آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

ليس تقدما زمانيا بل تقدمه عليه تقدم رتبي.

بقي في المقام امران : الامر الاول انه اذا علم من الخارج خروج فرد عن تحت حكم العام ولكن شك في أن خروجه للتخصيص أو للتخصص كما لو قال المولى «اكرم العلماء» وعلم عدم وجوب اكرام زيد وشك في أن زيدا عالم وخرج بالتخصيص أو جاهل وخروجه بالتخصص فهل يجوز الأخذ بعموم العام والحكم بعدم ورود التخصيص عليه والالتزام بكون زيد جاهلا وترتيب أثر الجاهل عليه؟

بتقريب : ان الأصول اللفظية تثبت لوازمها الحق انه لا يجوز فان حجية العموم والأخذ به بمقتضى السيرة العقلائية وسيرة العقلاء انما تجري في مورد العلم بفردية فرد والشك في خروجه بالتخصيص وأما في مورد العلم بالخروج فلا سيرة من العقلاء وان شئت قلت : كما ان اصالة الحقيقة انما تجري فيما يشك في استعمال اللفظ فى معناه ولا تجري فيما يكون المستعمل فيه معلوما ويشك في كونه حقيقيا او مجازيا كذلك اصالة العموم انما تجري في مورد الشك في التخصيص مع العلم بكون الفرد داخلا تحت عنوان العام وعلى هذا الاساس لا يمكن أن يحكم بطهارة ماء الاستنجاء بتقريب ان المستفاد من النص عدم تنجس ملاقي ماء الاستنجاء فيشك في كون الماء طاهرا أو يكون نجسا وانما خصص الحكم بكونه منجسا لملاقيه ومقتضى اصالة العموم وعدم التخصيص ان ماء الاستنجاء طاهر.

الامر الثاني : انه اذا قال المولى : «اكرم العلماء» وعلم من الخارج ان زيدا محرم الاكرام ودار امر الخارج بين فردين احدهما عالم والآخر جاهل فهل يجوز الأخذ بالعموم واصالة عدم التخصيص والحكم بكون الفرد الجاهل محرم الاكرام ام لا مقتضى حجية العموم واعتبار اصالته عدم التخصيص وبعبارة اخرى : بمقتضى اصالة العموم نلتزم بان الفرد العالم غير خارج ولم يخصص العام به.

ان قلت : مقتضى تنجز العلم الاجمالي حرمة اكرام احد الفردين فلا بد من

٣٦١

العمل بمقتضى تنجز العلم الاجمالي.

قلت : لا مانع من جريان اصالة العموم وحيث ان لوازم الامارات اي الاصول اللفظية حجة ، يحكم بأن الفرد العالم واجب الاكرام والفرد الجاهل محرم الاكرام وببيان واضح : ان لازم عدم التخصيص ان المحرم اكرامه هو الفرد الجاهل والمفروض ان الأصل اللفظي يثبت لوازمه العقلية فيثبت ان الجاهل من الفردين محرم الاكرام والعالم منهما واجب الاكرام فلاحظ.

الفصل الرابع :

انه هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص أم لا؟ قال في الكفاية : فيه خلاف ، وربما نفي الخلاف عن عدم جوازه بل ادعي عليه الاجماع والذي ينبغي أن يكون محل الكلام انه هل يكون اصالة العموم جارية مطلقا أو بعد الفحص عن المخصص بعد الفراغ عن جريانه واعتباره بالخصوص لا من باب دليل الانسداد في الجملة ما لم يعلم بتخصيصه تفصيلا ولم يكن من أطراف العلم الاجمالي فلا مجال لغير واحد مما استدل على عدم الجواز قبل الفحص.

والتحقيق أن يقال : انه لا يجوز الأخذ بالعموم اذا كان في معرض التخصيص كما هو كذلك في عمومات الكتاب والسنة كيف وقد ادعي عدم الخلاف والاجماع على عدم الجواز ، وبعبارة اخرى الدليل على الاعتبار السيرة العقلائية وحيث انه لا سيرة مع كون العام في معرض التخصيص فلا مجال للأخذ بالعموم فيما هو محل الكلام وأما اذا لم يكن كذلك اي لو لم يكن العام في معرض التخصيص كما في غالب العمومات الواقعة في ألسنة اهل المحاورات فلا شبهة في الأخذ باصالة العموم قبل الفحص ، وقد انقدح بما ذكرنا ان المقدار اللازم من الفحص ما يكون موجبا للخروج عن المعرضية كما ان المقدار اللازم بحسب سائر الوجوه رعايتها.

٣٦٢

والظاهر ان غرضه ان المقتضي للأخذ بالعموم مع عدم المخصص المتصل موجود وانما الكلام في المانع بخلاف الفحص عن الدليل في مورد البراءة شرعية كانت أم عقلية فان الاشكال في المقتضي قبل الفحص ، أما في البراءة العقلية فلأن موضوعها عدم البيان ومن الظاهر انه لا يحرز عدمه قبل الفحص قلا مقتضي للبراءة ، وأما في البراءة الشرعية فلأن ادلتها وان فرض كونها تامة من حيث السند والدلالة إلّا ان اطلاقها قد قيد بحكم العقل بوجوب الفحص وإلّا لزم كون ارسال الرسل وانزال الكتب لغوا اذ لو لم يلزم الفحص كان ترك النظر في المعجزة جائزا ومع ترك النظر في المعجزة لا تثبت النبوة فيكون ارسال الرسل وانزال الكتب لغوا وقس عليه ترك النظر في الأحكام والفحص عنها وعن مخصصها ومقيدها.

