عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣١١

بيتا في الاسلام بتزوجها برسول الله ، وكان يذكرها دائما ويمدحها ويقول : آمنت بي حين كذبني الناس ، وواستني بمالها حين حرمني الناس ، ورزقت منها الولد وحرمت من غيرها.

(٢) سودة بنت زمعة ، وكانت تحت ابن عمها ثم قدما مكة فمات بها ولم يعقب فتزوجها رسول الله.

(٣) عائشة بنت ابي بكر ، وتزوجها على رأس ثمانية اشهر من الهجرة ، ولم يتزوج بكرا غيرها ، وماتت وقد قاربت سبعا وستين سنة في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين في ولاية مروان بن الحكم على المدينة ، وذلك في خلافة معاوية

(٤) حفصة بنت عمر بن الخطاب ، وأمها زينب اخت عثمان بن مظعون وكانت أولا تحت خنيس بن حذافة فتوفى عنها بجراحة اصابته ببدر.

(٥) زينب بنت خزيمة ، وكانت تدعى في الجاهلية أم المساكين لرأفتها وإحسانها إليهم ، كانت قبله تحت الطفيل بن الحرث فطلقها فتزوجها أخوه عبيدة ابن الحرث فقتل يوم بدر شهيدا فخطبها النبي (ص) فجعلت امرها إليه فتزوجها وذلك على رأس واحد وثلاثين شهرا من الهجرة ، فمكثت عنده ثلاثة اشهر ثم توفيت وصلى عليها رسول الله (ص) ودفنت بالبقيع وقد بلغت ثلاثين سنة ولم يمت من ازواجه في حياته إلا هي وخديجة.

(٦) أمّ سلمة ، اسمها هند بنت ابي امية المخزومي المعروف بزاد الراكب ، وهو أحد أجواد قريش ، وأمها عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي (ص) ، وقبل أن يتزوجها رسول الله كانت تحت ابي سلمة بن عبد الأسد ، وكانت هي وزوجها اوّل من هاجر إلى ارض الحبشة ، فولدت له هناك عمر وسلمة ، وتزوج بها النبي (ص) في السنة الثانية من الهجرة بعد وقعة بدر ، وعاشت اربع وثمانين سنة ودفنت بالبقيع ، وهي آخر من مات من زوجاته.

١٢١

(٧) زينب بنت جحش ، وكان اسمها برة فسماها زينب (١) وكانت قبل عند مولاه (ص) زيد بن حارثة ثم طلقها فلما انقضت عدتها تزوجها سنة اربع من الهجرة ، وهي بنت خمس وثلاثين سنة.

(٨) جويرية بنت الحرث من بني المصطلق سبيت في غزوة بني المصطلق فكان اسماها برة فسماها رسول الله جويرية ، وكانت قبل رسول الله عند مصافع ابن سفوان ، وتوفيت بالمدينة سنة ست وخمسين.

(٩) ريحانة بنت يزيد من بين النظير ، وقعت في سبي قريظة فخيرها بين الاسلام ودينها فاختارت الاسلام فأعتقها الرسول وتزوجها سنة ست.

(١٠) أمّ حبيبة ، وهي ارملة بنت ابى سفيان بن حرب ، وتزوجت من عبيد منة؟؟؟ بن جحش قبل الإسلام ثم دخلا معا في الإسلام وهاجرا معا إلى أرض الحبشة ومات عبيد الله في الحبشة فأعطاها النجاشي ملك الحبشة عشرة آلاف درهم مهرا وبعث بها للنبي فتزوجها سنة سبع وماتت سنة اربع وأربعين.

(١١) صفية بنت حي بن اخطب سيد بني النظير قتل مع بني النظير ، وكانت عند سلام بن مشكم ثم خلف عليها كنانة بن ابي الحقيق وقتل عنها يوم خيبر ولم تلد لأحد منهما ، واصطفاها رسول الله (ص) لنفسه فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها.

(١٢) ميمونة بنت الحرث ، وكانت اسمها برة فسماها النبي (ص) ميمونة وهي اخت زوجة العباس بن عبد المطلب ، فهي خالة عبد الله بن عباس ، واختها اسماء بنت عميس وسلمى بنت عميس وزينت بنت خزيمة أم المؤمنين لأمها ، وماتت سنة إحدى وخمسين على الأصح ، وبلغت ثمانين سنة من العمر ، وهي آخر زوجاته اللاتي تزوج بهن.

__________________

(١) هي اوّل نسائه لحوقا به ، ماتت بالمدينة سنة عشرين ودفنت بالبقيع ولها من العمر ثلاث وخمسون سنة.

