آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

التام.

وثانيا : سلمنا تحقق الاستقراء الناقص بهذا المقدار لكن لا يحصل من الناقص منه إلّا الظن والظن لا يغني من الحق شيئا.

وثالثا : ان كلمات القوم وآرائهم في باب الاستظهار مختلفة فان بعضهم ذهب الى استحبابه مضافا الى أن مقتضى الاستصحاب بقاء الحيض فكون المرأة باقية على حيضها مقتضى الاستصحاب.

ورابعا : ان الصلاة لا تكون على الحائض محرمة ذاتا بل تكون حرمتها تشريعية كما ان مقتضى القاعدة في الماءين المشتبهين ان المكلف يصلي صلاتين بوضوءين فلا يرتبط ذلك المقام بتغليب جانب الحرمة ، فالنتيجة انه لا مرجح لأحد الطرفين على الآخر بل مقتضى القاعدة التساقط مع عدم مرجح سندي وإلّا يقدم ما فيه الترجيح فلاحظ ، نعم يمكن أن يقال ان دليل لا تغصب يقدم على دليل وجوب الصلاة وذلك لأن الدليل المتكفل للأحكام المترتبة على العناوين الثانوية كالغصب يقدم على الدليل المتكفل للحكم المترتب على العنوان الأولي ولذا لا اشكال في عدم التعارض بين دليل جواز اكل التفاح ودليل حرمة الغصب مع ان النسبة بين الدليلين عموم من وجه وكل من الدليلين يدل بالاطلاق لا بالعموم الوضعي.

ويمكن تقريب التقديم بوجه آخر وهو ان الدليل الدال على وجوب الصلاة أو الدليل الدال على جواز اكل التفاح لو قدم على دليل حرمة الغصب لما بقي موضوع تحت دليل حرمة الغصب بخلاف العكس وهذا بنفسه من المرجحات العرفية في باب تعارض الظهورات فلاحظ.

ثم انه على فرض عدم ترجيح احد الطرفين على الآخر وتساقط الدليلين هل يمكن الالتزام بصحة الصلاة في الدار المغصوبة مع احتمال الحرمة الواقعية ام لا؟ أفاد صاحب الكفاية انه يكفي للحكم بالصحة جريان البراءة عن الحرمة اذ بعد فرض

٢٨١

جريانها واثبات الحلية الظاهرية لا مانع من الحكم بالصحة ولا يتوقف جريان البراءة في المقام على جريانها في باب الاقل والأكثر لأن الشك في المقام في الحرمة ولا اشكال في جريانها فيها فلا مانع من الصحة ببركة جريان البراءة عن الحرمة ، نعم لو كانت المفسدة الواقعية مؤثرة في المبغوضية لا يمكن الجزم بالصحة اذ كيف يمكن التقرب بمبغوض المولى.

واورد عليه سيدنا الأستاد بوجوه من الايراد : الوجه الأول : ان مجرد جريان البراءة عن الحرمة لا يقتضي الصحة اذ مع فرض تساقط الدليلين كما هو المفروض لا مقتضي للصحة وبعبارة اخرى : بعد فرض التساقط بالمعارضة لا يشمل دليل وجوب الصلاة المورد ، فما أفاده في الكفاية من الحكم بالصحة ببركة جريان البراءة عن الحرمة غير تام الاعلى القول بكون الاصل العملي مثبتا بأن نقول مع كون التصرف جائزا بالبراءة لا تكون الصلاة مقيدة بغير هذا الفرد ولكن الأصل المثبت لا نقول به.

وهذا الايراد الذي أورده على صاحب الكفاية تام إلّا أن يقال انه كيف لا يفيد الأصل للصحة الظاهرية مع ان المانع عن الصحة حرمة التصرف ولو لا الحرمة لا مانع من الصحة ولذا صرح سيدنا الاستاد بأنه لو قامت الامارة على الحلية تصح الصلاة وعلى الجملة المانع حرمة التصرف وبعد جريان البراءة عن الحرمة تصح الصلاة ظاهرا وليس هذا التزاما بالأصل المثبت لأن المفروض ان التقييد والاشتراط من ناحية الحرمة وببيان واضح ان كان المانع عن الصحة الحرمة فببركة اصالة الاباحة تترتب الصحة الظاهرية وان كان المانع غير الحرمة فقيام الامارة على الحلية ايضا لا يفيد.

الوجه الثاني : انه قد قرر في محله جريان البراءة عن الاكثر في مقام دوران الأمر بين الاقل والاكثر وعليه لا مانع من جريان البراءة عن تعلق امر المولى بالصلاة

٢٨٢

في غير المغصوب فدليل وجوب الصلاة يشمل الصلاة الواقعة في المغصوب فيحكم بالصحة الظاهرية وما أفاده في الوجه الثاني مبني على جريان البراءة الشرعية عن الاكثر الارتباطي ولنا كلام واشكال في هذا المقام موكول الى ذلك البحث ونتكلم حوله هناك إن شاء الله.

نعم على فرض تسلم جريان البراءة عن الاكثر الارتباطي يكون ايراده على صاحب الكفاية في محله.

الوجه الثالث : ان المفسدة الواقعية غير محرزة وعلى فرض وجودها كونها مؤثرة في المبغوضية اول الكلام اذ يمكن أن تكون مغلوبة في مقابل المصلحة فلا مانع عن صحة الصلاة بعد جريان البراءة عن الاشتراط.

ويرد عليه : انه مع احتمال وجود المفسدة واحتمال المبغوضية لا تحرز الصحة اذ لا يمكن التقرب بالمبغوض ، نعم يمكن احراز عدم المبغوضية بالاستصحاب فان مقتضي استصحاب عدم كونه مبغوضا امكان التقرب به وبعبارة اخرى نشك في كونه مبغوضا وعدمه فنحكم بعدم المبغوضية بأن نقول هذه الحركة قبل تحققها لم تكن مبغوضة ولو لعدم وجودها وتحققها والأصل بقائها على ما كان.

