الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

منه على وجه الشك ، وهو مشكل بأنه لما تم الوحي صار نبيا ، فلا يمكن أن يكون شاكا بعد في نبوته ، وفي كون الجائي عنده ملكا من الله ، وكون المنزل عليه كلام رب العالمين»!! ثم حاول السندي توجيه ذلك بأنه «صلى الله عليه وآله» أراد اختبار خديجة ، وأن يمهد لإعلامها بالأمر (١).

وهو توجيه عجيب ، فإننا لم نعهد منه «صلى الله عليه وآله» اتباع مثل هذه الأساليب الملتوية في الوصول إلى مقاصده ونحن نجله «صلى الله عليه وآله» عن نسبة الكذب إليه على خديجة ، معاذ الله ، ثم معاذ الله!!.

ثم .. كيف يتناسب ذلك مع كونه أراد أن يلقي نفسه من شواهق الجبال ، وغير ذلك مما تقدم مما ذكرته روايات الوحي؟!

وأيضا ، كيف يبعث الله رجلا ، لم يتعهده بالتربية والإعداد ، بحيث يستطيع أن يكون في مستوى الحدث العظيم الذي ينتظره؟!

نعم ، كيف أهمله هكذا ، حتى إنه حين بعثته ليبدو مذعورا خائفا ، ظانا بنفسه الجنون ، يريد أن يلقي بنفسه من شواهق الجبال ، حتى كأنه طفل تائه ، يملأ قلبه الهم ، يحتاج إلى من يطمئنه ، ويهديه ، ويأخذ بيده ، ولو امرأة أو أي إنسان عادي آخر؟!

هذا كله عدا عن أن ذلك يدل والعياذ بالله على ضعف إرادته ، وضالة شخصيته.

وأين ذهبت عن ذاكرته تلك الكرامات التي كان يواجهها ، دون كل

__________________

(١) حاشية السندي بهامش البخاري ط سنة ١٣٠٩ ه‍ ج ١ ص ٣.

٢١

أحد ، كتسليم الشجر والحجارة عليه (١) ، والرؤيا الصادقة ، وغير ذلك مما ذكره المؤلفون والمؤرخون؟!.

ب : قال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ)(٢).

وقال تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ)(٣).

وقال : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي)(٤) وقال تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(٥).

إذن ، فالنبوة ، وتنزيل القرآن ، ليسا إلا لتثبيت المؤمنين ، ولتثبيت فؤاد النبي «صلى الله عليه وآله» ، وهذا يتنافى مع قولهم : إن نفسه الشريفة قد سكنت اعتمادا على قول نصراني ، أو امرأة.

كما أن من الواضح : أنه لا حجة بينة في قول ورقة ، أو خديجة ، فكيف صح أن يقول : قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني؟

خامسا : لا بد من الإشارة إلى بعض الكلام حول ورقة ، ونسطور ، وعداس ، وبحيرا وغيرهم ، ممن ذكرت أسماؤهم فيما تقدم ، وعمدة الروايات

__________________

(١) سيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

(٢) الآية ٣٢ من سورة الفرقان.

(٣) الآية ١٠٢ من سورة النحل.

(٤) الآية ٥٧ من سورة الأنعام.

(٥) الآية ١٠٨ من سورة يوسف.

٢٢

تتجه نحو ورقة ، وتركز عليه ، لا سيما وأنه هو الذي نص عليه البخاري ، وغيره من المصادر الموثوقة لدى غير الشيعة.

ألف ـ أما نسطور ، وبحيرا ، فهما الراهبان اللذان تنسب إليهما القضية التي جرت للنبي «صلى الله عليه وآله» في صغره ، حينما سافر مع أبي طالب إلى الشام ، وبصرى حيث بشر نسطور أو بحيرا بنبوة النبي «صلى الله عليه وآله» ، وأمر بإعادته «صلى الله عليه وآله» إلى مكة كما تقدم.

وإذا كان بحيرا أو نسطور في بصرى ـ وهي قصبة كورة حوران في الشام من أعمال دمشق ـ فيرد السؤال : كيف سافرت خديجة من مكة إلى الشام هذه السفرة الطويلة؟ أو متى كتبت إليه فأجابها؟

مع أنهم يقولون : إنه «صلى الله عليه وآله» بعث في أول يوم ، فأسلم علي وخديجة «عليهما السلام» في اليوم الثاني ، وصليا معه مسلمين مؤمنين بنبوته (١).

