الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

الفصل الثالث :

الدعوة في مراحلها الأولى

٤١
٤٢

أول من أسلم :

إن أول من أسلم ، واتبع وصدق ، وآزر وناصر ، هو أمير المؤمنين ، وإمام المتقين ، علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه وعلى أبنائه الأئمة الطاهرين.

وأورد العلامة الأميني في كتابه القيم (١) : أقوالا عن العشرات من كبار الصحابة ، والتابعين ، وغيرهم من الأعلام ، وعن العشرات من المصادر غير الشيعية ، تؤيد وتؤكد على أن أمير المؤمنين «عليه السلام» هو أول الأمة إسلاما.

ومن هؤلاء الأعلام :

١ ـ علي «عليه السلام» نفسه.

٢ ـ الإمام الحسن «عليه السلام».

٣ ـ الإمام الباقر «عليه السلام».

__________________

(١) راجع : الغدير ج ٣ ص ٩٥ و ٩٦ و ٩٩ و ٢٢٤ ـ ٢٣٦ وج ١٠ ص ١٥٦ و ١٥٨ و ١٦٤ و ١٦٨ و ٢٩٠ و ٣٢٢ وج ٩ ص ١١٥ و ١٢٢ وراجع دلائل الصدق ، والأوائل للطبراني ص ٧٨ ـ ٧٩.

٤٣

٤ ـ عمر بن الخطاب.

٥ ـ سلمان الفارسي.

٦ ـ أنس بن مالك.

٧ ـ ابن عباس.

٨ ـ أبو ذر.

٩ ـ المقداد بن عمرو.

١٠ ـ خباب بن الأرت.

١١ ـ جابر بن عبد الله الأنصاري.

١٢ ـ أبو سعيد الخدري.

١٣ ـ حذيفة بن اليمان.

١٤ ـ عبد الله بن مسعود.

١٥ ـ أبو أيوب الأنصاري.

١٦ ـ خزيمة بن ثابت «ذو الشهادتين».

١٧ ـ عمرو بن العاص.

١٨ ـ سعد بن أبي وقاص.

١٩ ـ زيد بن أرقم.

٢٠ ـ محمد بن أبي بكر.

٢١ ـ جرير بن عبد الله البجلي.

٢٢ ـ بريدة الأسلمي.

٤٤

٢٣ ـ عفيف الكندي.

٢٤ ـ أبو رافع.

٢٥ ـ أبو مرازم.

٢٦ ـ هاشم المرقال.

٢٧ ـ عبد الله بن حجل.

٢٨ ـ أبو عمرة «بشير بن محصن».

٢٩ ـ عبد الله بن خباب بن الأرت.

٣٠ ـ عبد الله بن بريدة.

٣١ ـ مالك الأشتر.

٣٢ ـ عدي بن حاتم.

٣٣ ـ محمد بن الحنفية.

٣٤ ـ طارق بن شهاب الأحمسي.

٣٥ ـ عبد الله بن هاشم المرقال.

٣٦ ـ عمرو بن الحمق.

٣٧ ـ سعيد بن قيس الهمداني.

٣٨ ـ عبد الله بن أبي سفيان.

٣٩ ـ كعب بن زهير.

٤٠ ـ ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب.

٤١ ـ الفضل بن أبي لهب.

٤٥

٤٢ ـ أبو الأسود الدؤلي.

٤٣ ـ جندب بن زهير.

٤٤ ـ مالك بن عبادة.

٤٥ ـ زفر بن يزيد بن حذيفة الأسدي.

٤٦ ـ النجاشي بن الحارث بن كعب.

٤٧ ـ عبد الله بن حكيم.

٤٨ ـ عبد الرحمن بن حنبل.

٤٩ ـ عامر الشعبي.

٥٠ ـ الحسن البصري.

٥١ ـ قتادة.

٥٢ ـ ابن شهاب الزهري.

٥٣ ـ محمد بن المكندر.

٥٤ ـ أبو حازم سلمة بن دينار.

٥٥ ـ ربيعة بن عبد الرحمن.

٥٦ ـ محمد بن السائب الكلبي.

٥٧ ـ جنيد بن عبد الرحمن.

٥٨ ـ محمد بن إسحاق.

٥٩ ـ الوليد بن جابر.

٤٦

وزاد العسقلاني :

٦٠ ـ عبد الله بن فضالة المزني.