اذا عرفت ما تقدم نقول الحق ما افاده صاحب الكفاية في المقام فان الأخذ بالعموم يتوقف على السيرة العقلائية ومع كون العموم في معرض التخصيص لا سيرة على العمل بالعموم بل المعلوم منهم خلافه وبعبارة واضحة : لا يجوز الأخذ بالعموم الكتابي اذ قد ثبت من الشرع المقدس ان العترة عدل الكتاب ولن يفترقا ، والعام الكتابي في معرض البيان من ناحية اهل البيت فلا مجال للعمل به قبل الفحص لعدم دليل على الاعتبار وايضا لا مجال للعمل بالعام الوارد في السنة المقدسة مع العلم بكون ديدنهم عليهم‌السلام على تقديم البيان وتأخيره فمع عدم الفحص عن المخصص واليأس منه لا مجال للعمل بالعام حيث يكون في معرض البيان ومعه لا دليل على جواز الأخذ بالعموم ، وصفوة القول : ان الميزان في جواز الأخذ بالعموم وعدمه كونه في معرض التخصيص وعدمه فان كان معرضا له لا يكون الأخذ به جائزا لعدم قيام السيرة على الأخذ ومع عدم السيرة لا مجال للأخذ بل يدخل المقام في الشبهة الحكمية وقد قام الدليل على وجوب الفحص اي النص الخاص وان لم يكن معرضا له يجوز الأخذ به وعليه فلا وجه للتفصيل بين العمومات الواردة في

٣٦٣

الشرع الأقدس وغيرها من العمومات الواردة بين الموالى العرفية وعبيدهم.

وان شئت قلت : الميزان في جواز الأخذ بالعموم الوثوق بعدم ورود التخصيص عليه ومع عدم الوثوق لا يجوز اذ مع عدمه يكون التخصيص ممكنا ومحتملا احتمالا عقلائيا ومعه يصدق انه في معرض التخصيص ، فالحق التفصيل في المقام بهذا النحو والمشهور عند القوم عدم جواز الأخذ بالعموم قبل الفحص واستدل على المدعى بوجوه :

الوجه الاول : انه مع عدم الفحص لا يحصل الظن بالمراد فلا بد من الفحص كى يتحقق الظن بالمراد.

ويرد عليه اولا : ان لازم هذا الاستدلال عدم وجوب الفحص مع حصول الظن بالمراد قبل الفحص فالدليل أخص من المدعى اذ المدعى وجوب الفحص على الاطلاق ، وثانيا : ان ظهور الالفاظ حجة ولا يتوقف اعتبارها على حصول الظن بالمراد بل الظن بالخلاف لا يكون مانعا عن اعتباره ، وبعبارة اخرى لا يكون اعتبار الظهور بالظن الشخصي.

الوجه الثاني : ان الخطابات الواقعة في الكتاب والسنة تختص بالمشافهين ولا تعم الغائبين فضلا عن المعدومين فلا بد في اثبات الشمول من الأخذ بقاعدة الاشتراك ولا يمكن اثبات الاشتراك الا بعد وضوح حكم المشافهين فلا بد من الفحص عن المخصص وتعيين حكم المشافهين ثم الحكم بالاشتراك.

ويرد عليه اولا : انه أخص من المدعى اذ الاحكام الشرعية قد تكون عامة لجميع انواع المكلفين ولا تكون على نحو الخطاب كى يتم هذا التقريب فان قولة تعالى («وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) الخ» يدل على وجوب الحج على كل مستطيع وايضا قوله عليه‌السلام «كل شيء نظيف» الخ وأمثاله فكل حكم ثابت في الشريعة على نحو القضية الحقيقية وبلا اختصاص بخصوص المشافه خارج عن هذه

٣٦٤

الدائرة ، وثانيا : ان الحق عدم اختصاص الخطابات بالمشافهين بل تعم الغائبين والمعدومين.

الوجه الثالث : ان كل من يتصدى لاستنباط الاحكام الشرعية يعلم اجمالا بورود مخصصات للاحكام فلا يمكنه العمل بالعمومات بلا فحص عن المخصص كما انه لا يجوز الأخذ باصالة البراءة قبل الفحص عن الادلة للعلم بورود واجبات ومحرمات في الشريعة المقدسة.

وربما يرد على هذا التقريب : بأن لازم هذا العلم الاجمالي الفحص عن المخصص في كل كتاب يحتمل وجود المخصص فيه بلا فرق بين كونه كتابا فقهيا او اصوليا أو غيرهما وكيف يكفي عمر واحد على الاستنباط بهذا النحو.

ويرد عليه : ان لنا علمين اجماليين ، احدهما : العلم الاجمالي بوجود المخصص في مجموع الكتب ، ثانيهما : العلم الاجمالي بوجود المخصص في الكتب المعتمدة للشيعة كالكافي والوسائل والعلم الاجمالي الاول ينحل بالعلم الاجمالي الثاني اذ لا علم بالمخصص أزيد من المخصص الموجود في الكتب الاربعة مثلا كما ان الأمر كذلك في بقية موارد العلم الاجمالي مثلا لو علمنا بنجاسة عشرة إناءات في ضمن مائة اناء ثم علمنا بنجاسة العشرة في ضمن خمسين ينحل العلم الاجمالي الاول بالعلم الاجمالي الثاني اذ لا علم بوجود النجاسة في غير ما يكون في ضمن خمسين فعلى هذا لا مانع من الاستنباط والعمر يفي به بل لا يلزم العسر والحرج لا مكان الفحص عن المخصص في الكتب المعتمدة وبمثل هذا الجواب يجاب عن اشكال ان العلم الاجمالي بوجود احكام في الشريعة مانع عن الأخذ باصالة البراءة اذ مع العلم الاجمالي بورود أحكام الزامية فى الكتب المعتبرة ينحل العلم الاجمالى الاول بالعلم الاجمالي الثاني فهذا الاشكال غير وارد على التقريب المذكور.

