آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

ذلك لا فرق بين الضد الموجود والمعدوم فان الضد الموجود يتوقف على عدم المانع سيما في الأفعال الاختيارية لأن الفعل الاختياري الذي هو محل الكلام معلول للارادة فما دام تكون الارادة باقية يكون الفعل باقيا وفي كل ان فرض انعدام الارادة ينعدم الفعل بلا كلام ولا اشكال ومن الظاهر ان ارادة كل من الضدين تتوقف على عدم تعلق الارادة بالضد الآخر.

وصفوة القول : انه لا فرق بين الحدوث والبقاء بل يمكن أن يقال : ان ما أفاده غير تام حتى على القول بعدم احتياج الممكن الى المؤثر في البقاء واحتياجه اليه في الحدوث فقط وذلك لأنه على هذا القول ايضا يتوقف كل من الضدين في حدوثه على عدم الآخر فلا فرق بين الضد الموجود والمعدوم وعلى الجملة لم يظهر لنا وجه التفصيل ، فتحصل مما تقدم عدم تمامية الاستدلال وظهر بطلان المقدمة الاولى وهي ان عدم احد الضدين مانع عن الضد الآخر فعدمه واجب بالمقدمة الثانية وهي وجوب مقدمة الواجب فانه قد ظهر بما ذكرنا بطلان المقدمة الاولى وأما المقدمة الثانية فقد تقدم بطلانها وقلنا انه لا دليل على وجوب مقدمة الواجب بل ايجابها محال عقلا فراجع ما ذكرنا هناك هذا تمام الكلام في الوجه الاول.

الوجه الثاني : انه لا اشكال في التلازم بين كل ضد وعدم الضد الآخر هذا من ناحية ومن ناحية اخرى يجب أن لا يكون المتلازمان مختلفين في الحكم فلو كانت الازالة واجبة يجب أن يكون ترك الصلاة ايضا واجبا فاذا وجب ترك الصلاة يكون فعلها حراما وهذا هو المطلوب ويرد عليه انه لا اشكال في التلازم بين كل ضد وعدم الضد الآخر ، وأما وجوب التوافق بين المتلازمين في الحكم فلا دليل عليه ، نعم لا يمكن أن يأمر المولى بشيء وينهى عن ملازمه لرجوعه الى التكليف بما لا يطاق لكن يمكن أن يحكم بشيء ولا يحكم بذلك الحكم على ملازم ذلك الشىء وبعبارة اخرى : الذي لا يمكن ، التخالف في الحكم بين المتلازمين وأما التوافق فلا دليل عليه

١٨١

فلا مانع من تعلق الوجوب بشيء وعدم كون ملازمه محكوما بحكم بل يمكن أن يقال انه لا مانع عن كون احد المتلازمين محكوما بالوجوب والملازم الآخر محكوما بالاباحة مثلا يمكن أن يكون الاستقبال واجبا والاستدبار عن الجدي مباحا والعقل لا يرى محذورا فيه وبعبارة واضحة : لا دليل على عدم امكان اختلاف المتلازمين في الحكم ، وان شئت قلت : ان الأحكام الشرعية في نظر العدلية تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها فكل واجب تابع للمصلحة التي في الفعل الواجب فلو أوجب الشارع استقبال القبلة لا يمكن ايجاب استدبار الجدي لعدم ملاك لايجابه ، نعم لا يمكن كون الاستدبار محكوما بحكم يكون معجزا للعبد كالحرمة وأما الحكم عليه بالحلية فلا مانع منه ، فالنتيجة ان عدم الضد للواجب لا دليل على وجوبه لا من باب المقدمة ولا من باب التلازم.

وفي المقام كلام عن الكعبي وهو نفي المباح ، بتقريب ان المكلف لا يخلو من فعل من الأفعال ومن ناحية اخرى يحرم عليه بعض الأفعال فيجب عليه ترك ذلك الفعل وترك الحرام يتوقف على الفعل المضاد للحرام فيجب ذلك الفعل فالفعل الاختياري للمكلف اما واجب واما حرام.

ويرد عليه : اولا انه قد تقدم عدم امكان كون احد الضدين مانعا عن الضد الآخر كى يقال بأن الترك واجب فيجب مقدمة بالوجوب المقدمي.

وثانيا : انه قد مر عدم دليل على وجوب المقدمة شرعا بل الدليل قائم على عدمه وأما التلازم بين فعلين فلا يقتضي توافقهما في الحكم كى يقال اذا وجب ترك الحرام يجب ملازمه فيجب ضد الحرام.

وثالثا : ان ما أفاده مبني على الالتزام بكون ترك الحرام واجبا شرعا كى يتم استدلاله على زعمه والحال ان كل حكم لا ينحل الى حكمين فان الحرام له حكم واحد وهي الحرمة كما ان الواجب له حكم وهو الوجوب ولا معنى لأن يقال ان الصلاة يجب فعلها ويحرم تركها وان شرب الخمر يحرم فعله ويجب تركه ولو كان

١٨٢

مرجع كل حكم الزامي الى حكمين يلزم ترتب العقابين على العاصي ومن لم يمتثل والحال ان الأمر ليس كذلك قطعا فتحصل مما تقدم عدم دليل على كون الأمر بشيء مقتضيا للنهي عن ضده ، هذا تمام الكلام في الموضع الأول.

وأما الكلام في الموضع الثاني وهو اقتضاء الامر بشيء النهي عن ضده العام ، فالقائل بهذا القول اما قائل بأن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده واما يقول بأن الأمر بالشيء مركب من الأمر بشيء والنهي عن تركه واما يقول بأن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن تركه.

