الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

المراد بالخمسين هو خصوص من أسلم بعد الإعلان بالدعوة ، أو بعد الهجرة إلى الحبشة.

وهكذا يتضح : أن القول بأن أبا بكر هو أول من أسلم لا يمكن إلا أن يكون من القول الجزاف ، والدعوى الفارغة ، ومن المختلقات التي افتعلت في وقت متأخر.

طريق جمع فاشل :

وقال البعض : الأورع أن يقال : أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر ، ومن الصبيان علي ، ومن النساء خديجة ، ومن الموالي زيد بن حارثة ، ومن العبيد بلال (١).

وهو كلام فارغ ، بعد أن ثبتت أولية علي «عليه السلام» على كل أحد.

وقولهم : إنه أول من أسلم من الصبيان عجيب ، وذلك لما يلي :

١ ـ إنه قد جاء عنه «عليه السلام» ، وعن غيره القول : بأنه أول رجل أسلم (٢) ، مما يعني أنه كان حينئذ رجلا بالغا.

وقد قلنا : إنه قد أسلم وعمره عشر سنوات أو اثنتا عشرة سنة.

ومن الواضح : أن الرجولية والبلوغ لا ينحصر بالسن ، فإن عمرو بن

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٧٥ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٩٠ ونزهة المجالس ج ٢ ص ١٤٧ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٧ و ٢٦ و ٢٩.

(٢) وفي سيرة ابن إسحاق ص ١٣٨ : أول الرجال إسلاما ، وفي مصادر أخرى : أول أصحابي إسلاما : راجع السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٦٨.

٦١

العاص ـ كما يقولون ـ كان يكبر ولده عبد الله باثنتي عشرة سنة فقط (١) ، والراشد بالله قد وطئ جارية وهو ابن تسع سنين ، فحملت منه كما يدّعون (٢).

كما أن ثمة أقوالا كثيرة في سن علي «عليه السلام» حين إسلامه ، وقد رأينا الحافظ عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، والكليني ، والحسن البصري ، والإسكافي وغيرهم كثير ، يذكرون في سن علي رقما يتراوح ما بين ١٢ سنة إلى ١٦ سنة ، وبعضهم يتجاوز ذلك أيضا ؛ كما تقدم بيانه في مبحث ولادته «عليه السلام».

٢ ـ قد ذكر غير واحد : أن البلوغ قد حدد بعد الهجرة ، أي في غزوة الخندق ، في قضية رد ابن عمر وقبوله في الغزو ، أما قبل ذلك فقد كان المعتمد هو التمييز والإدراك (٣) ، وعليه يدور مدار التكليف ، والدعوة إلى الإسلام والإيمان وعدمه.

ولو لا أن أمير المؤمنين «عليه السلام» كان في مستوى الإسلام والإيمان ، لم يقدم النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» على دعوته إلى الإسلام ، ثم قبوله منه ، وإلا لكان ذلك سفها ، ولا يمكن صدور السفه من الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله».

__________________

(١) المعارف لابن قتيبة ص ١٢٥ ط دار إحياء التراث العربي سنة ١٣٩٠ ه‍.

(٢) السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٦٩.

(٣) راجع إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٤٩ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٦٩ والكنز المدفون ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧ عن البيهقي.

٦٢

٣ ـ بل إننا نستطيع أن نستفيد من دعوته إلى الإسلام وهو صبي امتيازا له خاصا ، يؤهله لأن يكون هو الوصي له «صلى الله عليه وآله» ، أو ليس قد تكلم عيسى في المهد صبيا ، ويحيى أيضا قد أوتي الحكم صبيا كما نص عليه القرآن؟

٤ ـ وأيضا ، لو كان الأمر كما ذكروه ؛ فلا يبقى معنى لقول النبي «صلى الله عليه وآله» عنه : إنه أول من أسلم ، أو : أولكم إسلاما ؛ فإن معنى ذلك هو أن أوليته بالنسبة إلى النساء والرجال والعبيد والأحرار على حد سواء.

٥ ـ وأخيرا ، فإن هذا الورع المصطنع لم يوجد إلا عند هؤلاء المتأخرين ، ولم نجد أحدا واجه احتجاج أمير المؤمنين والصحابة والتابعين بحجة من هذا القبيل ، ولعله لم يكن لديهم ورع يبلغ ورع هؤلاء الغيارى على أبي بكر وعلى فضائله!!.

هدف الورعين (!!!) من الجمع بين الروايات.

