عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣١١

(٢٢٠) في الثانية كما هو معروف في الفيزياء وجعل تردد صوت الرجل (١١٠) في الثانية ليكون صوت المرأة أرق واجمل من صوت الرجل فيتحقق الانجذاب الجنسي ادامة للنسل البشري وبصورة عامة لا يكون التوالد وتوليد المثل إلا باختلاف وانضمام خليتين احداهما ذكر وتسمى البرماتوزوئيد والأخرى انثى وتسمى أوول.

وبالجملة فيرى المتتبع في احوال الكون إن الله قد أودع الزوجية في كل شيء كي يعتبر الانسان بهذه الزوجية ويعلم أن الله لا يشبهه ما خلق من جماد ونبات وحيوان وانسان وقوى وغير ذلك في شيء ، هو الله الذي لا إله إلا هو ولنختم هذا هذا المقال بهذه الآيات البينات ليعلم أن لا متصرف في الكون إلا الله تعالى وأن ليس هنالك إلا خالق ومخلوق والاعتقاد بوحدة الوجود او وحدة الموجود بضاعة يونانية مضلة جاءت من فلسفة بشرية حالكة تتنافى مع عظمة الله وقدسيته.

أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون أفرأيتم النار التي تورون أأنتم انشأتم شجرتها أم نحن المنشئون.

الكون الواسع يدل على وجود الخالق

إن الله تعالى يأمرنا بأن نتتبع السماء والأرض وأن ننظر الى ما خلق من عوالم شيء كواكب وشموس ومجرات وسدم وكيف تتكون الأنجم وكيف تبيد وذلك بقوله تعالى عز من قائل (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) سورة سبأ.

(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) سورة آل عمران. إن الله تبارك وتعالى يريد منا أن نتوغل في عوالم السماء وما خلق من عوالم أخرى لكي نزداد يقينا به تعالى (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) سورة الرعد : ٣ أفلا

٢١

ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الارض كيف سطحت» سورة الغاشية.

حقا إن علم الفلك اللاسلكي والمكانيك الرياضى فتحا على الانسان أبواب المعرفة بالنسبة الى ما لا يتناهى من شموس ومجرات وسدم ونيازك الى ما هنالك من عوالم تدهش الالباب فان التلسكوب اللاسلكي يلتقط اشارات عن مسافة قدرها ثمانية آلاف مليون سنة ضوئية والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء (بسرعة ٣٠٠٠٠٠) كيلومتر في الثانية خلال سنة كاملة اي هي المسافة التي طولها ٩٤٦٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ كيلومتر او ٥٨٧٩٠٠٠٠٠٠٠٠٠ ميل فان القمر لا يبعد عنا إلا بقدر ثانية وثلث الثانية من السنة الضوئية.

والشمس تبعد عنا ٨ دقائق و٢٠ ثانية وهي المدة التي بحب أن تنقضي لوصول شعاعها إلينا تقطع في الفضاء في سيرها الطبيعي المقرر من جانب الله تعالى خمسة ملايين كيلومتر مع العلم ان الضوء يسير من اقصى الأرض الى اقصاها خلال ١ / ١٤ من الثانية وإن اقرب نجمة منا وهي ليزوكسيما الواقعة تقريبا بحذاء القطب الجنوبي من ارضنا تبعد عنا ٤ سنوات من السنين الضوئية ونجمة جدي وهي التى تحاذي القطب الشمالي من ارضنا على وجه التقريب تبعد عنا (٥٠) سنة ضوئية ونجمة عيوق تبعد عنا تسعين سنة ضوئية ونجمة ثريا تبعد عنا ١٤٠ سنة ضوئية وإن قطر المجرة التي تعلونا عند ما ننظر الى للسماء وكأنها سحابة يعادل ما يقطعه الضوء بسرعته الفائقة خلال ٨٠٠٠٠ سنة ضوئية. واذا اردنا ان نسير من راس هذه المجرة التي هي فوق رءوسنا تقريبا الى منتهاهما علينا أن نقطع مسافة يقطعها الضوء بسرعتها الهائلة خلال (٢٠٠٠٠٠) سنة ضوئية. أنه تعالى يقسم بالطارق بقوله والسماء والطارق ويراد بها نجمة زحل ويقول تعالى في آية أخرى وأنه رب الشعرى وهي نجمة مضيئة تبعد عنا ١٠ سنوات من السنين الضوئية على وجه التقريب ولنجمة الشعرى قمر خاص بها يدور حولها خلال خمسين سنة وقد علم أن سرعة الامواج اللاسلكية تعادل سرعة

٢٢

الضوء تماما ولأجل أن نعلم مقدار معدل سرعة اقرب نجمة من هذه النجوم نقول : إن سارت الطائرة النفاثة دون ما توقف مدة ٦ ملايين من السنين لها أن تصل الى اقرب نجمة من كرتنا الأرضية.

ويوجد في هذا الكون الواسع الرحيب من المجرات بعدد النجوم الموجودة في مجرتنا (درب التبانة) فاذن ما هي قيمة هذا الانسان بالنسبة لما خلق الله من عوالم لا تتناهى ولا تحد لا سيما بعد أن عرفنا أن ارضنا هى هباءة بسيطة فليدع الانسان عند هذا الغرور ويتوجه الى عبادة ربه.

يقول أحد الماديين اني طفت بالصاروخ حول الارض سبع مرات فلم أر الله فأجابه الموحد قائلا ليس الله من الصغر بحيث تراه أنت.

