الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

من تلك الروايات (١).

والصحيح : هو أنه قد كلمه بصوت علي «عليه السلام» (٢).

وبذلك يظهر حال سائر ما يذكر هنا لهذا الرجل من فضائل ومواقف تنسب إليه في السنوات الثلاث الأولى من البعثة.

وبعد ما تقدم نقول : جاء في الشفاء عن أبي حمراء قال :

قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : لما أسري بي إلى السماء إذا على العرش مكتوب : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أيدته بعلي «عليه السلام» (٣).

الإسراء والمعراج في اليقظة أو في المنام؟!

يرى البعض : أن الإسراء قد كان بالروح فقط ، في عالم الرؤيا ، ويحتجون بما عن عائشة : ما فقدت جسد رسول الله «صلى الله عليه وآله» (٤).

وعن معاوية : إنها رؤيا صالحة (٥).

__________________

(١) راجع : الغدير ج ٥ ص ٣٠٣ و ٣٢٤ و ٣٢٥ فإنه قد نقل هذه الروايات وتكذيبها عن : ميزان الاعتدال ج ١ ص ٣٧٠ ، ولسان الميزان ج ٥ ص ٢٣٥ ، وتهذيب التهذيب ج ٥ ص ١٣٨ ، والسيوطي في الموضوعات ، وابن حبان ، وابن عدي.

(٢) المناقب للخوارزمي ص ٣٧ وينابيع المودة ص ٨٣.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣١٣.

(٤) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٠٨ ، والمواهب اللدنية ج ٢ ص ٢ ، والبحار ج ١٨ ص ٢٩١ وفي المناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ١٧٧ : أن الجهمية قالت بهذا.

(٥) البحار ج ١٨ ص ٢٩١ عن : المقاصد وشرحه ، وراجع تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٠٨.

١٠١

وحكي مثل ذلك عن الحسن البصري.

ولكن الصحيح هو ما ذهب إليه الإمامية ومعظم المسلمين من أن الإسراء إنما كان بالروح والجسد معا.

أما المعراج فذهب الأكثر إلى أنه كان بالروح والجسد وهو الصحيح أيضا.

ونحن نشير هنا إلى ما يلي :

أولا : بالنسبة لعائشة ، قال القسطلاني : «وأجيب : بأن عائشة لم تحدث به عن مشاهدة ؛ لأنها لم تكن إذ ذاك زوجا ، ولا في سن من يضبط ، أو لم تكن ولدت بعد ، على الخلاف في الإسراء متى كان» (١).

وأما معاوية فحاله معلوم مما ذكرناه في الجزء الأول : «المدخل لدراسة السيرة».

ثانيا : قال تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)(٢) وقال في سورة النجم ـ إذا كانت الآيات ناظرة إلى المعراج ، ويرجع الضمير فيها إلى النبي «صلى الله عليه وآله» لا إلى جبرئيل ـ : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ، فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى)(٣).

فإن لفظ العبد إنما يطلق على الروح والجسد معا ، ولو كان مناما ، لكان قال : بروح عبده ، وإلى روح عبده.

__________________

(١) المواهب اللدنية ج ٢ ص ٢.

(٢) الآية ١ من سورة الإسراء.

(٣) الآيتين ٩ و ١٠ من سورة النجم.

١٠٢

كما أن قوله تعالى : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) ظاهر في البصر الحقيقي أيضا (١).

أضف إلى ذلك : أن آية سورة الإسراء ، وآيات سورة النجم واردة في مقام الامتنان.

وفيها ثناء على الله ، وعجيب قدرته ، وذلك لا يحسن ، ولا يتم لمجرد رؤيا رآها النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ إذ ربما يرى غير النبي ، وحتى الفاسق الفاجر رؤيا أعظم من ذلك.

هذا بالإضافة إلى أن الرؤيا عند عامة الناس لا تدل على عظيم قدرته تعالى ، إذ ربما تفسر على أنها نوع من الأوهام والخيالات ، فيفوت الغرض المقصود من الإسراء والمعراج ، كما هو ظاهر (٢).

ثالثا : إنه لو كان الإسراء مجرد رؤيا صالحة ؛ فلا يبقى فيه إعجاز ؛ ولما أنكره المشركون والمعاندون ، ولما ارتد ناس ممن كان قد أسلم ، كما سنشير إليه.

