عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣١١

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لم يشهد أحدا حين فطر السموات والأرض الذي تقدس عن ادراك الافهام الذي حارت لطائف الأوهام في بيداء كبريائه وعظمته الذي لم يشارك في الالهية ولم يظاهر في الوحدانية كلت الألسن عن غاية صفته والعقول عن كنه معرفته وتواضعت الجبابرة لهيبته وبفيضه وجد الاشياء من العدم فاعل كل محسوس ومعقول وغاية كل مطلوب ومسئول والصلاة على سيد العارفين وأفضل السفراء المقربين سيد الأنبياء وخاتمهم محمد المبعوث الى كافة الثقلين سيما ابن عمه وصهره سيد الأئمة علي بن أبي طالب صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه المرضيين (اما بعد) فيقول العبد العاصي الغريق في بحار الآثام والمعاصي افقر الخلق الى ربه الغني الحاج السيد ابراهيم الأحمدي الموسوي صائين قلعه ابهرى زنجاني نزيل نجف الأشرف ابن المرحوم السيد ساجدين المتوفى ٢١ ذي القعدة الحرام في راد كان ناحية ضياءآباد قزوين المدفون في جنب امامزاده ابو سعيد بن سيد باقر المتوفى ١٣٦٢ ه‍ المدفون في قصبة صائين قلعه جنب امامزاده يحيى بن الامام الهمام موسى الكاظم (ع) ابن صاحب الكشف والكرامات السيد ابراهيم المتوفى ١٣٢٢ ه‍ ابن السيد المشهور المعروف بسيد بهرامعلى المدفون في قصبة مسكن آباد زهراء قزوين ابن سيد يد الله وردى ابن سيد محمد بن سيد مراد علي بن سيد أمين بن سيد محمد بن سيد علي اكبر بن سيد محمد بن عبد الله بن سيد قاسم بن سيد مير يادگار تاج الدين المعروف ابن سيد على بن سيد محمد بن سيد احمد بن سيد حسين بن سيد علي ابن سيد محمد بن سيد حسن بن سيد موسى بن سيد عبد الله بن سيد محمد بن سيد احمد بن سيد محمود بن سيد أحمد بن سيد حسين بن سيد مرتضى بن سيد محراب

٣

ابن سيد محمد بن سيد محمود بن سيد احمد بن سيد حسين بن سيد عبد الله بن سيد محمد العابد المدفون في شيراز ابن الامام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين هذه تحقيقات شافية وتدقيقات وافية ومهمات كافية قد تضمنت معرفة المبدأ واليوم الآخر وأصول الدين ومعارف اليقين وسائر أصول الفرقة المحقة والطائفة الحقة بالبراهين القطعية والأدلة اليقينية ومحكمات الآيات القرآنية والاخبار المعصومية والشواهد العلمية قد جمعت بين المعقول والمنقول باسلوب جديد ويحق أن تذعن أرباب الأذهان والعقول لها وان تسمى بعقائد الامامية الاثنا عشرية.

الدين امر فطري

لا ريب أن كل روح مدرك بل قوامه بالادراك كما أن قوام الجسد بالغذاء فالادراك غذاء روحي كما لا ريب في تفاوت الأرواح في مراتب الادراكات وكلما كان الادراك اقرب إلى الحس والمحسوس كانت الروح انزل وكلما كان ارفع كانت الروح أرفع والمدركات اما جبلي او افاضي بحيث تجده الروح بافاضة من الغير او اكتسابي ولا بد وأن نفهم ما هو أول المدركات الجبلية والمدركات الافاضية والمدركات الاكتسابية :

اما الثالث فالظاهر اختلافه باختلاف الأشخاص والعادات ولا يهمنا البحث فيه واما المدركات الجبلية فوجد ان الروح نفسها وبمقتضى أن الشيء لا يكون نفسه يجد شيئا وراء ذاته اجمالا إلى هذا الوجدان الاجمالي إذا الوجدان غير وجدان الوجدان والادراك غير ادراك الادراك وهذا الوجدان والادراك الاجمالي مقدم ذاتا على وجدانه وادراكه نفسه لأن الصلة بين الخالق والخلق والصانع والمصنوع ولكن ادراكه نفسه مقدم عليه التفاتا ويظهر أثر تقدم الأول على الثاني فيما اذا اغفل عن ذاته ونفسه بالكلية فانه يلتفت حينئذ الى ذاته ولكن

٤

يتوجه في الجملة الى شيء وراء ذاته وانه ليس من سنخ ذاته وهذه هي الفطرة التكوينية الموجودة في جميع الموجودات أي صلة المصنوع بصانعه وهي في الانسان بل الحيوان قد يكون ملتفتا إليها كما قلناه وكثيرا ما يكون مغفولا عنها ويمكن ان يكون هذا معنى الخبر المعروف على فرض صحة المنقول عن النبي (ص) من عرف نفسه فقد عرف ربه يعنى عرف عرفانا سابقا على عرفان نفسه فالفطرة التكوينية عرفت الفقر الذاتي الكائن في المخلوق من كل جهة الى الخالق الغني من كل جهة. يا ايها الناس انتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد سورة فاطر ١٦.