وهل كان في ذلك الزمان طائرات؟ أو أنها سافرت على بساط الريح ، أو طويت لها الأرض؟! ولا ندري ، فلعلهما قد انتقلا ليسكنا قرب مكة ، لتتمكن خديجة من استشارتهما في الوقت المناسب ، ثم لا يعود يسمع لهما ذكر أصلا ، لأن مهمتهما قد انتهت (!!!).

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١١٢ وتلخيصه للذهبي بهامش نفس الصفحة وفرائد السمطين ج ١ ص ٢٤٣ ، والاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٣ ص ٣٢ والمناقب للخوارزمي ص ٢١ والجامع الصحيح ج ٥ ص ٦٤٠ وتيسير الوصول ج ٢ ص ١٤٧.

٢٣

ب ـ وعداس ، أليس هو الذي أسلم على يد النبي «صلى الله عليه وآله» في الطائف بعد عشر سنين من البعثة أي بعد وفاة أبي طالب «عليه السلام»؟ وتروى القصة بنحو يدل أن عداسا لم يكن يعرف النبي «صلى الله عليه وآله» قبل ذلك (١) ولا سمع به.

كما أن الروايات تنص على أن جوابه هو نفس جواب ورقة ، وعلى أنه كان ـ كورقة ـ راهبا ، كبير السن ، قد وقع حاجباه على عينيه ، وقد ثقل سمعه إلخ. وهذه الأوصاف يشاركه فيها غيره ممن سألتهم خديجة ما عدا ثقل السمع ، الذي عوض عنه ورقة المسكين بالعمى ..

واحتمال أن يكون عداس هذا غير ذاك ، ليس له ما يؤيده ، أو يشير إليه.

ويبقى هنا سؤال أخير ، وهو : أنه كيف لم يسمع بإسلام هؤلاء : بحيرا ، وعداس ، ونسطور ، من حين بعثته «صلى الله عليه وآله» ، مع معرفتهم بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد بعث ، ومع أن سند نبوته قد تلقاه «صلى الله عليه وآله» منهم ، حسب نص الروايات المتقدمة؟.

كما أن رواية عداس تقول : إنه لما عادت خديجة من عند عداس ، إذا بجبرئيل يقرئ النبي «صلى الله عليه وآله» سورة القلم ، وهذا مخالف لما يذكره المفسرون :

من أن هذه السورة إنما نزلت حينما وصف المشركون النبي «صلى الله

__________________

(١) سيأتي ذلك في هذا الكتاب في فصل : الهجرة إلى الطائف.

٢٤

عليه وآله» بأنه مجنون (١) ، وواضح : أن هذا لم يحصل إلا بعد انتهاء فترة الدعوة السرية ، وحينما صدع بما يؤمر به ، كما هو معلوم.

ج ـ أما ورقة : فإنهم بالإضافة إلى ما ينسبونه إليه من دور هام في تثبيت نبوة نبينا الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، نجدهم يذكرون : أنه «صلى الله عليه وآله» قد قال عن ورقة كلاما يدل على أنه في الجنة ، ولكنهم اختلفوا في نص ذلك الكلام.

ففي رواية أنه «صلى الله عليه وآله» قال : «لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة ، أو جنتين ..» أو «رأيته في ثياب بيض».

وفي أخرى : «لقد رأيت القس ـ يعني ورقة ـ في الجنة عليه ثياب الحرير».

وفي ثالثة : «أبصرته في بطنان الجنة وعليه ثياب السندس».

وفي رابعة : «قد رأيته فرأيت عليه ثيابا بيضا ، وأحسبه لو كان من أهل النار لم تكن عليه ثياب بيض» (٢).

وعده ابن مندة في الصحابة ، وعده الزين العراقي على : أنه أول من

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٥٠ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٤٤.

(٢) راجع تلكم النصوص في مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٦٠٩ وتلخيصه للذهبي هامش نفسه الصفحة ، وصححاه على شرط الشيخين ، وسيرة مغلطاي ص ١٥ عن الحاكم ، والمصنف ج ٥ ص ٣٢٤ ، ونسب قريش لمصعب الزبيري ص ٢٠٧ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٩ ، والروض الأنف ج ١ ص ٢٧٥ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٥٠ ، وأسد الغابة ج ٥ ص ٨٩ ، والإصابة ج ٣ ص ٦٣٥ ، وغير ذلك.

٢٥

أسلم ، ومال إليه البلقيني (١).

