عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣١١

ومختارا لولاية عهده ورعاية الأمة من بعده أفضل ما يقدر عليه في ورعه ودينه وعلمه وارجأهم للقيام في امر الله وحقه مناجيا له تعالى بالاستخارة في ذلك وسألته الهامة ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره معملا في طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام فكره ونظره مقتصرا مما علم حاله ومذهبه منهم على علمه وبالغا في المسألة عمن خفي عليه امره جهده وطاقته ، حتى استقصى امورهم معرفة وابتلى اخبارهم مشاهدة واستبرى احوالهم معاينة وكشف ما عندهم مسألة ، فكانت خبرته بعد استخارته لله واجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده في البيتين جميعا (علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام) لما رأى من فضله البارع وعلمه الناصع وورعه الظاهر وزهده الخالص وتخليه من الدنيا وتسلمه من الناس ، وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة والألسن عليه متفقة والكلمة فيه جامعة ، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعا وناشئا وحدثا ومكتهلا ، فعقد له بالعقد والخلافة من بعده واثقا بخيرة الله في ذلك ، إذ علم الله أنه فعله ايثارا له وللدين ونظرا للاسلام والمسلمين وطلبا للسلامة وثبات الحق والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين ، ودعا امير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته وقواده وخدمه فبايعوا مسرعين مسرورين عالمين بايثار امير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم ممن هو أشبك منه رحما وأقرب قرابة ، سماه (الرضا) إذ كان رضا عند امير المؤمنين ، فبايعوا معشر اهل بيت امير المؤمنين ومن بالمدينة المحروسة من قواده وجنده وعامة المسلمين لأمير المؤمنين وللرضا من بعده علي بن موسى على اسم الله وبركته وحسن قضائه لدينه وعباده بيعة مبسوطة إليها ايديكم منشرحة لها صدوركم عالمين بما أراد امير المؤمنين لها وآثر طاعة الله والنظر لنفسه ولكم

٢٠١

فيها شاكرين الله على ما ألهم امير المؤمنين من قضاء حقه في رعايتكم وحرصه على رشدكم وصلاحكم راجين عائدة ذلك في جمع ألفتكم وحقن دمائكم ولم شعثكم وسد ثغوركم وقوة دينكم واستقامة اموركم ، وسارعوا إلى طاعة الله وطاعة امير المؤمنين فانه الأمر الذي ان سارعتم إليه وحمدتم الله عليه عرفتم الحظ فيه إن شاء الله.

وكتب بيده في الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة احدى ومائتين.

وهذا ما كتبه الإمام علي بن موسى الرضا (ع) بخطه على ظهر العهد :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الفعال لما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، وصلاته على نبيه محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين.

أقول وأنا علي الرضا بن موسى بن جعفر : إن امير المؤمنين عضده الله بالسداد ووفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره ، فوصل ارحاما قطعت ، وأمن نفوسا فزعت ، بل احياها وقد تلفت وأغناها اذا افتقرت مبتغيا رضى رب العالمين لا يريد جزاء من غيره ، وسيجزي الله الشاكرين ولا يضيع أجر المحسنين ، وانه جعل إلى عهده والإمرة الكبرى إن بقيت بعده ، فمن حل عقدة أمر الله بشدها وفصم عروة أحب الله ايثاقها فقد أباح حريمه وأحل محرمه ، إذ كان بذلك زاريا على الامام منتهكا حرمة الاسلام ، بذلك جرى السالف فصبر منه على الفلتات ولم يعترض بعدها على العزمات خوفا من شتات الدين واضطراب حبل المسلمين ولقرب امر الجاهلية ورصد فرصة تنتهز وبائقة تبتدر ، وقد جعلت الله على نفسي إذ استرعاني امر المسلمين وقلدني خلافته العمل فهم عامة وفي بني العباس

٢٠٢

ابن عبد المطلب خاصة بطاعته وطاعة رسول الله (ص) وأن لا اسفك دما حراما ولا أبيح فرجا ولا مالا إلا ما سفكته حدود الله واباحته فرائضه ، وأن اتخير الكفاة جهدي وطاقتي ، وجعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا يسألني الله عنه فانه عزوجل يقول (أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) ، وإن أحدثت او غيرت او بدلت كنت للغير مستحقا وللنكال متعرضا ، وأعوذ بالله من سخطه وإليه ارغب في التوفيق لطاعته والحئول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين ، والجامعة والجفر يدلان على ذلك (وفي بعض النسخ يدلان على خلاف ذلك) وما ادرى ما يفعل بي ولا بكم إن الحكم إلا لله يقضي بالحق وهو خير الفاصلين ، لكني امتثلت أمر امير المؤمنين المأمون وآثرت رضاه ، والله يعصمني واياه ، وأشهدت الله على نفسي بذلك وكفى بالله شهيدا ، وكتبت بخطي بحضرة امير المؤمنين أطال الله بقاءه والفضل بن سهل وسهل بن الفضل ويحيى بن اكثم وعبد الله بن طاهر وثمامة بن أشرس وبشر بن المعتمر وحماد بن النعمان في شهر رمضان سنة احدى ومائتين.

