محمّد بن تاويت الطنجي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: ارتياد الآفاق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠
نائب دمشق ، (١) فواقعه ، وأقام محاصرا له. ووصل إليه كمشبغا (٢) الحموي نائب حلب ، وكان أظهر دعوته في عمله ، وتجهّز للقائه بعسكره ، فلقيه وأزال علله ، فأقام له أبّهة الملك. وبينا هم في الحصار إذ جاء الخبر بوصول منطاش بسلطانه وعساكره لقتالهم ، فلقيهم الظاهر بشقحب ، (٣) فلمّا تراءى الجمعان ، حمل الظاهر على السّلطان أمير حاج وعساكره ففضّهم ، وانهزم كمشبغا إلى حلب ، وسار منطاش في اتّباعه ، فهجم الظاهر على تعبئة أمير حاج ، ففضّها ، واحتاز السّلطان ، والخليفة والقضاة ، ووكل بهم ، واختلط الفريقان ، وصاروا في عمياء في أمرهم ، وفرّ منطاش إلى دمشق ، واضطرب الظاهر أخبتيه ، (٤) ونزل على دمشق محاصرا لها ، وخرج إليه منطاش من الغد فهزمه ، وجمع القضاة والخليفة ، فشهدوا على أمير حاج بالخلع ، وعلى الخليفة بإعادة الظّاهر إلى ملكه ، ورحل إلى مصر فلقيه بالطريق خبر القلعة بمصر ، وتغلّب مماليكه عليها ؛ وذلك أن القلعة لما خلت من السّلطان ومنطاش والحامية ، وكان مماليك السّلطان محبوسين هنالك في مطبق أعدّ لهم ، فتناجوا في التّسوّر منه إلى ظاهره ، والتوثّب على القلعة والملك ، فخرجوا ، وهرب دوادار منطاش الذي كان هنالك بمن كان معه من الحاشية ، وملك مماليك الظاهر القلعة ، ورأسهم مملوكه بطا ، (٥) وساس أمرهم ، وانتظر خبر سلطانه ، فلمّا وصل الخبر بذلك إلى
__________________
(١) الأمير جنتمر التركماني. ورد ذكره في تاريخ ابن إياس ١ / ٣٢٤.
(٢) كمشبغا بن عبد الله الحموي اليلبغاوي الأمير سيف الدين. توفي سنة ٨٠١. المنهل ٢ / ٢٢٣ ا ـ ٢٢٤ ب. (نسخة نور عثمانية).
(٣) شقحب (كجعفر) : موضع قرب دمشق ، نسب إليه جماعة من المحدثين. (تاج العروس).
(٤) كذا في الأصول ، والصحيح : أخبيته.
(٥) الأمير بطا الطولو تمي ، خلع عليه الظاهر برقوق في سنة ٧٩٢ دوادارا ، ثم نائب دمشق ، وليها من قبل أستاذه في ذي القعدة سنة ٧٩٣ إلى أن توفي بها سنة ٧٩٤. (من الدليل الشافي على المنهل الصافي لابن تغرى بردى ورقة ٣٢ ا نسخة قره جلبي رقم ٢٦٦).
وانظر تفصيل ثورة بطا ومن كان معه من المسجونين ، في «العبر» ٥ / ٥٩٣ ـ ٥٩٥.
الظاهر ، أغذّ السّير إلى مصر ، وتلقّاه الناس فرحين مسرورين بعوده وجبره ، ودخل منتصف صفر من سنة إحدى وتسعين ، وولّى بطا دوادارا ، وبعث عن الأمراء المحبوسين بالإسكندرية ، وأعتبهم ، وأعادهم إلى مراتبهم ، وبعث الجوباني إلى دمشق ، والناصريّ إلى حلب كما كانا ، وعادت الدولة إلى ما كانت عليه ، وولّى سودون على نيابته ، وكان ناظرا بالخانقاه التي كنت فيها ، وكان ينقم عليّ أحوالا من معاصاته فيما يريد من الأحكام في القضاء أزمان كنت عليه ، ومن تصرّفات دواداره بالخانقاه ، وكان يستنيبه عليها ، فوغر صدره من ذلك ، وكان الظاهر ينقم علينا معشر الفقهاء فتاوى (١) استدعاها منّا منطاش ، وأكرهنا على كتابها ، فكتبناها ، وورينا
__________________
(١) في السلوك ورقة ١٥٨ ب (نسخة الفاتح) سنة ٧٩١ : «في ٢٥ قعدة ، أحضرت نسخ الفتوى في الملك الظاهر ، وزيد فيها : «واستعان على قتل المسلمين بالكفار ، وحضر الخليفة المتوكل ، وقضاة القضاة : بدر الدين محمد بن أبي البقاء الشافعي. وابن خلدون ، وسراج الدين عمر بن الملقن الشافعي ، وعدة دون هؤلاء ، في القصر الأبلق ، بحضرة الملك المنصور ، ومنطاش ، وقدمت إليهم الفتوى ، فكتبوا عليها بأجمعهم ، وانصرفوا».
