آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

أي من ناحية العبد فحيث انه لا تنحصر المقدمة بالحرام يمكنه الامتثال في ضمن فرد آخر فلا اشكال.

الوجه الرابع من وجوه الاستدلال : انه لا مجال للاشكال اذ فرق بين متعلق النهي وبين متعلق الأمر ، فان النهي عن طبيعة كالغصب ينحل الى نواهي عديدة فكل فرد من أفراد الغصب حرام ، وأما الأمر فهو يتعلق بالطبيعة ولا يجب كل فرد من أفراده فمتعلق احدهما غير متعلق الآخر.

ويرد عليه : ان الاشكال تمام الاشكال في عدم امكان أن يكون وجود واحد مصداقا للمأمور به ومصداقا للمنهي عنه لاستحالة اجتماع الضدين ، فان المبغوض كيف يمكن أن يكون محبوبا.

وينبغي التعرض لعدة جهات : الجهة الاولى في أن المكلف لو اختار الفرد المحرم وباختياره أتى بالواجب في ضمن ذلك الفرد مثلا لو كان المكلف قادرا أن يصلي في المكان المباح وغير مضطر الى الغصب ولكن باختياره دخل الدار المغصوبة وصلى فيها فان قلنا بكون التركيب بين الصلاة والغصب انضماميا تكون صلاته صحيحة لعدم ما يقتضي فسادها ، وان قلنا بكون التركيب اتحاديا تكون صلاته فاسدة وهذا ظاهر واضح.

الجهة الثانية : فيما لا يمكن للمكلف الاتيان بالواجب الا مع ارتكاب المحرم كما لو توقف انقاذ المؤمن الغريق على التصرف في مال الغير بدون اذنه وهذا من صغريات باب التزاحم واللازم اجراء احكامه ونتعرض لاحكامه ومرجحاته في باب التعادل والترجيح إن شاء الله.

الجهة الثالثة : في حكم من يضطر الى ارتكاب المحرم كمن توسط الدار المغصوبة ولا يمكنه الخروج عنها ولا بد من الاتيان بالصلاة فيها ويقع الكلام في هذه الجهة في مقامين :

٢٦١

احدهما : في الاضطرار الناشئ بغير سوء الاختيار ، ثانيهما : الاضطرار الناشئ عن سوء الاختيار ، والكلام في المقام الاول يقع في موضعين :

احدهما : في حكم الحرام المضطر اليه ، ثانيهما : في حكم الصلاة الواقعة في المغصوب ، أما الكلام في الموضع الاول : فنقول لا اشكال في سقوط الحكم عن المضطر وعدم توجيه التكليف اليه وقد دل على المدعى بعض النصوص لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا حلف الرجل تقية لم يضره اذا هو اكره واضطر اليه وقال : ليس شيء مما حرم الله الا وقد احله لمن اضطر اليه (١) فلا يحرم التصرف في مال الغير بلا اذنه.

وأما الموضع الثاني فقد قرر في محله ان الأمر ظاهر في الوجوب المولوي والنهي ظاهر في الحرمة المولوية ولكن يقولون ان الأوامر والنواهي الواردة في بابي العبادات والمعاملات ارشاد الى الجزئية والشرطية والمانعية ، فلو قال المولى اركع في صلاتك ، يفهم كون الركوع جزءا من الصلاة ، ولو قال لا تصل فيما لا يؤكل لحمه يفهم ان الصلاة تبطل في غير المأكول ، والوجه فيه انه يفهم ان الأمر أو النهي ليس مولويا ، وبعبارة اخرى الوجه في الحمل على الارشاد قيام الدليل على عدم المولوية وعلى هذا الاساس لو صلى المكلف في المنهي عنه بالنهي الارشادي الى المانعية تكون صلاته باطلة حتى في صورة الاضطرار فلو اضطر أن يصلي في غير المأكول ولم تكن مندوحة يكون مقتضى القاعدة سقوط وجوب أصل الصلاة لعدم امكان الأمر بغير المقدور لكن قد ثبت في خصوص الصلاة بالنص والاجماع انها لا تسقط بحال فلا بد من الاتيان بها بالمقدار الممكن.

وصفوة القول ان مقتضى القاعدة الاولية ان مقتضى النهي الارشادي بطلان المركب المنهي عنه بلا فرق بين حالتي الاختيار والاضطرار. وأما لو كان النهي

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٢ ، من ابواب الايمان ، الحديث : ١٨

٢٦٢

مولويا فلا يكون المركب باطلا الا مع تحقق الحرمة وتنافيها مع الصحة والمفروض في المقام كون النهي مولويا والتخصيص عقلي بلحاظ عدم امكان الجمع بين قصد القربة وكون المقرب به حراما فعليه تارة نقول بأن التركيب انضمامي واخرى نقول بأنه اتحادي ، أما على الأول فلا وجه للبطلان لأن المفروض ان متعلق الأمر غير متعلق النهي فلا مقتضي للبطلان ، وأما على الثاني فلأن المفروض عدم الحرمة فلا وجه للبطلان ، وبعبارة اخرى : الموجب للبطلان عدم امكان اجتماع الامر والنهي في وجود واحد والمفروض سقوط النهي وعدم كون الفعل حراما.

وذهب جماعة منهم الميرزا النائيني على ما في التقرير الى عدم الجواز وبطلان العبادة وأفاد في مقام الاستدلال على المدعى ، بأن النهي المتعلق بالعبادة تارة يكون ارشادا الى مانعية الشيء الفلانى ، كما لو قال المولى لا تصل فيما لا يؤكل لحمه وفي هذه الصورة تكون الصلاة الواقعة في غير المأكول فاسدة ولو اضطر المكلف الى الصلاة فيه يكون مقتضى القاعدة الاولية هو البطلان لانتفاء المأمور به بوجود المانع ولكن في خصوص الصلاة قام الدليل على أنها لا تسقط بحال واخرى : يكون النهي نهيا نفسيا واستفادة قيد العدم في المأمور به من باب مزاحمة المأمور به مع المنهي عنه بمعنى أن المكلف لا يمكنه الجمع بين التكليفين فتقع المزاحمة بينهما فعلى تقدير تقديم جانب النهي يسقط الامر ، لكن في هذه الصورة لو خالف المكلف وعصى وارتكب الحرام وأتى بالواجب يصح بقاعدة الترتب.

