عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ٢

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٥٢

١
٢

٣
٤

الإهداء

إن كان الناس يتقربون الى الأكابر والعظماء بتقديم مجهوداتهم فليس لنا أن نتقرب الى أحد سوى سيدنا ومولانا إمام زماننا وحجة عصرنا الامام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، فإليك يا حافظ الشريعة بألطافك الخفية ، وإليك يا صاحب الأمر وناموس الكون اقدّم مجهودي المتواضع في سبيل إعلاء كلمة الدين وشريعة جدك المصطفى وبقية آثار آبائك الطاهرين دينا قيما لا عوج فيه ولا أمتا ورجائي القبول والشفاعة في يوم لا ترجى إلا شفاعتكم أهل البيت.

ابراهيم الموسوي الزنجاني

٥
٦

المدخل

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الواحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وسلام على أنبيائه العظام وسفرائه الكرام لا سيما الرسول الأعظم والنبي الأكرم محمد بن عبد الله وعلى آله المعصومين لا سيما وصيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، أما بعد فيقول الفقير الى الله عزوجل السيد ابراهيم الموسوي الزنجاني نزيل النجف الأشرف ابن السيد ساجدين بن المرحوم السيد باقر بن ابراهيم بن بهرامعلي بن مير الله وردي بن محمد بن مراد علي بن أمين بن محمد بن علي أكبر بن محمد بن عبد الله ابن قاسم بن ميريادگار تاج الدين المعروف ابن علي بن محمد بن أحمد بن حسين بن علي بن محمد بن حسن بن موسى بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمود بن أحمد بن حسين بن مرتضى بن محراب بن محمد بن محمود بن أحمد بن حسين بن محمد العابد المدفون في شيراز بن الامام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن عبد الله بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.

يجد القارئ في هذا الجزء الثاني أجوبة شافية ردا على مزاعم الماديين وأدلة قطعية على وجود الصانع جل جلاله ووحدانيته والنبوة والمعاد والحشر والبرزخ والميزان والحساب وعالم الخلود والجنة والنار وبيان الوسيلة واللواء والحوض والشفاعة وشهادة الغربيين في القرآن وفي النبوة وفي الامامة ، وخاتمة في بيان بعض علائم الظهور.

٧
٨

عقائد الامامية الاثنى عشرية

في الاصول

التوحيد :

قد ذكرت أدلة اصول الدين مشروحة مفصلة في الجزء الأول من كتابنا عقائد الامامية الاثنى عشرية وذكرنا فيه أن الشيعة أقامت براهين قيّمة على أنه تعالى واحد لا شريك له ولا نظير ولا شبيه له لم يلد ولم يولد وهي تكافح كل لون من الشرك وأي انحراف عن صراط التوحيد كما تكافح عبادة الانسان والأصنام بكل حول وطول أجمعت على أن العالم مخلوق لله ومصنوع له لم يشاركه فيه أحد من خلقه ولم ينازعه أحد في ملكه ولا خالق إلا الله ، وهذا الأصل هو الذي أرشدهم الى القول بأن كل ما في الكون من حقير وخطير ليس فيه إلا الخير والصلاح وأن كل انحراف وفساد فهو من فعل الانسان المنحرف.

اتفقت الشيعة على تنزيه الله تبارك وتعالى عن الجسم ولوازم الجسمانيات وأنه تعالى فوق المادة والماديات فليس هو في حيّز ولا يحيط به شيء وعلمه قد أحاط بكل شيء وهو أقرب الى عبده من حبل وريده بصير سميع لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو محيط بكل الأزمنة والأمكنة فالماضي والمستقبل

٩

والقاضي والداني عنده سواء والموجودات بهوياتها وحقائقها الخارجية حاضرة لديه منكشفة له أتم الانكشاف يعلم خائنة الأعين وما تخفى.