يقول علي (ع) في وصف الله تعالى : الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله والآخر الذي ليس له بعد فيكون شيء بعده والرادع اناسي الابصار عن أن تناوله او تدركه.

سئل علي عليه‌السلام عن مقدار قطر الشمس فأجاب مرتجلا تسعمائة في تسعمائة ميل ومعلوم أن الميل في الإسلام كان يساوي أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي هو من المرفق الى رءوس الأصابع فلو قسنا ذراع رجل متوسط القامة بالاينجات فحولنا ٤٠٠٠ ذراع الى اينجات فياردات فأميال لوجدنا أن ما أخبر به علي عليه‌السلام ٨١٠٠٠٠ ٩٠٠* ٩٠٠ ميل وأعني الميل الذي كان معروفا في صدر الإسلام تساوي ما عليه اليوم علماء الفلك من أن قطر الشمس ٨٦٥٣٨٠ ميلا وأعني الميل الذي ١٧٦٠ ياردا ذكره أحمد امين في جزء الثاني من كتابه. الفاصلة المتوسطة بينها وبين الأرض ٠٠٠ / ٦٤٥ / ١٤٩ كيلومتر والفاصلة بين الارض والقمر ٤٤٦ / ٣٨٤ كيلومتر وعمر الأرض ٤ ميليارد و٥٠٠ مليون سنة مساحة الارض ٠٠٠ / ١٠٠ / ٥١٠ كيلومتر مربع في ٧١ / ١٠٠ الماء ١٩ / ١٠٠ يابس

٢٣

عقيدة الشيعة في التوحيد

أن مراتب التوحيد اربع توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الأفعال وتوحيد الآثار وبعبارة اخرى توحيد العوام وتوحيد الخواص وتوحيد خاص الخاص وتوحيد اخص الخواص.

والأولى مدلول كلمة لا إله إلا الله.

والثانية معنى كلمة لا هو إلا هو.

والثالثة مفاد لا حول ولا قوة إلا بالله

والرابعة تشير الى لا مؤثر في الوجود إلا الله

والشيعة تشارك سائر المسلمين في الاعتقاد بالمرتبة الاولى وتساهم بعض طوائف المسلمين في الاعتقاد بالمرتبة الثانية ولكن الشيعة تمتاز عنهم جميعا بعقيدة توحيد خاص الخاص وهو مجموع توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الافعال.

وتمتاز أيضا

بتوحيد أخص الخواص وهو مجموع توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الافعال وتوحيد الآثار وأخذوها من امامهم الاعظم سيد الموحدين ورئيس العارفين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) حيث قال في نهج البلاغة :

أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الاخلاص له وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفات فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزاه ومن جزاه فقد جهله ومن جهله فقد اشار إليه ومن اشار إليه فقد حده ومن حده فقد عده ومن قال فيم فقد ضمنه ومن قال على م فقد أخلى منه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ولهذه المراتب شروح وتفاصيل لا يسع المقام لذكرها.

٢٤

فعقيدة الشيعة

أن الله تعالى واجب الوجود بذاته ولذاته وفي ذاته ومنزه عن التجسم والحلول والتركيب والنقائص ومستجمع لجميع صفات الكمال من العلم والقدرة والإرادة والعدل ونحوها وأن صفاته الحقيقية عين ذاته وهو الواحد الأحد لا شريك له في الألوهية ولا في المعبودية ولا في الفاعلية وما لسواه من العالم صنيعه لا إله غيره ولا معبود سواه ولا حول ولا قوة إلا بالله له الخلق والامر ولا مؤثر غيره في عالم الوجود وهو المستقل بالخلق والرزق والموت والحياة والمعتقد بغير الله فهو كافر مشرك خارج عن ربقة الاسلام ولا تجوز العبادة إلا لله وحده لا شريك له.

تفصيل المقام في الله تعالى

نعتقد أن الله تعالى واحد احد ليس كمثله شيء قديم لم يزل ولا يزال هو الاول والاخر عليم حكيم عادل حي قادر غني سميع بصير ولا يوصف بما توصف به المخلوقات فليس هو بجسم ولا صورة وليس جوهرا ولا عرضا وليس له ثقل او خفة ولا حركة او سكون ولا مكان ولا زمان ولا يشار إليه كما لا ند له ولا شبيه ولا ضد ولا صاحبة له ولا ولد ولا شريك ولم يكن له كفوا أحد لا تدركه الابصار وهو يدرك الأبصار.

ومن قال بالتشبيه من خلقه بأن صوّر له وجها ويدا وعينا او أنه ينزل الى السماء الدنيا او أنه يظهر الى أهل الجنة كالقمر (او نحو ذلك) فانه بمنزلة الكافر به جاهل بحقيقة الخالق المنزه عن النقص بل كل ميزناه بأوهامنا في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا على حد تعبير الامام الباقر عليه‌السلام كما ذكرنا حديثه ، وما أجله من حكيم وما أبعده من مرمى علمى دقيق.

وكذلك يلحق بالكافر من قال أنه يترأى لخلقه يوم القيامة.

٢٥

وإن نفى عنه التشبيه بالجسم لقلقة من اللسان فان امثال هؤلاء المدعين جمدوا على ظواهر الألفاظ في القرآن الحكيم او الحديث الضعيف وانكروا عقولهم وتركوها وراء ظهورهم فلم يستطيعوا أن يتصرفوا بالظواهر حسبما يقتضيه النظر والدليل وقواعد الاستعارة والمجاز.

