الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٥

أولا : إنهم يقولون : إنه قد أسلم بعد فرض صلاة الظهر ، فصلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» الظهر معلنا تحت حماية عمر كما تقدم ، وصلاة الظهر قد فرضت ـ حسب قولهم ـ حين الإسراء والمعراج الذي كان ـ عندهم ـ في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من البعثة ، فكلامهم متناقض.

وإن كنا نحن قد حققنا : أن الإسراء والمعراج كان في حوالي السنة الثانية من البعثة.

وقد أجاب البعض عن ذلك ، بأن المقصود هو صلاة الغداة أي الصبح (١).

ولكنه توجيه لا يصح ؛ فإن كلمة الظهر لا تنطبق على الغداة ولا تطلق عليها وهو جواب عجيب وغريب كما ترى.

وإن كان مرادهم أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يؤخر صلاة الصبح إلى ارتفاع الشمس فهو غير معقول ؛ إذ كيف يؤخر النبي «صلى الله عليه وآله» صلاته عن وقتها بلا عذر ظاهر؟.

ثانيا : إن عبد الله بن عمر يصرح : أنه حين أسلم أبوه كان له هو من العمر ست سنين (٢).

ويرى البعض : أن عمره كان خمس سنين (٣).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ١ ص ٣٣٥.

(٢) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص ١٩ ، وطبقات ابن سعد ج ٣ قسم ١ ص ١٩٣ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ١٨٢.

(٣) فتح الباري ج ٧ ص ١٣٥.

٣٠١

ويدل على ذلك : رواية أن ابن عمر كان حين إسلام أبيه على سطح البيت ، ورأى أن الناس قد هاجوا ضد أبيه ، وحصروه في البيت ؛ فجاء العاص بن وائل ففرقهم عنه ، وقد استفسر ابن عمر أباه حينئذ عن بعض الخصوصيات كما سيأتي عن قريب.

كما أن ابن عمر يروي : أنه حين أسلم أبوه غدا يتبع أثره ، وينظر ما يفعل ، يقول :

وأنا غلام أعقل ما رأيت (١) ، مما يدل على أن ابن عمر كان حين إسلام أبيه مميزا مدركا.

وذلك يدل على أن عمر أسلم حوالي السنة التاسعة من البعثة ـ كما ذهب إليه البعض (٢) ـ لأن ابن عمر ولد في الثالثة من البعثة ، وتم عمره على الخمس عشرة سنة في عام الخندق سنة خمس من الهجرة ، حيث أجازه «صلى الله عليه وآله» فيها كما هو مشهور (٣).

بل ورد عن ابن شهاب : أن حفصة وابن عمر قد أسلما قبل عمر ، ولما

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ٨١ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ١٠٥ وسيرة ابن هشام ج ١ ص ٣٧٣ ـ ٣٧٤.

(٢) السيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٣٩ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٨٢ ، ومروج الذهب ط دار الأندلس بيروت ج ٢ ص ٣٢١.

(٣) سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٢٠٩ ، تهذيب الكمال ج ١٥ ص ٣٤٠ الإصابة ج ٢ ص ٣٤٧ والاستيعاب بهامش الإصابة ج ٢ ص ٣٤٢ وبقية المصادر لذلك تراجع في كتابنا : سلمان الفارسي في مواجهة التحدي ص ٢٤.

٣٠٢

أسلم أبو هما كان عبد الله ابن نحو من سبع سنين (١) وذلك يعني أن إسلام عمر قد كان في العاشرة من البعثة.

بل نقول : إن عمر بن الخطاب لم يسلم إلا قبل الهجرة بقليل ، ويدل على ذلك :

أولا : إنه بلغه ، أن أخته لا تأكل الميتة (٢).

وواضح : أن تحريم الميتة إنما كان في سورة الأنعام ، التي نزلت في مكة جملة واحدة.

وكانت ـ كما تقول بعض الروايات ـ أسماء بنت يزيد الأوسية آخذة بزمام ناقته «صلى الله عليه وآله» (٣) وإسلام الأوس وأهل المدينة إنما كان بعد الهجرة إلى الطائف ، ومجيء نسائهم إلى مكة قد كان بعد العقبة الأولى.

وما تقدم في فصل : بحوث تسبق السيرة ، من أن زيد بن عمرو بن نفيل كان لا يأكل الميتة .. لو صح ؛ فإنما هو لأجل أنه كان يدين بالنصرانية إلا أن يقال : إن تحريم الميتة قد كان على لسان النبي «صلى الله عليه وآله» قبل نزول سورة الأنعام لكن ذلك يحتاج إلى دليل وشاهد وهو غير موجود.