ونستطيع أن نرجح : أن هدف أولئك الورعين من هذا الجمع بين الروايات هو إظهار :

أن إسلام غير علي «عليه السلام» كان أفضل من إسلامه ، لأن إسلام غيره كان عن تدبر وتعقل ، ونظر وتبصر ، أما أمير المؤمنين «عليه السلام» ، فقد كان إسلامه عن طيش وتقليد ، كما هو شأن الصبيان كما ذكره الجاحظ (١).

ولا نريد أن نفيض في الرد على هذه المزعمة ، فإن إسلام علي «عليه السلام» كان عن تدبر وتعقل ، وعن تفكير وتأمل وقد أسلم استنادا إلى

__________________

(١) راجع : العثمانية ص ٦ و ٧.

٦٣

فكره ورأيه ، ولم يستشر حتى أباه رضوان الله تعالى عليه (١) ، وقد أجاب الإسكافي وابن طاووس عن كلام الجاحظ بما فيه الكفاية ، فليراجع (٢).

تنبيه :

وبالمناسبة فإن من الملاحظ : أن عمر بن الخطاب كان يعتبر البلوغ بالشبر ؛ فمن بلغ ستة أشبار أجرى عليه الأحكام ، ومن نقص عنها ولو أنملة تركه ، وكذلك كان رأي ابن الزبير أيضا (٣).

وعلى ذلك جرى العباسيون من بعد ، فقد أمر إبراهيم الإمام العباسي أبا مسلم الخراساني : أن يقتل في خراسان كل من يتهمه ، إذا كان قد بلغ خمسة أشبار (٤).

ونحن لا نريد التعليق على هذا ، ونكل ذلك إلى القارئ نفسه ؛ ليحكم حسبما يقتضيه ضميره ووجدانه.

__________________

(١) الفصول المختارة ص ٢٢٧.

(٢) راجع شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ حينما يورد كلام الإسكافي وراجع أيضا : بناء المقالة الفاطمية ، الصفحات الأولى من الكتاب ، والبحار ج ٣٨ ص ٢٨٦.

(٣) المصنف ج ١٠ ص ١٧٨ وعن خصوص عمر راجع : الغدير ج ٦ ص ١٧١ عن كنز العمال ج ٣ ص ١١٦ عن ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ، ومسدد ، وابن المنذر في الأوسط.

(٤) راجع حياة الإمام الرضا «عليه السلام» للمؤلف ص ١٢٢ عن : الطبري ط ليدن ج ٩ ص ١٩٧٤ وج ١٠ ص ٢٥ ، والكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٢٩٥ ، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٨ و ٦٤ والإمامة والسياسة ج ٢ ص ١١٤ ، والنزاع والتخاصم للمقريزي ص ٤٥ ، والعقد الفريد ط دار الكتاب ج ٤ ص ٤٧٩ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ٣ ص ٢٦٧ وضحى الإسلام ج ١ ص ٣٢.

٦٤

مقارنة ، وهدف :

وجدير بالملاحظة هنا : أن البعض يذكر : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال لعلي «عليه السلام» : «أدعوك إلى ترك (أو الكفر ب) اللات والعزى» (١).

ونحن نجزم بعدم صحة هذا القول عنه «صلى الله عليه وآله» ؛ إذ لم يسبق لعلي «عليه السلام» إيمان بها ، ليدعوه «صلى الله عليه وآله» إلى تركها (٢) ، كيف وقد تربى في حجر الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، وتلقى التوحيد ، وكل المكارم والفضائل عنه «صلى الله عليه وآله».

ولنقارن بين هذا وبين ما يذكره البعض عن أبي بكر من أنه لم يسجد لصنم قط (٣) ، رغم أنه كان حين أسلم قد بلغ الأربعين أو تجاوزها؟! فأبو بكر إذن قد ضارع النبي «صلى الله عليه وآله» في عدم السجود للأصنام.

ولكننا لا ندري لماذا ترك دين قومه؟ وكيف لم يشتهر هذا الأمر عنه ، في زمن الصحابة والتابعين؟ وبقي هكذا مخفيا إلى زمان متأخر جدا ، حتى اكتشفه هؤلاء؟

وكيف غفل عنه الصحابة ومنافسوه منهم ، وغفل عنه هو نفسه وأنصاره يوم السقيفة ، فلم يحتج ولا احتجوا به على استحقاقه للخلافة ، رغم أنهم احتجوا بكبر سنه ، وما شاكل ذلك ، مما لا يجدي ولا يسمن ولا يغني من جوع؟!.

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٦٨ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٩١.

(٢) الإمتاع للمقريزي ص ١٦.

(٣) السيرة النبوية لدحلان ط دار المعرفة ج ١ ص ٣٩ و ٩٢.

٦٥

من أسلم بدعاية أبي بكر؟!