بيان عقيدة الامامية الاثنا عشرية في التوحيد

ونعتقد بأنه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات فكما الاعتقاد يجب بتوحيده في الذات ونعتقد بأنه واحد فى ذاته ووجوب وجوده كذلك يجب الاعتقاد ثانيا بتوحيده في الصفات وذلك بالاعتقاد بأن صفاته عين ذاته وبالاعتقاد بأنه لا شبيه له في صفاته الذاتية فهو في العلم والقدرة لا نظير له وفي الخلق والرزق لا شريك له وفى كل كمال لا ند له.

وكذلك يجب ثالثا الاعتقاد بتوحيده في العبادة فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه وكذا إشراكه في أي نوع من انواع العبادة واجبة أو غير واجبة في الصلاة وغيرها من العبادات ومن أشرك في العبادة غيره فهو مشرك كمن يرائى في عبادته ويتقرب الى غير الله تعالى وحكمه حكم من يعبد الاصنام والأوثان لا فرق بينهما.

أما زيارة القبور وإقامة المآتم

فليست هي من نوع التقرب الى غير الله تعالى في العبادة كما توهمه بعض من يريد الطعن في طريقة الإمامية غفلة عن حقيقة الحال فيها بل هي من نوع التقرب الى الله تعالى بالأعمال الصالحة كالتقرب إليه بعيادة المريض وتشييع الجنائز وزيارة الاخوان في الدين ومواساة الفقير فان عيادة المريض مثلا في نفسها عمل صالح يتقرب به العبد الى الله تعالى وليس هو تقربا الى المريض يوجب أن يجعل عمله عبادة لغير الله تعالى أو الشرك في عبادته واقامة المآتم وتشييع الجنائز وزيارة الاخوان.

أما كون زيارة القبور واقامة المآتم من الأعمال الصالحة الشرعية فذلك يثبت

٢٦

في علم الفقه وسيأتي في آخر الكتاب إن شاء الله اقامة البرهان على ذلك.

والغرض أن اقامة هذه الاعمال ليست من نوع الشرك في العبادة كما يتوهمه البعض وليس المقصود منها عبادة الائمة وانما المقصود منها إحياء أمرهم وتجديد ذكرهم وتعظيم شعائر الله فيهم ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب.

عقيدة الشيعة الاثنا عشرية في صفاته تعالى

ونعتقد أن من صفاته تعالى الثبوتية الحقيقية الكمالية التي تسمى بصفات الجمال والكمال كعلم والقدرة والغنى والإرادة والحياة هي كلها عين ذاته ليست هي صفات زائدة عليها وليس وجودها إلا وجود الذات ، فقدرته من حيث الوجود حياته وحياته قدرته بل هو قادر من حيث هو حي وحي من حيث هو قادر لا اثنينية في صفاته ووجودها وهكذا الحال في سائر صفاته الكمالية. نعم هي مختلفة في حقائقها ووجوداتها لأنه لو كانت مختلفة في الوجود وهي بحسب الفرض قديمة وواجبة كالذات للزم تعدد واجب الوجود ولانثلمت الوحدة الحقيقية وهذا ما ينافي عقيدة التوحيد واما الصفات الثبوتية الاضافية كالخالقية والرازقية والتقدم والعلية فهي ترجع فى حقيقتها الى صفة واحدة حقيقية وهي القيومية لمخلوقاته وهي صفة واحدة تنتزع منها عدة صفات باعتبار اختلاف الآثار والملاحظات.

وأما الصفات السلبية التي تسمى بصفات (الجلال) فهي ترجع جميعها الى سلب واحد هو سلب الإمكان عنه فان سلب الإمكان لازمه بل معناه سلب الجسمية والصورة والحركة والسكون واثقل والخفة وما الى ذلك بل سلب كل نقص ثم إن رجع سلب الإمكان فى الحقيقة الى وجوب الوجود ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية فترجع الصفات الجلالية السلبية آخر الامر الى الصفات الكمالية الثبوتية ، والله تعالى واحد من جميع الجهات لا تكثر في ذاته المقدسة ولا تركيب في حقيقة الواحد الصمد.

٢٧

بيان تفصيل صفات الله تعالى

قد مر أن اكتناه حقائق الاشياء ليس في وسع البشر وما هو نصيبه ليس إلا معرفة الآثار ولا ريب أن الآثار تختلف حسب اختلاف المدارك والاعصار فرب شيء لا يدرك آثاره إلا بعد قرون واعصار وحيث إن آثار الاشياء مختلفة فمن ادرك أثرا من آثار شيء يحكم بأنه هو هذا الشيء فمن ثم جاء الاختلاف.

مثلا العلم الذي به قوام حياة البشر حياته الروحانية كم اختلفوا فيه فمن قائل بأنه نحو وجود ومن قائل بأنه كيف نفساني ومن قائل بأنه فعل ومن قائل بأنه انفعال ومن قائل بأنه معنى سلبي اى سلب المادة عن النفس الى غير ذلك والكل صادق من وجه لأن الآثار متعددة وكل واحد ادرك اثرا منها واذا كان درك الحقائق الممكنة جوهرية كانت او عرضية هكذا فما ظنك بصفات البارى التي هي فوق درك العقول كلها.