ثالثا : لقد استقرب البعض : أن يكون قد أسلم بعد أربعين ، أو خمس وأربعين ممن أسلم بعد الهجرة إلى الحبشة (٤).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٢٠٩.

(٢) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج ٥ ص ٣٢٦.

(٣) الدر المنثور ج ٣ ص ٢ عن الطبراني ، وابن مردويه.

(٤) الثقات ج ١ ص ٧٣ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٨٠ والبدء والتاريخ ج ٥ ص ٨٨.

٣٠٣

ويؤيد ذلك : أن الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا أكثر من ثمانين رجلا ، والهجرة إليها إنما كانت في الخامسة ، وإسلام عمر كان في السادسة من البعثة حسب زعمهم ـ فلا بد أن يكون الأربعون الذين أتمهم عمر بإسلامه غير هؤلاء الذين هاجروا ، وإن كان ابن الجوزي يعد الذين أسلموا قبل عمر ، فيذكر أسماء من هاجر إلى الحبشة على الأكثر (١) الأمر الذي يشير إلى أنه يرى :

أن الأربعين الذين أتمهم عمر هم هؤلاء ، وليسوا فريقا آخر قد أسلم بعد هجرتهم.

ويؤيد ذلك أيضا : الروايات التي تصرح بأنه أسلم في السادسة من البعثة ، وأنه رق للمهاجرين إلى الحبشة ، حتى لقد رجوا إسلامه ، فإذا كان ذلك ، فلسوف يأتي في حديث المؤاخاة التي جرت في المدينة بعد الهجرة بين المهاجرين والأنصار : أن المهاجرين كانوا حين المؤاخاة خمسة وأربعين رجلا أو أقل أو أكثر بقليل (٢).

أي أن الذين أسلموا بعد الهجرة إلى الحبشة كانوا خصوص هؤلاء ، فإذا كان عمر قد أسلم وكان تمام الأربعين فيهم فإن معنى ذلك هو أنه قد أسلم قبل الهجرة بقليل ، ثم هاجر.

__________________

(١) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص ٢٨ و ٢٩.

(٢) وإن كان ابن هشام قد عد نحو سبعين ممن هاجر إلى المدينة ، ولكن ذلك لا يمكن الاعتماد عليه بعد النص على عدد من آخى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بينهم من قبل غير واحد ، كما سيأتي ، ولا يعقل أن يترك أحدا من أصحابه لا يؤاخي بينه وبين آخر من إخوانه.

٣٠٤

ولعله لأجل ذلك لم يتعرض للتعذيب في مكة ، كما سنشير إليه حين الكلام عن الذين عذبوا فيها.

رابعا : لقد جاء في الروايات في إسلام عمر : أنه «دنا من رسول الله ، وهو يصلي ويجهر بالقراءة ، فسمع رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقرأ :

(وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) حتى بلغ (الظَّالِمُونَ»)(١).

وواضح : أن هاتين الآيتين قد وردتا في سورة العنكبوت ، وهي إما آخر ما نزل في مكة ، أو هي السورة قبل الأخيرة (٢).

فإسلام عمر قد كان قبل الهجرة بقليل ، لأنه يكون أسلم قبل نزول هاتين السورتين.

خامسا : لقد روى البخاري في صحيحه ، بسنده عن نافع قال : إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر ..

ثم حاول نافع أن يوجه هذا بأن ابن عمر بايع تحت الشجرة قبل أبيه ، ثم قال : فهي التي يتحدث الناس : أن ابن عمر أسلم قبل عمر (٣).

ولكننا نقول لنافع : ألم يكن الناس يعرفون اللغة العربية؟

فلم لم يقولوا : إنه بايع قبل أبيه ، وقالوا : أسلم قبل أبيه؟!.

ثم ألم يكن أحد منهم يعرف أن هذا الكلام لا يدل على ذاك ولا يشير

__________________

(١) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج ٥ ص ٣٢٦. وراجع مصادر روايات إسلام عمر المتقدمة.

(٢) الإتقان ج ١ ص ١٠ و ١١.

(٣) صحيح البخاري ط مشكول ج ٥ ص ١٦٣.

٣٠٥

إليه ، فكيف يصح أن يكون هو المقصود منه؟!.

ونحن نعتقد : أن ما يقوله الناس في ذلك الزمان هو الصحيح الظاهر ، فإن ابن عمر قد أسلم قبل الهجرة بيسير ، ثم أسلم أبوه وهاجر (١).