٦١ ـ عمر بن مرة الجهني (١).

بعض ما جاء في سبق علي عليه السّلام إلى الإسلام :

هذا كله ، عدا عن الكثير من الروايات الواردة عن النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، وكلمات أمير المؤمنين «عليه السلام» نفسه ، وعدا عن كلمات الصحابة والتابعين وأشعارهم ، بل لقد ادعى البعض الإجماع عليه (٢).

ولعل حصر ذلك متعذر على أي باحث ومتتبع ، ولذا فلا محيص لنا عن الإكتفاء بأمثلة قصيرة لتكون عنوانا وإشارة لغيرها من الكثير الطيب الذي لم نذكره ، ونحيل القارئ إلى ما كتبه العلامة الأميني (٣) فليراجعه إن أراد.

فإنهم يقولون :

لقد بعث النبي «صلى الله عليه وآله» يوم الإثنين ، وأسلم علي «عليه السلام» يوم الثلاثاء (٤).

ومما ورد عن النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» بسند صحيح قوله :

__________________

(١) الإصابة ج ٢ ص ٣٥٧ ـ ٣٥٨.

(٢) راجع : الصواعق المحرقة الفصل الأول ، الباب التاسع ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص ٢٢.

(٣) راجع : الغدير ج ٣ ص ٢٢٠ ـ ٢٤٣ وج ١٠ ص ١٥٨ ـ ١٦٢.

(٤) راجع : الأوائل ج ١ ص ١٩٥.

٤٧

أولكم ورودا علي الحوض ، أولكم إسلاما علي بن أبي طالب (١).

وعنه «صلى الله عليه وآله» : إنه لأول أصحابي إسلاما ، أو أقدم أمتي سلما (٢).

وعنه أنه أخذ بيد علي «عليه السلام» ، فقال : هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصديق الأكبر (٣).

وعنه «صلى الله عليه وآله» : هذا أول من آمن بي ، وصدقني ، وصلى معي (٤).

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٣٦ وصححه ، وتاريخ بغداد للخطيب ج ٢ ص ٨١ ، والاستيعاب هامش الإصابة ج ٣ ص ٢٨ وشرح النهج للمعتزلي والسيرة الحلبية ، والسيرة النبوية لدحلان ، ومناقب الخوارزمي ، والغدير ج ٣ ص ٢٢٠ عنهم فراجعه ، والآحاد والمثاني ، مخطوط في مكتبة كوپرلي رقم ٢٣٥.

(٢) الغدير ج ٣ ص ٩٥ ـ ٩٦ عن : مسند أحمد ج ٥ ص ٢٦ والاستيعاب ج ٣ ص ٣٦ ، والرياض النضرة ، ومجمع الزوائد ، والمرقاة ، وكنز العمال ، والسيرة النبوية لدحلان ، والسيرة الحلبية ، وليراجع : مستدرك الحاكم ج ٣ ، والمنمق ، وجمع الجوامع ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٠٢ عن الطبراني عن ابن إسحاق ، وقال : هو مرسل صحيح الإسناد ، وأخرجه الطبراني وأحمد قال الهيثمي ج ٩ ص ١٠١ وفيه خالد بن طهمان وثقه أبو حاتم وبقية رجاله ثقات.

(٣) الغدير ج ٢ ص ٣١٣ عن الطبراني والبيهقي ، والعدني ، ومجمع الزوائد وكفاية الطالب وإكمال كنز العمال ولسوف يأتي في حديث الغار حين الكلام عن تلقيب أبي بكر بالصديق المزيد من المصادر لهذا الحديث ، وفرائد السمطين ج ١ ص ٣٩.

(٤) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٢٥.

٤٨

وعنه «صلى الله عليه وآله» : إن أول من صلى معي علي (١).

تصريحات أمير المؤمنين عليه السّلام في ذلك :

وعلي نفسه يصرح في كثير من المناسبات بذلك ؛ فيقول عن نفسه : إنه لم يسبقه أحد في الصلاة مع رسول الله ، وإنه أول من أسلم مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» وإنه الصديق الأكبر «عليه السلام» ، وإنه لا يعرف أحدا في هذه الأمة عبد الله قبله غير النبي «صلى الله عليه وآله» ، وإنه صلى قبل أن يصلي الناس سبع سنين (٢).

