الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

١
٢

٣
٤

الفصل الثاني :

روايات بدء الوحي

٥
٦

ما روي في بدء الوحي :

روى البخاري ومسلم وغيرهما ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة في بدء الوحي ما ملخصه : أن الملك جاء للنبي «صلى الله عليه وآله» ، وهو في غار حراء ، فقال : إقرأ.

قال : ما أنا بقارئ.

قال : فأخذني فغطني (١) حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني.

فقال : إقرأ.

فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثانية ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني.

فقال : إقرأ.

فقلت : ما أنا بقارئ.

فأخذني فغطني الثالثة ، ثم أرسلني فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ)(٢).

فرجع بها رسول الله «صلى الله عليه وآله» يرجف فؤاده ؛ فدخل على

__________________

(١) غط الشيء : كبسه وعصره عصرا شديدا.

(٢) الآيات من ١ إلى ٣ من سورة العلق.

٧

خديجة بنت خويلد ، فقال زمّلوني (١) ، زمّلوني ، حتى ذهب عنه الروع ؛ فقال لخديجة ـ وقد أخبرها الخبر ـ : لقد خشيت على نفسي.

فقالت خديجة : كلا والله ، ما يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، فانطلقت به خديجة ، حتى أتت به ورقة بن نوفل ، بن أسد ، بن عبد العزى ، ابن عم خديجة ، وكان امرءا قد تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت له خديجة : يا بن عم إسمع من ابن أخيك.

فقال له ورقة : ماذا ترى؟

فأخبره رسول الله «صلى الله عليه وآله» خبر ما رأى.

فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى ، يا ليتني فيها جذعا (٢) ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : أو مخرجيّ هم؟

قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.

ثم لم ينشب (٣) ورقة أن توفي ، وفتر الوحي (٤).

__________________

(١) زمّل فلانا بثوبه : لفه به.

(٢) الجذع : الب الحدث.

(٣) لم ينشب : لم يلبث.

(٤) صحيح البخاري ط مشكول ج ١ ص ٥ ـ ٦ وج ٩ ص ٣٨ ، وصحيح مسلم ج ١

٨

وثمة روايات كثيرة أخرى متناقضة ومتعارضة ، ونذكر منها على سبيل المثال :

١ ـ هناك رواية تقول : إن خديجة أرسلته مع أبي بكر إلى ورقة بن نوفل فأخبره «صلى الله عليه وآله» أنه يسمع نداء خلفه : يا محمد ، يا محمد ، فينطلق هاربا في الأرض ، فأمره ورقة أن يثبت ؛ ليسمع ما يقول ثم يخبره ، ففعل فناداه : يا محمد ، قل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) حتى بلغ ، (وَلَا الضَّالِّينَ) قل لا إله إلا الله ، فأخبر ورقة ؛ فبشره بأنه هو الذي بشر به ابن مريم ؛ فلما توفي ورقة قال «صلى الله عليه وآله» : لقد رأيت القس في الجنة ، عليه ثياب الحرير ، لأنه آمن بي وصدقني (١).

٢ ـ ورواية أخرى تقول : بعد أن ذكرت : أن خديجة أخبرت ورقة بالأمر ، فأخبرها أنه نبي هذه الأمة ـ إنه بعد مدة التقى بالنبي «صلى الله عليه وآله» وهما يطوفان ، فسأله ورقة عما رأى وسمع ؛ فأخبره ، فأخبره ورقة أنه نبي هذه الأمة (٢).

٣ ـ إنه لما أخبر النبي «صلى الله عليه وآله» خديجة بما رأى ، بشرته بأنه نبي هذه الأمة ، وأن الذي أخبرها بذلك هو غلامها ناصح ، وبحيرا

__________________

ص ٩٧ ، وليراجع تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٧ ، والمصنف لعبد الرزاق ج ٥ ص ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٨٢ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨٢ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣ وراجع : الأوائل ج ١ ص ١٤٥ ـ ١٤٦.

(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ٩ ـ ١٠ والروض الأنف ج ١ ص ٢٧٤ ـ ٢٧٥ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨٣ ـ ٨٤ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٥٠ ، وسيرة مغلطاي ص ١٥.

(٢) البداية والنهاية ج ٣ ص ١٢ ـ ١٣ وسيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٥٤ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨١ ـ ٨٢.