ثم ان صاحب الكفاية الحق تعدد الاضافات بتعدد العنوانات وقال ان كان تعدد العنوان موجبا لتعدد المعنون ومقتضيا لجواز اجتماع الأمر والنهي يكون تعدد الاضافة كذلك وما نرى من الفقهاء من معاملة التعارض في مثل «اكرم العلماء ولا تكرم الفساق» ناش اما من ذهابهم الى الامتناع واما لاحرازهم عدم المقتضي في احد الحكمين.

ويرد عليه : اولا ان من الفقهاء من يكون قائلا بجواز الاجتماع ومن ناحية اخرى لا طريق للفقيه لأن يعلم الواقع فلا يمكنه أن يقول بأنه لا مصلحة في الواقع للحكم الفلاني وعلى هذا الاساس التزامهم بالتعارض في جميع ابواب الفقه لا

٢٨٣

يكون ناشيا من الالتزام بالامتناع كما انه لا يكون ناشيا من العلم بالواقع.

وثانيا : ان القائل بالجواز انما يقول به فيما يكون هناك عنوانان كالصلاة والغصب يكون بينهما عموم من وجه ففي مورد التصادق يقول حيث ان التركيب انضمامي يمكن أن يجمع الأمر والنهي ويتحقق الامتثال والعصيان في فرد واحد كالصلاة الواقعة في المكان المغصوب وان شئت قلت يلزم أن يكون كل من العنوانين تقييديا بمعنى ان العنوان بنفسه يكون متعلقا للأمر والعنوان الآخر يكون متعلقا للنهي وأما في المثال المتقدم اي قوله اكرم العلماء ولا تكرم الفساق يكون العنوان تعليليا أي الوجوب والحرمة كلاهما رتبا على الاكرام وببيان واضح : يكون اكرام العالم الفاسق واجبا لعلمه وحراما لفسقه ، وببيان اوضح : قد حرم الاكرام لكونه مضافا الى الفاسق وأيضا وجب الاكرام لكونه مضافا الى العالم فاكرام العالم الفاسق مصداق للواجب ومصداق للحرام وهذا غير معقول اذ لا يمكن أن يكون المحبوب مبغوضا.

وثالثا : ان مقتضى صراحة كلامه امكان تعلق الأمر والنهي بكل عالم فاسق فان العام الاستغراقي ينحل بانحلال أفراده فمقتضى قوله اكرم العلماء ولا تكرم الفساق وجوب اكرام كل عالم وفاسق وحرمته وهذا غير معقول من ناحية المبدأ والمنتهى ، أما من ناحية المبدأ فلاستلزامه اجتماع الضدين وأما من ناحية المنتهى فلعدم امكان الجمع بين النقيضين فمثل هذا التكليف تكليف محال وتكليف بالمحال وبطلانه أوضح من أن يخفى.

فصل : فى النهى عن العبادة او المعاملة :

ويقع الكلام في هذا الفصل من جهات :

الاولى : ان الفارق بين هذا البحث والبحث عن جواز الاجتماع وعدمه هو ان البحث هنا في أن النهى عن العبادة هل يقتضي فسادها أم لا والبحث هناك في

٢٨٤

أن العبادة على القول بالامتناع هل تكون منهيا عنها أم لا ، فيكون البحث هناك عن الصغرى وفي المقام عن الكبرى.

الثانية : ان البحث في المقام من المسائل الاصولية العقلية اما كونها اصولية فلأنها دخيلة في استنباط الحكم الشرعي على ما تقدم في اول الكتاب من تعريف الأصول واما كونها عقلية فلأن الحاكم بالبطلان والفساد هو العقل.

الثالثة : أنه لا فرق فيما هو مورد الكلام والبحث بين النهي التحريمي والنهى الكراهي اذ الوجه في الفساد عدم امكان اجتماع الحب والبغض والكراهة في محل واحد ومن هذه الجهة لا فرق بين الحرام والمكروه غاية الأمر تكون الكراهة في المكروه اخف من الكراهة في الحرام.

وفرق سيدنا الاستاد بين النهي التحريمي والكراهي وقال : النهي الكراهي اما يتعلق بنفس العبادة واما يتعلق بتطبيق الطبيعي على ذلك الفرد الخاص فعلى الاول لا بد من الالتزام بكون المنهي عنه أقل ثوابا اذ لا يعقل اجتماع الكراهة والحب واما على الثاني ، فيمكن أن يكون النهي كراهيا ولا يتوجه اشكال اجتماع الضدين لأن المفروض ان متعلق الحب غير متعلق الكراهة فلا تنافي بينهما.

ويرد عليه : اولا ، النقض بالنهي التحريمي بأن نقول لا بد من الالتزام فيه بالجواز فيما يكون متعلقا بالتطبيق وثانيا : نجيب بالحل ونقول وجود الفرد في الخارج عين الوجود الطبيعي وعليه لا يعقل اجتماع الحب والكراهة فلا يمكن أن تكون العبادة مصداقا للواجب ومع ذلك تكون مكروهة للمولى فلاحظ ، فالنتيجة أنه لا فرق بين النهي التحريمي والكراهي في أن كليهما يقتضيان الفساد على القول به في النهي التحريمي نعم لا اشكال في أن النهي الغيري لا يقتضي الفساد لأن النهى الغيري لا يكون ناشئا عن المبغوضية.

الرابعة : ان النهي الذي هو محل الكلام النهي المولوي وأما النهي الارشادي

٢٨٥

الذي يرشد الى مانعية شيء في المنهي عنه فلا اشكال في دلالته على الفساد فان النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه وأيضا النهي عن بيع الغرر يدل على فساد الصلاة في الاول وعلى فساد البيع في الثاني ، والوجه فيه ان النهي الارشادي يدل على تقيد المتعلق أو الموضوع بعدم ذلك المانع ، وبعبارة اخرى : يكشف عن أن المولى رتب حكمه بالطبيعة التي لا يكون ذلك المانع فيه فلا ينطبق المأمور به على الواجد لذلك المانع فلا يجزي الواجد لذلك المانع فلا يصح كما ان الامر كذلك في الامور الوضعية فان الامضاء رتب على البيع غير الغرري فلا يعقل ان يكون البيع الغرري صحيحا فلاحظ.