الشيعة توحد الله أتم التوحيد فالله جل وعلا عندهم بسيط لا جزء تركيبي له خارجا وذهنا حتى أن صفاته الجمالية كعلمه وقدرته عين ذاته لا زائدة عليها فليست هاهنا ذات وراء الصفات حتى تكون معروضة لها كما في غيره من الممكنات ولا تحديد لوجوده فهو أزلي أبدي غير متناه من جميع الجهات وهو جل وعلا لا يجانس أحدا من مخلوقاته في صفاته وأوصافه إذ لا سنخية بينه وبين مصنوعاته إلا بالعلية والمعلولية ولا تشابه بين المتناهي وغير المتناهي.

اتفقت الشيعة الامامية الاثني عشرية على أن الله تعالى هو الغافر لذنوب عباده وزلات خلائقه دون غيره ولا يشاركه في ذلك أحد ولا يشفع أحد من أنبيائه وأوليائه إلا بإذنه.

النبوة وبعثة الرسل :

اتفقت الشيعة الامامية الاثني عشرية على أن الله تعالى بعث الى عباده رسله وأنبيائه وهم خيار خلائقه ليهدوهم الى صراط الحق ويخرجوهم من ظلام الجهل الى نور العلم والإيمان لأنه لم يخلقهم إلا للفوز بالسعادة ، وقد جبلهم على مؤهلات في أنفسهم تحبب إليهم الخير والسعادة ، وفطرهم على النزوع إلى الخير وحب الصلاح ومعاداة الظلم والانحراف وما شابه ذلك من مساوئ الأخلاق.

المعاد :

وهو أصل اسلامي خطير وقد اتفقت السنة والشيعة الامامية على أن الله يعيد الناس يوم القيامة ويضع الموازين القسط فلا يظلم أحد مثقال ذرة ووفيت كل نفس ما عملت فإما الى النعيم الدائم وإما الى العذاب المسقم.

١٠

امتيازات الشيعة الامامية :

هذه الاصول الثلاثة تشترك فيها عامة فرق المسلمين البالغ عددهم ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨٠٠ مليون في أقطار العالم ، غير أن للشيعة اصولا اختصت وتفردت بها عن سائر الفرق وهي الإمامة والخلافة.

الامامة :

كما قلنا منصب إلهي يمنحه الله لخاصة عباده وهم الأئمة الاثنا عشر خلفاء الله وخلفاء نبيه.

العدل :

اتفقت الشيعة الامامية على عدله تعالى ومجانبته للظلم فلا يظلم عباده مثقال ذرة لأن الظلم ينشأ إما عن الجهل بقبحه وإما عن التمرد على الحق وهو آية النص وهو تعالى منزّه عن كل ذلك لكماله المطلق ، وعلى هذا الأساس قالت الشيعة ببطلان الجبر في أفعال العباد وأن المكلفين غير مجبورين في أفعالهم وأقوالهم خلقهم الله مختارين في ما يفعلونه ويتركون غير مضطرين في طاعة أو معصية جعل الانسان تام التصرف في ما يسعد به ويشقى وأنه لا تزر وازرة وزر اخرى وأن ليس للانسان إلا ما سعى.

لكن إخواننا أبناء السنة لما لم يعترفوا بالحسن والقبح العقليين ولم يعتقدوا بأن الانسان يعرف من نفسه قبح ظلمه وحسن إنصافه وعدله قالوا بأن ما حسّنه الشرع فهو حسن حتى لو أمر بالظلم والعدوان وكل ما قبّحه الشرع فهو قبيح حتى لو نهى عن العدل والاحسان وصارت النتيجة عندهم أنه لا مفهوم للحسن والقبح ولا للعدل والظلم بالنسبة إليه تعالى.