لكن يرد عليه اشكال آخر : وهو ان لازم التقريب المذكور عدم وجوب الفحص

٣٦٥

مع عدم العلم الاجمالي بوجود المخصص والحال ان المدعى وجوب الفحص ولو مع عدم العلم الاجمالي.

وللميرزا النائيني كلام في المقام وهو ان الميزان في انحلال العلم الاجمالي ليس وجود القدر المعلوم كى ينحل العلم الاجمالى بالظفر به بل الميزان في الانحلال امر آخر لا بد من بيانه وتوضيحه يتوقف على تقديم امور :

الامر الأول : ان العلم الاجمالي يستلزم تشكيل قضية شرطية على سبيل منع الخلو ضرورة انه لازم العلم الاجمالي العلم بأصل الوجود الطبيعي والشك في خصوصيته.

الأمر الثاني : انه تختلف موارد العلم الاجمالي فتارة تكون متشكلة من قضية معلومة وقضية مشكوكة فيها كما لو علم اجمالا بدين مردد بين الزائد والناقص فالناقص معلوم والزائد مشكوك فيه واخرى متشكلة من قضيتين كل واحدة منهما مشكوك فيها كالعلم الاجمالي بنجاسة احد الإناءين وثالثة متشكلة من قضية معلومة واخرى مشكوك فيها ومن جهة اخرى متشكلة من قضيتين مشكوك فيهما ولازم ذلك انحلال العلم الاجمالي الى علمين اجماليين احدهما من قبيل القسم الاول والثاني من قبيل القسم الثاني.

الامر الثالث : انه لا اشكال ولا كلام فى ان ما لا اقتضاء له لا يزاحم ما فيه الاقتضاء فانحلال العلم الاجمالي من ناحية لا يوجب الانحلال من ناحية اخرى وعدم ترتب الاثر على القسمين لا يقتضي عدمه على القسم الآخر.

اذا عرفت ما تقدم ، فاعلم ان الانحلال في القسم الأول كعدمه وأما القسم الثاني فلا اشكال في عدم انحلال العلم الاجمالي وأما القسم الثالث فتوهم الانحلال فيه هو الموجب لتوهم الانحلال في المقام.

والتحقيق خلافه وتوضيح المدعى ان المجتهد يعلم بأن جملة من المخصصات

٣٦٦

وجملة من ادلة الاحكام الالزامية موجودة في الكتب وهذا العلم بنفسه يقتضي تنجز العلم الاجمالي وبعبارة اخرى : يعلم بالعلم الاجمالي ان مقدارا من المخصصات موجود في الكتب وهذا العلم الاجمالي ينحل بالعلم بوجود المقدار المذكور في الكتب المعتمدة ويعلم اجمالا بمخصصات موجودة في الكتب بلا ملاحظة الكمية وهذا العلم الاجمالي الثاني يقتضي التنجز بالنسبة الى الأطراف والعلم الاجمالي الاول لا يقتضي التنجز كما مر ومن الظاهر ان عدم كون العلم الاجمالي الاول مقتضيا للتنجز لا يزاحم كون العلم الاجمالي الثاني مقتضيا له ، فالنتيجة انه لا وجه لانحلال العلم الاجمالي الثاني بانحلال العلم الاجمالي الأول.

وصفوة القول : ان مجرد كون العلم الاجمالي متعلقا بالأقل والاكثر لا يوجب الانحلال بل لا بد من عدم تعلق العلم الاجمالي بما يكون ذا علامة كما في المقام ولذا لو علم اجمالا بنجاسة عشرة اناءات بين المائة وعلم ايضا بنجاسة اناء زيد في جملة الاواني لا ينحل العلم الاجمالي الثاني بانحلال العلم الاجمالي الأول ولذا لو علم شخص بكونه مديونا لفلان ولا يعلم مقداره وايضا يعلم ان ديونه لفلان مكتوبة في الدفتر فهل يرضى باداء القدر المعلوم واجراء البراءة من الزائد بلا مراجعة الدفتر؟ كلا.

ويرد عليه اولا : ان مجرد العلامة في متعلق العلم لا يمنع عن الانحلال لأن المعلوم بالعلامة ايضا مردد بين الأقل والاكثر فينحل بالظفر بالمقدار المعلوم.

وثانيا : فرضنا عدم الانحلال لكن نقول السر في تنجز العلم الاجمالي على المسلك المنصور تعارض الاصول في الأطراف بتقريب ان ترجيح احد الطرفين على الآخر بلا مرجح واجراء الأصل في جميع الاطراف ينافي العلم فلا يجري الاصل على الاطلاق وعليه لو لم يتعارض الأصل الجاري في بعض الاطراف لعدم تعارضه مع جريانه في بعضها الآخر لعدم العلم بالمخالفة القطعية لم يكن مانع من

٣٦٧

جريان الأصل وبعبارة اخرى بعد العلم بوجود المخصص في الكتب المعتمدة لا علم بوجوده كى يكون الأخذ بالعموم موجبا للوقوع في الخلاف كما ان العلم بكون نجاسة اناء زيد بين الاواني لا اثر له بعد الظفر بالمقدار المعلوم اذ من الممكن كون اناء زيد بين الاواني المعلوم كونها نجسة فلا مانع من جريان الأصل في بقية الاواني كما انه لا موجب للرجوع الى الدفتر بعد الشك في الزائد ولذا لو ضاع الدفتر لا يجب الاحتياط اضف الى ذلك انه لو كان مجرد العلامة مانعة عن الانحلال لا ينحل العلم الاجمالي في اي مورد من الموارد اذ يعلم المكلف بأن مورد علمه معين عند الله وما يكون معلوما عند الله مردد بين الأمرين.

