عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني

عقائد الإماميّة الإثنى عشريّة - ج ١

المؤلف:

السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣١١

إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم. قيل : يا رسول الله سمعهم لنا؟ قال علي منهم ، وابو ذر ، والمقداد ، وسلمان.

وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة القزويني عن حبيش بن جنادة قال : قال رسول الله (ص) : علي مني وأنا من علي ، ولا يؤدي عني إلا علي.

وأخرج الترمذي عن ابن عمر قال : آخى النبي (ص) بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه فقال : يا رسول الله آخيت بين اصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد؟ فقال (ص) : أنت أخي في الدنيا والآخرة.

وأخرج مسلم عن علي قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه عهد النبي (ص) إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق.

واخرج الترمذي عن ابى سعيد الخدري قال : كنا نعرف المنافقين ببغضهم عليا.

وأخرج البزاز والطبرانى في الأوسط عن جابر بن عبد الله والطبراني والحاكم والعقلي وابن عدي عن عمر والترمذي والحاكم عن علي قال : قال رسول الله (ص) أنا مدينة العلم وعلي بابها. وفي رواية فمن أراد العلم فليأت الباب. وفي اخرى عن الترمذي عن علي أنا دار الحكمة وعلي بابها. وفي أخرى عن ابن عدي علي باب علمي.

وأخرج الحاكم وصححه عن علي قال : بعثنى رسول الله إلى اليمن فقلت : يا رسول الله تبعثنى وأنا شاب اقضي بينهم ولا ادري ما القضاء؟ فضرب صدري بيده ثم قال : اللهم اهد قلبه وثبت لسانه ، فو الذي فلق الحبة ما شككت في قضاء بين اثنين.

وأخرج ابن سعد عن علي أنه قيل له : مالك اكثر أصحاب رسول الله حديثنا؟ قال (ع) : كنت إذا سألته انبأني واذا سكت ابتدأنى.

وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن جابر بن عبد الله قال : قال

١٠١

رسول الله (ص) الناس من شجر شتى وأنا وعلي من شجرة واحدة.

وأخرج البزاز عن سعد قال : قال رسول الله (ص) : لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك.

وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا غضب لم يتجرأ أحد أن يكلمه إلا علي.

وأخرج الطبرانى والحاكم عن ابن مسعود عن النبي (ص) قال : قال رسول الله إن النظر إلى علي عليه‌السلام عبادة. واسناده حسن.

وأخرج ابو يعلى والبزاز عن سعد بن ابى وقاص قال : قال رسول الله من آذى عليا فقد آذانى.

وأخرج الطبرانى بسند حسن عن أمّ سلمة عن النبي (ص) أنها قالت : سمعت رسول الله يقول : من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن أبغض الله.

وأخرج احمد والحاكم بسند صحيح عن ابي سعيد الخدري إن رسول الله قال لعلي : انك تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.

وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير عن أمّ سلمة قالت : سمعت رسول الله يقول : علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض.

وأخرج الحاكم وصححه عن ابي سعيد الخدري قال : اشتكى الناس عليا فقام فينا خطيبا فقال : لا تشكوا عليا فو الله انه لخشن في ذات الله أو في سبيله.

وأخرج احمد والضياء عن زيد بن أرقم أن رسول الله (ص) قال : اني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي ، فقال قائل ، وإني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته.

وأخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين إن رسول الله (ص) قال : ما تريدون من علي ، ان عليا مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن من بعدي.

١٠٢

وأخرج الطبراني عن ابن مسعود أن النبي (ص) قال : إن الله تعالى أمرنى أن أزوج فاطمة من علي (ع).

وأخرج الطبرانى عن جابر والخطيب عن ابن عباس أن النبي (ص) قال : إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب على بن ابي طالب (ع).

وأخرج الديلمي عن عائشة إن النبي (ص) قال : خير اخوتى علي ، وخير اعمامي حمزة ، وذكر علي عبادة.

وأخرج الديلمي عن عائشة والطبرانى والحافظ ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي (ص) قال : علي أسبق ثلاثة فالسابق الى موسى يوشع بن نون ، والسابق إلى عيسى صاحب ياسين ، والسابق إلى محمد (ص) علي بن أبى طالب (ع).

وأخرج ابن النجار عن ابن عباس أن النبي (ص) قال : الصديقون ثلاثة حزقيل مؤمن آل فرعون ، وحبيب النجار صاحب آل ياسين ، وعلي بن أبي طالب (ع). وأخرج ابو نعيم وابن عساكر عن أبي ليلى نحوه.

وأخرج الخطيب عن انس قال : قال (ص) عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن ابى طالب (ع).

وأخرج الحاكم عن جابر أن النبي (ص) قال : علي إمام البررة قاتل الفجرة منصور من نصره ومخذول من خذله.

وأخرج الدار قطني في الافراد عن ابن عباس إن النبي (ص) قال : علي باب حطة من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا.