فنقول : أما القول الاول فبمراحل عن الواقع فان الأمر بالشيء ناش عن المصلحة في ذلك الشىء والنهي عن شيء ناش عن المفسدة في ذلك الشيء فمتعلق الأمر ذو مصلحة ومتعلق النهي ذو مفسدة وايضا متعلق الأمر محبوب للمولى ومتعلق النهي مبغوض له وايضا بعد تمامية الاقتضاء في متعلق الأمر ووجود الشرط وعدم المانع يعتبر المولى ذلك الفعل في ذمة المكلف وفي مورد النهي بعد تمامية مقدماته يعتبر المولى الحريم بين المكلف وذلك الفعل ويفترق الأمر عن النهي في ناحية المنتهى ايضا فان مقتضى العبودية في مورد الأمر الاتيان بمتعلقه ومقتضى العبودية في طرف النهى الاجتناب عن المنهي عنه فكيف يمكن أن يقال ان الامر بالشيء عين النهي عنه فالقول الاول باطل.

وأما القول الثاني ، فقد ظهر فساده مما ذكرنا في رد القول الاول اذ على ما ذكرنا لا يعقل تركب الأمر من الأمر والنهي وما يقال من أن الامر بالشيء عبارة عن طلب الفعل مع المنع من الترك مسامحة في التعبير وإلّا فلا يعقل تركب الأمر من الطلب والمنع فالقول الثاني ايضا فاسد.

واما القول الثالث ، فائضا لا يدل الأمر على النهي عن الترك بالالتزام لا باللزوم البين بالمعنى الاخص ولا بالمعنى الاعم اما الاول : فظاهر اذ ربما يتصور الانسان

١٨٣

وجوب شيء ويكون غافلا عن ترك ذلك الشيء ، وأما الثاني ، فأيضا لا دليل عليه لا بالنهي النفسي ولا بالنهي الغيري أما النهي النفسي فهو تابع لملاكه في المتعلق والمفروض انه لا مفسدة في الترك كما انه لا مصلحة في ترك الحرام ولذا لا يكون الحكم الالزامي وجوبيا كان أو تحريميا مركبا من حكمين فالمصلحة في متعلق الوجوب بلا مفسدة في ترك متعلقه والمفسدة في فعل الحرام بلا مصلحة في تركه ، ولذا لا يترتب على فعل الحرام ولا على ترك الواجب الاعقاب واحد ، وأما الحرمة الغيرية فأيضا لا وجه لها لانتفاء ملاك الغيرية وهي المقدمية مضافا الى أنه قد ثبت في بحث وجوب المقدمة انكار الوجوب الغيري وكذلك الحرمة الغيرية ، فالنتيجة انه لا دليل على كون الأمر بشيء مقتضيا للنهي عن ضده العام فلا يدل الأمر بالشيء على النهي عن الضد على الاطلاق.

ثم انه قد ذكر ان ثمرة هذا البحث انه لو تعلق الأمر بالازالة مثلا وقلنا بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده تكون الصلاة منهيا عنها هذا من ناحية ومن ناحية اخرى قد ثبت في محله ان النهي عن العبادة يقتضي الفساد فلو عصى المكلف ولم يمتثل الأمر المتعلق بالازالة وصلى تكون صلاته باطلة وأما لو لم نقل بهذه المقالة تكون صلاته صحيحة لعدم ما يقتضي فسادها.

ويرد عليه : اولا : أنه لو اغمض عما تقدم وقلنا بأن الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص لا يترتب على البحث هذا الأثر ولا تتحقق هذه الثمرة اذ مناط الفساد في المنهي بالنهي النفسي ان النهي النفسي ناش عن مفسدة في المتعلق وكيف يمكن أن يقع الفرد الواجد للمفسدة مصداقا للواجب وان شئت قلت : المنهي عنه بالنهي النفسي مبغوض للمولى والحال ان المصداق للمأمور به محبوب له وهل يمكن اجتماع الحب والبغض في الخارج بالنسبة الى شيء واحد من شخص واحد وكيف يمكن اجتماع الحب والبغض مع كونهما ضدين وأما

١٨٤

النهي الغيري فلا يكون ناشيا عن المفسدة في المتعلق فلا يكون متعلق النهي مبغوضا للمولى فلا مانع من أن يقع مصداقا للمأمور به.

وبعبارة اخرى يكون محبوبا فقط فلا مقتضي للفساد هذا اولا.

وثانيا : ان الامر بالشيء على فرض تسليم الاستدلال وتماميته يكون مقتضيا للأمر بعدم الضد لا للنهي عن الضد وكم فرق بين الأمرين وبعبارة واضحة : لو سلمنا استدلال الخصم وقلنا ان عدم احد الضدين مقدمة لوجود الضد الآخر يكون الامر بالضد مقتضيا لوجوب مقدمته وهو عدم الضد الآخر إلّا أن نقول بأن الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام فلو أمر المولى بترك شيء ينهى بالملازمة عن ترك تركه وحيث ان الضد مصداق لترك الترك يكون حراما فلاحظ ما ذكرناه واغتنم.

هذا على ما هو التحقيق بأن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده وأما لو سلم والتزم بأن الفرد المزاحم للواجب منهي عنه فيشكل اذ عليه يلزم اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد واجتماعهما وان لم يقتض اشكالا في المبدا لعدم كون النهي ناشيا عن المفسدة لكن يشكل من ناحية المنتهى فان المكلف كيف يمكنه الجمع بين الامتثال والانزجار فان مقتضى الأمر بالصلاة الاتيان بها ومقتضى النهي عنها على الفرض الانزجار ولا يمكن الجمع بين الأمرين فما الحيلة؟ والذي يمكن أن يقال في هذا المقام أنه تارة يقع التزاحم بين الواجب المضيق والواجب الموسع كما لو تنجس المسجد في اول الزوال فان الأمر بالازالة مضيق ووجوب الصلاة موسع ولا تزاحم بين المضيق والموسع اذ مقتضى اطلاق الأمر بالموسع تسوية جميع الافراد العرضية والطولية في الوفاء بالغرض فالأمر بالصلاة لا يقتضي الاتيان فورا وأما الأمر بالازالة ففوري ولا تزاحم بين المقتضي وما لا اقتضاء له.