ويذكرون : أن عددا من كبار الصحابة قد أسلموا على يد أبي بكر ، واستجابة لدعوته ، منهم :

«طلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة الجراح ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وأبو ذر ، وعثمان بن عفان ، وأبو سلمة بن عبد الأسد ، والأرقم بن أبي الأرقم» (١).

قال الجاحظ : «وقالت أسماء بنت أبي بكر : ما عرفت أبي إلا وهو يدين بالدين ، ولقد رجع إلينا يوم أسلم فدعانا إلى الإسلام ، فما دمنا حتى أسلمنا ، وأسلم أكثر جلسائه» (٢).

ولكن ذلك كله محل شك وريب وذلك للأمور التالية :

١ ـ إنه قد تقدم ما يدل على أن إسلام أبي بكر قد كان بعد الخروج من دار الأرقم ، وبعد اشتداد الأمر بين النبي «صلى الله عليه وآله» وقريش ، وقيام أبي طالب دونه ينافح عنه ويكافح ، وهؤلاء قد أسلم أكثرهم قبل ذلك ، وذلك لأنه «صلى الله عليه وآله» قبل نزول قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(٣) لم يكن مأمورا بدعوة أحد ، بل كان من يسلم إنما

__________________

(١) راجع : البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٩ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٩٤ ـ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٧٦ وتهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ١٨٢ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٧٨.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٧٠ وعثمانية الجاحظ ص ٣١.

(٣) الآية ٢١٤ من سورة الشعراء.

٦٦

يسلم باختياره.

ثم أمر «صلى الله عليه وآله» بدعوة عشيرته ، ثم أمر بإنذار أم القرى ومن حولها ، حتى انتهى الأمر بإنذار الناس كافة.

ولكنه «صلى الله عليه وآله» لما أسلم معه من أسلم وخشي حصول بعض الصدامات لهم مع قريش اختار دار الأرقم ليصلي أصحابه فيها ، وبعد شهر أعلن بالأمر ، فلم تكن هناك سرّية في دار الأرقم بالمعنى الدقيق للكلمة.

وأما الذين أسلموا قبل المواجهة مع قريش ، فنذكر منهم :

زيد بن حارثة الذي أسلم ثانيا ، وفي نفس الوقت أسلم خالد بن سعيد بن العاص ، وسعد بن أبي وقاص ، وعمرو بن عبسة ، وعتبة بن غزوان ، ومصعب بن عمير (١) أما الأرقم بن أبي الأرقم فكان سابعا (٢) ، وقصة إسلام أبي ذر معروفة ، وكان إسلامه على يد النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه ، وعلي «عليه السلام» هو الواسطة ، وسيأتي ذلك بعد صفحات يسيرة.

ومن الأولين أيضا :

جعفر بن أبي طالب ، وبلال ، وخباب بن الأرت ، والزبير بن العوام ، وكل هؤلاء أسلم قبل أبي بكر ـ على حد تعبير الإسكافي في نقض العثمانية (٣).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٣٢ وسيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٦٤ وغير ذلك.

(٢) الإصابة ، ترجمة الأرقم ج ١ ص ٢٨.

(٣) شرح النهج ج ١٣ ص ٢٢٤ ، والعثمانية في أواخرها حيث ينقل كلام الإسكافي ص ٢٨٦ والغدير ج ٣ ص ٢٤١.

٦٧

ويرى المقدسي : أن الزبير أسلم رابعا ، أو خامسا.

٢ ـ وعدا عما تقدم ، فإن أبا اليقظان خالد بن سعيد بن العاص ، كان هو نفسه يزعم : أنه أسلم قبل أبي بكر (١).

وعليه فلا يصغى لما حكاه البيهقي من أنه رأى في منامه النار ، ثم لقي أبا بكر فأخذه إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، فأسلم (٢) فإن أبا اليقظان نفسه يكذب ذلك وينكره ، وهو أعرف بنفسه من كل أحد.

وأما عثمان فقد اشترط لإسلامه أن يزوجه الرسول «صلى الله عليه وآله» رقية ، ففعل ، فأسلم (٣) فأين هي دعوة أبي بكر له ، والحالة هذه؟!.

ويروي المدائني عن عمر بن عثمان : أن عثمان قال : إنه دخل على خالته أروى بنت عبد المطلب يعودها ، فدخل رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فجعل ينظر إليه ، وقد ظهر من شأنه يومئذ شيء ؛ فجرى له معه «صلى الله عليه وآله» حديث ، وقرأ عليه «صلى الله عليه وآله» بعض الآيات ، ثم قام «صلى الله عليه وآله» فخرج.