وأخرج الخطيب عن البراء بن عازب والديلمي عن أنس ان النبي (ص) قال : علي يزهر في الجنة ككوكب الصبح لأهل الدنيا.

وأخرج ابن عدي عن علي (ع) أن النبي (ص) قال : علي يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين.

وأخرج البزاز عن النبي (ص) قال : علي يقضي ديني.

١٠٣

وأخرج الشيخان عن سهيل أن النبي (ص) وجد عليا مضطجعا في المسجد وقد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب ، فجعل النبي (ص) يمسح عنه ويقول قم يا أبا تراب ، قم يا أبا تراب ، ولذلك كانت هذه الكنية أحب الكنى إليه لأنه كناه بها.

وأخرج ابن ابى شيبة عن عبد الرحمن بن عوف قال : لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة انصرف إلى الطائف فحصرها سبعة عشر او تسعة عشر يوما ، ثم قام خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال : أوصيكم بعترتى خيرا ، وان موعدكم الحوض ، والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة او لأبعثن إليكم رجلا مني وهو كنفسى يضرب اعناقكم ، ثم أخذ بيد علي (ع) ثم قال : وهو هذا.

وفي رواية أنه قال (ص) في مرض موته : أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا ينطلق بى ، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ، الا انى مخلف فيكم كتاب الله ربى عزوجل وعترتى أهل بيتي ، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال : هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لا يفترقان حتى يردا على الحوض فاسألهما ما خلفت فيهما.

وأخرج احمد في المناقب عن علي (ع) قال : طلبنى النبي (ص) فوجدني نائما في حائط ، فضربني برجله وقال : قم فو الله لأرضينك أنت أخي وأبو ولدي ، تقاتل على سنتي ، من مات على عهدي فهو في كنز الجنة ، ومن مات على عهدك فقد قضى نحبه ، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والايمان ما طلعت الشمس أو غربت.

وروى ابن السماك أن أبا بكر قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي (ع) الجواز.

وأخرج ابى عن ابى هريرة قال : قال عمر بن الخطاب : علي اقضانا.

١٠٤

وأخرج الحاكم عن ابن مسعود قال : اقضى اهل المدينة علي (ع).

وعن سعيد بن المسيب قال : كان عمر بن الخطاب يتعوذ بالله من معضلة ليس لها ابو الحسن ـ يعني عليا.

واخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ما أنزل الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلا وعلي اميرها وشريفها ، وقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان وما ذكر عليا إلا بخير.

وأخرج ابن عساكر عنه قال : ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي عليه‌السلام.

وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : نزل في علي امير المؤمنين عليه‌السلام ثلاثمائة آية.

وأخرج الطبراني عنه قال : كانت لعلي (ع) ثمانى عشرة منقبة ما كانت لأحد من هذه الأمة.

وأخرج أبو يعلى عن ابي هريرة قال : قال عمر بن الخطاب : لقد أعطي علي ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إلى من أن أعطى حمر النعم ، فسئل وما هي؟ قال : تزويجه ابنته فاطمة عليها‌السلام ، وسكناه المسجد لا يحل فيه لأحد ما يحل له ، والراية يوم خيبر. وروى أحمد بسند صحيح عن ابن عمر نحوه.

وأخرج أحمد وأبو يعلى بسند صحيح عن علي (ع) قال : ما رمدت ولا صرعت منذ مسح رسول الله وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين اعطانى الراية.

ولما دخل علي الكوفة في زمان خلافته دخل عليه حكيم من العرب فقال : والله يا أمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زينتك وما رفعتك ، وهي كانت أحوج أليك منك إليها.

وأخرج السلفى في الطبريات عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت

١٠٥

ابى عن علي (ع) ومعاوية فقال : اعلم أن عليا كان كثير الاعداء ففتش له اعداؤه شيئا فلم يجدوا فجاءوا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيدا منهم له.

ومن كراماته الباهرة أن الشمس ردت عليه (ع) لما كان رأس النبي (ص) في حجره والوحي ينزل عليه وعلي لم يصل العصر ، فما سرى عنه (ص) إلا وقد غربت الشمس ، فقال النبي (ص) اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس ، فطلعت بعد ما غربت. وحديث ردها صحيح رواه الطحاوي والقاضي في الشفاء وحسنه شيخ الإسلام ابو زرعة وتبعه غيره ، وردوا على جميع من قال أنه موضوع وزعمه فوات الوقت فلا فائدة بردها ، إذ هو في محل المنع إذ فيها كرامة لعلي.

قال سبط ابن الجوزي : وفي الباب حكاية عجيبة حدثني بها جماعة من مشايخنا بالعراق أنهم شاهدوا أبا منصور المظفر بن اردشير العبادي الواعظ ذكر بعد العصر هذا الحديث ونمقه بألفاظه وذكر فضائل أهل البيت ، فغطت سحابة الشمس حتى ظن الناس أنها قد غابت فقام على المنبر واومأ إلى الشمس وأنشد :

لا تغربي يا شمس حتى ينتهي

مدحي لآل المصطفى ولنجله

واثني عنانك إن أردت ثناهم

أنسيت إذ كان الوقوف لأجله

إن كان للمولى وقوفك فليكن

هذا الوقوف لخيله ولرجله

قالوا : فانجاب السحاب وطلعت الشمس.