وثالثة : أن يكون النهي نهيا نفسيا ، فيدل النهي على الحرمة بالمطابقة وعلى التقييد بالالتزام وفي هذه الصورة تكون العبادة باطلة ولو مع سقوط الحرمة ، والوجه فيه ان دلالة النهي على الحرمة وعلى التقييد في رتبة واحدة ، وبعبارة اخرى ان التقييد والحرمة معلولين للنهي في رتبة واحدة ولا سبق للحرمة على التقييد فلا يكون القيد معلولا للحرمة كى يزول بسقوطها.

٢٦٣

وببيان واضح : انه لا تقدم لعدم احد الضدين على وجود الآخر وان شئت قلت : ان وجود احد الضدين مع عدم الضد الآخر في رتبة واحدة ولا تقدم ولا تأخر لاحدهما على الآخر فعدم الوجوب مع الحرمة في رتبة واحدة ، وعلى هذا الاساس يدل النهي على الحرمة وعلى عدم الوجوب في عرض واحد فلا وجه لرفع اليد عن التقييد برفع الحرمة.

ويرد عليه : ان الأمر كما أفاده فانه لا تقدم ولا تأخر بين احد الضدين وعدم الضد الآخر ، اذا لتأخر والتقدم في الرتبة متوقفان على لحاظ التقدم والتأخر لكن هذا انما يتم بالنسبة الى مقام الثبوت وأما في مقام الاثبات والدلالة فليس الأمر كذلك فان الدال على الحرمة هو النهي وانما يدل النهي على التقييد بالالتزام والدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية فلا مجال للدلالة الالتزامية مع انتفاء الدلالة المطابقية ، فانه لا دليل على التقييد مع عدم الدليل على الحرمة ، فالنتيجة ان العبادة صحيحة مع ارتفاع الحرمة بواسطة عروض الاضطرار اذ الدليل على التقييد النهي النفسي فانه يدل على التقييد بالالتزام والمفروض ان دلالة الالتزام تابعة لدلالة المطابقة حدوثا وبقاء وحجية فبعد سقوط النهي بالاضطرار لا دليل على التقييد والنتيجة صحة الصلاة.

لكن في المقام اشكال وهو انه لو كان رفع الحرمة بالاضطرار رفعا امتنانيا كما هو المشهور بين القوم يشكل البناء على الصحة لأنه لو لم يكن مقتض للنهي ولا يكون المورد مبغوضا للمولى فلا وجه للامتنان ، وبعبارة واضحة : مع عدم المقتضي للنهي يكون المورد كبقية المباحات فان اباحة المباحات لا تكون امتنانية وأما مع وجود المقتضي للحرمة وبقاء المبغوضية فلا يمكن أن تكون العبادة صحيحة لعدم امكان اجتماع الحب والبغض وعدم امكان التقرب بمبغوض المولى.

واجاب سيدنا الاستاد عن هذا الاشكال بأن الملاك باق ولكن لا يكون مؤثرا فى المبغوضية ومع عدم المبغوضية لا مانع من كون المورد مشمولا لدليل الأمر

٢٦٤

وصيرورته مصداقا للمأمور به.

ويرد عليه : اولا انه كيف يمكن ان يكون الملاك باقيا ومع ذلك لا يكون مؤثرا في المبغوضية ، فانه جمع بين المتنافيين ، وثانيا : انه مع عدم المبغوضية وعدم تأثير الملاك كيف يمكن أن يكون الرفع امتنانيا ، وثالثا : ان الاضطرار يوجب سقوط النهي بحكم العقل اذ لا يعقل أن يكلف المكلف بما لا يطاق ومع عدم امكان تعلق التكليف لا مجال لكون الرفع امتنانيا ، وصفوة القول انه مع عروض الاضطرار ان لم يكن التكليف معقولا فلا مجال لكون الرفع امتنانيا ، فان الوضع غير معقول فكيف يكون الرفع امتنانيا إلّا أن يقال بأن المراد عدم ايجاب التحفظ كى لا يقع في الاضطرار نظير رفع الحكم عن الناشي فلاحظ وان كان الوضع ممكنا وقلنا بأن الاضطرار يجتمع مع التكليف ولا يوجب سلب القدرة عن المكلف يلزم أن يكون ملاك النهي موجودا ومع بقاء الملاك كيف يمكن أن لا يكون الفعل مبغوضا ومع كونه مبغوضا كيف يمكن أن يتقرب به إلّا أن يقال ان ملاك التسهيل يغلب على الملاك الواقعي ومحبوبية عدم كون المكلف في الكلفة يزاحم مبغوضية الفعل وتغلب عليها فلا يكون الملاك الواقعي مؤثرا في المبغوضية لكن يبقى الاشكال في أنه كيف يكون امتنانيا.