وفي تاريخ ابن الفرات (سنة ١٧٩١ / ١٦٠) :
«وفي يوم الاثنين اجتمعت الأمراء بالقصر الأبلق بقلعة الجبل ، بحضرة السّلطان الملك المنصور رحاجي ، والأمير منطاش ، والخليفة محمد ، والقضاة الأربعة ، والشيخ سراج الدين البلقيني ، وولده القاضي جلال الدين عبد الرحمن قاضي العسكر ، وقاضي القضاة بدر الدين ابن أبي البلقاء الشافعي ، وقضاة العسكر ، ومفتون (كذا) دار العدل ، وكتبت فتاوي تتضمن : هل يجوز قتال الملك الظاهر برقوق أم لا؟ وذكروا في الفتاوي أشياء تخالف الشرع الشريف ، ومما تضمنته الفتاوي : أنه يستعين على قتال المسلمين بالنصارى ، فسألوهم (كذا) الجماعة عن ذلك ، فقيل لهم إن الملك الظاهر معه جماعة من نصارى الشوبك نحو ٦٠٠ نفس يقاتل بهم في عسكره ، ولم يكن الأمر كذلك ، وإنما أرادوا التلبيس على العلماء المفتيين ، فعند ذلك وضعوا (كذا) المذكورون خطوطهم على الفتاوى المذكورة بجواز قتاله ، وانفصل المجلس على ذلك ، ونودى في بكرة هذا النهار في القاهرة لأجناد الحلقة : أن لا يتأخر أحد منهم عن العرض ، ومن لم يحضر قطع خبزه».
فيها بما قدرنا عليه ، ولم يقبل السّلطان ذلك ، وعتب عليه ، وخصوصا عليّ ، فصادف سودون منه إجابة في إخراج الخانقاه عنّي ، فولّى فيها غيري وعزلني عنها ، وكتبت إلى الجوباني بأبيات أعتذر عن ذلك ليطالعه بها ، فتغافل عنها ، وأعرض عنّي مدّة ، ثم عاد إلى ما أعرف من رضاه وإحسانه ، ونصّ الأبيات :
سيّدي والظّنون فيك جميلة |
|
وأياديك بالأماني كفيله |
لا تحل عن جميل رأيك إنّي |
|
ما لي اليوم غير رأيك حيله |
واصطنعني كما اصطنعت بإسدا |
|
ءيد من شفاعة أو وسيله |
لا تضعني فلست منك مضيعا |
|
ذمّة الحب ، والأيادي الجميلة |
وأجرني فالخطب عضّ بناب |
|
بيه وأجرى إلى حماي خيوله |
ولو أنّي دعا بنصري داع |
|
كنت لي خير معشر وفصيلة |
أنه أمري إلى الذي جعل الل |
|
ه أمور الدّنيا له مكفولة |
وأراه في ملكه الآية الك |
|
برى فولاه ثم كان مديله |
أشهدته عناية الله في التم |
|
حيص أن كان عونه ومنيله |
العزيز السّلطان والملك الظّا |
|
هر فخر الدنيا وعزّ القبيلة |
ومجير الإسلام من كل خطب |
|
كاد زلزال بأسه أن يزيله |
ومديل العدو بالطّعنة النّجلاء (١) |
|
تفرّي (٢) ماذيّه (٣) ونصوله (٤) |
وشكور لأنعم الله يفني |
|
في رضاه غدوّه وأصيله |
وتلطّف في وصف حالي وشكوى |
|
خلّتي (٥) يا صفيّه وخليله |
قل له والمقال يكرم من مث |
|
لك في محفل العلا أن يقوله |
يا خوند الملوك يا معدل الدّ |
|
هر إذا عدّل (٦) الزمان فصوله |
لا تقصّر في جبر كسرى فما زل |
|
ت أرجّيك للأيادي الطّويلة |
أنا جار لكم منعتم حماه |
|
ونهجتم إلى المعالي سبيله |
وغريب أنّستموه على الوحش |
|
ة والحزن بالرضى والسّهولة |
وجمعتم من شمله فقضى اللّ |
|
ه فراقا وما قضى مأموله |
__________________
(١) الطعنة النجلاء : الواسعة العريضة.
(٢) تفرى : تشق.
(٣) الماذي (بالمعجمة) : كل سلاح من الحديد.
(٤) النصول جمع نصل ؛ وهو حديدة السهم.
(٥) الخلة (بالفتح) : الحاجة ، والفقر.
(٦) عدل الحكم : أقامه ، والميزان سواه.