وأخرج الديلمي عن ابي سعيد الخدري أن النبي (ص) قال (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) عن ولاية علي ، وكان هذا هو مراد الواحدي بقوله في الآية (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) عن ولاية علي (ع) وأهل البيت ، لأن الله تعالى أمر نبيه أن يعرف الخلق أنه لا يسألهم على تبليغ الرسالة إلا المودة في القربى ، والمعنى أنهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما اوصاهم النبي (ص) أم أضاعوها وأهملوها ، فتكون عليهم المطالبة والتبعة.

١٠٦

وأخرج ابن سعد عن علي (ع) قال : اخبرني رسول الله (ص) ان أول من يدخل الجنة أنا وفاطمة والحسن والحسين. قلت : يا رسول الله فمحبونا؟ قال من ورائكم.

وأخرج الطبراني عن علي قال : إن خليلي رسول الله (ص) قال : يا علي انك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين ، ويقدم عليك اعداؤك غضابا مقمحين.

وقال في الصواعق أيضا في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أخرج الحافظ جمال الدين عن ابن عباس إن هذه الآية لما نزلت قال النبي (ص) لعلي : أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي اعداؤك غضابا مقمحين. فقال : ومن عدوي؟ قال : من تبرأ منك ولعنك ، وخير السابقين إلى ظل العرش يوم القيامة طوبى لهم. قيل : ومن هم يا رسول الله قال : شيعتك يا علي ومحبوك.

وأخرج عمرو الأسلمي ـ وكان من اصحاب الحديبية مع علي الى اليمن ـ فرأى منه جفوة فلما قدم المدينة اذاع شكايته ، فقال له النبي (ص) : والله لقد آذيتنى. فقال : أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله. فقال : بلى من آذى عليا فقد آذاني. أخرجه احمد بن حنبل ، وزاد ابن عهد البر : من أحب عليا فقد أحبني ومن ابغض عليا فقد ابغضنى ، ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، وكذلك وقع لبريدة أنه كان مع علي (ع) في اليمن فقدم مغضبا عليه واراد شكايته بجارية اخذها من الخمس ، فقيل له : أخبره ـ يعنى النبي (ص) ليسقط من عينيه ، ورسول الله يسمع من وراء الباب ، فخرج مغضبا فقال : ما بال اقوام يبغضون عليا ، ألا من أبغض عليا فقد ابغضنى ، ومن فارق عليا فقد فارقنى ، إن عليا مني وأنا منه ، إن عليا خلق من طينتي وخلقت من طينة ابراهيم وأنا أفضل من ابراهيم (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يا بريدة أما علمت أن لعلي اكثر من الجارية التى أخذ ـ الحديث.

١٠٧

وأخرج احمد والترمذي عن جابر قال : ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم عليا(ع).

وأخرج الطبراني : يا علي معك يوم القيامة عصى من عصى الجنة تذود بها المنافقين عن الحوض.

وأخرج الملاء أن رسول الله (ص) ارسل أبا ذر الغفاري ينادي عليا ، فرأى رحى تطحن في بيته وليس معها أحد ، فأخبر النبي (ص) بذلك فقال : يا أبا ذر أما علمت إن لله ملائكة سياحين في الأرض قد وكلوا بمعونة آل محمد.

وأخرج ابن عبد البر أنه كان ابو بكر يكثر النظر إلى وجه علي (ع) ، فسألته فقال: سمعت رسول الله يقول : النظر إلى وجه علي عبادة. ومر نحو هذا وأنه حديث حسن.

ولما جاء أبو بكر وعلي إلى زيارة قبر رسول الله (ص) بعد وفاته بستة أيام قال علي : تقدم يا أبا بكر ، فقال ابو بكر : ما كنت لأتقدم على رجل سمعت رسول الله (ص) يقول فيه : علي مني كمنزلتي من ربي.

وأخرج الدار قطني أن عمر سأل عليا عن شيء فأجابه ، فقال عمر : أعوذ بالله ان أعش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن.

وأخرج أيضا أنه قيل لعمر : انك تصنع بعلي شيئا ما تفعله ببقية الصحابة؟ فقال : انه مولاي.

واخرج أيضا جاء اعرابيان يختصمان ، فأذن لعلي (ع) في القضاء ، فقضى بينهما فقال احدهما : هذا يقضي بيننا ، فوثب إليه عمر وقال : ويحك هذا مولاي ومولى كل مؤمن ، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن ـ انتهى ما نقلناه من الصواعق المحرقة لابن حجر.