(من اقواله وحكمه سلام الله عليه): ـ

لم يخنك الأمين ولكن ائتمنت الخائن.

الصمت باب من ابواب الحكمة.

صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله.

وسئل عن العجب الذي يفسد العمل؟ فقال : العجب درجات : منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجب ويحسب أنه يحسن صنعا ، ومنها أن يؤمن العبد بربه فيتمنى على الله ولله المنة عليه :

يأتى على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة اجزاء تسعة منها في اعتزال الناس وواحد في الصمت.

٢٠٣

أحسنوا جوار النعم فانها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم ، ان شر الناس من منع رفده وأكل وحده وجلد عبده.

من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها ضر ، ومن خاف أمن ، ومن اعتبر ابصر ، ومن أبصر فهم ، ومن فهم علم ، وصديق الجاهل في تعب ، وأفضل المال ما وقي به العرض ، وأفضل العقل معرفة الانسان نفسه.

المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق ، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، وإذا قدر لم يأخذ اكثر من حقه.

(أولاده عليه‌السلام): ـ

روي أن له ابنا واحدا وهو الامام محمد تقي ابو جعفر الجواد عليه‌السلام. وعن بعض أن له ولدين هما محمد وموسى. وفي كشف الغمة أن له خمسة ذكور وبنتا واحدة ، وهم محمد القانع ، الحسن ، جعفر ، ابراهيم ، الحسين ، عائشة. والعقب من الامام الجواد عليه‌السلام.

(شهادته ووفاته عليه‌السلام): ـ

اختلف المؤرخون في سبب موت الامام الرضا ، فقيل أنه أكل عنبا ومات منه ـ يعني مات بأجله ـ وهذا ليس بصحيح بل مات مسموما كما روى هرثمة بن اعين من أنه مات صلوات عليه مسموما بالعنب والرمان اللذين قدم المأمون له.

وروى ابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبين عن ابى الصلت الهروي أنه دخل على الرضا (ع) فقال : يا أبا الصلت قد فعلوها ـ اي سقوني

٢٠٤

السم ، وقد شاع ذلك واشتهر حتى قال في ذلك ابو فراس الحمداني :

باءوا بقتل الرضا من بعد بيعته

وأبصروا بعض يوم رشدهم وعموا

وقال دعبل بن علي الخزاعي :

شككت فما ادرى أم سقي بشربة

فأبكيك أم ريب الردى فيهون

(تاريخ شهادته (ع)): ـ

قبض يوم الجمعة ، وقيل يوم الاثنين آخر صفر ، أو في السابع عشر منه بطوس من ارض خراسان في قرية يقال لها (سناآباد) من رستاق نوقان سنة ثلاث او اثنتين المصادف ٨١٨ ميلادية ، وهو ابن خمس وخمسين سنة او اثنتين وخمسين او احدى وخمسين سنة. ودفن في القبة التي فيها قبر هارون الرشيد إلى جانبه مما يلي القبة في دار حميد بن قحطبة الطائي الخبيث الذي قتل بأمر هارون في ليلة واحدة ستين نفرا من اولاد علي بن أبي طالب (ع).

الامام التاسع

محمد الجواد عليه‌السلام

ابن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب صلوات الله عليهم اجمعين.

(ولادته عليه‌السلام): ـ

هو تاسع ائمة أهل البيت عند الشيعة الاثنا عشرية ، ولد بالمدينة المنورة ليلة الجمعة في التاسع عشر من شهر رمضان او في النصف منه

٢٠٥

او العاشر من شهر رجب سنة خمس وتسعين ومائة المصادف ٨١٠ م.

ويؤيد قول ولادته في رجب الدعاء المأثور الذي اوله «اللهم اسألك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني وابنه علي بن محمد المنتجب».

أمه أم ولد يقال لها سبيكة ، روى أنها كانت من أهل بيت مارية القبطية أمّ عبد الله ولد النبي (ص) ، وتكنى أم الحسن.

