عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣١١

الامام الثاني

الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)

هو الامام الثاني ومن أئمة أهل البيت والسبط الأكبر من سيدي شباب أهل الجنة واوّل أولاد علي وفاطمة ، ولم يسم أحد باسمه من قبل ، ولد بالمدينة المنورة ليلة النصف من شهر رمضان على الصحيح المشهور بين المسلمين ، وقيل في شعبان ولعله اشتباه بمولد أخيه الحسين ، وكان مولده ليلة الثلاثاء سنة ثلاث للهجرة ٦٢٥ ميلادية ، وروي سنة اثنتين من الهجرة ، وقيل إنه ولد لستة أشهر ، وروى مثل ذلك في اخيه الحسين.

قال الشيخ الصدوق في علل الشرائع : لما ولد الحسن قالت فاطمة لعلي سمه فقال ما كنت لأسبق باسمه رسول الله (ص) ، فجاء النبي (ص) فأخرج إليه في خرقة صفراء فرمى بها وقال (ص) : ألم أنهكم أن تلفوا المولود في خرقة صفراء؟ وأمر ان يلف في خرقة بيضاء ، واذن في اذنه اليمنى وأقام في اليسرى ثم سماه بالحسن.

ومن القابه السيد ، والسبط ، والتقي ، والزكي ، والمجتبى ، والزاهد ولكن أعلا ألقابه رتبة وأولاها ما لقبه به رسول الله (ص) وهو «السيد» لأنه قال : إن ابني هذا سيد. قال : ومن أراد أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي.

(صفاته):

وكان اشبه الناس من رأسه إلى صدره بجده رسول الله (ص) ، ولم يكن أحد في زمانه اشبه بالنبي منه.

وعن واصل بن عطاء : كان الحسن بن علي (ع) عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك.

١٤١

وعن الغزالي قال : وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول للحسن «أشبهت خلقي وخلقي».

وكان أبيض مشربا بخمرة أدعج العينين سهل الخدين دقيق المسربة كثّ اللحية ذا وفرة عظيم الكراديس بعيدا ما بين المنكبين ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير مليحا من أحسن الناس وجها ، وكان يخضب بالسواد جعد الشعر حسن البدن.

قال القبرصى : ويصدق هذا الخبر ما رواه محمد بن اسحاق قال : ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله ما بلغ الحسن بن علي ، كان يبسط له على باب داره ، فاذا خرج وجلس انقطع الطريق فما يمر احد من خلق الله اجلالا له ، فاذا علم قام ودخل بيته فيمر الناس. قال الراوي : ولقد رأيته في طريق مكة نزل عن راحلته فمشى فما من خلق الله أحد إلا نزل ومشى ، حتى رأيت سعد بن ابي وقاص قد نزل ومشى إلى جنبه.

روى الصدوق (ره) في (الامالي) باسناده عن الصادق (ع) قال : حدثني ابي عن أبيه أن الحسن بن علي بن ابي طالب (ع) كان اعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم ، كان إذا حج حج ماشيا وربما مشى حافيا وإن الجنائب لتقاد بين يديه ، وكان إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه وقال : إلهي ضيفك ببابك يا محسن قد أتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم.

وعن صحيحي البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال : رأيت رسول الله والحسن بن علي على عاتقه وهو يقول : اللهم اني أحبه فأحبه. وفي رواية عن حلية الأولياء : من أحبني فليحبه. وعن صحيح الترمذي عن ابن عباس قال : كان رسول الله (ص) حاملا الحسن بن علي على عاتقه فقال رجل : نعم المركب يا غلام. فقال النبي (ص) : ونعم الراكب هو.

١٤٢

وكان من حلمه ما يوازن به الجبال على حد تعبير مروان عنه.

وكان كرمه وسخاؤه مضرب الأمثال. رأى غلاما اسودا يأكل من رغيف لقمة ويطعم كلبا هناك لقمة ، فقال له : ما حملك على هذا؟ قال الغلام : اني استحي منه أن آكل ولا اطعمه. فقال الحسن : لا تبرح مكانك حتى آتيك ، وذهب إلى سيد الغلام فاشترى الغلام منه واشترى الحائط (البستان) الذي هو فيه فأعتقه وملكه الحائط.

وكان من العلم والبلاغة والعمق ما ملك إعجاب الناس حوله ، فتكلم بما يشفي غليل السائلين ويقطع حجج المجادلين.

وكان اذا أصبح وطاف بالبيت يكاد الناس يحطمونه مما يزدحمون للسلام عليه.

قام بالأمر بعد ابيه وله سبع وثلاثون سنة ، وذلك سنة ٤٠ ، بايعه الناس بالخلافة يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان بعد ما خطب بالناس في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين علي (ع) ، فرتب العمال وأمر الأمراء وأنفذ عبد الله بن عباس إلى البصرة ، ونظر في الأمور واقام في خلافته ستة أشهر وثلاثة أيام ، وقد وقع الصلح بينه وبين معاوية في الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة إحدى واربعين اضطرارا ، بعد أن تبين له أن جماعة من رؤساء اصحابه كتبوا سرا إلى معاوية وضمنوا أن يسلموه إليه عند دنو العسكرين.

