آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

الجملة التي تكرر فيها عقد الحمل وبعبارة اخرى : قد انفصلت الجملة الأخيرة عما قبلها فلا مانع من الأخذ باصالة العموم في بقية الجملات ، ان قلت : كيف يمكن الأخذ بالعموم مع احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية.

قلت : لا مجال لهذا الاشكال فان احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية مورده ما يمكن اتكال المتكلم عليه ولكن لا يكون الأمر معلوما عند المخاطب كما لو قال «اكرم العلماء الا الفساق» ودار الأمر فى الفاسق بين مرتكب خصوص الكبيرة أو الاعم منه ومن الصغيرة فلا ينعقد ظهور للعام في العموم وأما اذا فرضنا ظهور الجملة بحسب الفهم العرفي فلا يجوز للمتكلم أن يريد خلافه الا مع القرينة فحكم هذه الصورة واضح.

وأما الصورة الثانية وهي ما لو تعدد المحمول واتحد الموضوع فتارة لا يتكرر الموضوع واخرى يتكرر ، أما الصورة الاولى فكما لو قال المولى «جالس العلماء واضفهم واكرمهم الا الفساق منهم» فان الاستثناء في هذه الصورة يرجع الى الجميع والكلام بنظر العرف كلام واحد ، وأما الصورة الثانية فكما لو قال المولى «اكرم العلماء وجالس العلماء الا الفساق منهم» فانه يرجع الاستثناء الى ما كرر فيه الموضوع وما بعده ان كان ولا مانع من الأخذ باصالة العموم في الباقي.

وأما لو تكرر الموضوع والمحمول معا فكما لو قال المولى «اكرم العلماء وجالس العطارين واضف الزوار الا الفساق منهم» فيرجع الاستثناء الى الجملة الاخيرة ولا مانع من الأخذ بالعموم في الباقي ويظهر من كلامه أنه لا فرق بين كون العموم مستفادا من الوضع أو من الاطلاق ، أما على الاول فللظهور الوضعي وأما على الثاني فلتمامية مقدمات الحكمة.

٣٨١

الفصل التاسع :

وقع الكلام فيما بين القوم في جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد وقال في الكفاية : «الحق هو الجواز» والأمر كما أفاده وما ذكر في تقريب المنع وجوه :

الوجه الاول : ان الكتاب قطعي السند والخبر ظني السند فكيف يجوز رفع اليد عن القطعي بالظني.

وفيه اولا : أنه لا اشكال في تخصيص العام المتواتر بالخبر الواحد غير المتواتر ولا فرق بين المقامين من هذه الجهة.

وثانيا : ان الخبر وان كان ظنيا سندا لكن اعتباره قطعي فالنتيجة رفع اليد عن القطعي بالقطعي ، توضيح المدعى ان السيرة الجارية العقلائية على العمل بالخبر الواحد المعتبر وتخصيص العمومات به والشارع الأقدس ليس له طريق خاص في افادة مراداته ، وان شئت قلت ان رفع اليد عن العموم بالخاص الخبري على القاعدة بخلاف العكس فان العمل باصالة العموم موقوف على عدم قيام قرينة على خلافه والخاص قرينة عقلائية وأما تقديم العام على الخاص ورفع اليد عن الخاص دوري اذ يتوقف العمل بالعموم على سقوط الخبر عن الاعتبار وسقوطه عن الاعتبار يتوقف على العمل بالعموم وببيان آخر ان الكتاب وان كان قطعي السند ، لكن لا يكون قطعي الدلالة وقابل لأن يخصص بالقرينة العقلائية والخبر المعتبر الخاص قرينة عرفية فلا يبقى وجه للاشكال من هذه الناحية.

الوجه الثاني : ان دليل اعتبار الخبر الواحد هو الاجماع ولا اجماع مع كونه مخالفا مع الكتاب وفيه : ان السيرة من الصدر الأول جارية على رفع اليد عن العموم الكتابي بالخبر الواحد المعتبر والذي يدل على المدعى ان الأصحاب في

٣٨٢

مقام ترجيح أحد الخبرين المتعارضين على معارضه ذكروا ان الموافقة مع الكتاب من المرجحات ويستندون الى بعض النصوص ومن الظاهر ان التعارض فرع التكافؤ فلو لم يكن الخبر المخالف حجة في نفسه لم يكن مجال لبحث الترجيح وصفوة القول : ان الاجماع العملي على العمل بالخبر ولو كان مخالفا مع الكتاب بالعموم والخصوص.

الوجه الثالث : انه قد دلت جملة من النصوص على عدم اعتبار الخبر المخالف للكتاب لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا محمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به (١).

وربما يقال : بأن المخالفة بالعموم والخصوص لا يكون مخالفة ويرد عليه : انه لو سئل ان الخبر الدال على حرمة البيع الفاقد لبعض الشروط المحكوم ببطلانه مخالف مع الكتاب أم موافق لا اشكال في كونه مخالفا ولا يصدق عليه الموافق فلا بد أن يجاب عن الاشكال بنحو آخر ، والحق أن يقال ان هذه النصوص وان كان اكثرها ضعيفة سندا لكن فيه ما لا بأس به من حيث السند ، فنقول لا اشكال في صدور احكام كثيرة منهم عليهم‌السلام مخالفة مع الكتاب بالعموم والخصوص ولا مجال لأن يقال نخصص النصوص بها لأن اللسان آب عن التخصيص فتأمل مضافا الى أنه لا يبعد أن يصل الأمر الى التخصيص المستهجن اضف الى ذلك كله ان المستفاد من جملة من النصوص ومنها ما رواه ابن أبي يعفور (٢) انه يشترط في اعتبار الخبر وجود شاهد عليه من الكتاب فلا يكفي في الاعتبار مجرد عدم المخالفة بل لا بد من الموافقة وهل يمكن الالتزام به وهذا رفع اليد عن الخبر بالكلية لأنه مع وجود