ان قلت : مقتضى الاطلاق جواز تطبيق الكلي على فرده ومقتضى النهي عن

١٨٥

الضد حرمته والاحكام بأسرها متضادة ، قلت : مقتضى الاطلاق التسوية بين الافراد في أن كل واحد منها قابل لأن يقع مصداقا للكلي وان شئت قلت : المصداق الخارجي للكلي اما يكون متحدا مع الكلي في الوجود الخارجي بحيث لا يكون في الخارج الا وجود واحد واما لا يكون متحدا معه بحيث يكون في الخارج وجودان أما على الثاني فلا مجمع بين الأمر والنهي وأما على الأول فيشكل حتى مع عدم النهي اذ كيف يمكن أن يكون الوجود الواحد مجمعا للاباحة والوجوب فان مقتضى كونه مصداقا للواجب أن يكون محبوبا للمولى ومقتضى كونه مصداقا للمباح عدم كونه محبوبا والجمع بين العدم والوجود محال.

وصفوة القول انه لا تنافي بين النهي الغيري المتعلق بفرد من الواجب وترخيص المولى تطبيق الكلي على ذلك الفرد المنهي عنه بمعنى التسوية بين الأفراد وعدم ترجيح بعض على البعض الآخر هذا على تقدير كون أحد الواجبين موسعا والواجب الآخر مضيقا وأما لو كان كلاهما مضيقين وكان أحدهما أهم من الآخر فمقتضى القول بالاقتضاء يكون الأمر المتعلق بالأهم مقتضيا للنهي عن المهم ويسقط الأمر عن المهم بلا اشكال.

وربما يقال ـ كما عن البهائى ـ عدم ترتب الثمرة المذكورة بتقريب ان النهي عن فرد يقتضي عدم الأمر بضده كى لا يلزم اجتماع الضدين ومع عدم الأمر لا تصح العبادة فان العبادة متقومة بتعلق الأمر بها واتيانها بداعي الأمر المتعلق بها ومع عدم تعلق الأمر بها لا تكون صحيحة فلا ثمرة للبحث وأفاد سيدنا الاستاد في هذا المقام أنه يكفي لتحقق العبادية كون العمل قابلا للاضافة الى المولى ولا يختص قصد القربة بقصد الأمر.

ويرد عليه : ان العلم بكون العمل ذا مصلحة يتوقف على الدليل ومع عدم

١٨٦

شمول الأمر اياه بأى نحو يمكن احراز المطلوب فلا بد في قصد القربة من احراز قابلية العمل له وربما يقال لا يختص الأمر الصادر عن المولى بخصوص المقدور بل يعمه غاية الامر بحكم العقل يختص بالمقدور وكل فرد يشمله الأمر نفهم كونه ذا مصلحة وبعبارة واضحة : الامر بشيء بالمطابقة يدل على البعث نحوه وبالدلالة الالتزامية يدل على كون المتعلق ذا مصلحة والدلالة الالتزامية تابعة لدلالة المطابقة حدوثا وأما بقاء فلا تكون تابعة لها ، وان شئت قلت : بعد تحقق الدلالة الالتزامية بتبع دلالة المطابقة تبقى على اعتبارها ولا تكون تابعة لدلالة المطابقة في الحجية والاعتبار فعلى هذا نفرض أن الضد للواجب الاهم مثلا لا يكون مشمولا للامر لكن بمقتضى الدلالة الالتزامية نحكم بكونه ذا مصلحة وملاك فتصح العبادة.

ويرد عليه : ان الدلالة الالتزامية تابعة لدلالة المطابقة حدوثا وبقاء مثلا اذا قامت بينة على اصابة البول الثوب الفلانى نستفيد امرين : أحدهما اصابة البول للثوب ، ثانيهما تنجس الثوب بالنجاسة البولية ، فاذا علم كذب البينة لا يمكن الحكم بنجاسة الثوب لأن النجاسة علمت من الطريق الخاص وقد علم فساد الطريق وبعبارة واضحة : لا طريق لنا بقاء الى احراز النجاسة فلا مانع من جريان اصل الطهارة.

وصفوة القول : انه لا مجال للالتزام باعتبار الدلالة الالتزامية مع سقوط دلالة المطابقة عن الاعتبار مثلا لو كانت دار في يد زيد واقام كل واحد من بكر وخالد البينة على كون الدار له وبالتعارض سقط كلا البينتين فهل يمكن الالتزام بعدم كون الدار لزيد الذي يكون ذو اليد؟ كلا.

اضف الى ذلك ان شمول دليل الواجب لغير المقدور انما يتصور في غير العبادات وتوضيح المدعى : ان ايجاب الفعل عبارة عن اعتبار الفعل في ذمة المكلف وابرازه بمبرز خارجي من لفظ أو فعل وحيث انه لا دليل على لزوم كون

١٨٧

العمل الواجب مقدورا للمكلف نقول يكفي كون الجامع بين الأفراد مقدورا وأما لزوم كون كل فرد مقدورا للمكلف فلا.

وبعبارة واضحة : اذا لم يكن الواجب مقدورا للمكلف ولو في الجملة يكون البعث نحو ذلك الفعل تكليفا بالمحال وأما ان العمل مقدورا ولو في الجملة يجوز البعث نحو الجامع ولا ملزم لايجاب خصوص الفرد المقدور هذا في الأمور التوصلية وأما في التعبديات فلا يعقل تعلق الأمر بالجامع اذ المفروض لزوم قصد القربة ومع عدم القدرة كيف يمكن أن يقصد القربة وقس عليه كل واجب يحتاج فيه الى صدور الفعل عن قصد.

اذا عرفت ما تقدم نقول : التزاحم تارة يكون بين الموسع والمضيق واخرى بين المضيقين ، أما في القسم الاول فقد ذكرنا انه لا تزاحم بين الدليلين ، وأما في القسم الثاني فاحراز تعلق الأمر بالضد منحصر في الالتزام بالترتب.