وخرج الحسن عليه‌السلام الى المدينة وأقام فيها عشر سنين إلا شهرا ثم قبض.

(من اقواله وحكمه):

سأل علي الحسن أسئلة هي اسئلة طالما يسأل الآباء عن امثالها الأبناء لاختبار افكارهم وعن ادراكهم ، لقد سأله قائلا :

يا بني ما السداد؟ قال : دفع المنكر بالمعروف.

١٤٣

قال : فما الشرف؟ قال : اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.

قال : فما المروة؟ قال : حفظ الدين ، واعزاز النفس ، ولين الكف ، وتعهد الصنيعة ، وأداء الحقوق ، والتحبب إلى الناس.

قال : فما الكرم؟ قال : الابتداء بالعطية قبل المسألة ، واطعام الطعام في المحل.

قال : فما السماح؟ قال : البذل في العسر واليسر.

قال : فما الشح؟ قال : ان ترى ما في يديك شرفا وما انفقته تلفا.

قال : فما الاخاء؟ قال : المواساة في الشدة والرخاء.

قال : فما الجبن؟ قال : الجرأة على الصديق ، والنكول عن العدو

قال : فما الغنيمة؟ قال : الرغبة في التقوى ، والزهادة في الدنيا.

قال : فما الحلم؟ قال : كظم الغيظ وملك النفس.

قال : فما الغنى؟ قال : رضى النفس بما قسم الله وإن قل ، وانما الغنى غنى النفس.

قال : فما الفقر؟ قال : شره النفس إلى كل شيء.

قال : فما الكلفة؟ قال : كلامك فيما لا يعنيك.

قال : فما المجد؟ قال : أن تعطي في العزم وتعفو عن الجرم.

قال : فما السؤدد؟ قال : اتيان الجميل وترك القبيح.

قال : فما الحزم؟ قال : طول الاناة والرفق بالولاة.

قال : فما الشرف؟ قال : موافقة الاخوان وحفظ الجيران.

إلى غير ذلك من الأسئلة والأجوبة الكثيرة التي أوردتها مختلف الكتب.

(زوجاته عليه‌السلام):

تزوج أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله ، وحفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، وهند بنت سهيل بن عمرو ، وجعدة بنت الأشعث بن قيس ، وهي

١٤٤

التي أغراها معاوية بقتله فقتلته بالسم. ونسب له الناس زوجات أخرى حتى عد ملا هاشم الخراسانى في كتابه منتخب التواريخ ثلاثمائة امرأة من المعتقد أنه قد بولغ فيها.

(أولاده):

كان للامام الحسن خمسة عشر ولدا ما بين ذكر وانثى ، وهم :

زيد ، أم الحسن ، أم الحسين ، وامهم أم بشير بنت ابي مسعود الخزرجية.

الحسن ، ويسمى المثنى ، وكان مع عمه الحسين (ع) في كربلاء واصابته جراحة وبقي في المعركة واخذه اسماء بن خارجة خاله وعالجه وذهب به الى المدينة وسادات بني الحسن أغلبهم من ولده ، أم حسن المثنى خولة بنت منظور الغزارية

عمرو ، عبد الله ، والقاسم. امهم أم ولد ، فقد استشهد القاسم في كربلاء دون عمه.

الحسن الملقب بالأثزم ، طلحة ، فاطمة. أمهم أم إسحاق بنت طلحة ابن عبد الله التميمي.

أمّ عبد الله ، فاطمة ، أمّ سلمة ، رقية لأمهات شتى.

(العقب من أولاده):

ولم يعقب منهم غير الحسن وزيد.

(شهادته):

كانت شهادته في الثامن والعشرين من صفر سنة خمسين او في ست من صفر او السابع منه ، وكان عمره (ع) حين استشهد سبعا واربعين سنة وبالتاريخ الميلادي ٦٦٩ ، أمضى منها سبع سنين مع جده رسول الله وثلاثين مع أبيه ، وبقي بعده عشر سنين ، وقام بتجهيزه اخوه الحسين (ع) واخوته وسائر بني هاشم ودفن بالبقيع ، وقبره مزار معروف يزار فيه.

١٤٥

الامام الثالث

الحسين بن علي بن ابي طالب عليه‌السلام

هو السبط الثاني لرسول الله ، ولد بالمدينة المنورة في السنة الثالثة من الهجرة او الرابعة لثلاث خلون من شعبان ، وقيل لخمس منه ، والمشهور هو الأول من سنة ٦٢٦ ميلادية.

قال الشيخ المفيد في (الارشاد) : والامام بعد الحسن بن علي (ع) أخوه الحسين بنص جده رسول الله (ص) وأبيه علي ووصية اخيه الحسن إليه ، وجاءت أمه فاطمة إلى جده رسول الله فاستبشر به وسماه حسينا وعق عنه كبشا. قال : روى شاذان عن سلمان عنه قال : سمعت رسول الله (ص) يقول في الحسن والحسين : اللهم اني احبهما وأحب من احبهما. وقال : من احب الحسن والحسين احببته ، ومن احببته احبه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنة ، ومن ابغضهما ابغضته ، ومن ابغضته أبغضه الله ، ومن ابغضه الله ادخله النار وقال رسول الله (ص) أيضا : حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من احب حسينا ، حسين سبط من الأسباط.