الخامسة : ان المراد بالعبادة في محل الكلام المركب الذي لو امر به لكان أمره أمرا عباديا لا العبادة بالفعل اذ كيف يمكن ان العبادة الفعلية تكون منهيا عنها فعلا مع استحالة اجتماع الحب والبغض مضافا الى أنه في الفرض المزبور لا يبقى مجال للبحث اذ مع فرض كون العبادة الفعلية منهيا عنها نعلم عدم التنافي بين الأمرين فان أدل دليل على امكان شيء وقوعه في الخارج فالمراد بالعبادة المركب الذي لو أمر به كان أمره عباديا.

وأما المراد بالمعاملة فكل امر اعتبارى قصدي يبرز بمبرز أعم من أن يكون عقدا أو ايقاعا.

السادسة : ان البحث يختص بالعبادات والمعاملات بالمعنى الاخص أي العقود والايقاعات وأما المعاملات بالمعنى الاعم التي لا مدخلية لفعل المكلف فيه كتطهير البدن مثلا الذي يحصل بوصول الماء الى المحل النجس فهي خارجة عن محل الكلام والوجه فيه ان فعل المكلف لا مدخل له فيها فلا يفرق بين الحرام والحلال ، وأما العبادة فربما يقال بعدم دلالة النهي فيها على الفساد اذ النهي يتعلق بما يلازم المأمور به ولا يتعلق به بنفسه في مقابل قول من يقول اذا تعلق النهي

٢٨٦

بالعبادة يدل على فسادها لعدم امكان اجتماع الحب والبغض ، وأما المعاملات بالمعنى الاخص كالبيع فيمكن أن يقال أن النهي عنه لا يدل على فساده لعدم تناف بين الحرمة التكليفية والصحة الوضعية ويمكن أن يقال ان النهي عنه يوجب سلب القدرة ومع عدم القدرة لا يمكن للمكلف أن يأتي به وبعبارة اخرى يدعي المدعي ان النهى مانع عن تحقق الفعل في الخارج.

السابعة : أنه يدخل في محل النزاع ما يكون قابلا للصحة تارة وللفساد اخرى كالصلاة مثلا وأما ما لا يكون قابلا لكلا الامرين فلا يقع البحث فيه كالاتلاف الموجب للضمان فلا يقع فيه النزاع ، وببيان واضح : ان النزاع يختص بمورد قابل لأن يتصف بالصحة تارة وبالفساد اخرى كى يقع الكلام ويبحث في أنه هل النهي يدل على الفساد أم لا وأما ما لا يتصف بهذين الوصفين فلا مجال لهذا البحث فيه.

الثامنة : لو شك في دلالة النهى على الفساد فلا أصل يعول عليه اذ لو كان تلازم بين الحرمة والفساد يكون التلازم المذكور من الازل وإلّا لم يكن كذلك فلا مجال لأن يجري فيه الاصل ، وأما في المسألة الفرعية ، فنقول لو تعلق النهي بمعاملة وشك في أن تعلق النهي به هل يوجب فسادها أم لا فعلى تقدير وجود عموم أو اطلاق يؤخذ به ويحكم بصحة تلك المعاملة اذ لا منافاة بين الصحة والحرمة في باب المعاملات وعلى تقدير احتمال التنافي يكون اطلاق الدليل أو عمومه محكما وأما مع عدم عموم أو اطلاق فمقتضى الأصل العملي هو الفساد.

وبعبارة واضحة : في كل معاملة يشك في صحتها وفسادها حكمية كانت الشبهة أم موضوعية اذا لم يكن دليل اجتهادي يقتضي صحتها يكون مقتضى الأصل العملي فساد تلك المعاملة والوجه فيه ان الصحة امر يحدث باعتبار الشارع ومع الشك فيه يكون مقتضى الاستصحاب عدم حدوثه وهذا ظاهر واضح فلاحظ.

٢٨٧

وأما بالنسبة الى العبادة فلا يمكن الحكم بالصحة اذ مع فرض تعلق النهي بها لا يمكن أن يكون مأمورا بها فلا دليل على صحتها واحتمال كونها واجدة للملاك لا أثر له اذ لا طريق الى كشف الملاك الا من ناحية الامر ومع عدم الأمر كيف يكشف الملاك.

ويرد على هذا التقريب : انه لا مانع من تعلق الامر مع النهي الا من ناحية التضاد ومع تحقق التضاد لا مجال لكون الملاك مؤثرا اذ لا يمكن أن يكون شيء واحد محبوبا ومبغوضا فعلى فرض التضاد لا يمكن ان يتحقق قصد القربة ومع عدم التضاد لا مانع من شمول الأمر للمنهي عنه ، فالحق أن يقال ان الفارق بين العبادة والمعاملة ان النهي عن المعاملة تكليفا لا ينافي كونها صحيحة فمع وجود اطلاق أو عموم يؤخذ به ويحكم بالصحة في مورد الشك وأما العبادة المنهي عنها فلا يعقل ان تقع صحيحة لاستحالة اجتماع الضدين.

التاسعة : ان الصحة والفساد من الامور الاضافية التي تختلف بحسب الانظار والاضافات ولا تنافي بين كون شيء أمرا واقعيا ومع ذلك يكون مختلفا بحسب الانظار والاضافات مثلا لا اشكال في أن الفوقية من الامور الواقعية ومع ذلك يمكن أن يكون جسم واحد فوقا بالنسبة الى ما تحته وتحتا بالنسبة الى ما فوقه وقس عليها التحتية وغيرها من الامور المختلفة باختلاف الاضافات.