طريق معرفة الصفات (١)

الصفات عناوين خاصة يشار بها الى الذات ويعبر بها عنه واللازم هو التأمل والدقة في الذات المعنون لها ثم النظر في انه هل يبقى مجال للبحث عن الصفات أم لا فنقول الذات المعنون للصفات كما مر سابقا هو الكمال المطلق فوق ما نتصوره من معنى الكمال والاطلاق المحيط بما سواه فوق ما نتعقله من معنى الإحاطة المسلوب عنه جميع النقائص الواقعية والادراكية وحينئذ فمع توجه العقل بهذا النحو من الذات والإذعان به والحكم بتحققه هل يبقى مجال للبحث عن الصفات وهل له طريق إلا الإذعان بكلمة امير المؤمنين (ع) كمال الاخلاص نفى الصفات عنه فالبحث عن الصفات إن كان بحسب الواقع فهو مع فرض كون الذات عبارة عما ذكرناه تطويل بلا طائل وإن كان بحسب مقام التعبير والتفهم فله وجه كما في الخطبة المعروفة عن مولانا الرضا (ع) اسمائه تعالى تعبير الخ. وعلى اي حال بالغوا في البحث عن اي منها

__________________

(١) خلاصة المعارف تأليف المؤلف مخطوط ص ٣٥.

٢٨

عين الذات واي منها زائد على الذات فغاية ما يجد العقل طريقا الى كما له المطلق هو سلب النقائض عنه سبحانه فيعبر عن سلب نقص الجهل بالعلم وعن سلب العجز بالقدرة وعن سلب منقصة عدم منشئية الاثر بالحياة الى غير ذلك ، هذا ولكن نحن نذكر هذه الصفات تبعا للقوم في الجملة.

الحياة

هي المبدئية لظهور الأثر وبعد فرض كون الذات هو الكمال المطلق فمن جزئيات كماله استناد ما سواه إليه تعالى حدوثا وبقاء فهو تعالى حي.

وتعم ما قاله الفيض الكاشاني (ره) بالفارسية في هذا المقام

اى جود تو سرمايه وسود همه كس

وى ظل وجود تو وجود همه كس

كر فيض تو يك لحظه بعالم نرسد

معلوم شود بود ونبود همه كس

العلم

مناط العلم هو الإحاطة وموجب الجهل الغيبة فكل من كان اكثر احاطة فهو اعلم به وبعد أن فرضنا أنه تعالى هو المحيط بما سواه من حيث ذواتها ووجودها وصفاتها وافعالها احاطة واقعية فهو عالم.

القدرة

فهي الاستيلاء على طرفي الشيء وجودا وعدما حدوثا وبقاء ومع فرض كون الذات مسلوبا عنه جميع النقائص فهو قادر إذ لو لم يكن احد طرفي الشيء تحت استيلائه فهو ناقص والمفروض نفى النقص عنه تعالى بالمرة. وبذلك نثبت عموم قدرته لكل شيء إذ مع عدم العموم يلزم النقص في الجملة وقد مر نفيه بالمرة وعدم القدرة لعدم قابلية المحل لا ينافي عموم القدرة لكل ما يقبلها لأن من شرط عموم القدرة قابلية المحل عند العقلاء.

العدل

الظلم هو التعدي ووضع الشيء في غير موضعه الّذي يليق به وهذا نقص

٢٩

بالضرورة والمفروض أنه تعالى مسلوب عنه جميع النقائص فهو عادل فالعدل هو تنزيهه تعالى عن النقائص الفعلية.

وبعبارة أخرى إنا نعتقد أن من صفاته تعالى الثبوتية الكمالية أنه تعالى عادل غير ظالم فلا يجور في قضائه ولا يخيف في حكمه يثيب المطيعين وله أن يجازى العاصين ولا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقون ونعتقد أنه سبحانه لا يترك الحسن عند عدم المزاحمة ولا يفعل القبيح لأنه تعالى قادر على فعل الحسن وترك القبيح مع فرض علمه بحسن الحسن وقبح القبيح وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح فلا الحسن يتضرر بفعله حتى يحتاج الى تركه ولا القبيح يفتقر إليه حتى يفعله وهو مع كل ذلك حكيم لا بد أن يكون فعله مطابقا للحكمة وعلى حسب النظام الأكمل :

فلو كان يفعل الظلم والقبح ـ تعالى عن ذلك ـ فان الأمر في ذلك لا يخلو عن اربع صور :

أن يكون جاهلا بالأمر فلا يدرى أنه قبيح.

أن يكون عالما به ولكنه مجبور على فعله وعاجز عن تركه ولكنه محتاج الى فعله. أن يكون عالما به وغير مجبور عليه ولا يحتاج إليه فينحصر في أن يكون فعله له تشهيا وعبثا ولهوا.

وكل هذه الصور محال على الله تعالى وتستلزم النقص فيه وهو محض الكمال فيجب أن نحكم أنه منزه عن الظلم وفعل ما هو قبيح.

غير أن بعض المسلمين جوز عليه تعالى فعل القبيح تقدست اسماؤه فجوز أن يعاقب المطيعين ويدخل الجنة العاصين بل الكافرين وجوز أن يكلف العباد فوق طاقتهم وما لا يقدرون عليه ومع ذلك يعاقبهم على تركه وجوز أن يصدر منه الظلم والجور والكذب والخداع وأن يفعل الفعل بلا حكمة وغرض ولا مصلحة وفائدة بحجة أنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فرب أمثال هؤلاء الذين صوروه

٣٠

على عقيدتهم الفاسدة ظالم جائر سفيه لاعب كاذب مخادع يفعل القبيح ويترك الحسن الجميل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وما الله يريد ظلما للعباد وقال والله لا يحب الفساد وقال وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين وقال وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون الى غير ذلك من الآيات الكريمة سبحانك ما خلقت هذا باطلا (١)

عقيدة الامامية ان لا سبيل للمخلوق الى معرفة كنه الخالق

اعلم أنه لا سبيل الى معرفة كنه الخالق وحقيقته والاحاطة به جل شأنه كما قال عزوجل ولا تحيطون به علما وقال تعالى وما قدروا الله حق قدره ومن الدعاء سبحان الله من لا يعلم ما هو إلا هو.