٩

الراهب ، وأمرها أن تتزوجه منذ أكثر من عشرين سنة ، ولم تزل برسول الله حتى طعم ، وشرب ، وضحك ، ثم خرجت إلى الراهب ، وكان قريبا من مكة فأخبرته ، فأخبرها : أن جبرئيل هو أمين الله ، ورسوله إلى الأنبياء «عليهم السلام» ثم أتت عداسا ، فسألته ، فأخبرها بمثل ذلك.

ثم أتت ورقة ، فأخبرها بمثل ذلك ، ولكنها حلفته أن يكتم الأمر ، فطلب منها أن ترسل ابن عبد الله إليه ؛ ليسأله ، ويسمع منه ؛ مخافة أن يكون الذي جاءه هو غير جبرئيل ، فإن بعض الشياطين يتشبه ليضل ويفسد ، حتى يصير الرجل بعد العقل الرضي مدلّها مجنونا ، فرجعت إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، وأخبرته بمقالة ورقة ، فنزل قوله تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ، ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)(١).

ولكنها أصرت عليه أن يذهب إلى ورقة ، ففعل ، وصدقه ورقة ، فذاع قول ورقة وتصديقه لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فشق ذلك على الملأ من قومه (٢).

٤ ـ إن خديجة طلبت منه أن يخبرها حين يأتيه الملك ففعل ، فأمرته أن يجلس إلى شقها الأيمن ؛ ففعل ، فلم يذهب الملك ، فأجلسته في حجرها ، فلم يذهب ، فتحسرت فشالت خمارها ، ورسول الله «صلى الله عليه وآله» في حجرها ، فذهب الملك ، فقالت : ما هذا بشيطان ، إن هذا لملك يا ابن عم ، فاثبت وابشر.

__________________

(١) الآيتان ١ و ٢ من سورة القلم.

(٢) البداية والنهاية ج ٣ ص ١٤ ـ ١٥ وراجع : الأوائل لأبي هلال العسكري ج ١ ص ١٤٦.

١٠

وفي رواية : أنها أدخلت رسول الله بين جلدها ودرعها ، وأخرجت رأسه من جيبها ؛ فذهب جبرئيل «عليه السلام» عند ذلك (١).

وفي رواية : أن ذلك كان بإشارة ورقة (٢).

٥ ـ في رواية : إن ورقة قال لخديجة : إسأليه من هذا الذي يأتيه ، فإن كان ميكائيل ، فقد أتاه بالخفض والدعة واللين وإن كان جبرئيل ، فقد أتاه بالقتل والسبي ؛ فسألته ، فقال : جبرئيل ، فضربت خديجة جبهتها (٣).

٦ ـ وفي رواية : أنه لما أتاه الوحي قال :

«.. إن الأبعد ـ يعني نفسه ـ لشاعر أو مجنون ، لا تحدّث بها قريش عني أبدا ، لأعمدن إلى حالق من الجبل ؛ فلأطرحن نفسي منه ، فلأقتلنها ، ولأستريحن».

قال : فخرجت أريد ذلك حتى إذا كان في وسط جبل سمع صوتا من السماء يقول يا محمد أنت رسول الله.

ثم تستمر الرواية حتى تذكر : أنه ذكر لخديجة : أن الأبعد لشاعر أو مجنون ، فقالت : أعيذك بالله من ذلك ، ثم التقت بورقة ؛ فأرسل إليه بالثبات ،

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ١٥ ـ ١٦ ، وسيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٥٥ ، والطبري ج ٢ ص ٥٠ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٨٣ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٥١ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨٤.

(٢) السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٥٢.

(٣) تاريخ اليعقوبي ط صادر ج ٢ ص ٢٣.

١١

ثم التقى به في الطواف ، فجرى له معه ما جرى (١).

وعند السهيلي وغيره : أن خديجة سألت ورقة ، وعداسا ، ونسطورا ، عن أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» (٢).

٧ ـ وفي رواية : أن عداسا أعطاها كتابا لتضعه على النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ فإن كان مجنونا شفي ، وإلا لم يضره شيئا ، فلما عادت إليه بالكتاب وجدت معه جبرئيل يقرئه الآيات من سورة القلم ، ففرحت ، وأخذته إلى عداس ، فكشف عداس عن ظهره ؛ فوجد خاتم النبوة بين كتفيه إلخ .. (٣).