فقد أفاد صاحب الكفاية انه تصدى جماعة من الافاضل لتصحيح الأمر بالضد بنحو الترتب على العصيان وعدم اطاعة الامر بالأهم وقبل الدخول في الاستدلال على المدعى نذكر امورا :

الأمر الاول : ان ترتب الثمرة على بحث الترتب يتوقف على عدم امكان احراز الملاك في المهم وعدم شمول الأمر بالمهم مورد التزاحم وهذا من الواضحات اذ لو احرز الملاك في المهم يكفي لتحقق قصد القربة كما انه لو شمله الأمر يكون الامر أوضح ، ثم ان القوم خصصوا النزاع بمورد يكون المهم عبادة وتكلموا في وجه تصحيحها والحال انه لا فرق بين كون الواجب المهم تعبديا وبين كونه توصليا فان قلنا بأن الأمر بالأهم يقتضي النهي عن المهم لا يمكن تعلق الامر بالمهم ولو كان توصليا لوحدة حكم الامثال فاذا لم يكن الفرد المنهي عنه مصداقا للطبيعي بما هو واجب لا يمكن حصول الامتثال به وعلى الجملة الاشكال تمام الاشكال

١٨٨

عدم امكان تحقق الامتثال بالفرد المنهي عنه لعدم تعلق الأمر به فيعود اشكال انه من أين علم وجود الملاك فيه؟ نعم لو علم به يمكن الامتثال ولكن هذا خروج عن مفروض الكلام وأيضا لو لم نقل باقتضاء الامر بالشيء النهي عن ضده بل يقتضي عدم الأمر به فانه مع عدم الأمر لا طريق الى احراز الملاك.

الامر الثاني : ان المتزاحمين اما كل واحد منهما موسع واما كل واحد منهما مضيق واما احدهما مضيق والآخر موسع ، أما الصورة الاولى فكما لو وجبت الصلاة الادائية على المكلف في سعة الوقت ووجبت الفائتة ولم نقل بالمضايقة في قضاء الفوائت فلا تزاحم بين الواجبين فكل منهما يقع صحيحا لو أتى به.

وأما الصورة الثانية ، فهي القدر المتيقن في مورد البحث ويحتاج في التصحيح الى الالتزام بالترتب ، وأما الصورة الثالثة ، فكما لو تنجس المسجد في اول الزوال فيجب على المكلف الازالة ومن ناحية اخرى تجب عليه الصلاة اليومية ففي هذه الصورة ، ربما يقال كما عن الميرزا النائيني قدس‌سره بالاحتياج في تصحيح الواجب المضيق الى القول بالترتب ، بتقريب ان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة وفي التقابل المذكور اذا استحال احدهما استحال الآخر وحيث ان تعلق الوجوب بالموسع كالصلاة في مفروض الكلام بخصوص الفرد المزاحم محال فشمول الامر له بالاطلاق ايضا محال اذ المفروض ان التقييد محال فالاطلاق محال ايضا فلا بد من التماس مصحح.

ويرد عليه : اولا ان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل الضدين فان التقييد عبارة عن لحاظ القيد وتقييد المتعلق أو الموضوع به ، والاطلاق عبارة عن ملاحظة القيد ورفضه فلا يكون التقابل بينهما بالعدم والملكة بل بالتضاد.

وثانيا : ان الأمر في تقابل العدم والملكة ليس كما يقول بأنه اذا استحال احدهما استحال الآخر فان جهل ذاته تعالى بالأشياء محال وعلمه بها واجب وافتقاره

١٨٩

الى الأشياء محال وغناه عنها واجب ويكون الامر فى الممكن على العكس فان علم الممكن بذاته محال وجهله به واجب وكذلك افتقاره اليه واجب والحال ان غناه عنه محال.

وفي المقام نقول : حيث ان الاهمال في الواقع محال فلا بد من اتصاف الحكم الشرعي بالاطلاق أو التقييد فاذا استحال احدهما يجب الآخر فلا نحتاج في التصحيح في هذه الصورة الى القول بالترتب.

الامر الثالث : ان البحث بحث عقلي اذ البحث في أنه هل يجوز الأمر بالضدين على نحو الترتب وهل يمكن أم لا يمكن وهل يستحيل الأمر بالضدين على نحو الترتب كما يستحيل بدون الترتب ومن الواضح ان الحاكم بالامكان والاستحالة هو العقل.

الامر الرابع : ان امكان الترتب يكفي للالتزام بوقوعه لأن الاشكال في الجمع بين الضدين وبعبارة واضحة : اطلاق كل من دليلي الواجب الأهم والواجب المهم بحيث يكون الواجب على المكلف الجمع بين الضدين يدخل في الأمر بالمحال والمولى الحكيم لا يأمر بما لا يطاق وأما لو قلنا بامكان الترتب نلتزم بوقوعه فان اطلاق كل أمر باحد الضدين يقتضي وجوبه حتى مع الاشتغال بالضد الآخر وبمقتضى حكم العقل نرفع اليد عن اطلاق احدهما المعين وهو اطلاق دليل وجوب المهم ويبقى اطلاق دليل الأهم بحاله اذ لا وجه لرفع اليد عن اطلاق دليل الأهم فانه مقدم بحكم العقل فيلزم القيام بامتثال أمر الاهم وأما مع فرض عصيان الأمر بالاهم فلا وجه لرفع اليد عن أمر المهم وان شئت قلت : الضرورات تقدر بقدرها فان المحذور في ابقاء اطلاق كلا الدليلين وأما مع رفع اليد عن اطلاق احدهما في مورد كون احدهما أهم وعن اطلاق كل واحد منهما في مورد التساوي بينهما لا يبقى اشكال فالمقدار اللازم رفع اليد عن اطلاق الدليل لا عن أصله ويترتب عليه انه لو تحقق

١٩٠

العصيان بالنسبة الى احدهما يبقى أصل الوجوب فلا بد من القيام بالوظيفة ، وصفوة القول ان الاشكال تمام الاشكال في الأمر بالجمع لا في الجمع بين الأمرين.