وقال امير المؤمنين (ع) لا تقدر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين

وقال أيضا (ع) من قال فيه لم فقد علله ومن قال فيه متى فقد وقته ومن قال فيم فقد ضمنه ومن قال أنى فقد أنهاه ومن قال حتى فقد ثناه ومن ثناه فقد جزاه ومن جزاه فقد الحد فيه لا يتغير الله بتغاير المخلوق ولا يتجدد بتجدد المحدود.

وقال رسول الله (ص) إن الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار وان الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه انتم. وروى ثقة الإسلام في الكافي عن أبي بصير عن الباقر (ع) قال تكلموا في خلق الله تعالى ولا تتكلموا في الله تعالى فان الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلا تحيرا وعن الصادق (ع) قال إن الله يقول وإن الى ربك المنتهى فاذا انتهى الكلام الى الله فامسكوا.

وعن الباقر (ع) يا ابن آدم لو أكل قلبك طائر لم يشبعه وبصرك لو وضع عليه خرت إبرة لغطاه تريد أن تعرف بهما ملكوت السموات والارض إن كنت صادقا فهذه الشمس خلق من خلق الله فان قدرت أن تملأ عينك منها فهو كما تقول (٢) ومن يزعم أنه وصل الى كنه الحقيقة المقدسة احث التراب في فيه

__________________

(١) عقائد الامامية تأليف الشيخ محمد رضا المظفر ص ٤٢.

(٢) حق اليقين لشبر ص ٤٩.

٣١

فقد ضل وغوى وكذب وافترى فان الامر أرفع واظهر من أن يتلوث بخواطر البشر وكلما تصوره العالم الراسخ فهو عن حرم الكبرياء بفراسخ.

اعتصام الورى بمعرفتك

عجز الواصفون عن صفتك

تب علينا فاننا بشر

ما عرفناك حق معرفتك

عقيدة الامامية في أن العباد ليسوا بمجبورين على افعالهم

وذهب قوم وهم المجبرة الى أنه تعالى هو الفاعل لأفعال المخلوقين فيكون قد أجبر الناس على فعل المعاصي وهو مع ذلك يعذبهم عليها وأجبرهم على فعل الطاعات ومع ذلك يثيبهم عليها لأنهم يقولون إن افعالهم في الحقيقة أفعاله وإنما تنسب إليهم على سبيل التجوز لأنهم محلها ومرجع ذلك الى إنكار السببية الطبيعية بين الاشياء وأنه تعالى هو السبب الحقيقي لا سبب سواه ويدل على بطلان قولهم وجوه :

منها أن كل عاقل لا يشك في الفرق بين الحركات الاختيارية والاضطرارية وأن هذا الحكم مركوز في عقل كل عاقل بل فى قلوب الاطفال والمجانين فان الطفل لو ضربه غيره بعصى تؤلمه ذم الضارب دون العصى وكذا لو رماه بآجرة فانه يذم الرامى دون الأجرة بل يمكن ادعاء أن ذلك حاصل في الحيوانات والبهائم ولذا قال أبو الهذيل حمار بشر اعقل من بشر لان حمار بشر إذا أتيت به الى جدول كبير فضربته لم يطاوع على العبور وإن اتيت به الى جدول صغير جازه وعبره لانه فرق بين ما يقدر عليه وما لا يقدر وبشر لم يفرق بينهما فحماره اعقل.

ومنها مكابرة الضرورة والبداهة فان العاقل يفرق بالضرورة بين ما يقدر عليه كالحركة يمنة ويسرة والبطش باليد اختيارا وبين الحركة الاضطرارية كالوقوع من شاهق وحركة المرتعش وحركة النبض.

ومنها أنه يلزم أن يكون الله تعالى اظلم الظالمين تعالى عن ذلك علوا كبيرا لانه اذا خلق فينا المعصية ولم يكن لنا فيه اثر ثم عذبنا عليها وعاقبنا على صدورها

٣٢

منه تعالى كان ذلك نهاية الجور والعدوان.

ومنها أنه يلزم مخالفة الكتاب والقرآن الكريم والآيات المتظافرة فيه الدالة على إسناد الافعال إلينا كالايات الدالة على اضافة الفعل الى العباد.

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) (فسولت له نفسه قتل أخيه) ، (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) كل امرئ بما كسب رهين واستناد الخير والشر الى الله تعالى كفر.

عقيدة الامامية أن التفويض باطل

اعلم أن التفويض المنفي هو تفويض الخلق والرزق وتدبير العالم الى العباد كما ذهب إليه الغلاة في الائمة عليهم‌السلام ومن يقول بهذه المقالة فقد أخرج الله تعالى من سلطانه وأشرك غيره معه في الخلق.