وفي المحاسن عن زرارة عن الصادق عليه‌السلام قال ثبتت المعرفة في قلوبهم ونسوا الموقف وسيذكرونه يوما ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا رازقه وقد ظهر من ذلك أن الحق الحقيق أن التصديق بوجود الله تعالى بل توحيده أمر جبلي قد فطر الناس عليه ولذلك ترى الناس عند الوقوع في الأهوال وصعاب الأحوال يتوكلون بحسب همهم عليه تعالى ويتوجهون في جميع امورهم إليه ويعتقدون ان في الخارج مسببا لتلك الأسباب ومسهلا لتلك الصعاب وهم مجبولون على ذلك ومعترفون بما هناك وان لم يتفطنوا لذلك ويشهد لذلك قوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله (قل أرأيتم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه ان شاء وتنسون ما تشركون الانعام آية ٤١).

بما ذا تكونت العقيدة الدينية في الانسان

لما حاول الانسان أن يكتشف بغريزة التعقل مصدر العالم ومصيره اهتدى عن طريق الفطرة الصادقة والعقل منذ المراحل القديمة بغريزة الشعور الديني وعاطفته الفطرية إلى الاذعان بالدين الفطري الذي يقوم أساسه على معرفة مبدأ العالم ومعاده فهذه الفطرة الانسانية وغريزة التعقل التي تكونت بها الفلسفة ومعرفة المبدأ هي

٥

بعينها الغريزة التي تكونت بها العقيدة الدينية فساقته الى التعبد والخضوع للأديان السماوية المتخالفة في الصورة والمتحدة في الجوهر فالتدين مرتكز على أصل نفساني فطري قائم على اكرم ميول النفس وابقاها ما بقى الانسان والأديان الالهية كلها اعتمدت في الانسان على أصل راسخ من غريزة التدين ودفعته الى الثقة بأن العالم مجموعة متناسقة تسودها ذات مدبره حكمية ترقب النيات وتحكم الضمائر وأن هذه الحياة صائرة الى غاية من المسئولية والمجازات ولقد أجاد الأستاذ (بنيامين قونستان) وهو أحد علماء تاريخ الأديان حيث قال إن الشعور الديني من الخواص اللازمة لطبائعنا الأزلية ومن المستحيل أن فتصور ماهية الانسان دون أن تتبادر الى ذهننا فكرة الدين.

وقال (ما كسر مللر) إن فكرة التعبد من الغرائز التي فطر عليها منذ نشأته الأولى.

معرفة المبدأ والانسانية

الانسانية ومعرفة المبدأ دوحتان من أصل واحد أنتجته غريزة التعقل بل غصنان أنمتهما دوحة التعقل وكانت معرفة مبدأ العالم ومصيره ودراسة الألوهية وصفاتها وأفعالها وآثارها من أهم عناصر الانسانية ..

وقال الامام الصادق عليه‌السلام دعامة الانسان العقل به يعرف ما هو فيه من أين يأتيه وإلى ما هو صائر (١).

قصور الفكر

القوة المتفكرة وان كانت محيطة في غاية الإحاطة إلا أنها لما كانت ممكنة ومحدودة بالحدود الإمكانية قاصرة عن الاحاطة بالمبدإ تعالى لأن احاطة المحدود

__________________

(١) دروس الفلسفة ص ٢٠

٦

بغير المحدود من المستحيل في فطرة العقول ولو جزم بأن ما تفكره هو الواقع ليس إلا كثيرا ما يقع في الخطأ إذ ليس كل مقدر هو الواقع ولا كل واقع هو المقدر خصوصا في الربوبيات لأن عالم الربوبى عظيم في غاية العظمة ووسيع في غاية الوسعة ولذا ورد النهى عن الأئمة المعصومين عن التفكر في الله وتقدير عظمته وعن مولانا الصادق عليه‌السلام اياكم والتفكر فان التفكر في الله لا يزيده إلا نهيا وعن مولانا الصادق (ع) أيضا في تفسير قوله تعالى وان الى ربك المنتهى قال (ع) اذا انتهى الكلام الى الله فامسكوا وتكلموا في ما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق العرش فان قوما تكلموا فيما فوق العرش تنامت عقولهم وعن امير المؤمنين علي عليه‌السلام ولا تقدر عظمة الله بقدر عقلك فتكون من الهالكين.