اذا عرفت ما تقدم نقول : المحبوس في المكان الغصبي تارة لا يمكنه الخروج من المكان المغصوب ولا بد من ايقاع الصلاة في ذلك المكان واخرى يمكنه الخروج ويتمكن من ايقاع الصلاة في الوقت في المكان المباح فيقع الكلام في موردين :

أما المورد الاول فهل يجوز للمصلي أن يصلي صلاة المختار بأن يركع ويسجد كصلاة المختار أو يجب عليه أن يركع ويسجد بالايماء وتكون صلاته كصلاة المضطر الذي لا يقدر؟ ربما يقال كما عن الميرزا النائيني انه يجب عليه أن يصلي صلاة المضطر بتقريب : ان مقتضى النظر العرفي يكون تصرف المصلي

٢٦٥

بالركوع والسجود أزيد من أن يصلى بالايماء والاشارة ، نعم بالنظر العقلي الدقي لا فرق بين حالات المكلف في مقدار اشغاله المكان وحيث ان المحكم في باب المفاهيم هو العرف لا بد من الاقتصار على المقدار الذي لا بد منه وأما الزائد عليه فهو حرام ، فالنتيجة ان المكلف اذا صلى صلاة المختار تكون صلاته باطلة وأورد عليه سيدنا الاستاد بأنه لا فرق بين نظر العقل ونظر العرف من هذه الجهة ولا يعد ركوعه وسجوده تصرفا زائدا في المكان فيجب أن يصلي صلاة المختار.

والذي يختلج بالبال أن يقال لا يبعد ان يعد صلاة المختار في نظر العرف تصرفا زائدا فيكون حراما ولو وصلت النوبة الى الشك فلا يبعد أن يكون مقتضى الاستصحاب عدم كونه تصرفا زائدا فلا يكون حراما كما ان مقتضى البراءة عدم الحرمة.

وأما المورد الثاني وهو ما لو تمكن المكلف من التخلص عن الغصب فتارة يمكنه أن يصلي خارج المغصوب في الوقت واخرى لا يمكنه اما الصورة الاولى فلا اشكال في وجوب الخروج والاتيان بالصلاة خارج المغصوب وفي هذا الفرض لو عصى وصلى في المغصوب فعلى القول بكون التركيب انضماميا تكون صلاته صحيحة كما هو ظاهر ، وعلى القول بكونه اتحاديا تكون صلاته باطلة وفي الفرض المذكور هل يجوز الاتيان بالصلاة قبل رفع الاضطرار أم لا؟ الحق أن يقال : ان قلنا بأن الاتيان بصلاة المختار لا يوجب تصرفا زائدا كما عليه سيدنا الاستاد يجوز له أن يصلي قبل رفع الاضطرار لوجود المقتضي وعدم المانع ، وأما على القول بكونه مستلزما للتصرف الزائد فلا يجوز له أن يصلي قبل رفع الاضطرار لأن المفروض انه يمكنه أن يصلي صلاة المختار فلا وجه للاقتصار على وظيفة المضطر. وبعبارة واضحة : قبل رفع الاضطرار وعدم تمكثه من الخروج هل يجوز له أن يصلي أم لا ولا بد فيه من التفصيل الذي ذكرنا.

٢٦٦

وأما الصورة الثانية فلا يجوز له أن يبقي في الغصب ويصلي اذ يجب عليه التخلص من الحرام في اول زمن الامكان فيجب عليه الخروج وأن يصلي صلاة المضطر بأن يومئ للركوع والسجود فيدخل المقام في باب التزاحم اذ المكلف لا يمكنه أن يجمع بين التخلص عن الحرام وبين أن يصلي صلاة المختار فان قلنا بأن المشروط بالقدرة العقلية يقدم على المقدور بالقدرة الشرعية يجب عليه أن يخرج ويصلي حال الخروج لأن الصلاة المجعولة للمختار مجعولة للقادر ومن لا يكون قادرا يجب عليه أن يصلي صلاة المضطر وتفصيل الكلام من هذه الجهة موكول الى باب التزاحم ونتكلم حول المرجحات عند البحث عن التزاحم وجهاته إن شاء الله.

فيجب عليه أن يصلي صلاة المضطر عند الخروج إلّا أن يكون في سيارة أو طيارة وقلنا انه لا يفرق بين الأوضاع المختلفة الحاصلة للمكلف من حيث الحكم ففي هذه الصورة يجب أن يصلي صلاة المختار اذ يمكنه الجمع بين الأمرين بأن يتخلص ويخرج وأيضا يصلي صلاة المختار هذا تمام الكلام في المقام الاول وهو ما لو كان الاضطرار بغير سوء الاختيار.

وأما المقام الثاني وهو ما كان الاضطرار بسوء الاختيار فيقع الكلام فيه في موضعين : احدهما في حكم الخروج ، ثانيهما في حكم الصلاة حال الخروج :

أما الموضع الاول فالأقوال المنقولة فى المقام خمسة : القول الاول ان الخروج حرام ، القول الثاني : ان الخروج حرام وواجب ، القول الثالث : انه واجب بالوجوب الفعلي وحرام بالنهي السابق الساقط بالاضطرار ، القول الرابع : انه واجب فحسب ولا يكون محرما لا بالنهي الفعلي ولا بالنهي السابق ، القول الخامس : انه لا يكون محكوما بحكم من الأحكام ولكنه منهي عنه بالنهي السابق الساقط بالاضطرار.

٢٦٧

أما القول الأول فتقريبه : ان الخروج تصرف في مال الغير فهو حرام بالفعل.

ويرد عليه : انه يحرم على المكلف البقاء فى المكان المغصوب فلو كان الخروج عليه حراما يلزم التكليف بالمحال والحكيم لا يصدر منه التكليف بالمحال.

لا يقال ان تحريم الخروج عليه من قبل المولى خطاب تسجيلي ليصح عقابه فانه يقال : لا معنى للخطاب التسجيلي فانه لو صح عقابه مع قطع النظر عن هذا الخطاب لكونه قادرا على ترك الخروج بعدم الدخول فلا يحتاج الى الخطاب التسجيلي ويكون لغوا وان لم يكن العقاب صحيحا لعدم قدرته فلا مجال للخطاب التسجيلي فان مرجعه الى الظلم تعالى عن ذلك.