١٢٢

(أولاده):

لم يولد للنبي غير خمسة اولاد أربعة ذكور وواحدة بنت ، وكلهم من خديجة بنت خويلد إلا ابراهيم فانه من مارية القبطية ، وهم : القاسم ، وعبد الله ، والطيب ، وابراهيم ، وفاطمة الزهراء عليها‌السلام :

اكبر اولاد النبي (ص) وأولهم هو القاسم ، وبه كان يكنى ، ولد من خديجة قبل البعثة وعاش سنتين وقيل سنة ونصف سنة ، وقد عد البعض زينب ورقية وأمّ كلثوم من اولاده (ص) فلا اساس لهذا المطلب ولنا فيه مطالب لا مجال لذكرها. واما عبد الله فقد مات بمكة صغيرا ، وهو الذي يلقب بالطاهر والطيب ولد بمكة ومات بها. واما ابراهيم فأمه مارية القبطية ، ولد سنة ثمان من الهجرة في ذي الحجة ومات صغيرا وهو ابن سنة وعشرة اشهر. وتوفيت هي في خلافة عمر سنة ست عشرة ودفنت بالبقيع ، وكل اولاد النبي (ص) ولدوا بمكة إلا ابراهيم فانه ولد بالمدينة ، وكلهم ماتوا في حياة النبي (ص) ولم يخلف إلا السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، وسيجيء ذكر حالاتها بعيد هذا.

(وفاته):

قال ابن الأثير في (الكامل) عند ذكر أحداث سنة احدى عشرة من الهجرة : في المحرم من هذه السنة بعث النبي (ص) بعثا إلى الشام وأميرهم أسامة ابن زيد مولاه ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء من أرض فلسطين ، فتكلم المنافقون في إمارته وقالوا : أمر غلاما على جلة المهاجرين والأنصار. فقال رسول الله (ص) : إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة ابيه من قبل ، وانه لخليق للامارة وكان ابوه خليقا لها. وأوعب مع اسامة المهاجرين الأولين منهم ابو بكر وعمر ، فبينما الناس على ذلك ابتدأ برسول الله (ص) مرضه ، وذلك في أواخر صفر في بيت زينب بنت جحش ، وكان يدور على نسائه حتى اشتد مرضه في بيت ميمونة.

١٢٣

قال : ولما اشتد برسول الله (ص) وجعه ونزل به الموت جعل يأخذ الماء بيده ويجعله على وجهه ويقول : وا كرباه. فتقول فاطمة عليها‌السلام وا كربي لكر بك يا ابتي. فيقول رسول الله: لا كرب على ابيك بعد اليوم توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ولا خلاف في ذلك.

وكانت وفاته يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شهر صفر من السنة الحادية عشرة من الهجرة سنة ٦٣٣ ميلادية على ما ذهب اكثر الامامية الاثنا عشرية. وقال الشيخ الكليني منهم أنه (ص) قبض لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول. وقال غير واحد أن وفاته كانت في اوّل ربيع الأول ، وعن بعضهم في ثامنه ، وعن بعضهم في الثامن عشر منه ، والحق هو القول الأول.

فاطمة الزهراء سلام الله عليها

(ولادتها):

ولدت فاطمة بنت رسول الله (ص) بمكة المكرمة يوم الجمعة العشرين من جمادى الآخرة بعد البعثة النبوية بسنتين ، وقيل بعد النبوة بخمس سنين. وفي (الاستيعاب) ولدت سنة احدى واربعين من مولد النبي (ص) أي بعد المبعث بسنة ـ وقال اكثر من واحد إن مولدها قبل المبعث بخمس سنين ، والقول الأول اظهر لتسالمهم على أنها كانت عند الهجرة بنت ثماني سنين.

وهي أعز أولاد رسول الله (ص) عنده واحبهن إليه ، وانقطع نسله إلا منها ، ولحبه لها أنه كان يدعوها يا حبيبة ابيها ، وسماها فاطمة الزهراء ولقبها بالزهراء والبتول ، والبتل هو القطع لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا ، وقيل لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى.

اقامت مع ابيها بمكة ثماني سنين ، ثم هاجرت إلى المدينة على اثر هجرة ابيها ، وتزوجها علي (ع) في المدينة ، ولما توفي النبي (ص) قيل إن عمرها كان ثماني عشرة سنة ، وقال بعضهم بل كان عمرها ثماني وعشرين سنة.

١٢٤

كان النبي (ص) يشهد بحقها ويعلن بفضلها ويقول «فاطمة بضعة منى فمن أغضبها فقد أغضبني» ويقول «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما اغضبها» أخرجه على اختلاف الفاظه أئمة (الصحاح) الست وعدة أخرى من رجال الحديث في السنن والمسانيد والمعاجم.

وروى الصدوق في (الامالي) باسناده عن ابن عباس قال : إن رسول الله كان جالسا ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : اللهم تعلم أن هؤلاء أهل بيتي واكرم الناس علي فأحب من احبهم وابغض من أبغضهم ووال من والاهم وعاد من عاداهم وأعن من أعانهم واجعلهم مطهرين من كل دنس معصومين من كل ذنب وأيدهم بروح القدس منك.

وأخرج احمد بن حنبل في مسنده وابو داود في الاستيعاب إن النبي (ص) قال : أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران. وقال : خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد (ص).