اقول : ولو رمنا الاتيان بجميع الأخبار التي رواها المخالفون فضلا عن الامامية وكتبهم وصحاحهم وزبرهم وبيناتهم لاحتجنا إلى كتب كثيرة ، فان

١٠٨

الفضائل التي ذكروها لا تحصى والمناقب التي سطروها لا تستقصى ، ولو كان البحر مدادا والأشجار اقلاما والثقلان كتابا والملائكة حسابا لما أحصوا عشر معشار مناقبه ، كما في الأثر والعيان يغنى عن النقل والخبر ، ولعمري لو لم يقع عليه نص بالخلافة لكانت صفاته الطاهرة ومناقبه الباهرة وأخلاقه الفاخرة ونعوته الزاهرة نصوصا صريحة وبراهين صحيحة ، فكيف وقد وقع ذلك.

علي عليه‌السلام في نظر العظماء والأعداء

قال النظام : تحيرنا في علي إن أحببناه قتلنا وإن ابغضناه كفرنا.

وقال الشافعي : ما اقول في رجل أخفت اعداؤه فضائله حسدا وأخفت أولياؤه فضائله خوفا ، وقد شاع من بين ذين ما ملأ الخافقين.

قال ابو بكر بن عياش : ضرب علي بن أبي طالب ضربة ما كان في الإسلام أيمن منها ، ضربته لابن عبد وديوم الخندق.

قال عمر بن عبد العزيز : ما علمنا أن احدا من هذه الأمة بعد رسول الله أزهد من علي بن أبي طالب ، ما وضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة.

قال الخليل بن احمد : احتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل دليل على أنه امام الكل.

قال روسكو الفرنسي : ما وجدت في التاريخ من يستحق كلمة انسان بتمام مفهومها سوى رجل واحد هو علي.

عبد العزيز بن مروان بن الحكم يقول لولده : يا بني إن بنى مروان ما زالوا يشتمون عليا ستين سنة فلم يزده الله إلا رفعة ، وإن الدين لم يبن شيئا فهدمته الدنيا وإن الدنيا لم تبن شيئا إلا عادت على ما ثبت فهدمته.

قال معاوية يرد على محفن بن أبي محفن الضبي حينما يتهم عليا بالبخل والجبن والعي فيقول : أعلي كان ابخل الناس ، والله لو كان لعلي بيت من تين وبيت من تبر لأنفق تبره قبل تبنه؟ أعلي كان أجبن الناس وهل وقف في الحروب دون

١٠٩

رسول الله غير علي وهل كانت وقعة بدر إلا لعلي وهل كانت وقعة أحد إلا لعلي؟ أعلي كان اعيى الناس وهل سن الفصاحة لقريش غير علي؟

في كتاب قبس من حياة امير المؤمنين (ع) تأليف العلامة السيد جواد شبر ص ٢٤ : وعند ما استمع أحد علماء أوربا إلى كلمة الإمام «سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن طرق السماوات» قال : إن هذا الرجل ـ يعني عليا (ع) ـ لا شك انه كان عالما بذلك ، ولو كان غير عالم لما كرر هذا القول ، فعند ما يعجز عن الرد على سؤال واحد لم يعد يقول ، ولو سألوه عن المريخ أو الزهرة او عن كرة القمر لأجابهم بما عنده من العلوم لأنه كان يطلب ذلك عينا دون غيره ، ولو سئل عن ذلك لما تعبنا اليوم ونحن ننصب (التلسكوبات) وآلات التكبير لكشف جرم واحد من هذه الأجرام السماوية فلم نتوصل إليه ، وهذا من علوم الإمام التي سبق بها الزمن ، إذن يحق لنا أن نقول ان أمير المؤمنين اوّل من دعا الى ملاحة الفضاء قبل ثلاثة عشر قرنا.

وأليك ما رواه الشيخ الطريحي في كتاب مجمع البحرين ص ١٢٨ في مادة (كوكب) قوله (ع) : «هذه النجوم التي في السماء مدائن كالمدائن التي في الأرض كل مدينة منها مربوطة بعمود من نور طول كل عمود مسيرة مائتين وخمسين عاما في السماء»

يريد (ع) بذلك الجاذبية الشمسية التي تنتظم السيارات بها وتدور حولها ، وروى الحديث نفسه علامة العصر الجديد السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني في كتابه (الهيئة والإسلام) نقلا عن دائرة المعارف (بحار الأنوار) للمجلسي المتوفى سنة ١١١١ ه‍ في الجزء الرابع عشر. وقال السيد معلقا على الحديث : ظاهر الخبر يرشدنا إلى وجود مدن وعمران في الكرات السماوية ، وهو مستلزم لوجود الأهالي والسكان كما ظهر ذلك للمتأخرين في نجمة المريخ.

وقوله (ع) «مربوطة بعمود من نور» قد يكون اشارة إلى تأثير جاذبية الشمس في حفظ نظام النجوم السيارة واتصال حامل الجاذبية بالنجوم على نحو

١١٠

الخط العمودي كما اتفق عليه الحكماء المتأخرون اجمع.