(صفاته عليه‌السلام):

كان أشبه أهل البيت برسول الله (ص) وكان اشرق الناس وجها وأحسنهم خلقا.

قال عبد الله بن الحر الجعفي (الذي دعاه الحسين لنصرته في طريق كربلاء وأبى عن نصرته وتندم بعد الواقعة) ما رأيت احدا أحسن ولا املأ للعين ولا اهيب في القلب من الحسين (ع).

وكان في صوته غنة حسنة ، وكان الطيب محببا إليه ، فكان المسك لا يفارقه في حله وتر حاله وبخور العود والند في مجلسه ، وكان مجلسه مجلس وقار

١٤٦

وعلم ، والناس من حوله يتحلقون يأخذون ما يلقيه عليهم وهم في خشوع كأن على رءوسهم الطير.

قال الشافعي في مطالب السئول : قد اشتهر النقل أن الحسين (ع) كان يكرم الضيف ويمنح الطالب ويصل الرحم وينيل الفقير ويسعف السائل ويكسو العاري ويشبع الجائع ويشفق على اليتيم ، وقل أن وصله مال إلا فرقه ، وكان عليه‌السلام يقول : شر خصال الملوك الجبن من الاعداء والقسوة على الضعفاء والبخل عن. الاعطاء واعظم جود صدر منه. جوده بنفسه في سبيل الله وتسليمه اياها للقتل.

قال رجل عند الحسين : إن المعروف اذا اسدى الى غير اهله ضاع. فقال الحسين : ليس كذلك ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر.

وقال : ما اخذ الله طاقة أحد إلا وضع عنه طاعته ، ولا أخذ قدرته إلا وضع عنه كلفته.

وقال : اذا سمعت احدا يتناول أعراض الناس فاجتهد أن لا يعرفك ، فان اشقى الأعراض به معارفه.

وقد اشتهر مع الجود بصفتين من اكرم الصفات الانسانية وأليقهما ببيته وشرفه ، وهما الوفاء والشجاعة ، ومن وفائه أنه أبى الخروج على معاوية بعد وفاة أخيه الحسن لأنه عاهد معاوية على المسالمة (ص ٧٠ ابو الشهداء تأليف عقاد المصري).

(من اقواله وحكمه):

وللامام الحسين (ع) كلمات آية في الابداع وفي ذروة البلاغة ، سهلة اللفظ جيدة السبك ، تملك القلوب وتستبعد الاسماع كقوله (ع) : الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم ، فاذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون ،

١٤٧

ومن كلامه أيضا قوله في توديع أبي ذر وقد أخرجه عثمان من المدينة بعد أن أخرجه معاوية من الشام : يا عماه إن الله قادر أن يغير ما قد ترى ، والله كل يوم في شأن ، وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك وما أغناك عما منعوك وأحوجهم إلى ما منعتهم ، فاسأل الله الصبر والنصر واستعذ به من الجشع والجزع فان الصبر من الدين والكرم وان الجشع لا يقدم رزقا والجزع لا يؤخر أجلا. وكان عمره هنا كما جاء في ابو الشهداء ثلاثين سنة.

فيقول السيد جواد شبر في الموسوعة ناقلا عن العقاد : فكأنما أودع هذه الكلمات شعار حياته كاملة منذ ادرك الدنيا الى أن فارقها في مصرع كربلاء.

ورويت الغرائب في اختبار حذفه بالفقه واللغة ، كما رويت امثال هذه الغرائب في امتحان قدرة أبيه عليهما‌السلام ، ولخبرته بالكلام وشهرته بالفصاحة كان الشعراء يرتادونه وبهم من الطمع في اصغائه اكبر من طمعهم في اعطائه.

ومن اقواله (ع) : صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤلك فأكرم وجهك عن رده ، إن أجود الناس من أعطى من لا يرجو ، وإن أعفى الناس من عفا عن قدرة ، وإن أوصل الناس من وصل من قطعه.

الحلم زينة ، والوفاء مروءة ، والصلة نعمة ، والاستكبار صلف ، والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، والغلو ورطة ، ومجالسة أهل الدناءة شر ، ومجالسة أهل الفسق ريبة.

سئل الحسين بن علي (ع) كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ قال : أصبحت ولي رب فوقي والنار أمامي والموت يطلبني والحساب محدق بي وأنا مرتهن بعملي ولا أجد ما أحب ولا أدفع ما اكره والأمور بيد غيري فان شاء عذبنى وان شاء عفا عني ، فأي فقير أفقر مني؟ :

(ثورة الحسين عليه‌السلام):

لما مات معاوية بن ابي سفيان ـ وذلك في النصف من رجب سنة ستين من

١٤٨

الهجرة ـ كتب يزيد إلى عامله بالمدينة وهو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان يأمره أن يأخذ البيعة له من الحسين بن علي خاصة ومن أهل المدينة عامة ، ثم يقول في الكتاب : وإذا امتنع الحسين عن البيعة فاضرب عنقه وابعث الي برأسه.