ولعل المراد التعبد مع النبي «صلى الله عليه وآله» قبل البعثة بسنتين ، أو خمس سنين ؛ حيث بدأت إرهاصات النبوة ، ثم يضم إليها ثلاث أو خمس سنين فترة الدعوة الاختيارية غير المفروضة بعد البعثة ، أو لعله عبد الله حقا مع رسول الله قبل البعثة سبع سنين إذا كان قد أسلم «عليه السلام» وهو ابن اثني عشر سنة أو حتى عشر سنين ، حيث كان الرسول «صلى الله عليه وآله» يتعبد قبل البعثة وكان «صلى الله عليه وآله» على دين الحنيفية ، فكان علي «عليه السلام» يعبد الله معه «صلى الله عليه وآله».

إلا أن يكون الصحيح في الرواية هو ما ذكره ابن بطريق أنه «صلى الله عليه وآله» قال : صلت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين (٣).

ومهما يكن من أمر ، فإن الكلمات الدالة على هذا الأمر كثيرة ، كما أنه

__________________

(١) الغدير ج ٣ ص ٢٢٠ عن فرائد السمطين باب ٤٧ بأربعة طرق.

(٢) مصادر ذلك ستأتي بعد الهامش التالي.

(٣) كشف الغمة للإربلي ج ١ ص ٣٣٤.

٤٩

«عليه السلام» قد كتب هو نفسه بهذا الأمر إلى معاوية ، وردده في كلماته الكثيرة المتضافرة (١).

دليل آخر :

وإن احتجاجه «عليه السلام» بأنه أول من أسلم ، واحتجاج أصحابه من الصحابة والتابعين بهذه الكثرة العجيبة على خصومهم في صفين وغيرها واهتمامهم الواضح بهذا الأمر ليدل على ذلك دلالة واضحة.

ولم نجد أحدا من أعدائه «عليه السلام» حاول إنكار ذلك ، أو التشكيك فيه ، أو طرح اسم رجل آخر على أنه هو صاحب هذه الفضيلة دونه ، رغم توفر الدواعي لذلك ، ورغم أن الطرف المقابل لا يتورع حتى عن الاختلاق والكذب على الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، بل على

__________________

(١) راجع هذه النصوص كلها عن أمير المؤمنين «عليه السلام» في الغدير ج ٣ ص ٢١٣ و ٢٢١ و ٢٢٢ وج ١٠ ص ١٥٨ ـ ١٦٤ وج ٢ ص ٢٥ ـ ٣٠ و ٣١٤ عن : شرح النهج ج ١ ص ٥٠٣ و ٤٠٤ و ٢٨٣ وج ٢ ص ١٠٢ وأبي داود بإسناد صحيح ، وتاريخ بغداد للخطيب ج ٤ ص ٢٢٤ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٠٢ عن أبي يعلى ، وأحمد ، والبزار والطبراني في الأوسط ، وفرائد السمطين باب ٤٨ ، والأوائل ج ١ ص ١٩٥ ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ٣٥٥ و ٣٦٠ و ١٣٢ و ١٠٠ و ١٦٨ وجمهرة الخطب ج ١ ص ١٧٨ و ٥٤٢ و ٤٢٨ وجمهرة الرسائل ج ١ ص ٥٤٢ ، ومروج الذهب ج ٢ ص ٥٩ ، وتذكرة سبط ابن الجوزي ص ١١٥ ، ومطالب السؤل ص ١١ ، والمحاسن والمساوئ ج ١ ص ٣٦ وتاريخ القرماني هامش الكامل ج ١ ص ٢١٨ وثمة مصادر أخرى في الغدير ج ١٠ ص ٣٢٢ فراجع.

٥٠

الله سبحانه وتعالى.

فلو أنهم عرفوا : أن كذبتهم هذه تجوز على أحد لكانوا لها من المبادرين ، ولكن التسالم على هذا الأمر كان بحيث لا يمكنهم معه التوسل بأية حيلة ، فكل ذلك يدل على أن ذلك قد كان أمرا مسلما به ومجمعا عليه ، ولا يمكن إنكاره لأحد.

وكشاهد على هذا التسالم نذكر هنا حادثة واحدة فقط ، جرت لسعد بن أبي وقاص ، الذي كان منحرفا عن علي «عليه السلام» ، ـ كما سيأتي في معركة أحد إن شاء الله تعالى ـ ونترك ما عداها وهو كثير جدا ، وهذه الحادثة هي أنه :

سمع رجلا يشتم عليا ، فوقف عليه وقرره بقوله : يا هذا ، على ما تشتم علي بن أبي طالب؟ ألم يكن أول من أسلم؟ ألم يكن أول من صلى مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟ ألم يكن أعلم الناس؟ الخ ... (١).