وتقدم في الروايات حول بدء الوحي ، التي هي موضع المناقشة : أنه صدق النبي «صلى الله عليه وآله» ، وعرفه أنه نبي ، ووعده النصر ، ثم لم ينشب أن توفي.

هذا ما قيل عنه ، ولكننا نجد في مقابل ذلك :

١ ـ إن ابن عساكر يقول : «لا أعرف أحدا قال : إنه أسلم» (٢).

٢ ـ وابن الجوزي يقول إنه : «آخر من مات في الفترة ، ودفن في الحجون ، فلم يكن مسلما». وكذا قال غيره (٣).

٣ ـ وابن عباس يقول : «مات على نصرانيته» (٤).

٤ ـ لقد مات على نصرانيته ، مع أنه عاش بعد البعثة عدة سنوات ، فكيف يدخل الجنة إذا؟ ويدل على أنه عاش بعد البعثة عدة سنوات ، ما رواه غير واحد ، من أنه كان يمر ببلال وهو يعذب ، ونهاهم عنه فلم ينتهوا ؛ فقال : والله ، لئن قتلتموه لأتخذن قبره حنانا (٥) وتعذيب بلال إنما كان بعد

__________________

(١) شرح بهجة المحافل ج ١ ص ٧٤ ، وإرشاد الساري ج ١ ص ٦٧.

(٢) الإصابة ج ٣ ص ٦٣٣.

(٣) الإصابة ج ٣ ص ٦٣٤ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨٣ ـ ٨٤ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٥٠.

(٤) السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٥٠ ، والإصابة ج ٣ ص ٦٣٤.

(٥) حلية الأولياء ج ١ ص ١٤٨ ، ونسب قريش لمصعب ص ٢٠٨ ، وإرشاد الساري ج ١ ص ٦٧ ، وفتح الباري ج ١ ص ٢٦ ، عن ابن إسحاق ، وج ٨ ص ٥٥٤ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨٤ و ١٢٥ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٥٢ ، والإصابة ج ٣

٢٦

الإعلان بالدعوة كما هو معروف.

وكيف يصح قول البعض : إنه مات بعد النبوة وقبل الرسالة؟! (١).

وقد أسلم علي وخديجة ، وصلّيا ثاني يوم البعثة ، بدعوة منه «صلى الله عليه وآله» ، فلماذا بقي ورقة على نصرانيته هذه السنين المتعددة؟.

هذا ، عدا عن أن البعض قد استنتج مما رواه البخاري وغيره ، من أن سورة المدثر كانت أول ما نزل عليه «صلى الله عليه وآله» ، وبالذات من قوله : (قُمْ فَأَنْذِرْ) ـ استنتج ـ : أن البعثة كانت مقترنة بالنبوة (٢).

٥ ـ قال في الإمتاع وغيره : إن ورقة قد توفي في السنة الرابعة للمبعث أو بعد تتابع الوحي (٣).

٦ ـ نقل عن الواقدي : أنه توفي بعد الأمر بالقتال (٤) ـ وكان ذلك بعد الهجرة ، وعليه فكيف يكون ورقة في الجنة عليه ثياب السندس أو الحرير؟! ـ وكيف يكون هو في الجنة ، وأبو طالب حامي الإسلام والدين في ضحضاح من نار؟!.

وبعد ذلك كله ، فإننا لم نفهم سبب تردد النبي «صلى الله عليه وآله» في

__________________

ص ٦٣٤ ، ونهاية ابن الأثير ج ١ ص ٢٦٦ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٤٩٢.

(١) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨٤ وغيره.

(٢) السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٥١.

(٣) السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٥٠ و ٢٥٢ عن كتاب الخميس عن الصحيحين ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨٤.

(٤) إرشاد الساري ج ١ ص ٦٧.

٢٧

أن يكون له جنة أو جنتان ، ولا نفهم أيضا ، لماذا قال :

وأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بيض ، أم لعله نسي أنه قد قال : إنه رآه في الجنة عليه ثياب السندس أو الحرير؟! أو أن النبي نفسه «صلى الله عليه وآله» قد ترقى وتدرج في التعرف على ما لورقة من مقام؟! أم أن ورقة نفسه قد ترقى في مدارج القرب والزلفى؟!.

وأخيرا ، فإننا لا ندري بعد ورود تلك الأقوال فيه لماذا لم يحكم المسلمون جميعا بأنه أول من أسلم ، لا علي ولا خديجة ، ولا غيرهما؟! ولماذا لا يعدونه من جملة الصحابة؟!.

وكيف يقولون : إنه توفي وهو على نصرانيته ، ثم كيف يدخل هذا النصراني الجنة؟!.