روى الصدوق (ره) في العيون باسناده عن يزيد بن عمير قال دخلت على علي بن موسى الرضا (ع) بمرو فقلت له يا ابن رسول الله روى لنا عن الصادق (ع) أنه قال لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين فما معناه فقال الرضا (ع) من زعم أن الله تعالى يفعل افعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر ومن زعم أن الله عزوجل فوض امر الخلق والرزق الى حجته (ع) فقد قال بالتفويض فالقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك فقلت له يا ابن رسول الله فما امر بين امرين فقال وجود السبيل الى اتيان ما امروا به وترك ما نهوا عنه فقلت له فهل لله عزوجل مشية وإرادة في ذلك فقال اما الطاعات فإرادة الله ومشيئته فيها الامر بها والرضا والمعاونة عليها وارادته ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها فقلت فلله عزوجل فيها القضاء قال (ع) نعم ما من فعل يفعله العباد من خير وشر إلا ولله تعالى فيه القضاء قلت فما معنى هذا القضاء قال الحكم عليهم بما يستحقونه على افعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة.

ونعم ما قاله الفخر الرازي في هذا المقام :

٣٣

فقال الحق ما قاله جعفر بن محمد امام الرفضة في هذا المقام لا جبر ولا تفويض بل الأمر بين الامرين.

عقيدة الامامية في البداء

قد اجمعت الأنبياء وائمة الدين طرا على تحقق البداء بالنسبة الى الله تعالى وفي الكافي عن مولانا الصادق (ع) ما عظم الله بمثل البداء.

وفيه عنه (ع) ان الله لم يبعث نبيا قط إلا صاحب ميرة صافية فما بعث الله نبيا قط حتى يقول له بالبداء.

وفيه عنه (ع) أيضا ما تنبئ نبى قط حتى يقر لله بخمسة منها البداء والمشية والسجود والعبودية والطاعة ـ الخبر الى غير ذلك من الاخبار المستفيضة بل المتواترة فيقع الكلام في جهات :

الأولى في معنى البداء قد اشكل على جمع فهم معنى البداء ومن ذلك وقعوا في انكاره وبالغوا فيه تنزيها لله تبارك وتعالى عن ذلك فاخرجوه من قدرته وسلطانه زعما منهم أن معنى البداء فيه تعالى ليس إلا ما هو المتحقق فينا من ظهور الشيء للشخص بعد الجهل به وعدم الاحاطة بجميع جهاته وهذا المعنى من البداء مستحيل بالنسبة إليه تعالى اذ المفروض أنه تعالى ذات محيط بما سواه احاطة واقعية لا ما نفهمه من معنى الاحاطة فهو تعالى محيط بكل شيء حدوثا وبقاء احاطة واقعية.

إن قلت فما معنى البداء اللائق به تعالى قلنا لا بد أولا من بيان امر وهو أنه كانت بين اليونانيين آراء معروفة يعتقدونها حقا واقعا ويستدلون عليها ويشيعونها بين الناس حتى سرت تلك الآراء الى الملل الثلاث من اليهود والنصارى والمسلمين فمن الآراء كون العلم الازلي علة لايجاد جميع الموجودات بصورة مناسبة لها في عالم مناسب لها كالسرمد مثلا ثم يظهر من هذا العالم بالتدريج الّذي هو مقتضى ذات هذا الزمان والزمانيات فهو تعالى عالم بالزمان والزمانيات فوجدا في عرض واحد وحيث إن مناط الحاجة هو الحدوث فقط فاستغنيا عن الجاعل والظهور

٣٤

التدريجي في هذا العالم من لوازم ذاتنا وهى مجعولة عندهم :

ومن الآراء القول بأن مناط الحاجة الى العلة هو الحدوث فقط ومنها القول بالكمون والبروز الى غير ذلك من الآراء التى ينسد بها باب إثبات الصانع رأسا واختيارا وفعلا.

وشاعت الآراء المنكرة بين اليهود حتى رد الله تعالى عليهم حيث قال : قالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا الخ.

وشاعت بين المسلمين أيضا

حتى حدثت تلك المذاهب والنحل كما أخبر عنها الرسول الاكرم (ص) بقوله : ستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة وهي من اتبع لعلي بن أبي طالب (ع) التي لا تكاد تنضبط ومن تفوه قائل منهم لو جاز على الواجب العدم لما ضر عدمه وجود العالم وحيث أن المقصد الاسنى والغرض الأعلى من دعوة الأنبياء انما هو تنزيه الله تعالى وتبارك عما يتفوهون به الناس بآرائهم فبعث الأنبياء بالقول بالبداء لتنسد ابواب جميع تلك القواعد الباطلة والشبهات العاطلة فتقديس الله تعالى في فعله عن جميع ما لا يليق به عزوجل منحصر في القول بالبداء.

ولذا ورد عن مولانا الصادق عليه‌السلام في خبر هشام ما عظم الله وما عبد الله بشيء بمثل البداء وعنه (ع) لو يعلم الناس ما في القول بالبداء من الاجر ما فتروا عن الكلام فيه ـ الخبر.