وكنيته ابو جعفر الثاني لأن جده محمد الباقر يكنى بأبي جعفر الأول ، ولقبه الجواد والتقي والمنتجب والقانع.

(صفات الامام الجواد عليه‌السلام): ـ

كان اسمر شديد الأدمة ، ولذلك نعته ابن أبي داود بالأسود ، وكان يرتدي أفخر الملبوس ، ولقد روى الصدوق بسنده عن علي بن مهزيار قال : رأيت أبا جعفر الثاني يصلي الفريضة وغيرها في جبة خز طاروي وكساني جبة خز وذكر أنه لبسها على بدنه وصلى فيها وأمرني بالصلاة فيها.

وكان افضل أهل زمانه علما وعملا وورعا وعبادة وسخاء وكرما وفي جميع صفات الفضل ، وقد روي عنه من انواع العلوم واجوبة المسائل المشكلة الشيء الكثير.

وقد نقلت عن اتساع دائرة فقهه وإحاطته بالاحكام وعمقه العجائب والغرائب ، ومن ذلك كان استفتاء يحيى بن اكثم قاضي قضاة بغداد في مجلس المأمون له (ع) عن محرم قتل صيدا فما يكون حكمه؟ فقال له ابو جعفر الجواد (ع) : أقتله في حل او حرم عالما كان المحرم أم جاهلا قتله عمدا او خطأ حرا كان المحرم او عبدا صغيرا كان أم كبيرا مبتدئا بالقتل أم معيدا من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها من صغار الصيد كان أم من كباره مصرا على ما فعل أم نادما في الليل كان قتله للصيد في اوكارها أم نهارا وعيانا كان بالعمرة إذ قتله او بالحج كان محرما

٢٠٦

وقد شرح بعد ذلك هذه الأحوال ليحيى بن اكثم وأبان له أن الأحكام التي تختلف باختلاف هذه الاوضاع ثم ادلى بحكم كل قضية.

قال الطبرسي في إعلام الورى : كان الامام محمد الجواد قد بلغ في وقته من الفضل والعلم والحكم والأدب مع صغر سنه لم يساوه فيها أحد من ذوي الأسنان من السادة وغيرهم ، ولذلك كان المأمون مشغوفا به لما رأى من علو رتبته وعظيم منزلته في الفضائل ، فزوجه المأمون ابنته أم الفضل ، وكان المأمون متوفرا على إعظامه وتوقيره وتبجيله.

قال المفيد : كان الامام بعد علي بن موسى الرضا ابنه محمد بن علي المرتضى بالنص عليه والاشارة من أبيه إليه وتكامل الفضل فيه ، وكان المأمون قد شغف به لما رأى من فضله مع صغر سنه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل زمانه.

قال : لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي بلغ ذلك العباسيين ، فغلظ عليهم واستكبروه وخافوا أن ينتهي الأمر عنده معه الى ما انتهى إليه مع ابنه الرضا ، فخاضوا في ذلك واجتمع معه أهل بيته الأدنون منه وقالوا : ننشدك الله يا امير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا ، فانا نخاف أن تخرج به عنا امرا قد ملكناه الله وتنزع منا عزا قد ألبسناه الله ، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا ، وقد كنا من وهلة عملك مع الرضا ما عملت حتى كفانا الله المهم ، فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا ، واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من اهل بيتك يصلح لذلك دون غيرهم.

فقال لهم المأمون : أما ما كان بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ، ولو انصفتم القوم لكانوا أولى بكم ، وأما ما كان يفعله من

٢٠٧

قبلي بهم فقد كان به قاطعا للرحم وأعوذ بالله من ذلك ، وو الله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا ، ولقد سألته أن يقوم بالأمر وانزعه عن نفسي فأبي وكان امر الله قدرا مقدورا ، وأما ابو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على أهل الفضل كافة في العلم والفضل مع صغر سنه والاعجوبة فيه بذلك ، وارجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه.

واستأذن الجواد المأمون في الحج وخرج من بغداد ومعه زوجته أم الفضل ، وأقام بالمدينة وهي معه حتى توفي المأمون في رجب سنة ثمان عشرة ومائتين من الهجرة ٢١٨.

وبويع أخوه المعتصم في شعبان من تلك السنة فتخوف المعتصم من الامام الجواد (ع) ومكانته في القوم ، فطلبه إلى بغداد فتجهز وخرج من المدينة إلى بغداد وحمل معه زوجته أم الفضل.

وقال المسعودي في اثبات الوصية : لما انصرف ابو جعفر الجواد إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبران ويعملان الحيلة في قتله حتى سماه.