الوجه الرابع : ما عن الميرزا النائيني وهو ان انعقاد ظهور العام في الأفراد يتوقف على جريان مقدمات الحكمة في مدخول الفاظ العموم ومع عدم جريانها لا ينعقد العموم وحيث انه علم من الشارع الأقدس بيان المخصصات والمقيدات بالادلة المنفصلة فلا مجال لجريان مقدمات الحكمة في مدخول لفظ العموم فلا يكون العام حجة الا بعد الفحص عن المخصص.

وأورد عليه سيدنا الاستاد اولا : بان ظهور ألفاظ العموم في الأفراد ظهور وضعي ولا يتوقف ظهورها فيها على جريان مقدمات الحكمة في مدخول تلك الالفاظ ، وثانيا : الظفر بالمقيد المنفصل لا يوجب عدم انعقاد الظهور فيما لا تكون القرينة متصلة ، وبعبارة واضحة القرينة المنفصلة لا تصادم الظهور بل تصادم حجية الظهور وإلّا يلزم أن تكون موجبة لا جمال الدليل فعلى مسلك الميرزا يلزم أن تكون القرينة المجملة المنفصلة موجبة لاجمال أصل الدليل ومانعة عن انعقاد الظهور فيه والحال ان المطلق لو لم يكن مقارنا بالقيد المنفصل ينعقد له الظهور الاطلاقي ومع اجمال المقيد المنفصل لا يسري الاجمال الى الاطلاق المنعقد الخالى عن القيد فهذا الوجه ايضا غير سديد.

٣٦٨

الوجه الخامس : ما أفاده سيدنا الاستاد وهو ان دليل وجوب الفحص عن الحكم الالزامي وعدم جواز العمل بالاصل العملي بعينه دليل وجوب الفحص عن المخصص ودليل وجوب الفحص عن الدليل أمر ان :

الامر الاول : حكم العقل بلزوم الفحص عن الدليل وعدم وجوب ايصال الحكم الى العبد على المولى ، وبعبارة اخرى الواجب على المولى بيان الاحكام بالطرق العادية المتعارفة ولا يجب على المولى ايصال أحكامه والزاماته الى العبد بالطرق غير المتعارفة وانه لو كان جائزا اجراء الأصل وعدم الفحص يلزم كون بعث الرسل وانزال الكتب لغوا وببيان أوضح : يجب على العبد النظر في المعجزة وإلّا يلزم افحام الانبياء وبطلان الشرائع وهذا الدليل بعينه يقتضي الفحص عن المخصص وإلّا يلزم الوقوع في خلاف الواقع وبعبارة واضحة : كما انه لا يجوز الرجوع الى البراءة والاستصحاب قبل الفحص عن الدليل كذلك لا يجوز الأخذ بالعموم قبل الفحص عن المخصص مع امكان وجوده فى الكتب المعتمدة وامكان الرجوع اليها والظفر به.

الامر الثاني : الدليل النقلي من الكتاب والسنة أما من الكتاب فقوله تعالي («فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) الخ (١) وقوله تعالى («فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) الخ (٢)» واما من السنة فما رواه مسعدة بن زياد (٣).

ويرد عليه : انه لا وجه لقياس احد المقامين بالآخر والوجهان المذكوران في كلامه لا يفي باثبات مدعاه أما الوجه الاول : ففيه ان بيان الحكم بالعموم من الطرق العقلائية واستفادة الوظيفة من الادلة العامة والمطلقة أمر متداول بين أبناء المحاورة والعقلاء وأما اشكال كون الرجوع الى العموم قبل الفحص يوجب الوقوع في

__________________

(١ و ٢) التوبة / ١٢٢ ، النحل ٤٣.

(٣) تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٥٦٠ ، حديث ٢.

٣٦٩

خلاف الواقع للعلم بأن المولى يبين مقاصده بالادلة المنفصلة فهو رجوع الى الوجه الآخر وهو العلم الاجمالي وخلط بين الأمرين فالوجه العقلى المذكور في كلامه غير سديد.

وأما الوجه الثاني : فأما قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) فهو راجع الى امر الرسالة حيث يأمر الله أن يسأل الجاهل العالم كى يحصل له العلم مضافا الى أن العمل بالعموم عمل بالطريق العلمي والقانون العقلائي بعد فرض كون العموم حجة وتوقف كونه حجة بعد الفحص عن المخصص يحتاج الى اقامة الدليل ، وأما قوله تعالى في آية النفر فلا يرتبط بالمقام اصلا فان المستفاد من الآية وجوب تعلم الأحكام الشرعية ثم الانذار.

وأما الرواية فائضا لا تدل على المدعى فان المفروض ان العمل بالعموم عمل بالدليل الشرعي ولا يصدق على العامل به انه لم يتعلم الحكم فلا يتوجه اليه خطاب هلا تعلمت ، فالنتيجة ان الوجه المذكور ايضا غير واف بالمقصود.

الوجه السادس : ان العمل بالعموم يتوقف على السيرة العقلائية والمفروض ان العام الذي يكون في معرض التخصيص لا يعمل به العقلاء وببيان واضح ما دام كون العام مورد احتمال التخصيص لا يجوز العمل به لما علم من أن العقلاء لا يعملون به مع الاحتمال المذكور بل لا يجوز العمل به حتى مع عدم العلم بالطريقة العقلائية اي يكفي في عدم جواز العمل احتمال عدم رجوعهم مع احتمال التخصيص والظاهر ان هذا الوجه تام ولا يرد عليه ايراد.