غاله الدّهر في البنين وفي الأه |
|
ل وما كان ظنّه أن يغوله (١) |
ورمته النّوى (٢) فقيدا قد اجت |
|
احت عليه فروعه وأصوله |
فجذبتم بضبعه (٣) وأنلتم |
|
كل ما شاءت العلا أن تنيله |
ورفعتم من قدر قبل أن يش |
|
كو إليكم عياءه وخموله |
وفرضتم له حقيقة ودّ |
|
حاش لله أن ترى مستحيلة |
همة ما عرفتها لسواكم |
|
وأنا من خبرت دهري وجيله |
والعدا نّمقوا أحاديث إفك |
|
كلها في طرائق معلولة |
روّجوا في شأني غرائب زور |
|
نصبوها لأمرهم أحبولة |
ورموا بالذي أرادوا من الب |
|
هتان ظنا بأنها مقبولة |
زعموا أنني أتيت من الأقوا |
|
ل ما لا يظنّ بي أن أقوله |
كيف لي أغمط الحقوق وأنّي |
|
شكر نعماكم عليّ الجزيلة؟ |
__________________
(١) يشير إلى غرق أهله في المركب الذي أقلهم من المغرب ، وقد تقدم له ذكر هذا.
(٢) النوى : الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد. وهي مؤنثة لا غير.
(٣) الضبع : العضد.
كيف لي أنكر الأيادي التي تع |
|
رفها الشمس والظلال الظليلة؟ |
إن يكن ذا فقد برئت من الّل |
|
ه تعالى وخنت جهرا رسوله |
طوقونا أمر الكتاب فكانت |
|
لقداح الظنون فينا مجيله (١) |
لا وربّ الكتاب أنزله الّل |
|
ه على قلب من وعى تنزيله |
ما رضينا بذاك فعلا ولا جئ |
|
ناه طوعا ولا اقتفينا دليله |
إنما سامنا الكتاب ظلوم |
|
لا يرجّى دفاعه بالحيلة |
سخط ناجز وحلم بطيء |
|
وسلاح (٢) للوخز فينا صقيلة |
ودعوني ولست من منصب الح |
|
كم ولا ساحبا لديهم ذيوله |
غير أنّي وشى بذكري واش |
|
يتقصّى أوتاره وذحوله (٣) |
فكتبنا معوّلين على حل |
|
مك تمحو الإصار عنّا الثّقيلة |
ما أشرنا به لزيد ولا ع |
|
مرو ولا عيّنوا لنا تفصيله |
__________________
(١) يشير إلى الفتوى السالفة الذكر عن المقريزى وابن الفرات.
(٢) السلاح : آلة الحرب ، أو حديدته ، ويؤنث.
(٣) جمع وتر ، بمعنى الذحل. والذحل : العداوة ، والجمع ذحول.
إنما يذكرون عمّن وفيمن |
|
مبهمات أحكامها منقولة |
ويظنّون أنّ ذاك على ما |
|
أضمروا من شناعة أو رذيله |
وهو ظنّ عن الصّواب بعيد |
|
وظلام لم يحسنوا تأويله |
وجناب السّلطان نزّهه الله ع |
|
ن العاب (١) بالهدى والفضيلة |
وأجلّ الملوك قدرا صفوح |
|
يرتجي ذنب دهره ليقيله |
فاقبلوا العذر إنّنا اليوم نرجو |
|
بحياة السّلطان منكم قبوله |
وأعينوا على الزّمان غريبا |
|
يشتكي جدب عيشه ومحوله |
جاركم ضيفكم نزيل حماكم |
|
لا يضيع الكريم يوما نزيله |
جدّدوا عنده رسوم رضاكم |
|
فرسوم الكرام غير محيلة |
داركوه برحمة فلقد أم |
|
ست عقود اصطباره محلولة |
وانحلوه جبرا فليس يرجّي |
|
غير إحسانكم لهذي النّحيلة |
يا حميد الآثار في الدهر يا |
|
ألطنبغا يا روض العلا ومقيله |
__________________
(١) العاب : العيب.