الامر الخامس : انه أفاد الميرزا النائيني قدس‌سره على ما في التقرير بأن الترتب لا يجري فيما يكون احد الواجبين مشروطا بالقدرة عقلا والواجب الآخر مشروطا بالقدرة شرعا ـ بتقريب : ان جريان الترتب يتوقف على احراز الملاك في المهم في حال عصيان الامر بالأهم اذ مع عدم الملاك لا يتعلق به الأمر وطريق احراز الملاك اطلاق المتعلق والمفروض ان المتعلق مقيد بالقدرة الشرعية ، ورتب على ما أفاده انه لا يجوز الوضوء في موارد وجوب صرف الماء في غيره كما لو كان هناك عطشان مشرف على الهلاك أو كان بدنه أو لباسه نجسا فانه يجب صرف الماء في رفع عطش ذلك العطشان او في تطهير ثوبه أو بدنه ولا يجوز أن يتوضأ لا بالملاك ولا بالأمر الترتبي أما بالملاك فبعدم احرازه وأما بالأمر الترتبي فلاشتراط جريانه بعدم كون المتعلق مشروطا بالقدرة الشرعية.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأنه لا فرق بين الموارد اذ جريان الترتب لا يتوقف على احراز الملاك في المتعلق فان احراز الملاك من طريق تعلق الوجوب فاذا توقف تعلق الوجوب على احراز الملاك لدار بل جريان الترتب يتوقف على امكان امتثال الامر بالمهم في ظرف ترك الواجب الأهم بلا فرق بين أن يكون الواجب المهم مشروطا بالقدرة عقلا أو يكون مشروطا بها شرعا ولذا في مورد وجوب صرف الماء في رفع عطش من يكون مشرفا على الموت لو توضأ يكون وضوئه صحيحا بالترتب وأما لو دار الأمر بين الوضوء وغسل بدنه أو ثوبه فلا يكون داخلا في مسألة الترتب اذ قوام الترتب بتعدد الواجب وتزاحمهما وفي المقام لا يكون إلّا وجوب واحد متعلق بالكل وحكم الشارع بغسل البدن أو الثوب والتيمم للصلاة ولا مجال لتصحيح الوضوء بالترتب لعدم موضوعه ، نعم يصح الوضوء مع العصيان لكون

١٩١

الوضوء بنفسه محبوبا.

وبعبارة اخرى : يقع التزاحم بين الصلاة مع البدن الطاهر أو اللباس وبين الوضوء الاستحبابي ومع جريان الترتب وعصيان الامر بالأهم يتعلق التكليف الندبي بالوضوء ويصح وصفوة القول : انه تارة يستفاد من الدليل ان الوضوء لا يصح مع وجوب صرف الماء في رفع عطش العطشان المشرف على الموت وبعبارة اخرى : يستفاد من الدليل ان الوضوء كما يشترط بكون الماء طاهرا مطلقا كذلك يشترط بالشرط الكذائي وتارة اخرى يستفاد من الدليل ان الصلاة مع الوضوء تجب مع القدرة على الوضوء أما في الصورة الاولى فلا اشكال في بطلان الوضوء لكن المقام ليس كذلك وأما في الصورة الثانية فلا وجه للبطلان والالتزام بالصحة في صورة العصيان لا ينافي التقسيم المستفاد من آية الوضوء بتقريب : ان المستفاد منها : ان المكلفين قسمان منهم الواجد يجب عليه الوضوء ومنهم الفاقد يجب عليه التيمم والتقسيم قاطع للشركة اذ نقول في صورة اطاعة الأمر بالأهم يجب التيمم فقط وفي فرض عصيانه يجب الوضوء فقط.

وعلى الجملة : لا نرى مانعا من الالتزام في مسئلة دوران الأمر بين الوضوء وسقي العطشان ، وأما في مسئلة دوران الأمر بين الوضوء وغسل الثوب أو البدن فلا يجري الترتب لخروج تلك المسألة عن الترتب تخصصا بيان ذلك : ان الترتب انما يجري في مورد يكون واجبان متزاحمين والمكلف لا يقدر على الجمع بينهما فنقول : يمكن تصور تعلق الوجوب بكلا الفعلين طوليا بأن يتعلق الأمر بالاهم مثلا وفي صورة العصيان يتعلق بالمهم ولا مانع من الجمع في الأمر وليس مرجعه الى الأمر بالجمع ، وأما في تلك المسألة فليس هناك إلّا واجب واحد وهي الصلاة مع قيودها فلو لم يمكن الاتيان بالمركب بما هو مجموع من الأجزاء والشرائط يسقط وجوبها ومقتضى قاعدة ان الصلاة لا تترك بحال ان الصلاة واجبة

١٩٢

على جميع التقادير فيقع التعارض بين ادلة الأجزاء والشرائط وقد علم من الدليل ان الوظيفة عند الدوران غسل الثوب أو البدن فلو عصى المكلف بتركه الصلاة المأمور بها يكون وضوئه باطلا لعدم محبوبية الوضوء للصلاة في تلك الحالة الخاصة لكن لو توضأ استحبابا يصح اذ التزاحم كما يتصور بين الواجبين يتصور بين الواجب والمستحب فببركة قاعدة الترتب نحكم بصحة الوضوء الاستحبابي.

اذا عرفت ما تقدم نقول : الانصاف ان ما أورده عليه سيدنا الاستاد تام بالنسبة الى مسألة دوران الأمر بين الوضوء وغسل الثوب أو البدن بالتقريب الذي ذكرنا ، وأما ايراده عليه فى مسألة دوران الأمر بين الوضوء وسقي العطشان المشرف على الهلاك فالجزم بتماميته مشكل اذ المستفاد من الدليل ان وظيفة المكلف في الصورة المفروضة التيمم ومقتضى اطلاق الدليل عدم الفرق بين الاطاعة والعصيان ، وبكلمة واضحة : نسأل ونقول : فى حال عصيان المكلف الأمر بالسقي هل هو مكلف بالسقي أم لا ولا سبيل الى الثاني وعلى الأول فهل يكون مكلفا بالتيمم أم لا؟ ولا سبيل الى الثاني اذ المفروض ان القدرة الشرعية مأخوذة في الموضوع ومعنى عدم القدرة الشرعية في المقام عدم كونه مكلفا بالسقي فاذا كان مكلفا بالسقي كما هو المفروض لا يكون مأمورا بالوضوء للصلاة ، نعم لو عصى وتوضأ استحبابا يصح وضوئه ومع فرض كونه متطهرا لا تصل النوبة الى التيمم.

