الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

وهو كثير الجود واسمه نوفل ويقال : إنه حجل».

والغيداق وحجل سواء كانا رجلا واحدا أو رجلين فإنهما لم يكونا موجدين وقت حادثة الإنذار وهذا يتضح من خلال تأكيد ثلاثة مؤرخين :

أن أعمام النبي «صلى الله عليه وآله» من أبناء عبد المطلب وقت بعثته كانوا أربعة فقط :

قال ابن قدامة في كتابه : التبيين في أنساب القرشيين صفحة (٧٦) : «ولم يدرك الإسلام منهم إلا أربعة ، حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب ، أسلم اثنان وكفر اثنان».

وفي كتاب المنمق في أخبار قريش صفحة (٢١) لمحمد بن حبيب البغدادي المتوفى سنة ٢٤٥ ه‍ يقول : «ففضل الله هاشما على إخوته ثم افترق بنو هاشم فرقا فدرجوا كلهم وانقرضوا والبقية منهم لعبد المطلب بن هاشم ؛ فبعث الله نبيه «صلى الله عليه وآله» وله أربعة أعمام : حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب ، فاتبعه اثنان وخالفه اثنان ؛ ففضل الله الفرقة التي تبعته على التي خالفته».

وفي كتاب ذخائر العقبى صفحة (٢٩٣) لأبي العباس الطبري المتوفى عام ٦٩٤ ه‍ حين ذكر أعمام النبي «صلى الله عليه وآله» قال : «ولم يدرك الإسلام منهم غير أربعة : أبو طالب وأبو لهب وحمزة ، والعباس ، ولم يسلم غير حمزة والعباس رضي الله عنهما».

يبقى الآن لنا الأعمام الذين كانوا حاضرين للحادثة وبقوا إلى أن بعث النبي «صلى الله عليه وآله» ، وهم : أبو طالب وله أربعة أبناء ، وأبو لهب وله ثلاثة أبناء ، والعباس وله ابن واحد فقط عاصر الحادثة ، وحمزة.

١٨١

أما حمزة بن عبد المطلب «رضي الله عنه» فليس له من الذكور إلا اثنين : عمارة ويعلى ، وهذان الذكران لم يكونا وقت الحادثة وظاهر الأمر أنهما ولدا في المدينة بعد الهجرة أي بعد حادثة الإنذار لسببين :

الأول : جاء في كتاب سيرة آل بيت النبي «صلى الله عليه وآله» (١ / ٢٣٨) للدكتور حمزة النشرتي والشيخ عبد الحفيظ فرغلي والدكتور عبد الحميد مصطفى : «وتزوج حمزة امرأة من الأنصار من بني مالك بن عوف وأعقب منها عليا وكان يكنى به ، وأعقب منها أيضا ولدا آخر اسمه عامر مات.

ويروى أنه تزوج امرأة أخرى من الأنصار اسمها خولة بنت قيس بن فهد الأنصارية من بني ثعلبة بن غنم بن مالك النجار وأعقب منها ولدا اسمه عمارة وبه كان يكنى أيضا».

ومصطلح لفظة الأنصار لم تنشأ وتستخدم وتطلق على الأوس والخزرج في المدينة إلا بعد الهجرة النبوية.

الثاني : ما ذكره ابن حجر في الإصابة في ترجمة عمارة بن حمزة بن عبد المطلب رقم الترجمة (٦٤٧٥) : «كان له ولأخيه يعلى عند وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» أعوام ولا أحفظ لواحد منهما رواية».

وهذه قرينة أخرى تدل على أن عمارة ويعلى كانا صغيرين وقت وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» وأن حمزة «رضي الله عنه» لم يكن له أبناء حين وقوع حادثة الإنذار ..

أخيرا :

بعد هذا العرض التاريخي البسيط نستفيد : أنه لم يكن حاضرا من أولاد

١٨٢

عبد المطلب سوى أربعة فقط ، هم : العباس وأبو لهب وحمزة وأبو طالب ..

إضافة إلى عدد من أحفاد عبد المطلب كما نقلت لنا السيرة معاصرتهم للنبي «صلى الله عليه» في بداية دعوته بمكة المكرمة فعلى ذلك نقول :

١ ـ العباس بن عبد المطلب.