وكان الوليد بن عتبه وقد تلقى امر يزيد بن معاوية يأخذ البيعة من الحسين عليه‌السلام فأرسل إلى الحسين يطلب منه الحضور في دار الامارة ، فاستدعى الحسين (ع) جماعة من أهل بيته واقبل بهم وقال لهم : ان الوليد استدعاني ولا آمن أن يكلفني امرا لا أجيبه إليه ، فكونوا على الباب فان سمعتم صوتي قد علا فادخلوا علي لتمنعوه عني ، وحين صار الى الوليد وجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين ثم قرأ عليه كتاب يزيد فقال : نصبح ونرى. فقال مروان : والله لئن فارقك الحسين (ع) الساعة ولم يبايع لا قدرة منه على مثلها ابدا ، ولكن احبس الرجل اما أن يبايع او تضرب عنقه ، فوثب إليه الحسين (ع) وقال : يا ابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو كذبت والله ولؤمت ثم اقبل على الوليد وقال : يا أمير إنا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أنى أحق بالخلافة والبيعة. وارتفع صوت الحسين فدخل اخوته وأبناؤه ، فقام وخرج ثم هيأ نفسه وتوجه إلى مكة لليلتين بقيتا من رجب وهو يقرأ «فخرج منها خائفا يترقب قال ربي نجني من القوم الظالمين».

ودخل مكة لثلاث ليال خلون من شعبان وهو يقرأ «ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل».

ولما بلغ أهل الكوفة امتناع الحسين (ع) عن البيعة ليزيد ثارت أحاسيسهم وكوامن نفوسهم ضد الأمويين ، فكاتبوا الحسين (ع) بالطاعة له والثورة ضد الامويين حتى توافدت عليه الوفود وتقاطرت الرسل بآلاف الرسائل ، فأرسل

١٤٩

الحسين إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل في النصف من شهر رمضان ، ودخل مسلم الكوفة في الخامس من شوال ، وأقبل على الترحيب به وبايعوه حتى احصى ديوانه ثمانية عشر ألفا في ذلك اليوم او أربعة وعشرين ألفا او ثمانين الفا.

اما الحسين (ع) فلما علم بذلك توجه يوم التروية لثمان خلون من ذي الحجة وفي اثناء الطريق علم بمقتل رسوله مسلم بن عقيل في الطريق وخضوع الكوفة لأمر بني أمية ، وجاءته فصيلة من الجيش بقيادة الحر بن يزيد الرياحي يطلبون منه الوصول إلى الكوفة والنزول عند أمر عبيد الله بن زياد عامل يزيد على الكوفة ، فامتنع الحسين (ع) واخذ طريقا لا يرده إلى المدينة ولا يدخله الكوفة ، لأنه اراد الرجوع إلى المدينة والقوم أرادوا منه القدوم إلى الكوفة ، فوصل إلى كربلاء يوم الخميس ـ وهو اليوم الثانى من المحرم ـ وفي اليوم العاشر من المحرم كانت الواقعة التي هزت الانسانية هزا عنيفا والتي اقامت الدنيا وأقعدتها.

(أولاده صلوات الله عليه):

كان له من الاولاد سنة ذكور وثلاث بنات ، وهم :

علي الأكبر شهيد كربلاء في يوم عاشوراء سنة ٦١ من الهجرة ، وأمه ليلى بنت ابي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي.

وعلي السجاد المعروف بزين العابدين (ع) ، وسيأتي ذكر حالاته تفصيلا بعد هذا ، وأمه شاه زنان بنت يزدجرد كسرى ملك الفرس ، ومعنى «شاه زنان» ملكة النساء.

وجعفر مات في حياة أبيه ولا عقب له ، وأمه قضاعية.

عبد الله المشهور بعلي الأصغر ، قتل مع أبيه صغيرا ، جاءه سهم وراميه حرملة بن كاهل الأسدي من قواد يزيد بن معاوية وهو في حجر أبيه فذبحه.

سكينة بنت الحسين (ع) ، أمها الرباب بنت امرئ القيس الكلبي ، ورباب أيضا أمّ عبد الله الرضيع بن الحسين (ع) المذكور آنفا.

١٥٠

فاطمة بنت الحسين (ع) ، أمها بنت اسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمية. وجاء في كتاب السيرة ان للحسين (ع) بنتا اسمها رقية وهي المدفونة بالشام في محلة الخرابة المشهورة بسوق العمارة (ولقد زرت قبرها اربع مرات) ولها ضريح جاء به أهل طهران من ايران يزار ومسجد يجاوره يقصده أهل الشام وغير هم بالنذور والعطور ، ويقال إن للحسين (ع) بنتا رابعة اسمها زينب.