وقال الاستاذ الورع احمد امين في كتابه التكامل في الاسلام ج ٥ ص ٨٣ : كان علي (ع) رياضيا ملهما وفلكيا بارعا وفيزياويا عظيما وكيمياويا كاملا وهكذا في بقية الفروع العلمية من نبات وفسلجة وطبقات الأرض ، ولقد بلغ الدرجة القصوى من الإتقان والكمال ، وما كان ليتردد عليه أفضل الصلاة والسلام عند الإجابة على سؤال ، وقد سئل عن مسائل شتى في شتى المواضيع فأجاب بالبديهة وبصورة ارتجالية دون ما تفكير وبشكل موجز مفهوم.

خلاصة الكلام في اصول الدين

عند الامامية الاثنا عشرية

ذكر استاذ جعفر الخليلي في موسوعة العتبات المقدسة ص ٢٦١ ان أصول الدين عند الشيعة الإمامية خمسة :

الأول ـ التوحيد.

الثاني ـ العدل.

الثالث ـ النبوة.

الرابع ـ إمامة الأئمة الاثنى عشر.

الخامس ـ المعاد.

وقد تقدم ذكر أدلة كل واحد مفصلا كل في بابه على حده.

ومن الواجب أن يتدبر المسلم اصول دينه وعقائده بالتتبع واعمال الفكر وأخذ العقيدة بهذه الأصول عن طريق العقل ، فلا يجوز تقليد الغير في العقيدة ما دام الله قد وهب له عقلا يجب عليه أن يستخدمه ويمرنه في النظر إلى الأشياء لاكتساب المعرفة بخالقه وفهم الأمور واخذها بميزان البصيرة والأصول المنطقية الصحيحة ، قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).

١١١

وقد ذم المقلدين في كتابه العزيز بقوله : (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً) كما ذم من يتبع ظنونه ورجمه بالغيب فقال : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ).

والحقيقة أن العقول هي التي فرضت علينا النظر في الخلق ومعرفة خالق الكون كما فرضت علينا النظر في دعوة النبي وإمامة الامام والوصي ، فلا يصح عند الشيعة تقليد الغير في ذلك مهما كان ذلك الغير منزلة وخطرا وشأنا.

قال العلامة (قدس‌سره) في باب الحادي عشر : اجمع العلماء كافة على وجوب معرفة الله وصفاته الثبوتية والسلبية والنبوة والإمامة والمعاد بالدليل لا بالتقليد ، وقد اجمع العلماء قاطبة أيضا على ان اصول الدين لا يكفي فيها الظن وإن وصل إلى رتبة الاطمئنان وتآخم العلم والاعتقاد ، وأن المعرفة واجبة ، وهي عند الشيعة أصلية ومأخوذة من قول الامام علي بن أبي طالب «اوّل الدين المعرفة» وبناء على هذا فان الواجب يقضى بأن تجيء المعرفة بأصول الدين الخمسة عن طريق الدليل والايمان العقلي. وجاء في ذم التقليد أيضا قوله تبارك وتعالى (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) وقوله (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) وقوله (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ).

عقائد الامامية في التقليد في الفروع

اما فروع الدين ـ وهي أحكام الشريعة المتعلقة بالأعمال ـ فلا يجب فيها النظر والاجتهاد ، بل يجب فيها اذا لم تكن من الضروريات في الدين الثابتة بالقطع كوجوب الصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج والجهاد وغير ذلك من الفروع أحد امور ثلاثة : يجتهد وينظر في أدلة الأحكام اذا كان اهلا لذلك ، واما أن يحتاط في اعماله اذا كان يسعه الاحتياط ، واما ان يقلد المجتهد الجامع للشرائط

١١٢

بأن يكون من يقلده عاقلا عادلا صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه ، فمن لم يكن مجتهدا ولا محتاطا ولم يقلد المجتهد الجامع للشرائط فجميع عباداته باطلة لا تقبل منه وان صلى وصام وتعبد طول عمره ، إلا اذا وافق عمله رأي من يقلده بعد ذلك وقد اتفق له أن عمله جاء بقصد القربة الى الله تعالى.

عقائد الامامية الاثنا عشرية في الاجتهاد

نعتقد أن الاجتهاد في الأحكام الفرعية واجب بالوجوب الكفائي على جميع المسلمين في عصر غيبة الامام من تاريخ ٣٢٩ الى زماننا ١٣٨٧ ه‍ ، بمعنى أنه يجب على كل مسلم في كل عصر ، ولكن اذا نهض به من به الغنى والكفاية سقط عن باقي المسلمين ويكتفون بمن تصدى لتحصيله وحصل على مرتبة الاجتهاد وهو جامع للشرائط فيقلدونه ويرجعون إليه في فروع دينهم ، ففي كل عصر يجب أن ينظر المسلمون إلى انفسهم ، فان وجدوا من بينهم من تبرع بنفسه وحصل على رتبة الاجتهاد التي لا ينالها إلا ذو حظ عظيم وكان جامعا للشرائط التي تؤهله للتقليد اكتفوا به وقلدوه ورجعوا إليه في معرفة احكام دينهم ، وإن لم يجدوا من له هذه المنزلة وجب عليهم أن يحصل كل واحد رتبة الاجتهاد او يهيئوا من بينهم من يتفرغ لنيل هذه المرتبة حيث يتعذر عليهم جميعا السعي لهذا الأمر او يتعسر ، ولا يجوز لهم أن يقلدوا من مات من المجتهدين.