كيف بالخانقاه ينقل عنّي |
|
لا لذنب أو جنحة منقولة |
بل تقلّدتها شغورا بمرسو |
|
م شريف وخلعة مسدولة |
ولقد كنت آملا لسواها |
|
وسواها بوعده أن ينيله |
وتوثّقت للزّمان عليها |
|
بعقود ما خلتها محلولة |
أبلغن قصّتي فمثلك من يق |
|
صد فعل الحسنى بمن ينتمي له |
واغنموا من مثوبتي ودعائي |
|
قربة عند ربكم مقبولة |
وفي التّعريض بسفره إلى الشام :
واصحب العزّ ظافرا بالأماني |
|
واترك العصبة العدا مفلولة |
واعتمل في سعادة الملك الظّا |
|
هر أن تمحو الأذى وتزيله |
وتعيد الدّنيا لأحسن شمل |
|
حين تضحي بسعده مشموله |
واطلب النّصر من سعادته يص |
|
حبك دأبا في الظعن والحيلولة |
وارتقب ما يحلّه بالأعادي |
|
في جمادى أو زد عليه قليله |
وخذوه فألا بحسن قبول |
|
صدّق الله في الزمان مقوله |
فلقد كان يحسن الفال عند الم |
|
مصطفى دائما ويرضى جميله |
السّعاية في المهاداة والإتحاف (١)
بين ملوك المغرب والملك الظاهر
كثيرا ما يتعاهد الملوك المتجاورون بعضهم بعضا بالإتحاف بطرف أوطانهم ، للمواصلة والإعانة متى دعا إليها داع. وكان صلاح الدين بن أيوب هادى (٢) يعقوب المنصور ملك المغرب من بني عبد المؤمن ، (٣) واستجاش به بأسطوله في قطع مدد الفرنج عن سواحل الشّام حين كان معنّيا بإرجاعهم عنها ، وبعث في ذلك رسوله عبد الكريم بن منقذ (٤) من أمراء شيزر ، (٥) فأكرم المنصور رسوله ،
__________________
(١) انظر «العبر» ٥ / ٤٢٠ ، ٤٤٠ ، ٤٩٧ ، حيث ذكر بعض هذه الهدايا.
(٢) وضح الأشياء المهداة ، أبو شامة في «الروضتين» ٢ / ١٧٣ ، والناصري في «الاستقصا» ١ / ١٧٤.
(٣) هو أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ، كان من أعظم ملوك الموحدين (٥٥٤ ـ ٥٩٥).
بايعه الموحدون بعد موت أبيه ، ولقبوه بالمنصور. وهو الذي بنى مدينة «رباط» عاصمة المغرب الأقصى اليوم ، وسماها «رباط الفتح ، وبنى جامع اشبيلية ، ولا تزال آثار بمراكش شاهدة بعظمته رحمهالله.
«وفيات» ٢ / ٤٢٨ ـ ٤٣٦ ، سير النبلاء للذهبي (٢٩١٠ / ١٣ ا ـ أحمد الثالث ق ١٤١ ـ ١٤٥) ، نفح ١ / ١٠٩ بولاق ، الاستقصا ١ / ١٦٤ ـ ١٨١.
(٤) هكذا سماه ابن خلدون هنا ، وفي «المقدمة» ص ١٢٤ بولاق ؛ وفي «وفيات ابن خلكان (٢ / ٤٣٣) ، والروضتين لأبي شامة ١ / ١٧٣ ، والاستقصا ١ / ١٧٤ ، أن اسمه عبد الرحمن.
وهو شمس الدين أبو الحرث (وكناه في الروضتين أبا الحزم) ، عبد الرحمن بن نجم الدولة أبي عبد الله محمد بن مرشد ، المتوفى سنة ٦٠٠ بالقاهرة ، والمولود بشيزر سنة ٥٢٣.
(٥) قرية قرب المعرة بينها وبين حماة ، فتحت سنة ١٧ ه ، ومنها الأمراء من بني منقذ ، وأول من ملكها منهم من يد الروم علي بن مقلد بن نصر بن منقد الكناني ، وذلك في سنة ٤٧٤. ياقوت ٥ / ٢٣٤ ، وفيات ١ / ٤٦٤ ، تاريخ أبي الفداء ٢ / ٣٥٢ (سنة ٥٠٢). وانظر أخبار بني منقذ في تاريخ أبي الفداء أيضا ٣ / ٣٢ وما بعدها.
وقعد عن إجابته في الأسطول لما كان في الكتاب إليه (١) من العدول عن تخطيطه (٢) بأمير المؤمنين ، فوجدها غصّة في صدره منعته من إجابته إلى سؤاله ، وكان المانع لصلاح الدّين من ذلك كاتبه الفاضل عبد الرحيم البيساني (٣) بما كان يشاوره في أموره ، وكان مقيما لدعوة الخليفة العبّاسي بمصر ، فرأى الفاضل أن الخلافة لا تنعقد لاثنين في الملّة كما هو المشهور ، وإن اعتمد أهل المغرب سوى ذلك ، لما يرون أنّ الخلافة ليست لقبا فقط ، وإنما هي لصاحب العصبية القائم عليها بالشدّة والحماية ، والخلاف في ذلك معروف بين أهل الحقّ. (٤) فلما انقرضت دولة الموحّدين ، وجاءت دولة بني مرين من عدهم ، وصار كبراؤهم ورؤساؤهم يتعاهدون قضاء فرضهم لهذه البلاد الشرقية ، فيتعاهدهم ملوكها بالإحسان إليهم ، وتسهيل طريقهم ، فحسن في مكارم الأخلاق انتحال البرّ والمواصلة ، بالإتحاف والاستطراف والمكافأة في ذلك بالهمم الملوكية ، فسنّت لذلك طرائق وأخبار مشهورة ، من حقّها أن تذكر ، وكان يوسف بن يعقوب ابن عبد الحقّ ثالث ملوك بني مرين ، أهدى لصاحب مصر عام سبعمائة ، (٥) وهو يومئذ النّاصر بن محمد بن قلاوون ، هدية ضخمة ، أصحبها كريمة من كرائم داره ، احتفل فيها ما شاء من أنواع الطّرف ، وأصناف
__________________
(١) جاء في الروضتين (٢ / ١٧٠ ـ ١٧٥) نص الرسالة التي كتبها القاضي الفاضل إلى المنصور الموحدي ، ونص رسالة أخرى مضمنها تكليف الأمير ابن منقذ هذا بالسفارة إلى الموحدين.