سادسا : إن عمر قد رفض في عام الحديبية : حمل رسالة النبي «صلى الله عليه وآله» بحجة أن بني عدي لا ينصرونه ؛ فمعنى ذلك هو أنه قد أسلم وهاجر ولم يعلم أحد بإسلامه ، وإلا لكان قد عذب ،

ولم ينصره بنو عدي (٢) ، لا سيما مع ما سيأتي من حالة الذل التي كان يعاني منها هذا الرجل قبل إسلامه.

سابعا : إن عمر كما يدّعون قد أسلم حينما سمع النبي «صلى الله عليه وآله» يقرأ في صلاته ويجهر في القراءة ، وكان عمر مختبئا تحت أستار الكعبة ..

مع أنهم يقولون : إن النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمين لم يتمكنوا من الصلاة في الكعبة إلا بعد إسلام عمر! فأي ذلك هو الصحيح؟.

٢ ـ من سمى عمر بالفاروق؟!

وقد ذكرت تلك الروايات : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد سمى عمر بالفاروق حين أسلم ، ولكننا نشك في ذلك جدا ، إذ إن الزهري يقول :

«بلغنا : أن أهل الكتاب أول من قال لعمر : «الفاروق».

__________________

(١) وقد تقدم عن الزهري أن عمر قد أسلم بعد حفصة وعبد الله بن عمر.

(٢) ستأتي مصادر ذلك بعد حوالي خمس صفحات.

٣٠٦

وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم.

ولم يبلغنا : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ذكر من ذلك شيئا» (١).

وقد كانت كلمة الفاروق تطلق عليه في أيام خلافته (٢).

٣ ـ هل كان عمر قارئا؟!

وتذكر الروايات : أن عمر بن الخطاب كان قارئا ، وأنه قد قرأ الصحيفة بنفسه.

ونحن نشك في ذلك أيضا : لاعتقادنا أنه لم يكن يعرف القراءة والكتابة ، ولا سيما في بادئ أمره ، إلا أن يكون قد تعلمها بعد ذلك في أواخر أيام حياته ؛ وذلك لأمرين :

أحدهما : أن البعض يصرح بأن خباب بن الأرت هو الذي قرأ له الصحيفة (٣) فلو كان قارئا ؛ فلماذا لا يقرؤها بنفسه ، ليتأكد من صحة الأمر؟!

الثاني : لقد روى الحافظ عبد الرزاق ، بسند صحيح حسبما يقولون هذه الرواية نفسها ، ولكنه قال فيها :

«فالتمس الكتف في البيت حتى وجدها ، فقال حين وجدها :

أما إني قد حدّثت : أنك لا تأكلين طعامي الذي آكل منه ، ثم ضربها

__________________

(١) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص ٣٠ ، وطبقات ابن سعد ج ٣ قسم ١ ص ١٩٣ ، والبداية والنهاية ج ٧ ص ١٣٣ ، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٦٧ حوادث سنة ٢٣ ، وذيل المذيل ج ٨ من تاريخ الطبري.

(٢) راجع : طبقات الشعراء لابن سلام ص ٤٤.

(٣) تاريخ ابن خلدون ج ٢ قسم ٢ ص ٩.

٣٠٧

بالكتف فشجها شجتين ، ثم خرج بالكتف حتى دعا قارئا ؛ فقرأ عليه ، وكان عمر لا يكتب ، فلما قرئت عليه تحرك قلبه حين سمع القرآن الخ ..» (١).

ويؤيد ذلك ما عن عياض بن أبي موسى : أن عمر بن الخطاب قال لأبي موسى : ادع لي كاتبك ليقرأ لنا صحفا جاءت من الشام.

فقال أبو موسى : إنه لا يدخل المسجد.

قال عمر : أبه جنابة؟

قال : لا ، ولكنه نصراني ؛ فرفع عمر يده فضرب فخذه حتى كاد يكسرها الخ .. (٢). فلو كان عمر يعرف القراءة لم يحتج لكاتب أبي موسى ليقرأ له الصحف التي جاءته ، ولربما يعتذر عن ذلك بأن الخليفة ربما لم يكن يباشر القراءة لمركزه مع معرفته لها ، أو أن الرسائل كانت بغير العربية.

ولكن الظاهر هو : أن هذه الأعراف والتقيدات قد حدثت في وقت متأخر ، ولم يكن عمر يتقيد بها كما أن بلاد الشام كانت ولا تزال عربية اللغة ، فمن البعيد أن يكتبوا له بغير العربية.