رابعا : لو كان مجرد رؤيا ، لم يخرج أبو طالب والهاشميون في طلبه «صلى الله عليه وآله».

وكان العباس يناديه حتى أجابه من بعض النواحي ، حسبما ورد في بعض الروايات.

__________________

(١) الآية ١٧ من سورة النجم ، راجع هذا الاستدلال في : البحار ج ١٨ ص ٢٨٦ عن الرازي ، والمواهب اللدنية ج ٢ ص ٤ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٠٨.

(٢) راجع : تفسير الميزان ج ١٣ ص ٢٤.

١٠٣

وأما لماذا ينكرون : أن يكون ذلك بالروح والجسد معا ؛ فهو إما لعدم قدرتهم على تعقل ذلك ، أو لأجل الحط من كرامة النبي «صلى الله عليه وآله» كما تقدم في المدخل لدراسة السيرة ، أو لعدم قدرتهم على إقناع الناس بأمر مبهم كهذا.

الإسراء والمعراج في القرآن :

إنه لو صح التفريق بين الإسراء والمعراج ، لقلنا :

إننا نؤمن بالإسراء استنادا إلى قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا)(١) .. فمحط النظر في الآية هو بيان الإسراء فقط.

لكن الحقيقة هي : أن المراد بالإسراء هو السير بالليل سواء كان سيرا صعوديا أو أفقيا ، فالآية ناظرة إلى المعراج كما أظهرته الروايات التي ذكرت أن المسجد الأقصى في السماء ، وقد شرحنا ذلك بشيء من التفصيل في كتابنا المسجد الأقصى أين؟!

وبذلك يكون المعراج قد ذكر في القرآن صراحة ، وقد يقال : إنه قد ذكر صراحة أيضا في آيات سورة النجم وهي قوله تعالى : (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ، ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ، فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ، ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى)(٢) ، إن قلنا إن الضمير فيها يرجع إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، لا إلى ذي المرة ، الذي هو جبرئيل.

__________________

(١) الآية ١ من سورة الإسراء.

(٢) الآيات ٦ إلى ١١ من سورة النجم.

١٠٤

مع ملاحظة : أن آية سورة بني إسرائيل تتحدث عن إسراء ، وآيات سورة النجم تتحدث عن إسراء آخر بلغ النبي «صلى الله عليه وآله» به سدرة المنتهى ، حيث رأى هناك جبرئيل على صورته الحقيقية.

وقد يقال : إن رجوع الضمير إلى جبرئيل «عليه السلام» في قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) هو الظاهر ، ويدل عليه رواية صحيحة السند ، عالية الإسناد ، عن الإمام الرضا «عليه السلام» : أنه كان المراد بقوله : (مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) هو جبرئيل «عليه السلام» كما سنشير إليه.

والرواية تستشهد وتستدل بنص الآيات في السورة (١).

ويدل على ذلك أيضا ويفسره قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ)(٢) فراجع.

ويدل عليه : ما روي عن الإمام السجاد «عليه السلام» أنه قال في خطبته بالشام : «أنا ابن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ..».

أضف إلى ذلك : أن كثرة الأخبار الواردة في المعراج ، وحتى تواترها القطعي لا يبقي مجالا للشك في حصول المعراج ؛ فنحن نؤمن به أيضا استنادا إلى ذلك.

وأما القول بوجود تعارض بين آية سورة الإسراء ، وبين الروايات الدالة على المعراج ، على اعتبار : أن الآية تدل على أن انتهاء السير كان في

__________________

(١) راجع البرهان للبحراني ج ٤ ص ٢٤٨ وستأتي الرواية تحت عنوان : لا تدركه الأبصار.

(٢) الآية ٢٣ من سورة التكوير.

١٠٥

المسجد الأقصى ، ولم يكن بعده سير ، فلا يصح لأن هناك رحلتين مختلفتين من حيث الكيفية والقصد.

وقد كان انتهاء الرحلة الأولى في المسجد الأقصى ، الذي هو في السماء كما دلت عليه الروايات ، ولم يتعلق غرض في الآية ببيان الرحلة الثانية أصلا ، ثم جاءت الروايات لتبين الإسراء الذي تحدثت عنه آيات سورة النجم ، والذي رأى فيه «صلى الله عليه وآله» عند سدرة المنتهى جبرئيل على صورته الحقيقية.