وصفوة القول : انه مع الاحتمال العقلائي وامكان الظفر بالمخصص امكانا عقلائيا بالمراجعة الى الكتب المعتمدة لا مجال للأخذ بالعموم لما ثبت وعلم من ديدن العقلاء من عدم الأخذ بالعموم والحال هذه بل الشك في السيرة العقلائية يكفي لعدم جواز الأخذ بالعموم ، وببيان واضح : لا بد في الأخذ بالعموم من الوثوق

٣٧٠

بعدم المخصص وعلى هذا الاساس لا بد من الفحص والمراجعة بمقدار يخرج العام عن المعرضية اي بمقدار يثق المستنبط بعدم المخصص والمقيد فلا يلزم القطع بالعدم فان القطع لا يحصل إلّا بمراجعة جميع الكتب وكيف يمكن للمجتهد مراجعة جميع الكتب بل يكفي مراجعة الكتب المعتمدة في الأبواب المناسبة لذكر المخصص ان كان ، فان المحدثين العظام كالكليني قدس‌سره وأضرابه رتبوا الأبواب وذكروا كل حديث في الباب المناسب ، فالنتيجة انه لا يجب القطع بالعدم لعدم الدليل عليه ولا يكفي الظن فان الظن لا يغني من الحق شيئا ، بل يلزم الوثوق والاطمينان بالعدم فانه حجة عقلائية فيكفى للفقيه في مقام الاستنباط.

الفصل الخامس :

هل الخطابات الشفاهية مثل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» تختص بالحاضرين مجلس الخطاب أو يعم غيرهم من الغائبين بل المعدومين؟ فيه خلاف قال صاحب الكفاية يتصور النزاع المذكور على وجوه :

الوجه الاول : انه هل يمكن تكليف المعدوم أو الغائب أو يختص التكليف بالحاضر والبحث بهذا النحو بحث عقلي ولا اشكال في عدم امكان تعلق التكليف بالمعدوم اذ يشترط في تعلق التكليف امكان الداعوية وامكان الانبعاث والمعدوم غير قابل للانبعاث وأما الغائب فلا فرق بينه وبين الحاضر اذ مع الغفلة لا يمكن أن يكلف ولو كان حاضرا وأما مع عدم الغفلة وامكان الانبعاث فلا مانع من تعلق التكليف بالغائب ، وبعبارة واضحة لا فرق بين الحاضر والغائب اذ مع التذكر وامكان الانبعاث يجوز تعلق التكليف بهما ومع عدم امكانه لا يجوز ولا يمكن ولا خصوصية للحضور وعدمه.

الوجه الثاني : انه هل يمكن المخاطبة مع المعدومين أو الغائبين أم لا؟ والحق

٣٧١

هو التفصيل فان الخطاب اذا كان حقيقيا اريد به افهام المخاطب لا يجوز أن يكون المخاطب معدوما أو غائبا بل لا يجوز مع الحاضر اذا كان غافلا وأما الخطاب اذا كان انشائيا يمكن أن يخاطب به المعدوم أو الغائب بل يجوز التخاطب مع الحيوان والنبات والجماد كقول الشاعر ، «يا كوكبا ما كان أقصر عمره الخ».

الوجه الثالث : ان ادوات الخطاب ، هل وضعت للخطاب الحقيقي أم وضعت للخطاب الانشائي ، وبهذا الاعتبار يمكن أن يقع المقام مورد البحث فان قلنا انها موضوعة للخطاب الحقيقي لا يمكن شمولها للمعدومين ولا الغائبين بل لا تشمل الحاضرين الغافلين وان قلنا انها موضوعة للخطاب الانشائي فهي قابلة لأن تشمل الغائبين والمعدومين ، والحق انها موضوعة للخطاب الانشائي والدليل عليه استعمالها في غير الحقيقي بلا رعاية علاقة.

ان قلت : لعل الرعاية ارتكازية ، قلت : بعد الفحص والتأمل لا نجد رعاية علاقة في انفسنا مضافا الى أنه لو لم يشمل الغائبين والمعدومين لا يشمل إلّا من كان حاضرا في مجلس الخطاب كمسجد النبي وكان ذاكرا وملتفتا وهل يمكن الالتزام به فعلى كل تقدير لا يمكن الالتزام بكون الخطاب حقيقيا بل انشائي ولو بالعناية.

ان قلت : ان الله تعالى محيط ومع كونه محيطا لا مانع من الخطاب الحقيقي.

قلت : القصور في ناحية المخاطب لا في جانبه تعالى وعدم القابلية الناشئة من المخاطب لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى وتقدس.

وقد ذكرت ثمرتان للنزاع المذكور :

الثمرة الاولى : ان الظواهر حجة للغائبين بل المعدومين بالخصوص حيث ان المفروض شمول الخطاب لهم وأما على القول بعدم وضعها للخطاب الانشائي فلا يشملهم.

وأورد على هذه الثمرة صاحب الكفاية : بأن اثباتها يتوقف على امرين :

٣٧٢

احدهما اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه ، ثانيهما : ان المشافهين هم المقصودون بالافهام دون غيرهم وكلا الأمرين فاسدان أما الاول : فقد حقق في محله عدم اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه.

وأما الثاني ، فلعدم كونهم مقصودين بالافهام فقط اذ القرآن كتاب الهداية لجميع البشر ولا يختص بفرد دون فرد وطائفة دون طائفة اخرى.

الثمرة الثانية : انه على القول بالشمول يجوز الأخذ باطلاق الخطابات الواردة في الكتاب للغائبين والمعدومين حيث ان المفروض شمول الخطاب لهم وأما على القول بعدم الشمول فلا يجوز لهم الأخذ بالاطلاق حيث ان المفروض اختصاص الخطاب بالحاضرين.

