عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣١١

ما معنى العصمة

العصمة عبارة عن قوة العقل من حيث لا يغلب مع كونه قادرا على المعاصي كلها كجائز الخطاء وليس معنى العصمة إن الله يجبره على ترك المعصية بل يفعل به الطافا يترك معها المعصية باختياره مع قدرته عليها كقوة العقل وكمال الفطانة والذكاء ونهاية صفاء النفس وكمال الاعتناء بطاعة الله تعالى ولو لم يكن قادرا على المعاصي بل كان مجبورا على الطاعات لكان منافيا للتكليف ولا إكراه في الدين والنبي اوّل من كلف حيث قال فأنا أول العابدين وأنا أول المسلمين وقال تعالى فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين ولأنه لو لم يكن قادرا على المعصية لكان أدنى من صلحاء المؤمنين القادرين على المعاصي التاركين لها.

وقال بعض المسلمين بتجويز المعاصي على الأنبياء بل بعضهم جوز الكفر عليهم قبل النبوة وبعدها وجوزوا عليهم السهو والغلط ونسبوا الى رسول الله (ص) السهو في القراءة مما يوجب الكفر فقالوا ورووا أنه (ص) صلى يوما صلاة الصبح وقرأ في سورة النجم عند قوله تعالى أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى ـ منها الشفاعة ترتجى.

نعوذ بالله من هذه الاعتقادات الفاسدة والمقالات الكاسدة فكيف كان فالذي عليه الامامية الاثنا عشرية أنه يجب في الحجة أن يكون معصوما من الكبائر والصغائر منزها عن المعاصي قبل النبوة وبعدها على سبيل العمد والنسيان وعن كل رذيلة ومنقصة وعما يدل على الخسة والضعة ويكون سببا لتنفر الناس عنه والدليل على وجوب العصمة مضافا الى النقل المتواتر واجماع الفرقة المحقة والطائفة الحقة أمور :

الأول أنه لو انتفت العصمة لم يحصل الوثوق بالشرائع والاعتماد عليها فان المبلغ اذا جوزنا عليه الكذب وسائر المعاصي جاز أن يكذب عمدا او نسيانا أو يترك شيئا مما أوحى إليه أو يأمر من عنده فكيف يبقى اعتماد على اقواله.

٤١

الثاني أنه ان فعل المعصية فاما أن يجب علينا اتباعه فيها فيكون قد وجب علينا فعل ما وجب تركه واجتمع الضدان وإن لم يجب انتفت فائدة البعثة.

الثالث أنه لو جاز أن يعصي لوجب ايذاؤه والتبرى منه لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن الله تعالى نص على تحريم ايذاء النبي (ص) فقال (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ).

الرابع أنه يلزم بعصيانه سقوط محله ورتبته عند العوام فلا ينقادون الى طاعته فتنتفى فائدة البعثة.

الخامس أنه يلزم أن يكون أدون حالا من آحاد الامة لأن درجة الأنبياء في غاية الشرف وكل من كان كذلك كان صدور الذنب عنه فحش كما قال تعالى (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) والمحصن يرجم وغيره يحد وحد العبد نصف حد الحرّ والاصل فيه أن علمهم بالله اكثر واتم وهم مهبط وحيه ومنازل ملائكته ومن المعلوم أن كمال العلم يستلزم معرفته والخضوع والخشوع له فينا فى صدور الذنب لكن الاجماع دل على أن النبي (ص) لا يجوز أن يكون اقل حالا من آحاد الأمة.

السادس انه يلزم أن يكون مردود الشهادة لقوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) فكيف يقبل عموم شهادته في الوحي واحكام الله تعالى ويلزم أن يكون أدنى حالا من عدول الامة وهو باطل بالاجماع.

السابع أنه لو صدر عنه الذنب لوجب الاقتداء به لقوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) والتالي باطل لأنه لو لم يكن معصوما لكان محل انكار ومورد عتاب كما في قوله تعالى أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وقوله تعالى (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) فيجب أن يكون مؤتمرا بما يأمر به منتهيا عما ينهى.

٤٢

الثامن أنه لو لم يكن معصوما لانتفى الوثوق بقوله ووعده ووعيده فلا يطاع في اقواله وافعاله فيكون إرساله عبثا.

التاسع أنه (١) يقبح من الحكيم أن يكلف الناس باتباع من يجوز عليه الخطاء فيجب كونه معصوما لأنه يجب صدقه إذ لو كذب والحال إن الله أمرنا باطاعته لسقط محله عن القلوب فتنتفى فائدة بعثته وقد استقصي الكلام في عصمة الأنبياء في تنزيه الأنبياء لعلم الهدى ومصابيح الأنوار لشبر.

والعمدة في ثبوت العصمة الأخبار المتظافرة عن أهل البيت من أن الأنبياء معصومون وتنزيههم عن ذلك واجماع الفرقة المحقة وما ورد في ظاهر الكتاب والسنة من نسبة الذنوب والمعاصي الى الأنبياء والأئمة فله محامل صحيحة عديدة وتأويلات سديدة مذكورة في مظانها.