٢ ـ الفضل بن العباس بن عبد المطلب ـ على صغره وقت الحادثة ـ إذ إن عبد الله بن العباس لم يدرك الحادثة! حيث إنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ..

٣ ـ أبو طالب ـ واسمه عبد مناف ـ بن عبد المطلب.

٤ ـ طالب بن أبي طالب بن عبد المطلب.

٥ ـ عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب.

٦ ـ جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب.

٧ ـ علي بن أبي طالب بن عبد المطلب.

٨ ـ نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.

٩ ـ عبد الله ـ سابقا اسمه عبد شمس ـ بن الحارث بن عبد المطلب.

١٠ ـ أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.

١١ ـ ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.

١٢ ـ حمزة بن عبد المطلب ولم يكن له ولد في مكة كما بينا ذلك من قبل.

١٤ ـ أبو لهب ـ واسمه عبد العزى ـ بن عبد المطلب.

١٥ ـ عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب.

١٨٣

١٦ ـ معتب بن أبي لهب بن عبد المطلب.

١٧ ـ عتيبة بن أبي لهب بن عبد المطلب.

١٨ ـ عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب.

خلاصة الأمر :

أن عدد بني عبد المطلب لم يبلغوا العشرين رجلا ولا يزيدون عنها بأي حال من الأحوال ؛ فمن أين جاء الأربعون؟!

بل لم يبلغوا الأربعين رجلا في مدة حياة النبي «صلى الله عليه وآله»!!

الأمر الثاني : على نقد المتن هو قول الرواية : «فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم».

هذا الكلام غير صحيح ؛ فذلك لأن مجرد الإجابة للشهادة والمؤازرة والمناصرة للدعوة والإسلام لا توجب الخلافة والوصاية ، فالذين أجابوا الرسول «صلى الله عليه وآله» كثيرون ، فقد أجاب النبي «صلى الله عليه وآله» من آل بيته مثلا : جعفر بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، والعباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس ، وأبو طالب ـ على قول الشيعة : إنه أجاب الرسول «صلى الله عليه وآله» للإسلام ـ إضافة إلى أن عليا «رضي الله عنه» كان صغيرا في ذلك الوقت حين بعث النبي «صلى الله عليه وآله» بل لم يرو ولم يعرف دفعا لعلي «رضي الله عنه» عن النبي «صلى الله عليه وآله» حال وجوده في مكة إلا ما وقع في مبيته في فراش النبي «صلى الله عليه وآله» عند هجرته ..

١٨٤

وجيد أن أنقل لكم قول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (٧ / ٣٠٦) : «أن قوله للجماعة : «من يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي» كلام مفترى على النبي «صلى الله عليه وآله» لا يجوز نسبته إليه ، فإن مجرد الإجابه إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا كله ، فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين وأعانوه على هذا الأمر وبذلوا أنفسهم وأموالهم في إقامته وطاعته وفارقوا أوطانهم وعادوا إخوانهم وصبروا على الشتات بعد الألفة وعلى الذل بعد العز وعلى الفقر بعد الغنى وعلى الشدة بعد الرخاء وسيرتهم معروفة مشهورة ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك خليفة له».

ثم قال شيخ الإسلام في موضع أخر (٧ / ٣٠٧) : «أن حمزة وجعفرا وعبيدة بن الحارث أجابوا إلى ما أجابه علي ـ «رضي الله عنه» ـ من الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر ، فإن هؤلاء من السابقين الأولين الذين آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر». (انتهى كلام هذا المشكك).

مناقشة ما تقدم :

إن التشكيكات التي أوردها هذا البعض حول حديث الإنذار ، ليست جديدة علينا ، فقد طرحها قبله ابن تيمية ، ومن هم في خطه.