(وشهادته ومقتله سلام الله عليه):

لقد كانت الواقعة يوم الجمعة او يوم السبت وهو يوم العاشر من المحرم سنة احدى وستين من الهجرة والمصادف في ١٠ اكتوبر ٦٨٠ ميلادية ، وذلك بعد صلاة الظهر ، وكان عمره الشريف يوم ذاك سبع وخمسون سنة ، وقاتله شمر بن ذي الجوشن أو سنان بن أنس او خولي بن يزيد الأصبحي عليهم لعائن الله ، وقاتل الحسين (ع) كافر مخلد في النار.

واعلم أن أهل السنة اختلفوا في كفر يزيد بن معاوية : فقالت طائفة منهم أنه كافر لقول سبط ابن الجوزى وغيره المشهور أنه لما جيء برأس الحسين إليه جمع أهل الشام وجعل ينكت الرأس الشريف بالخيزران وينشد أبياتا.

ليت اشياخي ببدر شهدوا

والأبيات المعروفة ، وزاد فيها بيتين مشتملين على صريح الكفر.

أقول : ان صاحب الصواعق ابن حجر ذكر أول الأبيات ولم يذكر بواقيها وقد وجدت تمامها وبيتين المشتملين على صريح كفره ، والأبيات هذه :

ليت اشياخي ببدر شهدوا

وقعة الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

قد قتلنا القرم من ساداتكم

وعدلناه ببدر فاعتدل

لست من خندف إن لم انتقم

من بني احمد ما كان فعل

١٥١

وقال ابن الجوزي فيما حكاه عنه سبطه : ليس العجب من قتال ابن زياد للحسين (ع) وانما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثنايا الحسين وحمله آل الرسول (ص) سبايا على اقتاب الجمال ، وذكر اشياء من قبيح ما اشتهر عنه ثم قال : وما كان مقصوده إلا الفضيحة ، ولو لم تكن في قلبه احقاد جاهلية واضغان بدرية لاحترم الرأس الشريف المبارك واحسن الى آل الرسول (ص). وقال نوفل بن ابي الفرات : كنت عند عمر بن عبد العزيز فقال رجل : امير المؤمنين يزيد. فقال عمر : تقول امير المؤمنين وامر به فضرب عشرون سوطا.

ولإسرافه في المعاصى خلعه أهل المدينة ، فقد اخرج الواقدي من طرق عديدة أن عبد الله بن حنظلة وهو غسيل الملائكة قال : والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء وخفنا أن الرجال تنكح الأمهات والبنات والأخوات وتشرب الخمر وتدع الصلاة.

فبعد اتفاقهم على فسقه اختلفوا في جواز لعنه بخصوص اسمه فأجازه قوم منهم ابن الجوزي ونقله عن احمد بن حنبل وغيره ، فان ابن الجوزي قال في كتابه المسمى بالرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد : سألني سائل عن يزيد بن معاوية؟ فقلت : يكفيه ما به. فقال أيجوز لعنه؟ قلت : قد أجازه العلماء الوارعون منهم احمد بن حنبل ، فانه ذكر في حق يزيد ما يزيد عليه اللعنة.

ثم روى ابن الجوزي عن القاضي ابن يعلى أنه روى في كتابه المعتمد من الأصول باسناده الى صالح بن احمد بن حنبل قال : قلت لأبى ان قوما ينسبوننا إلى تولى يزيد بن معاوية. فقال : يا بني هل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله ولم لا يلعن من لعنه الله تعالى في كتابه فقلت : في أي آية؟ قال : قوله تعالى «وهل نسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم» فهل يكون فسادا أعظم من القتل.

والحديث الذي رواه مسلم أنه وقع من ذلك الجيش من القتل والفساد

١٥٢

العظيم وإباحة اهل المدينة ما هو مشهور ، حتى فض نحو ثلاثمائة بكر وقتل من الصحابة نحو ذلك ومن قراء القرآن نحو سبعمائة نفسا ، وابيحت المدينة المنورة غير بيت الامام زين العابدين علي بن الحسين (ع) اياما ، وبطلت الجماعة من المسجد النبوي اياما ، واخيف أهل المدينة اياما ، فلم يكن لأحد أن يدخل المسجد حتى دخلها الكلاب وبالت على منبره (ص) كما أخبر به النبي (ص) ولم يرض امير هذا الجيش «وهو مسلم بن عقبة» إلا بأن يبايعوا ليزيد على أنهم عبيد له ان شاء باع وإن شاء اعتق ، ثم سار جيشه نحو مكة الى قتال عبد الله بن الزبير فرموا الكعبة المكرمة بالمنجنيق وأحرقوا كسوتها بالنار ، فأي شيء أعظم من هذه القبائح التي وقعت في زمنه منه ناشئة عنه ، وكانت سلطنة يزيد اللعين سنة ستين وهلك في اوّل سنة اربع وستين وان ابنه معاوية بن يزيد لما ولي العهد صعد المنبر فقال : إن هذه الخلافة حبل الله تعالى ، وان جدي معاوية نازع الأمر أهله ، ومن هو أحق به منه علي بن ابي طالب (ع) ، وركب بكم ما تعلمون حتى أتته المنية فصار في قبره رهينا بذنوبه ، ثم قلد بي الأرض وكان غير أهله ونازع ابن بنت رسول الله (ص) فقصف عمره وابتر عقبه وصار في قبره رهينا بذنوبه ، ثم بكى وقال : من اعظم الأمور خسارة علينا علمنا بسوء منقلبه وقد قتل عترة رسول الله واباح الخمر وخرب الكعبة ولم يذق حلاوة الخلافة فلا اذوق مرارتها ولا اتقلدها فشأنكم في امركم ، والله لئن كانت الدنيا خيرا فقد نلنا حظا وان كانت شرا فكفى ذرية أبي سفيان ما اصابوا منها.