وروى العياشي في تفسيره عن زرقان صاحب احمد بن أبي دؤاد قاضي المعتصم قال : رجع ابن ابي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم ، فسألته فقال : وددت اليوم انى قدمت منذ عشرين سنة. فقلت : لم ذاك؟ فقال : لما كان من هذا الرجل أبي جعفر محمد بن علي بن موسى قلت : وكيف ذلك؟ قال : إن سارقا أقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه ، فجمع لذلك الفقهاء وأحضر محمد بن علي ، فسألنا عن القطع في أى موضع يجب أن يقطع؟ فقلت : من الكرسوع (وهو طرف الزند الناتئ مما يلي الخنصر) فقال : وما الحجة

٢٠٨

في ذلك؟ فقلت : لأن اليد من الأصابع والكف الى الكرسوع ويقول الله تعالى في التيمم (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) واتفق معي على ذلك قوم ، وقال آخرون بل يجب القطع من المرفق لأن الله تعالى لما قال (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) دل على أن حد اليد هو المرفق ، فالتفت إلى محمد بن علي فقال ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال : تكلم القوم فيه يا امير المؤمنين قال : دعني مما تكلموا به أي شيء عندك؟ قال : اعفني من هذا. قال : أقسمت عليك بالله لما اخبرت بما عندك فيه. قال : أما إذا أقسمت علي بالله فاني اقول انهم أخطئوا فيه السنة ، فان القطع يجب أن يكون من مفصل اصول الأصابع فيترك الكف. قال: وما الحجة في ذلك؟ قال : قول رسول الله (ص) «السجود على سبعة اعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين» فاذا قطعت يده من الكرسوع او المرفق لم يبق له يد يسجد عليها ، وقال الله تعالى له (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها وما كان لله لم يقطع. فأعجب المعتصم ذلك وأملى وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف.

(اقواله وحكمه عليه‌السلام): ـ

روى عن الامام ابي جعفر عليه‌السلام الشيء الكثير من الحكم والآداب والأدعية البليغة ، ومن هذه ما جرى على الألسن مجرى الامثال مثل قوله عليه‌السلام :

من اطاع هواه اعطى عدوه مناه ، ومن هجر المداراة قاربه المكروه ، ومن عمل على غير علم كان ما يفسد اكثر مما يصلح ، ومن لم يعرف الموارد أعيته المصادر ، ومن انقاد إلى الطمأنينة قبل الخبرة فقد عرض نفسه للهلكة والعاقبة المتبعة.

راكب الشهوات لا تستقال له عثرة ، كفى بالمرء خيانة أن يكون

٢٠٩

أمينا للخونة ، عز المؤمن غناه عن الناس ، لا يضرك سخط من رضاه الجور.

(اولاده عليه‌السلام):

اولاده أربعة : الامام علي الهادي عليه‌السلام وسيجيء ذكره ، فاطمة ، وإمامة ، وموسى الملقب بموسى المبرقع. وهو اوّل من هاجر من المدينة إلى قم في تاريخ سنة ٢٥٦ ه‍ ومات في يوم الاربعاء سنة ٢٩٦ ه‍ وقبره بقم مشهور وعليه قبة عالية ودفن في داره.

(وفاته وشهادته عليه‌السلام): ـ

وكانت شهادته ببغداد يوم السبت او الثلاثاء في اواخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين ٢٢٠ ه‍ وله خمس وعشرون سنة وشهران وثمانية وعشرون يوما سنة ٨٣٥ م.

وسم المعتصم بالعنب محمد بن علي الجواد عليه‌السلام كما في البحار وفي مصباح كفعمي سمه المعتصم ودفن في مقابر قريش ، وفي دعاء شهر رمضان يقرأ كل يوم «اللهم صل على محمد بن علي امام المسلمين» إلى قوله «وضاعف العذاب على من شرك في دمه» ، ودفن في مقابر قريش (الكاظمين بالجانب الغربي).

الامام العاشر

ابو الحسن علي الهادي عليه‌السلام

ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم اجمعين.

(ولادته عليه‌السلام):

هو الامام العاشر من أئمة أهل البيت عند الشيعة الامامية الاثنا عشرية ،

٢١٠

ولد بقرية من نواحي المدينة المنورة يقال لها (صربا) ، وهذه القرية على ثلاثة اميال من المدينة اسسها الامام الكاظم (ع). ولد يوم الجمعة او الثلاثاء النصف من ذي الحجة او في شهر رجب سنة اثنتي عشرة ومائتين (٢١٢) ، وروى الكليني أنه ولد في رجب سنة ٢١٤ ه‍ المصادف بالتاريخ الميلادي ٨٢٩.

