آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

التكليف بالاداء كذلك.

الامر الثالث : ان بحث التداخل يختص بمورد يكون الجزاء قابلا للتكرار والتعدد وأما فيما لا يكون قابلا له كالقتل فلا مجال لهذا البحث كما هو ظاهر فلو زنا احد باحد محارمه مكررا كما لو زنا بامه ثم زنا بها ثانيا أو زنا ثانيا باخته فلا مجال لبحث التداخل وعدمه ، وأفاد سيدنا الاستاد انه يتأكد وجوب القتل بالمرة الثانية والثالثة والظاهر انه لا دليل عليه بمقتضى الادلة الاولية اذ المفروض عدم قابلية المورد للتكرار فلا مقتضي لتحقق التكليف ثانيا ومع عدم تحقق التكليف ثانيا لا مجال للتأكد كما هو ظاهر.

الامر الرابع : انه ربما يقال كما نقل عن فخر المحققين ان تداخل الأسباب وعدمه يبتنيان على كون الأسباب الشرعية عللا أو معرفات فان قلنا بالأول لا يمكن الالتزام بالتداخل لعدم امكان اجتماع علتين على معلول واحد وان قلنا بالثاني فلا مانع عن الالتزام بالتداخل لا مكان اجتماع معرفات عديدة لشيء واحد.

ويرد عليه : اولا انه لا مانع عن اجتماع علل متعددة على معلول واحد غاية الأمر يكون التأثير للمجموع لا لكل واحد وثانيا : ان الحصر المذكور في كلامه ليس بحاصل فان السبب الشرعي لا يكون علة بالضرورة فان الحكم الشرعي من الاعتبارات ولا تكون الامور التكوينية الخارجية مؤثرة في الفعل الاختياري الصادر عن المولى كما انه لا يكون السبب الشرعي معرفا وعلامة محضا بل السبب الشرعي موضوع للحكم الشرعي والالتزام بكون السبب مجرد علامة خلاف الظاهر فان الظاهر من الادلة ان كل سبب موضوع مستقل للحكم ، فالتفصيل المذكور لا يرجع الى محصل ، وصفوة القول : ان في المقام يتصور قسم ثالث وهو كون السبب الشرعي موضوعا للحكم شرعا وهو الصحيح على طبق ظواهر الادلة فلاحظ.

ولا يخفى ان ما نقل عن الفخر قدس‌سره في المقام من التفصيل المذكور على

٣٢١

تقدير تماميته انما يتم بالنسبة الى تداخل الأسباب وأما بالنسبة الى تداخل المسببات فلا مجال للتفصيل كما هو ظاهر اذ المفروض ان الحكم متعدد ولا كلام فيه انما الكلام في جواز تحقق الامتثال للجميع بامتثال واحد.

الامر الخامس : ان البحث في تداخل الأسباب وعدمه انما يتصور بالنسبة الى السبب الذي يكون قابلا للتكرار كالبول والنوم والجنابة والأكل وامثالها وأما بالنسبة الى ما لا يكون قابلا له كالافطار في يوم شهر رمضان فلا مجال للبحث اذ لا يتصور فيه التكرر كى يقال تتداخل الأسباب أولا تتداخل فان الافطار عبارة عن نقض الصوم وهذا العنوان يحصل بالوجود الأول ولا يعقل حصوله ثانيا لاستحالة تحصيل الحاصل ووجوب الامساك حكم شرعي وإلّا فلا اشكال في أنه ليس مصداقا للصوم ولذا يجب القضاء على كل حال.

اذا عرفت ما تقدم نقول التداخل في الأسباب يتوقف على كون القضية الشرطية ظاهرة في التداخل وعدمه يتوقف على كونها ظاهرة في خلافه ، وقال صاحب الكفاية ان الظاهر من القضية الشرطية حدوث الجزاء عند حدوث الشرط فلا بد من رفع اليد عن ظاهر القضية اذ يلزم على مقتضى الظاهر اجتماع حكمين متماثلين في حقيقة واحدة واجتماع المثلين محال كاجتماع الضدين فلا بد على القول بالتداخل اما من الالتزام بكون متعلق الجزاء وان كان واحدا صورة إلّا انه حقائق متعددة كى لا يلزم اجتماع المثلين أو الالتزام بدلالة الشرطية على مجرد الثبوت لا حدوث الجزاء فعلى القول بالتداخل يلزم احد الأمرين.

ويرد عليه : انه لا مانع عن اجتماع حكمين متماثلين في متعلق واحد فان اجتماعهما يوجب تأكد الحكم ولا يلزم اجتماع مثلين ، فلا وجه لرفع اليد عن ظهور القضية الشرطية لهذا المحذور كما انه لا معنى للالتزام بكون الوضوء أو الغسل حقائق متعددة فلا يلزم محذور من الالتزام بالتداخل انما المهم ملاحظة

٣٢٢

ما يكون ظاهرا من القضية الشرطية ، وبعبارة اخرى تارة يكون الدليل ظاهرا في التداخل واخرى لا يكون ، أما على تقدير ظهور الدليل فلا يتوجه الاشكال المذكور كى نحتاج الى دفعه ، فنقول الظاهر من القضية شرطية كانت أو حقيقية تعدد الحكم بتعدد الموضوع فاذا قال المولى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) على نحو اعطاء الضابط الكلي جواز كل بيع فرض في الخارج كما انه لو قال «ان بلت فتوضأ» يفهم منه تعدد الحكم بتعدد الموضوع والسر فيه ان الظاهر من القضية استقلال كل موضوع لترتب الحكم عليه وبعبارة اخرى : الظاهر من القضية حدوث الحكم وترتبه على كل مصداق من مصاديق الموضوع هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى ان تحقق الامتثال باول وجود من الطبيعة من باب صدق الطبيعة على أول الوجود منها لا ان المطلوب خصوص اول الوجود كى يقال مركز الحكم في كل وجود اول الوجود فيلزم التداخل.