وعلى ضوء ذلك قال امير الشعراء أحمد شوقي في مدح الزهراء عليها‌السلام

ما تمنى غيرها نسلا ومن

يلد الزهراء يزهد في سواها

ويقول الآخر مفاخرا :

فما كل جد في الرجال محمد

ولا كل أم في النساء بتول

(ملكاتها ومواهبها):

قد روى المؤرخون عن ملكات الزهراء ومواهبها الشيء الكثير ، وكانت خطبتها في مجلس الخليفة ابي بكر وهي تطالب برد فدك لها باعتبارها إرثا تلقته من ابيها تتضمن شواهد كثيرة على طوائف من الملكات والمواهب ، فقد حضرت مجلس المناقشة ، وبعد أن حمدت الله وشكرته واثنت عليه قالت :

«واشهد أن ابي محمدا عبده ورسوله ، اختاره وانتخبه قبل أن أرسله ،

١٢٥

وسماه قبل أن اجتباه ، واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة وبنهاية العدم مقرونة ، علما منه بمآل الأمور واحاطة بحوادث الدهور ومعرفة بمواقع المقدر ، ابتعثه الله إتماما لأمره وعزيمة على امضاء حكمه وانقاذا لمقادير حتمه ، فرأى الأمم فرقا في أديانها عكفا على نيرانها عابدة لأوثانها منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي محمد ظلمها وكشف عن القلوب بهمها وجلا عن الأبصار غممها ، وقام في الناس بالهداية وانقذهم من الغواية وبصرهم من العماية وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الصراط المستقيم ، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ورغبة وايثار».

إلى أن قالت «وهذا كتاب الله بين اظهركم ، اموره ظاهرة واحكامه زاهرة واعلامه باهرة وزواجره لائحة وأوامره واضحة ، لقد خلفتموه وراء ظهوركم ، أرغبة عنه تريدون أم بغيره تحكمون؟».

إلى أن تقول : «وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي ، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون» ثم قالت : «أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ يقول (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) وقال تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) وقال (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وقال (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) والخطبة طويلة ، وقد كتب العلماء والمؤلفون في بيان خطبة فاطمة عليها‌السلام كتب كثيرة.

ومن جواب الخليفة ابي بكر لفاطمة الزهراء تتجلى قيمة الزهراء عليها‌السلام في العالم الاسلامي ومنزلتها في النفوس ، إذ قال ابو بكر في جوابها : يا ابنة رسول الله لقد كان ابوك بالمؤمنين عطوفا كريما رءوفا رحيما وعلى الكافرين عذابا أليما وعقابا عظيما ، فان عزوناه وجدناه أباك دون النساء وأخا الفك

١٢٦

دون الاخلاء ، آثره على كل حميم وساعده في كل امر جسيم ، لا يحبكم إلا كل سعيد ولا يبغضكم إلا كل شقي ، فأنتم عترة رسول الله الطيبون والخيرة المنتخبون ، على الخير أدلتنا وإلى الجنة مسالكنا ، وانت يا خيرة النساء وابنة الأنبياء صادقة في قولك سابقة في وفور عقلك غير مردودة عن حقك ولا مصدودة عن صدقك ، والله ما عدوت رأي رسول الله (ص) ولا عملت إلا باذنه ، وان الرائد لا يكذب أهله ، فانى أشهد الله وكفى به شهيدا أني سمعت رسول الله يقول «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وانما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه» ورواها المرتضى في الشافي عن أبي الفضل احمد بن أبى طاهر البغدادي في كتاب بلاغات النساء وابن ابي الحديد في شرح النهج.

وفي رواية للمسعودي أن أبا بكر قد قال في آخر أيامه : ثلاث فعلتها ووددت اني تركتها ، وعد في جملتها تفتيش بيت فاطمة ، وذكر في ذلك كلاما طويلا ، وفي رواية الطبري اظهر ابو بكر اسفه على أنه لم يعطها (فدكا).

(أولادها):

الحسن المجتبى ، والحسين السبط ، ومحسن السقط ، وزينب الكبرى عقيلة بني هاشم ، وأمّ كلثوم.

(وفاتها):

تعددت الأقوال في مدة بقائها بعد أبيها هل هي أربعون يوما أو خمسة وسبعون او خمسة وتسعون او اكثر من ذلك من نحو مائة يوم او أربعة اشهر او ستة او ثمانية أشهر ، وقد اتفق الجميع على أن عمرها بعد ابيها لم يكن اكثر من ثمانية أشهر ولا بأقل من أربعين يوما.

والذي نختاره هو أنها مكثت بعد ابيها خمسة وتسعين يوما ، وقبضت في ثالث جمادى الآخرة ، فلما توفيت غسلها امير المؤمنين علي (ع) وصلى عليها

١٢٧

ودفنها ليلا ولم يشهد جنازتها سوى علي وخواصه والحسنين (ع) وبعض بني هاشم ودفنها ليلا لوصية منها إليه (ع).

وسوى علي قبرها مع الأرض ، وقيل سوى حواليها قبورا مزورة قدر سبعة حتى لا يعرف قبرها ، ولذلك اختلفت للروايات والأخبار في موضع قبرها فقيل دفنت في بيتها ، وقيل في البقيع ، وقيل بين القبر والمنبر.

وفي زيارتها تقول «السلام عليك أيتها المعصومة المظلومة المقهورة المغصوب حقها الممنوع ارثها المكسور ضلعها المظلوم بعلها المقتول ولدها ، السلام عليك ايتها المظلومة وإن من سرك فقد سر رسول الله (ص) ومن جفاك فقد جفا رسول الله (ص) ومن آذاك فقد آذى رسول الله.