(٢) تحليته.
(٣) عبد الرحيم بن الأشرف بهاء الدين ... العسقلاني ، ثم المصري المعروف بالقاضي الفاضل مجير الدين (٥٢٩ ـ ٥٩٦). وفيات ١ / ٣٥٧ وما بعدها. وانظر ٣١٦ / Brockelmann.Gal.I و. ٥٤٩ / Suppl.I ، حيث تجد نبذة وافية عن آثاره الأدبية ، وعن الأبحاث والمراجع عنه.
(٤) فصّل ابن خلدون القول في حكم تعدد الخليفة ، وذكر أقوالهم في ذلك ، في «فصل الخلافة» من مقدمته. وانظر شرح مواقف العضد للسيد الشريف الجرجاني ٣ / ٢٦٧ ، طبع استانبول سنة ١٣١١ ، وشرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني ٢ / ١٩٩ ، طبع استانبول سنة ١٢٧٧ ، والملل والنحل لابن حزم ٤ / ٨٨ ، طبع مصر سنة ١٣١٧ ه ، الأحكام السّلطانية للماوردي ص ٧ ، طبع الوطن سنة ١٢٩٨.
(٥) انظر العبر ٥ / ٤٢٠ ، والاستقصا ٢ / ٤٠ ـ ٤١ ، حيث تجد تفصيل الحديث عن هذه الهدية.
الذّخائر ، وخصوصا الخيل والبغال.
أخبرني الفقيه أبو إسحق الحسناوي ، كاتب الموحّدين بتونس ، أنه عاين تلك الهدية عند مرورها بتونس ، قال : وعددت من صنف البغال الفارهة فيها أربعمائة ، وسكت عما سوى ذلك ، وكان مع هذه الهدية من فقهاء المغرب ، أبو الحسن التّنسيّ كبير أهل الفتيا بتلمسان. ثم كافأ النّاصر عن هذه الهدية بأعلى منها وأحفل (١) مع أميرين من أمراء دولته ، أدركا يوسف بن يعقوب وهو يحاصر تلمسان ، فبعثهما إلى مرّاكش للنّزاهة (٢) في محاسنها ، وأدركه الموت في مغيبهما ، ورجعا من مرّاكش ، فجهزّهما حافده أبو ثابت المالك بعده ، وشيّعهما إلى مصر ، فاعترضتهما قبائل حصين ونهبوهما ، (٣) ودخلا بجاية ، ثم مضيا إلى تونس ، ووصلا من هنالك إلى مصر.
ولما ملك السّلطان أبو الحسن تلمسان ، اقترحت عليه جارية أبيه أبي سعيد ، وكانت لها عليه تربية ، فأرادت الحجّ في أيامه وبعنايته ، فأذن لها في ذلك ، وبعث في خدمتها وليّه عريف بن يحيى من أمراء سويد ، وجماعة من أمرائه وبطانته ، واستصحبوا هدية منه للملك الناصر (٤) احتفل فيها ما شاء ، وانتقى من الخيل العتاق ، والمطايا الفره وقماش الحرير والكتّان ، والصوف ومدبوغ الجلود الناعمة ،
__________________
(١) جاء في الاستقصا : ٢ / ٤١ : «.... وأما الملك الناصر ، فإنه كافأ السّلطان يوسف على هديته ، بأن جمع من طرف بلاد المشرق ما يستغرب جنسه وشكله ، من الثياب والحيوانات ، ونحو ذلك ، مثل الفيل ، والزرافة ونحوها ؛ وأوفد به مع عظماء دولته سنة ٧٠٥».
(٢) استعمال النزاهة ، والنزهة بهذا المعنى مختلف فيه بين اللغويين. وانظر تاج العروس «نزه» ، حيث تجد أقوالهم.
(٣) في الاستقصا : ٢ / ٤١ : «.... ولما انتهوا إلى بلاد بني حسن في سنة ٨٠٧ ، اعترضهم الأعراب بالقفر ، فانتهبوهم ، وخلصوا إلى مصر بجريعة الدقن ، فلم يعاودوا بعدها سفرا ، ولا لفتوا إليه وجها ، وطالما أوفد عليهم ملوك المغرب بعدها من رجال دولتهم من يؤبه له ، ويهادونهم ، ويكافئون ، ولا يزيدون في ذلك كله على الخطاب شيئا».