ومنها أن الأنبياء لما كانوا مستغرقين في طاعة الله عزوجل ومراضيه ويعلمون انهم بمرأى من الله ومسمع ومطلع على ظواهرهم وبواطنهم وسرائرهم وعلانيتهم فاذا اشتغلوا احيانا عن ذكر ربهم لبعض المباحات زيادة على القدر الضروري عدوا ذلك ذنبا ومعصية في حقهم واستغفروا منه فان حسنات الابرار سيئات المقربين

لا اختيار للخلق في اختيار الواسطة نبيا كان او إماما

حيث ثبت وجوب عصمة الواسطة نبيا كان او إماما.

فلا خيرة للخلق حينئذ في اختياره بلا خلاف في النبي وخالف العامة في ذلك بالنسبة إلى الامام والفرق بينهما تحكم لأن العصمة من الأمور الباطنة التي لا يطلع عليها إلا علّام الغيوب فيمكن أن يكون ما نراه صالحا طالحا لأنهم لا يعلمون والله يعلم المفسد من المصلح فقد رأينا مثل موسى نبي الله من أولى العزم قد اختار من قومه سبعين فاوحى الله إليه انهم فاسقون كما نطق بذلك القرآن المجيد فكيف لسائر الناس بمعرفة الصالح من الطالح ولقوله تعالى (وربك يخلق

__________________

(١) حق اليقين تأليف العلامة شبر ص ٩٢.

٤٣

ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) فقد ذكر المفسرون من العامة إن هذه الآية نزلت في الرد على من قال لم لم يرسل غير هذا الرسول وحينئذ فهي دالة على أن صاحب الاختيار لا سيما في امور الدين هو الله الواحد القهار ولاختلاف آراء الناس في الاختيار فينجر إلى الفساد والاختلاف كما وقع في سقيفة بني ساعدة حيث قالوا منا امير ومنكم امير ولقصة موسى ولأن ذلك لطف من الله بعباده. وهو واجب على الله تعالى كما تقدم.

لمعرفة تلك الواسطة نبيا كان أو إماما طرق

أحدها المعجزة الخارقة للعادة كما قال تعالى (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) فإن الخلق إذا عجزوا عن الاتيان بمثله جزموا بأنه من الله فيصدقون.

الثاني نص السابق على اللاحق كما نص موسى وعيسى على خاتم الأنبياء فبشرهم برسول يأتي من بعده اسمه أحمد وذكر لهم أوصافه وإذا كانت نبوته عند امته ثابتة بالمعاجز وجب تصديقه في كلما أخبر به وكما أخبر نبينا الصادق بامامة الأئمة الاثنا عشر ونص عليهم نصا متواترا قد ذكره المخالف والمؤالف.

يجب أن يكون الواسطة أفضل أهل زمانه

يجب أن يكون ذلك الواسطة أفضل أهل زمانه عالما بجميع العلوم التي تحتاج رعيته إليها لاستحالة الترجيح بلا مرجح وقبح تقديم المفضول على الفاضل عقلا ونقلا آية ورواية ولقوله تعالى (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ولقوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وقوله تعالى (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ولأن الملائكة لما سألوا عن ترجيح آدم عليهم أجيبوا بالأعلمية كما قال تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الآية وقال تعالى في سبب ترجيح طالوت لما قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن

٤٤

أحق بالملك منه قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم أي في الشجاعة.

يجب تنزيه الأنبياء عن كفر الآباء والامهات

المشهور بين الامامية بل حكى عليه الاجماع أنه يجب تنزيه الأنبياء عن كفر الآباء والامهات وعهرهن لئلا يعيّروا ويعابوا في ذلك ولئلا ينفر عنهم فإن ما في الآباء من العيوب يعود إلى الأبناء عرفا لقوله تعالى (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) من انتقالك في أصلاب الساجدين لله الى أرحام الساجدات وقوله تعالى (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا).

عقيدة الامامية الاثنا عشرية بأن نبينا (ص) أفضل الأنبياء

يجب الايمان بأن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من الأنبياء والمرسلين ومن الملائكة المقربين لتظافر الأخبار بذلك وتواترها فيما هنالك قال (١) (ص) أنا سيد ولد آدم ولا فخر وقال (ص) أيضا أنا سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع وأول مشفع وقال (ص) أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا وفدوا وأنا مبشرهم إذا أيسوا لواء الحمد بيدي وأنا أكرم ولد آدم على الله وخاتم الأنبياء وقال (ص) آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة وقال (ص) كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وقال (ص) أنا أول الأنبياء خلقا وآخرهم بعثا وقال (ص) نحن الآخرون السابقون وقال إن الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل واصطفى من ولد اسماعيل كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم.

عقيدة الامامية الاثنا عشرية أن الأنبياء

مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي (١٢٤٠٠٠)

لا أعلم خلافا فيمن ذكر عدد الأنبياء أن عددهم مائة ألف وأربعة وعشرون

__________________

(١) حق اليقين شبر ص ١٠٥.