وصفوة القول : ان المستفاد من الدليل على الفرض ان الموضوع لوجوب الوضوء من لا يكون مأمورا بصرف الماء في رفع عطش العطشان المشرف على الهلاك فلو توضأ للصلاة والحال هذه لا تكون صلاته صحيحة فلاحظ.

الأمر السادس : انه ربما يقال : انه اذا كان كل من الواجبين تدريجيا فان قلنا بأن العصيان آناً ما بالنسبة الى الأهم كافية في تعلق الأمر بالمهم يلزم الأمر بالضدين في الآن الثاني والقائل بالترتب يفر من هذا المحذور فلا يمكن الالتزام بكفاية

١٩٣

العصيان في الآن الاول وعليه يستلزم القول بالترتب ، صحة الشرط المتأخر بأن نقول العصيان في الآن الاول وبقائه الى زمان تحقق المعصية وسقوط الامر بالاهم شرط لتعلق الأمر بالمهم.

ويرد عليه : انا لا نتصور العصيان التدريجي اذ نسأل انه اذا عصى المكلف وتحقق العصيان في الخارج في الآن الاول كما هو المفروض كيف يمكن بقاء الأمر فان الأمر كما يسقط بالاطاعة كذلك يسقط بالعصيان ، وبعبارة واضحة : ان الاشتغال بالمهم ان لم يكن مزاحما مع الواجب الأهم بأن يمكن الجمع بين الأمرين فهذا خروج عن محل الكلام وان كان مزاحما فمعناه ان الوقت غير قابل للجمع بين الأمرين فيحصل العصيان بمجرد الاشتغال بالضد وصفوة القول : انا لا نتصور معنى محصلا للعصيان التدريجي.

الأمر السابع : ان القول بالترتب لا يتوقف على القول باستحالة الواجب المعلق أو الشرط المتأخر بتقريب : انه لو قلنا بجواز الوجوب المعلق أو الشرط المتأخر كان لازمه ان العصيان المتأخر شرطا لوجوب الواجب المهم وبعبارة اخرى : على القول بالواجب المعلق أو الشرط المتأخر يلزم جواز تأخر الواجب عن زمان الوجوب وان قلنا بجواز الشرط المتأخر فلازمه اجتماع الأمرين وهو محال.

وببيان اوضح : اذا قلنا ان العصيان المتأخر للاهم شرط لتعلق الأمر بالمهم يلزم اجتماع الأمرين وهو محال وهذا توهم فاسد اذ اجتماع الأمرين في حد نفسه ليس محالا بل قوام الترتب به وانما المحال الأمر بالجمع بين الضدين واما الجمع بين الأمر بالضدين فلا يكون محالا وان شئت قلت : ملاك استحالة الواجب المعلق انفكاك الارادة عن المراد وملاك استحالة الترتب الأمر بالجمع بين الضدين فلا يرتبط احدهما بالآخر فلاحظ.

الامر الثامن : ان تعلق الوجوب بشيء لا يكون مقيدا بوجود ذلك الشيء ولا

١٩٤

يكون مقيدا بعدمه اذ على الأول يلزم تحصيل الحاصل وعلى الثاني يلزم طلب المحال وحيث ان الاهمال في الواقع غير معقول يكون الحكم من هذه الجهة مطلقا والاطلاق عبارة عن رفض القيود فان الأمر بالأهم مطلق من هذه الجهة وايضا مطلق من حيث امتثال الأمر بالمهم وعدمه وأما الأمر بالمهم فهو مقيد بعدم الاتيان بما تعلق به الأمر بالأهم فالأمر بالاهم مطلق وأما الأمر بالمهم فهو مشروط ومقيد ولتوضيح المدعى نقول : تارة يأمر المولى عبده بالجمع بين فعلين أو الأفعال كما لو أمره بالجمع بين القراءة والكتابة والمشي واخرى يأمره باتيان فعلين بقيد الاتيان بكل فعل في زمان وجود الفعل الآخر وثالثة بكون احدهما في زمان امتثال الآخر دون العكس ، ورابعة على نحو الاطلاق بحيث لا يكون احد الفعلين مقيدا بالآخر والأمر الترتبي غير داخل في هذه الأقسام بل الأمر مطلق بالنسبة الى الاتيان بالمهم والأمر بالمهم مشروط بعدم الاتيان بالأهم وعلى الجملة : في الترتب لا يكون المطلوب الجمع بين الفعلين.

الأمر التاسع : ان الحكم لا يتعرض لموضوع نفسه لا اثباتا ولا نفيا ولا اقتضاء ولا منعا بل كل حكم يترتب على موضوعه على فرض وجوده وتحققه وبعبارة واضحة : نسبة الحكم الى الموضوع نسبة المشروط الى الشرط فكما ان المشروط تابع للشرط وتكون رتبته متأخرة عن رتبة الشرط كذلك يكون الحكم تابعا لموضوعه ورتبته تكون متأخرة عن رتبة موضوعه وعلى هذا الاساس لا تنافي بين الأمر بالأهم والأمر بالمهم فان الأمر بالأهم يقتضي تحقق متعلقه في الخارج ويقتضي انعدام موضوع الأمر بالمهم وأما الأمر بالمهم فلا يقتضي انهدام متعلق الامر بالاهم بل تحققه مشروط بعدمه وعصيان الأمر بالأهم وان شئت قلت : لا تصادم بين الأمرين لا في مرحلة الجعل ولا في مرحلة الامتثال أما في ناحية الجعل فلا تنافي بين الأحكام اذ الحكم من مقولة الاعتبار والاعتبار خفيف المئونة ولا موضوع فيه لاجتماع الضدين أو المثلين

١٩٥

وأما في ناحية الامتثال فائضا لا تعاند بينهما وذلك لأن الأمر بالأهم يقتضي عدم عصيان العبد ويقتضي ايضا عدم تحقق المهم بعدم موضوعه والأمر بالمهم في طوله وفي ظرف عصيانه أو فقل انه لا تزاحم بين ما يقتضي العصيان وما لا اقتضاء فيه فان الأمر بالأهم يقتضي عدم عصيان الأمر به ويقتضي عدم الاتيان بموضوع أمر المهم وأما الأمر بالمهم فلا يقتضي ترك الأهم فلا وجه للتزاحم والتعاند.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم انه يمكن الاستدلال على الترتب بوجهين :

الوجه الاول : الوجدان فانه اكبر شاهد على امكان الأمر الترتبي اذ لا يدرك العقل مانعا من أن يأمر الوالد ولده بالرواح الى المدرسة وفي ظرف عدم الرواح يجلس في البيت ويقرأ القرآن والوجدان أصدق شاهد على المدعى وليس الترتب الذي يكون محل البحث الا هذا الأمر الذي يراه العقل جائزا.