(٤) ذكر هذه الهدية في العبر أيضا ٥ / ٤١١.
والأواني المتّخذة من النحاس والفخّار المخصوص كلّ مصر من المغرب بأصناف من صنائعها ، متشابهة الأشكال والأنواع ، حتى لقد زعموا أنه كان فيها مكيلة من اللآلئ والفصوص ، وكان ذلك وقر خمس مائة بعير ، وكانت عتاق الخيل فيها خمس مائة فرس ، بالسروج الذّهبية المرصّعة بالجواهر ، واللجم المذهبة ، والسّيوف المحلاة بالذهب واللآلئ ، كانت قيمة المركب الأول منها عشرة آلاف دينار ، وتدرجت على الولاء إلى آخر الخمس مائة ، فكانت قيمته مائة دينار. تحدّث الناس بهذه الهدية دهرا ، وعرضت بين يدي الملك النّاصر ، فأشار إلى خاسكيته بانتهابها فنهبت (١) بين يديه ، وبولغ في كرامة أولئك الضّيوف ، في إنزالهم وقراهم وإزوادهم إلى الحجاز وإلى بلادهم ، وبقي شأن الهدية حديثا يتجاراه الناس في مجالسهم وأسمارهم ، وكان ذلك عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة. ولما فصل أرسال (٢) ملك المغرب ، وقد قضوا فرضهم ، بعث الملك النّاصر معهم هدية كفاء هديتهم ، (٣) وكانت أصنافها حمل القماش من ثياب الحرير والقماش المصنوعة بالإسكندرية ، تحمل كلّ عام إلى دار السّلطان ، قيمة ذلك الحمل خمسون ألف دينار ، وخيمة من خيام السّلطان المصنوعة بالشام على مثال القصور ، تشتمل على بيوت للمراقد ، وأواوين للجلوس والطّبخ ، وأبراج للإشراف على الطرقات ، وأبراج أحدها لجلوس السّلطان للعرض ، وفيها تمثال مسجد بمحرابه ، وعمده ، ومأذنته ، حوائطها كلّها من خرق الكتّان الموصولة بحبك الخياطة مفصّلة على الأشكال التي يقترحها المتّخذون لها ، وكان فيها خيمة أخرى مستديرة الشكل ، عالية السمك ، مخروطة الرأس ، رحبة الفناء ، تظل خمس مائة فارس أو أكثر ، وعشرة من عتاق الخيل بالمراكب الذهبية الصّقيلة ، ولجمها كذلك ، ومرّت هذه الهدية بتونس ، ومعها الخدّام القائمون بنصب الأبنية ، فعرضوها على السّلطان بتونس. وعاينت يومئذ أصناف تلك الهدية ، وتوجّهوا بها إلى سلطانهم ، وبقي التعجب منها دهرا على
__________________
(١) يحسن الرجوع إلى العبر ٥ / ٤٤١ حيث يختلف المعنى عما هنا قليلا.
(٢) فصل من البلد : خرج عنه. وقد مرت كلمة عن استعمال «أرسال» جمع رسول في ص ٢٨٠.
(٣) في العبر ٥ / ٤٤١ تفصيل حسن في وصف هدية الناصر.
الألسنة. وكان ملوك تونس من الموحّدين ، يتعاهدون ملوك مصر بالهدية في الأوقات.
ولما وصلت إلى مصر ، واتّصلت بالملك الظاهر ، وغمرني بنعمه وكرامته ، كاتبت السّلطان بتونس يومئذ ، وأخبرته بما عند الملك الظّاهر من التّشوّف إلى جياد الخيل ، وخصوصا من المغرب ، لما فيها الشّدّة والصّبر على المتاعب ، وكان يقول لي مثل ذلك ، وأنّ خيل مصر قصّرت بها الرّاحة والتّنعّم ، عن الصّبر على التّعب ، فحضضت السّلطان بتونس على إتحاف الملك الظاهر بما ينتقيه من الجياد الرّائعة ، فبعث له خمسة انتقاها من مراكبه ، وحملها في البحر في السّفين الواصل بأهلي وولدي ، فغرقت بمرسى الإسكندرية ، (١) ونفقت تلك الجياد ، مع ما ضاع في ذلك السّفين ، وكلّ شيء بقدر.