كانت تلك بعض الأسئلة التي تحتاج إلى جواب. وأنى؟!.

وثمة أسئلة أخرى :

هذا غيض من فيض مما يرد على تلك الروايات ، وبقي فيها الكثير من الأسئلة ، التي تحتاج إلى جواب :

فمثلا : حول ذهاب الملك حينما كشفت خديجة قناعها ، وأدخلته «صلى الله عليه وآله» بين درعها وجلدها.

يرد سؤال : هل كان الحجاب في ذلك الوقت مفروضا تلتزم به النساء؟ ، وكيف ذلك؟ وهم يقولون : إن الحجاب قد فرض في المدينة بعد الهجرة؟ وبعد وفاة خديجة «عليها السلام» بسنوات؟! فكيف إذن أدركت خديجة أن الملك يذهب إذا كانت بلا قناع؟!.

٢٨

وأيضا هل الملك مكلف بعدم النظر إلى نساء البشر؟! وهل للملك شهوة كشهوة الإنسان لا بد من الاحتراس منه لأجلها؟ ومن أين عرفت خديجة كل ذلك؟!.

إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي لن تجد لها عند هؤلاء الجواب المقنع والمفيد.

ومن الطعن في النبوة أيضا :

وبالمناسبة ، فإن كل ما تقدم لم يكفهم ، بل زادوا عليه قولهم : إنه قد كان للنبي «صلى الله عليه وآله» عدو من شياطين الجن يسمى الأبيض ، كان يأتيه في صورة جبرئيل ، ولعله هو الشيطان الذي أعانه الله عليه فأسلم ـ كما يقولون (١).

وشيطانه هذا الذي أسلم كان يجري منه مجرى الدم (٢).

وكان يدعو الله بأن يخسأ شيطانه ؛ فلما أسلم ذلك الشيطان ترك ذلك (٣).

ورووا أنه عرض للنبي «صلى الله عليه وآله» في صلاته قال : فأخذت

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٥٣ ، وراجع : إحياء علوم الدين ج ٣ ص ١٧١ وفي هامشه عن مسلم ، والغدير ج ١١ ص ٩١ عنه ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ٢٠٢ ، ومشكل الآثار ج ١ ص ٣٠ ، وراجع حياة الصحابة ج ٢ ص ٧١٢ عن مسلم وعن المشكاة ص ٢٨٠ وراجع : المحجة البيضاء ج ٥ ص ٣٠٢ ـ ٣٠٣.

(٢) مشكل الآثار ج ١ ص ٣٠.

(٣) المصدر السابق.

٢٩

بحلقه فخنقته فإني لأجد برد لسانه على ظهر كفي (١).

ويروون أيضا : أنه «صلى الله عليه وآله» قد صلى بهم الفجر ، فجعل يهوي بيديه قدامه ، وهو في الصلاة ؛ وذلك لأن الشيطان كان يلقي عليه النار ؛ ليفتنه عن الصلاة (٢).

ونقول :

ونحن لا نشك في أن هذا كله من وضع أعداء الدين ؛ بهدف فسح المجال أمام التشكيك في النبوة ، وفي الدين الحق ، وقد أخذه بعض المسلمين ـ لربما ـ بسلامة نية ، وحسن طوية ، وبلا تدبر أو تأمل ، سامحهم الله ، وعفا عنهم.

والغريب في الأمر : أننا نجدهم في مقابل ذلك يروون عنه «صلى الله عليه وآله» قوله لعمر :

«والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا ، إلا سلك فجا غير فجك» (٣) ، وقوله له : «إن الشيطان ليخاف أو ليفرق منك يا

__________________

(١) مسند أبي يعلى ، ج ١ ص ٥٠٦ و ٣٦٠ ومسند أبي عوانة ج ٢ ص ١٤٣ والسنن الكبرى ج ٢ ص ٢٦٤ ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٩٨ وأخرجه البخاري في مواضع من صحيحه ، وثمة مصادر كثيرة أخرى وراجع الغدير ج ٨ ص ٩٥.

(٢) المصنف ج ٢ ص ٢٤ ، وراجع : البخاري ط سنة ١٣٠٩ ه‍ ج ١ ص ١٣٧ ، وج ٢ ص ١٤٣.

(٣) صحيح مسلم ج ٧ ص ١١٥ ، والبخاري ط سنة ١٣٠٩ ه‍ ج ٢ ص ١٤٤ و ١٨٨ ، ومسند أحمد ج ١ ص ١٧١ و ١٨٢ و ١٨٧. والرياض النضرة ج ٢ ص ٢٩٩ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ١٧٨ والغدير ج ٨ ص ٩٤.