وبعبارة واضحة : يستفاد الوجوب من الهيئة وتستفاد الماهية المطلقة من المادة فعلى تقدير كون القضية ظاهرة في استقلال كل موضوع لترتب الحكم عليه كما هو كذلك تكون النتيجة عدم تداخل الأسباب وصفوة القول ان كل قضية شرطية تنحل الى قضية حقيقية كما ان كل قضية حقيقية تنحل الى قضية شرطية فيكون موضوع القضية مقدمها ومحمولها تاليها ، فقول المولى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) معناه انه اذا وقع بيع في الخارج يكون صحيحا كما ان مرجع قوله اذا بلت فتوضأ الى قوله من بال يجب عليه الوضوء فالحملية والشرطية تتحدان من هذه الجهة انما الاختلاف في التعبير هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان كل قضية حقيقية تنحل الى قضايا عديدة لكل موضوع منها محمول وحكم خاص مستقل عن الحكم الآخر والقضية الشرطية ايضا كذلك.

فتحصل : ان الظاهر من الدليل عدم تداخل الاسباب بل يختص كل فرد من

٣٢٣

أفراد السبب بحكم مستقل اجنبي عن الأخر بلا فرق بين أن يكون الأسباب العديدة من جنس واحد كما لو بال متعددا او من اجناس مختلفة كما لو بال ثم نام ، فلا وجه للقول بالتداخل ولزيادة التوضيح نقول : اذا قال المولى اذا بلت فتوضأ يكون مقتضى اطلاق كلامه ان كل فرد من أفراد البول يوجب التكليف بالوضوء بال قبله أو لم يبل يبول بعده أو لا يبول فكل فرد من أفراد البول له حكم خاص ولا يرتبط احد الموضوعين بالآخر بل كل واحد من المصاديق مستقل في الموضوعية هذا تمام الكلام في المقام الأول.

وأما المقام الثاني : وهو التداخل في المسببات فلا اشكال في عدمه بحسب القاعدة الاولية لأن المفروض توجه التكليف المتعدد وحصول الامتثال بفعل واحد وسقوط التكاليف المتعددة بامتثال فارد بلا دليل ، نعم فيما تكون النسبة بين الموردين عموما من وجه يكون تحقق الامتثال باتيان المجمع على طبق القاعدة الاولية كما لو قال المولى «اكرم العالم» ثم قال اكرم هاشميا فلو اكرم العالم الهاشمي يتحقق الامتثال اذ يصدق انه اكرم هاشميا كما انه يصدق انه اكرم العالم ، ان قلت : يلزم اجتماع حكمين في المجمع ، قلت : ليس الأمر كذلك لأن المجمع لم يتعلق به الأمر بل الأمر تعلق بطبيعي اكرام الهاشمي كما انه تعلق باكرام العالم هذا فيما لا يكون الحكم انحلاليا بل الواجب صرف الوجود وأما لو كان انحلاليا يلزم أن يتأكد الوجوب في مجمع العنوانين.

وصفوة القول : ان التداخل في المسبب على خلاف القاعدة الاولية ، نعم يمكن أن يكتفى المولى بامتثال واحد كما ورد الدليل في تحقق امتثال الاوامر المتعددة بغسل واحد.

الموضع الثانى فى مفهوم الوصف :

وقع الكلام بين القوم في أنه هل يكون للوصف مفهوم أم لا؟ ومحل الكلام

٣٢٤

في مفهوم الوصف وعدمه ، الوصف المعتمد «كقولنا اكرم انسانا عالما» وأما الوصف غير المعتمد كقول «القائل اكرم عالما» فلا اشكال في عدم دلالته على المفهوم ، والوجه فيه أنه لا فرق بين الوصف غير المعتمد واللقب ، وبعبارة اخرى منشأ توهم المفهوم للوصف التقييد بالوصف الخاص ، بأن يقال ان الحكم مقيد بالقيد المذكور في الموضوع فمع عدم القيد لا يتحقق الموضوع.

وبعبارة اخرى : الحكم رتب على المقيد فينتفي عن الخالي عن القيد هذا في الوصف المعتمد وأما في غيره فلا يجري هذا البيان ، ولا فرق بينه وبين اللقب ، فالمتحصل ان الحكم يختص بالوصف المعتمد وبعبارة واضحة : تارة نقول تخصيص الحكم بموضوع خاص يقتضي المفهوم ، واخرى نقول تقييد الموضوع بقيد يقتضي نفي الحكم عن غير المقيد فعلى الأول يلزم أن نلتزم بمفهوم اللقب أيضا ولا نلتزم به ، وعلى الثاني يختص البحث بالوصف المعتمد فلاحظ.

ولا يخفى أيضا ان البحث يختص بمورد تكون نسبة القيد والوصف الى الموصوف نسبة الخاص الى العام أو تكون النسبة بينهما العموم من وجه بيان ذلك : ان الوصف المعتمد يتصور على أربعة أقسام : الأول : أن يكون الوصف مساويا مع الموصوف كقوله «اكرم انسانا ضاحكا» الثاني : أن يكون الوصف أعم مطلقا من الموصوف كقوله «اكرم انسانا ماشيا» الثالث : أن تكون النسبة بين الوصف والموصوف نسبة الخاص الى العام كقوله «اكرم انسانا عادلا». الرابع : أن تكون النسبة بينهما العموم من وجه كقوله «اكرم انسانا أسود» لا اشكال في خروج القسم الاول والثاني من النزاع.