١١

أدلة إثبات الصانع

(أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)

ان كان هناك شيء من أوضح الواضحات وأجلى البديهيات فهو وجود الله تعالى الموجد لهذه النفوس والمعطي لها هذه القابليات الخارقة البديعة ، فالطفل يشعر بهذا الشعور وهو وجود موجد له وصانع لما يرى حوله ، ذلك لأن الله تعالى قد أوجد فيه قابلية التفكير ، فهو اذا بلغ السنة الرابعة أو الخامسة يبدأ فيسأل لما ذا ولأي سبب؟ من صنع هذا؟ من أوجد هذا؟ ومن أين وجد ذاك؟

إن الله تعالى قد أتم الحجة على عباده بأن غرس فيهم قابلية التفكير وإرجاع الأشياء (المسببات) الى أسبابها ، فالطفل على سذاجته وطبيعته الفطرية يعترف بوجود خالق له ، كيف لا وهو يرى أن ليس له أن يتصرف من نفسه وهو في غاية العجز وأنه لم يصنع عضوا من أعضاء بدنه ، ثم إن الله قد جهّز عقله بإرجاع كل معلول الى علة وكل مسبب الى سبب وهو القائل : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) أي أن الانسان بالفطرة وبصورة طبيعية يعترف بوجود خالقه وموجده ، ولذلك سمي دين الاسلام بدين الفطرة أي أن كل ما فيه فطري وضروري يعترف به العقل بصورة طبيعية ارتكازية وأن هذا الاعتراف بوجود الخالق شيء مرتكز من قبل الله تعالى في عقل الانسان منذ نعومة أظفاره ، وعدا ذلك فإن الله يقول جل من قائل :

١٢

(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) سورة الأعراف ١٧٣.

قد أتم الحجة على عباده فحسب مفاد هذه الآية المنفية ان الله تعالى قد أحضر من عالم الذر كل انسان ذكر أو انثى وجعلهم شهودا على أنفسهم وأخذ منهم الاعتراف على وجوده ووحدانيته بقوله ألست بربكم فقالوا بلى شهدنا أي أخرجهم الله من أصلابهم على نحو توالدهم نسلا بعد نسل الى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرّفهم نفسه وأراهم صنعه كما في بعض التفاسير.

وقال بعض المحققين : إن في قوله تعالى ألست بربكم إشارة لطيفة فإنه سبحانه استفهم الاقرار بهم بربوبيته لا بوجوده تبينا على أنهم كانوا مقرين بوجوده في بداية عقولهم وفطرة نفوسهم.

وها هو في عصر الذرة حين أن بركسون Bergson الفيلسوف الفرنسي الموحد الذي أتعب نفسه في العلوم الرياضية برهة من الزمن عند ما ينظر الى تلك المعادلات والخوارق في الذرة يقول : إن الله موجود في الذرة يبدعها إبداعا وينظمها تنظيما ، فيركسون عند ما يرى في الذرة حركات في غاية الحكمة لا ربط لها بالصدفة يذعن أن يدا ربانية موجودة في الذرة نفسها تعمل في هذا الترتيب الحكيم.

اعتراف علماء رياضيين بوجود الخالق :

تكاد لا تجد فيلسوفا درس الرياضيات العالية أو الفيزياء الرياضية العالية أو الفلك العالي وتوغل فيها ملحدا ينكر وجود الخالق فأنشتين وبركسون وكاميل فلامريون وأمثالهم موحدون ، ذلك لأنه عند ما يرى أحدهم أن جميع أجزاء الكون مرتبطة بعضها ببعض بدساتير رياضية متقنة وأن الرياضيات مفتاح فهم

١٣

ظواهر الطبيعة عند ذلك يعلم أنه لا بد من عاقل قد ربط أجزاء هذا الكون بعضها ببعض وأن هذا العاقل الجبار هو الله تعالى واجد الوجود ومرتب أجزاء هذا الوجود ترتيبا محكما بقوانين رياضية لم يصل العلم الحديث إلا إلى جزء ضئيل وضئيل منها جدا.