ان قلت : دليل اشتراك التكليف يقتضي العموم فلا فرق في النتيجة قلت : قاعدة الاشتراك تؤثر فيما يكون الاتحاد في الصنف محفوظا والمفروض انه يمكن اختصاص الحكم بالحاضرين فلا مجال للتسرية مع عدم الاتحاد ، وبعبارة اخرى دليل الاشتراك هو الاجماع والقدر المعلوم منه مورد اشتراك الجميع في الأوصاف والمفروض ان المشافهين مدركين لزمان الامام عليه‌السلام ومن الممكن دخل درك زمانه في الحكم وغير المشافه الذي لا يكون مدركا لزمانه خارج.

وأورد عليه صاحب الكفاية : بأن جريان الاطلاق في حق المشافهين يكفي لاثبات الحكم لغيرهم بدليل الاشتراك ، مثلا يحتمل دخل حضور الامام عليه‌السلام في الحكم وعليه يجوز لغير المشافهين الأخذ باطلاق الخطاب لاثبات عدم دخل الحضور وبعد اثبات الحكم للمشافهين على الاطلاق يثبت لغيرهم اذ المفروض كونهم مقصودين بالافهام وعدم كون الخطاب مختصا بالمشافهين.

وصفوة القول : انه على فرض الاطلاق ينفى القيد المحتمل كونه دخيلا فيتحد الصنف والمفروض اشتراك التكليف وعلى فرض عدم الاطلاق لا اثر لدليل الاشتراك

٣٧٣

فلا ثمرة للبحث الا على القول باختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه وان الغائبين والمعدومين لا يكونون مقصودين بالافهام وقد مر خلافه.

ويمكن أن يرد عليه : انه يمكن ان درك زمان الحضور دخيلا في الحكم فلا مجال للاطلاق ومن ناحية اخرى دليل الاشتراك انما يفيد فيما يكون الاتحاد في الصنف محفوظا ومع احتمال دخل درك زمان الحضور في الموضوع لا يحرز الاتحاد فترتب هذه الثمرة على البحث تام.

وفصل الميرزا النائيني بين القضايا الخارجية والحقيقية بأنه لو كان الخطاب من القسم الأول لا يشمل الغائبين والمعدومين إلّا بالعناية وأما لو كان من القسم الثاني فلا فرق بين المشافهين وغيرهم والظاهر ان ما أفاده تام اذ لو كان الخطاب على نحو القضية الحقيقية يكون تحقق الخطاب متوقفا على قابلية المكلف للخطاب فيشمل جميع انحاء المكلفين ولا يختص بالمشافهين.

ولا يرد عليه ما أورده عليه سيدنا الاستاد بأن مجرد وجود الموضوع لا يكفي في صحة الخطاب بل يلزم فرض وجوده في مجلس التخاطب ، فانه يرد عليه ان التخاطب وتحققه يتوقف على وجود الموضوع وان شئت قلت بناء على كون القضية حقيقية لا يكون مجلس التخاطب له خصوصية بل التخاطب يحصل مع كل مكلف قابل لأن يتوجه اليه الخطاب ولا يبعد أن يكون ادوات الخطاب موضوعة لمطلق الخطاب ولكن مقتضى الاطلاق استفادة الخطاب الحقيقي وبعبارة اخرى : الاصل الاولي كون الداعي للخطاب التفهيم.

الفصل السادس :

اذا تعقب العام ضميرا يرجع الى بعض أفراده كما في قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) الى قوله (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) فهل مقتضى القاعدة تخصيص العام

٣٧٤

أو مقتضاها الالتزام بالاستخدام بأن لا يخصص العام ويلتزم بالاستخدام أو لا هذا ولا ذاك بل مقتضى القاعدة الرجوع الى الأصول العلمية ويكون محل الكلام ما اذا فرض وقوع كل من الأمرين في كلام مستقل كالآية الشريفة أو في كلام واحد مع استقلال العام كما لو قال «اكرم العلماء وأصدقائهم» وقد علم من الخارج ان وجوب اكرام الصديق منوط بعدالته وأما مع عدم استقلال العام كما لو قال «والمطلقات ازواجهن أحق بردهن» فلا اشكال في التخصيص ، أفاد صاحب الكفاية لا مجال للأخذ بالعام لاحتفافه بما يصلح للقرينية وأيضا لا مجال للأخذ بعدم الاستخدام اذا الأخذ بالظهور فيما يشك في المراد وأما مع العلم به والشك في أنه على اي نحو فلا مجال للأخذ بالظهور.

وعن الميرزا النائيني : تقديم اصالة العموم وعدم جريان اصالة عدم الاستخدام وذكر في تقريب مدعاه وجوها : الوجه الاول : ان الاستخدام في الآية الشريفة انما يلزم لو اريد بالمطلقات المعنى العام واريد بالضمير خصوص الرجعيات وهذا يتوقف على أن العام بعد التخصيص يكون مجازا فللعام معنيان حقيقي ومجازي فاذا اريد بالعام معناه الحقيقي وبالضمير معناه المجازي يلزم الاستخدام وأما لو لم نقل بكونه مجازا كما هو الحق لا يلزم الاستخدام لعدم تعدد معنى العام.

ويرد عليه : ان الظاهر من العموم جميع الأفراد ومن ناحية اخرى المراد من الضمير بعض الأفراد فيلزم الاستخدام بلا اشكال ، وبعبارة واضحة : لزوم الاستخدام لا يتوقف على القول بالمجاز فان المراد بالاستخدام ارادة معنى من المرجع وارادة معنى آخر من الضمير الراجع اليه وفي المقام كذلك.

الوجه الثاني : ان اصالة عدم الاستخدام غير جارية في حد نفسها فلا مجال للتعارض وذلك لأن المراد بالضمير معلوم ومع احراز المراد من اللفظ لا مجال لجريان الأصل.