أمه أم ولد واسمها (سمانة) المغربية ، ويكنى بأبي الحسن لا غير ، أما القابه الشامخة فهي الهادي النجيب المرتضى النقي العالم الفقيه المؤمن الطيب العسكري ، وهذا اللقلب الأخير يشترك فيه هو وابنه الحسن (ع) لأن المحلة التي سكناها بسامراء كانت تسمى عسكرا او لاراءته (ع) جيشا.

(صفاته عليه‌السلام):

قال الشيخ المفيد في الارشاد : وكان الامام بعد ابي جعفر ابنه الحسن علي بن محمد لاجتماع خصال الامامة فيه وتكامل فضله وأنه لا وارث لمقام أبيه سواه وثبوت النص عليه بالإمامة والاشارة إليه من أبيه بالخلافة.

وقال ابن حجر في الصواعق : كان ابو الحسن الهادي ورث علما وسخاء.

وقال علي جلال في كتابه (الحسين) : كان الامام الهادي فقيها فصيحا جميلا مهيبا.

ويقول القطب الراوندي في (الخرائج) كان الامام علي الهادي قد اجتمعت فيه خصال الامامة وتكامل فضله وعلمه وخصال الخير ، وكانت اخلاقه كلها خارقة للعادة كاخلاق آبائه ، وكان بالليل مقبلا على القبلة لا يفتر ساعة.

وقال ابن شهرآشوب في المناقب : كان الإمام أطيب الناس بهجة وأصدقهم لهجة وأملحهم من قريب وأكملهم من بعيد ، اذا صمت علته

٢١١

هيبة الوقار وإذا تكلم سماه البهاء ، وهو من بيت الرسالة والامامة ومقر الوصية والخلافة.

(هجرته عليه‌السلام من المدينة الى سامراء): ـ

اشخصه المتوكل العباسي من مدينة الرسول (ص) إلى سامراء وهو في سن العشرين واكثر بقليل.

قال سبط ابن الجوزي في التذكرة : كان سبب إشخاص أبي الحسن الهادي من المدينة هو أن المتوكل العباسي عليه اللعنة والعذاب كان شديد البغض لعلي واولاده ، فبلغه مقام علي الهادي بالمدينة وميل الناس إليه ، فخاف منه وقد كتب إليه بريحة العباسي صاحب الصلاة بالحرمين بذلك ، فدعا المتوكل الخبيث بقائد من قواده هو يحيى بن هرثمة وضم إليه ثلاثمائة فارس وكتب معه كتابا لطيفا إلى علي الهادي وأمره أن يسير الى المدينة وأن يحضر الإمام.

قال يحيى : فلما وصلت مدينة الرسول وبلغ اهلها مجيئي ولأي سهب ضجوا ضجيجا عاليا ما سمع الناس بمثله خوفا على علي الهادي ، وقامت الدنيا على ساق لأنه كان محسنا إليهم ملازما للمسجد ولم يكن عنده ميل إلى الدنيا ، فجعلت أسكنهم وأحلف لهم اني لم اؤمر فيه بمكروه وأنه لا بأس عليه ، ثم فتشت منزله فلم أجد فيه إلا مصاحف وأدعية وكتب العلم ، فعظم في عيني وتوليت خدمته بنفسي وأحسنت عشرته حتى وصلت به إلى بغداد.

قال المسعودي : فخرج إسحاق بن ابراهيم وجملة القواد فتلقوه ـ وإسحاق ابن ابراهيم هو والي بغداد ـ قال يحيى : فقال لي يا يحيى إن هذا الرجل قد ولده رسول الله والمتوكل الخبيث هو من تعلم ، فان حرضته عليه قتله وكان رسول الله خصمك يوم القيامة. فقلت له: والله ما وقعت منه

٢١٢

إلا على كل امر جميل. ثم صرت إلى سر من رأى فبدأت بوصيف التركي فأخبرته بوصوله فقال : والله لئن سقطت منه شعرة لا يطالب بها سواك ، فعجبت كيف وافق قوله قول إسحاق ، فلما دخلت على المتوكل سألني فأخبرته بحسن سيرته وسلامة نيته وورعه وزهادته وانى فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم وان أهل المدينة خافوا عليه ، فأكرمه المتوكل واحسن اجازته.