ويمكن أن يؤيد ذلك أيضا : بأن عمر لم يكن ذا ذهنية علمية ، وذلك بدليل :

أنه بقي اثنتي عشرة سنة حتى تعلم سورة البقرة ، فلما حفظها نحر

__________________

(١) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج ٥ ص ٣٢٦.

(٢) عيون الأخبار لابن قتيبة ج ١ ص ٤٣ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٩١ عن ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان وحياة الصحابة ج ٢ ص ٧٨٥ عن تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٦٨.

٣٠٨

جزورا (١).

بل لقد ورد أنه لما طلب من حفصة أن تسأل له النبي «صلى الله عليه وآله» عن الكلالة ، فسألته عنها ؛ فأملها عليها في كتب ، ثم قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : «عمر أمرك بهذا؟ ما أظنه أن يفهمها» (٢) ، بل لقد واجهه النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه بذلك كما رواه كثيرون (٣).

إلا أن من الممكن أن يكون عمر قد عاد فتعلم القراءة والكتابة بمشاق ومتاعب جمة ، ويمكن أن يستدل على ذلك بأنه ـ كما روى البخاري ـ كان يقول :

إنه لو لا أن يقال : إن عمر قد زاد في كتاب الله لكتب آية الرجم بيده؟! (٤).

ومهما يكن من أمر ، فإننا لسنا أول من شك في معرفة الخليفة الثاني للقراءة والكتابة ، فقد كان هذا الأمر موضع نقاش وشك منذ القرن الأول للهجرة ، فهذا الزهري يقول :

__________________

(١) تاريخ عمر بن الخطاب ص ١٦٥ ، والدر المنثور ج ١ ص ٢١ ، عن الخطيب في رواة مالك ، والبيهقي في شعب الإيمان ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٦٦ ، والغدير ج ٦ ص ١٩٦ عنهم وتفسير القرطبي ج ١ ص ١٥٢ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٨٠ عن تنوير الحوالك.

(٢) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج ١٠ ص ٣٠٥.

(٣) راجع الغدير ج ٦ ص ١١٦ عن غير واحد وراجع ١٢٨.

(٤) راجع كتابنا : حقائق هامة حول القرآن ص ٣٤٦ ، فقد نقلنا ذلك عن عشرات المصادر.

٣٠٩

كنا عند عمر بن عبد العزيز وهو والي المدينة ثم صارت إلى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، فقال : هل من معه به خبر فأساله : هل كان عمر يكتب؟.

فقال عروة : نعم كان يكتب.

فقال : بآية ما ذا؟.

قال : بقوله : لو لا أن يقول الناس زاد عمر في القرآن لخططت آية الرجم بيدي.

فقال عبيد الله : هل يسمي عروة من حدثه؟.

قلت : لا.

قال عبيد الله : فإنما صار عروة يمص مص البعوضة لتملأ بطنها ، ولا يرى أثرها ، يسرق أحاديثنا ويكتمنا ، أي أني أنا حدثته (١).

ملاحظة :

وإذا ثبت عدم معرفته بالقراءة ، أو شك في كونه كان حينئذ يقرأ ويكتب ، فمن الطبيعي أن يتطرق الشك إلى قولهم إنه كان من كتّاب الوحي (٢) ، فلعل ذلك كان من الأوسمة التي نحله إياها بعض من عز عليهم أن يحرم عمر من هذا الشرف بنظرهم.

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ج ١٧ ص ١٠.

(٢) بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص ١١٣ عن تاريخ القرآن للزنجاني. وفي تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٨٠ ط صادر والاستيعاب بهامش الإصابة ج ١ ص ٥١ ، ذكرا عمر في جملة من كان يكتب للنبي «صلى الله عليه وآله» ، لكن لم يبينا إذا كان يكتب الوحي ، أو غيره.

٣١٠

وملاحظة أخرى :

وهي أننا رأينا عمر بن الخطاب يضرب فخذ أبي موسى حتى كاد يكسرها ، لاتخاذه كاتبا نصرانيا ، مع أنهم يقولون : إنه هو نفسه كان له مملوك نصراني لم يسلم ، وكان يعرض عليه الإسلام فيأبى ، حتى حضرته الوفاة فأعتقه (١) فما هذا التناقض في مواقف الخليفة الثاني؟! وما هو المبرر لها إلا أن يكون اعتراضه على أبي موسى منصبا على استعانته بغير المسلم في شؤون المسلمين العامة ، وهذا غير خدمة غير المسلم للمسلم.