نعم هذه النواحي إنما تكون بالنسبة الى اكتناه ذاته تعالى ذاتا وصفة وفعلا بأن يتفكر الانسان في اكتناه ذاته تعالى او صفته او فعله ويحكم بأن ما اكتهنه هو الواقع بل ورد عن مولانا الإمام محمد الباقر عليه‌السلام كلما ميزتموه بأوهامكم بادق معانيه فهو مخلون لكم ومردود إليكم (١) وأما اصل التفكر فيه عزوجل بحيث يوجب الخشية والرغبة واستيلاء عظمته تعالى على القلب فيحصل به العبودية فهو المقصد الأسنى من دعوة الأنبياء (ص).

نصيب العقل

مقتضى الوجدان كما هو صريح جمع من عظماء الأعيان أن اكتناه الحقائق الممكنة ليس من وسع العقل وذكر مير السيد الشريف الجرجاني في بعض كتبه المنطقية الفارسية ما ترجمته أن فهم الانسان حقائق الاشياء في غاية الإشكال ولا يعلم حقائقها إلا علام الغيوب وغاية ما للعقل من النصيب انما هو درك بعض خواص الاشياء ولوازمها لا جميع الخواص واللوازم فهذا صدر المتألهين ملا صدرا محمد ابراهيم

__________________

(١) خلاصة المعارف تأليف المؤلف مخطوط ص ٨.

٧

الشيرازي صاحب الأسفار الكبير يصرح بأن الفصول المذكورة في اكثر الحدود من ملزوماتها وهذه العنوانات اقيمت مقام الفصول والمراد ملزوماتها انتهى عبارته قدس‌سره

عقيدة الامامية الاثنا عشرية بوجود الصانع

اعلم أن وجوده تعالى لكمال ظهوره وغاية وضوحه أجل من أن يحتاج الى بيان وأوضح من أن يتوقف على دليل وبرهان فان العيان يغنى عن البيان والوجدان يكفى عن الشاهد والبرهان ومن تأمل حق في العوالم العلوية والسفلية الشمس والقمر والرياح والسحاب والامطار والجبال والبحار والاشجار والاثمار واختلاف الليل والنهار وسائر ما يحدث فيهما من غرائب صنع الله تعالى وآثار رحمته يعلم علما قطعيا ويجزم جزما بديهيا أن تلك الغرائب وهاتيك العجائب وهذه الموجودات وتلك المصنوعات واختلاف تلك الحركات واجتماع تلك العناصر المختلفات لم توجد بغير صانع قديم عليم حكيم ابدى سرمدى قدير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير إذ لو كان منها او مثلها لاحتاج الى خالق آخر.

فوا عجبا كيف يعصى الإله

أم كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد

الطرق الى الله تعالى بعدد انفاس الخلائق

بل اذا تأمل الإنسان في خلق نفسه فضلا عن سائر انواع الحيوانات كيف اودع في الاصلاب بعد أن خلق من تراب ثم قر في الارحام نطفة ثم صار علقة ثم صارت العلقة مضغة ثم صارت المضغة عظاما ثم كسيت العظام لحما ثم صار خلقا آخر فتبارك الله احسن الخالقين ثم اخرجه من بطن أمه في خلق حسن وصنع محكم متقن واسلوب عجيب ووضع غريب جعل له عينين ولسانا وشفتين واذنين ويدين ورجلين وهداه النجدين علم علما قاطعا وتيقن يقينا ساطعا أن له موجدا صانعا

٨

فحق على كل عاقل لبيب وفرض أن يقول : أفي الله شك فاطر السماوات والأرض في الدرر والغرر عن علي (ع) «من عرف نفسه فقد عرف ربه»

فليعتبر حاله نطفة في الرحم وصيرورته جنينا حيث لا تراه عين ولا تناله يد مع اشتماله على جميع ما فيه قوامه وصلاحه من الاحشاء والجوارح وسائر الاعضاء وهو محجوب في ظلمات ثلاث ظلمة البطن وظلمة المشيمة وظلمة الرحم ولا حيلة له ولغيره في طلب غذائه ودفع أذاه فيجرى إليه من دم الحيض ما يكون له غذاء فلا يزال غذاؤه حتى إذا كمل خلقه واستحكم بدنه وقوى جلده على مباشرة الهواء وبصره على ملاقاة الضياء هاج الطلق بأمه فأزعجه اشد ازعاج حتى يولد فاذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه في الرحم الى ثدى أمه وانقلب طعمه ولونه الى ضرب آخر من الغذاء فاذا جاع حرك شفتيه والهم التقام ثدي أمه الّذي خلق على ذلك الشكل الغريب والطرز العجيب وجعل ينضح كلما مصه ولو جرى لاختنق الصبي وجعل متعددا ليكون واحدا طعاما والآخر شرابا فلا يزال يتغذى باللبن ما دام رطب البدن رقيق الامعاء لين الاعضاء حتى إذا قوى واحتاج الى غذاء فيه صلابة طلعت له الطواحن من الاسنان والاضراس ليمضغ بها الطعام فيلين عليه وتسهل له اساغته فلا يزال كذلك حتى يدرك ، وتأمل في كيفية تدبير البدن ووضع هذه الاعضاء وتلك الأوعية وفكر في أعضاء البدن وتدبيرها للامور فاليدان للعلاج والرجلان للسعى والعينان للاهتداء والفم للاغتذاء واللسان للتكلم والحنجرة لتقطيع الصوت وتحصيل الحروف والمعدة للهضم والكبد للتخليص والمنافذ لتنفيذ الفضول والأوعية لحملها والفرج لا قامة النسل فتبارك الله احسن الخالقين (أو لم يكف بربك أنه على كل شيء قدير) وأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها وسنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق الى غير ذلك من الآيات التكوينية والتدوينية التي تسوق الناس الى الفطرة وازالة الموانع عنها.