ويروي البعض : أنه «صلى الله عليه وآله» لما أخبرها بجبرئيل كتبت إلى بحيرا الراهب ، وقيل : سافرت بنفسها إليه لتسأله عن الأمر (٤).

٨ ـ في رواية : أنه «صلى الله عليه وآله» حين ذهب ليتردّى من شواهق الجبال ، كان إذا ارتقى بذروة جبل ، تبدّى له جبرئيل ، ويخاطبه بالرسالة ، فيسكن جأشه ، وتطمئن نفسه (٥).

٩ ـ ويروون أيضا : أنه كان «صلى الله عليه وآله» قبل النبوة يتعرض للرعدة ، وتغميض العينين ، وتربّد الوجه ، ولما يشبه الإغماء ، ويغط كغطيط البكر (٦).

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٩ ـ ٥٠.

(٢) الروض الأنف ج ١ ص ٢٧٣ ، والأوائل لأبي هلال العسكري ج ١ ص ١٤٦.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٢٨٤ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨٣ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤.

(٤) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨٣ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٤٤.

(٥) المصنف ج ٥ ص ٣٢٣.

(٦) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨٤ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٥٢.

١٢

١٠ ـ وفي رواية : أنه «صلى الله عليه وآله» عاد إلى أهله مسرورا موقنا : أنه قد رأى أمرا عظيما ، فلما دخل على خديجة قال : أريتك الذي كنت حدثتك : أني رأيته في المنام ؛ فإن جبرئيل استعلن إلي ، أرسله إلي ربي عز وجل ، وأخبرها بالذي جاءه من الله ، وما يسمع منه ، فقالت له : أبشر ، فو الله لا يفعل الله بك إلا خيرا ، واقبل الذي جاءك من أمر الله ، فإنه حق ، وأبشر ؛ فإنك رسول الله حقا.

ثم انطلقت إلى عداس النصراني ، غلام عتبة بن ربيعة من أهل نينوى ، فسألته عن جبرئيل ؛ فتعجب من ذكر جبرئيل بتلك الأرض ، ثم أخبرها بأنه أمين الله بينه وبين الأنبياء «عليهم السلام» ، ثم جاءت إلى ورقة إلخ .. (١).

هذا غيض من فيض ، مما قيل ويقال حول ما جرى حين بدء الوحي ، وكيفيته وملابساته ، من روايات ، وأقاويل متضاربة ومتناقضة.

ولننتقل الآن إلى الإشارة إلى بعض ما لنا من مناقشات في تلك الأراجيف المتقدمة ، متوخين الإيجاز والاختصار مهما أمكن فنقول :

مناقشة روايات بدء الوحي :

إننا في مجال بيان ما في تلك الروايات من خلل وخطل ، لا نستطيع أن نستوعب كل ما فيها من نقاط ضعف ؛ لأن استيعاب ذلك ـ كما يبدو ـ يحتاج إلى وقت طويل ، بل إلى مؤلف مستقل .. ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله ، لأننا نريد أن نسهم بدورنا في الذب عن مقام النبوة الأقدس ،

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ١٣.

١٣

ولو بشكل محدود ومقتضب ، وما نريد أن نشير إليه هنا هو :

أولا : من حيث السند ، وحيث إن العمدة في ذلك هو ما ورد في الصحيحين وغيرهما ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، فنحن نكتفي بالإشارة الإجمالية إلى حال هؤلاء ، فنقول :

ألف ـ الزهري : كان من أعوان الظالمين ، ومن الذين يركنون لهم (١) ، وكان عاملا لبني أمية (٢) ويقول المحقق التستري : إنه كان كاتبا لهشام بن عبد الملك ، ومعلما لأولاده (٣).

وعده الثقفي من فقهاء الكوفة الذين خرجوا عن طاعة علي «عليه السلام» ، وكانوا أهل عداوة له وبغض ، وخذلوا عنه (٤).

وجلس هو وعروة في مسجد المدينة فنالا من علي «عليه السلام» ، فبلغ ذلك السجاد «عليه السلام» ، فجاء حتى وقف عليهما.