فلباب القول في معنى البداء

هو بقاء اختياره تعالى بعد حدوث الأشياء كثبوت الاختيار له تعالى عند حدوثها فكما أنه تعالى قبل ايجاد الاشياء له أن يختار الايجاد وله أن يختار العدم فكذا بعد الايجاد له أن يختار الابقاء وله اختيار عدم البقاء ففى كل آن هو في شأن من الايجاد بالنسبة الى ما لم يوجد بعد والابقاء بالنسبة الى ما وجد عن هشام بن

٣٥

سالم عن أبي عبد الله في قول الله تعالى وقالت اليهود يد الله مغلولة فقال كانوا يقولون قد فرغ من الامر ـ الخبر

وعن مولانا الرضا (ع) لسليمان المروزى ما انكرت من البداء يا سليمان والله تعالى يقول او لم بر الإنسان إنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ويقول هو الذي يبدئ الخلق ثم يعيده ويقول بديع السموات والارض ويقول ليزيد في الخلق ما يشاء ويقول وبدأ خلق الانسان من طين الخ فترى أن الامام (ع) استدل على البداء بوجود الاختيار فيه تعالى وايجاد الاشياء واختياره تعالى فيه حدوثا وبقاء ايجادا واعداما وفي العيون عن ريان بن أبي الصلت

قال سمعت الرضا (ع) يقول ما بعث الله نبيا الا بتحريم الخمر وان يقر له بأن الله يفعل ما يشاء وأن يكون من تراثه الكندر الخبر فقد فسر عليه‌السلام البداء بأن له تعالى أن يفعل ما يشاء.

وفي تفسير القمي عن ياسر عن الرضا (ع) ما بعث الله نبيا الا بتحريم الخمر وأن يقول بالبداء أن يفعل الله ما يشاء (١) الخبر فالبداء بالنسبة إليه تعالى هو بقاء الاختيار في مرحلة البقاء مثلا يقدر عمر زيد سبعين سنة واختيار زيادة هذا العمر ونقصانه هو معنى البداء.

عقيدة الامامية الاثنا عشرية في القضاء والقدر

قد اشتهر الحديث النبوى أن كل شيء بقضاء وقدر وأنه يجب الايمان بالقدر خيره وشره وأن أفعال العباد واقعة بقضاء الله وقدره فلا بد من معرفة القضاء والقدر فنقول أنهما يطلقان في اللغة والكتاب والسنة على معان فورد الفضاء بمعنى الخلق والإتمام كقوله تعالى فقضاهنّ سبع سماوات اي خلقهن واتمهن.

وبمعنى الحكم والايجاب كقوله تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا اياه اي اوجب والزم وبمعنى الاعلام والاخبار كقوله تعالى وقضينا الى بني اسرائيل في

__________________

(١) خلاصة المعارف مخطوط تأليف المؤلف.

٣٦

الكتاب أعلمناهم واخبرناهم.

وأما القدر فقد جاء بمعنى الخلق كقوله تعالى الا امرأته قدرناها اى كتبناها في الالواح وبمعنى البيان كما قيل في الآية أيضا.

وبمعنى وضع الاشياء في موضعها من غير زيادة فيها ولا نقصان كما قال تعالى (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) وجاء بمعنى التبيين لمقادير الاشياء وتفاصيلها. اذا عرفت هذا.

فنقول حينئذ لمن قال إن افعال العباد وما وجد واقع بقضاء الله وقدره : ان أردت إن الله تعالى قضى عليهم بها اى حكم عليهم بها والزمها عباده واوجبها او بين مقاديرها من حسنها وقبحها ومباحها وحظرها وفرضها ونفلها فهو صحيح لا غبار عليه قد دل عليه الكتاب والسنة وحكم به العقل الصحيح وكذا إن اريد به أنه بينها وكتبها وعلم أنه سيفعلونها لأنه تعالى قد كتب ذلك اجمع في اللوح المحفوظ وبينه لملائكته وعلى هذا ينطبق وجوب الرضا بقضاء الله وقدره وإن اريد أنه قضاها وقدرها بمعنى أنه تعالى أنه تعالى خلقها واوجدها فباطل لأنه تعالى لو خلق الطاعة والمعصية لسقط اللوم عن العاصي ولم يستحق المطيع ثوابا على عمله وأما افعال الله تعالى فنقول انها كلها بقدر ـ اي سابقة في عمله تعالى.

عقيدة الإمامية الاثنا عشرية في النبوة والامامة

نعتقد أن النبوة وظيفة إلهية وسفارة ربانية يجعلها الله تعالى لمن ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين وأوليائه الكاملين في إنسانيتهم فيرسلهم الى سائر الناس لغاية إرشادهم الى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة ولغرض تنزيههم وتزكيتهم من دون مساوى الأخلاق ومفاسد العادات وتعليمهم الحكمة والمعرفة وبيان طرق السعادة والخير لتبلغ الانسانية كما لها اللائق بها فترتفع الى درجاتها الرفيعة في الدارين دار الدنيا ودار الآخرة.

٣٧

وبعبارة واضحة (١) ان الامامية تعتقد أن جميع الأنبياء الذين نص عليهم القرآن الكريم والرسول الخاتم (ص) رسل من الله وعباده المكرمون بعثهم الله لدعوة الخلق إليه وأن محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء بنص القرآن الكريم (ما كان أبا احد من رجالكم ولكن رسول الله) وهو خاتم النبيين وسيد الرسل وانه معصوم من الخطأ والخطيئة وأنه ما ارتكب المعصية مدة عمره وما فعل إلا ما يوافق رضا الله سبحانه حتى قبضه الله إليه وأن الكتاب الموجود في أيدى المسلمين القرآن الكريم هو الكتاب الذي انزله الله إليه للاعجاز والتحدى ولتعليم الأحكام وتميز الحلال من الحرام وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة وأن كل من اعتقد أو ادعى نبوة بعد محمد (ص) او نزول وحي أو كتاب فهو كاذب كافر.