وذلك لانه مع انتفاء المساوي أو الأعم لا يبقى الموضوع كى يبحث في أن مقتضى التوصيف انتفاء الحكم عن غير الموصوف وببيان واضح : المقصود من المفهوم نفي الحكم عن الموضوع المجرد عن الوصف ومع عدم بقاء الموضوع

٣٢٥

بانتفاء الوصف لا موضوع للبحث ، وأما القسم الثالث فلا اشكال في دخوله في محل الكلام كما هو ظاهر ، وأما القسم الرابع فالحق دخوله في دائرة البحث فلو قال للمولى «في الغنم السائمة زكاة» فعلى القول بالمفهوم يستفاد من كلامه عدم الزكاة في المعلوفة من الغنم.

اذا عرفت ما تقدم نقول : لا اشكال ولا كلام في عدم المفهوم للقب ، والوجه فيه ان اثبات شيء لشيء لا ينافي اثبات ذلك المحمول لموضوع آخر ، وبعبارة اخرى اثبات شيء لا ينفي ما عداه ولذا اشتهر في السنتهم وكتبهم أنه لا تنافي بين الاثباتين.

وصفوة القول : أن تعلق حكم باللقب لا يدل على عدم ثبوت ذلك الحكم لموضوع آخر وعلى هذا الاساس لا مفهوم للوصف غير المعتمد لعدم فارق بين اللقب والوصف غير المعتمد وأما الوصف المعتمد فالحق عدم دلالته على المفهوم وذلك لعدم الاقتضاء فان المفهوم يتوقف على ارتباط الحكم بوجود الوصف بحيث يكون الوصف المذكور علة لسنخ الحكم بنحو العلية المنحصرة فان لازمه عقلا انتفاء الحكم عند انتفائه والقضية الوصفية لا تدل على التقريب المذكور بل المستفاد من القضية الوصفية ترتب الحكم على الموضوع المقيد وان شئت قلت في القضية الوصفية المقيد هو الموضوع أو المتعلق وأما الحكم فلا تقيد فيه وما يكون مقتضيا للمفهوم هو الثاني فما يكون مقتضيا لا يستفاد من الوصفية وما يستفاد منها لا يكون مقتضيا ، وبعبارة واضحة ان قوام المفهوم بارتباط سنخ الحكم بالعلية المنحصرة وبهذا الاعتبار التزمنا بالمفهوم في الشرطية وقلنا ان الظاهر منها تعليق الحكم الكلي على العلة المذكورة فيها وهو المقدم وقلنا يستفاد منها انحصار العلية بالمذكور فيها وفي القضية الوصفية لا يكون الأمر كذلك فلا مقتضي للمفهوم.

وربما يستدل على مفهوم الوصف بوجوه : الوجه الاول : ان الوصف لو لم

٣٢٦

يدل على المفهوم فالاتيان به لغو ولا يمكن أن يصدر من الحكيم.

وفيه : أنه يمكن أن يكون الوجه في الاتيان به مزيد الاهتمام به فلا تنافي بين قوله «جعل الله الماء طهورا» وقوله «جعل الله ماء البحر طهورا» وعليه لا يكون الاتيان به لغوا فلا مقتضي للالتزام بالمفهوم وان شئت قلت الاهتمام بموضوع خاص وترتيب الحكم عليه لا يدل على نفي ذلك الحكم عن موضوع آخر.

الوجه الثاني : ان تعليق حكم على موصوف بوصف مشعر بعلية ذلك الوصف ويرد عليه : ان الاشعار المذكور على فرض تماميته لا يقتضي الالتزام بالمفهوم فان المفهوم متقوم بكون القضية ظاهرة في كون الوصف علة وقيدا للحكم بنحو العلية المنحصرة والحال ان القضية الوصفية ظاهرة في كون الوصف قيدا للموضوع فلا مقتضي للمفهوم.

الوجه الثالث : أنه لا اشكال عندهم في أن المطلق يحمل على المقيد فاذا قال المولى «اعتق رقبة» وقال في دليل آخر «اعتق رقبة مؤمنة» يحمل المطلق على المقيد ويلتزم بأن الواجب عتق الرقبة المؤمنة ولو لم يكن الوصف دالا على المفهوم لم يكن وجه للحمل المذكور.

ويرد عليه : ان الحكم المتعلق بالمطلق اما على نحو مطلق الوجود واما على نحو صرف الوجود فعلى الأول لا يحمل المطلق على المقيد لعدم التنافي بين الدليلين وأما على الثاني فحيث ان العرف يرى المقيد قرينة على المراد من المطلق يحمل المطلق عليه وبعبارة اخرى : يدور الأمر بين كون الواجب خصوص المقيد وكون الوجوب متعلقا بالمطلق ويكون المقيد أفضل الأفراد وحيث ان الظاهر من المقيد لزوم القيد يكون المقيد بيانا منفصلا للاطلاق ومع البيان لا يبقى للأخذ به مجال ولذا لا يفرق في حمل المطلق على المقيد بين الوصف المعتمد وغير المعتمد والحال ان غير المعتمد لا مفهوم له اتفاقا ، فالنتيجة ان حمل المطلق على المقيد لا يكون دليلا

٣٢٧

على اقتضاء الوصف للمفهوم.