والاجتهاد هو النظر في الأدلة الشرعية لتحصيل الأحكام الشرعية الفرعية التي جاء بها سيد المرسلين (ص) ، وهي لا تتبدل ولا تتغير بتغير الزمان والأحوال «حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة».

والأدلة الشرعية هي : الكتاب ، والسنة النبوية والأحاديث التي رواها الرواة الثقات عن أئمة الهدى ، والاجماع ، والعقل على التفصيل المذكور في كتب اصول الفقه.

وتحصيل رتبة الاجتهاد يحتاج الى كثير من المعارف والعلوم التي لا تتهيأ

١١٣

إلا لمن جد واجتهد وفرغ نفسه وبذل وسعه لتحصيلها.

عقائد الامامية في المجتهد

وعقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط أنه نائب عام للامام عليه‌السلام في حال غيبته ، وهو الحاكم والرئيس المطلق له ما للامام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس ، والراد عليه راد على الامام والراد على الامام راد على الله تعالى ، وهو على حد الشرك بالله كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت عليهم‌السلام.

النبي محمد بن عبد الله (ص)

(ولادته): ذكر العلامة المعاصر المؤرخ الجليل السيد جواد شبر في الموسوعة : ولد النبي (ص) في السابع عشر من ربيع الأول ، وعليه اتفاق الشيعة الاثني عشرية ، كما أن المشهور عند العامة أنه ولد لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول ، وإلى هذا للقول ذهب الشيخ محمد بن يعقوب الكليني في كتابه «اصول الكافي» ، وهناك من يرى رأي الامامية في أن مولده الشريف كان في السابع عشر من ربيع الأول بمكة المكرمة في الدار المعروفة بدار محمد بن يوسف الثقفي.

وجاء في كتاب السيرة النبوية كان يوم الجمعة وهو المشهور. وروى الطبري عن ابن إسحاق أنه كان يوم الاثنين عند طلوع الشمس وقيل عند الفجر ، وقيل عند الزوال.

وانفق الرواة أن مولده الشريف كان في عام الفيل بعد خمسة وخمسين يوما او خمسة واربعين يوما او ثلاثين يوما من هلاك اصحاب الفيل ، وانزل الله تعالى سورة الفيل في حقهم.

وكانت ولادته ٢٥ اغسطس سنة ٥٧٠ ميلادية ، لأربعين سنة خلت من حكم كسرى أنوشروان خسرو بن قباذ بن فيروز ، والحديث المعروف شاهد على ما قلنا «أنا ولدت في زمن الملك العادل».

١١٤

وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن مرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، ماتت وعمره ستة وستون يوما ، ومات ابوه عبد الله في شبابه في المدينة المنورة كما حكاه المجلسي والنبي (ص) حمل في بطن أمه.

وقال الطبرسي في اعلام الورى : أن عبد الله مات وعمر النبي (ص) سنتان وأربعة اشهر. وقال الكليني : كان عمره يوم وفاة ابيه شهرين.

عاش مع جده عبد المطلب ثماني سنوات ، وبعد وفاة عبد المطلب كفله عمه ابو طالب شيخ البطحاء ، فكان يكرمه ويحميه وينصره بيده ولسانه طول حياته ، وسيجيء بقية حالات ابي طالب في شرح ابنه الكريم علي امير المؤمنين (ع)

وتزوج بخديجة بنت خويلد اولى زوجاته (ص) وعمره خمس وعشرون سنة ولم يتزوج غيرها حتى ماتت ، وبقي بعدها سنة بدون زوجة.

(بعثته):

وبعث بالنبوة في السابع والعشرين من رجب وله من العمر أربعون سنة ، وتوفي ابو طالب «رض» وعمر النبي (ص) ستة واربعين سنة وثمانية اشهر وأربعة وعشرون يوما ، وقد عاش مع عمه هذا اثنين واربعين سنة منها سبع عشرة في بيته ، ولم يمكث بعد عمه في مكة غير ثلاث سنين.

وجاء في كتاب الاصابة لابن حجر ج ٧ ص ١١٣ أن النبي (ص) خرج عند وفاة عمه ابي طالب وقال برقة وحزن وكآبة : لقد وصلت وجزيت خيرا يا عم فلقد ربيت وكفلت صغيرا ونصرت وآزرت كبيرا.

وتوفيت خديجة «رض» وابو طالب في عام واحد ، ودفنا في مقبرة الحجون في مكة المكرمة (ولقد زرت قبر هما مرارا اللهم ارزقني زيارتهما في الدنيا وفي الآخرة شفاعتهما بحق محمد وآله الطاهرين) ، فسمى رسول الله (ص) ذلك العام بعام الحزن.