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة الباب ٦ من المقدمات الحديث : ١٢

(٢) نفس المصدر ، الحديث : ١٦

٣٨٣

شاهد من الكتاب عموما أو خصوصا لا يبقى مجال لاستفادة المراد من الخبر ويضاف الى ذلك ان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اني تارك فيكم الثقلين الخ يقتضي ان الشارح لكلامه تعالى كلام اهل البيت الذين هم أدرى بما في البيت.

وبعبارة واضحة : ان ما قاله المنحرفون من أنه يكفي كتاب الله غير تام ويلزم العمل بالكتاب بدلالة من اهل بيت الوحى ولا مجال للعمل بالكتاب وحده فكل ما ثبت انه كلام لهم عليهم‌السلام بالدليل المعتبر لا بد من الأخذ به ، وصفوة القول : ان المخالفة بالعموم والخصوص والاطلاق والتقييد والاجمال والبيان لا يكون مقصودا بالنصوص المشار اليها.

الفصل العاشر :

انه اذا ورد عام وخاص ودار الأمر بين التخصيص والنسخ ففيه صور : الصورة الاولى : أن يكون الخاص متصلا بالعام فلا اشكال في كون الخاص مخصصا للعام كما لو قال المولى «اكرم العلماء الا الفساق منهم» ولا مجال لاحتمال النسخ في هذه الصورة اذ النسخ رفع الحكم الثابت والمفروض ان الذي خصص من اول الأمر لا يكون ثابتا كى يرتفع.

الصورة الثانية : أن يكون الخاص واردا بعد العام قبل حضور وقت العمل بالعام فائضا يكون الخاص مخصصا اذ المفروض وروده قبل حضور وقت العمل بالعام فلا مجال للنسخ ، والوجه فيه ان جعل الحكم مع العلم بعدم تحقق موضوعه لغو صرف لا يصدر عن المولى الحكيم الا في الاوامر الامتحانية.

الصورة الثالثة : أن يكون الخاص واردا بعد العام وبعد حضور وقت العمل به فيدور الأمر بين كون الخاص مخصصا وناسخا ربما يقال انه ناسخ كى لا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة لكن يتوجه اشكال آخر وهو انه يلزم نسخ كثير

٣٨٤

من الاحكام الشرعية وليس المراد من الاشكال المذكور انه لا نسخ بعد الرسول الاكرم فانه يمكن دفع الاشكال المذكور بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل بيان الاحكام وأمدها وديعة عند اهل بيته وانهم عليهم‌السلام يبينون ما بينه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا اشكال من هذه الجهة بل الاشكال من جهة ان الشريعة الاسلامية شريعة خالدة ولا تناسب بين الخلود والنسخ بهذه الكثرة ولذا لا بد من دفع الاشكال فأفاد صاحب الكفاية بأن الاحكام المنسوخة احكام ظاهرية قد بينت لمصالح والمخصص الوارد بعد حضور وقت العمل ناسخ للحكم الظاهري ومخصص للحكم الواقعي.

والظاهر ان ما أفاده تام ، وصفوة القول ان الحكم الواقعي مخصص ولا يكون عاما لكن المصلحة تقتضي عدم البيان والاظهار ، وببيان ظاهر ان الحكم الواقعي يختص بموضوع خاص غاية الأمر لا يكون واضحا الا بعد ورود المخصص ، والحق أن يقال في مقام دفع الاشكال ان ما ذكر من كون الشريعة خالدة لا ينافي النسخ فان المراد بالخلود ان الاحكام الشريعة لا تكون كبقية الاحكام التي تتغير بوقوف جاعلها على جهات وببيان واضح ان الشارع الأقدس لكونه عالما بجميع الجهات لا مجال للتغير في أحكامه ومجعولاته أو ان المراد بالخلود ان الشريعة الاسلامية خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها كى تنسخ ولا تنافي بين عدم النسخ بهذا المعنى مع كون الحكم موقتا من اول الأمر اذا عرفت ما تقدم نقول الذي يخطر بالبال أن يقال : ان الظاهر من الادلة بيان الحكم من اول الامر وبعبارة اخرى الظاهر من التخصيصات الوارد بعد حضور وقت العمل بالعمومات بيان الاحكام الثابتة في الشريعة من اول الأمر فالخاص الوارد بعد حضور وقت العمل بالعام مخصص للعام لا ناسخ فلاحظ.

الصورة الرابعة : ان يرد العام بعد ورود الخاص قبل زمان العمل بالخاص وفي هذه الصورة يكون الخاص مخصصا للعام اذ لا يعقل جعل الخاص قبل حضور

٣٨٥

وقت العمل به منسوخا ويكون الجعل لغوا ولا يصدر عن الحكيم نعم بالنسبة الى المولى العرفي الذي يمكن في حقه الجهل والندم لا يبعد أن يكون العام محكما بأن يقال الميزان بما صدر عن المولى مؤخرا لكن الجهل والندم لا يجوز ان بالنسبة الى المولى الحكيم إلّا ان يكون انشاء الحكم الخاص امتحانيا.