٤ ـ هل عز الإسلام بعمر حقا؟!

وتذكر الروايات : أن الإسلام قد عز بعمر وأنه «صلى الله عليه وآله» قد دعا الله أن يعز الإسلام به ، بل لقد ذهبت بعض الروايات إلى اعتبار عمر من الجبارين في الجاهلية ، حيث إنه حين أشار على أبي بكر أن يتألف الناس ويرفق بهم ، قال له أبو بكر : «رجوت نصرك ، وجئتني بهذا لأنك جبار في الجاهلية ، خوار في الإسلام الخ ..» (٢).

ونحن نشك في صحة ذلك بل نجزم بعدم صحته ، وذلك للأمور التالية :

__________________

(١) حلية الأولياء ج ٩ ص ٣٤ ، عن كنز العمال ج ٥ ص ٥٠ عن ابن سعد ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم ، والطبقات الكبرى ج ٦ ص ١٠٩ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ١٠٢ ونظام الحكم في الشريعة والتاريخ والحياة الدستورية ص ٥٨ عن تاريخ عمر لابن الجوزي ص ٨٧ و ١٤٨.

(٢) كنز العمال ج ٦ ص ٢٩٥.

٣١١

أ ـ إن الإسلام إذا لم يعز بأبي طالب شيخ الأبطح ، وبحمزة أسد الله وأسد رسوله ، الذي فعل برأس الشرك أبي جهل ما فعل ، وإذا لم يعز بسائر بني هاشم أصحاب العز والشرف والنجدة ، فلا يمكن أن يعز بعمر الذي كان عسيفا «أي مملوكا مستهانا به» (١) مع الوليد بن المغيرة إلى الشام (٢).

لا سيما وأنه لم يكن في قبيلته سيد أصلا (٣) ، ولم تؤثر عنه في طول حياته مع النبي «صلى الله عليه وآله» أية مواقف شجاعة ، وحاسمة ، بل لم نجد له أية مبارزة ، أو عمل جريء في أي من غزواته ، رغم كثرتها وتعددها.

بل لقد رأيناه يفر في غير موضع ، كأحد ، وحنين وخيبر حسبما صرح به الجم الغفير من أهل السير ، ورواة الأثر ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ومن الطريف هنا : ما رواه الزمخشري ، من أن أنس بن مدركة كان قد أغار على سرح قريش في الجاهلية ؛ فذهب به ، فقال له عمر في خلافته : لقد اتبعناك تلك الليلة ؛ فلو أدركناك؟.

فقال : لو أدركتني لم تكن للناس خليفة (٤).

والخلاصة : أنه لا يمكن أن يعز الإسلام بعمر ، الذي لم يكن له عز في نفسه ، ولا بعشيرته ، ولا شجاعة يخاف منها.

ب ـ إننا سواء قلنا : إن عمر قد أسلم قبل الحصر في الشعب أو بعده ،

__________________

(١) راجع : أقرب الموارد ، مادة : «عسف».

(٢) المنمق ، لابن حبيب ط الهند ص ١٤٦ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ١٨٣.

(٣) المنمق ص ١٤٧.

(٤) ربيع الأبرار ج ١ ص ٧٠٧.

٣١٢

فإن الأمر يبقى على حاله ، لأننا لم نجد أي تفاوت في حالة المسلمين قبل وبعد إسلام عمر ، ولا لمسنا أي تحول نحو الأفضل بعد إسلامه ، بل رأينا : عكس ذلك هو الصحيح ، فمن حصر المشركين للنبي «صلى الله عليه وآله» والهاشميين في الشعب ، حتى كادوا يهلكون جوعا ، وحتى كانوا يأكلون ورق السمر ، وأطفالهم يتضاغون جوعا ، إلى تآمر على حياة النبي «صلى الله عليه وآله».

ثم بعد وفاة أبي طالب «رحمه الله» لم يستطع «صلى الله عليه وآله» دخول مكة بعد عودته من الطائف إلا بعد مصاعب جمة ، لم نجد عمر ممن ساعد على حلها.

هذا كله ، عدا عن الأذايا الكثيرة التي كان أبو لهب يوجهها للنبي «صلى الله عليه وآله» باستمرار.

ج ـ وفي صحيح البخاري وغيره حول إسلام عمر : عن عبد الله بن عمر قال : بينما عمر في الدار خائفا ، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي ، إلى أن قال : فقال : ما بالك؟

قال : زعم قومك أنهم سيقتلونني إن أسلمت.