وروى الناس عنه من اجوبة المسائل في الفقه وغيره من انواع العلوم الشيء الكثير ، ومن أخباره مع المتوكل ما روى ابن خلكان في الوفيات أنه سعي بالامام الهادي إلى المتوكل بأن في منزله سلاحا وكتبا من شيعته أهل قم وأنه يطلب الأمر لنفسه وأنه عازم على الوثوب ، فبعث إليه جماعة من الأتراك فهجموا على داره ليلا فوجدوه على الأرض عليه مدرعة صوف وهو جالس على الرمل مستقبل القبلة يقرأ القرآن ويترنم بآيات من الوعد والوعيد وليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل ، فحمل على حاله إلى المتوكل والمتوكل في مجلس الشراب ، فدخل الامام الهادي عليه والكأس في يد المتوكل ، فلما رآه عليه‌السلام وعظم الامام واجلسه إلى جانبه وناوله الكأس التي كانت في يده ، فقال الامام : والله ما يخامر لحمي ودمي قط فاعفني فاعفاه ، ثم قال له انشدني شعرا. فقال : اني قليل الرواية للشعر. فقال : لا بدّ ، فأنشد الأشعار التي نسبت إلى جده امير المؤمنين علي عليه‌السلام كما في ديوانه المنسوب إليه :

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم

وأودعوا حفرا يا بئسما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما رحلوا

اين الأسرة والتيجان والحلل

اين الوجوه التي كانت محجبة

من دونها تضرب الاستار والكلل

٢١٣

فافصح البر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود تنتقل

الى آخرها.

قال : فبكى المتوكل حتى بلت لحيته دموع عينيه ، وبكى الحاضرون وصرفه معظما مكرما.

(من اقواله وحكمه عليه‌السلام): ـ

من جمع لك وده ورأيه فاجمع له طاعتك.

من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره.

الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون.

من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه.

الناس في الدنيا بالاموال وفي الآخرة بالاعمال.

وقال لشخص وقد اكثر من افراط الثناء عليه : اقبل على شأنك فان كثرة الملق يهجم على الظنة ، واذا حللت من أخيك في محل الثقة فاعدل عن الملق إلى حسن النية.

المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان.

خير من الخير فاعله ، واجمل من الجميل قائله ، وارجح من العلم حامله ، وشر من الشر جالبه ، واهول من الهول راكبه.

(اولاده عليه‌السلام):

أربعة ذكور وبنت واحدة ، وهم ابو محمد الامام الحسن العسكري عليه‌السلام ، الحسين ، محمد المعروف بالسيد محمد ، ذكر في عمدة الطالب عن أبي الحسن النسابة أنه اراد أن يسافر إلى الحجاز فمات قرب الدجيل بينها وبين سامراء ستة فراسخ وله قبة عالية.

ويقول المؤلف الحاج السيد ابراهيم بن العلامة صاحب الكشف والكرامة سيد الساجدين : تشرفت بزيارته كرارا وأخيرا جدد صحنه السيد

٢١٤

محمد بن العلامة الحاج آغا حسين القمي.

ومن اولاد الامام الهادي عليه‌السلام أيضا جعفر الكذاب ومات جعفر في سنة ٢٧١ وترك مائة وعشرين ولدا كما في عمدة الطالب ، ولا يجوز لعنه كما هو دأب عوام الناس بل ورد عن الناحية المقدسة النهي عن لعن مثله مثل إخوة يوسف.

(شهادته عليه‌السلام): ـ

قال المسعودي في اثبات الوصية : اعتل ابو الحسن علي الهادي علته التي توفي فيها ، فاحضر أبا محمد ابنه واوصى إليه ثم توفي شهيدا مسموما.

قال ابن بابويه سمه المعتمد ، وقال بعض المعتز بالله بن المتوكل ، وفي اقبال السيد ابن طاوس في ادعية شهر رمضان «اللهم صل على محمد وآل محمد وصلى على علي بن محمد النقي الهادي وضاعف العذاب على من شرك في دمه» وهو المتوكل.

قال المسعودي : ولما توفي اجتمع في داره جملة بني هاشم ودفن في داره (في سامراء) ، وتاريخ وفاته يوم الاثنين سادس جمادي الثانية او الثالث من رجب سنة ٢٥٤ وعمره الشريف حين الوفاة احدى واربعون سنة وستة اشهر.

الامام الحادي عشر

ابو محمد الحسن العسكري عليه‌السلام

ابن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب صلوات الله عليهم اجمعين.

(ولادته الشريفة): ـ

هو الحادي عشر من ائمة أهل البيت عند الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ،

٢١٥

ولد بالمدينة الطيبة يوم الجمعة او الاثنين من ربيع الأول او الثامن من ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ٢٣٢ ـ المصادف ٨٤٥ ميلادي.