٣٧٥

وأورد عليه سيدنا الاستاد : بأن ما أفاده وان كان تاما لكن مقتضى الظهور السياقي ان المراد بالضمير والمرجع الذي يرجع اليه الضمير واحد وهذا الظهور يعارض ظهور لفظ العموم في معناه بل مقتضى الظاهر ان العرف يقدم الظهور السياقي على الظهور اللفظي في الدوران المذكور بل العرف يقدم الظهور السياقي على اصالة الحقيقة ايضا فلو قال المتكلم «رأيت اسدا وضربته» وعلم ان مراده من المضروب الرجل الشجاع يفهم ان مراده من لفظ الاسد الرجل الشجاع فالظهور السياقي في أمثال ما ذكر مقدم على اصالة الحقيقة ايضا فالنتيجة ان اصالة عدم الاستخدام تتقدم على اصالة العموم لو دار الامر بينهما.

الوجه الثالث : انا سلمنا تقديم اصالة عدم الاستخدام على اصالة العموم لكن نقول انما يختص هذا بما يكون الاستخدام من جهة عقد الوضع كما لو قال المتكلم «رأيت اسدا وضربته» وعلمنا ان المضروب الرجل الشجاع وأما اذا كان من جهة عقد الحمل فلا مجال لهذا المدعى اذ الضمير استعمل فيما اريد من المرجع ولا استخدام في الضمير في الآية الشريفة فان المراد من المطلقات جميع أنواعها والمراد من الضمير ايضا كذلك غاية الأمر الحكم المستفاد من المحمول وهو جواز الرجوع يختص بنوع خاص من المطلقة اي الرجعية هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان ما أفاده في الكفاية من أن احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية مانع عن انعقاد الظهور ، انما يتم فيما لو قال المولى «اكرم العلماء الا الفساق منهم» ودار الأمر بين كون المراد من الفسق الكبيرة فقط أو الأعم منها ومن الصغيرة وأما في المقام فلا مجال له اذ المفروض ان الآية تعرضت لحكمين احدهما وجوب العدة ثانيهما جواز الرجوع في الطلاق الرجعي ولا يرتبط احد الأمرين بالآخر كى يكون احدهما قابلا للمنع عن الظهور في الطرف الآخر.

وأورد عليه سيدنا الاستاد : بأن ما أفاده من أن الاستخدام من جهة عقد الحمل

٣٧٦

غير تام فان الجملة الاولى من الآية وجوب العدة على جميع المطلقات ولا ينافي العموم المذكور قيام الدليل على عدم وجوب العدة على غير المدخولة وعلى اليائسة والمستفاد من الجملة الثانية جواز الرجوع في جميع أنواع الطلاق ولا ينافي العموم المذكور تخصيص العموم بخصوص الطلاق الرجعى وأما ما أفاده من الرد على صاحب الكفاية من أن المقام غير داخل في موضوع احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية فانه وان كان تاما لكن قد ظهر مما تقدم انه لو دار الأمر بين اصالة العموم واصالة عدم الاستخدام يكون المرجع اصالة عدم الاستخدام ، نعم المقام خارج عن الموضوع فانقدح مما تقدم أمران ، احدهما : ان المقام غير داخل في البحث المذكور ثانيهما : انه لو دار الأمر بين اصالة العموم أو اصالة الحقيقة وبين أصالة عدم الاستخدام يكون الأصل الثاني مقدما.

الفصل السابع :

قال في الكفاية : لا اشكال في تخصيص العام بالمفهوم الموافق كما لو دل دليل على حرمة تزويج ذات العدة ، فان مثل هذا الدليل يدل على حرمة تزويج ذات بعل بالاولوية وبه يخصص دليل جواز التزويج مع غير المحارم انما الكلام والاشكال في تخصيص العام بالمفهوم المخالف كما لو قال المولى «اذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء» فان الكلام في جواز تخصيص عموم طهارة الماء بالمفهوم والالتزام بانفعال ما دون الكر فربما يقال بأن المرجع عموم العام ولا اعتبار بالمفهوم لأن دلالة العام اصلية ودلالة المفهوم تبعية والتبعية لا تقاوم الأصلية وفيه : انه لا يرجع الى محصل اذ المفروض ان المفهوم بلحاظ خصوصية في المنطوق وتلك الخصوصية اما تفهم بالوضع واما تفهم بالاطلاق كما ان استفادة العموم من العام اما بالوضع واما بالاطلاق فلا رجحان لاحدهما على الآخر.

٣٧٧

وربما يقال بتقديم المفهوم على العام بتقريب ان دلالة المفهوم عقلية بخلاف دلالة العام وذلك لأن المفهوم بلحاظ خصوصية في المنطوق والمفهوم لازم عقلي للمنطوق ولا يمكن الانفكاك بين اللازم والملزوم وعليه اما نقدم المفهوم ونأخذ به فلا كلام واما نرفع اليد عنه وفي هذه الصورة اما نبقى المنطوق بحاله ، واما نرفع اليد عنه ، أما على الأول فيلزم الانفكاك بين اللازم والملزوم وهو غير ممكن وأما على الثاني فلا وجه لعدم تعارض بين العام والمنطوق فيلزم الأخذ بالمفهوم ورفع اليد عن العام.

ويرد عليه : ان المعارض في الحقيقة المنطوق فان المنطوق بلحاظ الخصوصية التي فيه يستفاد منه المفهوم فالتعارض بين المنطوقين ولا مجال للتقريب المذكور.

وقد فصل في المقام وقال «تارة يكون التعارض بين العام والمفهوم في دليلين منفصلين ، واخرى يكون في دليلين متصلين ، أما على الثاني فتارة كل من الدليلين بالوضع واخرى يكون كلاهما بالاطلاق وثالثة يكون احدهما بالوضع والآخر بالاطلاق ، أما في الصورة الاولى والثانية فلا مجال للأخذ اذ كل من الدليلين قابل للتصرف في الآخر ، وأما على الثالث فيؤخذ بما يكون بالوضع اذ يكون قابلا لكونه بيانا للآخر فلا تتم مقدمات الاطلاق بالنسبة الى المطلق.