في صحيح مسلم في كتاب الامارة روى بسندين عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش. ورواه احمد بن حنبل أيضا في مسنده ج ٥ ص ٨٩.

الامام الأول

امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام

(ولادته):

ولد يوم الجمعة ثالث عشر رجب الحرام بعد عام الفيل بثلاثين عاما ، وكان مولده في البيت الحرام بمكة المكرمة ، وقول آخر أنه ولد لسبع خلون من شعبان وفي الأشهر الأولى من سنة ٦٠٠ م.

قال الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ٤٨٣ : قد تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة وقد وافقه على ذلك النص من أفذاذ علماء اهل السنة شاه ولي الله احمد بن عبد الرحيم

١٢٨

المحدث الدهلوي والد عبد العزيز الدهلوي في كتابه ازالة الخلفاء قال : قد تواترت الأخبار أن فاطمة بنت اسد ولدت امير المؤمنين عليا في جوف الكعبة ، فانه ولد في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة ولم يولد فيها أحد سواه قبله ولا بعده.

الحافظ ابو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد القرشي ذكر في كتابه (كفاية الطالب) اخبرنا الحافظ ابو عبد الله محمد بن محمود النجار بقراءتي عليه ببغداد ، قلت له قرأت على الصفار بنيسابور ، اخبرتني عمتى عائشة ، أخبرنا ابن الشيرازي ، اخبرنا الحاكم ابو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيشابوري ، قال : ولد امير المؤمنين علي بن ابي طالب بمكة في بيت الله الحرام ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه اكراما له بذلك واجلالا لمحله في التعظيم.

وقال شهاب الدين ابو الثناء السيد محمود الآلوسي المفسر في شرح عينية عبد الباقي افندي العمري ص ١٥ عند قول الناظم :

أنت العلي الذي فوق العلى رفعا

ببطن مكة عند البيت إذ وضعا

وفي كون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت امر مشهور في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة ـ إلى قوله ـ ولم يشتهر وضع غيره كرم الله وجهه كما اشتهر وضعه ، وأحرى بامام الأئمة أن يكون وضعه في موضع هو قبلة للمؤمنين ، سبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو احكم الحاكمين.

ومما يؤكد ما قاله الآلوسي ما ذكره السيد حيدر بن علي الحسني العبدلي في كتابه (الكشكول) أنه ولد في الكعبة بالحرم الشريف ، فكان شرف مكة وأصل بكة لامتيازه بولادته في المقام المنيف ، فلم يسبقه أحد ولا يلحقه أحد بهذه الكرامة ولا بلغ أحد ما بلغ من السيادة والنباهة عامة ، وهو بالأصالة صاحب الامامة الابراهيمية ـ انتهى كلامه.

١٢٩

وقال العالم السيد محمد الهادي ابن اللوحي الموسوي الحسيني في كتابه (اصول العقائد وجامع الفوائد) كان مولده عليه‌السلام في جوف الكعبة على ما روت السنة والشيعة ، ولم يشرف المولى سبحانه أحدا من الأنبياء والأوصياء بهذا الشرف فهو مخصوص به سلام الله عليه. ذكره الأوردبادي في كتابه علي وليد الكعبة صفحة ٤ و٥.

قال الأوردبادى في كتابه المذكور : شهرة الولادة بين الامة مما يقرب من هذا نظم السيد الحميري المتوفى سنة ١٧٩ على ما جاء في المناقب لابن شهرآشوب :

ولدته في حرم الاله وامنه

والبيت حيث فناؤه والمسجد

بيضاء طاهرة الثياب كريمة

طابت وطاب وليدها والمولد

في ليلة غابت نحوس نجومها

وبدا مع القمر المنير الأسعد

ما لف في خرق القوابل مثله

إلا ابن آمنة النبي محمد

وفي روضة الصفا الناصري للمؤرخ الشهير رضا قلي خان هدايت ج ١٠ ان المحقق أنه لما عادت فاطمة بنت أسد صدفا لذلك الجوهر الملوكي ظهرت لها من أمارات السعود ما أخبتت بعظمة الحمل الذي كان في بطنها ، ولقد بشر به أبا طالب مثرم بن رعيب بن سقيام من رهبان المسيحيين الالهيين ، وكان يسكن جبل لكام من جبال الشام الذي كان معبدا للمرتاضين ، ولقد عمر مائة وتسعين عاما ، ولما انتهت أيام حملها قصدت الكعبة يوما فانشق لها الجدار ودخلته فالتأمت الفتحة ، وتعجب العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب وبقية الحضار وتعذر عليهم فتح الباب والدخول عليها حتى خرجت هي في اليوم الرابع وابنها على يدها وهي مباهية به ، فوافى ابو طالب ودخل معها البيت ووجد لوحا فيه هذان البيتان :

خصصتما بالولد الزكي

والطاهر المنتجب الرضي

إن اسمه من شامخ على

علي اشتق من العلي

١٣٠

يقال : إن هذا اللوح كان معلقا بمكة حتى أخذه عبد الملك ، فولد ولي الله سلام الله عليه في البيت على الرخامة الحمراء «بي شبهه علي است خان زاد معبود»