ان قلت : فكيف يكلف الكفار والعصاة بالتكاليف مع العلم بأنهم لا يطيعون ، قلت ان الكفار والعصاة قادرون ويمكن لهم الانبعاث والانزجار وامكان الانبعاث والانزجار يصحح التكليف فلا مجال للمقايسة بين المقامين.

واما القول الثاني فتقريبه ان البقاء في المكان المغصوب تصرف في مال الغير بلا اذنه فيكون حراما ومن ناحية اخرى ان الخروج مقدمة للواجب ومقدمة الواجب واجبة ، أو ان الخروج بنفسه مصداق لرد المال الى صاحبه فهو واجب وهذا القول باطل ايضا لأن وجوب الخروج اما من باب كونه مقدمة للواجب واما لكونه مصداقا للتخلص ، أما على الاول فيرد عليه : انه قد سبق في بحث المقدمة عدم كون المقدمة واجبة وانما وجوبها بحكم العقل ، وأما كونه مصداقا للتخلص فيرد عليه : ان التخلص يحصل بالخروج فالخروج مقدمة له لا انه مصداقه مضافا الى أنه يلزم اجتماع الضدين ، فانه كيف يمكن أن يكون شيء واحد مبغوضا ومحبوبا مأمورا به ومنهيا عنه فهذا التكليف ، اي الجمع بين الأمر والنهي بالنسبة الى فعل واحد في نفسه محال لا انه تكليف بالمحال فهذا القول أفسد من القول الاول.

٢٦٨

وأما القول الثالث فتقريبه : ان الخروج مصداق للتخلص فيجب وحيث انه تصرف في مال الغير يحرم بالنهي السابق الساقط بالاضطرار فهذا الفعل أي الخروج واجب بالايجاب الفعلي وحرام بالتحريم السابق الساقط بالفعل.

ويرد عليه : ان اجتماع الحرمة والوجوب في شيء واحد في زمان واحد أمر غير معقول ولا يمكن لا من ناحية المبدأ ولا من ناحية المنتهى ، أما من ناحية المبدأ فلأن المولى لا يمكن أن يكون شيء واحد مبغوضا عنده ومحبوبا كذلك لاستحالة اجتماع الضدين وأما من ناحية المنتهى ، فلا يمكن للعبد أن يجمع بين الوجود والعدم بأن يمتثل الأمر وينزجر عن النهي ، فصدور الأمر والنهي كلاهما من المولى أمر قبيح والقبيح لا يصدر عن الحكيم فانه اجل من أن يصدر عنه اللغو ، ولا فرق بين كون كلا الحكمين متقارنين زمانا أم لا ، فان الميزان بوحدة زماني الوجوب والحرمة لا بزماني الايجاب والتحريم.

ان قلت : اذا لم يكن اختلاف زماني الحكمين مؤثرا فكيف يجوز الالتزام بالكشف في باب الاجازة حيث ان الاجازة المتأخرة توجب الانقلاب.

قلت : لا وجه للمقايسة بين المقامين فان الحكم التكليفي تابع للملاك في المتعلق وأما الحكم الوضعي فهو تابع للملاك في نفس الجعل فلو باع الفضولي مال زيد من بكر وبعد مضي شهر أمضى المالك عقد الفضولي لا مانع من الالتزام بالكشف الانقلابي بأن نقول ما دام لم يتحقق الاجازة يكون المبيع ملكا لمالكه وأما من زمان الاجازة فيحكم بكونه ملكا للمشتري ولا منافاة بين الجعلين وتفصيل الكلام موكول الى بحث الفضولي.

وأما القول الرابع فتقريب الاستدلال عليه ان المقام داخل في كبرى قاعدة وجوب رد المال الى مالكه ولا يرتبط بقاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، نعم ، لو كان داخلا تحت القاعدة الثانية كان مقتضاه عدم كون الخروج محكوما

٢٦٩

بحكم من الأحكام وكان يجري عليه حكم المعصية كما هو القول الخامس فالقائل بالقول الرابع قائل بأمور ثلاثة : الأمر الأول انه على تقدير أن يكون المقام داخلا في قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار يكون الحق هو القول الخامس ، وهو ان الخروج لا يكون محكوما بحكم ويجري عليه حكم العصيان والدليل على هذه الدعوى بطلان الأقوال الثلاثة السابقة فانه لا يمكن أن يكون الخروج حراما ولا مجال للخطاب التسجيلي بأن يسجل الخطاب استحقاق العقاب عليه كما مر الكلام حوله ولا يمكن أن يكون واجبا وحراما أعم من أن يكون زمان الجعلين واحدا أو متعددا فيكون الخروج منهيا بالنهي السابق الساقط بالاضطرار ويجري على الخروج حكم المعصية اذ فرض ان الاضطرار بسوء الاختيار.

والأمر الثاني : ان المقام لا يكون داخلا تحت تلك القاعدة ويستدل على المدعى بوجوه :

الوجه الاول : ان قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار تصدق في مورد يعرض الامتناع كما لو القى الانسان نفسه من شاهق فانه بعد الالقاء لا يمكنه أن يحفظ نفسه من الوقوع ، وأما في المقام فان المكلف يقدر على الخروج بعد الدخول ، نعم يضطر الى الجامع بين الخروج والبقاء والاضطرار الى الجامع لا يكون اضطرارا الى كل فرد من أفراد الجامع مثلا لو اضطر الشخص الى شرب احد المائعين اللذين يكون احدهما الخمر والآخر الماء لا يجوز له أن يشرب الخمر بحجية كونه مضطرا الى الشرب اذ يمكنه ان يرتفع الاضطرار بشربه الماء فيبقى حرمة الخمر بحالها.