وقد ذكر في هذا الكتاب بعض ما يفيد في دفع هذه المغالطات ، ونعود فنقول : إن جميع ما ذكره لا يصح ، وذلك لما يلي :

١ ـ لقد شكك هذا المعترض في أن يكون تعداد رجال بني عبد المطلب يبلغ الأربعين رجلا آنئذ ، وذكر أن أبناء عبد المطلب كانوا أحد عشر

١٨٥

رجلا .. ولم يعدّ قثم في جملتهم ..

وزعم أن المقصود بالمقوم عبد الكعبة.

وأن المقصود بحجل المغيرة.

وأن المقصود بالغيداق نوفل. وقيل : حجل ..

ولا نريد أن نناقشه في زعمه هذا.

ثم ذكر : أن الحارث عم النبي «صلى الله عليه وآله» قد مات في حياة عبد المطلب نفسه ، حين أراد عبد المطلب نحر الإبل : وكان عمر ابنه ربيعة حين مات أبوه الحارث سنتين كما في أنساب الأشراف ج ١ ص ٨٧.

وأن الزبير بن عبد المطلب مات قبل النبوة.

وأن ضرار بن عبد المطلب مات حدثا قبل الإسلام.

ولكن لنا كلام حول ضرار هذا سيأتي إن شاء الله.

وأن المقوم قد مات قبل الإسلام أيضا. وهو عبد الكعبة الذي مات صغيرا.

وأن قثم مات وهو صغير.

ثم استدل بما في ذخائر العقبى ص ٢٩٣ والتبيين في أنساب القرشيين ص ٧٦ والمنمق ص ٢١ من أنه لم يدرك الإسلام من أولاد عبد المطلب إلا أربعة هم : حمزة ، والعباس ، وأبو طالب ، وأبو لهب. أسلم اثنان وكفر اثنان.

وبعد ما تقدم نقول :

إننا نحسب أن : عدهم لأبي طالب في جملة الكافرين لهو من الأمور الظاهرة الزيف ، التي تحتاج إلى بيان ، ولكننا نذكر القارئ بما يلي :

١٨٦

أولا : إن ما أشار إليه من وجود اختلافات في أن يكون عبد الكعبة لقبا للمقوم أو أنه اسم رجل آخر .. والخلاف في أن يكون حجل هو الغيداق ، أو رجل آخر .. وكذلك الحال بالنسبة لنوفل ـ إن ذلك ـ يجعلنا لا نثق فيما ينقله هؤلاء المؤرخون من تحديدات لتاريخ موت وولادة ، وعدد أولاد ، أو أحفاد هذا وذاك.

وأما إذا كان يراد الإستناد إلى سكوت الراوي عن ذكر هذه الخصوصية أو تلك ، فإن الأمر يصير أعقد وأشكل ، لأن عدم ذكر المؤرخ أولادا لبعض الناس ، لا يدل على عدم وجود الأولاد له فعلا ..

ثانيا : إن ما ذكره هذا المشكك من أن للزبير بن عبد المطلب ابنا عاصر الحادثة غير دقيق ، لأن له أبناء آخرين أيضا ، كان عليه أن يذكرهم ، وهم بالإضافة إلى عبد الله :

١ ـ الطاهر.

٢ ـ حجل.

٣ ـ قرة (١).

كما أنه لم يذكر أن للمقوم أولادا ، وهم :

٤ ـ بكر

٥ ـ عبد الله (٢).

__________________

(١) جمهرة أنساب العرب ص ١٧.

(٢) نفس المصدر.

١٨٧

وأن لحمزة ولدا اسمه :

٦ ـ يعلى.

وقد كناه به أخوه أبو طالب في شعره ، حيث قال مخاطبا له :

فصبرا أبا يعلى على دين أحمد

وكن مظهرا للدين وفقت ناصرا

بالإضافة إلى ابنه عامر.

والإستدلال بكلمة (الأنصارية) في وصف زوجة حمزة ، على أن حمزة قد تزوجها بعد الهجرة .. لا يفيد شيئا ، فإن هذا الاصطلاح إنما جرى على ألسنة المؤلفين ، الذين يريدون تحديد المرادات والمسميات في تعابيرهم ، ولو بالاستعانة بالمصطلحات التي نشأت بعد الإسلام ، أو بالمصطلحات التي قرروها هم ، للتعبير عن مراداتهم.