قال العلامة الورع الشيخ حسين نجف في ديوانه المخطوط :

جعل الله بيته لعلي

مولدا يا له من علا لا يضاهى

لم يشاركه في الولادة فيه

سيد الرسل لا ولا انبياها

إلى أن قال :

فاكتست مكة بذاك افتخارا

وكذا المشعران بعد مناها

بل به الأرض قد علت إذ حوته

فغدت أرضها عطاف سماها

أو ما تنظر الكواكب ليلا

ونهارا تطوف حول حماها

وإلى الحشر في الطواف عليه

وبذاك الطواف دام بقاها

وللمولى محمد مسيح المعروف بمسيحا الفسوي الشيرازي من قصيدة يمدح بها امير المؤمنين (ع) :

ما كان ربا ولكن ليس من بشر

وليس يشغله شأن عن الشأن

هو الذي كان بيت الله مولده

فطهر البيت من أرجاس أوثان

هو الذي من رسول الله كان له

مقام هارون من موسى بن عمران

هو الذي صار عرش الرب ذا شنف

إذ صار قرطيه ابناه الكريمان

وللشاعر الميرزا عباس دامغاني المتخلص بنشاط بالفارسية :

أي زاده تو در ميان كعبه

از مادر پاك جان كعبه

أي كعبه شرف گرفته از تو

نه تو شرف از ميان كعبه

أي بنده خانه زاد ايزد

وى خواجه بندگان كعبه

أي قدوه خاندان طه

أي نخبه دودمان كعبه

أي از شرف ولادت تو

طوقي كه براستان كعبه

ولسيد فلاسفة الإسلام السيد محمد باقر الحسيني الأسترآبادي الشهير (بالداماد)

١٣١

أبيات فارسية ضمنها قصة الميلاد الشريف بكل صراحة منها قوله :

در مرحله علي نه چون است ونه چند

در خانه حق زاده بجانش سوگند

بي فرزندي كه خانه زادى دارد

شك نيست كه باشدش به جاى فرزند

وله (قدس‌سره) :

در كعبه قل تعالوا از مام كه زاد

از بازوي باب حطه خيبر كه گشاد

به ناقه لا يؤدي عني كه نشست

بر دوش نبى پاى گرامي كه نهاد

(والده):

ابوه ابو طالب شيخ البطحاء ، واسمه عبد مناف ، ويكنى بأبي طالب اكبر ولده ، وهو اخو عبد الله ابي النبي (ص) لأمه وابيه.

رحمك الله يا أبا طالب

لقد دافعت عن ابن أخيك دفاع المستميت وجاهدت في سبيل الإسلام جهاد الأبطال ، وصلت وجلت في ميادين الذب عن الدين وهو بعد رضيع في مهده صولات كلها ايمان واخلاص وجولات بأس وعزم ، وكافحت اقطاب المشركين من زعماء القبائل وشيوخها كفاحا مرا لا هوادة فيه ، وآمنت بالله وبالدين الذي جاء به محمد (ص) ايمانا حقا لا يخالجه شك ولا تتنازعه شبهة ، أجل ما ذا كان جزاؤك من هؤلاء؟؟

لقد قال بعضهم بكفرك وشركك ، وقام آخرون بوضع الأحاديث المزورة المثبتة لذلك ، وانبرى آخرون فقالوا ما قالوا كأنهم لم يسمعوا من تاريخك خبرا ولم يستقروا له اثرا ولم يقرءوا ما زخرت به كتب الأدب ومجاميع الشعر ومعاجم التاريخ من آثارك وأخبارك واشعارك وجهادك وجلادك وتضحيتك ، لقد قالوا ويا إفك ما قالوا وللباطل جولة وللظلم صولة وللحق دولة.

قال الشيخ المفيد في كتابه ايمان ابي طالب : فمن الدليل على ايمان ابى طالب رضي الله عنه ما اشتهر عنه من الولاية لرسول الله (ص) والمحبة والنصرة ، وذلك

١٣٢

ظاهر معروف ولا يدفعه إلا جاهل ولا يجحده إلا مباهت معاند. ومن الدليل قوله في تصديق النبي (ص) :

ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعني بقول الأباطل

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يطوف به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في عصمة وفواضل

وقد أجمع أهل السير أيضا ونقلة الأخبار أن أبا طالب (ع) لما فقد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الاسراء جمع ولده ومواليه وسلم إلى كل رجل منهم مدية وأمرهم أن يباكروا الكعبة فيجلس كل رجل منهم إلى جانب رجل من قريش ممن كان يجلس في الكعبة ـ وهم يومئذ سادات أهل البطحاء ـ فان أصبح ولم ير للنبى (ص) خبرا او سمع فيه سوء اومأ إليهم بقتل القوم ، ففعلوا ذلك. واقبل رسول الله (ص) مع طلوع الشمس فلما رآه ابو طالب قام إليه مستبشرا فقبل بين عينيه وحمد الله على سلامته. ثم قال : والله يا ابن أخي لو تأخرت عني لما تركت من هؤلاء عينا تطرف وأومأ إلى الجماعة الجلوس بفناء الكعبة من سادات قريش بيده عند قوله «هؤلاء» ثم قال لولده ومواليه : أخرجوا أيديكم من تحت ثيابكم. فلما رأت قريش ذلك انزعجت له ورجعت على ابي طالب بالعتب والاستعطاف فلم يحفل بهم.