٩

وفي دعاء عرفة لابي عبد الله (ع)

«كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر أليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل أليك عميت عين لا تراك».

مبدأ الحياة من الماء

قد ثبت في العلم الحديث منذ زمن متأخر ما نطق به القرآن الكريم أن الحياة وجد بالماء والماء من أهم البواعث في تكوين الحياة وكان يقول الله تعالى قبل مئات السنين في كتابه الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) ثم اكتشف العلم الحديث أن الزوجية متأصلة في الأشياء كلها حتى إن الذرة مركبة من (الكترون وپروتون) كهربائية سالبة وكهربائية موجبة وكان القرآن الكريم ينطق بذلك قبل اكثر من الف وثلاثمائة سنة (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أى لعلنا نتذكر أن الوحدانية له تعالى لا يشاركه فيها أحد انه تعالى يقول في آية أخرى (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ).

معجزة القرآن

كان الطب يجهل ادوار الجنين فى الرحم الى زمن غير بعيد وكان القرآن ينطق قبل أربعة عشر قرنا تقريبا بقوله : (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ).

ثم أنه تعالى قد أوضح خلق النطفة في آية أخرى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) اى من خلاصة سلت من بين الكدر ومن خلاصة أخذت من الطين ومعنى ذلك أن الانسان انما خلق من مجموعة عناصر شتى (كاربون او كسجين ايدروجين فوسفور كبريت آزوت كالسيوم بوتاسيوم صوديوم كلور مغنيسوم حديد مانغانيز (منكانز) نحاس يود (ايود) فلورين كوبالت التوتيا سلكون المنيوم

١٠

وأن هذه العناصر هي العناصر المكونة للتراب وإليه أشار قوله تعالى (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) وفي آية أخرى (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

قال الديصاني للصادق (ع) دلني على معبودى فقال له اجلس واذا غلام صغير له وفي كفه بيضة يلعب بها فقال عليه‌السلام ناولني يا غلام البيضة فناوله اياها فقال (ع) يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد غليظ وتحت الجلد الغيظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضة ذائبة فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها ولا دخل فيها داخل فيخبر عن فسادها لا يدرى أللذكر خلقت أم للانثى تنفلق عن مثل الوان الطواويس أتدري لها مدبرا قال فاطرق مليا ثم قال اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله وانك امام وحجة من الله على خلقه وأنا تائب مما كنت فيه.

قيل للرضا عليه‌السلام

يا بن رسول الله ما الدليل على حدوث العالم فقال (ع) انك لم تكن ثم كنت وقد علمت انك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلك.

وفي حديث آخر أيضا عن الرضا (ع)

اني لما نظرت الى جسدى ولم يمكن فيه زيادة ولا نقصان من العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانيا فاقررت به مع ما ارى من دوران الفلك بقدرته انشأ السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المبنيات علمت أن لهذا مقدرا ومنشأ.

وسئلت عجوز عن الدليل على وجود الصانع فقالت دولابي هذا فاني إن حركته تحرك وإن لم احركه سكن والى هذا اشير في الحديث عليكم بدين العجائز وعن بعض الفضلاء أنه لما اراد أن يكتب كتابا في اثبات الواجب قالت

١١

له امرأته ما تكتب قال كتابا في اثبات الواجب فقالت له أفي الله شك فاطر السماوات والأرض فترك تأليف ما اراد.

وحكى أنه كان لبعض الملوك شك في وجود الصانع وكان قد تنبه منه وزيره ذلك وكان الوزير عاقلا فامر ببناء قصور عالية واجراء مياه جارية واحداث بساتين عامرة وأشجار وأنهار سائدة في مغارة من الأرض من غير أن يعلم الملك ذلك ثم ذهب الوزير بالملك الى ذلك المقام على سبيل المرور في بعض الايام فلما رأى الملك ذلك سأل الوزير قال من بنى هذا وفعله فقال الوزير إنه حدث من تلقاء نفسه وليس له بان وصانع فغضب الملك عليه لقطعه بأن ذلك محال لا يكون فقال له الوزير يطول عمرك ايها الملك ان كان وجود هذا البناء بلا بان ممتنعا فكيف يصح هذا البناء بلا فاعل وصانع فاستحسن الملك كلامه وتنبه وزال الشك عنه.