قال عثمان : فخرجت خلفه فأدركته ، وأسلمت (٤).

__________________

(١) البدء والتاريخ ج ٥ ص ٩٦.

(٢) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٢٤٨ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣٢ وطبقات ابن سعد ج ٤ ص ٦٧ ـ ٦٨ والاستيعاب ج ١ ص ٤٠١ ـ ٤٤٢ والإصابة ج ١ ص ٤٠٦ ومع ذلك فإن الرواية لا تدل على أنه أسلم بدعوة أبي بكر بل هي في ضد ذلك أظهر.

(٣) مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٢٢.

(٤) الاستيعاب ج ٤ ص ٢٢٥.

٦٨

فإذا أخذنا بهذه الرواية أيضا لم يكن لأبي بكر في إسلام عثمان يد ولا نصيب.

وأما سعد بن أبي وقاص ف «كان سبب إسلامه : أنه رأى في المنام قال : كأني في ظلام ، فأضاء قمر ، فاتبعته ، فإذا أنا بزيد وعلي قد سبقاني إليه ، وروي : فإذا أنا بزيد وأبي بكر ، قال : ثم بلغني : أن رسول الله يدعو إلى الإسلام مستخفيا ، فلقيته بأجياد ، فأسلمت ، ورجعت إلى أمي الخ ..» (١).

وعن إسلام طلحة يقولون : إنه كان في بصرى ، فسمع خبر خروج نبي اسمه أحمد في ذلك الشهر من راهب ، فلما قدم مكة سمع الناس يقولون : تنبّى محمد بن عبد الله ، فأتى إلى أبي بكر ، فسأله فأخبره ، ثم أدخله على رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأسلم ، فأخذهما نوفل بن خويلد وقرنهما بحبل ، فسميا القرينين (٢).

ولكن هذه الرواية كما ترى ، لا تدل على أنه أسلم بدعوة أبي بكر إياه ، بل هي في خلاف ذلك أظهر كما هو واضح ، كما أنهم يذكرون رواية أخرى مفادها :

أن طلحة ذهب بنفسه إلى رسول الله فأسلم (٣) ، وأما أن أبا بكر وطلحة قد سميا القرينين فسيأتي أنه لا يصح أيضا ؛ وذلك ضعف آخر في هذه الرواية.

__________________

(١) البدء والتاريخ ج ٥ ص ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٦٩ ، والبدء والتاريخ ج ٥ ص ٨٢ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٩ ودلائل النبوة للبيهقي ج ١ ص ٤١٩.

(٣) البدء والتاريخ ج ٥ ص ٨٢.

٦٩

بل لقد كذّب علي «عليه السلام» أن يكون أحد من قريش قد عذّب كما سنرى فكيف يكون طلحة وأبو بكر قد عذبّا ، وقرن أحدهما إلى الآخر؟!

٣ ـ يقول الإسكافي هنا ما ملخصه :

إن أبا بكر قد عجز عن إدخال أبيه ، مع أنه معه في بيت واحد ، وابنه الوحيد عبد الرحمن في الإسلام ، وبقيا على شركهما إلى عام الفتح ، وكذا الحال في أخته أم فروة ، وزوجته نملة ـ أو قتيلة ـ بنت عبد العزى ، التي فارقها حين نزل قوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ)(١) ، بعد الهجرة بعدة سنين.

ويمضي الإسكافي هنا فيقول : كيف استطاع أبو بكر أن يهيمن على سعد ، والزبير ، وطلحة ، وعبد الرحمن وغيرهم وهم ليسوا من أترابه ، ولا من جلسائه ، ولا كان له معهم صداقة أو مودة ، ولم يستطع أن يقنع عتبة وشيبة ابني ربيعة ، وهما من جلسائه ، بل وأكبر منه سنا ، ويأنسان إلى حديثه وطرائفه ـ كما يزعم أنصاره ـ؟! وما له لم يدخل جبير بن مطعم في الإسلام ، وهو الذي أدبه وعلمه ، وعرفه أنساب العرب ، وقريش وطرائفها وأخبارها كما يدّعون؟!.

وكيف لم يقبل منه عمر بن الخطاب الدخول في الإسلام في تلك الفترة ، وكان صديقه وأقرب الناس شبها به ، وبحالاته ، ولئن رجعتم إلى الإنصاف لتعلمن بأن إسلام هؤلاء لم يكن إلا بدعاء النبي «صلى الله عليه

__________________

(١) الآية ١٠ من سورة الممتحنة.

٧٠

وآله» وعلى يديه (١).