العاشرة : انه هل الصحة والفساد أمر ان واقعيان أو أمر ان مجعولان والكلام هنا تارة يقع في الصحة والفساد بحسب الواقع ، واخرى في الصحة الظاهرية والفساد كذلك ، فالكلام يقع في مقامات ثلاثة :

المقام الاول : في الصحة الواقعية والفساد كذلك بالنسبة الى العبادات فنقول الصحة والفساد في العبادات أمران واقعيان ولا تكونان قابلتين للجعل فان المأمور به كالصلاة مثلا اذا انطبق على المأتي به في الخارج تتحقق الصحة وتنزع منه

٢٨٨

ولذا يحكم العقل بالاجزاء واما لو لم ينطبق لفقدان المأتي به جزءا أو شرطا يتحقق الفساد وينتزع منه ولذا يحكم العقل بعدم الاجزاء.

المقام الثاني : في الصحة والفساد بالنسبة الى المعاملات ، فنقول الصحة والفساد في المعاملات يكونان أمرين مجعولين والسر فيه ان المولى يحكم بكونه مملكا مثلا وحكمه بكون البيع مملكا يكون على نحو القضية الحقيقية فما دام لم يقع بيع في الخارج لا يعقل الحكم بالتمليك الا فرضا وتقديرا وبعد تحققه في الخارج ان حكم الشارع بكونه مملكا اي حكم بكونه صحيحا يصح وإلّا فلا ، فيكون الحكم بالملكية عبارة اخرى عن الحكم بالصحة فالصحة أمر مجعول وعدم الصحة ايضا بيد المولى أي لا يحكم وهذا بخلاف باب التكاليف فان الحكم من قبل المولى يتعلق بالمادة ويتحقق الوجوب ، وبعبارة اخرى الفرق بين باب التكليف وباب الوضع ان التكليف يتعلق بفعل المكلف قبل وجوده والأمر الوضعي يتعلق بالموضوع بعد وجوده فلا يعقل أن تكون الصحة في باب التكاليف مجعولة كما انه لا يعقل أن تكون الصحة في باب المعاملات أمرا واقعيا ، فالصحة في باب العبادات وما يلحق بها من كل مركب تعلق به الوجوب ولو كان وجوبه توصليا أمر واقعي وكذلك فسادها وأما الصحة والفساد في العقود والايقاعات وما يلحق بهما من بقية الموضوعات المترتبة عليها الأحكام أمران مجعولان ، هذا تمام الكلام في المقام الثاني.

وأما المقام الثالث وهي الصحة الظاهرية المستفادة من قاعدة الفراغ أو التجاوز أو الصحة أو غيرها فلا نفهم لها معنى معقولا الا الترخيص في عدم الاحتياط في ظرف الشك مثلا لو شك المصلي في صحة صلاته بعد الفراغ يكون مقتضى الاشتغال العقلي أو الاستصحاب الشرعي الاحتياط ولكن الشارع الأقدس يجوز ترك الاحتياط ويرخص في ترك الاعادة أو القضاء ، وهذا أمر معقول وأما حكم

٢٨٩

الشارع بأنها صحيحة فلا يرجع الى محصل والأمر في جميع موارد الحكومة كذلك فانه لا معنى للحكومة الا الأمر بشيء او النهي عن شيء أو الترخيص في شيء وأما الحكومة بمعنى جعل الناقص تاما وأمثاله فلا يرجع الى محصل صحيح إلّا أن يرجع الى جعل الامارة اي الشارع يجعل الفراغ امارة على الاتيان وبعبارة اخرى يجعل الشك في بعض الموارد علما تعبديا فلاحظ.

اذا عرفت ما تقدم نقول : تعلق النهي بالعبادة على اقسام : القسم الاول : أن يتعلق النهي بنفس العبادة ولا اشكال في دلالته على الفساد اذ الكلام في النهي التحريمي والمفروض ان المنهي عنه مبغوض للمولى ولا يعقل أن يكون المبغوض محبوبا وتصحيح العبادة بالملاك ولو مع عدم الأمر مدفوع بأن كشف الملاك من ناحية الأمر ومع عدم الأمر لا طريق الى كشف الملاك مضافا الى أن الملاك لا يؤثر في المحبوبية اذا كان مغلوبا لملاك النهي والمفروض فعلية النهى وبعبارة اخرى ان الفعل مبغوض فلا اثر للملاك.

القسم الثاني : ان يتعلق النهي بجزء العبادة ، افاد في الكفاية انه لا اشكال في أنه يوجب فساده بعين التقريب المتقدم لكن لا يقتضي فساد المركب إلّا أن يكتفى بالجزء المنهي عنه فتبطل العبادة للنقيصة وأما لو اتى بجزء آخر غير منهي عنه فلا وجه للفساد وعلى الجملة النهي عن جزء العبادة بما هو لا يوجب فساد العبادة إلّا أن يتحقق الفساد من ناحية النقيصة أو الزيادة او غيرهما.

وأورد عليه الميرزا النائيني بما حاصله : ان جزء العبادة اما أن يؤخذ فيه عدد خاص كالوحدة المعتبرة في السورة واما لا يؤخذ ، أما على الاول فلو تعلق به النهي يقتضي فساده لأن المكلف اما يقتصر فيه بذلك المنهي عنه واما يأتي بفرد آخر ، أما على الأول فيلزم نقصان المركب لأن الجزء المنهي عنه غير قابل لأن يكون جزءا للمركب وأما في صورة عدم الاقتصار يترتب البطلان من جهة القران

٢٩٠

بين السورتين مضافا الى أنه لو لم يمنع من القران يكون النهي عن الجزء مقتضيا لعدم جواز القران بالنسبة الى الفرد المنهي عنه ويضاف الى ذلك كله ان الجزء لو صار منهيا عنه يقيد المركب بغيره فالاتيان به ولو في غير محله يوجب البطلان ويترتب على ما ذكرنا امور كلها موجبة للبطلان : الأول : كون العبادة مقيدة بعدم ذلك الجزء فالاتيان به يوجب البطلان. الثاني : كونه زيادة في الفريضة فتوجب البطلان ولا يعتبر في الزيادة قصد الجزئية اذا كان الزائد من جنس الواجب وانما قصد الزيادة يشترط فيما لا يكون من جنسه. الثالث : خروجه عن ادلة مطلق الذكر فيندرج الفرد المحرم في ادلة بطلان الصلاة بالتكلم العمدي ، وأما لو لم يؤخذ فيه عدد خاص فقد اتضح حاله مما ذكر وانه يوجب البطلان.