وأما اذا كانا منفصلين فيكون كل من الدليلين مجملا إلّا ان يكون احدهما أظهر فيكون بيانا للآخر وأفاد سيدنا الاستاد بيانا آخر وهو ان التعارض في الحقيقة بين العموم ومنطوق الشرطية فلا بد من ملاحظة النسبة بين الدليلين ، فتارة تكون النسبة عموما من وجه واخرى تكون عموما مطلقا ، أما على الأول فتارة يكون أحد الدليلين حاكما على الدليل الآخر وناظرا اليه واخرى لا تكون كذلك ، أما على الاول فيقدم الحاكم ولا يلاحظ كون النسبة عموما من وجه ، وأما على الثاني فتارة يكون الأخذ بأحدهما إلغاء للدليل الآخر ، واخرى لا يكون كذلك ، وأما

٣٧٨

على الأول فيؤخذ بالدليل الملغى (بالفتح) ويرجح على الدليل الملغي (بالكسر) فانه من المرجحات في باب تعارض الظواهر فلو قال المولى «لا بأس ببول الطير» وفي دليل آخر قال «بول غير مأكول اللحم نجس» وفي دليل ثالث قال «بول مأكول اللحم طاهر» فانه يقع التعارض بين دليل طهارة بول الطير ودليل نجاسة بول غير المأكول فان غير المأكول يشمل الطير كما ان الطير يشمل ما يحرم اكله من الطيور فان محل التعارض الطير الذي يحرم اكله ومقتضى طهارة بول الطير طهارة بوله ومقتضى نجاسة بول محرم الاكل نجاسة بوله لكن لو قدم دليل النجاسة لا يبقى للطير خصوصية بخلاف العكس كما هو ظاهر وأما في غير هاتين الصورتين فيقع التعارض بين الدليلين ولا بد من ملاحظة مرجحات باب التعارض وأما اذا كانت النسبة بين الدليلين بالعموم والخصوص فيقدم الخاص على العام وان كان ظهور الخاص بالاطلاق وعموم العام بالوضع فان الخاص قرينة على العام عرفا ولا تلاحظ هذه الجهة بين العام والخاص».

اذا عرفت ما تقدم نقول : الذي يختلج بالبال أن يقال ان النسبة اذا كانت عموما من وجه ولم يكن المورد من القسم الأول والثاني أي لا يكون أحد الدليلين حاكما ولا ملغيا ، فتارة يكون أحد الدليلين ظهوره بالوضع والآخر بالاطلاق واخرى يكون ظهور كليهما بالوضع وثالثة يكون ظهور كليهما بالاطلاق.

أما الصورة الاولى فحيث أن ما بالوضع قابل لكونه بيانا للاطلاق يقدم عليه بلا فرق بين الاتصال والانفصال ، وأما في الصورة الثانية والثالثة فلا بد من الرجوع الى مرجحات باب التعادل والترجيح ومع عدم المرجح يتحقق التعارض والتساقط بلا فرق بين الاتصال والانفصال.

ان قلت : مع فرض الانفصال يتم المدعى وهو الرجوع الى ذلك الباب وأما مع الاتصال فلا وجه للرجوع الى ذلك الباب قلت : اذا صدق عنوان جاء

٣٧٩

عنكم خبر ان يلزم الرجوع الى ذلك الباب ولا يختص بكونهما منفصلين فلاحظ وأما لو كانت النسبة العموم والخصوص المطلق يقدم الخاص على العام بلا فرق بين الاتصال والانفصال فان الخاص قرينة على العام وحاكم عليه.

الفصل الثامن :

قال في الكفاية ، الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة ، هل يكون ظاهرا في الرجوع الى الاخيرة ام الظاهر منه الرجوع الى الكل أو لا هذا ولا ذاك بعد فرض الرجوع الى الاخيرة قطعا لأن الرجوع الى غيرها بلا قرينة خلاف السيرة الجارية العقلائية ولا اشكال في جواز الرجوع الى الكل بلا فرق بين الأقوال في المعاني الحرفية ، والوجه فيه ان تعدد المخرج منه كتعدد المخرج لا يوجب تفاوتا في حرف الاستثناء وحيث ان الأمر مردد بين الأمرين فيكون الكلام مجملا بالنسبة الى غير الاخيرة لاحتفاف الكلام بما يصلح للقرينية الا على القول بكون جريان اصالة الحقيقة تعبديا لا من باب الظهور فيكون ظهور العام محكما اذا كان وضعيا وأما اذا كان بالاطلاق فلا ينعقد لعدم تمامية مقدماته.

وافاد سيدنا الاستاد تفصيلا : وهو أنه تارة يتعدد الموضوع واخرى يتعدد المحمول وثالثة يتعدد كلاهما أما الصورة الاولى وهي صورة تعدد الموضوع ووحدة المحمول فتارة يتكرر عقد الحمل واخرى لا يتكرر أما اذا لم يتكرر كما لو قال المولى «اكرم العلماء والاشراف والتجار الا الفساق منهم» فالظاهر رجوع الاستثناء الى الجميع ، والوجه فيه ان الظاهر بحسب الفهم العرفي انه كلام واحد وكانه قال «اكرم كل واحد من هذه الطوائف الثلاث الا الفساق منهم» وأما اذا تكرر المحمول كما لو قال «اكرم العلماء والتجار واكرم الزوار الا الفساق منهم» يكون المستفاد بحسب الفهم العرفي اختصاص الاستثناء بخصوص

٣٨٠