انظروا الى دكارت وهو الفيلسوف الفرنسي الرياضي كيف توصل الى وجود الخالق جل جلاله لعدم تلويثه نفسه بما يبعدها عن الاعتراف بأوضح الواضحات أنه شك أولا في وجود نفسه فقال : أنا افكر إذن أنا موجود ، ثم قال : إن لديّ فكرة الكمال وأنا غير كامل فلو كنت مخلوقا من قبل ذاتي لكنت خلقت ذاتي كاملا لأنني أمتلك فكرة الكمال ولأن إعطائي لذاتي ضروب الكمال سيكون ولا ريب أقل صعوبة من أن أجذب نفسي من العدم وبما أني غير كامل فأنا اذن لم أخلق نفسي بنفسي.

يقول ولتر أن الموجودات برمتها تنادي برفيع صوتها ان لها بارئا قد برأها وصانعا قد أتقن صنعها.

وأما لينه العالم المعروف فإنه يقول يمر أمام عيني ربي الذي خلق كل شيء اني لا أراه ببصري ولكن نفسي تراه حين تشع عليها آثار عظمته وجلاله وترى ما اودع في هذا الكون من جلائل الأعمال وخوارق لا تعد يكفيني أن أرى الكائنات الحية الصغيرة جدا التي لا ترى بالعين المجردة كيف جهّزها الله بجوارح وأعضاء تحير العقول.

أليست القوانين نتيجة تدبّر وتفكر وتعقل وهل يجوز أن يوجد الترتيب والتنظيم دون مرتب ومنظم وهل من الممكن أن توجد عوالم الجماد والحيوان والنبات وما في السموات والأرض وحركة الكواكب والليل والنهار والأمطار والأنهار وأن ترتبط هذه الأشياء بعضها ببعض ارتباطا وثيقا دون مدبر حكيم عليم وأنه لا يحصل انتظام وترتيب في ما لا يحصى من أشياء متسلسلة مستندة بعضها على بعض بالصدفة ومع ذلك فلا بد من موجد لهذه الأجزاء المرتبطة بعضها

١٤

ببعض والتي تكاد لا تحصى بقوانين تحير العقول حتى يأتي دور الصدفة كيف حصل العقل من المادة على ما يقوله الماديون وكيف وجد الروح هل القوة كانت قبلا أم المادة وكيف انقلبت القوة الى مادة فلو قلنا أن هناك يدا خفية ولا بد منها أن تعمل في حدوث شيء من شيء آخر وتكامل بعض النباتات والحيوانات فذاك هو الله تعالى.

اعتراف جان بوجود الله تعالى :

يقول جان جاك روسو أن نعتقد أن مادة ميتة تقوى على إيجاد هذه الكائنات الحية الكثيرة ، وأن الضرورة العمياء تتمكن من خلق الموجودات العاقلة ، وأن شيئا عديم العقل يستطيع أن يوجد أشياء مدركة عقلا ، ومن البديهي أن الحركة ليست بأمر ذاتي من الجسم فلا بد من محرّك ومتصرف ، وأن سلسلة الحركات الكونية كلها تنتهي الى المحرك الأول وهو الله تعالى.

يقول هرشل :

كلما توسع افق العلم كلما ازددنا معرفة بالله ذلك لأن العلم يزودنا ببراهين قطعية على وجود الخالق الأزلي القدير الذي لا حد لقدرته.

النظر في أحوال الكون

يدل على خالق الكون :

ذكر الاستاذ المؤرخ أحمد أمين في الجزء الأول من كتابه التكامل ص ١٩٥ يرى المطالع في أحوال الكون أن الأنجم تسير في أفلاك معينة لا تحيد عنها وكل هذه الأفلاك أو المدارات التي تضبط بمعادلات رياضية متقنة تشير الى النظام الرائع والانتظام البديع الذي أودعه الله في هذا الكون ، يرى أن للخسوف أو الكسوف حسابات خاصة ودساتير معينة على وجه يمكن حساب زمان وقوعهما قبلا ومدة دوامهما.

١٥

يرى أنه لو لا ميلان مدار الأرض عن دائرة الكسوف ٢٣ درجة و ٣٧ دقيقة لما حدث اختلاف الليل والنهار الذي ينتج منه الحر والبرد واختلاف الفصول وفوائد لا تعد ولا تحصى (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) سورة الحج.