٤٥

ألف نبي ولكن قد خفيت علينا أكثر أسمائهم ولم نحط بجمل أحوالهم. قال الصدوق (ره) في اعتقاداته في عدد الأنبياء أنهم لكل نبي منهم وصي أوصى إليه بأمر الله تعالى ونعتقد فيهم انهم جاءوا بالحق من عند الله وأن قولهم قول الله تعالى وأمرهم أمر الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله تعالى وانهم لم ينطقوا إلا عن الله عن وحيه وأن سادة الأنبياء خمسة الذين عليهم دارت الرحى وهم أصحاب الشرائع من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدمه وهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد (ص) وهم أولو العزم وأن محمدا سيدهم وأفضلهم جاء بالحق وصدق المرسلين انتهى.

وفي الخصال والأمالي مسندا عن الرضا (ع) عن آبائه قال قال النبي (ص) خلق الله عزوجل مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي أنا أكرمهم على الله ولا فخر وخلق اللهعزوجل مائة الف وصي وأربعة وعشرين الف وصي فعلي أكرمهم على الله وأفضلهم.

وأيضا في الخصال ومعاني الأخبار مسندا عن أبي ذر (ر ض) قال قلت يا رسول الله (ص) كم النبيون قال مائة الف نبي وأربعة وعشرون الف نبي قلت كم المرسلون منهم قال ثلاث مائة وثلاثة عشر جما غفيرا قلت من كان أول الأنبياء قال آدم قلت وكان من الأنبياء مرسلا قال نعم خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه ثم قال يا أبا ذر أربعة من الأنبياء سريانيون آدم وشيث واخنوخ وهو ادريس وهو أول من خط بالقلم ونوح وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك محمد (ص) وأول نبي من بني اسرائيل موسى وآخرهم عيسى وستمائة نبي.

قلت يا رسول الله كم أنزل الله تعالى من الكتب قال مائة كتاب وأربعة كتب أنزل الله تعالى على شيث خمسين صحيفة وعلى ادريس ثلاثين صحيفة وعلى ابراهيم عشرين صحيفة وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والقرآن الحديث.

وروى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال كان ما بين آدم وما بين نوح

٤٦

من الأنبياء مستخفين ولذلك خفى ذكرهم في القرآن فلم يسموا كما سمي من استعلن من الأنبياء وهو قوله تعالى ورسلا لم نقصصهم عليك.

أولو العزم من الأنبياء خمسة

نعتقد أن أولى العزم من الأنبياء خمسة نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين.

والدليل على ذلك اجماع الفرقة المحقة وبذلك تظافرت الأخبار عن الأئمة الأطهار ورواه مخالفونا عن ابن عباس وقتادة ومن رأى من العامة من أن أولي العزم ستة أو أربعة لا يمكن المساعدة عليه بعد ورود النصوص عن أهل البيت عليهم‌السلام الذين هم أدرى بما في البيت.

الكلام في نبوة محمد بن عبد الله (ص)

نبي هذه الأمة محمد (ص) بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان والمشهور أن عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن حمل بن قيدار المدفون في ناحية زنجان بن اسماعيل بن إبراهيم الخليل بن تارخ بن ناخور بن شروع بن أرغو ابن قالع بن عابر بن شالح بن ارفخشد بن سام بن نوح بن مالك بن متوشلح بن أخنوخ ابن البارز بن مهلائيل بن قنيان بن انوش بن شيث بن آدم.

وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف.

والدليل على نبوته أنه ادعى النبوة وأظهر المعجز الخارق للعادة المطابق للدعوى وكل من كان كذلك فهو نبي لما تقدم أما المقدمة الأولى وهو أنه ادعى النبوة فمما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه إذ لا يشك أحد ولا يخالف في أن رجلا اسمه محمد بن عبد الله المعروف ظهر بمكة وادعى النبوة ، وأما المقدمة الثانية وهي أنه أظهر المعجز الخارق للعادة لذلك فهو متواتر لا يشك فيه من سلك سبيل الانصاف

٤٧

وتجنب طريق التعسف والاعتساف حتى أنه ضبط له (ص) الف معجزة أو أربعة آلاف وأربعمائة معجزة سماوية وأرضية على قول ابن شهرآشوب في مناقبه.

بل كله معجزة ولقد كانت أقواله وأفعاله وأحواله كلها معجزات باهرات وآيات واضحات تدل على صدقه وحقيته ونبوته ورسالته وكفى بكتاب الله معجزا عظيما.

ذكر العلامة المجلسي (ره) ان المشهور بين الامامية أنه ولد في يوم الجمعة في سابع عشر من ربيع الأول قريب طلوع الشمس بعد عام الفيل بأربعين سنة ومعجزاته أكثر من أن تحصى وأهمها وأكبرها كتابه الباقي الخالد الى يوم القيامة ، أهمها وأكبرها خلفاؤه الاثنا عشر إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا خصوصا أولهم ، بل جميع أقواله وأفعاله وسجاياه ونعوته وكذا أقوال أوصيائه وأفعالهم وأقوالهم وسجاياهم وأوصافهم أكبر معجزة في عالم البشرية لمن أمعن النظر وتدبر.