ثم بقى في منزله حتى مات بعد أربعين يوما ، وكانت مدة خلافته اربعين يوما وقيل شهرين وقيل ثلاثة أشهر ، ومات عن احدى وعشرين سنة وقيل عشرين ـ انتهى كلام ابن حجر.

(لا يزور الحسين (ع) إلا الصديقون):

كامل الزيارة لابن قولويه باسناده عن جعفر بن محمد قال : كان

١٥٣

رسول الله (ص) اذا دخل الحسين (ع) اجتذبه إليه ثم يقول لأمير المؤمنين عليه‌السلام امسكه ، ثم يقع عليه فيقبله ويبكي فيقول : يا أبة لم تبكي؟ فيقول : يا بني اقبل موضع السيوف منك وابكي. قال : يا أبة واقتل؟ قال : اي والله وابوك واخوك وانت. قال : يا أبة فمصارعنا شتى؟ قال : نعم يا بني. قال : فمن يزورنا من امتك؟ قال : لا يزور أباك واخاك وأنت إلا الصديقون من امتي ـ الخبر.

(قاتل الحسين (ع) في تابوت من النار):

اكمال الدين باسناده عن الرضا (عليه‌السلام) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إن قاتل الحسين بن علي في نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا ، وقد شد يداه ورجلاه بسلاسل من نار منكس في النار حتى يقع في قعر جهنم ، وله ريح يتعوذ أهل النار إلى ربهم من شدة نتنه ، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم مع جميع من شايع على قتله ، كلما نضجت جلودهم بدل عليهم الجلود حتى يذوقوا العذاب الأليم لا يفتر عنهم ساعة ، ويسقون من حميم جهنم ، فالويل لهم من عذاب النار.

اكمال الدين باسناده عن الرضا (عليه‌السلام) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ان موسى بن عمران سأل ربه عزوجل فقال : يا رب إن أخي هارون مات فاغفر له فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى لو سألتني في الأولين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن علي (عليه‌السلام) فاني انتقم له من قاتله.

وفي ثواب الأعمال للصدوق : ابن الوليد عن الصفار عن ابن هاشم عن عثمان بن عيسى عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر قال : قال رسول الله إن في النار منزلة لم يكن يستحقها أحد من الناس إلا قاتل الحسين بن علي ويحيى بن زكريا عليهما‌السلام.

١٥٤

كامل الزيارة : محمد الحميدي عن الحسن بن علي بن زكريا عن عمرو بن المختار عن إسحاق بن بشير عن العوام مولى قريش قال مولاى عمر بن هبيرة قال : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والحسن والحسين في حجره يقبل هذا مرة ويقبل هذا مرة ويقول للحسين : الويل لمن يقتلك ـ الى غير ذلك من الأخبار الواردة فى هذا المقام ، فراجع الى ذخيرة الدارين للسيد عبد المجيد الكربلائي ص ١١٧.

روى الطبري في كتاب الامامة باسناده عن حذيفة قال : سمعت الحسين يقول : والله ليجمعن على قتلي طغاة بني امية ويقدمهم عمر بن سعد اللعين وذلك في حياة النبي (ص). فقلت له : انبأك رسول الله؟ فقال : لا ، فأتيت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فاخبرته فقال : علمي علمه وعلمه علمي وانه ليعلم بالكائن قبل كينونته ـ الخبر.

وروى سفيان بن عيينة عن علي بن زيد عن علي الحسين (ع) قال : خرجنا مع الحسين فما نزلنا منزلا ولا ارتحلنا منه إلا وذكر يحيى بن زكريا (ع) ، وقال يوما من الأيام : من هو ان الدنيا على الله عزوجل أن رأس يحيى بن زكريا اهدى الى بغي من بغايا بني اسرائيل.

وتظاهرت الأخبار بأنه لم ينج من قاتلي الحسين (ع) وأصحابه من قتل او بلاء افتضح به قبل موته وقتل قاتل الحسين (ع) بأشد العذاب.

وروى احمد بن حنبل في مسنده عن انس بن مالك والغزالي في كيمياء السعادة وابن بطة في كتاب الابانة من خمسة عشر طريقا وابن جيش التميمي واللفظ قال ابن عباس : بينما انا راقد في منزلي اذ سمعت صراخا عظيما عاليا من بيت أمّ سلمة وهي تقول : يا بنات عبد المطلب أسعدن وابكين معي فقد قتل سيدكن الحسين (عليه‌السلام). فقيل : ومن اين علمت ذلك؟ قالت : رأيت النبي (ص) في المنام شعثا مذعورا فسألته عن ذلك فقال : قتل ابنى الحسين وأهل بيته فدفنتهم.