وقال سيدنا الاستاد على ما في التقرير : نحلل ما أفاده الى عدة نقاط : الاولى بطلان الصلاة في صورة الاقتصار على المنهي عنه وما أفاده تام ، اذ على فرض الاقتصار تبطل العبادة للنقصان ولا فرق فيما ذكر بين أن يؤخذ الجزء لا بشرط أو بشرط لا.

الثانية : ان حرمة الجزء توجب تخصيص جواز القران بغير الفرد المنهي عنه ، ويرد عليه : انه لا دليل عليه فان القران لو لم يكن مانعا كما هو المفروض لا يكون وجه لفساد الصلاة بالاتيان بالجزء المحرم.

الثالثة : ان النهي عن جزء لا محالة يوجب اشتراط العبادة بعدمه.

ويرد عليه : انه لا وجه لما ذكر وإلّا كان النظر الى الاجنبية ايضا يوجب الفساد وهو بديهي البطلان.

الرابعة : انه لا يشترط في الزيادة قصد الجزئية اذا كان من جنس العبادة وفيه : ان تحقق الزيادة متقوم بقصدها وإلّا لا يصدق مفهوم الزيادة نعم في خصوص الركوع والسجود يكون الأمر كذلك اي يتحقق الزيادة فيهما ولو مع عدم قصد الزيادة بالتعبد مضافا الى أن بطلان العبادة بالزيادة يختص بالصلاة.

٢٩١

الخامسة : ان المنهي عنه خارج عن عموم ما دل على جواز مطلق الذكر ، ويرد عليه : ان الكلام الآدمي لا يصدق على الذكر ولو كان محرما مضافا الى أنه يختص بباب الصلاة.

وما أورده سيدنا الاستاد على استاده تام وعلى الجملة ما أفاده صاحب الكفاية في المقام تام لا غبار عليه.

القسم الثالث : أن يتعلق النهي بشرط العبادة كما لو تعلق النهي بالوضوء ، أفاد صاحب الكفاية ان النهي اذا تعلق بالشرط وكان الشرط عبادة كالوضوء يقتضي النهي فساد الشرط ومع فرض فساد الشرط يفسد المشروط وأما اذا كان الشرط توصليا فلا يقتضي النهي عنه فساد العبادة اذ لا فرق في تحقق الغرض من الشرط بين أن يكون حلالا أو حراما.

وأفاد الميرزا النائيني على ما في التقرير بأن شرط العبادة عبارة عن اسم المصدر الحاصل من المصدر وعليه الذي يكون متعلق النهي هو المصدر والذي يكون شرطا هو الحاصل من المصدر الذي نعبر عنه باسم المصدر فما تعلق به النهي ليس شرطا وما يكون شرطا ليس منهيا عنه مثلا الصلاة مشروطة بالستر فاذا نهى الشارع عن لبس الحرير مثلا ، فتارة ينهى عن الصلاة في الحرير فلا اشكال في اقتضائه بطلان الصلاة واخرى ينهى عن نفس اللبس فلا وجه لبطلان الصلاة بل يكون من قبيل النظر الى الاجنبية في الصلاة هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان شرائط الصلاة بأجمعها توصلية لا يشترط فيها قصد القربة ، فالنتيجة ان النهي ان تعلق بنفس العبادة يوجب الفساد وإلّا فلا.

وقال سيدنا الاستاد يستفاد من كلامه امور : الأول : ان النهي المتعلق بالشرط متعلق بالمصدر وهو ليس شرطا وما يتولد من المصدر الذي هو شرط لا يكون متعلقا للنهي ويرد عليه : ان المراد من المصدر واسم المصدر ان كان السبب

٢٩٢

والمسبب فلا يمكن المساعدة عليه فان السب غير المسبب وانهما متغايران وجودا بخلاف المصدر واسم المصدر فانهما متحدان ذاتا ووجودا والفرق بينهما بالاعتبار وان شئت قلت : الفرق بين المصدر واسم المصدر هو الفرق بين الايجاد والوجود وعلى هذا الاساس لا يعقل أن يكون المصدر حراما واسم المصدر لا يكون حراما.

الثاني : ان الشرط في الطهارات الثلاث الأمر المتولد من تلك الأفعال لا نفس تلك الأفعال ، ويرد عليه : انا ذكرنا في الفقه ان الشرط نفس هذه الأفعال.

الثالث : ان شرائط الصلاة كلها توصلية ، ويرد عليه : ان الأمر ليس كذلك فان الطهارات الثلاث امور تعبدية وهي شرائط الصلاة انتهى.

اذا عرفت ما تقدم نقول : يرد على الميرزا انه سلمنا ان اسم المصدر مغاير مع المصدر وهما متغايران وجودا كالسبب والمسبب لكن لو تعلق النهي بالمصدر على مبناه وصار المصدر حراما فان كان المنهي عنه عبادة كالطهارات الثلاث تصير العبادة المشروط بها باطلة لأن المفروض ان العبادة الباطلة وجودها كالعدم فلا يمكن أن يكون المتولد منها شرطا للعبادة فالعبادة المشروطة فاقدة للشرط ومع فقد الشرط تكون العبادة فاسدة.