الوجه الثاني : ان قاعدة الامتناع بالاختيار تختص بمورد لا يكون المقدمة الاعدادية دخيلة في ملاك الحكم كالمسير الى الحج قبل الموسم ، فان الخطاب بالحج لا يتوجه الى المكلف قبل الموسم بناء على عدم امكان الواجب المعلق وملاك الحج لا يختص بمن سار الى مكة بل ملاكه عام حتى بالنسبة الى من لا يسير

٢٧٠

والمقام لا يكون كذلك فان ملاك لزوم الخروج يتوقف على الدخول وأما مع عدم الدخول فلا يكون ملاك الحكم موجودا في الخروج فلا يكون المقام داخلا تحت تلك القاعدة.

الوجه الثالث : ان المناط في تلك القاعدة ان الإتيان بالمقدمة الاعدادية يوجب قدرة المكلف على المكلف به فتكون تلك المقدمة موجبة لتوجيه التكليف به وانما يسقط فيما لم يأت المكلف به وحيث ان المفروض ان عدم امكان التكليف ينتهى الى المكلف حيث ترك المقدمة ولم يأت بها يقال الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار وأما في المقام فالاتيان بالمقدمة وهي الدخول في الدار المغصوبة مثلا يوجب سقوط التكليف للاضطرار فمورد القاعدة مع المقام متعاكسان.

الوجه الرابع : ان الخروج واجب في الجملة ولو بحكم العقل وهذا يكشف عن كون الخروج أمرا مقدورا قابلا لتعلق التكليف به ومن المعلوم ان كل مورد يكون قابلا لتعلق الحكم به ولو من ناحية العقل لا يكون داخلا تحت قاعدة الامتناع بالاختيار اذ مورد تلك القاعدة ما يكون الفعل غير مقدور وغير قابل للتكليف وبعد فرض امكان تعلق التكليف به لا وجه لعدم تعلق التكليف به شرعا فكون مورد داخلا تحت القاعدة وقابلا لتعلق التكليف به جمع بين المتنافيين ، فالنتيجة ان المقام لا يكون داخلا تحت تلك القاعدة.

اذ عرفت ما تقدم نقول : الوجوه المذكورة التي استدل بها على المدعى تبتني على أمرين كلاهما فاسدان ، احدهما : توهم اختصاص القاعدة بالتكاليف الوجوبية والحال ان القاعدة لا تختص بها بل تعم التكاليف التحريمية والفارق بين التكاليف الوجوبية والتحريمية أن عدم الإتيان بالمقدمة في التكاليف الوجوبية يوجب امتناع الإتيان بالواجب في ظرفه كترك المسير الى الحج الذي يوجب عدم

٢٧١

امكان الإتيان بالحج ، وأما في التكاليف التحريمية فالإتيان بالمقدمة يوجب امتناع الانزجار عن الحرام ، مثلا الدخول في الدار المغصوبة يوجب امتناع ترك الخروج الذي هو محرم شرعا لكونه غصبا والحاصل انه لا فرق بين المقامين من هذه الجهة والميزان في القاعدة المذكورة عدم امكان العمل بالوظيفة أعم من كون الوظيفة وجوبية او تحريمية.

ثانيهما : توهم اختصاص القاعدة بموارد الامتناع التكويني كترك المسير الذي يوجب امتناع الحج تكوينا والحال انه لا فرق في جريان القاعدة بين الامتناع التكويني والتشريعي ، فان الممنوع الشرعي كالممنوع العقلي فعلى هذا الاساس وفساد كلا الأمرين يتضح فساد الوجوه المذكورة في مقام الاستدلال.

أما الوجه الاول فلبنائه على اختصاص القاعدة بمورد الامتناع العقلي ، وحيث ان الخروج غير ممنوع عقلا فلا يدخل المقام تحت القاعدة ، لكن قد ظهر فساد المبنى وانه لا فرق بين الممنوع العقلي والشرعي وحيث ان البقاء ممنوع شرعا يكون كالممنوع عقلا فان الخروج وان كان أمرا اختياريا عقلا لكن لا مناص عن اختياره اذ امر المكلف دائر بين البقاء والخروج ، وحيث ان الخروج اقل محذورا العقل يلزم باختياره فلا يمكن للمكلف ترك الخروج كما لا يمكنه عدم الوقوع على الارض بعد القاء نفسه عن الشاهق.

وأما الوجه الثاني فيرد عليه ان القاعدة لا تختص بالتكاليف الوجوبية كى يقال ان الخروج قبل الدخول لا ملاك فيه فان الخروج حرام لكونه غصبا ويكون منهيا عنه ولا يكون مأمورا به فلا تغفل.

وأما الوجه الثالث فيرد عليه انه خلط بين مقدمة الواجب ومقدمة الحرام ولم يميز بينهما ، فان المكلف اذا اتى بمقدمة الواجب يقدر على الاتيان بالواجب واذا ترك المقدمة يعجز فانه لو سار الى مكة قبل الموسم يقدر على الحج واذا ترك المسير يعجز

٢٧٢

وأما مقدمة الحرام فان المكلف لو تركها يقدر على ترك الحرام وأما لو اتى بها فلا يقدر على ترك الحرام ، فالمناط في كلا المقامين واحد وكلا الموردين داخلان تحت قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

وأما الوجه الرابع فيرد عليه ان حكم العقل بالخروج من باب كونه اقل محذورا.

ان قلت : حكم العقل بلزوم الخروج يكشف عن قدرته عليه فلا مانع من الحكم الشرعي ، قلت : ان حكم العقل بالخروج ولو كان كاشفا عن كون الخروج مقدورا لكن قد تقدم ان الممنوع شرعا كالممنوع عقلا والمفروض ان البقاء حرام عليه فلا يمكن أن ينهى عنه فعلا اذ التكليف بالمحال محال لكن حيث ان اضطراره بسوء اختياره يجري عليه حكم الحرام ، فيصح أن يعاقب عليه ولا يمكن أن يكون الخروج واجبا شرعا لاجتماع الضدين ، نعم لو كان الخروج محكوما بالوجوب كان ما أفاده تاما ، فان حكم العقل بالخروج يصحح الوجوب الشرعي وأما حكم العقل بالخروج من باب اختيار اقل المحذورين فلا يصحح المنع الشرعي.