الصورة الخامسة : ان يكون العام واردا بعد ورود الخاص وبعد حضور وقت العمل به فيدور الأمر بين كون الخاص مخصصا للعام وكون العام ناسخا له فربما يقال ان كثرة التخصيص توجب أقوائية ظهور الخاص في التخصيص ويكون أظهر في الدوام لندرة النسخ ولو كان ظهوره في الدوام بالاطلاق فيقدم على العموم وان كان ظهوره فى العموم بالوضع.

اذا عرفت ما تقدم نقول يقع الكلام في أنه لو دار الأمر بين النسخ والتخصيص فهل يكون دليل على عدم النسخ وترجيح التخصيص ربما يقال يمكن اثبات عدم النسخ بوجوه :

الوجه الاول : الاستصحاب ، أي استصحاب بقاء الحكم وعدم كونه منسوخا.

وفيه : ان الاصل العملي لا مجال له مع وجود الأصل اللفظي ، وبعبارة اخرى مع اصالة العموم في ناحية العام المقتضي لنسخ الخاص لا مجال لاستصحاب الحكم الخاص مضافا الى ان استصحاب الحكم الخاص معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

الوجه الثاني : ان دليل كل حكم ظاهر في الاستمرار فدليل الحكم الخاص ايضا من الاصول اللفظية ، وفيه : ان استمرار كل حكم فرع ثبوت ذلك الحكم والمفروض ان العام يعارض دليل الخاص وان شئت قلت : استمرار الحكم أمر مترتب على وجود الحكم ، وببيان واضح ان استمرار الحكم موضوعه وجود الحكم والمفروض ان العام يعارض دليل الخاص في ثبوته ، اللهم إلّا أن يقال انه لا اشكال في أن دليل

٣٨٦

الخاص يقتضي ثبوت الحكم لأفراده ومقتضى الظهور بقائه ، وبعبارة اخرى دليل العام لا يعارض اصل ثبوت الحكم بل يعارض استمراره فلا مجال لأن يقال ان الدليل الواحد لا يتكفل لكلا الامرين ، وصفوة القول : انه لا ريب في أنه مع عدم العام يكون الحكم الثابت للخاص باقيا فالتعارض بين الأصلين اللذين كلاهما لفظيان ، ان قلت ان دليل ثبوت الحكم لا يمكن أن يكون متعرضا لاستمراره واستمراره فرع وجوده فدليل أصل الحكم لا يكون دالا على استمراره.

قلت : انه اشبه بالسفسطة فان الدليل تارة يكون متعرضا للأفراد العرضية واخرى يكون متعرضا للأفراد الطولية مثلا قول المولى يجب اكرام كل عالم متعرض لوجوب اكرام كل فرد من أفراد العلماء كما ان قول المولى «يستحب الغسل في يوم الجمعة» يدل على استحباب الغسل في كل جمعة وبعبارة واضحة : ليس هذا عبارة عن الاستمرار بل معناه جعل الحكم لكل فرد من الأفراد الطولية ودليل الاستمرار عبارة عن الدليل الدال على عدم نسخ الحكم وهو لا يرتبط بهذا الدليل وببيان صريح جعل الحكم للافراد الطولية لا يرتبط باستمرار الحكم فلا تغفل.

الوجه الثالث : قوله عليه‌السلام «حلال محمد حلال الى يوم القيامة» (١) بتقريب ان كل حكم مجعول من قبل الشارع باق الى يوم القيامة فلا نسخ.

وفيه : ان المراد من الخبر ان شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شريعة خالدة باقية الى يوم القيامة ولا شريعة بعدها لا أن كل حكم شرعي مستمر ، كيف وقد ورد في بعض النصوص ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن ، والذي يختلج بالبال أن يقال ان العام المتأخر عن الخاص تارة في مقام بيان الحكم في أصل الشريعة ومن أول الأمر واخرى في مقام بيان الحكم من زمان ورد العام فان كان من قبيل القسم الأول يكون الخاص مخصصا وبعبارة اخرى يكون مثل صورة تقارن العام والخاص

__________________

(١) الاصول من الكافى ، ج ٢ ، ص ١٧ ، حديث : ٢

٣٨٧

واذا كان من القسم الثاني يكون العام ناسخا للخاص بحسب الظهور العرفي واذا فرض الشك ولم يعلم الحال تصل النوبة الى الأصل العملي ولا مجال لاستصحاب الحكم الخاص لمعارضته بعدم الجعل الزائد فالمرجع البراءة إلّا أن يكون الأمر دائرا بين المحذورين فيحكم العقل بكون الوظيفة التخيير.

بقى في المقام امران : احدهما : ان النسخ هل يكون جائزا ام لا؟ ربما يقال بعدم جوازه لأن رفع الحكم بعد ثبوته اما ناش من الجهل واما ناش عن عدم الحكمة وكلاهما غير معقول بالنسبة الى ساحته تعالى وتقدس بيان ذلك : ان بقاء الحكم واستمراره اما فيه الملاك واما ليس فيه الملاك ، أما على الاول فيلزم أن يكون باقيا فرفعه خلاف الحكمة مضافا الى أن جعله أولا مع علمه برفعه بعد حين لغو وأما على الثاني فيلزم كونه تعالى جاهلا تعالى الله عما يقولون.

وفيه : اولا ينقض بالعام الذي يخصص بالمخصص المنفصل فان الاشكال بعينه هو الاشكال والجواب هو الجواب وأما الجواب الحلي ان الحكم الواقعي مختص بزمان خاص كما ان وجوب الاكرام مثلا يختص بخصوص العدول لكن المصلحة تقتضي عدم البيان فلا يلزم الجهل ولا يلزم خلاف الحكمة.