فقال : أما أنت يا عروة ، فإن أبي حاكم أباك ، فحكم لأبي على أبيك وأما أنت يا زهري ؛ فلو كنت أنا وأنت بمكة لأريتك كنّ (٥) أبيك (٦).

__________________

(١) راجع : سفينة البحار ج ١ ص ٥٧٢ و ٥٧٣ ومعجم رجال الحديث ج ١٦ ص ١٨٢ عن ابن شهر آشوب.

(٢) كشف الغمة ج ٢ ص ٣١٧.

(٣) راجع ترجمة الزهري في قاموس الرجال ج ٦.

(٤) الغارات للثقفي ج ٢ ص ٥٥٨ ـ ٥٦٠ وراجع : سفينة البحار ج ١ ص ٥٧٢.

(٥) الكن : البيت.

(٦) شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ١٠٢ ، والغارات للثقفي ج ٢ ص ٥٧٨ ، والبحار ج ٤٦ ص ١٤٣ وراجع : سفينة البحار ج ١ ص ٥٧٢.

١٤

ونحن لا نستطيع أن نثق بأعوان الظلمة ، وبمبغضي علي «عليه السلام» ، كيف وقد قال «صلى الله عليه وآله» : «من سب عليا فقد سبني»؟ (١).

ب ـ عروة بن الزبير ، عن عروة قال : أتيت عبد الله بن عمر بن الخطاب (رض) ؛ فقلت له : يا أبا عبد الرحمن ، إنا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء ، فيتكلمون بالكلام ، نعلم أن الحق غيره ؛ فنصدقهم ، ويقضون بالجور ، فنقويهم ، ونحسنه لهم ؛ فكيف ترى في ذلك؟

فقال : يا بن أخي ، كنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» نعد هذا النفاق ؛ فلا أدري كيف هو عندكم (٢).

فعروة يعتبر أئمة الجور أئمته ، وابن عمر يحكم عليه بالنفاق ، وعده الإسكافي من التابعين ، الذين كانوا يضعون أخبارا قبيحة في علي «عليه السلام» (٣) ، وكان يتألف الناس على روايته (٤).

وروى عبد الرزاق ، عن معمر ، قال : كان عند الزهري حديثان عن عروة ، عن عائشة في علي «عليه السلام» ، فسألته عنهما يوما.

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢١ وصححه الذهبي في تلخيص المستدرك هامش نفس الصفحة.

(٢) سنن البيهقي ج ٨ ص ١٦٥ ، وقريب منه ما في ص ١٦٤ من دون ذكر اسم (عروة) ومثله الترغيب والترهيب ج ٤ ص ٣٨٢ عن البخاري وإحياء علوم الدين ج ٣ ص ١٥٩ وفي هامشه عن الطبراني وحياة الصحابة ج ٢ ص ٧٦.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٦٣.

(٤) صفة الصفوة ج ٢ ص ٨٥ ، وتهذيب التهذيب ج ٧ ص ١٨٢.

١٥

فقال : ما تصنع بهما وبحديثهما؟ إني لأتهمهما في بني هاشم (١).

وكان عروة إذا ذكر عليا نال منه (٢) ، ويصيبه الزمع ؛ فيسبه ، ويضرب إحدى يديه على الأخرى إلخ (٣).

وبعد ذلك كله ؛ فإنه لم يثبت سماع الزهري عنه ، ولكن أهل الحديث اتفقوا على ذلك (٤).

ج ـ أما عائشة : التي حاربت عليا وعادته ، والتي يتهمها الزهري بأنها لا تؤمن في بني هاشم ؛ فقد أرسلت هذه الرواية ، ولم تبين لنا عمن روتها ، فإنهم يقولون : إنها قد ولدت بعد البعثة ، وإن كنا نحن نناقش في ذلك (٥).

وأخيرا ، فإن لنا كلاما طويلا في بقية الأسانيد في الصحاح وغيرها لا مجال له هنا ، ونكتفي بهذا القدر ، لنشير إلى بقية ما في الرواية من هنات.

ثانيا : تناقض الروايات الظاهر لدى كل أحد ، ويظهر ذلك بالملاحظة والمقارنة ، ونكل ذلك إلى القارئ نفسه ، وهذا يعطي أن هناك طائفة من الروايات مكذوبة لأن هذا الاختلاف لم يكن بالزيادة والنقيصة ليمكن قبوله ؛ على اعتبار أن أحد الرواة قد حفظ ولم يحفظ الراوي الآخر .. أو تعلق غرضه بهذا النحو من النقل ، وذاك بنحو آخر ، وكذا لو كان التناقض

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٦٤ ، وقاموس الرجال ج ٦ ص ٢٩٩.