ولم يزل رسول الله (ص) عزيزا ما كان ابو طالب حيا ، ولم يزل به ممنوعا من الأذى معصوما حتى توفاه الله ، نزل جبرئيل فقال : يا رسول الله أخرج عن مكة فقد مات ناصرك.

وأمه فاطمة بنت اسد بن هاشم ، فهو اوّل هاشمي ولد بين هاشميين ، ولقد كانت فاطمة بنت أسد لرسول الله بمنزلة الأم ، لأنه (ص) ربي في حجرها وهو ابن ثماني سنين ، وكان شاكرا لبرها ويسميها (أمي) ، فقد كانت تفضله على أولادها في البر ، وكانت من سابقات المؤمنات إلى الايمان ، هاجرت مع رسول الله الى المدينة ، ولما توفيت كفنها رسول الله (ص) بقميصه ليدرأ به

١٣٣

عنها هوام الأرض وأمر من يحفر قبرها فلما بلغوا لحدها حفره بيده ، واضطجع رسول الله فيه وقال : اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ، ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها. فقيل : يا رسول الله رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه بأحد قبلها؟ فقال : ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة» واضطجعت فى قبرها ليوسعه الله عليها وتأمن من ضغطة القبر ، انها كانت من أحسن خلق الله صنعا إلي بعد ابى طالب.

(اسمه وكناه):

سماه ابو عليا ، ويكنى أبا الحسنين وأبا السبطين وأبا تراب ، وهي احب كناه إليه لكون النبي (ص) كناه بها حين رآه ساجدا معفرا وجهه في التراب قال أنت ابو تراب ، وقيل في سبب هذه الكنية أن النبي (ص) قال له : يا علي اوّل من ينفض التراب عن رأسه أنت. قال الكميت الأسدي :

وقالوا ترابي هواه ودينه

بذلك ادعى بينهم وألقب

نشأ في حجر رسول الله وتأدب بآدابه وربي بتربيته ، ولما أصاب اهل مكة جدب (قحط) شديد أخذ النبي (ص) عليا من أبيه واخذ حمزة جعفرا واخذ العباس طالبا ليخففوا عن ابي طالب وابقى ابو طالب عنده عقيلا ، فلم يزل علي مع رسول الله (ص) حتى بعثه الله بالنبوة فكان اوّل من آمن به واتبعه وصدقه.

(مدة اقامة علي في مكة):

أقام مع النبي (ص) بمكة ثلاثا وعشرين سنة وعشر سنين بالمدينة بعد الهجرة يشاركه اكثر محنه ويشاطره جل اعماله ويتحمل عنه اكبر اثقاله ، وقد باشر الحرب وهو ابن ثلاث وعشرين سنة ، وعاش بعد النبي (ص) ثلاثين سنة فيكون عمره ثلاثا وستين سنة كعمر رسول الله ، وهذا هو المشهور بين الامامية.

(صفاته):

كان علي (ع) ربعة من الرجال ادعج العينين عظيمها عظيم البطن إلى

١٣٤

السمن شثن الكفين عظيم الكراديس أصلع ليس في رأسه شعر الا من خلفه كثير شعر اللحية ، وكان لا يخضب ، والمشهور أنه كان ابيض اللحية ، وكان اذا مشى تكفأ شديد الساعد واليد قويا ما صارع احدا إلا صرعه.

وفي الكامل لابن الأثير الجزرى : وكان من احسن الناس وجها ولا يغيره شيبه كثير التبسم.

وقال ابن ابى الحديد في مقدمة شرح النهج : اما شجاعة علي فانه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله ومحا اسم من يأتي بعده ، ومقاماته في الحرب مشهورة يضرب بها المثل إلى يوم القيامة ، وهو الشجاع الذي ما فر قط ولا ارتاع من كتيبة ولا بارز إلا مثله ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت الأولى الى ثانية.

وفي الحديث كانت ضرباته وترا ، ولما دعا معاوية إلى المبارزة ليستريح الناس من الحرب بقتل احد هما قال له عمرو بن العاص : لقد انصفك. فقال معاوية : ما غششتني منذ نصحتني إلا اليوم ، أتأمرني بمبارزة ابي الحسن وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق ، اراك طمعت في إمارة الشام بعدي.

وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته ، فأما قتلاه فافتخار رهطهم بأنه قد قتلهم اظهر واكثر ، قالت أخت عمرو بن عبد ود ترثيه وتفتخر بأن قاتله سيد شجعان العرب :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

لكنت ابكي عليه دائم الأبد

لكن قاتله من لا يعاب به

ابوه قد كان يدعى بيضة البلد

وجملة الأمر أن كل شجاع في الدنيا إليه ينتهى وباسمه ينادي في مشارق الأرض ومغاربها ، وتالله لو تجسمت الشجاعة وتمثلت في شخص لكان ذلك الشخص هو أمير المؤمنين ، بل لو عرف قدماء اليونان لاتخذوه إلها للشجاعة في جملة آلهتهم التي عبدوها. ومن سبر حاله في غزواته مع النبي (ص) عرف صحة ما يقول. وقد تقدمت اوصافه (ع) في الامامة مفصلا.