الوجه الثاني : وقوع الأمر الترتبي في الأوامر العرفية والشرعية ، أما في الاول فكثير فانه ربما يأمر المولى عبده بالرواح الى السوق واشتراء اللحم وعلى فرض عدم الاطاعة يبقى في الدار ويكنسها وقس عليه بقية الموارد وأما في الأوامر الشرعية فاذا فرضنا ان الاقامة في بلد فلاني واجب لكن العبد المكلف عصى ولم يقصد الاقامة يجب عليه القصر ومن الظاهر ان القصر في الصلاة يضاد الاقامة وقس عليه بقية الموارد ووقوع شىء في الخارج أدل دليل على امكانه.

وربما يقال كما نسب الى السيد الشيرازي المجدد قدس‌سره : انه التزم بجواز الترتب وسلم انه بعد عصيان الأمر بالأهم يتعلق الأمر بالضدين ولا مانع عنه اذ المفروض ان المكلف بسوء اختياره جعل نفسه موضوعا لكلا التكليفين المتضادين.

ويرد عليه : ان سوء الاختيار لا ينافي العقاب لا الخطاب وبعبارة اخرى : الامتناع بالاختيار لا ينافي العقاب لا التكليف ولذا لو القى احد نفسه من شاهق يعاقب ولكن لا يكلف ، والسر فيه ان التكليف اما بداعي البعث واما بداعي الزجر والبعث انما يصح

١٩٦

في مورد امكان الانبعاث كما ان الزجر في مورد امكان الانزجار وإلّا يكون التكليف لغوا ، وعلى الجملة : الالتزام بالترتب بهذا النحو مرجعه الى استحالته ، فان القائل بالترتب في مقام تصحيح تعلق الأمر بكل واحد من الضدين بلا لزوم محذور الأمر بالجمع بين الضدين فان المولى في صورة عصيان الأمر بالأهم يجمع بين الأمرين لا أن يأمر بالجمع بينهما ، فالنتيجة انه لا محذور في الأمر بالضدين على نحو الترتب فان المحذور الأمر بالجمع بين الضدين والمفروض ان الأمر بالمهم في صورة عصيان الأمر بالأهم ، وان شئت قلت : تمام الاشكال من ناحية عدم القدرة على امتثال الأمرين ولا مجال لبيان هذا المحذور لأن المكلف اما ممتثل للامر بالأهم واما تارك للامتثال أما في صورة الامتثال فلا يكون مأمورا بالاتيان بالمهم وأما في صورة العصيان فهو قادر على امتثال الأمر بالمهم وصفوة القول : انه لا مانع من تحقق أوامر متعددة بالنسبة الى الأضداد وانما الممنوع الأمر بالجمع بين الاضداد.

اذا عرفت ما تقدم فقد ذكرت لاستحالة الترتب وجوه :

الوجه الاول : ان الأمر بالمهم وان لم يكن في رتبة الأمر بالأهم ولكن الأمر بالأهم موجود في رتبة الأمر بالمهم ففي النتيجة في حال العصيان يكون العبد مكلفا بواجبين متضادين فالمحذور في حال اطاعة الأمر بالأهم وان لم يكن موجودا لكن المحذور في حال العصيان موجود وكل من الأمرين في هذه المرتبة يطارد الآخر وان ابيت عن المطاردة من الجانبين يكفي المطاردة من طرف واحد فان الأمر بالأهم يطارد الأمر بالمهم ويكفي هذا المقدار في استحالة طلب المهم وبعبارة واضحة : اذا كان الأمر بالأهم طاردا للأمر بالمهم يكون مرجعه الى استحالة الجمع في الطلب اذ فرض كون الأمر مطرودا.

ويرد عليه : انه لا مطاردة لا من الطرفين ولا من طرف واحد أما من ناحية الأمر بالمهم فقد فرض كون الموضوع فيه عصيان الأمر بالأهم وقد مر ان الحكم لا يتعرض

١٩٧

لموضوعه لا منعا ولا اقتضاء بل تابع له وببيان اوضح : كون الأمر بالمهم طاردا للأمر بالأهم يتوقف على احد الامرين :

احدهما : اطلاقه بالنسبة الى امتثال الأمر بالأهم وعدمه ، ثانيهما : أن يكون مقتضيا لتحقق موضوع نفسه أما الاطلاق فقد مر بأن قوام الترتب بكون الأمر بالمهم مشروط بعصيان الأمر بالأهم فلا اطلاق له وأما اقتضائه لتحقق موضوعه فقد قلنا ان الحكم غير متعرض لموضوعه لا اقتضاء ولا منعا فلا تعرض للأمر بالمهم بالنسبة الى الأمر بالأهم وأما ، الأمر بالأهم فهو ايضا غير متعرض للأمر بالمهم فان الأمر بالأهم يقتضى انعدام موضوع الأمر بالمهم فان الأمر بالأهم يقتضي عدم العصيان والأمر بالمهم لا تعرض له بالنسبة الى العصيان اي عصيان الأمر بالأهم وعلى الجملة : الأمر بالأهم متعرض لموضوع الأمر بالمهم والأمر بالمهم غير متعرض لموضوع نفسه فلاحظ.