٤ ـ وأما ما تقدم نقله عن أسماء ، فهو يقتضي أن تكون أسماء وأهل بيت أبي بكر أسبق الناس إلى الإسلام ، وقد عد ابن هشام ممن أسلم في الفترة الأولى من الدعوة بحيث يعدّ من السابقين الأول أسماء وعائشة ابنتا أبي بكر (٢) ، وعند النووي وغيره : أن عائشة قد أسلمت بعد ثمانية عشر إنسانا وأختها أسماء أسلمت بعد سبعة عشر (٣).

ولكن قد فات هؤلاء : أن كل ما تقدم يكذب هذا الذي ذكروه هنا.

أضف إلى ذلك : أن عمر أسماء كان حين البعثة أربع سنين على أبعد التقادير ، أما عمر عائشة فنحن نقول : إنها أيضا كان عمرها قريبا من هذا (٤).

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٧١ عن الإسكافي ، ولا يردّ على الإسكافي بامرأة نوح وولده ؛ حيث لم يكونا مؤمنين ، فإن الإسكافي يريد أن يقول : إن المستفاد من القرائن العامة هو أن أبا بكر لم يكن يملك المؤهلات والكفاءات التي تعطيه القدرة على أن يقنع أحدا بالدخول في الإسلام.

(٢) سيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٧١.

(٣) تهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٢٩ و ٣٥١ عن ابن أبي خيثمة في تاريخه عن ابن إسحاق ، والإصابة ج ٤ ص ٢٢٩ بالنسبة لأسماء فقط.

(٤) وعد المقدسي عائشة مع الذين أسلموا في السنوات الأولى من البعثة في الفترة السرية قبل أن يدخل «صلى الله عليه وآله» دار الأرقم وقال : إنها كانت صغيرة فراجع البدء والتاريخ ج ٤ ص ١٤٦.

٧١

ولكن نفس أولئك يقولون : إنها قد ولدت بعد البعثة بخمس سنين (١) ، فكيف تكونان قد أسلمتا بعد ثمانية عشر إنسانا؟ مع أن الفترة السرية أو فقل الدعوة الإختيارية ، وعدم الإعلان ، قد انتهت بإسلام أربعين؟!

وأما جلساؤه وأهل بيته فقد تكلمنا عنهم ، ولم يبق إلا ولده محمد ، وهو إنما ولد بعد مبعث النبي «صلى الله عليه وآله» بثلاث وعشرين سنة ، أي قبل وفاته «صلى الله عليه وآله» بقليل.

سر التأكيد على دور أبي بكر :

وأما سر التأكيد على دور أبي بكر فقد أوضحه لنا الجاحظ ، حين قال :

«ولذلك قالوا : إن من أسلم بدعاء أبي بكر أكثر ممن أسلموا بالسيف ، ولم يذهبوا في ذلك إلى العدد ، بل عنوا الكثرة في القدر ، لأنه أسلم على يديه خمسة من أهل الشورى ، كلهم يصلح للخلافة ، وهم أكفاء علي «عليه السلام» ومنازعوه في الرياسة والإمامة ، فهؤلاء أكثر من جميع الناس» (٢).

نعم يا جاحظ : لقد تجاوز أبو بكر كل التوقعات ، حتى لقد بزّ النبي نفسه ، ولم يستطع وهو الرسول الأعظم أن يجاريه في تلك الفضائل المجعولة ـ كما قدمنا ـ ولا ندري لماذا غلط جبرئيل ونزل عليه دونه!.

وحسبنا هنا ما ذكرناه حول هذا الموضوع ؛ فإن استقصاء الكلام فيه يحتاج إلى جهد مضن ووقت طويل.

__________________

(١) سيأتي بعض الكلام في ذلك ، في فصل : حتى بيعة العقبة.

(٢) العثمانية للجاحظ ص ٣١ ـ ٣٢ وشرح النهج ج ١٣ ص ٢٧٠ ـ ٢٧١.

٧٢

هل عمير بن أبي وقاص من السابقين؟!

ويذكر ابن هشام هنا : أن عمير بن أبي وقاص كان من جملة السابقين إلى الإسلام (١).

ولكن ذلك لا يصح ؛ لأنهم يقولون : إن عميرا قد قتل في بدر ، وله ستة عشر عاما ، فيكون عمره حين البعثة سنة واحدة (٢) ؛ فكيف يكون من السابقين إذن؟!.

إسلام أبي قحافة :

وفي رواية : أنه لما نبئ رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وهو ابن أربعين سنة ، صدقه أبو بكر وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ، فلما بلغ أبو بكر أربعين سنة ، قال : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ)(٣). واستجاب الله له فأسلم والداه وأولاده كلهم.

ولكن هذه الرواية لا تصح ، وذلك.