ثم وصل إلينا عام ثلاثة وتسعين شيخ الأعراب : المعقل بالمغرب ، يوسف بن عليّ ابن غانم ، كبير أولاد حسين (٢) ناجيا من سخط السّلطان أبي العبّاس أحمد بن أبي سالم ، من ملوك بني مرين بفاس ، (٣) يروم قضاء فرضه ، ويتوسّل بذلك لرضى سلطانه ، فوجد السّلطان غائبا بالشام في فتنة منطاش ، فعرضته لصاحب المحمل. فلمّا عاد من قضاء فرضه ، وكان السّلطان قد عاد من الشام ، فوصلته به ، وحضر بين يديه ، وشكا بثّه ، فكتب الظاهر فيه شفاعة لسلطان وطنه بالمغرب ، وحمّله مع ذلك هدية إليه من قماش وطيب وقسيّ ، وأوصاه بانتقاء الخيل له من قطر المغرب ، وانصرف ، فقبل سلطانه فيه شفاعة الظّاهر ، وأعاده إلى منزلته. وانتقى
__________________
(١) في العبر ٥ / ٤٧٩ ـ ٤٨٠ ، تفصيل للحديث عن هذه الهدية ، وع مساعي ابن خلدون في توثيق العلاقة بين المغرب ومصر.
(٢) في العبر ٨ / ١٤٨ : «... وكان يوسف بن علي بن غانم أمير أولاد حسين من المعقل ، حجّ سنة ٩٣ ، واتصل بملك مصر من الترك الظاهر برقوق ، وتقدمت إلى السّلطان فيه ، وأخبرته بمحله من قومه ، فأكرم تلقيه ، وحمله ـ بعد قضاء حجه ـ هدية إلى صاحب المغرب» الخ.
(٣) هو أبو العباس أحمد بن أبي سالم ؛ ملك من سنة ٧٧٥ ، وتوفى بمدينة تازا. الاستقصا ٢ / ١٤٠ وما بعدها.
الخيول الرائعة لمهاداة الملك الظّاهر ، وأحسن في انتقاء أصناف الهدية ، فعاجلته المنيّة دون ذلك ، وولي ابنه أبو فارس ، (١) وبقي أياما ثمّ هلك ، وولى أخوه أبو عامر ، (٢) فاستكمل الهدية ، وبعثها صحبة يوسف بن علي الوارد الأول.
وكان السّلطان الملك الظاهر ، لما أبطأ عليه وصول الخيل من المغرب ، أراد أن يبعث من أمرائه من ينتقي له ما يشاء بالشّراء ، فعيّن لذلك مملوكا من مماليكه منسوبا إلى تربية الخليلي ، اسمه قطلوبغا ، (٣) وبعث عنّي ، فحضرت بين يديه ، وشاورني في ذلك فوافقته ، وسألني كيف يكون طريقه ، فأشرت بالكتاب في ذلك إلى سلطان تونس من الموحّدين ، (٤) وسلطان تلمسان من بني عبد الواد ، وسلطان فاس والمغرب من بني مرين ، وحمّله لكل واحد منهم هدية خفيفة من القماش والطيب والقسيّ ، وانصرف عام تعة وتسعين إلى المغرب ، وشيّعه كل واحد من ملوكه إلى مأمنه. وبالغ في إكرامه بما يتعيّن. ووصل إلى فاس ، فوجد الهدية قد استكملت ، ويوسف بن عليّ على المسير بها عن سلطانه أبي عامر من ولد السّلطان أبي العبّاس المخاطب أوّلا ، وأظلّهم عيد الأضحى بفاس ، وخرجوا متوجّهين إلى مصر ، وقد أفاض السّلطان من إحسانه ، وعطائه ، على الرّسول قطلوبغا ومن في جمّلته بما أقرّ عيونهم ،
__________________
(١) هو أبو فارس عبد العزيز بن أبي العباس بن أبي سالم ، ولي سنة ٧٩٦ بعد وفاة أبيه أبي سالم ، وتوفى سنة ٧٩٩. الاستقصا ٢ / ١٤١.
(٢) أبو عامر عبد الله بن أبي العباس بن أبي سالم ، بويع بعد أخيه أبي فارس عبد العزيز سنة ٧٩٩ ، وتوفى سنة ٨٠٠. الاستقصا ٢ / ١٤٢.
(٣) هو قطلوبغا بن عبد الله المتوفى سنة ٨٢١. تولى نيابة الإسكندرية والحجابة أيام الظاهر ، ونيابة الإسكندرية أيام المؤيد. قال في المنهل : وأظنه مماليك جاركس الخليلي أمير أخور ، والله أعلم. عقد الجمان للعيني (سنة ٨٠٠ لوحة ٢٩ ، ٣٠) ، نسخة دار الكتب المصرية ، المنهل الصافي (نسخة نور عثمانية ٢ / ٣٠٧ ب).
(٤) هو أبو العباس أحمد بن محمد أبي بكر بن أبي حفص الموحدي. وقد ذكر في العبر ٥ / ٥٠٠ صلته بالملك الظاهر ، والعلاقة الودية التي كانت بينهما ، وفرح أبي العباس بعودة الملك الظاهر إلى ملكه ، ومتابعته لأخبار الملك الظاهر.