قال : لا سبيل إليك ، بعد أن قالها أمنت.

ثم ذكر إرجاع العاص الناس عنه.

وأضاف الذهبي قول عمر : فعجبت من عزه (١).

__________________

(١) راجع : صحيح البخاري ج ٥ ص ٦٠ و ٦١ ط مشكول ، ففيه روايتان بهذا المعنى ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ١٠٤ ، ونسب قريش لمصعب الزبيري

٣١٣

فمن يتهدده الناس بالقتل ، ويخاف ، ويختبئ في داره ، فإنه لا يكون عزيزا ولا يعز الإسلام به ، غير أنه هو نفسه قد ارتفع بالإسلام ، وصار له شخصية وشأن ، كما سنرى.

هذا عدا عن الروايات القائلة : إن أبا جهل هو الذي أجار عمر (١).

وعلى هذا فقد كان الأجدر : أن يدعو النبي «صلى الله عليه وآله» بأن يعز الإسلام بمن يجير عمر ، والذي يعجب الناس من عزته ، لا بعمر الخائف ، والمختبئ في بيته.

د ـ والغريب هنا : أن أحد الرجلين اللذين دعا لهما النبي «صلى الله عليه وآله» وهو أبو جهل يضربه حمزة رضوان الله عليه بقوسه أمام الملأ من قومه ، فيشجه شجة منكرة ، ولا يجرؤ على الكلام ، ثم يقتل في بدر في أول وقعة بين المسلمين والمشركين.

والرجل الآخر وهو عمر بن الخطاب يكون على خلاف توقعات النبي «صلى الله عليه وآله» ولا يستجيب الله دعاءه فيه ، حيث لم يعز الإسلام به ، كما رأينا.

مع أن النبي «صلى الله عليه وآله» يقول : «ما سألت ـ ربي ـ الله ـ شيئا

__________________

ص ٤٠٩ ، وتاريخ عمر لابن الجوزي ص ٢٦ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٣٢ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ١٣٥ ، وسيرة ابن هشام ج ١ ص ٣٧٤ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٨٢ وراجع : دلائل النبوة للبيهقي ط دار النصر ج ٢ ص ٩.

(١) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص ٢٤ ـ ٢٥ وراجع كشف الأستار ج ٣ ص ١٧١ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٦٤ وذكر : أن خاله هو الذي أجاره وقال ابن إسحاق المراد بخاله : أبو جهل ، ولم يرتض ذلك ابن الجوزي ، فراجع.

٣١٤

إلا أعطانيه» (١) بل لقد كانت النتيجة عكسية ، حيث يذكر عبد الرزاق :

«أنه لما جهر عمر بإسلامه اشتد ذلك على المشركين فعذبوا من المسلمين نفرا» (٢).

ه ـ لا بأس بالمقارنة بين نعيم بن عبد الله النحام العدوي ، وبين عمر بن الخطاب العدوي ؛ فقد أسلم نعيم قبل عمر ، وكان يكتم إسلامه ، ومنعه قومه لشرفه فيهم من الهجرة ، لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم.

فقالوا : «أقم عندنا على أي دين شئت ، فو الله لا يتعرض إليك أحد إلا ذهبت أنفسنا جميعا دونك» (٣).

ويقول عروة عن بيت نعيم هذا : «ما أقدم على هذا البيت أحد من بني عدي» (٤) أي لشرفه.

أما عمر ، فإن رسول الله أراد في الحديبية أن يرسله إلى مكة ؛ ليبلغ عنه رسالة إلى أشراف قريش ، تتعلق بالأمر الذي جاء له ؛ فرفض ذلك وقال :

«إني أخاف قريشا على نفسي ، وليس بمكة من بني عدي أحد يمنعني»

__________________

(١) راجع : ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ٢٧٥ و ٢٧٦ وهامشها و ٢٧٨ وفرائد السمطين باب ٤٣ حديث ١٧٢ وكنز العمال ج ١٥ ص ١٥٠ ط ٢ عن ابن جرير ، وصححه ، وابن أبي عاصم ، والطبراني في الأوسط ، وابن شاهين في السنة ، وعن الرياض النضرة ج ٢ ص ٢١٣.

(٢) راجع المصنف لعبد الرزاق ج ٥ ص ٣٢٨.

(٣) أسد الغابة ج ٢ ص ٣٣ وراجع : نسب قريش لمصعب ص ٣٨٠.

(٤) نسب قريش لمصعب ص ٣٨١.