توضيح :

إن الروايات تشير إلى أن المشركين قد صعب عليهم الإيمان بالمعراج ، فاختار «صلى الله عليه وآله» أسلوب البيان لبعض الأمور التي يعرفونها عن طريق الحس ليكون التصديق به أيسر وأقرب.

ورغم ذلك فإنه : قد صعب عليهم التصديق به ، بل واستهزؤوا وشنعوا عليه ما شاء لهم بغيهم وحنقهم.

رغم أنه قد أخبرهم بما جرى للقافلة التي رآها في طريقه ، وبأنها قد أضلت بعيرا ، وكسرت فيها ناقة حمراء في الوقت الفلاني ، وبان لهم صدقه في ذلك.

ورغم أنه «صلى الله عليه وآله» وصف لهم بيت المقدس وصفا دقيقا ، يعلمون صحته وصدقه ، مع علمهم بعدم رؤيته «صلى الله عليه وآله» له فيما مضى.

١٠٦

وأيضا ، إذا كان بعض ضعفاء المسلمين قد ارتدوا حين أخبرهم النبي «صلى الله عليه وآله» ببعض ذلك (١) ، الذي هو من جملة المعجزات القاطعة ، والبراهين الساطعة.

نعم ، إذا كان ذلك كله ، فكيف تكون الحال إذا أخبرهم بما هو أكثر غرابة وبعدا عن أذهانهم ، وهو رحلته إلى السماوات العلى ، وما شاهد فيها من عجائب الصنع ، وبديع الخلق؟!.

ولهذا ، فإننا نرجح : أنه «صلى الله عليه وآله» قد تدرج في إخبارهم بذلك كله ، بحسب ما تقتضيه المصلحة ، ومتطلبات الدعوة إلى الله تعالى.

الداعية الحكيم :

ولعل مما تقدم يظهر : أنه إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» إنما جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، ومن الضلالة إلى الهدى ، فإن من الطبيعي أن يهتم في الحفاظ على الركيزة الإيمانية التي يحصل عليها ، وأن لا يدخلها في أجواء ليس لها القدرة على استيعابها ولا على مواجهة أخطار الانحراف فيها.

ومن الواضح : أنه إذا أخبرهم بقضية المعراج ، مع عدم قدرتهم على التحمل والتفاعل معها ولا على تصورها ، فإنهم إذا ارتدوا حينئذ

__________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ج ٥ ص ٣٢٨ ، وتفسير ابن كثير ج ٣ ص ٢١ ، وأخرجه أبو نعيم ، ومنتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ج ٤ ص ٣٥٣ وحياة الصحابة ج ٣ ص ٧٣ عن بعض من تقدم ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٠٨ و ٣١٥ ، والمواهب اللدنية ج ٢ ص ٤٠.

١٠٧

فسيكونون معذورين ، ولا سيما إذا كان التصديق بهذه القضية إنما يستند إلى المستوى الإيماني لديهم بالدرجة الأولى.

وأما إخبارهم بالأمور الحسية أو القريبة من الحس ، فقد كان بالإمكان أن يؤدي الإخبار عنها نفس النتيجة المتوخاة ، وهي الجهة الإعجازية ذات الطابع المعين مع إمكان الاستناد في مقام الإقناع بها إلى أدلة تقربها إلى الحس ، وتجعل القبول بها أيسر وأسهل من تلك ، ولا يعتمد فيها على المستوى الإيماني وحسب.

وإذا ؛ فلا يبقى ثمة مبرر لارتداد هؤلاء ، ولا لعناد أولئك.

ومن الواضح : أن كل هذا الكلام لا يمنع من كون سورة النجم ناظرة إلى المعراج ، فإن الروايات تقول :

أنه «صلى الله عليه وآله» قد عرج به إلى السماوات أكثر من مرة ، فأخبرهم «صلى الله عليه وآله» عن الإسراء في المرة الأولى ، ثم بعد أن أصبحوا مؤهلين لتلقي هذه القضية ، نزلت السورة وأخبرهم بالمعراج إلى السماوات.