وشخص إلى العراق بشخوص والده إليه ، أمه أم ولد يقال لها (سوسن) او (حديثة) او (سليل). قال العلامة البحاثة السيد محسن الأمين العاملي المدفون في زينبية دمشق : هو الأصح ، ومن الممكن أنها تسمى بجميع ذلك ، وكانت من النساء الصالحات العارفات.

كنيته ابو محمد ، واشهر ألقابه العسكري ، ويلقب أيضا بالتقي والخالص والزكي ، وكان هو وابوه وجده يعرف كل واحد منهم بابن الرضا :

(صفاته عليه‌السلام): ـ

قال المفيد في الإرشاد : كان الإمام بعد أبي الحسن علي بن محمد ابنه أبا محمد الحسن بن علي لاجتماع خلال الفضل فيه وتقدمه على كافة أهل عصره فيما يوجب له الإمامة ويقتضي له الرئاسة من العلم والزهد وكمال العقل والعصمة والشجاعة والكرم وكثرة الأعمال المقربة إلى الله جل اسمه ، ثم لنص أبيه عليه واشارته بالخلافة إليه.

ثم اورد جملة من الأخبار الدالة على نص أبيه بالامامة من بعده ، ويظهر من الروايات أن أبا الحسن العسكري وأخاه الحسين بن علي يسميان بالسبطين تشبيها لهما بجديهما السبطين الحسن والحسين عليهما‌السلام.

وقال القطب الراوندي في الخرائج : كان الحسن العسكري عليه‌السلام اخلاقه كأخلاق رسول الله ، وكان رجلا اسمر حسن القامة جميل الوجه وجيه البدن حديث السن ، له جلالة وهيبة حسنة يعظمه العامة والخاصة اضطرارا يعظمونه لفضله ويقدمونه لعفافه وصيانته وزهده وعبادته وصلاحه واصلاحه ، وكان جليلا خارقة للعادة على طريقة واحدة.

وفي جملة من الروايات أن المعتمد كان قد حبس أبا محمد الحسن

٢١٦

العسكري عليه‌السلام.

روى الشيخ المفيد بسنده عن الكليني أنه دخل العباسيون على صالح ابن وصيف عند حبس أبي محمد فقالوا له : ضيق عليه ولا توسع. فقال لهم : ما اصنع به وقد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى امر عظيم ، ثم امر باحضار الموكلين فقال لهما : ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا : ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة ، فاذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من انفسنا ، فلما سمع العباسيون ذلك انصرفوا خائبين.

وبسنده أنه حبس ابو محمد الحسن العسكري عند علي بن اوتاش ، وكان شديد العداوة لآل محمد غليظا على آل أبي طالب ، فما اقام الا يوما حتى وضع خديه له وكان لا يرفع بصره إليه اجلالا له واعظاما ، وخرج من عنده وهو احسن الناس بصيرة واحسنهم فيه قولا.

وفي موسوعة العتبات المقدسة ناقلا عن أعيان الشيعة قال : روى الكليني في الكافي والصدوق في كمال الدين بسنديهما عن جماعة قالوا : حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين ٢٧٨ بعد وفاة الحسن العسكري عليه‌السلام بثماني عشرة سنة او اكثر مجلس احمد بن عبد الله بن خاقان ، وهو عامل السلطان يومئذ على الخراج والضياع بكورة قم ، وكان شديد النصب والانحراف عن اهل البيت ، فجرى في مجلسه ذكر المقيمين من آل أبي طالب (بسامراء) ومذاهبهم وصلاحهم واقدارهم عند السلطان ، فقال : ما رأيت ولا أعرف بسر من رأى رجلا من العلوية مثل الحسين بن علي ابن محمد بن علي الرضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وبني هاشم كافة وتقديمهم اياه على ذوي السن منهم والخطر.