١٣٥

قال شمس الدين محمد بن طولون في تاريخ الأئمة الاثنا عشر : وهاجر علي (ع) إلى المدينة ، واستخلفه النبي (ص) حين هاجر من مكة إلى المدينة أن يقيم بعده بمكة اياما حتى يؤدى عنه امانته والودائع والوصايا التي كانت عند النبي (ص) ثم يلحق بأهله ، ففعل ذلك.

وشهد مع النبي (ص) بدرا وأحد والخندق وبيعة الرضوان وخيبر والفتح ـ يعني مكة ـ وحنينا والطائف وسائر المشاهد الا تبوك ، فان النبي (ص) استخلفه على المدينة ، وله في جميع المشاهد آثار مشهورة.

وأجمع أهل التاريخ على شهوده بدرا وغيرها من المشاهد غير تبوك : جاء في صحيحي مسلم والبخاري عن سعد بن ابي وقاص ان رسول الله خلف عليا في غزوة تبوك فقال : يا رسول الله أتخلفني في النساء والصبيان؟ قال : أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبى بعدي.

قالوا فأعطاه النبي (ص) اللواء في مواطن كثيرة ، وثبت في الصحيحين أن النبي (ص) أعطاه الراية يوم خيبر واخبر أن الفتح يكون على يديه.

وأما علمه (ع) من العلوم بالمحل الأعلى ، روي له عن رسول الله خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثا ، وعلمه (ع) رسول الله ألف باب من العلم وانفتح منه الف الف باب.

قال ابن المسيب : ما كان أحد يقول «سلوني» غير علي.

وقال ابن عباس : أعطي علي تسعة أعشار العلم وو الله لقد شاركهم في العشر الباقي. قال : وإذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل إلى غيره.

وسؤال كبار الصحابة عنه ورجوعهم إلى فتاواه واقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات مشهور.

وأما زهده سلام الله عليه فقد روى ابن ابي الحديد وابن عبد البر وغيرهما أن معاوية بن أبي سفيان قال لضرار بن ضمرة : صف لي عليا. قال : أعفني قال :

١٣٦

لا بدّ أن تصفه. قال ضرار : أما إذا لا بدّ من وصفه فانه كان والله بعبد المدى شديد القوى ، يقول فصلا ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه وتنطف الحكمة من نواجذه ، وكان حسن المعاشرة سهل المباشرة ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته ، وكان غزير العبرة طويل الفكرة يقلب كفه ويحاسب نفسه ، يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب ، وكان فينا والله كأحدنا ومع قربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له ، فاذا تكلم كأنه اللؤلؤ المنظوم ، لا يطمع القوى في باطله ولا يبأس الضعيف من عدله ، واشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وهو يقول : «يا دنيا غري غيري أبي تعرضت أم الي تشوقت ، هيهات لا حاجة لي فيك قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيها ، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير ، آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق» فبكى معاوية وقال : رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها فهي لا ترقأ عبرتها ولا تسكن حرارتها.

(الامام):

يقول العقاد في عبقرية الامام علي بن ابي طالب (ع) : من هذه الألقاب الشائعة لقب الامام الّذي اختص به علي بين جميع الخلفاء الراشدين ، والذي اذا أطلق فلا ينصرف الى أحد غيره بين جميع الأئمة الذين وسموا بهذه السمة من سابقيه ولاحقيه.

ويقول : وذاك هو علي بن ابي طالب كما لقبه الناس وجرى لقبه على الألسنة ، فعرفه به الطفل وهو يسمع أماديحه المنغومة في الطرقات بغير حاجة إلى تسمية أو تعريف.

وخاصة اخرى من خواص الامامة ينفرد بها علي ولا يجاريه فيها غيره ،

١٣٧

وهي اتصاله بكل مذهب من مذاهب الفرق الاسلامية منذ وجدت في صدر الاسلام فهو منشئ هذه الفرق أو قطبها الذي تدور عليه ، وندرت فرقة في الاسلام لم يكن علي (ع) معلما لها منذ نشأتها او لم يكن موضوعا لها ومحورا لمباحثها ، تقول فيه وترد على قائلين ، وقد اتصلت الحلقات بينه وبين علماء الكلام والتوحيد كما اتصلت بينه وبين علماء الفقه والشريعة وعلماء الفلسفة والحكمة وعلماء الأدب والبلاغة واستاذ العرفاء ورئيس اقطاب الدنيا ، فهو استاذ هؤلاء جميعا بالسند الموصول.