لا تدركه الأبصار :

ويرى البعض ، استنادا إلى قوله تعالى : (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى ، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ..)(١) : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد رأى الله حين المعراج بعين رأسه ، ورووا ذلك عن ابن عباس.

بل لقد حكى النقاش عن أحمد بن حنبل ، أنه قال : أنا أقول بحديث

__________________

(١) الآيات من ١٢ إلى ١٤ من سورة النجم.

١٠٨

ابن عباس : بعينه رآه ، رآه ، حتى انقطع نفسه ، يعني نفس أحمد (١).

ونحن لا نريد أن نفيض في الحديث حول الرؤية له تعالى ، فلقد أثبت علماؤنا الأبرار ، بما لا مجال معه للشك استحالة رؤيته تعالى ، سواء في الدنيا ، أو في الآخرة.

وقد فندوا أدلة المجسمة المثبتين للرؤية في الدنيا والآخرة ، أو في الآخرة فقط بشكل علمي وقاطع .. فمن أراد الاطلاع على ذلك فعليه بمراجعة دلائل الصدق ، وغيره من الكتب المعدة لذلك (٢).

ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن الرواية عن ابن عباس غير ثابتة ، فقد روي عنه أيضا خلافها (٣).

وروي عن عائشة : أن مسروقا قال لها : يا أم المؤمنين ، هل رأى محمد «صلى الله عليه وآله» ربه؟

قالت : لقد قف شعري مما قلت ..

إلى أن قالت : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : لا تدركه الأبصار الخ .. (٤).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣١٤.

(٢) مثل : دلائل الصدق ، وغيره من الكتب الباحثة في الشأن العقائدي.

(٣) راجع في الروايات الكثيرة عنه : الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٢ ـ ١٢٦.

(٤) المواهب اللدنية ج ٢ ص ٣٤ عن البخاري ومسلم ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣١٣ ، والدر المنثور ج ٦ ص ١٢٤ عن عبد بن حميد ، والترمذي ، وابن جرير وابن المنذر ، والحاكم وابن مردويه.

١٠٩

وعند مسلم : أنها أضافت : أنها سألت النبي «صلى الله عليه وآله» عن ذلك ، فأخبرها : أنه لم يره ، وإنما رأى جبرئيل (١).

والروايات في أن المقصود بمن (رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) هو جبرئيل كثيرة جدا وكذلك الروايات التي تؤكد : على أنه «صلى الله عليه وآله» قد رآى الله بقلبه وفؤاده ، لا بعينه وبصره ، فإنها كثيرة أيضا (٢).

وليس بين هاتين الطائفتين أي تناف أو تعارض ..

بل إن نفس الآيات ظاهرة ـ إن لم تكن صريحة ـ في أن المقصود هو جبرئيل ، بيان ذلك باختصار : أن قوله تعالى : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) يراد بشديد القوى هو جبرئيل «عليه السلام» ، ثم وصف جبرئيل ، الذي وصفه الله بالقوة في قوله : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)(٣) بكونه ذا مرة ، «أي شدة وحصافة في العقل والرأي» (٤) ، وقوله : (فَاسْتَوى) أي أن ذلك الشديد ، ذا المرة ، استقام أو استولى ، وهو بالأفق الأعلى.

وقوله : (ثُمَّ دَنا) ، أي النبي «صلى الله عليه وآله» ، فكان قاب قوسين أو أدنى من حجب النور ، حيث رأى ملكوت السماوات ، ثم تدلى «صلى الله

__________________

(١) المواهب اللدنية ج ٢ ص ٣٥ عن مسلم.

(٢) يكفي أن يرجع الطالب إلى الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٢ ـ ١٢٦ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣١٣ و ٣١٤ والمواهب اللدنية ج ٢ ص ٣٦ و ٣٧ وغير ذلك من المصادر الكثيرة جدا.

(٣) الآية ٢٠ من سورة التكوير.

(٤) احتمل بعض المحققين : أن يكون وصف الله تعالى لجبرئيل بالشدة في مقابل التابع من الجن الذي كان ضعيفا بحيث يستطيع الإنسان أن يتسلط عليه.

١١٠

عليه وآله» فنظر تحته إلى ملكوت الأرض ، فأوحى الله تعالى إلى عبده محمد «صلى الله عليه وآله» ما أوحى.