قال بعض الابدال

انك لم تخلق روحك ولا جسدك ولا حياتك ولا عقلك ولا ما خرج من اختيارك من الآمال والأحوال والآجال ولا خلق ذلك ابوك ولا امك ولا تقلبت بينهم من الاباء والامهات لانك تعلم يقينا إنهم كانوا عاجزين عن هذه المقامات ولو كانت لهم قدرة على تلك الماهيات ما كان قد حيل بينهم وبين مرادهم وصاروا من الأموات فلم تبق مندوحة عن وجود صانع واحد منزه عن امكان الحادثات قد خلق هذه الموجودات التي قد كانت معدومات فصارت موجودات وقد ظهر من ذلك كله أن الحق الحقيق أن التصديق بوجود الله تعالى بل توحيده امر جبلي قد فطر الناس عليه كما قال الله تعالى (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) ، ولذلك ترى الناس عند الوقوع في الأهوال وصعاب الأحوال يتوكلون بحسب هممهم عليه تعالى في جميع امورهم إليه ويعتقدون أن في الخارج سببا لتلك الأسباب ومسهلا لتلك الصعاب وهم مجبولون على ذلك ومعترفون بما هنالك وإن لم يتفطنوا لذلك ويشهد لذلك قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ

١٢

قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ).

وفي تفسير الامام عليه‌السلام

أنه سئل مولانا الصادق (ع) عن الله فقال للسائل يا عبد الله هل ركبت سفينة قط قال بلى قال (ع) فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك قال بلى قال (ع) فهل تعلق قلبك هناك بشيء من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك قال بلى قال الصادق (ع) فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حين لا منجي وعلى الإغاثة حين لا مغيث.

وفي الكافي عن هشام بن سالم عن الصادق (ع) قال قلت له فطرة الله التي فطر الناس عليهما قال التوحيد.

وعن الحلبي عن الصادق (ع) في الآية قال فطرهم على التوحيد وعن زرارة عنه في الآية قال فطرهم جميعا على التوحيد وعن عبد الله بن سنان عن الصادق (ع) قال سألته عن قول الله تعالى فطرة الله الآية ما تلك الفطرة قال هى الإسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد قال الست بربكم وفيهم المؤمن والكافر.

وقال رسول الله (ص)

كل مولود يولد على الفطرة يعني المعرفة بأن الله عزوجل خالق فذلك قوله (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)

وعنه (ص) لا تضربوا اطفالكم على بكائهم فان بكائهم أربعة اشهر شهادة أن لا إله إلا الله وأربعة اشهر الصلاة على النبي (ص) وأربعة اشهر الدعاء لوالديه قيل ولعل السر في ذلك أن الطفل أربعة اشهر الأولى لا يعرف سوى الله عزوجل الّذي فطره على معرفته وتوحيده فبكاؤه توسل إليه والتجاء به سبحانه خاصة دون غيره فهو شهادة له بالتوحيد وأربعة اخرى يعرف أمه من حيث أنها وسيلة الى غذائه فقط لا من حيث أنها أمه ولهذا يأخذ اللبن من غيرها أيضا في هذه المدة غالبا فلا

١٣

يعرف فيها بعد الله إلا من هو وسيلة بين الله وبينه من ارتزاقه الذي هو مكلف به تكليفا طبيعيا من حيث أنها وسيلة لا غير وهذا معنى الرسالة فبكاؤه في هذه المدة بالحقيقة شهادة بالرسالة وأربعة اخرى يعرف ابويه وكونه محتاجا إليهما في الرزق فبكاؤه توسل إليهما والتجاء بهما فبكاؤه فيها دعاء لهما بالسلامة والبقاء في الحقيقة.

قال رسول الله (ص) أيضا

كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ولهذا جعل الناس معذورين في تركهم اكتساب المعرفة بالله تعالى متروكين على ما فطروا عليه مرضيا عنهم بمجرد الاقرار بالقول ولم يكلفوا بالاستدلالات العلمية في ذلك قال نبينا الاكرم أمرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ولهذا أمرت الأنبياء (ص) بقتل من انكر وجود الصانع فجأة بلا استتابة ولا عتاب لأنه ينكر ما هو من ضروريات الامور وفي قوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) اشارة لطيفة الى ذلك فانه سبحانه استفهم منهم الاقرار بربوبيته لا بوجوده تعالى تنبيها على انهم كانوا مقرين بوجوده في بداية عقولهم وفطرة نفوسهم.

وسئل بعض أهل المعرفة عن الدليل على اثبات الصانع فقال لقد اغنى الصباح عن المصباح.