وصفوة القول : ان ما أفاده صاحب الكفاية صحيح فان الشرط اذا كان عبادة وتعلق به النهي يوجب بطلان المشروط واما اذا لم يكن عبادة وكان أمرا توصليا وصار متعلقا للنهي لا يكون النهي المتعلق به موجبا لفساد المشروط لعدم المقتضي للفساد بعبارة اخرى : ان كان الشرط توصليا وتعلق به النهي كالنهي عن الستر بالحرير لا يكون النهي مقتضيا لفساد العبادة اذ المفروض ان النهي تعلق بأمر خارج عن الصلاة فلا تنافي بين حرمة التستر بالحرير أو الغصب ومحبوبية الصلاة المقيدة بالتستر في الصلاة وببيان أوضح : تارة ينهى المولى عن التستر بالحرير حال الصلاة بأن ينهى عن التقيد الخاص بأن تكون الصلاة المتقيدة بالقيد الكذائي مبغوضة عنده واخرى

٢٩٣

لا يكون كذلك بل المبغوض نفس القيد ، فعلى الأول تكون العبادة فاسدة وأما على الثاني فلا وجه لفساد العبادة ولذا قلنا في بحث لباس المصلي تصح الصلاة مع الساتر الغصبي.

القسم الرابع : أن يتعلق النهي بالوصف الملازم للعبادة كالجهر والخفت وحكمه يظهر مما تقدم اذ من الظاهر ان القراءة الجهرية أو الاخفاتية وجود واحد ولا يعقل أن يتعلق الأمر والنهي بوجود واحد وبعبارة اخرى : التركيب بين القراءة وصفتها تركيب اتحادي ، فالنهي عن الجهر نهي عن القراءة وقد مر ان النهي عن العبادة يوجب فسادها وهذا ظاهر.

القسم الخامس : ما اذا تعلق النهي بوصف مفارق الغصب مثلا فان قلنا ان التركيب بين العبادة وذلك الوصف انضمامي يمكن أن يتعلق النهي بذلك الوصف بدون أن يسري الى متعلق الأمر فلا وجه للفساد وأما لو كان التركيب اتحاديا لا يعقل الاجتماع فلو رجح جانب النهي يدخل في باب النهي عن العبادة والنتيجة الفساد.

بقي في المقام أمور : الأمر الأول : انه لو قلنا بأن النهي عن الشرط وان كان توصليا يوجب فساد العبادة ، فلو نهى المولى عن التستر بالحرير والمكلف صلى مع الساتر الحرير تكون صلاته باطلة على الفرض اذ فرض ان النهي عن التستر بالحرير يستلزم النهي عن الصلاة مع التستر بالحرير وأما لو تستر بغير الحرير ولبس الحرير ايضا وصلى لا تكون صلاته باطلة لأن المستفاد من الدليل اشتراط الصلاة بأن يكون ساتر المكلف حال الصلاة من غير الحرير لا أن يكون لبس الحرير مانعا كى يكون لبس الحرير موجبا للبطلان على الاطلاق وان شئت قلت : المستفاد من الدليل ان المكلف اذا كان ساتره الحرير حال الصلاة يكون تستره بالحرير مانعا فلو جعل ساتره شيئا آخر لم يكن المانع موجودا.

٢٩٤

الأمر الثاني : ان العبادة المنهى عنها من قبل المولى كالصلاة فى المغصوب على فرض القول بكونها منهيا عنها لوحدة التركيب لو أتى المكلف بها عالما بالغصب أو الالتفات الى الغصب وكونه مانعا ولو مع الجهل بالغصب تكون صلاته باطلة اذ المفروض ان التكليف الواقعي مع العلم أو مع الجهل الالتفاتي فعلي ويكون الفعل مبغوضا للمولى ولا يعقل أن يكون المبغوض محبوبا ولا يعقل التقرب بالمبغوض وأما ان كان غافلا عن التكليف بالغفلة عن عذر وأتى بالصلاة فهل تكون صلاته صحيحة أم لا؟

أفاد سيدنا الاستاد بأنه يمكن أن يتمشى من المكلف قصد القربة ولكن حيث ان المفروض حرمة الفعل واقعا لا يكون العمل قابلا لأن يتقرب به من المولى فلا تصح الصلاة.

ويرد عليه : ان الغفلة مانعة عن فعلية الحكم وبعبارة اخرى : خطاب الجاهل الغافل الذي لا يمكن أن يؤثر فيه الحكم قبيح فمع فرض الغفلة لا يكون النهي فعليا ومع عدم تحقق النهي لا مانع من شمول اطلاق دليل الصلاة فالحق أن تكون صلاته صحيحة فالنتيجة التفصيل كما فصلنا.

الامر الثالث : ان النهي لو تعلق بمركب واجب غير عبادي فهل يوجب فساده أم لا؟ الحق ان النهي يوجب فساد ما تعلق به الأمر ولو كان واجبا توصليا والوجه فيه انه لا يعقل أن يكون شيء واحد محبوبا ومبغوضا هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان الواجب ولو كان توصليا يكون محبوبا للمولى فكيف يمكن أن يكون مبغوضا ايضا وبتقريب اوضح نقول : كل واجب ولو كان توصليا قابل لأن يتقرب به والمبغوض غير قابل لأن يتقرب به فلاحظ.

الامر الرابع : انه يمكن أن يقال انه لا مجال للبحث في النهي عن العبادة اذ النهي عن العبادة مع فرض تعلق الأمر بها غير معقول لاستحالة اجتماع الضدين

٢٩٥

وأما مع عدم الأمر بها فالنهى اما متعلق بها بشرط قصد القربة واما بدون هذا الشرط ، أما على الاول ، فيلزم اجتماع المثلين لأن التشريع محرم وتحريمها ثانيا بحرمة ذاتية يستلزم اجتماع المثلين واجتماع المثلين كاجتماع الضدين محال ، وأما على الثاني فلا يكون نهيا عن العبادة بل نهي عن فعل خارجي كبقية النواهي المتعلقة بالمحرمات.