وصفوة القول : ان المكلف لا يقدر على البقاء في الدار المغصوبة بعد الدخول لكونه عدوانا وقلنا ان الممنوع الشرعي كالممنوع العقلي ، فالمكلف لا يقدر على البقاء لكونه حراما فلا يكون قادرا على الخروج وتركه بل يجب بحكم العقل أن يخرج وحكم العقل بالخروج لا يصحح أن ينهى عنه شرعا فان تكليفه بعدم الخروج مع منعه عن البقاء مرجعه الى التكليف بما لا يطاق.

الامر الثالث : من الامور التي قال بها القائل بالقول الرابع وجوب الخروج ، والدليل عليه انه قد ثبت عدم كون المقام داخلا تحت قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فلا يتم القول الخامس ومن ناحية اخرى تقدم بطلان بقية الأقوال ، فنقول لا اشكال في حرمة البقاء لكونه غصبا وعدوانا وأما الخروج فهو تخلية بين

٢٧٣

المال ومالكه ولا اشكال في وجوب رد المال الى مالكه والرد في غير المنقولات يحصل بالتخلية فاذا كان الخروج تخلية يجب ، وان شئت قلت ان الذي توسط الدار المغصوبة لا يكون مضطرا الى البقاء كى يقال يسقط عنه النهي بل مضطر الى الجامع بين البقاء والخروج والمفروض ان البقاء حرام والخروج واجب لأن البقاء غصب والخروج تخلية فيكون متعينا.

ويرد عليه : ان التخلية عنوان مضاد للاشغال والابتلاء فكيف يمكن ان الخروج الذي يكون تصرفا في المغصوب واشغالا له مصداقا للتخلية وببيان واضح : عنوان التخلص من الغصب اما عنوان وجودي أي التخلية بين المال ومالكه واما عنوان عدمي اي ترك الغصب وعلى كلا التقديرين لا ينطبق على الخروج حيث ان الخروج مصداق للغصب والاشغال فان كان التخلص عنوانا وجوديا يكون ضدا لعنوان الخروج والتصرف الخروجي وان كان عنوانا عدميا يكون نقيضا له ومن الظاهر عدم صدق الضد أو النقيض على المقابل فان الضد لا ينطبق على الضد لاستحالة اجتماع الضدين كما ان النقيض لا يصدق على مقابله لاستحالة اجتماع النقيضين فالنتيجة ان التخلص يتحقق بالخروج فلا يكون الخروج مصداقا للتخلص والتخلية.

ان قلت : سلمنا ان التخلص لا يكون منطبقا على الخروج بل يتحقق بالخروج ويترتب عليه لكن نقول لا اشكال في أن التخلص عن الغصب واجب والخروج مقدمة له ومقدمة الواجب واجبة.

قلت : يرد عليه ، اولا ان التخلص اما عنوان عدمي أي عدم الغصب واما عنوان وجودي اي التخلية بين المال ومالكه وعلى كلا التقديرين لا ينطبق على الكون في الخارج ، أما على الأول فظاهر فان العنوان العدمي لا ينطبق على الكون في الخارج وأما على الثاني فائضا لا يكون منطبقا على الكون في الخارج فان التخلص والتخلية لازمان للكون في الخارج لا عينه بحيث ينطبقان عليه فعلى كلا التقديرين يكون التخلص لازما مع الكون في الخارج هذا من ناحية

٢٧٤

ومن ناحية اخرى لا دليل على لزوم توافق المتلازمين في الوجود توافقهما في الحكم فلا دليل على وجوب الكون في الخارج.

وثانيا : انه قد ثبت في محله انه لا دليل على كون المقدمة واجبة بالوجوب الشرعي فلا مقتضي لوجوب الخروج لا نفسا ولا مقدمة.

ان قلت : لا اشكال في حرمة شرب الخمر في جميع الحالات لكن لو شرب المكلف مائعا يوجب موته إلّا ان يشرب مقدارا من الخمر فلا اشكال في وجوب شرب الخمر في الصورة المفروضة والمقام كذلك.

قلت : ارتكاب عمل يوجب الاضطرار الى ارتكاب المحرم اما جائز واما غير جائز وبعبارة اخرى : شرب الخمر بهذه الحيلة اما يجوز وغير منهي عنه في الشريعة المقدسة واما منهي عنه اما على الاول فيكون خارجا عن المقام ولا يكون ارتكاب العمل المفضي الى شرب الخمر خلاف الوظيفة اذ المفروض ان شرب الخمر جائز في بعض الفروض ولا يكون مبغوضا للشارع ، وأما على الثاني ، فيكون نظير المقام ونقول شرب الخمر حرام بالتحريم السابق المرتفع بعروض الاضطرار ويجري عليه حكم المعصية ويكون مبغوضا كالخروج عن الدار الغصبية ، فتحصل من جميع ما تقدم ان الحق هو القول الخامس بأن نقول الخروج غير محكوم بحكم من الأحكام لكن يجري عليه حكم العصيان فلاحظ.

وأما الموضع الثاني وهو حكم الصلاة حال الخروج فيقع الكلام من هذه الجهة في فروع : الفرع الاول : ما اذا لم يتمكن من الصلاة خارج الدار اصلا لا مع الركوع والسجود ولا مع الايماء وفي هذا الفرض مقتضى القاعدة أن يصلي حال الخروج ويومئ للركوع والسجود كى لا يتصرف في الغصب تصرفا زائدا على مقدار الضرورة هذا على القول بالجواز وعدم اتحاد الغصب والصلاة وكون التركيب انضماميا واضح اذ المفروض عدم كون الصلاة مصداقا للغصب ،

٢٧٥

وأما على القول بالامتناع وكون التركيب اتحاديا فمقتضى القاعدة الاولية سقوط وجوب الصلاة لعدم امكان التقرب بالمبغوض ولكن مقتضى قاعدة عدم سقوط الصلاة بحال الالتزام بعدم المبغوضية بهذا المقدار.