من معجزات نبينا الأكرم (ص) أوصياؤه المعصومون (ع)

لقد أجاد القائل إن من معجزات نبينا أوصياؤه المعصومون وعترته الطاهرون وظهورهم واحدا بعد واحد من ذريته في كل حين الى يوم الدين فان كلا منهم صلوات الله عليهم أجمعين حجة قائمة على صدقه وآية بينة على حقيته (ص) كما يظهر من التتبع لأحوالهم وملاحظة آثارهم والاطلاع على فضائلهم ومناقبهم والآيات الصادرة منهم والكرامات الظاهرة على أيديهم بسبب متابعتهم إياه واقتدائهم بهداه وهداه لأن بهم تقضى حوائج العباد وببركتهم يدفع الله أنواع البلاء عن البلاد وبدعائهم تنزل الرحمة وبوجودهم تصرف النقمة الى غير ذلك من بركات خيراتهم.

فكما أن القرآن معجزة لنبينا باقية الى يوم الدين يظهر منه صدقه وحقيته شيئا فشيئا ويوما فيوما لمن تأمله من اولي النهى فكذلك كل من عترته المعصومين معجزة له باقية النوع الى يوم الدين دالة على حقيقته لمن عرفهم بالولاية والحجية من الشيعة

٤٨

اولى الألباب ، ولهذا قال الرسول الأكرم (ص) «اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

عقيدة الامامية في القرآن الكريم

نعتقد أن القرآن هو الوحي الالهي المنزل من الله تعالى على لسان نبيه الاكرم محمد بن عبد الله (ص) فيه تبيان كل شيء ، وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف ، وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل على النبي (ص) ، ومن ادعى فيه غير ذلك فهو منحرف أو مغالط أو مشتبه وكلهم على غير هدى ، فانه كلام الله الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ).

ومن دلائل إعجازه أنه كلما تقدم الزمن وتقدمت العلوم والفنون فهو باق على طراوته وعلى سمو مقاصده وافكاره ، ولا يظهر فيه خطأ في نظرية علمية ثابتة ولا يتحمل نقض حقيقة فلسفية يقينية ، على العكس من كتب العلماء وأعاظم الفلاسفة مهما بلغوا في منزلتهم العلمية ومراتبهم الفكرية ، فانه يبدو بعض منها على الأقل تافها أو نابيا او مغلوطا كلما تقدمت الأبحاث العلمية وتقدمت العلوم النظرية المستحدثة حتى من مثل اعاظم فلاسفة اليونان كسقراط وافلاطون وأرسطو الذين اعترف لهم جميع من جاء بعدهم بالأبوة العلمية والتفوق الفكري.

وإليه يشير قول الصادق (ع) حينما قال له الراوي : ما بال القرآن لا يزال على النشر والدرس الا غضا (أي جديدا)؟ فقال الصادق (ع) : لأن الله تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس ، فهو في كل زمان جديد وعند كل قوم غض الى يوم القيامة.

٤٩

من دلائل اعجاز القرآن الآيات الكونية

لم يدون الله تعالى الآيات الكونية وغيرها التي تربو على (٧٥٠) آية في كتابه المجيد لتعليمنا علم طبقات الأرض أو الفلك أو غيرها من العلوم ، ذلك لأن ما أودع الله تعالى من قوانين وخواص في حقل طبقات الأرض أو في حقل علم الفلك وغيرها من الكثرة بحيث لا يمكن حصرها أوعدها (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً).

كلما مرت الأزمان والدهور يعلم عظمة القرآن الكريم.

وفي الأرض لا يوجد كلام الله الذي لا يكون محرفا غير القرآن الكريم فقد قال ابن عباس الذي هو من تلامذة علي بن أبي طالب (ع) «إن في القرآن معان سيكشفها الزمن».

وقد تقدم ان في القرآن الكريم سبعمائة وخمسون آية كونية تدل على عصارة ما توصل إليه العلم الحديث وما سيصل إليه في المستقبل.

بعض وجوه اعجاز القرآن

(الأول) أنه مع كونه مركبا من الحروف الهجائية المفردة التي يقدر على تأليفها كل واحد يعجز الخلق عن تركيب مثله بهذا التركيب العجيب والنمط الغريب ، كما في تفسير العسكري (ع) في الم قال : معناه إن هذا الكتاب الذي انزلته هو الحروف المقطعة التي منها الف لام ميم وهو بلغتكم وحروف هجائكم فأتوا بمثله إن كنتم صادقين.

(الثاني) من حيث امتيازه عن غيره مع اتحاد اللغة ، فان كل كلام وإن كان في منتهى الفصاحة وغاية البلاغة اذا زين ورصع بجواهر الآيات القرآنية وجدت له امتيازا تاما وفرقا واضحا يشعر به كل ذي شعور.

ونقل أنه كان في الأيام السابقة كل من انشأ كلاما أو شعرا في غاية الفصاحة والبلاغة علقه على الكعبة المعظمة للافتخار ، والقصائد المعلقات السبع مشهورة

٥٠

فاذا انشأ ما هو ابلغ منه رفعوا الأول وعلقوا الثاني ، فلما نزل قوله تعالى (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) رفعوا المعلقات من الكعبة واخفوها من الفضيحة.