ورجوع الضمير إلى الله مع عدم سبق ذكره ، لا ضير فيه لوضوحه ، كما قال العلامة الطباطبائي ، أو على أن يكون ضمائر فأوحى إلى عبده ما أوحى راجعة إلى الله تعالى.

ثم قال : ما كذب الفؤاد ما رأى.

والمرئي هو الآيات الكبرى ، ومنها ما تقدم من الدنو ، والتدلي ، وكونه «صلى الله عليه وآله» بالأفق الأعلى ، ورؤيته جبرئيل عند سدرة المنتهى ، ثم تجاوزها «صلى الله عليه وآله» كما قلنا.

وليس في الآية ما يدل على أن الرؤية قد كانت لله تعالى.

ويدل على ما نقول قوله تعالى الآتي : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى ، لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)(١).

ثم قال تعالى : (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى)(٢) أي أتجادلونه في رؤيته جبرئيل على حقيقته العجيبة التي هي من آيات الله الكبرى ، وهل هذا أمر نظري عقلي يصح الجدال والمراء فيه؟

وهل بإمكانه أن يكذّب بصره ويقول : لا أراه؟!

فإن الكفار كانوا ينكرون رؤيته الملك على حقيقته رغم أنهم ليس لديهم أي علم بهذا الأمر ، كما لا سبيل لديهم إلى معرفته ، ثم قال تعالى :

__________________

(١) الآيتان ١٧ و ١٨ من سورة النجم.

(٢) الآية ١٢ من سورة النجم.

١١١

(وَلَقَدْ رَآهُ) ، ـ والضمير يرجع إلى ذلك الذي لا يزال يتحدث عنه ـ (نَزْلَةً أُخْرى) ، أي في نزول آخر ، والذي كان ينزل عليه «صلى الله عليه وآله» هو جبرئيل ، فإنه رآه والتقى معه على صورته في نزلة ثانية عند سدرة المنتهى.

وربما تكون النزلة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فإنه بعد أن تجاوز سدرة المنتهى إلى حجب النور ، ورأى العرش وملكوت السماوات فإنه تدلى لكي يرى ملكوت الأرض حتى كان قاب قوسين أو أدنى فرأى جبرئيل على صورته الحقيقية مرة أخرى عند سدرة المنتهى.

ويرى البعض : أنه لا بد أن تكون هذه الرؤية الثانية في الأرض ، وإلا لوجب أن يقول : ولقد رآه نزلة أخرى ، ثم عرج به إلى السماء ، حتى انتهى إلى السدرة ، فرآه عندها ، ويبدو : أنه كان في الأرض ـ كما يراه بعض المحققين ـ شجرة سدر كان لقاء النبي «صلى الله عليه وآله» بجبرئيل عندها ، وعند تلك السدرة توجد جنة المأوى ، أي جنة وبستان يؤوى إليها ، أو أن الجنة في الآخرة ستكون في تلك المنطقة.

وبعض المحققين يرى : أن المراد بالنزلة الدفعة ، وأنه قد رأى جبرئيل بعد العروج عند سدرة المنتهى ، وأن الجنة الحقيقية موجودة هناك.

ونقول :

إن هذا الكلام خلاف ظاهر التعبير بسدرة المنتهى ، التي فسرت في الروايات بما ذكرناه ..

وتحقيق مكان الجنة ليس هنا محله.

وهكذا يتضح : أن هذه الآيات ناظرة إلى رؤية النبي «صلى الله عليه وآله» لجبرئيل على صورته الحقيقية مرتين في نزلتين ، لجبرئيل أو للنبي

١١٢

«صلى الله عليه وآله» ، وجبرئيل في صورته الحقيقية هو من آيات الله الكبرى ..

ولأجل ذلك تجده تارة يتحدث عنه في صورة المفرد فيقول : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى)(١) ، وتارة يتحدث عنه في ضمن آيات ربه فيقول : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)(٢). أو أنه «صلى الله عليه وآله» قد رأى جبرئيل في نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ، ثم رأى هناك بعض الآيات الكبرى الأخرى.

وهذا هو ما أكده الإمام الرضا «عليه السلام» ، في رواية صحيحة السند عنه ، جاء فيها : قال أبو قرة : إنا روينا : أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين ؛ فقسم الكلام لموسى ، ولمحمد الرؤية.