٣١٥

ثم أشار على النبي «صلى الله عليه وآله» بأن يرسل عثمان بن عفان (١).

و ـ لقد خطب ابن عمر بنت نعيم النحام ، فرده نعيم ، وقال : «لا أدع لحمي تربا» وزوجها من النعمان بن عدي بن نضلة (٢) فنعيم يربأ بابنته عن أن تتزوج بابن عمر ، ويرى ذلك تضييعا لها!!.

ز ـ وفي زيارة عمر للشام أيام خلافته خلع عمر خفيه ، ووضعهما على عاتقه ، وأخذ بزمام ناقته ، وخاض المخاضة فاعترض عليه أبو عبيدة ، فأجابه عمر بقوله : «إنا كنا أذل قوم ؛ فأعزنا الله بالإسلام ، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله» (٣).

وفي نص آخر عنه : «إنا قوم أعزنا الله بالإسلام ، فلن نبتغي العز بغيره» (٤).

واحتمال أن يكون مقصوده هو ذل العرب وعزهم لا خصوص بني عدي بعيد ؛ لأنه قد عنف أبا عبيدة على مقولته تلك بأن غير أبي عبيدة لو كان قال ذلك لكان له وجه ، أما أن يقوله أبو عبيدة العارف بالحال والسوابق فإنه غير مقبول منه.

__________________

(١) راجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٦٧ عن ابن إسحاق ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٣٩٧ و ٣٩٨ عن كنز العمال ج ١ ص ٨٤ و ٥٦ وج ٥ ص ٢٨٨ عن ابن أبي شيبة ، والروياني ، وابن عساكر ، وأبي يعلى ، وطبقات ابن سعد ج ١ ص ٤٦١ وسنن البيهقي ج ٩ ص ٢٢١.

(٢) نسب قريش لمصعب ص ٣٨٠.

(٣) مستدرك الحاكم ج ١ ص ٦١. وتلخيصه للذهبي بهامشه ، وصححه على شرط الشيخين.

(٤) مستدرك الحاكم ج ١ ص ٦٢.

٣١٦

هذا بالإضافة إلى ما سيأتي مما يدل على ذل بني عدي ، فانتظر.

ح ـ وقال أبو سفيان للعباس في فتح مكة ، حينما كان يستعرض الألوية ؛ فرأى عمر ، وله زجل : «يا أبا الفضل ، من هذا المتكلم؟

قال : عمر بن الخطاب.

قال : لقد ـ أمر ـ أمر بني عدي بعد ـ والله ـ قلة وذلة.

فقال العباس : يا أبا سفيان ، إن الله يرفع من يشاء بما يشاء ، وإن عمر ممن رفعه الإسلام» (١).

ط ـ تقدم قول عوف بن عطية :

وأما الألأمان بنو عدي

وتيم حين تزدحم الأمور

فلا تشهد لهم فتيان حرب

ولكن أدن من حلب وعير

وفي رسالة من معاوية لزياد بن أبيه يذكر فيها أمر الخلافة يقول : «ولكن الله عز وجل أخرجها من بني هاشم وصيرها إلى بني تيم بن مرة ، ثم خرجت إلى بني عدي بن كعب وليس في قريش حيان أذل منهما ولا أنذل إلخ ..» (٢).

ي ـ وقال خالد بن الوليد لعمر : «إنك ألأمها حسبا ، وأقلها عددا ، وأخملها ذكرا .. إلى أن قال له : لئيم العنصر ما لك في قريش فخر ، قال :

__________________

(١) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٨٢١ ، وعن كنز العمال ج ٥ ص ٢٩٥ ، عن ابن عساكر ، عن الواقدي.

(٢) كتاب سليم بن قيس ص ١٤٠.

٣١٧

فأسكته خالد» (١).

٥ ـ غسل عمر لمس الصحيفة :

وإشكال آخر يبقى بلا جواب ، وهو أنه كيف طلبت أخته منه : أن يغتسل لمس الصحيفة ، مع أن غسل المشرك لا يجدي في جواز مس القرآن ؛ فإن المانع هو شركه ، لا حدثه؟! ولذلك قالت له : «إنك نجس على شركك ، وإنه (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ»)(٢) ، ودعوى أن المراد هو غسل الجنابة مدفوعة أيضا ، فإنهم يقولون : إن أهل الجاهلية كانوا يغتسلون من الجنابة (٣) فكيف تقول له أخته : إنك لا تغتسل من الجنابة؟

إلا أن يكون هو نفسه لم يكن يلتزم بما كان يلتزم به قومه في الجاهلية.