٣٠

عمر» (١) وقوله : «إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه» (٢).

وعن مجاهد : كنا نتحدث ، أو نحدث : أن الشياطين كانت مصفدة في إمارة عمر ، فلما أصيب بثّت (٣).

وصارع عمر الشيطان مرات ، وفي كل مرة يصرعه عمر (٤).

هذا عمر! وهذه حالة الشيطان معه! وذلك هو نبي الإسلام الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، وتلك هي حالته مع الشيطان عند هؤلاء الذين تروق لهم مثل هذه الترهات ، ويتقبلونها من أعداء الإسلام ، والمتاجرين به بسذاجة هي إلى الغباء أقرب.

فهم يقولون هذا عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، مع أنهم يدعون :

أن الملائكة قد أجرت له «صلى الله عليه وآله» ، خمس عمليات جراحية في صدره ، لكي تخلصه من حظ الشيطان ، كما في الحديث المزعوم عن شق صدره الشريف.

ولربما يكون الدافع لدى بعضهم أن يجد لأبي بكر الذي قال حين

__________________

(١) صحيح الترمذي كتاب ٤٦ باب ١٧ وفيض القدير عنه وعن أحمد وابن حبان وراجع تاريخ عمر ص ٣٥ والغدير ج ٨ ص ٩٦.

(٢) عن فيض القدير ج ٢ ص ٣٥٢ عن الطبراني وابن مندة ، وأبي نعيم ، والإصابة ج ٤ ص ٣٢٦ عنهم.

(٣) منتخب كنز العمال ، هامش مسند أحمد ج ٤ ص ٣٨٥ ـ ٣٨٦ ، عن ابن عساكر وحياة الصحابة ج ٣ ص ٦٤٧ عن المنتخب.

(٤) حياة الصحابة ج ٣ ص ٦٤٦ عن مجمع الزوائد ج ٧ ص ٧١ عن الطبراني وصحح بعض طرقه ، وعن أبي نعيم في الدلائل ص ١٣١.

٣١

أصبح خليفة :

إن له شيطانا يعتريه أن يجد له نظيرا ، ولكن من مستوى لا يدانى ولا يجارى ؛ فوقع اختياره على النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، ليكون هو ذلك النظير ؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ما هو الصحيح في قضية بدء الوحي؟!

والذي نطمئن إليه هو أنه قد أوحي إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، وهو في غار حراء فرجع إلى أهله مستبشرا مسرورا بما أكرمه الله به ، مطمئنا إلى المهمة التي أوكلت إليه ـ كما يرويه ابن إسحاق ، وأشارت إليه الرواية الأخيرة التي تقدمت عند ذكر نصوص الروايات ـ وإن كان قد زيد فيها ما لا يصح ـ فشاركه أهله في السرور ، وأسلموا ، وقد روي هذا المعنى عن أهل البيت «عليهم السلام».

فعن زرارة أنه سأل الإمام الصادق «عليه السلام» : كيف لم يخف رسول الله «صلى الله عليه وآله» فيما يأتيه من قبل الله : أن يكون مما ينزع به الشيطان؟.

فقال : إن الله إذا اتخذ عبدا رسولا ، أنزل عليه السكينة والوقار ، فكان الذي يأتيه من قبل الله ، مثل الذي يراه بعينه (١).

وسئل «عليه السلام» : كيف علمت الرسل أنها رسل؟

قال : كشف عنهم الغطاء (٢).

__________________

(١) التمهيد في علوم القرآن ج ١ ص ٤٩ عن العياشي ج ٢ ص ٢٠١ ، والبحار ج ١٨ ص ٢٦٢.

(٢) التمهيد ج ١ ص ٥٠ ، والبحار ج ١١ ص ٥٦.

٣٢

وقال الطبرسي : «إن الله لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيرة ، والآيات البينة ، الدالة على أن ما يوحى إليه إنما هو من الله تعالى ؛ فلا يحتاج إلى شيء سواها ، ولا يفزع ، ولا يفرق» (١).

وقال عياض : «لا يصح أن يتصور له الشيطان في صورة الملك ، ويلبّس عليه الأمر ، لا في أول الرسالة ولا بعدها ، والاعتماد في ذلك على دليل المعجزة ، بل لا يشك النبي أن ما يأتيه من الله هو الملك ، ورسوله الحقيقي ، إما بعلم ضروري يخلقه الله له ، أو ببرهان جلي يظهره الله لديه ؛ لتتم كلمة ربك صدقا وعدلا ، لا مبدل لكلمات الله» (٢).