فقال أبو الحسن «عليه السلام» : فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين ، من الجن والإنس : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)(٣) ، و (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(٤) ، و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٥) أليس محمد «صلى الله عليه وآله»؟

قال : بلى.

قال : كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعا ، فيخبرهم : أنه جاء من عند الله ،

__________________

(١) الآية ١٧ من سورة النجم.

(٢) الآية ١٨ من سورة النجم.

(٣) الآية ١٠٣ من سورة الأنعام.

(٤) الآية ١١٠ من سورة طه.

(٥) الآية ١١ من سورة الشورى.

١١٣

وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ، فيقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) ، (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، ثم يقول : أنا رأيته بعيني ، وأحطت علما ، وهو على صورة البشر؟! أما تستحون؟!. ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء ، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر.

قال أبو قرة : فإنه يقول : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى)؟

فقال أبو الحسن «عليه السلام» : إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى ، حيث قال : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) ، يقول : ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه ، ثم أخبر بما رأى ، فقال : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) ؛ فآيات الله غير الله ، وقد قال الله : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) ، فإذا رأته الأبصار ؛ فقد أحاط به العلم ، ووقعت المعرفة.

فقال أبو قرة : فتكذب بالروايات؟!.

فقال أبو الحسن «عليه السلام» : إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها ، وما أجمع المسلمون عليه : أنه لا يحاط به علما ، ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شيء (١).

وفي الرواية دلالة على حجية ظواهر الكتاب ، وعلى حجية السياق القرآني أيضا ، صلوات الله وسلامه عليك يا أبا الحسن وعلى آبائك وأبنائك الطاهرين ، فإنكم ما زلتم حصون الإسلام ، والمدافعين عنه ، والباذلين مهجكم في سبيله ، فأنتم مصابيح الدجى ، والعروة الوثقى ، والحجة على أهل الدنيا.

__________________

(١) أصول الكافي (ط سنة ١٣٨٨ ه‍. في إيران) ج ١ ص ٧٤ و ٧٥ ، والبرهان للبحراني ج ٤ ص ٢٤٨.

١١٤

الإسراء من المسجد :

صريح القرآن : أن الإسراء كان من المسجد ، وجاء في عدد من الروايات : أنه كان من بيت أم هاني (١) واحتمل السيد الطباطبائي أن يكون الإسراء حصل مرتين ، إحداهما من بيت أم هاني (٢).

ويحتمل أيضا التجوز ، وإرادة مكة من «المسجد الحرام» ، وهو إطلاق متعارف ، قال تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ)(٣) ويقال : هو يسكن في مشهد الرضا ، مع أنه يسكن في البلد المحيطة به ، وأطلق في الروايات مسجد الشجرة على ذي الحليفة ، ومثل ذلك كثير ، فإن من المتعارف أن يطلق على المكان الذي فيه شيء معروف اسم ذلك الشيء المعروف.

ويحتمل أيضا أن يكون «صلى الله عليه وآله» خرج تلك الليلة إلى المسجد من بيت أم هاني ، ثم أسري به من المسجد.

موسى ، وفرض الصلوات الخمس :

هذا ، وقد جاء في بعض الروايات : أن الصلوات الخمس قد فرضت حين المعراج ، وأنها فرضت أولا خمسين صلاة في اليوم ، وحين عودة الرسول «صلى الله عليه وآله» التقى بموسى ، فأشار عليه أن يرجع إلى الله ، ويسأله التخفيف ، لأن الأمة لا تطيق ذلك ـ كما لم تطقه بنو إسرائيل ـ فرجع ، وطلب إلى الله التخفيف فخففها إلى أربعين ، وعاد الرسول ؛ فمر

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٤٣.

(٢) تفسير الميزان ج ١٣ ص ٣١.

(٣) الآية ٩٥ من سورة المائدة.

١١٥

بموسى ، فأشار عليه بطلب التخفيف ، ففعل ، فخففت إلى ثلاثين ، ثم إلى عشرين ، ثم إلى عشرة ، ثم إلى خمسة ، ثم استحيا الرسول «صلى الله عليه وآله» من المراجعة من جديد فاستقرت الصلوات على خمس (١).