أقول ويمكن ادعاء أن وجود الصانع فطرى بالنسبة الى البهائم وسائر الحيوانات فضلا عن افراد الإنسان ففي الحديث أن سليمان بن داود خرج يستسقى فمر بنملة ملقاة على ظهرها رافعة قوائمها الى السماء وهي تقول اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب غيرنا فقال سليمان ارجعوا فقد سقيتم بغيركم وفي الأخبار شواهد كثيرة على ذلك يقف عليها المتتبع.

وحكى المفخر الرازي

عن رجل أنه اتفق في بعض الازمنة جدب وقحط شديد فخرج الناس الى

١٤

الصحراء للاستسقاء ودعوا فلم يستجب لهم قال الرجل فصعدت الى الجبال فرأيت ظبيا يسرع الى الماء من شدة العطش فلما انتهى الى الغدير رآه جافا من الماء فتحير وجعل يكرر النظر الى السماء ويحرك رأسه مرارا فظهرت سحابة وارتفعت وامطرت حتى امتلأ ذلك الغدير فشرب الظبي ورجع.

العلم والايمان

قال علي (ع) بالعلم يعرف الله ويوحد فالعلم خير وسيلة لمعرفة الخالق جلّ جلاله والتعرف على ما اودع الله تعالى من دقائق الصنع وخواص مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا وثيقا لا يجاد عوالم من الجماد والنبات والحيوان ولتسيير هذه الأفلاك بهذا النظام الرائع البديع نظام يجعل عيني الفلكي الذي لم يقس قلبه بالموبقات تفيضان بالدموع خشوعا وتقديسا لله تعالى لما يرى هنالك من دقيق المعادلات وبديع القوانين نظام يجعل (هانري بركسون) مؤمنا بوحدانية الله تعالى معظما إياه حين يتتبع نظام الذرة وما فيها من معادلات وقوانين تبهر العقول ، هذه الذرة التي قد بلغت من الصغر بحيث لو وضعت (١٠٠٠٠٠٠٠) منها على شرط الكروية بعضها الى جنب بعض لكان طولها مليمترا واحدا.

نظام يجعل الطبيب

الّذي لم يلوث باطنه بسكر او فسق يركع امام عظمته حين يرى الله تعالى قد رتب في المخ البشرى (٢٠٠٠٠٠٠٠) عصب موضوعة بعضها الى جنب بعض بحساب دقيق بحيث او خرب احد الاعصاب لحدثت عوارض تخص هذا الغصب المخروب دون غيره.

نظام يخشع تجاهه العالم

بالميكانيك السماوي والفيزياء حين يرى كيف رتب الابعاد بين الاجرام السماوية ومنها بعد أرضنا عن الشمس وبعد القمر عن الارض وهو القائل (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) سورة الواقعة ٧٥ / ٧٦ فلو كان بعد الارض عن الشمس ضعف ما عليه الآن لنقصت الحرارة التي تأتينا من الشمس

١٥

الى ربع ما عليه الآن ، حسب قانون فيزياوى شدة الحرارة على سطح ما تتناسب تناسبا عكسيا مع ربع المسافة عن مصدر الحرارة ولقلت سرعة حركة الأرض حول مدارها الى النصف ولطال فصل الشتاء الى ضعف ما عليه الآن ولا نجمد نتيجة لذلك جميع ما على الارض من كائنات حية ولاستحالت الحياة عليها.

ولو كان بعد الارض عن الشمس نصف ما عليه الآن لأصبحت حرارة الأرض أربعة أمثال ما عليه الآن بنفس السبب ولتضاعفت سرعة الحركة حول المدار ولنقص طول مدة كل فصل من الفصول الأربعة (الربيع الصيف الخريف الشتاء) الى النصف ولتبخر ما على الأرض من مياه ولما امكن السكنى عليها من شدة الحرارة وذلك لقربها من الشمس.

ولو لا أن الله تعالى قد احاط أرضنا بغلاف غازي (جوى) ثخنه (٨٠٠) كيلومتر لحفظها مما تتوجه نحوها من أحجار سماوية ٢٠٠٠٠٠٠٠ حجارة في كل ثانية بسرعة ٥٠ كم (ثانية) أي تقطع هذه الأحجار السماوية مسافة قدرها خمسون كيلومترا في الثانية أي ان سرعتها في الساعة ١٨٠٠٠٠ كيلومتر) وقد دلت دراسة المعلومات التي ترسلها الاقمار والصواريخ على أن حوالي عشرة آلاف طن من مواد الشهب والنيازك تتساقط نحو الأرض كل يوم لما عاش على سطح الأرض كائن حي ولاستحالت الحياة على وجه البسيطة على أن لهذا الغلاف الغازي او الدرع الحصين أثرا هاما في ايصال حرارة الشمس الى الارض بدرجة من الاعتدال والتناسب كي يمكن أن تعيش على سطح الارض النباتات والحيوانات والإنسان وكذلك في نقل المياه وبخار الماء من المحيطات (البحر المحيط) الى القارات فلولا هذا الغلاف الجوي لتحولت القارات إلى أرض قاحلة ولو كانت الأرض بقدر القمر وكان قطرها ربع ما عليه الآن لما كانت قوة الجذب لأي سطح الأرض تكفي لجذب المياه والهواء ولما استقر الماء على سطحها لأن قوة الجذب تكون إذ ذاك سندس قوة جاذبية الارض اليوم ولارتفعت درجة الحرارة الى حد يؤدي الى إبادة الحياة عليها