ثانيهما : ان البداء ، هل يكون جائزا بالنسبة الى ذاته المقدسة أم لا؟ فان المعروف من مذهب الشيعة جواز البداء بالنسبة الى ذاته تعالى وربما يقال ان الالتزام بالبداء يستلزم الجهل بالنسبة اليه تعالى وتقدس.

والجواب عن هذه الشبهة ان جميع الأمور معلومة عند ذاته المقدسة والمعلوم عنده قسمان : قسم في اللوح المحفوظ ، وقسم في لوح المحو والاثبات والذي يكون في اللوح المحفوظ لا يتغير ولا يتبدل ، وأما القسم الثاني فهو قابل للتغير والتبدل والبداء في الحقيقة هو الابداء واظهار ما كان مستورا مثلا قد قدر أن يعمر زيد خمسين سنة بشرط عدم صلته لرحمه وأما اذا وصل رحمه يزيد في عمره ثلاثون سنة ، فمعنى البداء اظهار ما كان مجهولا ، وببيان واضح : كان المقدر أن يعمر خمسين ثم يبدو

٣٨٨

ويظهر ان عمره ثمانون وبهذا المعنى لا يتوجه الاشكال ، والشيعة قائلون بالبداء بهذا المعنى ولا يلزم منه استناد الجهل الى ذاته المقدسة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وذكر المحدث الكبير المحقق المدقق المجلسي قدس‌سره نصوصا وأفاد في ذيل الروايات تحقيقا بليغا فراجع ما ذكره وما أفاده (١).

المقصد الخامس : فى المطلق والمقيد والمجمل والمبين :

وفيه فصول : فصل : قال في الكفاية عرف المطلق بأنه ما دل على شايع فى جنسه ، وقد اشكل عليه بعض الاعلام بعدم الاطراد والانعكاس الى آخر كلامه.

اقول : الظاهر انه ليس اصطلاح خاص عند الاصوليين في لفظي المطلق والمقيد فان الاطلاق عندهم عبارة عن الارسال وعدم القيد كما ان التقييد عندهم عبارة عن عدم الارسال ، وبعبارة اخرى يقال زيد مطلق في مقابل بكر الذي قيد بقيد فالمناسب أن يتكلم في الالفاظ التى وقع الكلام فيها من حيث انها من مصاديق المطلق أم لا.

قال في الكفاية : من المطلق اسم الجنس ، كانسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض الى غير ذلك من اسماء الكليات من الجواهر والاعراض بل العرضيات الى آخر كلامه.

ويمكن أن يكون المراد بالعرضيات المشتقات ويمكن أن يكون المراد بها الامور غير المتأصلة كالملكية في مقابل الاعراض المتأصلة كالبياض ولتوضيح المدعى لا بد من بيان ما هو الموضوع له في اسماء الاجناس ، فنقول قال سيدنا الاستاد : الماهية تارة تلاحظ بما هي اي ان النظر مقصور الى ذاتها وذاتياتها ولا يلاحظ معها

__________________

(١) بحار الانوار ، ج ٤ ، ص ٩٢ ، باب البداء والنسخ

٣٨٩

شيء آخر وتسمى هذه الماهية بالماهية المهملة اي اهمل فيها النظر الى غيرها من الخصوصيات ، واخرى ينظر اليها مع خصوصية من الخصوصيات فان كانت تلك الخصوصية كونها مقسما للاقسام تسمى باللابشرط المقسمي وفي هذا الحال لا يطلق على الماهية الا الذات والذاتيات ، وان كانت تلك الخصوصية كونها في وعاء العقل مجردة تسمى بالماهية المجردة وهي بهذا العنوان لا يعقل ان تحمل على الموجودات الخارجية للتنافي بين كونها مجردة وكونها متحدة مع الخصوصية الخارجية ، وان شئت قلت الماهية بشرط لا ، لا تجتمع مع اية خصوصية وان كانت تلك الخصوصية الملحوظة مع الماهية خصوصية خارجية تسمى بالماهية المخلوطة وتلك الخصوصية اما وجودية واما عدمية فان كانت وجودية تسمى بشرط الشىء وان كانت عدمية تسمى بشرط لا وان كانت تلك الخصوصية الملحوظة الارسال والاطلاق تسمى باللابشرط القسمي والمراد من الاطلاق والارسال رفض القيود والغائها وبعد ذلك نقول ان اسم الجنس موضوع للماهية المهملة الملغاة عنها جميع الخصوصيات حتى كونها مقسما للأقسام والسر فيه انه لو كان موضوعا لخصوصية من تلك الخصوصيات كان استعماله في غير تلك الخصوصية استعمالا في غير ما وضع له والحال ان استعمال اسم الجنس في جميع الأقسام استعمالا في الموضوع له ولا مقتضي للالتزام بالمجاز ، هذا محصل كلامه دام ظله وبقائه.