كما أن المقداد كان يتعجب من قريش لدفعها هذا الأمر عن أول المؤمنين إسلاما ، يعني عليا «عليه السلام» (٢).

خاتمة المطاف :

وأظن أن ما ذكرناه كاف وواف في هذا المجال ، ومن أراد المزيد فعليه بالمراجعة إلى الكتب المعدة لذلك.

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٥٠٠ ، وصححه هو والذهبي في تلخيصه هامش نفس الصفحة ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٥١٤ ـ ٥١٥.

(٢) الغدير ج ٩ ص ١١٥ عن اليعقوبي ج ٢ ص ١٤٠.

٥١

وبعد هذا ، فلا يصغى لقول النواصب والحاقدين ، الذين يهتمون في طمس فضائله «عليه السلام» بكل وسيلة ، ولو عن طريق الدجل والتزوير ، ومنهم ابن كثير ، الذي قال : «وقد ورد في أنه أول من أسلم أحاديث كثيرة ، لا يصح منها شيء» (١).

لا يا بن كثير : لقد تجنيت على الحقيقة وعلى التاريخ كل التجني ، ولم تستطع أن تكتم ما يعتلج في صدرك من إحن ، فجرّك ذلك إلى المكابرة ، وإلى إنكار ما يكاد يلحق بالضروريات.

فإن الروايات الصحيحة والصريحة الدالة على هذا الأمر كثيرة وكثيرة جدا ، كما يعلم بالمراجعة (٢).

القول بأن خديجة أول من أسلم :

ونجد في مقابل ذلك قولا آخر مفاده : أن خديجة كانت هي السباقة إلى الإسلام وأنها أول مخلوق آمن به ، بل لقد ادعى البعض الإجماع على هذا القول (٣).

ولكنه قول مردود ، لأن العديد من الروايات عن النبي «صلى الله عليه

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٧ ص ٣٣٥.

(٢) راجع الغدير ج ٣ وإحقاق الحق ، قسم الملحقات ، وغير ذلك.

(٣) راجع : السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٦٧ ، وفي تهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ١٨٢ نقل عن الثعلبي الاتفاق عليه ، وقال ابن الأثير : إنها أول خلق الله إسلاما بإجماع المسلمين. راجع السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٩٠ وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٤٨ والأوائل للطبراني ص ٨٠.

٥٢

وآله» ، وعن علي «عليه السلام» ، وعن الصحابة والتابعين تعبر بأن عليا «عليه السلام» أول من صلى ، أو أول من آمن ، أو أول الأمة أو الناس إسلاما (١) ، ولا يمكن أن يكون المقصود بالأمة أو الناس خصوص الرجال بناء على هذا القول ، ولا خصوص الصبيان ، بناء على قول آخر يأتي.

أبو بكر ، وسبقه إلى الإسلام :

وبعد كل ما تقدم نعرف : أن ادعاء سبق غير أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى الإسلام قد جاء متأخرا عن عهد الخلفاء الأربعة ، ووضع بعد وفاة أمير المؤمنين «عليه السلام» ، ولربما يكون قد حصل ذلك حينما كتب معاوية إلى الأقطار يأمرهم أن لا يدعوا فضيلة لعلي إلا ويأتوه بمثلها لغيره من الصحابة (٢).

ومن هنا ، فإننا نعتقد : بأن القول بأولية إسلام أبي بكر ، والمروي عن :

١ ـ ابن عباس.

٢ ـ الشعبي.

٣ ـ أبي ذر.

__________________

(١) راجع : السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٩١ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٦٨ و ٢٧٥ ومناقب المغازلي ، ومناقب الخوارزمي ، ص ١٨ ـ ٢٠ والغدير ج ٣ ص ٢٢٠ ـ ٢٣٦ وج ١٠ ص ١٦٨ و ٢٩ و ٣٢٢ وج ٩ ص ٣٩٢ تجد الكثير من التصريحات بذلك وكذا في تاريخ بغداد ج ٤ ص ٢٣٣ وحلية الأولياء ج ١ ص ٦٦ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٣ ص ٤٠٧.