١٦

(التكامل في الاسلام الجزء الثالث ص ١١)

الدين امر فطري

منذ أن وجد الانسان على وجه الارض كان يدين بما يمليه عليه عقله من أن لهذا الكون موجدا وخالقا مدبرا خلق الانسان بهذا الشكل الخارق العجيب وخلق قبلا الهواء والماء والنبات لاستقرار حياته فكما ان الله تعالى ألهم الانسان أن يستفيد من تجاربه لإدامة حياته فيأوى الى الكهف لاتقاء البرد او يلبس من جلود الحيوانات ويجرب الامور البسيطة من الزراعة والصناعة كذلك ألهمه أن يفكر في تلك القدرة العظيمة قدرة الله التي لا تتناهى وعظمته التي لا تحد (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) (سورة الروم ٣٠).

وقد اثبتت الحفريات والآثار أن الدين قد رافق الانسان منذ بدء الخليقة يقول الاثري الدكتور سليم حسين دلت البحوث العلمية البحتة حتى الآن على أن لكل قوم من اقوام العالم عامة مهما كانت ثقافتهم منحطة دينا يسيرون على هديه ويخضعون لتعاليمه يقول الفيلسوف اليوناني الكبير سو قراط يشعر الانسان بحاجته الماسة الى الهواء والماء والطعام وكذلك تشعر روحه أنها في حاجة مبرمة أيضا الى غذاء روحي وهذا الشعور هو في عرفنا الدين الذي اهتدى إليه اوّل انسان يدلك على ذلك إننا اذا تتبعنا حياة طفل أتينا به من أقاصي البلاد المتوحشة وتركناه يترعرع بدون أن نلقنه عقيدة دينية مهما كان نوعها فانك لتجده عند ما يصبح رجلا كامل الشعور يتحرى في اعماق تفكيره عن شيء مجهول ويظل باحثا منقبا تحت تأثير عامل نفسي وغريزى حتى يعثر على بادرة تكون في اوّل امرها مائعة اللون تتمزكه في دماغه ثم لا تلبث حتى تتجسم وتتخذ شكلا صوفيا بارزا يأخذ في التطور رويدا رويدا الى الشيء الذي نسميه عقيدة أو دينا لأن هنالك ضرورة خفية وقوية تدفعه الى هذا التدرج حتى يصل الى النوع الذي يحلو له للعبادة.

يقول المؤرخ الاغريقى الشهير بلو تارك منذ نحو ٢٠٠٠ سنة من الممكن أن

١٧

نجد مدنا بلا أسوار ولا ملوك ولا ثروة ولا آداب ولا مسارح ولكن لم ير الانسان قط مدينة بلا معبد أو لا يمارس أهلها عبادة.

ذكر الاستاذ احمد أمين في كتابه التكامل في الاسلام فنحن نقرأ فى اسفار الهند المعروفة بالكتب الفيدية ان الا له الاكبر قد خلق الارض بكلمة ساحرة فأمرها بأن توجد فبرزت على الفور الى حيز الوجود ، ونقرأ في كتب الصين واليابان القديمة جدا أن إله السماء هو الذي يصرف الاكوان ويدبر أمور الانسان.

ونقرأ في كتب الفرس القديمة ما نصه هو اقوى في عالم الملكوت وهو واجب الانعام المكين الكامل القدوس الحكيم الخبير الغني المغني السيد المنعم القهار محق الحق البصير الشافي الخلاق العليم بكل شيء.

ونجد عند الفراعنة من النصوص التي تدل على الابتهال الى الله العلي القدير والتي تثير في النفس شعورا فياضا بالايمان والتوحيد منها :

ايها الإله الأوحد الذي ليس لغيره سلطان كسلطانه يا خالق الجرثومة في المرأة ويا صانع النطفة في الرجل ويا واهب الحياة للابن في جسم أمه ويا من يهدئه فلا يبكي ويا من يغذيه وهو في الرحم يا من خلق الارض كما يهوى قلبك حين كنت وحيدا ألا ما أعظم تدبيرك يا رب الابدية ، ولسائل أن يسأل كيف عبد الناس الاوثان والهوام والبقر والشمس وتسافلوا حتى صاروا يتبركون ببول البقر انه تعالى يقول (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) سورة السجدة ١٨ فجعل الله تعالى تقابلا بين الايمان والفسق ومعنى ذلك أن الفسق يضاد الايمان ويعاكسه فلو تلوثت النفس الانسانية بالفسق فر الايمان من وجهه فلا يعود حتى تطهر النفس من فسوقها واجرامها.