أولا : لما تقدم من أن أبا بكر إنما أسلم بعد عدة سنوات من البعثة ، وكان عمره حينئذ حوالي خمس وأربعين سنة.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٧٢.

(٢) تهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٩ والإصابة ج ٣ ص ٣٦.

(٣) الآية ١٩ من سورة النمل ، فتح القدير ج ٥ ص ١١٨ والغدير ج ٧ ص ٣٢٧ عنه وعن الكشاف ج ٣ ص ٩٩ ، وتفسير القرطبي ج ٢ ص ١٩٣ ـ ١٩٤ والرياض النضرة ج ١ ص ٤٧ ، ومرقاة الأصول ص ١٢١ ، وتفسير الخازن ج ٤ ص ١٣٢ ، وتفسير النسفي بهامشه ج ٤ ص ١٣٢.

٧٣

ثانيا : إن أبا قحافة إنما أسلم سنة ثمان عام الفتح (١) وأم أبي بكر أسلمت ـ كما قالوا ـ سنة ست من البعثة (٢) ، وأولاد أبي بكر حالهم معلوم ، حتى إن أحدهم قد طلب مبارزة أبيه ـ أبي بكر ـ يوم أحد أو بدر ، كما سيأتي ، فكيف يقول : إنه قد أنعم الله عليه وعلى والديه بعد النبوة بسنتين ، ويطلب من الله أن يوفقه لشكر هذه النعمة؟!.

ثالثا : إن الآية المذكورة هي التي في سورة الأحقاف رقم ١٥ ، لأنها هي التي ذكرت الأربعين سنة ، دون الآية التي في سورة النمل رقم ١٩.

وعلى هذا نقول : الأحقاف قد نزلت في المدينة ، لا في مكة ، وإسلام أبي بكر كان في مكة قبل عدة سنوات.

الدعوة في مراحلها التي اجتازتها :

ويرى البعض : أن الدعوة قد مرت بمراحل أربع :

الأولى : المرحلة السرية ، واستمرت ثلاث أو خمس سنوات.

الثانية : الإعلان بالدعوة إلى الله بالقول فقط ، دون اللجوء إلى العنف ، واستمرت حتى الهجرة.

الثالثة : مرحلة الدفاع عن الدعوة بالسيف ، واستمرت إلى صلح الحديبية.

الرابعة : قتال كل من وقف في سبيل الإسلام ، من الوثنيين والمشركين ،

__________________

(١) أسد الغابة ج ٥ ص ٢٧٥ والاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٤ ص ١٦٢ وقاموس الرجال ج ١٠ ص ١٦٦ عن المعارف لابن قتيبة.

(٢) راجع الغدير ج ٧ ص ٣٢٤.

٧٤

وغيرهم ، وهو ما استقر عليه أمر الدعوة وحكم الجهاد (١).

المرحلة السرية :

ولكننا لا نوافق على استعمال مصطلح «الفترة السرية» هنا إذ إن الظاهر هو أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن حينما بعث مأمورا بدعوة عموم الناس كما قدمنا ، ولكنه كان يعرض هذا الدين بصورة طوعية وعفوية ، وبدون أن يوجه الأنظار إلى ذلك ، فكان هناك أفراد يسلمون تباعا.

وقد كان هذا الأسلوب في تلك الفترة ضروريا من أجل الحفاظ على مستقبل الدعوة ، حتى لا تتعرض لعمل مسلح يقضي عليها في مهدها ، حيث لا بد من إيجاد ثلة من المؤمنين ، ومن مختلف القبائل يحملون هذه العقيدة ويدافعون عنها ، حتى لا يبقى مجال لتصفيتهم السريعة والحاسمة من قبل أعدائهم الأشرار.

كما أنه «صلى الله عليه وآله» أراد أن لا تهدر الطاقات ، وتذهب الجهود سدى ، وينتهي الأمر إلى تمزق ، وتوزع في الثلة المؤمنة ، ثم إلى ضياع مدمر.

وأيضا ؛ فقد كانت هذه الفترة بمثابة إعداد نفسي ، وتربية عقيدية وروحية لتلك الصفوة المؤمنة بربها ، وبرسالة نبيه الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، تمكنهم من الصمود في وجه التحديات التي تنتظرهم.

وإذا كان «صلى الله عليه وآله» يريد : أن يقود عملية تغيير شاملة ، فلا بد له من إتاحة الفرصة لتهيئة وإعداد القوى التي تستطيع أن تحقق هدفا

__________________

(١) فقه السيرة للبوطي ص ٩١.