ويرد عليه : ان مرجع كلامه الى الخلف والتناقض اذ لا اشكال في أن وجود المقسم معتبر في جميع الاقسام فكيف يمكن الجمع بين كون اللابشرط المقسمي مقسما لجميع الأقسام ومع ذلك لا تكون تلك الخصوصية داخلة في الموضوع له ، فالحق ان يقال ان اسم الجنس موضوع للماهية التى يعبر عنها باللابشرط المقسمي ، وان شئت قلت : الماهية من حيث هي جامعة بين جميع تلك الخصوصيات وموجودة مع جميع الأفراد وبعبارة واضحة : الحيثية اللابشرطية تنتزع من الماهية

٣٩٠

بلا لحاظ لاحظ أي لا يحتاج الى اللحاظ بل بنفسها مقسما وجامعة للافراد ولذا لا يصح أن يقال انها مهملة فانها لا تكون مهملة بل مطلقة بالاطلاق الذاتي في قبال الاطلاق اللحاظي وأما قوله ان الماهية المهملة لا يطلق عليها الا ذاتها وذاتياتها ، فيرد عليه : ان الحمل في ذلك الوعاء حمل اولي ومن الظاهر انه لا يحمل الذاتي على الماهية بالحمل الأولي فلا يصح أن يقال الانسان حيوان بالحمل الاولي بل الانسان حيوان ناطق فلاحظ.

ثم انه لا يخفى ان اللابشرط القسمي ما يكون قابلا للانطباق على الأفراد الخارجية اذ الاطلاق عبارة عن رفض القيود في مقام الحكم على الماهية فما أفاده في الكفاية بأن اللابشرط القسمي موطنه العقل وما يكون موطنه العقل لا ينطبق على ما في الخارج غير تام ، والسر فيه ان لحاظ الماهية على نحو الاطلاق ليس قيدا لها كى يتم المدعى بل اللحاظ طريق الى موضوع الحكم.

ثم انه وقع الكلام في أن الكلي الطبيعي عبارة عن اللابشرط القسمي او انه عبارة عن اللابشرط المقسمي فعن المحقق النائيني ان الكلي الطبيعي عبارة عن اللابشرط القسمي بتقريب ان اللابشرط المقسمي جامع بين الماهية بشرط شيء والماهية بشرط لا والماهية لا بشرط فالكلي الطبيعي الجامع للأفراد الخارجية قسيم للماهية بشرط لا والماهية بشرط شيء ولا يعقل أن يكون قسيم الشيء مقسما لنفسه وقسيمه والظاهر ان الكلي الطبيعي هو اللابشرط القسمي فان الكلي الطبيعي ما ينتزع عن الأفراد الخارجية فما أفاده الميرزا النائيني تام.

ومن أقسام المطلق علم الجنس كاسامة والحق انه لا فرق معنوي بين اسم الجنس وعلمه وانما الفرق لفظي فانه يعامل مع علم الجنس معاملة المعرفة ومع اسم الجنس معاملة النكرة فلا تغفل.

٣٩١

فصل :

أفاد صاحب الكفاية : ان المفرد المعرف باللام من اقسام المطلق والذي يختلج بالبال أن يقال ان المفرد المحلى بلام الجنس كقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) او قول المولى «اكرم العالم» داخل في عنوان المطلق وأما بقية الأقسام من العهد الخارجي والذهني والذكري فلا فان المطلق كما قيل في تعريفه ما يكون شائعا في جنسه ويكون الحكم المترتب عليه شاملا لجميع الأفراد اما على نحو البدل أو على نحو الشمول على اختلاف الموارد فان مقتضى مقدمات الحكمة يختلف فتارة يكون مقتضاها شمول الحكم لجميع الأفراد كقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) فان حلية البيع في الجملة بلا قرينة قائمة على الخصوصية لا أثر لها فمقتضى المقدمات حلية جميع الأفراد وفي بعض الاحيان يكون مقتضى المقدمات سريان الحكم الى جميع الأفراد على نحو البدلية كما لو قال المولى «اكرم العالم» ونحوه وأما لو لم يكن شايعا في جنسه كما في موارد العهد على أقسامه فلا يكون داخلا في المطلق.

ان قلت : كيف لا يكون داخلا فيه والحال ان مقتضى الاطلاق في قول المولى ادخل السوق جواز الدخول في السوق بأي نحو.

قلت : هذا مقتضى اطلاق الدخول لا اطلاق السوق مضافا الى أن الاطلاق المنعقد في الفرد الخارجي اطلاق احوالي لا اطلاق أفرادي والاطلاق الأحوالي ينعقد في الأعلام ايضا وهل يمكن أن يقال ان الاعلام الشخصية داخلة في عنوان المطلق.

ثم ان صاحب الكفاية أفاد بأن اللام للتزئين كما هو كذلك في قولهم «الحسن والحسين» ولا تكون للتعريف ولا يبعد أن تكون اللام اشارة الى المدخول في

٣٩٢

وعائه وبعبارة اخرى يكون وزان اللام وزان اسماء الاشارة فتكون اشارة الى الجنس كما في قولهم «الرجل خير من المرأة» واشارة الى المعهود الذكري كما في قوله تعالى (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) أو اشارة الى المعهود الخارجي كقول القائل «افتح الباب» او اشارة الى المعهود الذهني كقولهم «ادخل السوق».

ان قلت : لو كانت اللام للاشارة يلزم تعدد الاشارة في قولهم «هذا الرجل كذا» قلت : اولا لا يترتب اشكال على تعدد الاشارة ، وثانيا : يمكن أن يقال أن اللام اشارة الى الجنس ولفظ هذا اشارة الى الموجود الخارجي ، فالنتيجة أن اللام في هذه الموارد للتعريف لا للتزيين وعلى هذا الاساس يمكن أن يقال ان اللام في الجمع المحلى للتعريف فان اللام اشارة الى مرتبة متعينة وهي جميع الأفراد.

ومن مصاديق المطلق النكرة فلو قال المولى جئني برجل يكون المراد بالرجل الجنس المقيد بالوحدة المستفاد من تنوين التنكير وبعبارة اخرى المراد بالرجل في المثال الجنس الشامل للأفراد.