ثم ان لسيدنا الاستاد تفصيلا في المقام وتقريبه انه لو رتب المولى حكما على الموصوف كان يقول «اكرم رجلا عالما» فتارة يقال ان مفهومه نفي الوجوب عن غير العالم ولو كان عادلا أو زاهدا وبعبارة اخرى : ينفى الحكم عن غير الموصوف على نحو الاطلاق واخرى يقال ان القضية الوصفية تنفي الحكم عن الفاقد للوصف فقوله «اكرم رجلا عالما» ينفي وجوب الاكرام عن مطلق الرجل فان كان مراد القائل بالمفهوم المعنى الاول لا يصح كلامه لما ذكرناه من عدم ما يقتضي المفهوم وأما ان كان مراد القائل المعنى الثاني فكلامه تام ، وذلك لأنه لو لم يلتزم بهذا المعنى يكون ذكر الوصف لغوا ، وبعبارة واضحة : أصل القيد للاحتراز فلا بد من الالتزام بالمفهوم بالمعنى المذكور كى لا يكون القيد لغوا ويترتب على هذا أثر مهم في الفقه وهو انه لو ورد دليل مطلق وورد ايضا دليل مقيد يحمل المطلق على المقيد ولو كان الحكم في المطلق على نحو مطلق الوجود كما لو قال المولى «اكرم العلماء» وفي دليل آخر قال «اكرم العلماء العدول» يحمل الدليل الأول على الدليل الثاني والحال ان المشهور قائلون بالتفصيل بين أن يكون المطلوب واحدا وبين كونه متعددا فيحملون المطلق على المقيد في الأول ولا يحملون المطلق على المقيد في الثاني هذا ملخص كلامه.

ويرد عليه : اولا : انه على هذا يلزم القول بالمفهوم في الوصف غير المعتمد كما لو قال المولى «اكرم عالما» اذ لو لا كون الحكم منفيا عن الجاهل كان ذكر خصوص العالم لغوا والحال انه بنفسه غير قائل بالمفهوم فى الوصف غير المعتمد وايضا يلزم القول بالمفهوم في اللقب اذ لو لم يكن قاصدا للنفي عن غير المذكور كان اللازم ترتيب الحكم على الجامع بين المذكور وغيره فاللازم أن يقول «اكرم انسانا» بدلا عن قوله «اكرم زيدا» وهل يلتزم بهذا اللازم وما الفارق بين

٣٢٨

المقامين.

وثانيا : انه على القول بالمفهوم فى قول المولى «اكرم رجلا عالما» نسأل ان النفى ما هو فان الرجل الجاهل لا يجب اكرامه وان كان عادلا أو زاهدا او سخيا أو شريفا أو مليا وهكذا فان قال نعم فلا موضوع للتفصيل وان قال لا فأين مورد النفي والحال ان كل جاهل يفرض فلا محالة يتصور له وصف يمكن أن يكون قائما مقام العلم ، وثالثا : ان ملاك المفهوم ان كان الاحتراز فما الدليل على التفصيل فان مقتضى الاحتراز الاحتراز عن جميع ما سوى المذكور فلا مجال للتفصيل ، ورابعا : ان فائدة ذكر الوصف كما ذكره في تقريب الاستدلال على مدعاه وان كان هو الاحتراز لكن الاحتراز لا يستلزم المفهوم فان المتكلم الذي يذكر الوصف في مقام اثبات المحمول للموضوع الموصوف وفى مقام بيان حكم خصوص الموضوع المذكور لا في مقام نفي الحكم عن غير المذكور وهذا سر عدم دلالة الوصفية على المفهوم فلاحظ.

الموضع الثالث فى مفهوم الغاية

وقع الكلام بين القوم بالنسبة الى الغاية في مقامين المقام الأول : انه هل الغاية داخلة في المغيى أم لا؟ وبعبارة اخرى يكون البحث في المقام الاول في المنطوق وفي المقام الثاني في المفهوم فنقول الظاهر خروج الغاية عن المغيى أعم من كون الغاية للموضوع أو للمتعلق فلو قال المولى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) يفهم من كلامه عدم دخول المرفق في المغسول وايضا لو قال (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) يفهم من كلامه ان الصوم الواجب الى الليل ولا يكون الصوم في الليل واجبا ، نعم لا اشكال في دخول الغاية في المغيى في بعض الموارد كما فى قول القائل «سرت من البصرة الى الكوفة» فان مقتضى القرينة الحالية الموجودة دخول المتكلم الكوفة ، فالنتيجة ان الحق عدم دخول الغاية في المغيى بلحاظ المنطوق ، نعم ربما

٣٢٩

يتوهم الدخول كما لو قال القائل «جاء الحاج حتى المشاة» أو قوله «اكلت السمك حتى رأسه» وهذا توهم فاسد اذ كلمة حتى قد تستعمل في الغاية وقد يراد بها العطف أما في مورد استعمالها في الغاية فيكون المستفاد منها ما يستفاد من كلمة «الى» «كقوله تعالى حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ» (١).

وأما في مورد استعمالها فى العطف فتكون خارجة عن محل البحث اذ الكلام في دخول الغاية لا في دخول المعطوف ، فالنتيجة في المقام الاول عدم دخول الغاية في المغيى.

وأما المقام الثاني : فتارة تكون الغاية غاية للموضوع كقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) واخرى تكون غاية للمتعلق كقوله تعالى (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) وثالثة تكون غاية للحكم كقوله عليه‌السلام «كل شيء حلال حتى تعرف انه حرام» أما لو كانت غاية للموضوع أو كانت غاية للمتعلق فيتوقف الالتزام بالمفهوم على الالتزام بمفهوم الوصف لوحدة الملاك وقد مر انه لا مقتضي للالتزام بمفهوم الوصف ، وأما ان كانت غاية للحكم فتارة يقع البحث في مقام الثبوت واخرى في مقام الاثبات ، أما بحسب مقام الثبوت فلا اشكال في المفهوم اذ المفروض جعل الغاية للحكم ، وبعبارة اخرى فرض له الغاية والانتهاء فبقائه بعد فرض انتهائه خلف.