٧٥

كبيرا كهذا ، وتتمكن من الحفاظ والاحتفاظ بالوجود الفعال والمؤثر في بقاء ذلك الهدف.

النبي صلّى الله عليه وآله في دار الأرقم :

قال المؤرخون : ولما صار عدد المسلمين ثلاثين رجلا ـ كما قيل ـ وصار بعض المسلمين يخرجون إلى الشعاب والجبال خارج مكة لأداء الفرائض ، وإقامة الشعائر ، وصار بعض المشركين يترصدونهم ، ويتعمدون إيذاءهم ، وحصلت صدامات فردية لهم معهم ، ومنها أنه كما يقولون :

خرج جماعة من المسلمين إلى شعاب مكة للصلاة ، فظهر عليهم نفر من قريش كانوا يرصدونهم ، ويتبعون آثارهم ، وهم يصلون ؛ فناكروهم ، وعابوا عليهم ما يصنعون ، حتى قاتلوهم ، فضرب سعد بن أبي وقاص ـ والعهدة على الراوي ـ يومئذ رجلا من المشركين بلحى بعير ، فشجه ، فكان أول دم أهريق في الإسلام (١).

ولكن قد قال الزبير (أي ابن بكار) : وطليب أول من دمى مشركا في الإسلام ؛ بسبب النبي «صلى الله عليه وآله» فإنه سمع عوف بن صبرة السهمي يشتم النبي «صلى الله عليه وآله» ، فأخذ له لحى جمل ، فضربه فشجه الخ .. (٢).

ومرة أخرى تعقب مشركان مسلمين خرجا للصلاة في أحد الشعاب ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦٢ وسيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٨٢ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣٧ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٨٣ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٩٩.

(٢) الإصابة ج ٢ ص ٢٣٣.

٧٦

فباطشاهما (١).

فهذه الحوادث الجزئية ـ على ما يظهر ـ قد دفعت بالنبي «صلى الله عليه وآله» إلى اختيار دار الأرقم (٢) ، الواقعة على الصفا ليجعلها مركزا لدعوته ، ومحلا لاجتماع أصحابه به ، ثم الابتعاد عن أنظار المشركين في عبادتهم وشعائرهم ، بدلا من الخروج إلى الشعاب من أجل الصلاة.

فكانت هذه الدار هي مركز حركته ونشاطاته وبقي فيها شهرا (٣) ولم يخرج منها حتى تكامل المسلمون أربعين رجلا كما قيل (٤) ، وقيل : أكثر ، وقيل : أقل ، وحينئذ خرج «صلى الله عليه وآله» ليعلن دعوته ، وليبدأ مرحلة جديدة هي أصعب مرحلة ، وأخطرها ، وأكثر عنفا ، وأشد بلاء.

هذا ، ولكن بعض المحققين (٥) يحتمل أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد دخل دار الأرقم مرة أو مرات ، ولكن يد السياسة قد طورت هذا الأمر ؛ لتكون دار الأرقم في مقابل شعب أبي طالب ، بل يدّعون : أنها دعيت دار

__________________

(١) أنساب الأشراف للبلاذري ج ١ ص ١١٧.

(٢) أسلم سابع سبعة ، أو بعد عشرة كما في الإصابة ج ١ ص ٢٨ والاستيعاب هامش الإصابة ج ١ ص ١٠٧.

(٣) وقيل : أربع سنين. راجع السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٨٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٩٩.

(٤) الإصابة ج ١ ص ٢٨ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٨٥ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٩٩ والاستيعاب هامش الإصابة ج ١ ص ١٠٨.

(٥) هو العلامة السيد مهدي الروحاني رحمه الله.

٧٧

الإسلام (١).

لكننا في المقابل لا نرى أن دار الأرقم كانت لها هذه الأهمية ، ولا هذا الدور ، ولذلك تجد ابن إسحاق وهو من نعرف ـ لا يشير إلى دار الأرقم لا من قريب ولا من بعيد ـ كما أن البلاذري يذكرها بصورة عابرة ، دون أية أهمية.

والذي يهتم بدار الأرقم ويبرزها على أنها مفصل تاريخي هو الواقدي بالدرجة الأولى ، فلعل المسلمين ترددوا على هذه الدار مرات ، فعظمت السياسة ذلك وطورته ، حتى دعيت هذه الدار دار الإسلام ، للتعتيم على شعب أبي طالب حسبما تقدم ، وذلك عن منطق السياسة الذي عرفناه وألفناه غير بعيد.