وان شئت قلت : مقتضى وجوب الصلاة في كل حال من ناحية وعدم امكان التقرب بالمبغوض من ناحية اخرى ، يوجب الالتزام بارتفاع المبغوضية بهذا المقدار فان الضرورات تقدر بقدرها.

ان قلت : كيف يمكن ارتفاع المبغوضية والحال ان تصرفه في الغصب منهي عنه بالنهي السابق والنهي تابع للمفسدة في المتعلق الموجبة للمبغوضية والشيء لا ينقلب عما هو عليه. قلت : نلتزم بعدم كونه منهيا عنه بالنهي السابق وبعبارة اخرى : نلتزم بالجواز من اول الامر ولا نقول كان حراما ثم صار جائزا كى يقال لا ينقلب الشيء عما هو عليه او ان البداء لا يتصور في ناحية الشارع.

الفرع الثاني : ان المكلف اذا كان قادرا على الصلاة مع الايماء خارج الدار فعلى القول بالجواز وكون التركيب انضماميا يجوز له أن يصلي حال الخروج مع الايماء للركوع والسجود اذ المفروض عدم اتحاد الصلاة مع الغصب ومن ناحية اخرى عدم تصرف زائد في الغصب فلا فرق بين الصلاة الواقعة في الدار والصلاة الواقعة خارج الدار وأما على القول بالامتناع وكون التركيب اتحاديا فلا يجوز له أن يصلي في الدار اذ المفروض ان الغصب مبغوض للمولى ومن ناحية اخرى الصلاة متحدة مع الغصب ومع ناحية ثالثة لا يمكن التقرب بالمبغوض.

الفرع الثالث : انه لو تمكن المكلف من الاتيان مع الركوع والسجود خارج الدار لا يجوز له أن يصلى حال الخروج مع الايماء للركوع والسجود بلا فرق بين القول بالامتناع والقول بالجواز أما على القول بالامتناع فظاهر وأما على القول بالجواز فلأن المفروض ان المكلف يقدر على الاتيان بصلاة المختار ومع

٢٧٦

قدرته على الاتيان بها لا تصل النوبة الى صلاة العاجز ولا يخفى ان من يرى ان الخروج عن الدار تخلية بين المال ومالكه ويكون واجبا يرى جواز الصلاة داخل الدار مع الايماء للركوع والسجود ولو مع التمكن من الصلاة خارج الدار مع الايماء للركوع والسجود حتى على القول بالامتناع اذ على هذا القول لا يكون الخروج مبغوضا بل يكون محبوبا ، نعم على تقدير امكان الاتيان بصلاة المختار خارج الدار لا يجوز الاتيان بالصلاة مع الايماء في الدار كما هو ظاهر.

ثم انه على القول بالامتناع لا بد من ترجيح احد الطرفين على الآخر من مرجح وقد ذكرت لتقديم جانب النهي على جانب الأمر وجوه :

الوجه الاول : ان دليل النهي أقوى من دليل الأمر من حيث الدلالة وذلك لأن الاطلاق في طرف النهي شمولي وفي طرف الأمر بدلي فانه لو نهى المولى عن شرب الخمر لا تختص الحرمة بفرد دون فرد بل تشمل الحرمة جميع أفراده ويحرم شرب كل خمر واما اطلاق الأمر فبدلي يكتفي فيه بأول فرد منه يوجد في الخارج وحيث ان الاطلاق في طرف النهي شمولي يتقدم على الاطلاق البدلي وقد استدل على المدعى بادلة ثلاثة :

الدليل الاول : ان الاخذ بدليل الاطلاق البدلي يقتضي رفع اليد عن بعض مدلول الاطلاق الشمولي وأما الاخذ بالاطلاق الشمولي فلا يقتضي رفع اليد عن مدلول الاطلاق البدلي اصلا لأن مدلول الاطلاق البدلي أمر واحد وهي الطبيعة.

ويرد عليه اولا : ان الميزان في تقديم احد الظهورين على الآخر اقوائية المقدم من حيث الظهور وإلّا فلا وجه للتقديم وثانيا : ان الأمر ليس كما افيد فان الاطلاق البدلي ايضا شمولي باعتبار اذ مقتضى ترتب الحكم على الطبيعة المطلقة ترخيص المولى تطبيق تلك الطبيعة على كل فرد مثلا اذا قال المولى اعتق رقبة يجب عتق الرقبة المطلقة لكن مقتضى الاطلاق الترخيص في التطبيق بالنسبة الى

٢٧٧

كل فرد.

ولقائل ان يقول لا مجال لهذا التقريب توضيح ذلك : ان المولى يطلب الجامع بين الأفراد والترخيص في تطبيق ذلك الجامع على كل فرد من أفراد ذلك الجامع بحكم العقل ولولاه لم يبق للتخيير العقلي مجال ، وبعبارة اخرى : ليس من قبل المولى إلّا جعل حكم واحد وهو الالزام والترخيص بين الأفراد بحكم العقل بل لا يعقل أن يكون الترخيص شرعيا وذلك لأن وجود الطبيعي عين وجود الفرد في الخارج فكيف يمكن أن يكون المباح مصداقا للواجب. وبعبارة اخرى : المولى يحب مصداق الواجب وما أوجده المكلف في الخارج محبوب للمولى ومشتاق اليه فكيف يكون مباحا بالمعنى الاخص والحال ان المولى لا يشتاق الى المباح والأحكام بأسرها متضادة باعتبار المبدأ.