وهاجر النبي (ص) الى المدينة في أول ليلة من ربيع الأول ، ودخلها

١١٥

في الثاني عشر منه بعد أن مكث في مكة المكرمة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة ، وبقي في المدينة عشر سنين ثم توفى (ص) في ٢٨ صفر المظفر العاشرة من الهجرة النبوية.

(صفاته):

جاء في تاريخ ابن الأثير قال علي بن أبى طالب (عليه‌السلام) : كان رسول الله (ص) ليس بالطويل ولا بالقصير ، ضخم الرأس واللحية ، شئن الكفين والقدمين ، ضخم الكراديس ، مشربا وجهه حمرة ، طويل المسربة ، إذا مشى تكافأ تكافأ كأنما ينحط من صبب ، لم أر قبله ولا بعده مثله ، وكان ادعج العينين سبط الشعر ذا وفرة كأن عنقه ابريق فضة ، اذا التفت جميعا كأن العرق في وجهه اللؤلؤ الرطب لطيب عرقه وريحه.

قال ابو عبيدة وغيره «شثن الكفين والقدمين» يعني انهما إلى الغلظ اقرب ، وقوله «ضخم الكراديس» يعني الواح الاكتاف ، و«المسربة» هي ما بين السرة واللبة ، و«الصبب» الانحدار ، و«الدعج» في العين هو السوداء ، و«السبط» من الشعر ضد الجعد.

قال أنس : كان رسول الله (ص) اشجع الناس واسمع الناس وأحسن الناس ، وقع في المدينة فزع فركب فرسا عريا فسبق الناس إليه ، فجعل يقول : ايها الناس لم تراعوا لم تراعوا.

وقال علي بن ابي طالب (ع) : كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله ، فكان اقربنا الى العدو. وكفى بهذا شجاعة أن مثل علي الذي هو هو في شجاعته يقول مثل هذا ـ انتهى.

وجاء في مسند احمد بن حنبل ج ١ ص ١٥٨ بسنده عن علي قال : كنا اذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله ، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه (ص).

١١٦

ومما وصفه به احد الواصفين قال : من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة احبه ، وكان كثير الابتهال دائم السؤال من الله تعالى أن يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق ، فكان يقول في دعائه : اللهم حسن خلقي وخلقي ويقول : اللهم جنبني منكرات الأخلاق.

وروى مسلم في صحيحه بسنده إلى حذيفة بن اليمان قال : خرجت أنا وابو حسيل ، فأخذنا كفار قريش فقالوا : انكم تريدون محمدا. فقلنا : ما نريد إلا المدينة ، فأخذوا عهد الله وميثاقه لننصر فن إلى المدينة ولا نقاتل معه ، فأتينا رسول الله فأخبرناه الخبر فقال : انصرفا إليهم بعهدهم ونستعين الله عليهم :

وعن الحسن بن علي (ع) قال : سألت خالي هند بن ابي هالة عن حلية رسول الله ـ وكان وصافا يحسن أن يصف النبي (ص) ـ فقال : كان رسول الله فخما مفخما اطول من المربوع واقصر من المشذب عظيم الهامة رجل الشعر.

قال الحسن (ع) : وكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه وسألته عمن سألته عنه فوجدته قد سأل أباه عن مدخل النبي ومخرجه ومجلسه وشكله فلم يدع منه شيئا.

قال الحسين : سألت ابي عن مدخل رسول الله؟ فقال : كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك ، فاذا آوى إلى منزله جزأ دخوله إلى ثلاثة أجزاء جزءا لله وجزءا لأهله وجزءا لنفسه ، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس ، فيرد ذلك بالخاصة إلى العامة ولا يدخر عنهم منه شيئا.

فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ فقال : كان يخزن لسانه إلا عما يعنيه ، ويؤلفهم ولا ينفرهم ، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن ينطوي عن أحد بشره ولا خلقه ، ويتفقد اصحابه ويسأل الناس عما في الناس ، ويحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه ، معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا» ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه.

١١٧

قال : وسألته عن مجلسه؟ فقال : كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ، ولا يوطن الأماكن وينهى عن ايطانها ، واذا جلس إلى قوم جلس حيث ينتهى به المجلس ويأمر بذلك ويعطي كل جلسائه نصيبه ، ولا يحسب أحد من جلسائه أن احدا اكرم عليه منه ، مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات متعادلين متواصلين فيه بالتقوى متواضعين يو قرون الكبير ويرحمون الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب.

فقلت : فكيف كانت سيرته في جلسائه؟ فقال : كان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ، وليس بفظ ولا غليظ ولا صحاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ، واذا تكلم اطرق جلساؤه ، واذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده ـ الحديث.

دعوته وغزواته

: ودعا النبي (ص) الى الإسلام فلقي من قريش ما لقي من أذى ومضايقة وأجاب دعوته نفر لقوا هم الآخرون ما لقوا من تعذيب حتى اضطر إلى الهجرة إلى المدينة وهاجر معه من آمن به فسموا بالمهاجرين ، ونصره أهل المدينة وتفانوا في سبيل نصرته والايمان بدعوته فسموا بالأنصار.