في بيان احتياج الناس الى الرسول وخليفته

إن اضطرار الخلق الى الرسول والامام واحتياجهم الى ذلك ووجوب ارسال الرسل ونصب الخليفة والائمة على الله تعالى والبرهان على ذلك من وجوه :

الاول إن ذلك من باب اللطف الواجب وهو ما يقرب العبد الى طاعة الله تعالى ويبعده عن معصيته بغير إلجاء ولا اكراه ولا إجبار إذ لا اكراه في الدين ولا دخل له في اصل القدرة اذ قد أعطى سبحانه كل مكلف قدرة الفعل والترك فيما كلفهم به كما قال الله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها فاللطف امر زائد على ذلك.

والدليل على ذلك مضافا الى قوله تعالى الله لطيف بعباده أي يفعل ما هو لطف بحالهم فقد وصف نفسه بذلك ومن اصدق من الله قبلا لأي نقض الغرض وهو ترك فعل يحصل به غرضه بالسهولة قبيح فلا يتركه تعالى لأنه العليم الحكيم القدير

ولعل المراد بالطف الواجب ما لا يتم التكليف بدونه كارسال الرسل والأنبياء ونصب الائمة والأوصياء (ع) في كل زمان لما يأتي من وجوب الأصلح

__________________

(١) الفوائد الرضوية مخطوط تأليف المؤلف.

٣٨

على الله ووجوب نصب الحج عقلا ونقلا.

الثاني قال بعض المحققين اعلم أن الدنيا منزل من منازل السائرين الى الله عزوجل والبدن مركب ومن غفل عن تدبير المنزل والمركب لم يتم سفره وما لم يتنظم امر المعاش في الدنيا لا يتم أمر التبتل والانقطاع الى الله الّذي هو السلوك ولا يتم ذلك حتى يبقى بدنه سالما ونسله دائما وإنما يتم كلاهما بأسباب لوجودهما واسباب الدفع لمفسدتهما ومهلكاتهما اما اسباب الحفظ لوجودهما فالاكل والشرب وذلك لبقاء البدن والمناكحة وذلك لبقاء النسل وقد خلق الله الغذاء والمنكوح سببا للحياة والاناث محلا للمراءة إلا أنه ليس يختص المأكول والمنكوح ببعض الآكلين والناكحين بحكم الفطرة مع انهم محتاجون الى تمدن واجتماع وتعاون إذ لا يمكن لكل منهم أن يعيش مدة يتولى تدبيراته المتكثرة المختلفة من غير شريك يعاونه على ضروريات حاجاته بل لا بد مثلا من ان ينقل هذا لهذا وشخص ثاني للبناء والثالث للحراثة وعلى هذا القياس فافترقت اعدادا واختلفت احزابا وانعقدت ضياع وبلدان فاضطروا في معاملاتهم ومناكحاتهم وجناياتهم الى قانون مرجوع إليه بين كافتهم يحكمون به بالعدل وإلا لتهارشوا وتقاتلوا بل شغلهم ذلك عن السلوك للطريق بل افضى بهم الى الهلاك وانقطع النسل واختل النظام لما جبل عليه كل أحد من ان يشتهى لما يحتاج إليه ويغضب على من يزاحمه فيه.

وذلك القانون هو الشرع ولا بد من شارع يعين لهم ذلك القانون والمنهج لينتظم به معيشتهم في الدنيا وليس لهم طريق يصلون به الى الله عزوجل بأن يفرض لهم من يذكرهم امر الآخرة ويوصلهم الى ربهم وينذرهم يوما ينادون فيه من مكان قريب وتنشق الارض عنهم سراعا ويهديهم الى صراط مستقيم لأن لا ينسوا ذكر ربهم ويذهلوا بدنياهم عن عقباهم التي هي العناية القصوى والمقصد الأسنى.

الثالث إن الغرض والحكمة في ايجاد الخلق المعرفة والعبادة كما قال الله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وذلك يتوقف على تعيين واسطة بين الحق

٣٩

والخلق وتعيين سفير بين الملك الديان والرعية وذلك السفير نبيا كان او إماما يعلمهم ذلك لاستحالة الافاضة والاستفاضة بلا واسطة كالملك في الدنيا إذ لا ربط بين النور والظلمة وغاية مراتب الكمال ومنتهى النقص فتستحيل المشاهدة والمكالمة إلا بالواسطة كما قال الله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب او يرسل رسولا فيوحى باذنه ما يشاء إنه عليم حكيم) (وابتغ إليه الوسيلة) وانما كان الواسطة قابلا لذلك لأن له جهتي نورانية وجسمانية كما قال (ص) اوّل ما خلق الله نورى قل انما انا بشر مثلكم يوحي الي.

الاخبار الواردة في هذا المقام

في الكافي عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) أنه قال لزنديق سأله من اين اثبت الأنبياء والرسل قال أنا لما اثبتناه أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يعبرون عنه الى خلقه وعباده ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه المعبرون عنه جل وعز وهم الأنبياء وصفوته في خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شيء من احوالهم مؤيدين عند الحكيم العليم بالحكمة ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته وغير ذلك من النيل العقلي والنقلي.

عقيدة الامامية الاثنا عشرية في عصمة الأنبياء

يجب أن يكون الواسطة بين الله تعالى وبين خلقه نبيا كان او إماما معصوما وخالفنا في ذلك بعض المسلمين فلم يوجبوا العصمة في الأنبياء فضلا عن الائمة الاثنا عشر صلوات الله عليهم اجمعين.

٤٠