(٢) راجع : النصائح الكافية لمن يتولى معاوية من ص ٧٢ حتى ص ٧٤.

٥٣

٤ ـ عمرو بن عبسة.

٥ ـ إبراهيم النخعي.

٦ ـ حسان بن ثابت ، الذي يروى عنه قوله :

إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة

فاذكر أخاك أبا بكر وما فعلا

خير البرية أتقاها وأعدلها

إلا النبي وأوفاها بما حصلا

والثاني الصادق المحمود مشهده

وأول الناس منهم صدق الرسلا

عاش حميدا ، لأمر الله متبعا

بهدي صاحبه الماضي وما انتقلا (١)

نعم ، إننا نعتقد : أن ذلك كله موضوع في وقت متأخر ، تزلفا للأمويين ، كما أن شعر حسان هذا لا يبعد أن يكون منحولا ، إذ لا يمكن أن يبادر إلى مخالفة ما كان متسالما عليه بين الأمة ، ولا سيما الصحابة منهم.

كما أننا نلاحظ : أن البيتين الأخيرين فيهما حشو ظاهر ، وليس لهما صياغة منسجمة (٢).

ولربما يقال : إنهما بعيدان عن نفس حسان ، وعن شاعريته ، وعن سبكه ، وطريقته ومما يدل على عدم صحة ذلك بالإضافة إلى ما تقدم :

أولا : إنه قد تقدم : أن ابن عباس ، والشعبي ، وأبا ذر الذين روي عنهم القول بأولية أبي بكر هم أنفسهم يقولون :

__________________

(١) ديوان حسان ص ٢٩ ط أوروبا.

(٢) فليلاحظ مثلا : كلمة منهم في البيت الثالث وقوله في الرابع : (متبعا بهدي).

وقوله : وما انتقلا إلى غير ذلك من وجوه الضعف في السبك والصياغة.

٥٤

إن أمير المؤمنين «عليه السلام» هو أول من أسلم ، ويقول الإسكافي (١) :

إن حديثهم في علي أقوى سندا ، وأشهر من الحديث الآخر المنسوب إليهم في أبي بكر.

وأما رواية أبي ذر ، وعمرو بن عبسة ، فهي مضطربة ، لأنها تذكر :

أن أبا ذر ، وعمرو بن عبسة كلاهما ربع الإسلام ، وأن بلالا أسلم قبل أبي بكر ، ولا تذكر عليا «عليه السلام» ، ولا خديجة ، وهذا يعني : أن بلالا قد أسلم قبل خديجة وعلي ؛ مع أن العكس هو الصحيح ، فإذا كانت خديجة «رحمها الله» وعلي «عليه السلام» وبلال ، وعمرو بن عبسة قد أسلموا أولا ؛ فأين يكون إسلام أبي بكر بعد هذا؟!

ثانيا : إن عائشة نفسها تعترف بأن أباها كان رابعا في الإسلام ، وقد سبقه إلى ذلك خديجة ، وزيد بن حارثة ، وعلي «عليه السلام» (٢).

ثالثا : قد تقدم : أننا لم نجد أحدا يعترض على الصحابة ، ولا على التابعين ، ولا على أمير المؤمنين «عليه السلام» في احتجاجاتهم المتعددة على معاوية وغيره بأن عليا «عليه السلام» هو أول الأمة إسلاما ـ لم نجد أحدا يعترض ، ويقول : بل أبو بكر هو الأول.

وما روي من ذلك : من أن أبا بكر قد احتج به ، فقد فنده العلامة الأميني في الغدير وأثبت أنه غير صحيح فليراجع (٣).

__________________

(١) راجع ، الغدير ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ، وآخر كتاب العثمانية.

(٢) راجع : الأوائل ج ١ ص ٢٠٢ وراجع ص ٢٠٦.

(٣) راجع : الغدير ج ٧ ص ٩١ ـ ٩٤ و ٢٢٤ فما بعدها.

٥٥

فإلى متى يدخرون هذه الحجة؟! ولماذا يدخرونها؟!

بل إننا لم نجد أبا بكر ، ولا أحدا من أنصاره ومحبيه يحتج له بأنه أول من أسلم ، رغم احتياجاتهم الشديدة إلى ذلك ، ولا سيما في السقيفة ؛ حيث لم يجدوا ما يحتجون به من فضائله إلا كونه كبير السن ، وصاحب رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الغار ـ كما احتج به صاحبه عمر ، وغيره ثمة (١) ـ وستأتي الإشارة إلى احتجاجاتهم تلك حين الحديث عن قضية الغار إن شاء الله تعالى.