كما أن هذا المشكك لم يذكر : أولاد نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وهم :

٧ ـ الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، الذي استعمله النبي «صلى الله عليه وآله» على بعض أعمال مكة (١).

٨ ـ عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.

٩ ـ جعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، الذي أسلم مع أبيه ، وشهد حنينا ، وأدرك زمن معاوية (٢).

__________________

(١) الإصابة ج ١ ص ٢٩٢ و ١٨٧ والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ١ ص ٢٩٧ وجمهرة أنساب العرب ص ٧٠.

(٢) الإصابة ج ١ ص ٢٣٧ والإستيعاب (مع الإصابة) ج ١ ص ٢١٣.

١٨٨

١٠ ـ عبد الله (المعروف بأبي الهياج) بن سفيان بن الحارث بن عبد المطلب (١).

١١ ـ أمية بن الحارث بن عبد المطلب (٢).

١٢ ـ المطلب (أبو عبد المطلب) بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.

فإنه هو والفضل بن العباس سألا رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يزوجهما ، فأمر «صلى الله عليه وآله» بتزويجهما (٣).

١٣ ـ عبد شمس (سماه النبي «صلى الله عليه وآله» : عبد الله (٤)) ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، مات بالصفراء ، فدفنه النبي «صلى الله عليه وآله» ، وكفنه في قميصه (٥).

ثالثا : إن هناك أشخاصا كثيرين ، من أحفاد عبد المطلب أو من أبنائهم لم يسجل التاريخ إلا أسماءهم ، أو سكت حتى عن ذكر الأسماء ، فلا يمكن الجزم بنفي وجودهم ، ولا بمقدار عمر من ذكر منهم ، ولكن المحاسبات التاريخية لا تمنع من كونهم في زمن الحادثة كانوا في سن البلوغ أيضا ، وإن لم يكن إثبات ذلك بالاعتماد على الدليل والحجة ، فمثلا ، قد ذكر ابن حزم أسماء سبعة من أولاد ربيعة بن الحارث ، لا نعرف عن أكثرهم شيئا ، وهم :

__________________

(١) جمهرة أنساب العرب ص ٧٠ والإصابة ج ٢ ص ٣٢٠.

(٢) جمهرة أنساب العرب ص ٧٠.

(٣) الإصابة ج ٢ ص ٤٣٠ عن صحيح مسلم.

(٤) الإصابة ج ٢ ص ٤٢٧ و ٢٩٢.

(٥) الإصابة ج ٢ ص ٢٩٢.

١٨٩

١ ـ محمد.

٢ ـ عبد الله.

٣ ـ عبد شمس.

٤ ـ العباس.

٥ ـ عبد المطلب.

٦ ـ أمية.

٧ ـ الحارث (١).

وأمثال هؤلاء كثيرون ، والذين لم ترد أسماؤهم في كتب الأنساب والتراجم أكثر ، وما أكثر الناس الذين عاشوا وماتوا في الجزيرة العربية ، ولم يرد لهم ذكر في كتاب ، ولا في رواية.

رابعا : لقد ذكر هذا المستشكل : أن ضرارا لم يكن موجودا حين إنذار العشيرة .. مع أنه هو نفسه قد ذكر عن ابن سعد : أن ضرارا قد مات أيام أوحي إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» (٢).

فكيف جزم هذا المستشكل بأنه قد مات قبل النبوة؟!

خامسا : إنه تارة يقول : إنه مات أيام أوحي إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وتارة يقول : إنه مات حدثا قبل الإسلام ..

ألف : إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد بعث بعد موت عبد

__________________

(١) جمهرة أنساب العرب ص ٧٠.

(٢) الطبقات الكبرى ج ١ ص ٩٣.

١٩٠

المطلب بحوالي اثنين وثلاثين سنة ، وكان موت ضرار أيام أوحي إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فإن معنى ذلك : أن عمره لو كان قد ولد سنة وفاة أبيه هو حوالي اثنين وثلاثين سنة.

فكيف يكون حين موته غلاما حدثا؟!

ب : إذا كان حين موته غلاما حدثا ؛ فما معنى قول ابن سعد عنه : إنه «كان من فتيان قريش جمالا وسخاء»؟ (١).