وهذه الرواية وإن كانت قد وردت في بعض المصادر الشيعية أيضا ، إلا أننا لا نستطيع قبولها ، وقال عنها السيد المرتضى «رحمه الله» : «أما هذه الرواية فهي من طريق الآحاد ، التي لا توجب علما ، وهي مع ذلك مضعفة» (٢).

ونحن هنا نشير إلى الأسئلة التالية :

لماذا يفرض الله على الأمة هذا العدد أولا ، ثم يعود إلى تخفيفه بعد المراجعة ، فإنه إن كانت المصلحة في الخمسين ، فلا معنى للتخفيف ، وإن كانت المصلحة في الخمس ، فلماذا يفرض الخمسين ، ثم الأربعين ، ثم الثلاثين وهكذا؟!

وفي بعض الروايات : أنه كان في كل مرة يحط عنه خمسا ، حتى انتهى إلى خمس صلوات.

__________________

(١) لقد وردت هذه الرواية في مختلف كتب الحديث والتاريخ عند غير الشيعة ، ولذا فلا نرى حاجة لذكر مصادرها ، فراجع على سبيل المثال : كشف الأستار عن مسند البزار ج ١ ص ٤٥ ، ووردت أيضا في كتب الإمامية رحمهم الله تعالى ، وأعلى درجاتهم ، فراجع : البحار ج ١٨ ص ٣٣٠ و ٣٣٥ و ٣٤٨ و ٣٤٩ و ٣٥٠ و ٤٠٨ عن : أمالي الصدوق ص ٢٧٠ و ٢٧١ و ٢٧٤ و ٢٧٥ ، وتوحيد الصدوق ص ١٦٧ و ١٦٨ ، وعلل الشرائع ص ٥٥ و ٥٦ ، والخصال ج ١ ص ١٢٩.

(٢) تنزيه الأنبياء ص ١٢١.

١١٦

وقد أجاب بعض المحققين عن هذا بأن ما جرى هنا ما هو إلا نظير إضافة الرسول «صلى الله عليه وآله» الركعتين الأخيرتين في الرباعية من الصلاة اليومية ؛ ونظير التكليف بعدم الفرار من الزحف ، مع أنه علم أن فيكم ضعفا ، ونظير الرفث إلى النساء ليلة الصيام ، فقد نسخت حرمته بعد وقوع المخالفات منهم ؛ قال تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ)(١).

ونقول :

إن ما ذكره ـ حفظه الله ـ لا يكفي لدفع ما ذكرناه ، أما بالنسبة لتشريع الركعتين الأخيرتين في الرباعية من قبله «صلى الله عليه وآله» ؛ فإن الله سبحانه قد فوض له ذلك حينما يعلم «صلى الله عليه وآله» بتحقق مصلحته ومقتضيه في متن الواقع.

وأما بالنسبة لقوله تعالى : (عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً)(٢) و (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ)(٣) فهو تحقق معلوم الله سبحانه في الخارج ، أي أن الحكم السابق ، وهو حرمة الفرار بملاحظة قلة العدد ، وحرمة الرفث قد استمر وبقي إلى أن تجسد الضعف وحصل وحصلت الخيانة وتغير الموضوع ، فنسخ الحكم الأول ، وهو حرمة الرفث وحرمة الفرار ، وليس المراد أن الله قد علم ذلك بعد جهله ، والعياذ بالله.

__________________

(١) الآية ١٨٧ من سورة البقرة.

(٢) الآية ٦٦ من سورة الأنفال.

(٣) الآية ١٨٧ من سورة البقرة.

١١٧

أما السيد المرتضى ، فقد أجاب «رحمه الله» عن التساؤل الذي طرحناه فيما سبق بنحو آخر ، وهو : أن من الممكن أن تكون المصلحة أولا تقتضي الخمسين ، ثم تغيرت هذه المصلحة بسبب المراجعة ، وأصبحت تقتضي الخمس (١).

ولكنه جواب منظور فيه ؛ فإن النبي إذا كان يعلم : أن الله تعالى لا يشرع إلا وفق المصلحة ، فإنه لا يبقى مجال لمراجعته أصلا ؛ لأنه كأنه حينئذ يطلب تشريعا لا يوافق المصلحة.