وأما بحسب مقام الاثبات فتارة يكون الحكم مستفادا من الهيئة ويكون المتعلق مذكورا في القضية كما في قوله «اكنس المسجد من الباب الى المحراب» فبحسب موازين الأدب يكون الجار متعلقا بالمتعلق أي اكنس كنسا من الباب الى المحراب ولا يكون قيدا للحكم ، واخرى : يكون الحكم مستفادا من المادة ويكون المتعلق مذكورا في القضية كما لو قال المولى يجب الصوم الى الليل فربما يتردد الأمر

__________________

(١) الاعراف / ٤٠

٣٣٠

بين رجوع الجار الى الحكم وبين رجوعه الى المتعلق فلا ظهور في احد الطرفين ، وثالثة يكون الحكم مستفادا من المادة ولا يكون المتعلق مذكورا في القضية كما في قول القائل يحرم الطعام الى أن يضطر اليه ففي مثله يكون الجار متعلقا بالحكم ويستفاد منه المفهوم.

الموضع الرابع فى أداة الحصر

منها : كلمة الا ، وهذه الكلمة تارة يراد بها الغير ، واخرى يراد بها الاستثناء ، فعلى الأول لا يستفاد منها الحصر بل حكمها حكم الوصف وقد تقدم عدم دلالة الوصف على المفهوم ، وأما على الثاني فتدل على الحصر بلا اشكال ولا كلام ولذا يكون الاستثناء من النفي اثباتا ومن الاثبات نفيا وعن أبي حنيفة انكار دلالة هذه الكلمة على الحصر ، واستدل على مدعاه بقول عليه‌السلام «لا صلاة إلّا بطهور» بتقريب ان هذه الكلمة لو كانت للحصر يلزم أن يكون الطهور وحده صلاة وأما الصلاة الجامعة لجميع الأجزاء والشرائط سوى الطهور فلا تكون صلاة وهو كما ترى وهذا دليل على عدم كون هذه الكلمة للحصر.

وأجاب صاحب الكفاية عن هذا الاستدلال بوجوه : الوجه الاول : ان يكون المراد من الصلاة في قوله «لا صلاة إلّا بطهور» هي الصلاة الجامعة للأجزاء والشرائط سوى الطهور فان الواجد لجميع الأجزاء والشرائط غير الطهور لا تكون صلاة على القول بالصحيح ولا تكون صلاة تامة على القول بالأعم.

وأورد عليه سيدنا الاستاد : بأن لازم كلام الكفاية ان الصلاة اى لفظها يستعمل في المعاني العديدة ، اذ ورد في حديث آخر لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب ، وفي ثالث لا صلاة لمن لم يقم صلبه. والظاهر ان ايراده غير وارد وذلك لأن لفظ الصلاة يمكن أن يستعمل في هذه الموارد في المعنى الواحد وهو الجامع لجميع الأجزاء

٣٣١

والشرائط ، غاية الأمر الاختلاف فى المصاديق فربما يكون النقصان من ناحية الطهور واخرى من ناحية الفاتحة وثالثة من ناحية اخرى فهذا الايراد غير وارد ظاهرا.

الوجه الثاني : ان هذه الكلمة لم تستعمل في الحصر في هذه الجملة وقد قامت عليه القرينة.

وأورد عليه سيدنا الاستاد : انه لا قرينة في المقام تدل على المدعى واستعمال هذه الكلمة في المقام كاستعمالها في سائر الموارد.

الوجه الثالث : ان كلمة (الا) في هذه الجملة تدل على نفي الامكان اي لا تكون الصلاة ممكنة الا مع الطهور.

وأورد عليه سيدنا الاستاد : بأن الخبر المقدر في هذه التراكيب موجود لا ممكن ثم قال : الحق أن يقال ان هذا التركيب ينحل الى خبرين احدهما ان الصلاة لا تتحقق في الخارج بلا طهور واذا تحققت تكون مع الطهارة كما لو قال شخص «اني لا آكل الطعام الا مع الملح فانه ينحل الى قوله لا يتحقق الأكل مني بلا ملح واذا تحقق يكون مع الملح وان شئت قلت : المستفاد من الجملة ان وجود الصلاة يستلزم الطهور لا انه اذا تحقق الطهور تتحقق الصلاة.

ثم ان المناسبة اقتضت أن يقع الكلام في كلمة التوحيد وهو ان الجملة الشريفة تدل على التوحيد والحال ان الخبر المقدر لكلمة (لا) اما ممكن واما موجود وعلى كلا التقديرين يتوجه الاشكال ، أما على الاول فلا تدل على وجوده تعالى لعدم ملازمة الامكان مع الوقوع وأما على الثاني فلا تدل على التوحيد اذ النفي متعلق بالوجود لا بالامكان.

ويمكن أن يجاب عن الاشكال : بان الكلمة المباركة تدل على التوحيد على كلا التقديرين لأن واجب الوجود اذا كان ممكنا لا يعقل أن لا يكون موجودا لفرض

٣٣٢

وجوب وجوده فعلى الأول يدل على عدم امكان غير ذاته سبحانه ووجود ذاته المقدسة لأن امكان ذاته مساوق لوجوده ، وأما على الثاني فأيضا يدل على المطلوب اذ عدم وجود غير ذاته المقدسة دليل على الامتناع فلاحظ.

ثم الظاهر ان دلالة (الا) على الحصر ليس بالمفهوم فان الدلالة المفهومية متقومة بكون الموضوع واحدا في المنطوق والمفهوم ، غاية الأمر ان دلالة الكلام على ثبوت المحمول للموضوع على تقدير ثبوت المعلق عليه بالمطابقة ودلالة الكلام على نفي المحمول عن الموضوع عند انتفاء المعلق عليه بالالتزام وفي المقام الأمر ليس كذلك اذ فى قولنا «جاء القوم الا زيدا» يكون الموضوع في احد الخبرين لفظ القوم وفي الخبر الآخر لفظ زيد ، فالحق ان دلالة (الا) على الحصر تكون بالمنطوق لا بالمفهوم.