فصل :

قال في الكفاية لا دلالة لمثل رجل الا على الماهية المبهمة وضعا وان الشياع والسريان كسائر الطواري ، يكون خارجا عما وضع له فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة.

وقال سيدنا الاستاد في هذا المقام : ومن الواضح ان الاطلاق والتقييد من الخصوصيات الطارئة على الماهية التي وضع اللفظ بازائها فهما خارجان عن حريم المعنى الموضوع له وهذا هو المعروف بين المتأخرين وهو الصحيح الخ.

٣٩٣

والذي يختلج بالبال : أن يقال تارة تلاحظ الماهية في حد نفسها واخرى تلاحظ بالنسبة الى حكم العارض لها ، أما على الاول فالحق ان الماهية بما هى سارية وجارية ولا مجال لان يقال ان السريان خارج عن حريم المعنى وان شئت قلت : الاطلاق نوعان : اطلاق ذاتي واطلاق لحاظي فان الاطلاق الذاتي ذاتي للمطلق وببيان أوضح المفروض ان اسم الجنس وضع بازاء اللابشرط المقسمي واللابشرط المقسمي يصدق ويجتمع مع جميع أفراده التي تكون تحت العنوان العام الذي نعبر عنه بالمطلق والذي يدل على ما نقول ان المطلق بنفسه مطلق لا أن الاطلاق أمر يزاد على المفهوم ولولاه نسال ان الماهية المطلقة كمفهوم رجل مثلا مطلق أو مقيد لا اشكال في أنه ليس مفهوما مقيدا فيكون مطلقا كما ان مفهوم رجل عالم مفهوم مقيد فلا اشكال في أن المفهوم بما هو مطلق ، هذا كله على فرض ملاحظتها في نفسها ، وأما على تقدير لحاظ الماهية بالنسبة الى الحكم العارض عليها كما لو قال المولى «اكرم العالم» فان اطلاق مفهوم العالم وعدمه بنظر المولى الحاكم فتارة يرفض القيود ويسري الحكم الى كل عالم ولا يقيد الموضوع بقيد واخرى يقيده فيقول اكرم العالم العادل أو الفقيه أو غيرهما من القيود المتصورة فالحق ان يفصل في المقام بهذا التفصيل.

اذا عرفت ما تقدم نقول : تارة يكون المولى في مقام الاهمال فلا كلام كما هو ظاهر واخرى يكون في مقام البيان ويقوم دليل خارجي من حال أو مقال على الاطلاق أو التقييد وثالثة يكون في مقام بيان تمام المراد ولا يقوم دليل خاص على مراده فهل يكون دليل عام على الاطلاق أم لا؟ المعروف بين القوم ان الدليل على الاطلاق والقرينة العامة عليه قرينة الحكمة وهي تتوقف على مقدمات :

المقدمة الاولى : أن يكون المتكلم متمكنا من البيان وأما اذا لم يكن متمكنا من البيان فلا ينعقد الاطلاق ، توضيح المدعى ان الاهمال في مقام الثبوت والواقع

٣٩٤

أمر غير معقول والحكم من الحاكم الملتفت اما مطلق واما مقيد ولا ثالث وان شئت قلت : التقابل بين الاطلاق والتقييد في الواقع تقابل الضدين لا تقابل العدم والملكة وان التقييد لحاظ القيد في الحكم والاطلاق رفض القيد وعليه اذا استحال احد الطرفين يجب الطرف الآخر كما ان الأمر كذلك في الضدين اللذين لا ثالث لهما.

وأما في مقام الاثبات ، فتحقق الاطلاق يتوقف على امكان البيان فانه لو كان متمكنا من البيان ومع ذلك لم يبين القيد يكشف اطلاق الحكم وإلّا فلا.

وقال المحقق النائيني : التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة فاذا استحال احد الطرفين استحال الطرف الآخر اذ يشترط في تقابل العدم والملكة قابلية المحل ومع عدم القابلية لا يتحقق احد الطرفين وعلي هذا لو استحال التقييد استحال الاطلاق وقد ظهر بما ذكرنا ان الأمر ليس كذلك لان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل التضاد لا تقابل العدم والملكة وعلى فرض التنزل نقول يكفي للقابلية قابلية النوع ولا يلزم في تقابل العدم والملكة قابلية الشخص للملكة ولذا لا اشكال في أن التقابل بين العلم والجهل بالعدم والملكة وكذلك التقابل بين الغنى والفقر ومع ذلك نرى ان استحالة احد الطرفين لا يستلزم استحالة الطرف الآخر بل ربما توجب وجوبه مثلا جهل الباري بمخلوقاته محال وعلمه بها واجب وعلم المخلوق بالباري محال والحال ان جهله به واجب وايضا افتقار الباري الى مخلوقه محال وغناه عنه واجب وغناء المخلوق عن الباري محال والحال ان افتقاره اليه واجب.

فتحصل ان الاهمال في الواقع أمر محال فاما يكون الحكم في عالم الثبوت مطلقا واما مقيدا وأما الاهمال فغير ممكن ، وأما في مقام الاثبات فتحقق الاطلاق يتوقف على مقدمات ومن تلك المقدمات كون المولى قادرا على بيان مراده ، فالنتيجة مع عدم تمكن المولى من بيان مقصوده لا يكون اطلاق كلامه في مقام

٣٩٥

الاثبات كاشفا عن الاطلاق الثبوتى كما ان عدم الاطلاق الاثباتي لا يكون كاشفا عن التقييد الثبوتي فلاحظ.