(٢) الغارات ج ٢ ص ٥٧٦ ، وشرح النهج ج ٤ ص ١٠٢.

(٣) قاموس الرجال ج ٦ ص ٣٠٠.

(٤) تهذيب التهذيب ج ٩ ص ٤٥٠.

(٥) سيأتي ذلك إن شاء الله في فصل : حتى بيعة العقبة.

١٦

في مورد واحد مثلا ، فلربما يمكن الاعتذار عن ذلك بأن من الممكن وقوع الاشتباه غير العمدي من أحد النقلة.

ولكن الأمر هنا أبعد من ذلك ، فإن التناقض والاختلاف إن لم يكن في كل ما تضمنته تلك الروايات من نقاط ، ففي جلها مما يعني أن ثمة تعمدا للوضع والجعل ، وقديما قيل : «لا حافظة لكذوب».

هذا كله ، مع غض النظر عن المناقضة بين هذه الروايات وبين الرواية التي يذكرها البخاري نفسه في أول كتابه بعد هذه الرواية مباشرة من أن أول ما نزل عليه «صلى الله عليه وآله» هو سورة المدثر ، ويلاحظ أنه ليس في تلك الرواية ذكر لأي شيء من تلك الأمور الغريبة والعجيبة التي تضمنتها رواية عائشة السابقة عليها ؛ فإن عدم ذكرها لشيء من ذلك يورث الشك والريب ، ويثير أكثر من سؤال عن السبب في إهمال التعرض لذلك.

ثالثا : إن رواية الصحاح ، بل وسائر الروايات تذكر :

أن جبرئيل قد أخذ النبي «صلى الله عليه وآله» فغطه ، أي عصره وحبس نفسه أو خنقه حتى بلغ منه الجهد ، أو حتى ظن أنه الموت ، ثم أرسله ، وأمره بالقراءة ؛ فأخبره النبي «صلى الله عليه وآله» : أنه لا يعرفها ، فلم يقنع منه ، بل عاد فغطه ، ثم أرسله ، وهكذا ثلاث مرات.

ولنا على هذا الكلام العديد من الأسئلة.

فإننا لا نعرف ما هو المبرر لذلك كله؟

وكيف جاز لجبرئيل أن يروع النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، وأن يؤذيه بالعصر والخنق ، إلى حد أنه «صلى الله عليه وآله» يظن أنه الموت ، يفعل به ذلك ، وهو يراه عاجزا عن القيام بما يأمره به ولا يرحمه ، ولا يلين له!!

١٧

ولماذا يفعل به ذلك ثلاث مرات ، لا أكثر ولا أقل؟!.

ولماذا صدقه في الثالثة ، ولا يصدقه في المرة الأولى؟ أو الثانية؟!

وإذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد كذب عليه أولا ، فكيف بقي أهلا للنبوة؟! وإذا كان قد صدقه فلماذا لم يقتنع جبرئيل بكلامه ، وعاد فخنقه حتى ليظن أنه الموت؟!.

وأيضا ، هل جاء جبرئيل إليه بكتاب ليقرأه ؛ إذ إن قوله «صلى الله عليه وآله» : «ما أنا بقارئ» إنما يصح لو كان «صلى الله عليه وآله» قد فهم أن جبرئيل يأمره بالقراءة نفسها ـ لا بتعلم القراءة ـ كما ذكره السندي (١).

وإذا كان المراد : القراءة بمعنى التلاوة ؛ فلماذا يطلب منه جبرئيل ذلك ، قبل أن يتلو عليه شيئا؟. ثم لماذا يعاند هو ويرفض ذلك؟!

وبعد هذا كله ، لماذا يستسلم النبي «صلى الله عليه وآله» لجبرائيل ليعذبه على هذا النحو الذي لا مبرر له؟

ثم لماذا يرجع مرعوبا خائفا؟! ألم يكن باستطاعته أن يلطمه لطمة يقلع بها عينه؟ كما فعل موسى بملك الموت من قبل؟! حيث إنه لما جاء ليقبض روحه ، لطمه على عينه فقلعها ، كما نص عليه البخاري ، وكثير من المصادر الأخرى!! (٢).