١٥٥

قالت : فنظرت فاذا تربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلاء واعطانيها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : اجعليها في زجاجة فلتكن عندك فاذا صارت دما فقد قتل الحسين (عليه‌السلام) ، فرأيت القارورة الآن قد صارت دما عبيطا يفور.

وفي رواية عمر بن ابي سلمة أنها حكت حكاية التربة وقالت : لما كان في الليلة التي قتل الحسين في صبيحتها سمعت قائلا يقول :

ايها القاتلون جهلا حسينا

ابشروا بالعذاب والتنكيل

قد لعنتم على لسان داود

وموسى وصاحب الإنجيل

وفي كتاب كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب (ع) باسناده عن ابن عباس قال : كنت مع علي بن ابي طالب في خروجه الى صفين ، فلما نزل بنينوى وهو شط الفرات قال بأعلى صوته : يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت : لا يا امير المؤمنين. فقال : لو عرفته مثل معرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي لبكائي. قال : فبكى طويلا حتى جرت الدموع على صدره وبكيت معه وهو يقول : اوه اوه ما لي ولآل ابى سفيان ما لي ولآل حزب الشيطان وأولياء الكفر ، صبرا يا أبا عبد الله فقد لقى ابوك مثل الذي تلقى منهم ـ الخبر.

قاتل الحسين عليه‌السلام

عمر بن سعد بن أبي وقاص لعنه الله

في كتاب الإرشاد للمفيد عن عبد الله بن شريك العامري قال : كنت أسمع من اصحاب علي (ع) اذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون : هذا قاتل الحسين بن علي (ع) ، وذلك قبل أن يقتل بزمان طويل.

١٥٦

ان الله عوض الحسين (ع) عن الشهادة

بجعل الامامة في ذريته والشفاء في تربته

روى جماعة بأسانيد عن جمع من ائمة أهل البيت لا سيما الباقر والصادق عليهما‌السلام قالوا : إن الله تعالى عوض الحسين من قتله أن جعل الامامة في ذريته والشفاء في تربته واجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعد ايام زائريه ذاهبا وجائيا من عمره. قال الراوي : فقلت لأبي عبد الله (ص) هذه الخلال تنال بالحسين فماله في نفسه؟ قال : إن الله ألحقه بالنبي (ص) فهو معه في درجته ومنزلته ـ الخبر.

(من قتل من أهل بيته معه):

وكان عدد من قتل معه من اهل بيته وعشيرته ثمانية عشر نفسا : فمن أولاد امير المؤمنين (ع) ستة ، وهم العباس وعبد الله وعثمان وجعفر وعبيد الله وابو بكر. ومن اولاد الامام الحسن (ع) ثلاثة وهم القاسم وابو بكر وعبيد الله ومن أولاد الامام الحسين عليه‌السلام اثنان وهما علي بن الحسين (ع) وعبد الله الطفل المذبوح بالسهم. ومن اولاد عبد الله بن جعفر المعروف بجعفر الطيار الشهيد في موته من أرض فلسطين قريب بيت المقدس اثنان وهما محمد وعون. ومن اولاد عقيل اثنان وهما عبد الله وعبيد الله. ومن اولاد مسلم بن عقيل سفير الحسين (ع) المقتول الشهيد في الكوفة بحكم عبيد الله بن زياد بن ابيه اثنان وهما عبد الله وعبيد الله. فهؤلاء ثمانية عشر نفسا من اهل البيت قتلوا مع الحسين (ع)

(مدفنهم رضوان الله عليهم):

وكلهم مدفونون فيما يلي رجلي الامام الحسين (ع) في مشهده بكربلاء بأبي انتم وامي طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم.

واما العباس (ع) فانه دفن ناحية عنهم في موضع المعركة عند المسناة ،

١٥٧

وقبره الشريف ظاهر يزار.

الامام الرابع

علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (ع)

هو رابع الأئمة عند الشيعة الاثنا عشرية ، وزين العابدين أشهر ألقابه ، ولد بالمدينة المنورة يوم الجمعة لخمس خلون من شعبان او لتسع خلون منه ، وقال الشيخ الطوسي في المصباح وابن طاوس في الاقبال أن مولده كان في النصف من جمادى الأولى ، والأشهر هو الأول ، وذلك سنة ثمان وثلاثين او سبع وثلاثين او ست وثلاثين ـ أي في خلافة جده امير المؤمنين (ع) بغير خلاف في ذلك ـ وكان عمره الشريف يوم واقعة الطف بكربلاء ثلاثا وعشرين سنة ، وبقي بعد أبيه أربعا وثلاثين سنة على الاشهر ، فتكون ولادته بالتاريخ الميلادي سنة ٧١٥

قال المفيد في الارشاد : وكان امير المؤمنين علي (ع) ولى حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق (خراسان الفعلي) فبعث إليه ببنتي يزدجرد بن شهريار الملك كسرى ، فنحل ابنه الحسين (ع) «شاه زنان» منهما فأولدها زين العابدين (ع) وماتت في نفاسها في المدينة ، واما ما يروى في بعض كتب المقاتل من أنها جاءت الى كربلاء وبعد شهادة سيد الشهداء ركبت الى مكان لا يعلم فلا أصل له ، فهي أم ولد. ونحل الأخرى محمد بن ابى بكر بن ابى قحافة فولدت له القاسم ، فهما ابنا خالة.