المقدمة الثانية : أن يكون المولى في مقام البيان وأما اذا لم يكن في مقام البيان واظهار ما في نفسه بتمام معنى الكلمة لا ينعقد لكلامه الاطلاق فقوله تعالى «أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ» لا يمكن الأخذ باطلاقه لأن مثله في مقام أصل التشريع وبيان اصل الحكم ولذا نرى ان الفقهاء يعتمدون على النصوص الخاصة الواردة في بيان المراد من الكتاب وفي المرتبة الثانية يعتمدون على الأصل العملي.

ثم ان اشتراط الاطلاق بكون المولى في مقام البيان معناه كونه في مقام بيان ما بصدد بيانه وبعبارة اخرى يمكن أن يكون المولى في مقام البيان من ناحية ولا يكون كذلك من ناحية اخرى ولذا لو شك في كون المولى في مقام البيان من الناحية التي في مقام بيان تلك الناحية وعدمه يكون مقتضى الأصل العقلائي أنه في مقام بيان تلك الناحية من حيث ما يرجع اليها وأما من حيث الناحية الاخرى فلا ، فقوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ) لا يدل على عدم نجاسة محل الامساك لأن المولى لا يكون في مقام البيان من تلك الناحية ، وعلى الجملة يمكن احراز كون المولى في مقام البيان ببركة اصالة البيان التي هي أصل عقلائي.

المقدمة الثالثة : ان لا يأتي المولى بقرينة تدل على تقيد مراده فان الميزان العقلائي ان يبين المتكلم مراده الجدي ومقصوده الواقعي بالمفهم في مقام الاثبات فاذا لم يبين ولم يقيد يكشف عن الاطلاق الثبوتي.

ثم ان صاحب الكفاية فرق بين القدر المتيقن الخارج عن مقام التخاطب والقدر المتيقن في مقام التخاطب بأن الأول لا يكون مانعا عن الاطلاق والثاني مانع والمراد من الأول ما يكون داخلا في المراد من باب الجهات الخارجية كما

٣٩٦

لو قال المولى «اكرم العالم» فلا اشكال في عدم خروج العالم العادل الاعلم وهذا لا يرتبط بالظهور الكلامي ، والمراد من الثاني ما يفهم كونه مرادا من الكلام بلحاظ التخاطب والمحاورة كما لو سئل الراوي عن الفنك فقال لا تصل فيما لا يؤكل لحمه.

ولكن الحق ان يقال أنه لا فرق بين الصورتين ولا يمنع شيء منهما عن الاطلاق اذا فرض كون المقدمات تامة وانما المانع عن الاطلاق أحد الأمرين :

أحدهما : عدم صدق موضوع الحكم على فرد أو الشك في صدقه فانه مع عدم الصدق أو الشك فيه لا مجال للاخذ بالاطلاق لأن تحقق الاطلاق فرع صدق موضوع الحكم.

ثانيهما : انصراف عنوان الموضوع الذي اخذ في الحكم عن فرد بشرط أن لا يكون انصرافا بدويا يزول بالتأمل فانه لو كان الانصراف مستقرا غير زائل بالتأمل يكون مانعا عن الاطلاق.

وفي المقام كلام للمحقق العراقي الشيخ ضياء الدين على ما في تقرير بحثه وهو أنه تارة يكون في مقام تمام مقصوده ولا يكون في مقام ان المخاطب يفهم تمام مراده وأنه تمام مراده واخرى في مقام بيان تمام مراده بنحو لا يشذ عنه شيء بلا نظر إلى فهم المخاطب بأنه تمام المراد ، فعلى الأول يكون القدر المتيقن في مقام التخاطب مانعا عن الاطلاق اذ لو لم يقم قرينة على التقييد لا يكون نقضا لغرضه فلا ينعقد الاطلاق وأما على الثاني فلا يكون مانعا اذ المفروض أنه في مقام ان المخاطب يستفيد تمام مراده من كلامه والمفروض أنه أطلق في كلامه ولم يأت بالمقيد وحيث ان السيرة العقلائية جارية على الصورة الاولى يكون القدر المتيقن في تمام التخاطب مانعا عن الاطلاق.

ويرد عليه : ان السيرة جارية عند العقلاء على بيان المقاصد بالألفاظ فالميزان

٣٩٧

بالاطلاق والتقييد وبعبارة اخرى ينكشف الواقع بالالفاظ الواقعة في الادلة واذا كان ما أفاده تاما يلزم عدم انعقاد الاطلاق في موارد الأسئلة عن موضوعات خاصة فاذا سأل السائل عن الفنك وقال المولى لا تصل فيما لا يؤكل لحمه يلزم عدم انعقاد الاطلاق وهو كما ترى مضافا الى أنه خلاف ديدن الفقهاء في استفادة الأحكام من اطلاقات الادلة ، اضف الى ذلك كله أنه لا وجه على هذا الاساس للفرق بين ما يكون القدر المتيقن فى مقام التخاطب وما لا يكون.

بقى شيء : وهو ان التقييد هل يوجب كون اللفظ مستعملا مجازا أم لا؟ والحق أنه لا يوجبه بل بتعدد الدال والمدلول يفهم المقصود وقد تقدم ان اللفظ المطلق وضع لمفهوم لا بشرط مقسمي وعليه يكون الاطلاق داخلا في حريم المعنى ولكن مع ذلك لا يوجب التقييد المجاز في الكلمة بل اللفظ دائما يستعمل في ذلك المفهوم العام وبالتقييد يفهم ان المراد الجدي ذلك الصنف الخاص مثلا لو قال المولى «اكرم الانسان العالم» يفهم القيد من لفظ العالم المذكور في الدليل ولا يكون استعمال لفظ الانسان في معناه العام مجازا.