(الثالث) من جهة غرابة الاسلوب واعجوبة النظم ، فان من تتبع كتب الفصحاء واشعار البلغاء وكلمات الحكماء لا يجدها شبيهة بهذا النظم العجيب والأسلوب الغريب والملاحة والفصاحة ، ويكفيك نسبة الكفار له الى السحر لأخذه بمجامع القلوب.

(الرابع) من حيث عدم الاختلاف فيه (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) فلا تجد فيه مع هذا الطول كلمة خالية من الفصاحة خارجة عن نظمه واسلوبه ، وافصح الفصحاء اذا تكلم بكلام طويل تجد في كلامه أو اشعاره غاية الاختلاف في الجودة والرداءة.

وأيضا لا اختلاف في معانيه ولا تناقض في مبانيه ، ولو كان مجعولا مفتريا كما زعم الكفار لكثر فيه التناقض والتضاد ، فان الكذاب لا حفظ له وفي المثل الفارسى «دروغ گو حافظه ندارد».

(الخامس) من حيث اشتماله على كمال معرفة الله وذاته وصفاته واسمائه مما تحير فيه عقول الحكماء والمتكلمين وتذهل عنه ألباب الاشراقيين والمشائيين في مدة مديدة من الأعوام والسنين.

(السادس) من حيث اشتماله على الآداب الكريمة والشرائع القويمة والطرق المستقيمة ونظام العباد والبلاد والمعاش ورفع النزاع والفساد في المعاملات والمناكحات والمعاشرات والحدود والأحكام والحلال والحرام مما تتحير فيه عقول الأنام ويذعن له أولو العقول والافهام ، ولو اجتمع جميع العقلاء والحكماء والعرفاء وبذلوا كمال جهدهم وسعوا غاية سعيهم في بناء قاعدة لنظام العالم والعباد مثل ما ذكر لعجزوا.

٥١

(السابع) من حيث اشتماله على الأخبار بخفايا القصص الماضية الخالية مما لم يعلمه احد إلا خواص أحبارهم ورهبانهم الذين لم يكن النبي (ص) معاشرا لأحد منهم ، كقصة اهل الكهف وشأن موسى والخضر وقصة ذي القرنين وقصة يوسف ونحوها.

(الثامن) من حيث اشتماله على الأخبار بالضمائر والعيوب مما لا يطلع عليه إلا علّام الغيوب ، كاخباره تعالى بأحوال الكفار والمنافقين وما يضمرونه في قلوبهم ويخفونه في نفوسهم ، وكان (ص) يخبرهم بذلك فيعتذرون.

(التاسع) من حيث اشتماله على الإخبار بالأمور المستقبلة والأحوال الآتية كما هي ، كقوله تعالى في اليهود (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) فلم يحكم منهم سلطان في جميع الأطراف ، وكالإخبار بعدم الاتيان بمثل القرآن كقوله تعالى (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) ، وكالاخبار بعدم تمني اليهود الموت في قوله تعالى (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً) وكالإخبار بعدم ايمان ابي لهب وجماعته ، وبدخول مكة للعمرة والرجوع إليها وبعصمة الرسول من شر الناس في قوله (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ، وبغلبة الروم ونحو ذلك.

(العاشر) من حيث اشتماله على الحكم القويمة والمواعظ المستقيمة ، كقوله تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً).

و (إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً). ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا. إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر انه كان بعباده خبيرا بصيرا. ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا. ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن

٥٢

قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا. ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ اشده واوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا واوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير واحسن تأويلا. ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا. ولا تمش في الأرض مرحا انك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا. كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها. ذلك مما أوحى أليك ربك من الحكمة» ولقوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ).

(الحادي عشر) من حيث أنه لا يخلق على طول الأزمان ولا يمل منه بل كلما تلوته ونظرته وجدته طريا ، وهذه الخاصية لا توجد في غيره.

فضل القرآن الكريم

ولنذكر جملة من الآيات والروايات الدالة على فضل القرآن :

قال الله تعالى (قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).

وقوله تعالى (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

وقوله تعالى (نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ).

والآيات في فضل القرآن كثيرة.

وفي تفسير العياشي عن النبي (ص) قال : أتاني جبرائيل فقال : يا محمد ستكون في امتك فتنة. قلت : فما المخرج منها؟ فقال : كتاب الله فيه بيان ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل

٥٣

من وليه من جبار فعمل بغيره قصمه الله ، ومن التمس الهدى في غيره اضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم ، لا تزيغه الأهوية ولا تلبسه الألسنة ولا يخلق على التردد ولا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء ، هو الذي لم تلبث الجن اذا سمعته أن قالوا (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) الحديث.

وفي رواية أخرى عنه (ص) : القرآن هدى من الضلالة وتبيان من العمى واستقالة من العثرة ونور من الظلمة وضياء من الأحداث وعصمة من الهلكة ورشد من الغواية وبيان من الفتن وبلاغ من الدنيا الى الآخرة ، وفيه كمال دينكم وما عدل احد من القرآن الا الى النار.