__________________

(١) حاشية السندي على البخاري بهامشه ج ١ ص ٣ ط سنة ١٣٠٩ ه‍.

(٢) البخاري ط سنة ١٣٠٩ ه‍ ج ١ ص ١٥٢ ، أبواب الجنائز ، وج ٢ ص ١٥٩ باب وفاة موسى عليه السلام ، وصحيح مسلم ج ٧ ص ١٠٠ باب فضائل موسى ، ومسند أحمد ج ٢ ص ٣١٥ ، ومصنف الحافظ عبد الرزاق ج ١١ ص ٢٧٤ ، وسنن

١٨

أم يعقل : أنه كان ـ والعياذ بالله ـ جبانا إلى هذا الحد؟! وكانت الشجاعة من مختصات نبي الله موسى وحده؟!

وأخيرا ، كيف يخاف نبينا هنا ، والله تعالى يقول : (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ)(١).

قد ورد أن زرارة بن أعين سأل الإمام الصادق «عليه السلام» : كيف لم يخف رسول الله «صلى الله عليه وآله» فيما يأتيه من قبل الله أن يكون مما ينزع به الشيطان؟

فقال : إن الله إذا اتخذ عبدا رسولا أنزل عليه السكينة والوقار ، فكان الذي يأتيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه (٢).

إشارة :

هذا ، ومن المضحك المبكي هنا : أن نجد البعض يحاول أن يستدل بهذه الرواية على رأي يكذبه العقل والنقل ، وبالذات يكذبه نص القرآن الكريم ؛ فنراه يجعل ذلك دليلا على جواز التكليف بما لا يطاق (٣) ـ كما هو مذهبهم ـ

__________________

النسائي ج ٤ ص ١١٨ ، وتاريخ الطبري ج ١ ص ٣٠٥ ، والبداية والنهاية ج ١ ص ٣١٧ ، والغدير ج ١١ ص ١٤٠ و ١٤١ عن بعض من تقدم ، وعن : مختصر تذكرة القرطبي للشعراني ص ٢٩ ، والعرائس للثعلبي ص ١٣٩ وكشف الأستار عن مسند البزار ، ج ١ ص ٤٠٤ ومجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٠٤.

(١) الآية ١٠ من سورة النمل.

(٢) تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٠١ والبحار ج ١٨ ص ٢٦٢.

(٣) فتح الباري ج ٨ ص ٥٥١ ، وإرشاد الساري ج ١ ص ٦٣.

١٩

الأمر الذي يصادم العقل والفطرة ، ويخالف القرآن ، كما في قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١) ، وقوله : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢) ، وقوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(٣) وغير ذلك كثير.

رابعا : حول ما يذكر من خوفه «صلى الله عليه وآله» ، ودور زوجته وورقة وغيرهما في بعث الطمأنينة في نفسه نذكر :

ألف : كيف يجوز إرسال نبي يجهل نبوة نفسه ، ويحتاج في تحقيقها إلى الاستعانة بامرأة ، أو نصراني؟ ألم تكن هي فضلا عن ذلك النصراني أجدر بمقام النبوة من ذلك الخائف المرعوب الشاك؟

وحتى لو قبلنا ذلك ، فمن أين علم : أن تلك المرأة وذلك الرجل قد صدقاه ، وقالا الحقيقة؟

ولماذا لم يستطع هو أن يدرك ما أدركته تلك المرأة ، وذلك النصراني؟! أم يعقل أن يكون كلاهما أكبر عقلا وأكثر معرفة بالله وتفضلاته منه؟! نعوذ بالله من الزلل في القول والعمل.

وإذا جاز أن يرتاب هو مع معاينته لما يأتيه من ربه ، فكيف ينكر على من ارتاب من سائر الناس ، مع عدم معاينتهم لشيء من ذلك؟!.

قال السندي : «مقتضى جواب خديجة ، والذهاب إلى ورقة : أن هذا كان

__________________

(١) الآية ٢٨٦ من سورة البقرة.

(٢) الآية ٧٨ من سورة الحج.

(٣) الآية ١٨٥ من سورة البقرة.

٢٠