لماذا الكذب والإفتعال إذن؟!

وبعد كل ما تقدم ؛ فإننا نرى أن افتعال تلك الأكاذيب يعود لأسباب ، أهمها :

١ ـ أن حديث الوحي هو من أهم الأمور التي يعتمد عليها الاعتقاد بحقائق الدين وتعاليمه ، وله أهمية قصوى في إقناع الإنسان بضرورة الاعتماد في التشريع ، والسلوك ، والاعتقاد ، والإخبارات الغيبية ، وكل المعارف والمفاهيم عن الكون ، وعن الحياة ، على الرسل والأنبياء ، والأئمة والأوصياء «عليهم السلام» ، وله أهمية كبرى في إقناعه بعصمة ذلك الرسول ، وصحة كل مواقفه وسلوكه ، وأقواله وأفعاله.

فإذا أمكن أن يتطرق الشك في نفسه إلى الوحي ، على اعتبار أنه إذا لم

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٨٤ ، والتمهيد ج ١ ص ٥٠ عنه.

(٢) التمهيد ج ١ ص ٥٠ عن رسالة الشفاء ص ١١٢.

٣٣

يستطع النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه أن يفرق بين الملاك والشيطان ، والوسوسة ، والحقيقة ، وهو يعاين ويشاهد ؛ فإن غيره وهو لا يتيسر له الاطلاع الحسي على شيء من ذلك يكون أولى بالشك ، وعدم الاعتماد.

وقد نقل الحجة البلاغي أن بعض أهل الكتاب قد نقض على المسلمين بذلك فقال :

«الشيطان قرين محمد ، وتشبث بنقله عن بعض المفسرين قولهم : إنه كان لرسول الله عدو من شياطين الجن ، كان يأتيه بصورة جبرئيل ، وإنه يسمى الأبيض» (١).

وبعد هذا ، فإننا نستطيع أن نعرف سر محاولات أعداء الإسلام الدائبة للتشكيك في اتصال نبينا الأعظم «صلى الله عليه وآله» بالله تعالى ، فافتعلوا الكثير مما رأوه مناسبا لذلك ، من الوقائع والأحداث التي رافقت الوحي في مراحله الأولى ، أو حرفوه وحوروه حسب أهوائهم ، وخططهم ، ومذاهبهم ، على اعتبار أنها فترة بعيدة نسبيا عن متناول الأيدي عادة.

فلما فشلوا في ذلك حاولوا ادعاء أن ما جاء به نبينا «صلى الله عليه وآله» كان نتيجة عبقريته ونبوغه ، وعمق تفكيره ، ومعرفته بطرق استغلال الظروف ، وانتهاز الفرص ، وليس لأجل اتصاله بالمبدأ الأعلى تبارك وتعالى.

وهكذا ، فإننا نستطيع أن نتهم يد أهل الكتاب في موضوع الأحداث غير المعقولة ، التي تنسب زورا وبهتانا إلى مقام نبينا الأعظم «صلى الله عليه

__________________

(١) الهدى إلى دين المصطفى ج ١ ص ١٦٩ عن كتاب الهداية في الرد على إظهار الحق ، والسيف الحميدي ج ٣ ص ٥.

٣٤

وآله» حين بعثته ، ولا أقل من تشجيعهم لمثل هذه الترهات.

٢ ـ كما أنه لا بد أن يحتاج نبينا «صلى الله عليه وآله» إليهم لإمضاء صك نبوته ، وتصديق وحيه ، ويكون مدينا لهم ، وعلى كل مسلم أن يعترف بفضلهم ، وبعمق وسعة اطلاعهم ، ومعرفتهم بأمور لا يمكن أن تعرف إلا من قبلهم ؛ فكان اختراع هذا الدور لورقة ، وعداس ، وبحيرا ، وناصح ، ونسطور ، وكلهم من أهل الكتاب!!.

٣ ـ وأما سؤال : لماذا اختص نبينا الأعظم «صلى الله عليه وآله» بكل تلك المصاعب والأهوال ، وبهذه المعاملة السيئة من جبرئيل ، حتى لقد صرح البعض : بأنه لم ينقل عن أي من الأنبياء «عليهم السلام» السابقين : أنه تعرض لمثل ذلك عند ابتداء الوحي ، حتى عد ذلك من خصائص نبينا «صلى الله عليه وآله» (١).