واجيب عن هذا الاشكال بأن المراد من العبادة في محل البحث انه لو امر به لكان أمره امرا عباديا لا ما كان عبادة بالفعل هذا في غير الافعال التي تكون بذاتها عبادة كالسجود ، وأما فيها فالعبادة الفعلية متعلقة للنهي وهذا الجواب متين ولكن يمكن أن يجاب بجواب آخر ايضا وهو ان اجتماع المثلين لا يلزم فيما يؤتى بها بقصد القربة بل يتأكد الحكم كبقية موارد تعدد الملاك مضافا الى أنه لا مجال لهذا الاشكال فان الحكم من عالم الاعتبار والامور الاعتبارية لا واقعية لها بل هي متقومة بالاعتبار واجتماع الضدين أو المثلين يلاحظان بالنسبة الى الأمور الخارجية الموجودة فيه بل يكفي لاثبات المدعى الحرمة التشريعية اذ لو كان العمل قابلا لأن يتقرب به من الله لم يكن الاتيان به بقصد القربة تشريعا ويترتب على ما ذكرنا انه لا يحصل به الامتثال ولا مجال لأن يقال ان عدم تحقق الامتثال من باب قاعدة الاشتغال لا من حيث عدم الملاك والمصلحة في الفعل لأنه مع فرض كونه تشريعا اما لا يكون العمل ذا ملاك واما لا يكون الملاك الموجود مؤثرا بل يكون مغلوبا بالنسبة الى المفسدة الموجبة لتعلق النهي به هذا تمام الكلام في النهي المتعلق بالعبادات وما يلحق بها من الواجبات التوصلية.

واما الكلام في المعاملات المنهي عنها ، فنقول لا اشكال في دلالة النهي عنها على الفساد اذا كان النهي ارشاديا كما تقدم كما انه لا اشكال في دلالته على الفساد لو تعلق بما يترتب على المعاملات من الآثار بحيث تكون الحرمة منافية مع صحة تلك المعاملة

٢٩٦

مثلا البيع ان كان صحيحا يكون مقتضيا لانتقال العين الى المشتري وانتقال الثمن الى البائع فلو نهى الشارع المشتري عن التصرف في المبيع أو نهى البائع عن التصرف في الثمن يكشف ان المعاملة المفروضة فاسدة في وعاء الشرع وإلّا لم يكن وجه للحرمة فالكلام في المقام في اقتضاء النهي المولوي النفسي المتعلق بالمعاملة فساد تلك المعاملة وعدم اقتضائه ، فنقول نسب الى ابي حنيفة والشيباني ان النهي النفسي المولوي عن المعاملة يقتضي صحتها بتقريب ان القدرة معتبرة في المتعلق فتعلق النهى بالبيع مثلا يكشف عن أن المكلف يقدر على البيع وإلّا لم يكن قابلا لأن ينهى عنه.

والجواب عن هذا التقريب : ان الصحة والفساد العارضتان على المعاملة بعد فرض قدرة المكلف على ايجاد المفروض وبعبارة اخرى : في المرتبة السابقة يفرض كون العقد مقدورا للمكلف وبعد فرض كونه مقدورا له وبعد فرض تحققه في الخارج يحكم عليه بالصحة تارة وبالفساد اخرى فتعلق النهي بالمعروض لا يكون دالا على الصحة فهذا القول فاسد.

ونسب الى بعض آخر أن تعلق النهى بالمعاملة يكون مقتضيا لفسادها ويمكن تقريب المدعى بأن النهي من قبل الشارع يوجب عجز المكلف عن الاتيان بالمتعلق فلا يصح. وفيه : ان النهي المولوي عن شيء لا يوجب عجز المكلف وإلّا يلزم أن لا يتحقق عصيان في الخارج وهو كما ترى. ويمكن تقريب المدعى بوجه آخر وهو ان النهي عن شيء يكشف عن كونه مبغوضا عند المولى والمولى لا يوجد ما يكون مبغوضا له. وفيه : ان المعاملة فعل المكلف لا فعل الشارع والنهي يتعلق بفعل المكلف.

وفصل صاحب الكفاية في المقام بين تعلق النهي بالمسبب أو التسبب وبين النهي عن السبب وقال : يدل النهي على الصحة على الأول ولا يدل عليها على الثاني بتقريب ان النهي عن المسبب أو التسبب يستلزم الصحة بأن نقول لو لم

٢٩٧

يكن المسبب أو التسبب حاصلا بفعل المكلف لكان النهي لغوا وبعبارة اخرى لو لم تكن الملكية مثلا أو التسيب اليها ممكنا بفعل المكلف كان النهي نهيا عن امر غير مقدور ولا يعقل تعلق النهى بغير المقدور وأما اذا تعلق بالسبب فلا يقتضي الصحة لا مكان كون السبب مقدورا له ومع ذلك لا يرتب عليه الأثر فلا بد من التفصيل في المقام وما أفاده غير تام ولتوضيح الحال نقول : ليس في باب المعاملات سبب ولا مسبب بل البيع مثلا عبارة عن اعتبار نفساني وابراز ذلك الاعتبار في الخارج بمبرز من لفظ أو غيره والمجموع من هذا الاعتبار النفساني وابرازه بمبرز يكون موضوعا لامضاء العقلاء وامضاء الشارع الاقدس ، فالنتيجة : ان باب السبب والمسبب أجنبي عن المقام بل مجرد موضوع وحكم وعلى هذا الاساس نقول لا مجال لأن يتعلق النهي بما يترتب علي العقد أي امضاء الشارع فان امضاءه واختياره بيده فتارة يمضي المعاملة الفلانية لأجل المصلحة التي تكون مكشوفة عنده واخرى لا يمضي وايضا لا مجال لتعلق النهي عن اعتبار العقلاء فان اعتبار العقلاء اختياره بيدهم ولا اختيار للمكلف بالنسبة الى فعل الآخر ، نعم يمكن أن يتعلق النهي بالاعتبار النفساني ويمكن تعلقه بابراز ذلك الاعتبار ويمكن تعلقه بالمجموع المركب من الأمرين وعلى جميع التقادير لا يدل النهي على الصحة اذ النهي عن العقد أعم من أن يكون فاسدا أو صحيحا فلا يدل النهي عن البيع باي نحو كان لا على الصحة ولا على الفساد.