القول في عدم تحريف القرآن

قد اجمع علماء الامامية طرا على عدم وقوع التحريف في القرآن ، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الأعظم ، وقد صرح بذلك كثير من الأعلام :

(منهم) رئيس المحدثين الصدوق محمد بن بابويه ، وقد عد القول بعدم التحريف من معتقدات الامامية.

(ومنهم) شيخ الطائفة ابو جعفر محمد الطوسي ، وصرح بذلك في أول تفسيره (التبيان) ونقل القول بذلك أيضا عن شيخه علم الهدى السيد المرتضى واستدلاله على ذلك بأتم دليل.

(ومنهم) المفسر الشهير الطبرسى في مقدمة تفسيره مجمع البيان.

(ومنهم) شيخ الفقهاء الشيخ جعفر في بحث القرآن من كتابه (كشف الغطاء) وادعى الاجماع على ذلك.

(ومنهم) العلامة الجليل الشهشهاني في بحث القرآن من كتابه العروة الوثقى ونسب القول بعدم التحريف الى جمهور المجتهدين.

٥٤

(ومنهم) المحدث الشهير المولى محسن القاشاني في كتابيه الوافي ج ٥ ص ٢٧٤ وعلم اليقين ص ١٣٠.

(ومنهم) بطل العلم المجاهد الشيخ محمد الجواد البلاغي في مقدمة تفسيره آلاء الرحمن وإعجاز القرآن ص ٤١.

وقد نسب جماعة القول بعدم التحريف الى كثير من الأعاظم : منهم شيخ المشايخ المفيد ، والمتبحر الجامع الشيخ البهائي ، والمحقق القاضي نور الله من علماء الشيعة واضرابهم.

وممن يظهر منه القول بعدم التحريف كل من كتب في الإمامة من علماء المشايخ المفيد ، والمتبحر الجامع الشيخ البهائي ، والمحقق القاضي نور الله من علماء الشيعة واضرابهم.

وممن ظهر منه القول بعدم التحريف كل من كتب في الإمامة من علماء الشيعة وذكر فيه المثالب ولم يتعرض للتحريف ، فلو كان هؤلاء قائلين بالتحريف لكان ذلك اولى بالذكر من احراق المصحف وغيره ، والدليل على ذلك :

(١) قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر ١٥ / ٩) فان في هذه الآية دلالة على حفظ القرآن من التحريف وأن الايدي الجائرة لن تتمكن من التلاعب فيه.

(٢) قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت ٤١ ـ ٤٢) فقد دلت هذه الآية الكريمة على نفي الباطل بجميع اقسامه عن الكتاب ، فان النفي اذا ورد على الطبيعة افاد العموم ، ولا شبهة في ان التحريف من أفراد الباطل فيجب أن لا يتطرق إلى الكتاب العزيز.

(٣) أخبار الثقلين اللذين خلفهما النبي (ص) في امته وأخبر انهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض وأمر الأمة بالتمسك بهما ، وهما الكتاب والعترة الوجه فى ذلك أن القول بالتحريف يستلزم عدم وجوب التمسك بالكتاب المنزل لضياعه على الأمة بسبب وقوع التحريف ، ولكن وجوب التمسك بالكتاب باق الى يوم القيامة لصريح أخبار الثقلين فيكون القول بالتحريف باطلا جزما.

٥٥

واخبار الثقلين متظافرة من طرق الفريقين وتعرضها سيدنا الأستاذ الحاج السيد ابو القاسم الخوئي دام ظله في مقدمة تفسيره البيان ص ٧.

الكلام في سائر معجزات النبي (ص)

وهي اكثر من أن تحصى وأجل من ان تستقصى ، بل جميع اقواله وأفعاله واخلاقه وعاداته وسجاياه ونعوته وأوصافه معجزات باهرة وآيات ظاهرة تدل على رسالته ونبوته وصدقه وحقيته ، ولقد أحسن وأجاد من قال ونعم ما قال حيث قال «إن من شاهد احوال نبينا وأصغى الى سماع أخباره الدالة على اخلاقه وافعاله واحواله وآدابه وعاداته وسجاياه وسياسته لأصناف الخلق وهدايته الى ضبطهم وتألفه اصناف الخلق وقوده اياهم الى طاعته.