إن هذا السؤال لا يبقى له وقع ، إذا لاحظنا : أن بعض الأمور والأحوال غير المعقولة ، قد تسربت إلى بعض المسلمين من قبل أهل الكتاب ، حتى أصبحت جزء من التاريخ ، والفقه ، والعقائد والخ .. وذلك من أجل أن يكون لنبي المسلمين نفس الحالات التي تذكر لغيره من الأنبياء في كتب أهل الكتاب.

وإذن ، فليس غريبا أن نجد ملامح هذه القصة موجودة في العهدين ، فقد جاء في الكتابين اللذين يطلق عليهما اسما التوراة والإنجيل :

أن دانيال خاف وخر على وجهه ، وزكريا اضطرب ، ووقع عليه الخوف ،

__________________

(١) بهجة المحافل ج ١ ص ٦٢ ، وفتح الباري ج ٨ ص ٥٥٢ ، وإرشاد الساري ج ١ ص ٦٣ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٤٢.

٣٥

ويوحنا سقط في رؤياه كميت ، وعيسى تغيرت هيئة وجهه ، وبطرس حصلت له غيبوبة وإغماء ، وهكذا الحال بالنسبة ليعقوب وإبراهيم وغيرهم (١).

ولكن ذلك لا يعني : أننا ننكر ثقل الوحي عليه «صلى الله عليه وآله» :

فإن ذلك بحث آخر (٢) ، ولكننا ننكر اضطرابه وخوفه «صلى الله عليه وآله» ، حتى أراد أن يتردى من شواهق الجبال ، وخاف على نفسه الجنون ، وننكر ما فعله به جبرئيل ، حسب ما ذكرته الروايات المتقدمة ، فإن الظاهر أن ذلك قد تسرب من قبل أهل الكتاب إلى المحدثين الأتقياء.

أو فقل : الأغبياء! الأشقياء ، كما هو الحال في كثير من نظائر المقام ، حسبما يظهر للناقد البصير ، والمتتبع الخبير.

٤ ـ إنك تجد في العهدين أن الشيطان يتصرف بالأنبياء وغيرهم حتى بابن الإله بزعمهم فيقولون :

إن الروح أصعد المسيح إلى البرية أربعين يوما ليجرب من قبل إبليس ، فأصعده الشيطان إلى جبل عال ، وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان ، وقال له : أعطيك هذا السلطان كله واسجد لي إلخ .. (٣).

__________________

(١) راجع في ذلك كله : الهدى إلى دين المصطفى ، للحجة البلاغي ج ١ ص ١٤.

(٢) وقوله تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) يرى المحقق السيد مهدي الروحاني أن معناه : أن مهمة دعوة الناس إلى الحق ، وترك عاداتهم وما هم عليه حتى يزكيهم ، من أثقل الأمور وأصعبها.

(٣) إنجيل متى الإصحاح ٤ الفقرة ٣ ـ ١٣ والهدى إلى دين المصطفى ج ١ ص ١٧٠ عنه.

٣٦

وقال في موضع آخر : ولما أكمل إبليس كل تجربة (أي مع المسيح) فارقه إلى حين (١).

ويقول بولس الرسول : ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني ؛ لئلا أرتفع ؛ من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني (٢).

وفي موضع آخر : لذلك أردنا أن نأتي أنا وبولس مرة ومرتين ، وإنما عاقنا الشيطان (٣).

كما أن الإنجيل يذكر : أن المسيح قد عبر عن بطرس بأنه شيطان (٤) ، إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه (٥).

٥ ـ وعدا عن ذلك كله ، فإننا لا نستبعد : أن يكون الهدف من جعل تلك الترهات ، هو الحط من كرامة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، والطعن في قدسيته ومقامه في نفوس الناس ، وتصويره لهم على أنه رجل عادي مبتذل ، ولا أدل على ذلك من احتياجه إلى أبسط الناس حتى النساء ليرشده إلى طريق الهدى ، ويدله على الحق ؛ مما يدل على أنه قاصر محتاج باستمرار إلى مساعدة الآخرين ؛ الذين هم أحسن تصرفا وأكثر تعقلا منه.

__________________

(١) الهدى إلى دين المصطفى ج ١ ص ١٧١ عن إنجيل لوقا ١٣.

(٢) كورنتوش الثانية الإصحاح ١٢ فقرة ٧ ـ ٩.