ومن أداة الحصر كلمة انما وهذه الكلمة قد تستعمل ويراد منها قصر الصفة في الموصوف كما لو قال «انما القدرة لله تعالى» فان المراد من الجملة ان القدرة منحصرة في الله تعالى وان غيرها مستند الى قدرته وقد تستعمل ويراد قصر الموصوف في الصفة كما لو قال احد «انما زيد عابد» والظاهر ان استعمالها في قصر الموصوف في الصفة يكون على المبالغة كالمثال المتقدم اذ لا اشكال في أن صفة الشخص لا تنحصر بالعبادة والظاهر ان استعمالها في حصر الصفة في الموصوف قد يكون على المبالغة كما لو قال احد «الفقيه الشيخ الانصاري» او لو قيل «السخي حاتم» فانه لا اشكال في عدم انحصار الفقه في الشيخ وعدم انحصار السخاوة في حاتم ، ومن موارد استعمال هذه الكلمة في حصر الصفة في الموصوف بلا مبالغة قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الخ (١).

فان هذه الآية الشريفة واردة في شأن مولى الموحدين امير المؤمنين عليه‌السلام ،

__________________

(١) المائدة / ٥٥

٣٣٣

وتدل على امامته وخلافته عن الرسول الاكرم ، ويستفاد منها انحصار الامامة والخلافة فيه وان غيره من المتصدين لهذا المنصب من الثلاثة ومن بعدهم من بني امية وبني العباس عليهم آلاف اللعن والعذاب غاصب ضال مضل يتبوأ مقعده من النار ، ودلالة الآية الشريفة على المدعى موقوفة على استفادة الحصر من الكلمة.

ولذا أورد الرازي (١) على الاستدلال بأن هذه الكلمة لا تكون للحصر ولذا نرى استعمالها في غير الحصر لاحظ قوله تعالى (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ)(٢).

ولا شك ان الحياة الدنيا لها أمثال أخر ولاحظ قوله تعالى (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)(٣). والحال انه لا شك في أن اللهو واللعب قد يحصلان في غيرها.

ويرد عليه : اولا النقض بقوله تعالى (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ)(٤) وقوله سبحانه (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ)(٥) فان دلالة كلمة الا على الحصر غير قابلة للانكار فما يجيب الرازي عن الآيتين؟ وكل ما يجيب عنهما نجيب به عن النقض الذي ذكره في المقام فان أجاب بأن القرينة قائمة على عدم دلالة كلمة الا على الحصر ، نقول الكلام هو الكلام فلا يكون نقضه دالا على عدم كون كلمة انما دالة على الحصر.

وثانيا : نجيب بالحل ونقول أما قوله تعالى (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) فالحصر المستفاد منه مطابق للواقع وقول الرازي ان اللهو واللعب يوجدان في غير الحياة الدنيا مدفوع بأن الحياة الدنيا محصورة في اللهو واللعب فلا ينافي

__________________

(١) التفسير الكبير ، ج ١٢ ، طبع مصر ، ص ٣٠

(٢) يونس / ٢٤

(٣) محمد / ٣٦

(٤) الانعام / ٣٢

(٥) العنكبوت / ٦٤

٣٣٤

الحصر وجود اللهو واللعب في غير الحياة الدنيا مضافا الى أن اللهو واللعب منحصران في الحياة الدنيا وأما الحياة العقبى فليس فيها لهو ولعب.

وأما قوله تعالى (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) الخ» فيمكن أن يجاب بأن الحصر فيه ايضا حقيقي بتقريب ان الظاهر ان الله سبحانه في مقام بيان ان الماء المنزل من السماء وما ذكر في الآية من الخصوصيات له ظاهر يجلب الأنظار اليه والناس مشتاقون اليه ولكن لا بقاء له ولا استقرار ويزول بالسرعة فكما انه فان وغير باق وموجب لاغترار الناس به كذلك الحياة الدنيا فانها توجب اغترار الناس واشتغالهم بها والخوض في حطامها ونعمها الفانية الموجبة للخسران الابدي والضلال الدائمي وانما مثل لها بهذا المثال لا لخصوصية فيه بل لأنه احد الأفراد التي لها ظاهر جالب للانظار ، وصفوة القول : انه أعطى الحكم في ضمن المثال وببيان واضح : ان المراد من الآية ان الدنيا مثلها مثل الموجود الفاني الزائل وان أبيت عن هذا البيان نقول لا مقتضي لرفع اليد عن الظاهر بمجرد ارادة خلاف الظاهر مع القرينة فان باب المجاز واسع ولكن الرازي وامثاله استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أعاذنا الله من الزلل وعليه التوكل والتكلان.

ثم ان دلالة هذه الكلمة على الحصر هل هي بالمفهوم أم بالمنطوق؟ ربما يقال كما عن الميرزا النائيني ان دلالتها عليه بالمنطوق اذ الدلالة المفهومية عبارة عن نفي الحكم عن الموضوع الذي ذكر في القضية وأثبت له الحكم كما في قولنا «ان جاءك زيد فاكرمه» فان وجوب الاكرام ثبت لزيد على تقدير المجيء ونفي الوجوب على تقدير عدم المجيء وبعبارة واضحة : لا بد في الدلالة المفهومية في مقابل المنطوقية وحدة الموضوع والحال ان الموضوع في المقام ليس متحدا فان من ثبت له الولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام ومن سلبت عنه الخلافة غيره فلا يكون الموضوع في القضيتين واحدا ، والحق ان نفي الحكم عن الغير داخل