يرى المطالع في أحوال الكون لو لا حركة الأرض الوضعية لكان النصف من الكرة الأرضية في ظلام دائم والنصف الآخر في ضياء دائم واحتراق شديد (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) سورة النحل.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) سورة القصص.

يرى أن الحكمة البالغة جعلت السيارات (الكواكب) تدور على سير اهليلجي (قطع ناقص) حول الشمس على أن تكون الشمس أحد محراقيه (بؤرتيه).

يرى المطالع : أن الشعاع الحامل الذي يوصل الشمس باحدى السيارات (الكواكب) يقطع من أزمنة متساوية سطوحا متساوية وفي ذلك من الحكمة الفائقة.

يرى : أن مربعات أزمنة الدور النجومي للسيارات (الكواكب) تتناسب مع مكعبات نصف المحور الأطول لمداراتها وفي ذلك الحكمة العالية.

يرى المطالع في أحوال الكون : أن نظرية (لابلاس) في تشكيل المنظومة الشمسية موجودة بشكل صحيح لا يقبل الجرح والتعديل في القرآن الكريم :

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ).

١٦

يرى أن تشكل المطر أو الودق قد جاء ذكره في القرآن لتوجيه الناس الى عظيم صنع الله بقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) أي يسوق السحاب أو البخار ، (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ).

والجبال التي فيها من برد هي الثلاجات تتوجه من نوروج الى خليج مكزيك في المحيط الأطلسي.

الجاذبية العامة :

يرى المطالع في أحوال الكون : أن قوة خارقة تسيّر السيارات (الأنجم) بانتظام خاص وتمنعها عن الميدان والانحراف والاضطراب ، وهذا ما يعبّر عنه بالجاذبية العامة (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) سورة فاطر آية ٤٠.

يرى المطالع : أن الأشعة الكونية لها من الآثار والقوانين ما يعجز عن استقصائها العلماء وان اشتغلوا مئات السنين حتى يقول الفيزياوي نحن في ساحل بحر من المجهولات لا تدرك نهايته (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) سورة الحجر.

يرى : أن الأجزاء الصغيرة من الماء المعلقة في الهواء أو الأبخرة عند انقلابها الى الثلج الصقيع تأخذ أشكالا هندسية منظمة بديعة يعجز عن صنعها المهندسون.

يرى المطالع : من النظام المودع في مختلف أجزاء بدنه ووظائف كل من أعضائه وكذا في بقية الحيوانات (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة النور.

١٧

يرى المطالع : أنه لو كتب عشرات الكتب في ما اودع الله من خواص وقوانين في عين الانسان لكان هناك أيضا حقائق لا تعد ولا تحصى يجب أن تدوّن.

يرى : أن الحيوانات قد جهّزت بوسائل للدفاع عن نفسها الى درجة معينة لغرض خاص وأنها أقل من أن تفكر لنفسها في ما يسد رمقها ولكنها ترزق وتعيش على الرغم منها (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

يرى المطالع : أن في الأرض أدوية متنوعة لأمراض الانسان فلا يدري هل وجد الداء قبلا أم الدواء وما المناسبة بينهما وفي أي محل عقد مؤتمر حفظ النسل الانساني من الأمراض الفتاكة ومن أين أتت الحياة الى هذه الجراثيم الحية المولدة لشتى الأمراض.

يرى : عجائب لا تعد ولا تحصى في عالم النبات من بري وبحري والأمراض التي تعتريها وطرق معالجتها وأن الرياح تلعب دورا في تحقيق مهمة اللقاح ولم يكن هناك توافق نظر بين الرياح والنباتات.

يرى المطالع : الخوارق في حياة النحلة وكذا في كثير من الحيوانات وتلك النقوش البديعة على أجنحة الطيور والحشرات يستوحي منها كبار المصورين ويعجز عن ابتداعها الفنانون.

يرى في الكيمياء : النظام الرائع في تركيب العناصر وتشكل أجسام جديدة شتى (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) سورة الرعد.