الوجه الثاني : ان الترتب وان سلم عدم كونه مستحيلا في حد نفسه لكن يستلزم المحال اذ لو فرض تعدد الخطاب ووجب على المكلف الضدان على نحو الترتب وفرض ان المكلف عصى كلا الخطابين يلزم أن يعاقب بعقابين فان لكل عصيان عقابا مستقلا والمفروض انه ترك واجبين فيلزم أن يعاقب بعقابين ومن ناحية اخرى لا يجوز العقل أن يعاقب العبد على أمر غير مقدور وان شئت قلت : ان عقابه بعقابين لأجل عدم جمعه بين الضدين والحال ان الجمع بينهما أمر غير مقدور فلأجل هذا المحذور لا يمكن الالتزام بتحقق الخطاب الترتبي.

وفيه : ان العقاب المتعدد ليس لأجل عدم الجمع بين الضدين كى يتوجه هذا المحذور فان الجمع بينهما غير واجب عليه فلا يعاقب على تركه بل تعدد العقاب لأجل جمعه بين التروك وبعبارة واضحة : ان المكلف لا يقدر على الجمع بين الضدين ولكن يقدر أن لا يجمع بين ترك الواجبين الطوليين فلا وجه للاشكال.

الوجه الثالث : ان مقتضى الخطاب الترتبي تحقق الأمر بالأهم والأمر بالمهم

١٩٨

وبعبارة اخرى : لازمه فعلية كلا الحكمين والحال انه يستحيل مثل هذا التكليف وذلك لأن المفروض تضاد الفعلين ومن ناحية اخرى البعث الى شيء انما يكون في مورد يكون المأمور قابلا للانبعاث وكذلك الزجر عن شيء في مورد يكون المنهي قابلا للانزجار فلو فرضنا عدم امكان العبد للانبعاث نحو الواجبين لا يعقل تعلق الأمر بهما وفعلية كليهما ومن الظاهر ان الضدين لا يقبلان الاجتماع فلا يعقل البعث نحوهما في زمان واحد.

وفيه : ان البعث نحو المهم في طرف عصيان الأمر بالأهم بحيث اذا جمع المكلف بين الأمرين بفرض المحال لا يكون ممتثلا للامر المتعلق بالمهم لأن موضوعه عصيان الأمر المتعلق بالأهم وصفوة القول : الذي لا يمكن أن يأمر به المولى الأمر بالجمع بين الضدين وفي الترتب لم يتعلق الأمر بالجمع ولتوضيح المدعى نقول الأمر بالجمع يتوقف على احد الأمور الثلاثة :

الاول : ان كلا من الأمر المتعلق بالأهم والأمر المتعلق بالمهم يكون مطلقا وناظرا الى صورة اتيان المكلف بالواجب الآخر ، الثاني : أن يكون الأمر بالمهم مقتضيا لعصيان الأمر بالأهم ، الثالث : أن يكون متعلق الأمر بالمهم مقيدا بصورة اطاعة الأمر بالأهم وشيء من هذه الوجوه لا يكون في الأمر الترتبي ، أما الاطلاق فقد ذكرنا ان الأمر بالمهم مقيد ومشروط بعصيان الأمر المتعلق بالأهم فما دام لا يحصل العصيان لا يعقل تحقق الأمر بالمهم اذ المفروض ان الوجوب المشروط لا يتحقق قبل شرطه ، وأما اقتضائه لعصيان الأمر بالأهم فأيضا غير معقول اذ الحكم لا يقتضي وجود موضوعه في الخارج ، وأما تقيد ، المهم باطاعة الأهم فأيضا على خلاف المفروض في الترتب لأن قوام الترتب بكون الأمر بالمهم مشروطا بعصيان الأمر بالأهم.

وأفاد الميرزا النائيني على ما في التقرير : انه لا تنافي ولا تعاند بين الأمر بالأهم

١٩٩

والامر بالمهم اذ الامر بالمهم متأخر عن الأمر بالأهم رتبة ومع اختلاف الرتبة لا مجال لاجتماع الضدين ، وصفوة القول : ان الأمر بالأهم في رتبة متقدمة على رتبة الأمر بالمهم والأمر بالأهم يقتضي هدم الموضوع للأمر بالمهم فان موضوع الأمر بالمهم عصيان الامر بالأهم والأمر بشيء يقتضي عدم عصيانه ويقتضي وجود المتعلق في الخارج فالأمر بالأهم يهدم موضوع الأمر بالمهم والأمر بالمهم غير متعرض لموضوعه ، وأورد على الشيخ الكبير كاشف الغطاء بأن الأمر بالمهم مشروط بعصيان الأمر بالأهم لا بالعزم على العصيان فان الأمر بالأهم يهدم العصيان لا العزم على العصيان.

ويرد عليه : انه قد تقدم ان التضاد والتماثل والتناقض من الأوصاف العارضة للامور الخارجية ولا تكون أوصافا للامور الرتبية وبعبارة واضحة : لا تضاد في الرتبة ولذا نقول المتضادان في رتبة واحدة وكذلك نقول المتناقضان في رتبة واحدة والجواب الصحيح ما ذكرنا من أن المحال طلب الضدين وفي الخطاب الترتبي لا يتعلق الطلب بالجمع بين الضدين لأن المكلف اما مطيع للأمر بالأهم واما عاص ، أما على الاول فلا يكون مأمورا بالمهم وأما على الثاني فيمكنه صرف قدرته في المهم فلا يكون مأمورا بالجمع.

وأورد عليه سيدنا الاستاد : بأن التقدم الرتبي يتوقف على الملاك ولا يعقل التقدم أو التأخر في الرتبة بلا ملاك وسبب وعليه لا وجه لكون الأمر بالأهم مقدما على الأمر بالمهم بالرتبة.

ان قلت : ان الامر بالأهم مقدم بالرتبة على عصيانه لتوقف العصيان على الأمر والأمر بالمهم يتوقف على عصيان الأمر بالأهم لتقدم الموضوع على الحكم رتبة فيكون الأمر بالأهم مقدما على الأمر بالمهم بالرتبة.

قلت : قياس المساواة غير جار في الأمور الرتبية والتقدم في الرتبة يتوقف على الملاك ولذا نرى ان العلة مقدمة على المعلول بالرتبة وأما عدم العلة فلا يكون

٢٠٠