٣٣٥

في المفهوم اذ قد مر في أول البحث ان المفهوم عبارة عن الحكم غير المذكور وهذا التعريف ينطبق على المقام ، إلّا أن يقال ان دلالة لفظ (انما) على الحصر كدلالة لفظ (الا) عليه وقد مر ان دلالتها بالمنطوق وكيف كان الأمر سهل ، وأما لو رتب الحكم على عدد خاص كما لو قال المولى «اكرم اربعا من العلماء» فلا اشكال في أنه لا مفهوم لكلامه وأما عدم حصول الامتثال باكرام الاقل فهو ليس من باب المفهوم بل من باب عدم الاتيان بالمأمور به فانه ما دام لم ينطبق المأمور به على المأتي به لا يحصل الامتثال وهذا واضح ظاهر ، هذا بالنسبة الى طرف النقيصة وأما بالنسبة الى الزيادة فتارة يفهم من قرينة ان العدد الخاص مأمور به بحيث اخذ بشرط لا ، واخرى يكون العدد المأمور به لا بشرط ، أما على الأول فلا بد من الاقتصار على المقدار المأمور به ولا يحصل الامتثال لو زيد عليه لعدم تحقق المأمور به في الخارج على الفرض ، وأما على الثاني فلا مانع من الزيادة اذ فرض العدد لا بشرط وأما الدليل فلا تعرض فيه لنفي الحكم عن الزائد كما انه غير متعرض للاثبات وعلي الجملة الحكم المترتب على العدد الخاص غير متعرض لحكم الاقل والاكثر وبعبارة واضحة لا مفهوم له.

ومن أداة الحصر كلمة (بل) ولا يخفى ان هذه الكلمة قد تستعمل لافادة ان المضرب عنه أتى به غفلة أو لأجل سبق اللسان كما لو أخبر أحد بأنه «جاء زيد ثم قال بل خالد» ولا اشكال في عدم دلالة هذا الكلام على الحصر بل المستفاد من مثله ان المتكلم لا يكون في مقام الاخبار عن مجيء زيد بل في مقام الأخبار عن مجىء خالد وقد تستعمل في مقام التأكيد والترقي كما لو قال أحد فلان فاضل بل مجتهد ، ولا اشكال أيضا في عدم دلالة مثل هذا الكلام على الحصر وقد تستعمل لاثبات ابطال المضرب عنه كما في قوله تعالى (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) بَلْ

٣٣٦

عِبادٌ مُكْرَمُونَ (١) ولا اشكال في افادة الحصر ونفي المضرب عنه فان الآية الشريفة تنفي كون الملائكة أولادا لذاته المقدسة.

ومما يعد في عداد ما يفيد الحصر تعريف المسند اليه باللام كقول القائل «الفقيه زيد» وانكر دلالة المسند اليه المعرف باللام على الحصر صاحب الكفاية بتقريب ان الظاهر من اللام الجنس والظاهر من الحمل الشائع الذي ملاكه الاتحاد في الوجود فلا مقتضي لاستفادة الحصر ، نعم لو كان اللام للاستغراق أو تمت مقدمات الاطلاق ولوحظ مدخول اللام مرسلا أو قامت قرينة على كون الحمل حملا اوليا ذاتيا يستفاد الحصر وإلّا فلا هذا ملخص كلامه.

والانصاف أنه لا يبعد أن يستفاد من الجملة الحصر ولذا لو قيل بالفارسي «زننده زيد است» لا يبعد أن يستفاد من الجملة حصر الضارب في زيد.

الموضع الخامس فى مفهوم اللقب :

فنقول الحق عدم دلالته على المفهوم فان اثبات حكم لموضوع خاص لا يدل على نفي سنخ ذلك الحكم عن غيره ، ان قلت ، لو لا المفهوم فما فائدة ذكر اللقب بالخصوص.

قلت : يمكن أن يكون الوجه فيه مزيد اهتمام المولى بالشخص الفلاني.

وربما يستدل على المفهوم بقول القائل مخاطبا لغيره لا أنا زان ولا اختي ، فانه يفهم منه اثبات كون المخاطب واخته من الزواني.

ويرد عليه : ان دلالة الكلام مع القرينة لا تقتضي الالتزام بالدلالة على الاطلاق وعلى الله التوكل هذا تمام الكلام في المفاهيم.

__________________

(١) مريم / ٨٨

٣٣٧

المقصد الرابع فى العام والخاص وفيه فصول :

الفصل الاول : لا اشكال فى ان مفهوم العام من المفاهيم الظاهرة الواضحة عند الكل ولا حاجة الى تحقيق معناه وتعريفه حدا ورسما اذ ليس غرض للاصولي في معرفة حده ورسمه بل يكفى الاشارة اليه بأي نحو ممكن وربما يتوهم أنه يلزم معرفة العام وأقسامه وتحقيق كل واحد منها كى يقدم فيما يكون مقتضى الجمع العرفي تقديمه على غيره ، ولكن التوهم المذكور غير تام لأن الميزان في تقديم أحد الدليلين على الدليل الآخر كونه قرينة عرفية وكونه حاكما وشارحا للدليل الآخر ولذا نرى أنه يقدم المطلق الذي يحرز اطلاقه بمقدمات الحكمة على الوضع كما في قول القائل «رأيت اسدا يرمى» فانه يستفاد من هذه الجملة ان المرئي كان رجلا شجاعا يرمي بالسهام مع ان استفادة الرمي بالسهام من الاطلاق واستفادة الحيوان المفترس من لفظ الاسد بالوضع لكن العرف يرى قول القائل يرمي قرينة على كون المراد من لفظ الاسد الرجل الشجاع.