يرى : ويحار من توزع الالكترونات حول البروتونات في بطن الذرة بطراز هندسي عجيب ويرى أن الالكترون يسيّر بإرادة عالية حكيمة من الخارج ولا يتبع المصادفات بوجه من الوجوه.

يرى : أنه لو كتب آلاف الكتب في تحقيق خواص الذرة ومعادلاتها لبقيت

١٨

هنالك أيضا حقائق مجهولة يجب الاعتراف بجهله لها (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ).

يرى المفكر في أحوال الكون : أن كل شيء قد أخذ قسطا من الكمال بقدر استعداده وقابليته (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) سورة الرعد ، وأن الكمال سائد في كل شيء ولا يشذ شيء عنه ، فالذرة كاملة والبروتون كامل والنيوترون كامل والايونات كاملة والوردة كاملة وشعاع روتنكن كامل (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) سورة بني اسرائيل.

أي أن كل شيء من تمام كماله وكمال تكامله وأنه يشير الى تنزه الباري جل جلاله من كل نقص والى حسن ابداعه وجليل إتقانه الخلق سبحانه وتعالى عما يشركون ولكنا لا نفقه درجة هذا الكمال وحقيقة هذا التنزيه إلا بقدر ما توصلت إليه معلوماتنا ومعارفنا ولم تصل معلوماتنا الى حد نفقه بها تسبيح الأشياء والكمال المودع فيها إلا ظواهر ومعلومات ضئيلة نسلي بها أنفسنا.

ومن هنا ظهر معنى الحديث الشريف : كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه ، فالمولود يولد موحدا معترفا بخالقه.

سؤال رجل ملحد لأبي الحسن :

دخل رجل من الزنادقة على أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) وعنده جماعة فقال أبو الحسن عليه‌السلام : أيها الرجل أرأيت إن كان القول قولكم وليس هو كما تقولون ألسنا وإياكم سواء شرعا لا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا؟ فسكت الرجل ، ثم قال أبو الحسن عليه‌السلام : وان كان القول قولنا وهو قولنا ألستم قد هلكتم ونجونا؟ فقال : رحمك الله أوجدني كيف هو وأين هو؟ فقال : ويلك إن الذي ذهبت إليه غلط ، هو أيّن الأين بلا أين وكيّف الكيف بلا كيف فلا يعرف بكيفوفية ولا بأينونية ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشيء.

١٩

فقال الرجل : فإذن انه لا شيء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : ويلك لما عجزت حواسك عن ادراكه أنكرت ربوبيته ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا بخلاف شيء من الأشياء. قال الرجل : فأخبرني متى كان ، قال أبو الحسنعليه‌السلام : أخبرني متى لم يكن فاخبرك متى كان ، قال الرجل : فما الدليل عليه؟ فقال أبو الحسن عليه‌السلام : أين ما نظرت الى جسدي ولم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المبينات علمت أن لهذا مقدرا ومنشئا.

ومن الواضح أنه لا يعرف الله تعالى أحد حق معرفته إلا هو ، فقد جاء في الحديث سبحان من لا يعلم كيف هو إلا هو.

اقرار فلاسفة العالم بوجود الله تعالى :

فالله تبارك وتعالى قد غرس اصول التوحيد والايمان في النفس الانسانية في عالم الذر في عالم الأرواح إتماما للحجة (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) سورة الأنعام ١٣٩ ، فهناك رسولان رسول باطني وهو العقل جعل الله الانسان مسئولا تجاهه فالعقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان ، ورسول ظاهري وهم الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين.

فالناس كانوا في قديم الزمان في وقت لا يحدده التاريخ مؤمنين بالله يوحدونه ويقدسونه ولكن الشيطان قد تسول لهم فأطاعوه بتلويث نفوسهم بالفسق والظلم فاظلمت النفوس وزاغت عن الصراط (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) سورة الصف ٥.

عن زرارة عن الباقر خامس أئمة الاثنا عشر عليه‌السلام قال : سألته عن قول

٢٠