ان قلت : كيف لا يدل النهي على الفساد والحال ان المشهور بين القوم ان النهي في باب المعاملات يدل على الفساد؟ قلت : النهي الدال على الفساد هو النهي الارشادي الى الفساد كما سبق وتقدم وقلنا لا كلام في دلالة النهي الارشادي على الفساد.

وقد فصل الميرزا النائيني على ما فى التقرير بين تعلق النهي بالمعنى المصدري وتعلقه باسم المصدر وقال : اذا تعلق النهي بالمعنى المصدري فلا يدل النهي على الفساد

٢٩٨

اذ لا ملازمة بين الحرمة التكليفية والفساد وأما اذا تعلق النهي بما يسمى باسم المصدر وهو المسبب عن المصدر فيدل النهي على الفساد بتقريب : ان صحة المعاملة تتوقف على اركان ثلاثة : الركن الأول كون المتصدي للعقد مالكا أو وكيلا أو وليا ، الركن الثاني أن لا يكون المتصدي للعقد محجورا من قبل الشارع الركن الثالث أن يكون ايجاد المعاملة بسبب خاص فاذا اختل أحد الأركان يختل العقد فلو نهى المولى عن المسبب يختل الركن الثاني اذ قلنا يشترط العقد بعدم كون المتصدي محجورا عن التصرف ومع تعلق النهي يكون محجورا فلا يترتب الاثر على عقده.

ويرد عليه اولا : ان الفرق بين المصدر واسم المصدر اعتباري لا واقعي وعليه لا مجال للتفريق والتفصيل بين الموردين كما هو ظاهر ، وثانيا : الحجر المانع عن الصحة في العقود والايقاعات الحجر الوضعي لا الحجر التكليفي وان شئت قلت : اذا عقد المكلف عقدا أو أوقع ايقاعا فان امضاه الشارع الاقدس يكون صحيحا وان لم يمضه يكون فاسدا فالفساد ينتزع من عدم الامضاء لا من الحرمة التكليفية ، وصفوة القول : ان العقود والايقاعات عبارة عن الاعتبارات التي تبرز بمبرز قولي أو فعلي وهذا الاعتبار المبرز ربما يقع مورد الامضاء فيصح وربما لا يقع مورد الامضاء فلا يصح والنهي يتعلق بما يكون فعلا للمكلف وبعد فرض تعلق النهي به ان شمله دليل الامضاء من الاطلاق أو العموم فيحكم بصحته وان لم يشمله دليل الامضاء لعدم تحقق الاطلاق أو العموم يحكم بفساده والفساد مطابق للاصل الاولي والصحة تحتاج الى الدليل ولا فرق فيما ذكر بين كون الاعتبار المذكور منهيا عنه وعدمه ، فالنتيجة ان النهي عن المعاملة لا يدل على الفساد كما لا يدل على الصحة فانقدح بما ذكرنا عدم تمامية ما أفاده الميرزا واستشهد هو على مسلكه بفروع :

٢٩٩

الفرع الاول :ان الفقهاء حكموا بفساد الاجارة الواقعة على الواجبات العينية كالاجارة على صلاة الظهر ، بتقريب ان الواجبات مملوكة له تعالى فلا يجوز الاجارة عليها حيث انها مملوكة للغير.

ويرد عليه : ان كونها مملوكة له تعالى لا يكون كبقية المملوكات وبعبارة اخرى الملكية المانع عن صحة الاجارة الملكية الاعتبارية لا الملكية بالمعنى المذكور أي كون الفعل واجبا بالوجوب الشرعي فانه لا دليل على فساد الاجارة عليه من هذه الناحية نعم يمكن ان المستفاد من الشريعة المقدسة ان الله تعالى أراد أن يؤتى بالواجبات مجانا فان تم الاجماع عليه فهو وإلّا فللمناقشة في عدم الجواز مجال واسع.

الفرع الثاني : ان الفقهاء تسالموا على بطلان بيع منذور الصدقة بتقريب ان الوجه في المنع عن البيع وجوب التصدق فالحكم التكليفى يكون مانعا عن الصحة الوضعية ، ويرد عليه : أنه أن اريد من منذور الصدقة العين التي نذر مالكها ان يتصدق بها فالواجب التكليفي التصدق ولكن لو غفل وباع العين أو عصى وباع العين يكون العقد نافذا ولا يكون الوجوب التكليفي مانعا عن الصحة الوضعية نعم البائع يستحق العقاب لمخالفته أمر المولى وان كان المراد نذر النتيجة أي صيرورة الحيوان الكذائي ملكا لتلك الناحية ، فيرد عليه اولا ان صحة مثل هذا النذر اول الكلام والاشكال والتفصيل موكول الى مجال آخر ، وثانيا : على فرض الالتزام بصحته لا يكون شاهدا له لأنه على الفرض يصير المنذور مملوكا للغير والتصرف في ملك الغير لا يجوز تكليفا اذا كان تصرفا خارجيا ولا يصح وضعا فلا يرتبط بالمقام.

الفرع الثالث : أنه لو اشترط في ضمن البيع أن لا يبيع المشتري المبيع من الغير فلا يجوز له أن يبيعه والوجه فيه ان الشرط يوجب تعجيزه عن التصرف والمقام كذلك.

ويرد عليه : أن الشرط المزبور لا يوجب حجره عن التصرف بل مقتضاه

٣٠٠