هذا كله ، عدا عن تصريح البعض بأن أبا بكر كان رابع أو خامس من أسلم (٢).

وعدا عن قول أمير المؤمنين علي «عليه السلام» : أنا الصديق الأكبر ، أسلمت قبل أن يسلم أبو بكر (٣).

وعدا عن الرواية التي تقول : إن العباس قد أخبر عفيفا بأنه لم يسلم سوى خديجة وعلي ، فلو أن عفيفا أسلم حينئذ كان في الإسلام ثانيا (٤).

رابعا : إننا نقول : إن إسلام أبي بكر قد تأخر عن البعثة عدة سنوات

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٦٦ ، وسنن البيهقي ج ٨ ص ١٥٣ والغدير ج ٥ ص ٣٦٩ وج ٧ ص ٩٢ وج ١٠ ص ٧ و ١٣ عن عدد كبير من المصادر ، وكنز العمال ج ٨ ص ١٣٩ عن ابن أبي شيبة ، وعن الكنز أيضا ج ٣ ص ١٤٠ ولسوف نذكر طائفة من المصادر حين الكلام عن قضية الغار.

(٢) راجع : سير أعلام النبلاء ج ١ ص ٢١٦.

(٣) ستأتي مصادر ذلك في أواخر الجزء الثاني من هذا الكتاب.

(٤) راجع : لسان الميزان ج ١ ص ٣٩٥ وغير ذلك.

٥٦

ويدل على ذلك ـ ونحن نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم ـ الأمور التالية :

ألف ـ ما قالوه من أنه لما أسلم سماه النبي «صلى الله عليه وآله» صديقا (١) مع أن تسميته هذه ـ كما يدّعون ـ إنما كانت بعد الإسراء حين صدقه أبو بكر وكذبته قريش (٢).

أو حين الهجرة في الغار (وكلاهما لا يصح أيضا كما سيأتي في حديث الغار إن شاء الله تعالى).

وهم يدّعون : أن الإسراء كان بعد البعثة باثنتي عشرة سنة وإن كنا نحن نعتقد بخلاف ذلك.

وأنه كان في السنة الثانية أو الثالثة ، كما سيأتي في الفصل الآتي.

ب ـ يروي البعض : أنه أسلم وآمن بعد الإسراء والمعراج فسمي يومئذ ب «الصديق» (٣) مع قولهم : أن الإسراء والمعراج كان قبل الهجرة بقليل ـ كما سنرى ـ.

ج ـ لقد روى الطبري ـ بسند صحيح كما يقول الأميني (٤) ـ عن محمد بن سعيد ، قال : قلت لأبي : أكان أبو بكر أولكم إسلاما؟

فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين (٥).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٧٣ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨.

(٢) السيرة الحلبية ج ١ ص ٢٧٣.

(٣) مجمع الزوائد ج ١ ص ٧٦ عن الطبراني في الكبير.

(٤) الغدير ج ٣ ص ٢٤٠.

(٥) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦٠ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٨ والتعجب للكراجكي ص ٣٤.

٥٧

وهذا يعني : أنه قد أسلم بعد انتهاء الفترة الاختيارية للدعوة ، وبعد خروجه «صلى الله عليه وآله» من دار الأرقم ، لأنهم قد خرجوا بعد أن تكاملوا أربعين رجلا ، كما يقولون ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى ، حين الكلام حول إسلام عمر بن الخطاب.

د ـ ولسوف نذكر إن شاء الله في أواخر حديث الغار : أن أبا قحافة يذكر : أن ابن مسعود قد أسلم هو وجماعة قبل إسلام أبي بكر ، وابن مسعود قد أسلم قبل إسلام عمر كما ذكره النووي في تهذيب الأسماء واللغات.