ثم ان العموم ينقسم الى الاستغراقى والمجموعي والبدلي ومنشأ انقسامه الى هذه الأقسام اختلاف الاغراض اذ ربما يتعلق الغرض بكل فرد من الأفراد بحيث يكون كل فرد على حياله واستقلاله مورد الغرض ويرتبط أحد الأفراد بالآخر كما لو تعلق غرض المولى باكرام كل عالم فيأمر عبده أن يكرم كل أحد من العلماء فيقول لعبده اكرم العلماء فيكون لاكرام كل واحد من العلماء وجوب خاص به وله اطاعة وعصيان وقد يتعلق الغرض باكرام مجموع العلماء بحيث يكون اكرام الجميع واجبا واحدا فلو اكرم العبد جميع العلماء الا واحدا منهم لا يحصل غرض المولى ولا يحصل الامتثال وقد يتعلق الغرض باكرام واحد منهم فيأمر عبده باكرام واحد منهم أو يأمر بعتق عبد واحد ويتحقق الامتثال باكرام واحد من العلماء

٣٣٨

ويتحقق العصيان بترك اكرام الجميع والظاهر أنه لا فرق بين تعلق الحكم بالطبيعة وبين تعلقه بالفرد المنتشر فكما يحصل امتثال الأمر المتعلق بالطبيعة بأول فرد يوجد من الطبيعي كذلك يحصل به فيما يكون الأمر متعلقا بالفرد المنتشر إلّا أن يفهم من الدليل ان الفرد المأمور به مقيد بالوحدة واخذ بشرط لا ، فلا يحصل الامتثال الا بهذا النحو.

ثم ان الأقسام المذكورة للعموم هل تتصور في جانب المحرمات كما تتصور في جانب الواجبات؟ أما العموم الاستغراقي فهو متصور في المحرمات كما يتصور في الواجبات بل اكثر المحرمات كذلك فان كل فرد من أفراد الكذب حرام وقس عليه كثيرا من المحرمات كالزنا واللواط والغيبة والتهمة وهكذا ، وأما العام المجموعي فهو ايضا يتصور في المحرمات اذ يمكن أن يتعلق غرض المولى بخلو صفحة الوجود عن الطبيعة الخاصة بحيث لو أتى ولو بفرد واحد منها لاختل غرضه ، وأما العموم البدلي فلا بد فيه من التفصيل بأن يقال تارة يكون المبغوض اول وجود من الطبيعة بحيث لو أتى به لا يكون الاتيان بغيره من الأفراد مبغوضا ، واخرى يتعلق الغرض بعدم تحقق فرد منتشر بين الأفراد ، أما على الأول فلا بد من تعلق النهي بأول وجود من الطبيعة اذ من الظاهر ان اول الوجود منها مقدور للعبد وقابل لأن يتحقق فى الخارج والمفروض ان المفسدة قائمة به وهو مبغوض للمولى فتعلق النهي به على طبق القاعدة ، وأما على الثاني فلا مجال لتعلق النهي به اذ هو حاصل بلا تعلق النهي وتحصيل الحاصل محال ، وان شئت قلت يكون النهي عنه لغوا وهو لا يصدر عن الحكيم.

ثم ان الفرق بين العام والمطلق الشمولي بالوضع ومقدمات الحكمة وبعبارة اخرى لا اشكال في انه كما انه يستفاد الاستغراق من قول المولى اكرم العلماء وهو وجوب اكرام كل عالم كذلك يستفاد من المطلق الشمولي الحكم الاستغراقي فان

٣٣٩

المستفاد من قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) جواز كل بيع وجد في الخارج وصحته والفرق بين العموم والاطلاق بأن العام كلفظ كل موضوع للسريان والعموم والسريان يفهم من الوضع وأما السريان المستفاد من المطلق فهو مستفاد من مقدمات الحكمة وهل يترتب أثر على الفرق بين المقامين أم لا ويظهر فيما بعد إن شاء الله فانتظر.

ثم ان صيغ العموم وضعت للدلالة على سراية الحكم الى كل واحد من الأفراد التي يصدق عليه العنوان الذي يكون مدخولا للفظ العموم فلو قال المولى «اكرم كل عالم» يفهم من كلامه وجوب اكرام كل شخص يكون عالما ، وان شئت قلت : صيغة العموم بنفسها تفيد شمول الحكم لجميع أفراد مدخوله ولا يتوقف انعقاد العموم على جريان مقدمات الحكمة ، ومما ذكرنا يعلم ان أسماء الأعداد كلفظ العشرة مثلا لا تكون من صيغ العموم بل لفظ العشرة كبقية أسماء الأجناس فكما ان الرقبة لو وقعت موضوعا للوجوب كقول المولى لعبده «اعتق رقبة» تدل على الجنس وببركة مقدمات الحكمة نلتزم بحصول الامتثال في عتق اية رقبة من الرقاب كذلك لو قال المولى لعبده «اكرم عشرة رجال» يفهم وجوب اكرام عدد خاص وببركة مقدمات الحكمة نلتزم بحصول الامتثال باكرام العدد المذكور بلا تقيده بقيد من القيود.

وبعبارة واضحة : لا يدل لفظ العشرة في المثال المذكور على سراية الحكم الى كل ما يصدق عليه عنوان المدخول ، نعم لا اشكال في دلالة لفظ العشرة في المثال المذكور على تعلق الحكم بكل واحد من آحاد العشرة لكن هذه الدلالة ليست كدلالة صيغة العموم بل من باب دلالة كل مركب على أجزاء ذلك المركب وببيان آخر : ان دلالة لفظ العشرة على وجوب اكرام العدد الخاص كدلالة لفظ الصلاة على وجوب أجزائها فيما لو قال المولى لعبده صل ، ولذا نقول دلالة صيغة العموم على الأفراد الداخلة تحته تكون دلالة مستقلة وأما دلالة لفظ العشرة على العدد

٣٤٠