مع ما يحكى من عجائب اجوبته في مضائق الأسئلة وبدائع تدبيراته في مصالح الخلق ومحاسن اشاراته في تفصيل ظاهر الشرع الذي يعجز الفقهاء والعقلاء وفلاسفة العالم عن ادراك اوائل دقائقها في طول اعمار هم لم يبق له ريب ولا شك في أن ذلك لم يكن مكتسبا بحيلة تقوم بها القوة البشرية ، بل لا يتصور ذلك الا بالامتداد من تأييد سماوي وقوة إلهية ، وان ذلك كله لا يتصور لكذاب ولا لملبس بل كانت شمائله وأحواله شواهد قاطعة مصدقة ، حتى أن العربي القح كان يراه فيقول «والله ما هذا وجه كذاب» فكان يشهد له بالصدق بمجرد شمائله فكيف بمن يشاهد أخلاقه ويمارسه في جميع مصادره وموارده ، وقد آتاه الله جميع ذلك وهو رجل امين لم يمارس العلم ولم يطالع الكتب ولم يسافر قط في طلب العلم ولم يزل بين أظهر الجهال من الأعراب يتيما ضعيفا مستضعفا ، فمن أين حصل له ما حصل من محاسن الأخلاق والآداب ومعرفة مصالح الفقه مثلا فقط دون غيره من العلوم ، فضلا عن معرفته بالله وملائكته وكتبه وغير ذلك من خواص النبوة لو لا صريح الوحى ، ومن أين لبشر الاستقلال بذلك ، فلو لم يكن له إلا هذه الأمور الظاهرة لكان فيها كفاية ، فكيف وقد ظهر من معجزات

٥٦

آياته ما لا يستريب فيه محصل.

(١) من معجزاته (ص) شق القمر ، وقد خرق الله العادة على يده غير مرة إذ شق له القمر بمكة لما سألته قريش آية.

(٢) واطعم النفر الكثير في منزل جابر الانصاري وفي منزل أبي طلحة ويوم الخندق ، فمرة اطعم ثمانين رجلا من أربعة أمداد شعير وعناق وهو من أولاد المعز دون العتود ، ومرة اكثر من ثمانين بأقراص من شعير حملها انس في يده ومرة أهل الجيش من تمر يسير ساقته بنت بشر في يديها فأكلوا كلهم حتى شبعوا من ذلك وفضل لهم.

(٣) ونبع الماء من بين أصابعه فشرب أهل العسكر كلهم وهم عطاشى وتوضأ من قدح صغير ضاق أن يبسط يده ، وأهرق وضوؤه في عين تبوك ولا ماء فيها فجرت بماء كثير ، ومرة أخرى في بئر الحديبية فجاشت بالماء فشرب من تبوك أهل الجيش وهم ألوف حتى رووا انه قال لمعاذ «إن طالت بك الحياة فسترى هاهنا قد ملأ خياما» فكان كذلك ، وشرب من بئر حديبية الف وخمسمائة ولم يكن فيها قبل ذلك ماء ، وأمر بعض أصحابه أن يزود أربعمائة راكب من تمر كان في اجتماعه كربضة البعير وهو موضع بروكه فزودهم كلهم منه وبقي يحسبه ، ورمى الجيش بقبضة من تراب فعميت عيونهم ونزل بذلك القرآن في قوله

تعالى (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) ، وأبطل الكهانة بمبعثه (ص) فعدمت وكانت ظاهرة موجودة ، وحن الجذع الذي كان يخطب مستندا إليه لما عمل له المنبر حتى سمعه جميع أصحابه مثل صوت الابل فضمه إليه فسكن ودعاء اليهود إلى تمني الموت واخبرهم بأن لا يتمنونه فحيل بينهم وبين النطق بذلك فعجزوا عنه ، وهذه الآية مذكورة في سورة يقرأ بها في جميع جوامع أهل الاسلام من شرق الأرض الى غربها يوم الجمعة جهرا تعظيما للآية التي فيها.

واخباره (ص) بالغيوب حيث أخبر عمار بأنه ستقتله الفئة الباغية وقتله

٥٧

جيش معاوية ، وأن الحسن (ع) يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين وأخبر عن رجل قاتل في سبيل الله تعالى أنه من أهل النار فظهر أن الرجل قتل نفسه.

وهذه أشياء لا تعرف البتة بشيء من وجوه تقدمت المعرفة لا بنجوم ولا بكهانة ولا بكتب ولا بخط ولا بزجر ، لكن باعلام الله ووحيه إليه.

واتبعه (ص) سراقة بن جشعم فساخت قدما فرسه في الأرض واتبعه دخان حتى استغاثه فدعا له فانطلقت الفرس ، وانذره بأنه سيوضع في ذراعيه سوارى كسرى فكان كذلك ، واخبر بموت النجاشي بأرض الحبشة وصلى عليه بالمدينة ، واخبر بمقتل الاسود العبسى الكذاب ليلة قتله وهو بصنعاء اليمن واخبر بمن قتله ، وخرج على مائة من قريش ينتظرونه فوضع التراب على رءوسهم فلم يرده ، وشكا إليه البعير بحضرة اصحابه وتذلل له ، وقال لنفر من اصحابه مجتمعين «احدكم في النار ضرسه مثل أحد» فماتوا كلهم على استقامة وارتد واحد منهم فقتل مرتدا ، وقال الآخرين منهم «آخركم موتا في النار» فسقط آخر هم موتا في النار فاحترق فيها فمات ، ودعا شجرتين فاتياه فاجتمعتا ثم أمر هما فافترقتا.