استحالة معرفة الله معرفة تامة

اذا كان الانسان لا يقوى على معرفة نفسه ولا يتمكن من أن يتعرف الى حقيقة النفس او الروح (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما

١٨

أوتيتم من العلم إلا قليلا) سورة بني اسرائيل ٨٧ فأنى له أن يعرف خالق الروح معرفة تامة اذا كان الإنسان لا يقوى على معرفة حقيقة الجاذبية الأرضية او حقيقة القوة الكهربائية او حقيقة الالكترون فأنى له أن يعرف حقيقة خالق الجاذبية وخالق الضوء والكهرباء وخالق الالكترون وهل ترى أن المتناهى وهو هذا الانسان في مقدوره أن يحيط باللامتناهي وهو الله تعالى.

وليس من يشك أن ما خلق الله تعالى من عوالم تكاد لا تعد ولا تحصى وقد علم أنه تتشكل في الكون كرات جديدة وتبيد أخرى وان العلم الحديث ليعترف بالعجز عن الاحاطة بما أودع الله من خواص وقوانين رياضية ومعادلات رصينة تربط حوادث الكون وأجزاءه بعضها ببعض وإن علم البشر بالنسبة لهذا العلم اللانهائي (الخواص والقوانين الكونية) شيء ضئيل.

الزوجية في الكون تدل على خالق عالم

يقول الله تبارك وتعالى (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) حم سجدة ٥٣ وقال أيضا (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) إن هذه الآيات تتحقق اكثر من ذى قبل كلما تقدمت العلوم الحديثة وتعرف العلماء الى باطن الذرة وما فيها من عالم عجيب عالم قائم بذاته من حيث الأنظمة والقوانين لا يعتريها أي تغير وانثلام فترى أن الله تعالى قد أودع في الذرة (وهي ما لا ترى بالعين المجردة ولا بالمكبرات : المجاهر ميكروسكوب الكترونات فى الاطراف وهي كهربائية سالبة ـ تدور بصورة اهليلجية حول المركز بسرعة فائقة بسرعة ألفي كيلومتر في الثانية وهذه أعظم سرعة عرفت لحد الآن على وجه الأرض في مركز الذرة (النواة قد تكدست الپروتونات وهي كهربائية موجبة.

وقد جعل الله في هذه الذرة خلاء يحير العقول وذلك بين الالكترون والبروتون بحيث لو رفع هذا الخلاء لكانت الأرض بحجم البرتقالة وكان وزنها وزن الأرض تماما.

١٩

فالبعد بين الالكترون الذي يدور في اطراف الذرة والبروتون المستقر في مركز الذرة كالبعد بين الأرض والشمس في منظومتنا الشمسية تقريبا فكان كل ذرة من حيث التشكيلات والابعاد والمسافات كالمنظومة الشمسية مع حفظ النسبة وذلك لأن نواة الذرة تحتوي على ٩ / ٩٩ في المائة من الوزن الذري كما ان الشمس تحتوي ٩ / ٩٩ في المائة من وزن المجموعة الشمسية الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فابسط الذرات انما هي ذرة الأيدروجين.

الأيدروجين غاز مشتغل قابل للاشتغال يشغل قسما عظيما من هذا الكون الرحيب ولذلك يسمى بالغاز الكوني وهو أهم عنصر في الماء الذي نشربه إذ أن دستور الماء في علم الكيمياء أي يوجد في كل جزء من الماء حجمان من الايدروجين وحجم واحد من الاوكسجين وهو غاز نتنفسه ولولاه لاستحالت الحياة وكذلك الزوجية معروفة في النباتات أيضا وذلك لأن في الزهرة عضو التذكير (الاعضاء الذكرية) وعضو التأنيث (العضو الانثوى) وبعد أن تنضج الاعضاء الذكرية والأنثوية في الزهرة يحصل التلقيح وتبدأ الثمرة بالتكون من الجزء الانثوى وأن الزوجية متجلية في الحيوانات وكذلك في الانسان أنه تعالى يقول (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) سورة يس ٣٦

فالله تبارك وتعالى اخبرنا قبل ١٤ قرنا أن هناك زوجية في ما لا نعلم من اشياء وقد اكتشف حديثا أن الزوجية متأصلة بأمر من الله تعالى حتى في الذرة التي لا ترى بالعين ويقول تعالى أيضا (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى الآية ١١ يذرؤكم أي يكثركم.

لذلك يقول (مونتين) الفيلسوف الفرنسي إن أعظم دليل على وجود الله هو وجود المرأة (الانثى) للرجل فهل يعقل أن الرجل خلق لنفسه أنثى لإدامة النسل البشري وأن الله تعالى تحقيقا للزوجية وهذا الانجذاب الجنسي جعل تردد صوت المرأة

٢٠