ولو صحت المراجعة هنا ، وأوجبت تبدل المصلحة صحت في كل مورد ، وأوجبت ذلك أيضا ، فلماذا كانت هنا ، ولم تكن في سائر الموارد؟.

كما أن تعليل موسى للتخفيف بعدم طاقة الأمة ، كأنه يدل على أنه يعتقد : أن هذا التشريع يخالف المصلحة ، وهذا محال بالنسبة إلى الله تعالى ، ولا يمكن صدوره لا من موسى «عليه السلام» ولا من نبينا «صلى الله عليه وآله».

قال صاحب المعالم : «المطالبة بصحة الرواية ، مع أن فيها طعنا على الأنبياء بالإقدام على المراجعة في الأوامر المطلقة ..» (٢).

وسؤال آخر : كيف لم يعلم الله تعالى : أن الأمة لا تطيق ذلك ، وعلم بذلك موسى؟.

وسؤال آخر ، وهو : ما المراد بعدم الإطاقة؟

__________________

(١) تنزيه الأنبياء ص ١٢١.

(٢) معالم الدين ص ٢٠٨ مبحث النسخ.

١١٨

هل المراد بها عدم الإطاقة عقلا؟

فيرد عليه : أنه لا يمكن القول بجواز التكليف بما لا يطاق.

أو المراد به ما كان في مستوى العسر والحرج ، المنفي في الشرع الإسلامي ، كما دلت عليه الروايات والآيات ولا سيما قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(١) و (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢) وغير ذلك من الآيات.

ومما ذكرناه يتضح : أنه لا يمكن أن يكون تعالى قد كلف بني إسرائيل ما لا يطيقون.

وأما قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا)(٣).

فهو لا يدل على ذلك لعطف قوله : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ)(٤) عليه ؛ فيدل على أن المراد بالإصر هو ما يطاق ، لا ما لا يطاق ، ويمكن أن يكون المراد بالإصر : جزاء السيئات الثقيل والشاق ، أو المبادرة بعذاب الاستيصال.

وأما طلبهم أن لا يحمّلهم ما لا طاقة لهم به ، فليس المراد أنه يحمّلهم ذلك في التكليف الابتدائي ، لأن العقل لا يجيز ذلك ، بل المراد ما لا طاقة

__________________

(١) الآية ١٨٥ من سورة البقرة.

(٢) الآية ٧٨ من سورة الحج.

(٣) الآية ٢٨٦ من سورة البقرة.

(٤) الآية ٢٨٦ من سورة البقرة.

١١٩

لهم به ، مما يتسبب عن المخالفة وهو العذاب الأليم ، والعقاب العظيم.

وسؤال آخر هنا ، وهو : هل نسي الله تعالى ـ والعياذ بالله من أمثال هذه التعابير والأوهام ـ تلك التجربة الفاشلة مع بني إسرائيل ، حتى أراد أن يكررها مع أمة محمد من جديد؟!.

ولعل هذه التجربة كانت هي عذر إبراهيم الذي مر عليه محمد «صلى الله عليه وآله» ذهابا وإيابا عشر مرات ، أو عشرين (١) على اختلاف النقل.

ولكنه لم يسأله عن شيء ، ولا أمره بشيء!!.

وإن كنا نستغرب عدم سؤاله عن سر هذه الجولات المتتالية ذهابا وإيابا!!.

ولماذا لم يلتفت نبينا الأعظم «صلى الله عليه وآله» إلى ثقل هذا التشريع على أمته ، والتفت إليه نبي الله موسى؟

ولماذا بقي يغفل عن ذلك خمس مرات ، بل ستا أو أكثر ولا يعرف : أن هذا ليس هو الحد المطلوب ، حتى يضطر موسى لأن يرصد له الطريق باستمرار ، ولو لاه لوقعت الأمة في الحرج والعسر؟.

ولماذا لا ينزل الله العدد إلى الخمس مباشرة من دون أن يضطر الرسول إلى الصعود والنزول المتعب والمتواصل باستمرار؟!

__________________

(١) لأن إبراهيم حسب نص الرواية كان في السماء السابعة ، وموسى كان في السادسة وكان موسى يرجع النبي إلى ربه ، كي يسأله التخفيف ، فيرجع ثم يعود إليه فيرجعه من جديد.

١٢٠