(خلافته عليه‌السلام):

لقد وجدت بنو أمية في مقتل عثمان ذريعة ، فخلقت لعلي (ع) مشاكل وبثت الفتن ، فنشأ من ذلك حرب الجمل ، ولم تكد تنتهي حتى ابتدأت حرب صفين ، ثم ابتلى بالخوارج وحربهم في النهروان ، ولم تترك بنو امية فرصة لعلي أن يتم رسالته ، ومع ذلك فقد تغلب على كل تلك الصعوبات ونوى في هذه المرة أن يعود إلى حرب معاوية ، ولو كان قد عاد لانتهت جميع تلك المشاكل وسادت الحرية والاطمئنان والعدل جميع الربوع الاسلامية ، ولكن ابن ملجم المرادي لعنة الله عليه قد عجل عليه فقتله قبل أن يعود إلى تصفية قضية معاوية.

(من اقواله وحكمه):

وعلى أن الكفاية في البلاغة مثلا لهذا الطود الشامخ من الحكمة والفلسفة والبلاغة ، فاننا نورد هنا بعض الأمثلة لأقواله وحكمه مما لم يدرج في نهج البلاغة في الغالب :

قال في الطيرة والتنجيم وقد اعتبر الايمان بهما على سبيل معرفة الغيب ضربا من ضروب الكفر : اللهم لا طير إلا طيرك ، ولا ضير إلا ضيرك ، ولا إله غيرك.

وكان علي يطوف كل بكرة في أسواق الكوفة سوقا سوقا ومعه الدرة على

١٣٨

عاتقه فينادى : يا معشر التجار قدموا الاستخارة ، وتبركوا بالسهولة ، واقتربوا من المبتاعين ، وتزينوا بالحلم ، وتناهوا عن الكذب واليمين ، وتجافوا عن الظلم وانصفوا المظلومين ، ولا تقربوا الربا ، وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس اشياء هم ولا تعثوا في الأرض مفسدين.

وقال (ع) يعزي اشعث في ابن له : يا اشعث إن صبرت جرى عليك القدر وانت مأجور ، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور.

(أولاده وازواجه):

وعددهم سبعة وعشرون او ثمانية وعشرون ما بين ذكر وانثى : وهم الحسن والحسين ، زينب الكبرى المدفونة في دمشق على فرسخ منها على المشهور ، أمّ كلثوم ، المحسن السقط بين الباب والجدار لأجل ضرب قنفذ غلام فلان وامهم فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

ومحمد الأكبر المعروف بابن الحنفية والمكني بأبي القاسم ومات في المدينة ودفن في البقيع في شهر ربيع الأول سنة ٨١ ه‍ ، وأمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية.

وعمر الأطرف ، رقية توأمان وامهما أمّ حبيب الصهباء بنت ربيعة الثعلبية عبد الله أمه نهشلية وهو قتيل ـ المذار ـ بين واسط والبصرة ، العباس عبد الله ، عثمان ، جعفر (شهداء كربلاء) وامهم أم البنين بنت حزام الكلابية.

محمد الأصغر المكنى بأبي بكر ، عبد الله الشهيد بكربلاء امهما ليلى بنت مسعود الدارمية.

يحيى أمه اسماء الخثعمية بنت عميس.

أم الحسن ، رملة امهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي.

نفيسة ، زينب الصغرى ، أم هاني ، أم الكرام ، جمانة ، إمامة ، أمّ سلمة ميمونة ، خديجة ، فاطمة وكلهن بنات امير المؤمنين (ع) وهن لأمهات شتى.

١٣٩

محمد الأوسط أمه إمامة بنت ابي العاص.

(شهادته عليه‌السلام):

قبض سنة اربعين من الهجرة ليلة الجمعة بالكوفة ٢١ كانون الثاني ٦٦١ م ، وهي ليلة احدى وعشرين من شهر رمضان المبارك في الثلث الأول من الليل ، مات شهيدا من ضربة عبد الرحمن بن ملجم المرادي اليمني عليه لعائن الله.

روحي فداك يا امير المؤمنين (ع) ولادتك في جوف الكعبة وشهادتك في المسجد الأعظم بالكوفة ـ قائلا «فزت ورب الكعبة» يحمل من المحراب ودمه يفيض ولسانه يسبح لله وأولاده ينادون وا غماه وهو يقول : لا غم على أبيكم بعد اليوم.

وقد كمن له في المسجد الأعظم فضربه على رأسه في اثناء صلاة الفجر ، وهذا أشهر الأقوال.

ولما قبض غسله الحسن والحسين ومحمد يصب الماء ثم كفن وصلى عليه ابنه الحسن (ع) ، ثم حمله الحسنان ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن جعفر وخواصه بأمر منه إلى الغريين من (نجف الكوفة) ودفنوه هناك ليلا وعفوا موضع قبره بوصية منه خوف الخوارج وبنى امية أن ينبشوا قبره ، ولم يزل قبره مخفيا لا يعلمه أحد غير بنيه وخواص شيعته حتى دل عليه الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) وزاره الامام الصادق عند وروده على المنصور وهو بالحيرة ثم عرفه واظهره الرشيد العباسي.

قال ابن الأثير في الكامل : ولما قتل علي قام ابنه الحسن وقال مما قال عن ابيه : والله ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا ثمانمائة او سبعمائة أرصدها لجارية.

وقال سفيان : ان عليا لم يبن آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة ، وكان يختم على الجراب الذي فيه دقيق الشعير الذي يؤكل منه ، ويقول (ع) : «لا أحب أن يدخل بطني الا ما اعلم».

١٤٠