ودعا النصارى الى المباهلة فامتنعوا واخبر انهم إن فعلوا ذلك هلكوا فعلموا صحة قوله (ص) فامتنعوا ، واتاه عامر بن الطفيل بن مالك واربد بن قيس فارسا العرب وفاتكاه عازمين على قتله فحيل بينهما وبين ذلك ودعا عليهما فهلك عامر بغدة وهلك أربد بصاعقة أحرقته ، وأخبر أنه يقتل أبي بن خلف الجمحي فخدشه يوم أحد خدشا لطيفا فكانت منيته ، واطعمه طعاما مسموما فمات الذي أكل معه وعاش هو بعده أربع سنين وكلمه الذارع المسموم ، واخبر يوم بدر أصحابه بمصارع صناديد قريش واوقفهم على مصارعهم رجلا رجلا فلم يتعد واحد منهم ذلك الموضع ، وانذر (ص) بأن طوائف من امته يغزون في البحر فكانت كذلك ، وزويت له الأرض فأري مشارقها ومغاربها واخبر

٥٨

بأن ملك امته سيبلغ ما وزي له منها فكان كذلك ، فقد بلغ ملكهم من أول المشرق من بلاد الترك الى آخر بلاد الغرب من بحر الأندلس وبلاد البربر ولم يتسعوا في الجنوب ولا في الشمال كما اخبر سواء بسواء.

واخبر ابنته فاطمة أنها اوّل أهله لحوقا به فكان كذلك واخبر نساءه بأن اطولهن يدا أسرعهن لحوقا به فكانت زينب بنت جحش الأسدية اطولهن يدا بالصدقة واولهن لحوقا به ، ومسح (ص) ضرع شاة حامل لا لبن فيها فدرت فكان ذلك سبب اسلام ابن مسعود ، وفعل ذلك مرة أخرى في خيمة أمّ معبد الخزاعية.

وبدرت عين بعض اصحابه فسقطت فردها بيده فكانت أصح عينيه واحسنهما ، وتفل في عين علي (ع) وهو ارمد يوم خيبر فصح من وقته وبعثه بالبراءة واخبر أنه سيظهر فكان ذلك وكانوا يسمعون تسبيح الطعام في يديه ، واصيبت عين رجل من اصحابه فمسحها فبرأت من حينها.

وقل زاد جيش كان معه فدعا بجميع ما بقي فاجتمع شيء يسير جدا فدعا فيه بالبركة ثم أمرهم فاخذوا فلم يبق وعاء في العسكر إلا ملئ من ذلك.

وحكى الحكم بن أبي العاص مشيه مستهزئا فقال (ص) «كذلك فكن» فلم يزل يرتعش حتى مات.

وخطب (ص) امرأة فقال ابوها ان بها برصا امتناعا من خطبته واعتذارا ولم يكن بها برص ، فقال فلتكن كذلك فبرصت.

اقول : وقد كان في بدنه الشريف معجزات باهرات :

فكان جبينه الشريف يضيء كالقمر المنير وإذا رفع يديه في بعض الأحيان اضاءت اصابعه الشريفة كالشموع.

وكان (ص) اذا مر بطريق عبقه من طيب بدنه ، وكان عرقه الشريف اطيب عطر ، وأتي (ص) بدلو فيه ماء فأخذ كفا من الماء وتمضمض به وصبه

٥٩

في الدلو فصار ذلك الماء اطيب من المسك.

وكان (ص) إذا قام في الأرض المشرقة من الشمس او القمر لم يظهر له فيها ظل ، وهذا يدل على أن له جهتين روحانية وجسمانية.

وكان (ص) مع كونه مربوع للقامة لم يظهر لأحد علو قامة عليه إذا مشى معه ، وكانت الطيور لا تعلوه ولا يطير على رأسه ولا على بدنه المبارك الذباب والبق ، ولم يكن النوم يعطل حواسه ، وكان نومه ويقظته سيان ، ولا يشم الروائح المنتنة ، ويفهم جميع اللغات ويتكلم بها ، وكان خاتم النبوة منقوشا على كتفه الشريف يزيد نوره على نور الشمس ، وظهرت في لحيته الشريفة سبعة عشر شعرة بيضاء تلمع كالشمس.

وولد (ص) مختونا مقطوع السرة طاهرا من الدم وسائر القذرات ساقطا على رجليه ساجدا إلى الكعبة رافعا يديه ورأسه الى السماء شاهدا بتوحيد الله ونبوة نفسه ، اضاء من نوره المشرق والمغرب ولم يحتلم قط ولم ير احد بوله ولا غائطه.

ولم يكن احد يعادله فى القوة قط ، وإذا مشى على الأرض الرخوة لم يؤثر فيها قدمه ، واذا مشى على الأرض الصلبة أثر فيها قدمه وبقى عليها ، وكان له مهابة في القلوب مع حسن اخلاقه وبشاشته.

اعتقاد الامامية الاثنا عشرية في معراج النبي (ص)

تعتقد الشيعة الامامية أن النبي (ص) عرج بجسمه وروحه إلى السماء والذي ينبغي أن يقال أن أصل الإسراء مما لا سبيل إلى انكاره فقد نص عليه القرآن الكريم بقوله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

وقد افتتحت السورة فيما ترومه من التسبيح إلى معراج النبي (ص) فذكرت اسراءه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس

٦٠