووجوب القصر على كل مسافر فقبل الخفاء يجب عليه التمام وبعده يجب عليه القصر ، وثانيا : انه لا مجال للأخذ بالأصل فان استصحاب وجوب التمام معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد وأصل البراءة عن التمام معارض بأصل البراءة عن القصر.

وثالثا : ان جريان الاستصحاب على القول به يختص بمن كان واجبا في حقه التمام كما لو سافر بعد الزوال وأما لو سافر قبله فلا يتم في حقه هذا البيان الا على نحو الاستصحاب التعليقي الذي لا نقول به فبمقتضى العلم الاجمالي يجب عليه الجمع بين القصر والتمام على ما هو المقرر عند القوم من كون العلم الاجمالي منجزا اضف الى ذلك ان مقتضى النظر الدقيق ان الواجب على المكلف الجامع بين القصر والتمام اذ لا اشكال في عدم وجوب أزيد من صلاة واحدة على كل مكلف وعليه اما تكون تلك الصلاة الواحدة هو الجامع بين القصر والتمام وهو المطلوب واما خصوص التمام ما دام حاضرا وخصوص القصر ان كان مسافرا ولا مجال للاحتمال الثاني اذ عليه لو لم يصل التمام في حال الحضور وسافر وصلى في السفر قصرا لم يقم بالوظيفة لأن المفروض ان التمام كان واجبا عليه والحال انه لا يكون عليه

٣١٨

إلّا صلاة واحدة ، فالحق ان الواجب عليه هو الجامع.

هذا كله يرجع الى تعارض دليل خفاء الاذان مع دليل خفاء الجدران ، وأما ما أفاده في أصل الكبرى وهو انه حيث لا ترجيح لاحد الطرفين فلا بد من رفع اليد عن كلا الاطلاقين اي لا بد من رفع اليد عن الاستقلال والانحصار كليهما.

فيرد عليه : انه لا مجوز للجمع بين الدليلين باي وجه كان وإلّا يكون الجمع بين جميع المتعارضات أمرا ممكنا حتى لو قال المولى في دليل يجب اكرام الفلاسفة وقال في دليل آخر يحرم اكرام الفلاسفة ، أمكن الجمع بين الدليلين بأن نقول المراد من الدليل الأول خصوص السادات منهم ومن الدليل الثاني غير السادات لكن هذا ليس جمعا عرفيا صناعيا وعليه نقول لا اشكال في عدم التعارض بين المنطوقين اذ لا تنافي بين المثبتين كما انه لا تعارض بين المفهومين كما هو ظاهر وانما التعارض بين كل منطوق والمفهوم الآخر والنسبة بين كل منطوق والمفهوم الآخر العموم المطلق ومقتضى القاعدة والصناعة تخصيص كل عام بالخاص وتقييد كل مطلق بالمقيد والنتيجة ان كل واحد من خفاء الاذان والجدران يوجب القصر.

فصل :

اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء وعلم من الخارج أو من نفس الدليل ان كل شرط مستقل في التأثير ففي مثله هل يكون مقتضى القاعدة تداخل الأسباب في التأثير بأن يكون اثر الكل اثرا واحد أم لا؟ وعلى الثاني فهل يكون مقتضى القاعدة التداخل في المسبب بأن يتحقق الامتثال للكل بامتثال واحد أم لا؟ فهنا مقامان :

المقام الاول : في تداخل الاسباب وعدمه المقام الثاني : في تداخل المسببات وعدمه :

قبل الخوض في المقصد نقدم امورا ، الأمر الأول : ان بحث التداخل وعدمه

٣١٩

يختص بمورد لا يعلم من الخارج ان الأسباب أو المسببات تتداخل وأما فيما علم من الخارج التداخل فلا مجال لهذا البحث كما هو ظاهر ولذا لا اشكال في أن الاحداث الموجبة للوضوء لا يرتب عليها الا وجوب وضوء واحد كما انه قد علم من الدليل ان امتثال اغسال متعددة يتحقق بامتثال واحد.

الامر الثاني : انه لو لم يعلم من الدليل الداخلي أو الخارجي تداخل الأسباب وعدمه أو تداخل المسببات وعدمه فما هو مقتضى الأصل العملي؟ الحق أن يقال يفرق بين المقامين أما بالنسبة الى تداخل الأسباب وعدمه فمقتضى الاصل هو التداخل لأن مرجع الشك الى الشك في تكليف زائد ومقتضى اصالة البراءة عدم التكليف الزائد وأما بالنسبة الى الشك في تداخل المسببات وعدمه فمقتضى الأصل أن لا تتداخل لأن تعدد التكليف محرز ومقتضى الاستصحاب بقاء التكليف كما ان مقتضى الاشتغال على المسلك المشهور كذلك ، اللهم إلّا أن يقال ان الاستصحاب المذكور معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فلا مجال للاستصحاب كما انه لا مجال للاشتغال اذ الاشتغال بحكم العقل ومع جريان البراءة لا مجال للاشتغال وان شئت قلت : لا مجال للاشتغال الا في الشبهة الموضوعية واما في الشبهة الحكمية فمقتضى البراءة الشرعية عدم التكليف كما ان مقتضى قاعدة قبح العقاب بلا بيان عدم كون المكلف مؤاخذا من قبل الشارع في ترك محتمل الوجوب.

ثم انه لا فرق فيما ذكر بين الحكم التكليفي أو الوضعي اي يكون مقتضى الأصل التداخل مثلا لو تكرر سبب الضمان وشك فى التداخل وعدمه يكون مقتضى الأصل عدم الضمان الزائد كما انه لو علم عدم التداخل وشك في تداخل المسبب كما لو فرض ان ذمته مشغولة من ناحية أسباب متعددة واحتمل فراغها باداء واحد مع قصد الجميع يكون مقتضى استصحاب المجعول بقاء الضمان ومقتضى استصحاب عدم الجعل الزائد البراءة وعدم الاشتغال كما ان مقتضى البراءة عن

٣٢٠