الدليل الثاني : ان ثبوت الاطلاق البدلي يتوقف على مقدمة زائدة على مقدمات الاطلاق وهي احراز تساوي الأفراد في الوفاء بالغرض وأما الاطلاق الشمولي فلا يتوقف على هذه المقدمة اذ المفروض شمول الحكم لكل فرد ومع وجود الاطلاق الشمولي وشمول الحكم لكل فرد لا يحرز تساوي الأفراد في الاطلاق البدلي فيقدم الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي.

واجاب سيدنا الاستاد عن هذا الدليل بأن الترخيص في الاطلاق البدلي ليس عقليا كى يتم هذا التقريب بل الترخيص شرعي ، وبعبارة اخرى : مقتضى الاطلاق البدلي شمول الحكم من قبل المولى جميع الافراد فلا فرق بين الاطلاق الشمولي والبدلي من هذه الجهة.

اقول : يرد عليه اولا ما بيناه آنفا من أن الترخيص الشرعي والاباحة الشرعية في تطبيق الواجبات على مصاديقها غير معقول لأوله الى اجتماع الضدين ، وثانيا : على هذا الاساس لا يبقى مجال للتخيير العقلي بل التخيير ينحصر في الشرعي ،

٢٧٨

وثالثا : ان المولى لو كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة على التقييد يكون مرجعه الى عدم الفرق بين الأفراد وبعبارة اخرى : الاطلاق رفض القيود ومعناه سريان الحكم الى تمام الأفراد وببيان واضح : الحكم مترتب على الطبيعة بنحو اللابشرط ومقتضاه تحقق الامتثال بكل فرد من الأفراد ولذا نقول انطباق المأمور به على المأتي به قهري والاجزاء عقلي فلاحظ.

الدليل الثالث : ان تحقق الاطلاق البدلي يتوقف على عدم شمول الاطلاق الشمولي لمورد التصادق وعدم شموله له يتوقف على الاطلاق البدلي وهذا دور والدور باطل ويرد عليه اولا انه يمكن أن يعكس التقريب المذكور بأن نقول شمول الاطلاق الشمولي لمورد التصادق يتوقف على عدم تناول الاطلاق البدلي لذلك المورد وعدم تناوله له يتوقف على شمول الاطلاق الشمولي وهذا دور.

وثانيا : انه قد ظهر مما تقدم عدم تقدم احدهما على الآخر وعدم مرجح في كلا الطرفين فالنتيجة المعارضة والتساقط فالوجه الاول لاثبات تقديم الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي غير قابل لاثبات المدعى.

الوجه الثاني : ان الحرمة تابعة للمفسدة في المتعلق والوجوب تابع للمصلحة الموجودة فيه هذا من ناحية ومن ناحية اخرى انه قد قرر عندهم ان دفع الضرر أولى من جلب المنفعة عند الدوران بين الأمرين فيقدم جانب النهي بهذا التقريب.

ويرد عليه : اولا ان هذه القاعدة على فرض تماميتها لا تنطبق على المقام فان هذه القاعدة على القول بها تجري فيما لو دار الأمر بين ارتكاب فعل فيه منفعة وارتكاب فعل فيه مضرة ولا يمكن للمكلف ارتكاب الاول والاجتناب عن الثاني وبعبارة اخرى : يقع التزاحم بين المضرة والمنفعة والمقام ليس كذلك بل الأمر دائر بين الحرمة والوجوب وبعبارة واضحة : الفعل اما واجب واما حرام فالمقام داخل في باب التعارض لا في باب التزاحم فلا يرتبط مقامنا بذلك الباب.

٢٧٩

وثانيا : ان القاعدة المذكورة لا تكون تامة في حد نفسها بل الحال يختلف بحسب المقامات فربما يقدم جانب المنفعة واخرى جانب المضرة فلا بد من ملاحظة الأهم والمهم.

وثالثا : ان الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد ولا تكون تابعة للمضار والمنافع ولذا يمكن أن يكون في متعلق حكم ضرر مالي كالزكاة والخمس والحج وربما يكون في متعلقه ضرر بدني كالجهاد والحدود والتعزيرات وصفوة القول ان الحكم الشرعي لا يتبع الضرر والنفع الراجعين الى المكلف.

ورابعا : ان وظيفة المكلف الاطاعة فان كان الحكم وجوبيا يأتي بالواجب وان كان تحريميا يترك ، وبعبارة اخرى لا يكون المكلف موظفا بجلب المنفعة ودفع المضرة ما دام لا يكون حكم من قبل المولى واما مع صدور الحكم من قبله فيلزم عليه أن يقوم على طبق التكليف ويعمل بالوظيفة ، واجاب المحقق القمي قدس‌سره على ما نقل عنه عن هذا الوجه بأن الامر دائر بين دفع هذه المفسدة وتلك المفسدة بتقريب ان ترك الواجب فيه مفسدة كفعل الحرام.

ويرد عليه : ان ترك الواجب لا مفسدة فيه كما أن ترك الحرام لا مصلحة فيه وإلّا يلزم أن يكون كل حكم ينحل الى حكمين وهو باطل بالضرورة.

الوجه الثالث : الاستقراء بتقريب ان الاستقراء في موارد دوران الأمر بين الوجوب والحرمة يرشدنا الى أن الشارع الأقدس قدم جانب الحرمة كما أمر بترك الصلاة ايام الاستظهار وكما أمر باهراق الماء المشتبهة بالنجس فان الأمر دائر بين حرمة الصلاة ووجوبها في الاول والشارع قدم جانب الحرمة وأمر بترك الصلاة كما أن الأمر دائر بين وجوب الوضوء والغسل وحرمتهما والشارع الأقدس رجح جانب الحرمة وأمر باهراق الماء والتيمم.

ويرد عليه : اولا : ان الاستقراء الناقص لا يتحقق بهذا المقدار فكيف بالاستقراء

٢٨٠