قريش لا تهتم لمرحلة ما قبل الإعلان :

كان المشركون قد عرفوا بتنبؤ النبي «صلى الله عليه وآله» من أول الأمر ، ولكنهم لم يهتموا كثيرا بالأمر ـ بادئ ذي بدء ـ ربما لأنهم اعتبروا أن القضية ليست بذات أهمية كبيرة ؛ إلا من وجهة قبلية بالدرجة الأولى ، ولكنهم ظلوا يتنسمون الأخبار ، ويستطلعونها وكانوا يقولون : إن فتى عبد المطلب ليكلم من السماء.

إسلام أبي ذر رحمه الله :

وفي هذه الفترة كان إسلام أبي ذر «رحمه الله» الذي كان رابع ، أو

__________________

(١) التراتيب الإدارية ج ١ ص ٤٠٨.

٧٨

خامس من أسلم (١) ، حيث إنه سمع بمبعث النبي «صلى الله عليه وآله» فأرسل أخاه ليستقصي له الخبر ، فرجع إليه ، ولم يشف له غليلا.

فذهب هو بنفسه إلى مكة ؛ فكره أن يسأل عن النبي «صلى الله عليه وآله» علانية ورآه علي «عليه السلام» مضطجعا في ناحية المسجد الحرام ، فعرف أنه غريب ، فاستضافه ثلاثة أيام لا يسأله عن شيء ، ثم سأله أبو ذر عن النبي «صلى الله عليه وآله» ، فأخذه إليه بصورة سرية ؛ حيث أمره أن يتبعه ، فإن رأى ما يخاف منه عطف كأنه يريد أن يقضي حاجة ، أو يصلح نعله.

وبعد أن أسلم أبو ذر خرج إلى المسجد الحرام ؛ فنادى بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فقام إليه المشركون فضربوه حتى أضجعوه ، فأتى العباس ؛ فأكب عليه ، وقال : ويحكم ، ألستم تعلمون : أنه من غفار ، وإنها طريق تجارتكم إلى الشام؟ فتركوه ، ولكنه عاد في اليوم الثاني إلى مثل ذلك ، فخلصه العباس (٢).

__________________

(١) دلائل النبوة للبيهقي ج ١ ص ٤٥٨ ، طبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ١٦٤ ، وحلية الأولياء ج ١ ص ١٥٧ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٤٢ ، والاستيعاب هامش الإصابة ج ١ ص ٣١٣ ، والإصابة ج ٤ ص ٦٣ ، وأسد الغابة ج ٥ ص ١٨٦ ، والغدير ج ٨ ص ٣٠٨ ـ ٣٠٩ عن بعض من تقدم وعن شرح الجامع الصغير للمناوي ج ٥ ص ٤٢٣.

(٢) هذا ملخص ما في البخاري ج ٢ ص ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ط سنة ١٣٠٩ ه‍ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣٤ ، وحلية الأولياء ج ١ ص ١٥٩ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٣٩ ، والغدير ج ٨ ص ٣٠٩ ـ ٣١٠ عن بعض من تقدم وصحيح مسلم ـ ج ٧ ص ١٥٦ والاستيعاب هامش الإصابة ج ٤ ص ٦٣ ودلائل النبوة لأبي نعيم ج ٢ ص ٨٦ ، وطبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ١٦١ ـ ١٦٢ و ١٦٤ ـ ١٦٥ والإصابة ج ٤ ص ٦٣.

٧٩

وثمة نصوص أخرى لا مجال لذكرها هنا.

ولما ضرب أبو ذر جاء إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فقال : يا رسول الله ، أما قريش فلا أدعهم حتى أثأر منهم ، ضربوني.

فخرج حتى أقام بعسفان ، وكلما أقبلت عير لقريش ، يحملون الطعام ، ينفر بهم على ثنية غزال ؛ فتلقي أحمالها ؛ فجمعوا الحنط ، ويقول أبو ذر لقومه : لا يمس أحد حبة حتى تقولوا : «لا إله إلا الله».

فيقولون : «لا إله إلا الله» ، ويأخذون الغرائر (١).

وحسب نص آخر : كان أبو ذر رجلا شجاعا يتفرد وحده بقطع الطريق ، ويغير على الصرم (٢) في عماية الصبح على ظهر فرسه ، أو على قدميه كأنه السبع ..

إلى أن قال :

«فكان يعترض لعيرات قريش ، فيقطعها ، فيقول : لا أرد إليكم منها شيئا ، حتى تشهدوا : أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله : فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله ، ومضى بدر ، وأحد ، ثم قدم فأقام بالمدينة» (٣).

وأسلم على يده نصف قبيلته غفار ، ووعده الباقون بأن يسلموا إذا قدم

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ١٦٤.

(٢) الصرمة : القطعة كم الإبل.

(٣) طبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ١٦٣ ، وراجع تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ١٠٠.

٨٠