وشهد زين العابدين وقعة كربلاء مع أبيه الحسين ، وحال بين اشتراكه في الحرب مرضه ، واسر وسبي ولما لم يطق الركوب والثبات فوق ظهر الجمل لشدة مرضه قيد بالحبال ووضعت الجامعة في رقبته وجيء به على هذه الحالة وأدخل مع السبايا من عيالات الحسين الى مجلس عبيد الله بن زياد في الكوفة ثم مجلس يزيد بن معاوية في الشام ، وقد جرت في المجلس الأول محاورة غضب لها ابن زياد وامر

١٥٨

بقتله ، فما راع زين العابدين (ع) هذا التهديد وقال لابن زياد : أبا لقتل تهددني يا ابن زياد ، أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة.

وفي مجلس يزيد ألقى خطبة بليغة اوضح فضاحة يزيد واتباعه وهي :

الحمد لله الذي لا بداية له ، والدائم الذي لا نفاد له ، والأول الذي لا أولية له ، والآخر الذي لا آخرية له ، والباقي بعد فناء الخلق ، قدر الليالي والأيام ، وقسم فيما بينهم الأقسام ، فتبارك الله الملك العلام.

ايها الناس أعطينا ستا وفضلنا بسبع : أعطينا العلم ، والحلم ، والسماحة والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبة في قلوب المؤمنين. وفضلنا بأن منا النبي ، والصديق ، والطيار ، وأسد الله ، واسد رسوله ، وسبطا هذه الامة.

ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني انبأته بحسبي ونسبي :

أيها الناس أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفاء ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء ، أنا ابن خير من اتزر وارتدى وخير من طاف وسعى وحج ولبى ، أنا ابن من حمل على البراق وبلغ به جبرئيل سدرة المنتهى فكان من ربه كقاب قوسين أو ادنى ، أنا ابن من صلى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما اوحى ، انا ابن من ضرب بين يدي رسول الله ببدر وحنين ولم يكفر بالله طرفة عين ، انا ابن صالح المؤمنين ووارث النبيين ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ومفرق الأحزاب ، اربطهم جأشا وامضاهم عزيمة ذاك ابو السبطين الحسن والحسين علي بن أبي طالب (ع) انا ابن فاطمة الزهراء وسيدة النساء ، وابن خديجة الكبرى ، أنا ابن المرمل بالدماء أنا ابن ذبيح كربلاء ، أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلماء وناحت الطير في الهواء.

فلما بلغ إلى هنا ضج الحاضرون والمستمعون بالبكاء ، فخاف يزيد عليه لعائن الله الفتنة فأمر المؤذن ان يؤذن للصلاة ، فقال المؤذن «الله اكبر» فقال

١٥٩

الامام (ع) الله اكبر وأجل وأعلى واكرم مما أخاف وأحذر ، فلما قال المؤذن «اشهد أن لا إله إلا الله» قال الامام (ع) : نعم اشهد مع كل شاهد أن لا إله غيره ولا رب سواه ، فلما قال المؤذن «اشهد أن محمدا رسول الله» قال الامام للمؤذن : اسألك بحق محمد أن تسكت حتى اكلم هذا ، والتفت إلى يزيد وقال : هذا الرسول العزيز الكريم جدك أم جدي ، فان قلت جدك علم الحاضرون والناس كلهم انك كاذب ، وان قلت جدي فلم قتلت أبي ظلما وعدوانا وانتهبت ماله وسبيت نساءه ، فويل لك يوم القيامة اذا كان جدي خصمك.

فصاح يزيد بالمؤذن اقم الصلاة ، فوقع بين الناس همهمة وصلى بعضهم وتفرق آخرون.

(صفاته عليه‌السلام):

كان يدعى زين العابدين ، ويدعى بالسجاد ، ويدعى بذي الثفنات ، وقد امتلأ التاريخ بأخبار زهده وكرمه وبلاغته.

وروى أنه حج على ناقته عشرين حجة فما قرعها بسوط ، وفي روية ٢٢ حجة ، ولقد سئلت عنه مولاة له فقالت : أأطنب أم اختصر؟ فقيل لها : بل اختصري. فقالت : ما اتيته بطعام في نهار قط ، وما فرشت له فراشا بليل قط.

وجرى ذكره في مجلس عمر بن عبد العزيز فقال : ذهب سراج الدنيا وجمال الاسلام زين العابدين.

وقال ابن خلكان : هو أحد الأئمة الاثني عشر ومن سادات التابعين ، وكان يصلي في الليل واليوم ألف ركعة.

وروى الأربلي في كشف الغمة فقال : كانت له جارية تصب الماء على يده فغفلت فسقط الابريق من يدها على وجه الامام فشجه ، فرفع رأسه إليها فقالت : والكاظمين الغيظ قال : كظمت غيظي قالت : والعافين عن الناس قال :

١٦٠