فصل :

اذا ورد مطلق ومقيد كما لو قال المولى «اعتق رقبة» وفي دليل آخر قال «اعتق رقبة مؤمنة» أو قال «لا تعتق رقبة كافرة» فهل يحمل المطلق على المقيد وبعبارة اخرى هل ترفع اليد عن اطلاق الدليل الأول بأن يقال لا بد من أن يكون المعتق رقبة مؤمنة والكلام يقع في موردين :

المورد الاول : فيما يكون المطلوب صرف الوجود كالمثال المتقدم.

المقام الثاني : ما يكون المطلوب مطلق الوجود كما لو قال المولى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وقال في دليل آخر «نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع الغرر»

٣٩٨

أما الكلام في المورد الأول فقد تسالم الأصحاب على حمل المطلق على المقيد اذا كان المقيد مخالفا مع المطلق في الحكم ففي المثال المتقدم يحملون المطلق على المقيد ويلتزمون بعدم جواز عتق الرقبة الكافرة ، وأما فيما لا يكون كذلك فقد اختلفوا في الحمل على المقيد وعدمه ، وأفاد سيدنا الاستاد بعدم وجه للفرق بين المقامين فان كان الظهور فى جانب القيد بحيث يوجب رفع اليد عن اطلاق المطلق فلا بد من رفع اليد عن الاطلاق في كلا المقامين وان لم يكن كذلك فيدور الأمر بين الحمل على المقيد وبين حمل المقيد على أفضل الأفراد او على الفرد المرجوح.

ويرد عليه : ان حمل الأمر على افضل الأفراد أمر قابل في حد نفسه وأما النهي عن الفرد فلا يمكن حمله على الكراهة اذ الاحكام بأسرها متضادة ولا يمكن أن يجمع بين الوجوب والكراهة.

ان قلت : كما ان الوجوب والكراهة لا يجتمعان كذلك الوجوب والاستحباب لا يجتمعان فما الفرق؟ قلت : يمكن أن يحمل المقيد على أفضل الافراد وعلى الاستحباب بأن يكون الفرد الخاص مستحبا واكثر محبوبية من غيره واما الكراهة فلا يمكن ان تجتمع مع المحبوبية فلا وجه للمقايسة بين الأمرين.

فنقول : المشهور فيما بين القوم ان المطلق يحمل على المقيد حتى فيما يكون المقيد مطابقا مع المطلق في الاثبات والنفي وما يمكن أن يذكر في وجهه امور :

الاول : ان ظهور المقيد في التقييد أقوى من ظهور المطلق في الاطلاق.

وفيه : ان كلا الظهورين بالاطلاق ولا أقوائية لاحدهما من الآخر.

الثاني : ان الجمع مهما امكن أولى من الطرح وفيه : ان الميزان في الجمع هو العرف وإلّا يمكن الجمع بين جميع الادلة بحمل كل من المتعارضين على غير ما حمل عليه الآخر وهذا لا يكون جمعا عرفيا بل جمعا تبرعيا ولا اعتبار

٣٩٩

به مضافا الى أن الجمع كما يحصل بحمل المطلق على المقيد يحصل بحمل المقيد على الاستحباب.

الثالث : أنه بالظفر بالمقيد يكشف ان الاطلاق لم يكن تاما ومع عدم تمامية الاطلاق لا مجال للأخذ باطلاق المطلق.

وفيه : ان الشيء لا ينقلب عما هو عليه والمفروض ان الاطلاق تحقق غاية الأمر بالظفر على الدليل الدال على التقييد ينكشف ان الاطلاق لم يكن مطابقا مع المراد الجدي فهذا الوجه أيضا غير صحيح.

الرابع : ان العرف يرى كون المقيد قرينة على المطلق ومن الظاهر ان ظهور القرينة حاكم على ظهور ذي القرينة ومقدم عليه ولذا نرى ان المتكلم لو قال «رأيت اسدا يرمي» يحملون لفظ الأسد على الرجل الشجاع والحال ان ظهور لفظ الاسد في الحيوان المفترس ظهور وضعي وظهور لفظ يرمي في الرمي بالنبال بالاطلاق ولكن حيث ان لفظ يرمي قرينة على بيان المراد من لفظ الأسد يأخذون بظهوره ويجعلونه قرينة على المراد من لفظ الأسد والميزان الكلي في كون لفظ قرينة أن لا يكون مقوما للكلام بل يكون فضلة وعلى الجملة العرف وأهل المحاورة يميزون القرينة عن غيرها ، وصفوة القول ان المراد من ذي القرينة ينكشف بما أريد من القرينة وبعبارة واضحة : بعد الأخذ بظهور القرينة لا يبقى شك في المراد من ذي القرينة فلا مجال لجريان الأصل فيه.

ان قلت : ما المانع من جريان الأصل في ذي القرينة وبعد الجريان يظهر حال القرينة فان مثبتات الأصول اللفظية معتبرة.

قلت : جريان الأصل في ذي القرينة يتوقف على عدم جريانه في القرينة فلو توقف عدم جريانه في القرينة على عدم الجريان في ذي القرينة لدار ، وملخص الكلام ان الظهور اللفظي حجة عند العقلاء وهم يأخذون بظهور ما يكون قرينة على المراد فلاحظ.

٤٠٠