٢١٧

وكذلك حاله عند القواد والوزراء والكتاب وعامة الناس ، كنت يوما قائما على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس اذ دخل حجابه فقالوا : ابو محمد بن الرضا بالباب ، فقال بصوت عال : ائذنوا له. فتعجبت منه ومنهم من جسارتهم أن يكنوا رجلا بحضرة أبي ولم يكن عنده الا خليفة او ولي عهد او من امر السلطان أن يكنى ، فدخل رجل اسمر أعين حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حديث السن له جلالة وهيبة حسنة ، فلما نظر إليه ابي قام فمشى إليه خطوات ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقواد واولياء العهد ، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره ومنكبيه وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه ، وجلس إلى جنبه مقبلا عليه بوجهه وجعل يكلمه ويفديه بنفسه وابويه ، وأنا متعجب مما ارى منه اذ دخل الحاجب فقال : جاء (الموفق) وهو أخو المعتمد الخليفة العباسي ، وكان الموفق اذا دخل على أبي تقدمه حجابه وخاصة قواده فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ، ويخرج فلم يزل أبي مقبلا على أبي محمد يحدثه حتى نظر إلى غلمان الموفق فقال له حينئذ : إذا شئت جعلني الله فداك أبا محمد. ثم قال لحجابه : خذوا به خلف السماطين حتى لا يراه هذا ـ يعني الموفق ـ فقام وقام أبي فعانقه ومضى. فقلت لحجاب أبي وغلمانه : ويحكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبي وفعل به أبي هذا الفعل؟ فقالوا : هذا علوي يقال له الحسن بن علي ويعرف بابن الرضا ، فازددت تعجبا ولم ازل يومي ذلك قلقا متفكرا في أمره وامر أبي وما رأيته منه حتى كان الليل ، وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه إلى السلطان ، فلما صلى وجلس جئت فجلست بين يديه فقال : ألك حاجة؟ فقلت : نعم فان اذنت سألتك عنها. قال : أذنت. قلت : من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت

٢١٨

من الاجلال والكرامة وفديته بنفسك وابويك؟ قال : يا بني ذاك امام الرافضة الحسن بن علي المعروف بابن الرضا ، وسكت ساعة ثم قال : لو زالت الامامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله وعفافه وصيانته وزهده وعبادته وجميل اخلاقه وصلاحه ، ولو رأيت أباه رأيت رجلا جزلا نبيلا فاضلا ، فازددت قلقا وتفكرا وغيظا على أبي وما سمعته منه فيه ورأيته من فعله به ، فلم تكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن امره ، فما سألت احدا من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عندهم في غاية الاجلال والإعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه ، فعظم قدره عندي اذ لم ار له وليا ولا عدوا إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه.

فقال له بعض من حضر مجلسه من الأشعريين : فما حال أخيه جعفر؟ فقال : ومن جعفر فيسأل عن خبره او يقرن به ، ولقد ورد على السلطان واصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه وما ظننت أنه يكون ، وذلك أنه لما اعتل الحسن بعث إلى أبي أن الرضا (ع) قد اعتل ، فركب من ساعته إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلا ومعه خمسة من خدم امير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته فيهم (تحرير) وأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرف حاله ، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعهده صباحا ومساء ، فلما كان بعد ذلك بيومين او ثلاثة أخبر أنه قد ضعف ، فركب حتى بكر إليه وأمر الأطباء بلزوم داره ، وبعث إلى قاضي القضاة وامره أن يختار عشرة ممن يوثق به في دينه وورعه وامانته ، فبعث بهم إلى دار الحسن وامرهم بلزومه ليلا ونهارا ، فلم يزالوا هناك حتى توفي ، فلما ذاع خبر وفاته صارت (سر من رأى) ضجة واحدة

٢١٩

مات ابن الرضا ، ثم اخذوا في تجهيزه وعطلت الأسواق وركب بنو هاشم والقواد والكتاب والقضاة والمعدلون وسائر الناس إلى جنازته ، فكانت سر من رأى يومئذ شبيها بالقيامة ، فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى ابي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه ، واراد جعفر الكذاب أن يصلي عليه فاذن خرج الحجة عجل الله فرجه الشريف وقال : يا عم تأخر أنا أولى بالصلاة على أبي ، وصلى ودفن في البيت الذي فيه أبوه ، وقد سمه المعتمد بن متوكل بن هارون الرشيد.

(من اقواله وحكمه): ـ

قال : من الفواقر التي تقصم الظهر جار إن رأى حسنة أطفاها وإن رأى سيئة أفشاها.

حب الأبرار ثواب للأبرار ، وحب الفجار للأبرار فضيلة للأبرار ، وبغض الفجار للأبرار زين للأبرار ، وبغض الأبرار للفجار خزي على الفجار وقال لشيعته : أوصيكم بتقوى الله ، والورع في دينكم ، والاجتهاد لله ، وصدق الحديث ، واداء الامانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد ، صلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدوا حقوقهم ، فان الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل هذا شيعي فيسرني ذلك ، فاتقوا الله وكونوا زينا ولا تكونوا شينا ، جروا إلينا كل مودة وادفعوا عنا كل قبيح ، فانه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله وما قيل من سوء فما نحن كذلك لنا حق في كتاب الله وقرابة من رسول الله وتطهير من الله.

من مدح غير المستحق فقد قام مقام المتهم.

وقال أيضا : لا يعرف النعمة إلا الشاكر ، ولا يشكر النعمة إلا

٢٢٠