ه ـ لقد ورد : أنه «صلى الله عليه وآله» قد بعث وأبو بكر غائب في اليمن ، قال أبو بكر ، فقدمت مكة ، وقد بعث النبي «صلى الله عليه وآله» فجاءني صناديد قريش ، إلى أن قال :

«فقالوا : يا أبا بكر ، أعظم الخطب ، وأجل النوائب ، يتيم أبي طالب يزعم أنه نبي ولو لا أنت ـ أو : ولو لا انتظارك ـ ما انتظرنا به ؛ فإذ قد جئت فأنت الغاية والكفاية» (١) ، والذي عند أبي هلال ، عن الشعبي ، عن أشياخه ، منهم جرير ، في خبر طويل هو : «قال أبو بكر : فلما قدمت مكة استبشروا ، وظنوا أنه فتح عليهم بقدومي فتح ، واجتمعوا إلي ، وشكوا أبا طالب ، وقالوا : لو لا تعرضه دونه لما انتظرنا به.

قلت : ومن تبعه على مخالفة دينكم؟

__________________

(١) الصواعق المحرقة ص ١٤٨ ط سنة ١٣٢٤ ه‍. والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٧٥ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨٩ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٨٧ وتاريخ مدينة دمش ج ٣ ص ٣٢ وأسد الغابة ج ٣ ص ٢٠٨.

٥٨

قالوا : بنو أبي طالب» (١).

ولكن لنا تحفظ على هذا النص الذي يعطي لأبي بكر منزلة كبيرة في قريش ، وهي منزلة لا يؤيد التأريخ أن أبا بكر كان قد بلغها أصلا ، كما سنشير إليه في موضعه.

و ـ وعن ابن إسحاق ، قال : إن أبا بكر لقي رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقال : أحق ما تقول قريش يا محمد ، من تركك آلهتنا ، وتسفيهك عقولنا ، وتكفيرك آباءنا إلخ .. ثم ذكر إسلام أبي بكر (٢).

وإن كنا نشك في صحة هذا النص الأخير ، إذ أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يعبد تلك الآلهة قط ، فما معنى سؤاله عن ذلك؟!

إلا إذا قلنا إنه لم يكن يتجاهر برفضها ، فصح أن يسأله عن ذلك.

ويؤيد ذلك ما رواه المقدسي ، قال : «إسلام أبي بكر ـ زعم بعض الرواة : أنه كان في تجارة له بالشام ، فأخبره راهب بوقت خروج النبي «صلى الله عليه وآله» من مكة ، وأمره باتباعه ، فلما رجع سمع رسول الله يدعو إلى الله ، فجاء وأسلم» (٣).

ويؤيد ذلك أيضا قولهم : إن أبا بكر قال للنبي «صلى الله عليه وآله» : فقدت من مجالس قومك ، واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها فدعاه «صلى

__________________

(١) الأوائل للعسكري ج ١ ص ١٩٤.

(٢) دلائل النبوة للبيهقي ج ١ ص ٤١٦ ـ ٤١٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٤٣٢ ـ ٤٣٣ وسيرة ابن إسحاق ص ١٣٩.

(٣) البدء والتاريخ ج ٥ ص ٧٧.

٥٩

الله عليه وآله» إلى الإسلام فأسلم (١).

فكل ذلك يدل على أن إسلام أبي بكر كان بعد الفترة السرية وبتعبير أدق بعد (فترة الدعوة الاختيارية ، وغير المفروضة) التي استمرت ثلاث أو خمس سنوات.

وبعد أن أنذر عشيرته الأقربين ، وبعد أن أمر بالصدع بالأمر ، ودعوة الناس عامة.

وبعد تكفيره للآباء والأمهات.

وبعد عرض قريش على أبي طالب أن يقنع ولده بالعدول عن هذا الأمر.

وبعد عرضهم عليه ولدا آخر على أن يخلي بينه وبينهم.

وبعد وقوع المواجهة بين قريش وبينه ، ثم قيام أبي طالب دونه ، ولو لا انتظارهم لأبي بكر ما انتظروا به ، وكل ذلك يدل على أن إسلامه قد تأخر إلى السنة الرابعة أو الخامسة إن لم يكن بعد ذلك أيضا ؛ فقد قال أبو القاسم الكوفي :

إن أبا بكر قد أسلم بعد سبع سنين من البعثة (٢).

ولربما يكون ذلك صحيحا أو قريبا من الصحيح ، إذا أخذنا بالروايات المتقدمة الدالة على أنه قد أسلم بعد اشتداد المواجهة بين الرسول وبين المشركين ، وقيام أبي طالب دونه ، وبعد أكثر من خمسين رجلا ، فلربما يكون

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٩ ـ ٣٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٤٣٩.

(٢) الاستغاثة ج ٢ ص ٣١.

٦٠