ومما يدل على أنهم كانوا يغتسلون من الجنابة ، أن أبا سفيان قد نذر أو حلف بعد رجوعه من بدر مهزوما : أن لا يمس رأسه ماء من جنابة ، حتى يغزو محمدا ، وكانت غزوة السويق لأجل أن يكفر عن يمينه ، (٤) كما سنرى.

__________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٤٦٣.

(٢) الثقات ج ١ ص ٧٤ ، وراجع مصادر الرواية المتقدمة ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٦٣.

(٣) السيرة الحلبية ج ١ ص ٣٢٩ عن الدميري ، والسهيلي وذكر الدميري : أنه بقية من دين إبراهيم وإسماعيل قال : وفي كلام بعضهم : كانوا في الجاهلية يغتسلون من الجنابة ، ويغسلون موتاهم ، ويكفنونهم ، ويصلون عليهم إلخ.

(٤) البداية والنهاية ج ٣ ص ٣٤٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٥٤٠ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤١٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢١١ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٣٩ والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية) ج ٢ ص ٥ والبحار ج ٢٠ ص ٢ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ١٧٥.

٣١٨

ويدل على ذلك : ما يذكرونه عن صيفي بن الأسلت من أنه كان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح واغتسل من الجنابة (١).

٦ ـ نزول آية في إسلام عمر :

ويذكرون أن آية : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢) قد نزلت في هذه المناسبة حيث أسلم عمر رابع أربعين (٣).

ولكن يعارض ذلك ما روي عن الكلبي ، من أن الآية قد نزلت في المدينة في غزوة بدر (٤).

وعن الواقدي : أنها نزلت في بني قريظة والنضير (٥).

وأيضا فإن الآية في سورة الأنفال ، وهي مدنية لا مكية.

وفي رواية الزهري : أن هذه الآية نزلت في الأنصار (٦).

يضاف إلى ذلك : أن الآية مسبوقة بآيات القتال ، ولم يشرع القتال إلا في المدينة ، وهي تنسجم مع تلك الآيات تمام الانسجام ، فراجعها وتأمل فيها ،

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٤٧ وتاريخ الإسلام للذهبي ص ١٠٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٤.

(٢) الآية ٦٤ من سورة الأنفال.

(٣) راجع : الدر المنثور ج ٣ ص ٢٠٠ عن الطبراني ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه وراجع أيضا ما أخرجه عن البزار وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وغيرهم.

(٤) مجمع البيان ج ٤ ص ٥٥٧.

(٥) التبيان للطوسي ج ٥ ص ١٥٢.

(٦) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٠٠ عن ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم.

٣١٩

وهي أيضا تناسب المدينة ، حيث قويت شوكة الإسلام ، وعز المؤمنون.

وغير أننا نرى هذه الرواية قد تكون من دلائل تأخر إسلام عمر إلى قبل الهجرة إلى المدينة بقليل ، فإن الروايات الأخرى المروية في هذه المناسبة تشير إلى أنه قد أسلم تمام الأربعين.

ومن المعلوم : أن الذين هاجروا في السنة الخامسة إلى الحبشة كانوا أكثر من ثمانين رجلا ، وهو إنما أسلم بعد الهجرة إلى الحبشة بمدة طويلة ، فلا يصح تفسير هذه الرواية إلا على معنى أنه قد أسلم في الأربعين الرابعة ، وكان ـ بقرينة الروايات الأخرى ـ آخر واحد منها .. أي كان برقم مئة وستين.

وهذا معناه : أن إسلامه قد كان قبيل الهجرة ، كما سنرى.

ملاحظات أخيرة :

وأخيرا ، فإننا نذكر :

١ ـ إن الذي يطالع روايات إسلام عمر ، يرى : أنها متناقضة تناقضا كبيرا فيما بينها.

٢ ـ إن بعض الروايات تذكر : أن عمر قد التقى بسعد الذي كان قد أسلم ، أو بنعيم النحام ، وجرى بينهما كلام ؛ فأخبره بإسلام أخته ، وزوجها ، وأغراه بهما.

ويرد سؤال : إنه إذا كان سعد مسلما ، وكان نعيم قد أسلم قبل عمر سرا ، فلما ذا يغري عمر بأخته المسلمة وصهره؟!

وإذا كان إنما فعل ذلك ليصرفه عن قصد النبي «صلى الله عليه وآله» بالسوء ؛ فلا ندري كيف يخاف من عمر على النبي وعند النبي «صلى الله

٣٢٠