ووقعت بينه وبين قريش وبين الطوائف الأخرى واليهود معارك وغزوات كان لكل وقعة منها حكاية يطول شرحها ، ومن أهم هذه الغزوات والمعارك كانت غزوة بدر الكبرى وغزوة بني قينقاع وغزوة أحد وغزوة بين النضير ودومة الجندل والخندق وبين قريظة وغزوة خيبر وفتح مكة وغيرها.

ولم تقتصر دعوة النبي (ص) على قريش والعرب ، وانما كتب إلى عدد من الملوك والقياصرة كتبا يدعوهم فيها إلى الإسلام ، ومن أشهر من كتب لهم قيصر الروم وكسرى ملك الفرس والمقوقس ملك القبط وغيرهم من الملوك.

١١٨

نص رسالة للنبي (ص) إلى المقوقس ملك القبط بمصر)

وفي عباراتها بعض الاختلاف فيما أورده المؤرخون ، ولكنها من حيث المعنى تكاد تكون واحدة ، وقد أوردها ابن طولون (في أعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين) وبرهان الدين الشافعي في السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٧١ وجلال الدين السيوطي في حسن المحاضرة ج ١ ص ٤٣ والقلقشندي في صبح الأعشى ج ٢ ص ٣٧٨ والمقريزي في المواعظ والاعتبار ج ١ ص ٢٣. وعلى ما في العبارة من اختلاف فهذا أقرب النصوص المتفق عليه :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من محمد عبد الله ورسوله الى المقوقس عظيم القبط ، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فاني ادعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله اجرك مرتين ، فان توليت فعليك اثم القبط ، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون : محمد رسول الله».

واما الصور المثبتة في بعض الكتب على نحو الخط الكوفي فقد نشرها جرجي زيدان في العدد الثاني من السنة الثالثة عشرة من مجلة الهلال على أنها رسالة النبي (ص) وختمه ، وقال : إن رجلا فرنسيا قد اشترى طائفة من الكتب والرسائل القبطية وفي ضمنها هذه الرسالة من أحد أقباط كنيسة (آخميم بمصر) ثم اهداها إلى السلطان عبد المجيد خان العثماني ، فأمر السلطان بحفظها بين الآثار النبوية. أما التحقيق في صحتها فلم يجر على ما نعرف للآن ، وقد أخذها الناس بنظر الاعتبار قبل أن يجري فيها أي تحقيق تأريخي ، ولقد استندنا في تعليقنا هذا على السيد مهدي ولائي في مقال نشر في العدد الثاني من مجلة (نامه آستان قدس). هذا ما نقله الاستاذ جعفر الخليلي في ذيل موسوعة العتبات المقدسة ص ١٥٦.

١١٩

(مواهبه وملكاته):

وأما مواهبه وملكاته فقد جاء في (شفاء القاضي عياض) شرح الخفاجي : واما وفور عقله وذكاء لبه وقوة حواسه وفصاحة لسانه واعتدال حركاته وحسن شمائله فلا مرية أنه كان اعقل الناس وأذكاهم ، ومن تأمل تدبيره امور بواطن الخلق وظواهرهم وسياسة العامة والخاصة مع عجيب شمائله وبديع سيره فضلا عما افاضه من العلم وقرره من الشرع دون تعلم سبق ولا ممارسة تقدمت ولا مطالعة للكتب منه لم يشك في رجحان عقله وثقوب فهمه لأول بديهته ، وهذا مما لا يحتاج إلى تقريره لتحققه.

(من حكمه واقواله):

ايها الناس أنتم على ظهر سفر والسير بكم ، فقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد ، فاعدوا الجهاد لبعد المفاوز المؤمن من أمن الناس من يده ولسانه (ورواه البعض المسلم من سلم الخ) ، المجالس بالأمانة ، البلاء موكل بالمنطق ، المرء حريص على ما منع ، المستشار مؤتمن ، الحكمة ضالة المؤمن ، ثلاث من مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة : أن تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتحلم على من جهلك.

ومن وصية له يوصي بها عليا (ع) : يا علي أنه لا فقر أشد من الجهل ، ولا مال أعود من العقل ، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا مظاهرة أحسن من مشاورة ، ولا عقل كالتدبير ، ولا حسب كحسن الخلق ، ولا عبادة كالتفكر يا علي آفة الحديث الكذب ، وآفة العلم النسيان ، وآفة العبادة الفترة ، وآفة السماحة المن ، وآفة الشجاعة البغي ، وآفة الجمال الخيلاء.

(زوجاته):

تزوج خمس عشرة امرأة ، ودخل بثلاث عشرة منهن ، وتوفي (ص) عن تسع ، وهن:

(١) السيدة خديجة بنت خويلد ، وهي اوّل امرأة اسلمت واوّل من بنى

١٢٠