(٣) تسالونيكي الأولى الإصحاح الثاني فقرة ١٨ والهدى إلى دين المصطفى ج ١ ص ١٧٢ عنه.

(٤) إنجيل متى الإصحاح ١٦ فقرة ٢٣ ، والهدى إلى دين المصطفى ج ١ ص ١٧١.

(٥) راجع : الهدى إلى دين المصطفى ج ١ ص ١٦٩ ـ ١٧٣.

٣٧

وقد أشرنا في تمهيد الكتاب إلى بعض ما يمكن أن يقال في ذلك ، وقلنا : إن الظاهر هو أن تلك خطة السياسيين ، الذين يريدون أن يرغموا أنوف بني هاشم ، ويبزّونهم سياسيا ، من أمثال :

معاوية الذي أقسم على أن يدفن ذكر النبي «صلى الله عليه وآله» ، ومع معاوية سائر الأمويين وأعوانهم.

ومن أمثال عبد الله بن الزبير ، الذي قطع الصلاة على النبي «صلى الله عليه وآله» مدة طويلة ، لأن له أهيل سوء إذا ذكر شمخت آنافهم (١).

٦ ـ لقد كان الزبيريون يواجهون وينافسون الأمويين ، ويعادون الهاشميين ، ويحسدونهم على ما لهم من شرف وسؤدد.

وإذا لاحظنا : نصوص الرواية المتقدمة لقضية ورقة بن نوفل ، فإن عمدة رواتها هم من الزبيريين وحزبهم ، كعروة بن الزبير ، الذي اصطنعه معاوية ليضع أخبارا قبيحة في علي.

وكإسماعيل بن حكيم ـ مولى آل الزبير.

وكذلك وهب بن كيسان.

ثم أم المؤمنين عائشة خالة عبد الله بن الزبير.

ثم لاحظنا في المقابل :

أن خديجة هي بنت خويلد بن أسد ، وورقة هو ابن نوفل بن أسد ، والزبير هو ابن العوام بن خويلد بن أسد ، فتكون النسبة بين الجميع

__________________

(١) تقدمت مصادر ذلك حين الكلام على حلف الفضول فراجع.

٣٨

واضحة المعالم (١) ـ إذا لاحظنا ذلك كله ـ فإننا نستطيع أن نعرف :

أنه كان لا بد أن يكون لأقارب عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد ، ومن ثم للزبيريين بشكل عام ، دور حاسم في انبعاث الإسلام ، إذ لو لا هم لقتل النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه ، أو على الأقل لم يستطع أن يكتشف نبوة نفسه!!

وإذا كان للزبيريين هذا التاريخ المجيد ، فليس للأمويين أن يفخروا عليهم بخلافة عثمان ، وليس للهاشميين أن يفخروا بمواقف أبي طالب ، وولده علي أمير المؤمنين «عليه السلام».

وإذن ، فلا بد من دعوى : أن ورقة قد تنصر ، وأنه كان يكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء ، إلى آخر ما قيل ويقال في ذلك.

النتيجة :

وهكذا فإن النتيجة تكون هي :

أن الأمويين يستفيدون من افتعال القصة على هذا النحو ، ويحققون أعز أهدافهم وأغلاها ، كما أن الزبيريين أيضا يستفيدون منها ، أما أهل الكتاب فيكون لهم منها حصة الأسد.

وبذلك ينعقد الإجماع من قبل مسلمة أهل الكتاب ، الذين لم يسلموا ولكنهم استسلموا ، إلى جانب منافقي هذه الأمة وطلقائها ، وطلاب الدنيا ، فأدخلوا في الإسلام من إسرائيليات أولئك ، وترهات هؤلاء كل غريبة ،

__________________

(١) لكن من الواضح : أن كون ورقة هو ابن عم خديجة ؛ يبعد كون ورقة شيخا كبيرا ، قد وقع حاجباه على عينيه ، كما تزعم النصوص المتقدمة.

٣٩

ونسبوا إلى نبي الإسلام كل عجيبة ، بعد أن نجحوا في إبعاد أهل البيت «عليهم السلام» عن موقعهم الذي جعله الله سبحانه لهم ، ليحتل القصاصون وأذناب الحكام محلهم.

وكانت هذه الجريمة النكراء حينما التقت المصالح والأهواء ، واجتمعت على هذا الأمر ، فلماذا لا يدلي كل بدلوه؟ أو كيف لا تشجع أمثال هذه الترهات والأباطيل؟!.

عصمنا الله من الزلل ، في القول والعمل.

٤٠