سادسا : إن أبناء عبد المطلب كلهم قد ولدوا وأصبحوا رجالا قبل موت أبيهم ، لأنهم يقولون : إن عبد المطلب «عليه السلام» «قد نذر : لئن ولد له عشرة نفر ، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه ، ليذبحن أحدهم لله عند الكعبة ، فلما تكامل بنوه عشرة ، وعرف أنهم سيمنعونه ، وهم : الحارث والخ ..» (٢). أراد أن يفي بنذره بذبح عبد الله ..

ومعنى ذلك : أن أولاد عبد المطلب إلى حين بعثة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» كانوا قد بلغوا في أعمارهم إلى ما بين الستين والسبعين سنة ، فلا بد أن يكونوا قد تزوجوا وولد لهم أولاد ، ومات عدد منهم ، وبقي أولادهم هؤلاء ، ليحضروا مناسبة إنذار العشيرة.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) البداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي سنة ١٤١٣ ه‍) ج ٢ ص ٣٠٦ ، وراجع : السيرة النبوية لابن هشام (ط سنة ١٤١٣ ه‍) ج ١ ص ١٥١ ، والسيرة الحلبية (ط دار إحياء التراث العربي) ج ١ ص ٣٥ و ٣٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ١٧٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦ وشرح المواهب للزرقاني ج ١ ص ١٧٤.

١٩١

سابعا : قول التلمساني : إن المقوم لا عقب له ، لا يراد به : أنه لم يعقب أصلا ، بل المراد : أن عقبه قد انقرض وانقطع ، وقد قال ابن حزم : «ولد المقوم بن عبد المطلب بكرا ، وعبد الله ، فولد بكر بن المقوم عبد الله. ولا عقب للمقوم» (١).

وهذا معناه : أنه يقصد أنه لا عقب للمقوم باقيا .. ويشهد لذلك قول ابن حزم أيضا عن أولاد عبد المطلب : «فلم يعقب أحد منهم عقبا باقيا إلا أربعة : العباس ، وأبو طالب ، والحارث ، وأبو لهب» (٢).

ثامنا : قول هذا المستشكل عن المقوم ـ الذي هو عنده عبد الكعبة بن عبد المطلب ـ إنه هلك صغيرا ، وكذلك قوله عن قثم بن عبد المطلب : مات صغيرا .. لا يمكن قبوله حسبما قدمناه حول نذر عبد المطلب ..

فإذا ثبت أنهم كانوا كبارا ، فإن موتهم ، وكذلك موت إخوتهم في الجاهلية لا يعني أنهم لم يتزوجوا ، ولم يولد لهم أولاد ، يحضرون مناسبة إنذار العشيرة.

فعدم حضور الغيداق والحارث ، وغيرهما من أبناء عبد المطلب للمناسبة لا يضر ، ولا يثبت أن الحاضرين كانوا أقل من أربعين رجلا ، لجواز أن يكون أبناؤهم وأحفادهم قد حضروها ..

تاسعا : إن الروايات قد صرحت بحضور آخرين من بني هاشم في تلك المناسبة .. ولا مانع من أن يتصرف الرواة ببعض الكلمات سهوا ، أو

__________________

(١) جمهرة أنساب العرب ص ١٧.

(٢) جمهرة أنساب العرب ص ١٥.

١٩٢

لأجل عدم تعلق أغراضهم بالتدقيق فيها .. أو لغير ذلك من أسباب ، ولا يضر ذلك في الرواية ، ولا يسقطها عن الإعتبار ..

ولعل بعض الرواة قد أجرى الكلام على سبيل التغليب ، حين رأى أن بني عبد المطلب كانوا هم الأكثر عددا ، في تلك المناسبة ، وأن غيرهم لا يكاد يلتفت إليهم بسبب قلة عددهم ..

بل ربما يقال : إن ما صرحت به الروايات الأخرى من التعميم لبني عبد المطلب تارة ولبني هاشم أخرى ، يصلح قرينة على أن كلمة (عبد) مقحمة في الكلام سهوا ، وأن المقصود هو بنو المطلب ، فيشمل الأمر عبيدة بن الحارث بن المطلب الشهيد في حرب بدر ، وغيره .. ولا أقل من كون ذلك قرينة على إرادة التغليب ، إن كانت كلمة (عبد) مذكورة في الكلام عمدا ..

وعلى كل حال : فإن هناك روايات تقول : دعا بني هاشم (١).

وروايات أخرى تقول : دعا بني عبد المطلب ونفرا من بني المطلب (٢).

هذا كله بالنسبة لما أورده المستشكل حول عدد الحاضرين في تلك

__________________

(١) كما في السيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٤٥٩ عن ابن أبي حاتم وكذا في البداية والنهاية ج ٣ ص ٤٠ ، راجع كنز العمال ج ١٥ ص ١١٣ ، ومسند أحمد ج ١ ص ١١١ وتفسير ابن كثير ج ٣ ص ٣٥٠ وابن عساكر ترجمة الإمام علي بتحقيق المحمودي ج ١ ص ٨٧ ، وإثبات الوصية للمسعودي ص ١١٥ ، وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٧ ، ومسند البزار مخطوط في مكتبة مراد رقم ٥٧٨.

(٢) الكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٦٢ ط صادر.

١٩٣

المناسبة ..

وأما بالنسبة لما أورده حول دلالة هذا الحديث ، فهو أيضا غير صحيح ، إذ يرد عليه :

أولا : إن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» لم يعلق أمر الخلافة بعده على مجرد النطق بالشهادة والمؤازرة والمناصرة في الجملة ، بل علقها على المؤازرة التامة في الدين ، في جميع الموارد والأحوال .. وهذا يحتاج إلى أعلى مراتب الكمال ، والتضحية والجهاد ، والعلم والوعي ، والسمو الروحي ، وقد أظهرت الوقائع أن الذي ينصر النبي «صلى الله عليه وآله» هو خصوص علي أمير المؤمنين «عليه السلام» ..

وإجابة غير علي من المؤمنين لم تكن تامة وشاملة ، حتى لقد فروا عن النبي «صلى الله عليه وآله» في كثير من الوقائع والأحداث ، خصوصا في أحد ، وحنين ، وخيبر ، وغير ذلك.

وما ذكره ابن تيمية عن نصرة المؤمنين له «صلى الله عليه وآله» لا يفيد أنهم قد بلغوا في نصرته ما يستحقون به ذلك المقام.

ثانيا : إن مؤازرة علي «عليه السلام» للنبي «صلى الله عليه وآله» قبل الهجرة ، كانت حاصلة ، من حيث أن حديث الإنذار نفسه يفيد أن هذه النصرة قد حصلت ، وذلك حين وافق النبي «صلى الله عليه وآله» على اتخاذه وزيرا ، وأخا ، ووصيا في ذلك اليوم ، ولم يزل يؤكد على ذلك في المناسبات المختلفة ، خصوصا تأكيداته «صلى الله عليه وآله» على ذلك في تبوك ، حين أطلق : كونه منه بمنزلة هارون من موسى .. ثم حسم الأمر في غدير خم في حجة الوداع وفي غير ذلك من مناسبات ..

١٩٤

وعدم بلوغ كيفيات ومفردات هذه النصرة لنا لا يدل على عدم حصولها بالفعل.

ثالثا : إن نفس هذا الموقف في حديث الإنذار كان النبي «صلى الله عليه وآله» بأمس الحاجة إلى النصرة فيه ، فإذا أحجموا عن بذلها له في هذا الموقف ، فإنهم استحقوا الحرمان من مقام الأخوة والإمامة والوصاية ، حتى لو بذلوا ما بذلوا بعد ذلك ، مما شاركهم فيه علي «عليه السلام» ، وزاد عليهم فيه ..

أي أن حمزة وجعفرا ، وعبيدة بن الحارث ، لم يجيبوا إلى ما أجاب إليه علي «عليه السلام» في ذلك اليوم ، وسكتوا ، ولم ينصروا النبي «صلى الله عليه وآله» في يوم الإنذار أمام عشيرته الأقربين ، رغم أنه كان بأمس الحاجة إلى ذلك ..

رابعا : إن جعفر ، وحمزة ، وعبيدة بن الحارث ، وأبا طالب .. إن فرض أنهم كانوا جميعا قد أسلموا آنئذ ، فإنهم قد لا يرون أنهم أهل لمقام خلافة النبوة لأسباب يعرفونها في أنفسهم وحالاتهم. ولعل بعضهم كأبي طالب ، أو كلهم ، لم يكن يأمل بالبقاء على قيد الحياة إلى ما بعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وآله» أو لغير ذلك من أسباب ، جعلتهم يرون : أن المقصود بالخطاب سواهم ..

١٩٥
١٩٦

الفصل الثالث :

حتى الهجرة إلى الحبشة

١٩٧
١٩٨

فاصدع بما تؤمر :

وبعد أن أنذر «صلى الله عليه وآله» عشيرته الأقربين ، وبعد أن انتشر أمر نبوّته «صلى الله عليه وآله» في مكة ، بدأت قريش تتعرض لشخص النبي «صلى الله عليه وآله» بالاستهزاء والسخرية ، وأنواع التهم ، كما يظهر ؛ إذ أنهم قد عرفوا جدية القضية ، وأدركوا أبعادها.

فبادروا إلى تلك الأساليب بهدف الحط منه «صلى الله عليه وآله» أمام الرأي العام ، وابتذال شخصيته ، على الرغم من أنه «صلى الله عليه وآله» كان يتبع سبيل الحكمة والهدوء ، حين يطلع بعض الناس على دعوته وما جاء به ، كل ذلك حسدا وبغيا منهم ، وتخوفا من المستقبل ، ليس إلا.

وكان لذلك الاستهزاء تأثير على إقبال الناس على الدخول في الإسلام ؛ فاغتم النبي «صلى الله عليه وآله» لذلك جدا ، واعتبر ذلك عائقا في سبيل انتشار دعوته ، وأداء مهمته.

فأنزل الله عليه قرآنا ، يأمره بإظهار الدعوة ، والطلب من كل أحد ، حتى من جبابرة قريش ، ومن جميع القبائل والفئات : أن تسلم لربها ، مشفوعا ذلك بوعد أكيد ، بأن الله سوف يكفيه المستهزئين ؛ فيجب أن لا يهتم لهم ، وأن يتجاهلهم ، وذلك حين نزل قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ

١٩٩

وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)(١).

هذا إذا كان المقصود أنه سوف يكفيه أولئك الذين صدر منهم فعل الاستهزاء.

أما إذا كان المراد : من سوف يصدر منهم هذا الأمر ، فإن الآية لا تكون ناظرة إلى ما سبق كما هو ظاهر لا يخفى.

وقد بين الله تعالى له : خطة العمل المستقبلية ، فأمره أن يأخذ بالصفح الجميل ، وبالإعراض عن المشركين ، وأن لا يحزن عليهم ، ولا يضيق صدره بما يقولون ؛ فإن جزاءهم على الله المطلع على كل صغيرة وكبيرة.

فامتثل النبي «صلى الله عليه وآله» أمر الله ، وأظهر دعوته ، وطلب من الناس جميعا : أن يسلموا لربهم.

ويقولون : إنه قام على الحجر ، فقال : يا معشر قريش ، يا معشر العرب أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وآمركم بخلع الأنداد والأصنام ؛ فأجيبوني تملكون بها العرب ، وتدين لكم العجم ، وتكونون ملوكا في الجنة ، فاستهزؤوا به ، وقالوا : جن محمد بن عبد الله ، ولم يجسروا عليه لموضع أبي طالب (٢).

وجاء أيضا : أنه «صلى الله عليه وآله» قام على الصفا ، ونادى قريشا ؛ فاجتمعوا له ، فقال لهم : أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا في سفح هذا الجبل قد طلعت عليكم ، أكنتم مصدقيّ ؛ قالوا : نعم ، أنت عندنا غير متهم ، وما

__________________

(١) الآيتان ٩٤ و ٩٥ من سورة الحجر.

(٢) راجع : تفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٣٤ عن تفسير القمي.

٢٠٠