وأطلق بالشكر ألسنتهم ، وملأ بالثناء ضمائرهم ، ومرّوا بتلمسان ، وبها يومئذ أبو زيّان ، ابن السّلطان أبي حمّو من آل يغمراسن بن زيّان ، فبعث معهم هدية أخرى من الجياد بمراكبها ، وكان يحوك الشّعر ، فامتدح الملك الظّاهر بقصيدة بعثها مع هديته ، ونصّها من أولها إلى آخرها :
لمن الرّكائب سيرهن ذميل (١) |
|
والصّبر ـ إلّا بعدهن ـ جميل |
يا أيها الحادي رويدك (٢) إنّها |
|
ظعن (٣) يميل القلب حيث تميل |
رفقا بمن حملته فوق ظهورها |
|
فالحسن فوق ظهورها محمول |
لله آيه أنجم : شفّافة |
|
تنجاب عنها للظلام سدول |
شهب بآفاق الصدور طلوعها |
|
ولها بأستار الجدول أفول |
في الهودج المزرور منها غادة |
|
تزع الدّجى بجبينها فيحول |
فكأنها قمر على غصن على |
|
متني كثيب والكثيب مهيل |
ثارت مطاياها فثار بي الهوى |
|
واعتاد قلبي زفرة وغليل |
أومت لتوديعي فغالب عبرتي |
|
نظر تخالسه العيون كليل |
__________________
(١) الذميل : ضرب من سير الإبل فوق التزيد.
(٢) رويدك : اسم فعل بمعنى أمهل.
(٣) جمع ظعينة ؛ وهي المرأة تكون في الهودج ، والهودج نفسه.
دمع أغيّض منه خوف رقيبها |
|
طورا ويغلبني الأسى فيسيل |
ويح المحبّ وشت به عبراته |
|
فكأنّها قال عليه وقيل |
صان الهوى وجفونه يوم النّوى |
|
لمصون جوّهر دمعهنّ تذيل |
وتهابه أسد الشّرى في خيسها (١) |
|
ويروعه ظبي الحمى المكحول |
تأبى النفوس الضّيم إلّا في الهوى |
|
فالحرّ عبد والعزيز ذليل |
يا بانة الوادي ويا أهل الحمى |
|
هل ساعة تصغين لي فأقول |
ما لي إذا هبّ النسيم من الحمى |
|
أرتاح شوقا للحمى وأميل |
خلّوا الصّبا يخلص إليّ |
|
إن الصّبا لصبابتي تعليل |
ما لي أحلأ عن ورود محلّه |
|
وأذاد عنه وورده منهول (٢) |
والباب ليس بمرتج (٣) عن مرتج (٤) |
|
والظنّ في المولى الجميل جميل |
__________________
(١) الخيس : موضع الأسد.
(٢) حلأ الإبل عن ورود الماء : منعها ، وذادها.
(٣) باب مرتج : مغلق.
(٤) من الرجاء.
من لي بزورة روضة الهادي الذي |
|
ما مثله في المرسلين رسول |
هو أحمد ومحمد والمصطفى |
|
والمجتبى وله انتهى التفضيل |
يا خير من أهدى الهدى وأجلّ من |
|
أثنى عليه الوحي والتّنزيل |
وحي من الرّحمن يلقيه على |
|
قلب النّبي محمد جبريل |
مدحتك آيات الكتاب وبشّرت |
|
بقدومك التّوراة والإنجيل |
صلة الصّلاة عليك تحلو في فمي |
|
مهما تكرّر ذكرك المعسول |
فوربعك المأهول إن بأضلعي |
|
قلبا بحبّك ربعه مأهول |
هل من سبيل للسّرى حتى أرى |
|
خير الورى فهو المنى والسّول |
حتّام تمطلني الّليالي وعدها |
|
إن الزّمان بوعده لبخيل |
ما عاقني إلّا عظيم جرائمي |
|
إن الجرائم حملهنّ ثقيل |
أنا مغرم فتعطّفوا أنا مذنب |
|
فتجاوزوا أنا عاثر فأقيلوا |
وأنا البعيد فقرّبوا والمستج |
|
ير فأمّنوا والمرتجى فأنيلوا |
يا سائقا نحو الحجاز حمولة (١) |
|
والقلب بين حموله (٢) محمول |
لمحمّد بلّغ سلام سمّيه |
|
فذمامه بمحمد موصول |
وسل الإله له اغتفار ذنوبه |
|
يسمع هناك دعاؤك المقبول |
وعن المليك أبي سعيد فلتنب |
|
فلكم له نحو الرّسول رسول |
متحمّل لله كسوة بيته |
|
يا حبّذاك المحمل المحمول |
سعد المليك أبي سعيد إنّه |
|
سيف على أعدائه مسلول |
ملك يحجّ المغرب الأقصى به |
|
فلهم به نحو الرّسول وصول (٣) |
ملك به نام الأنام وأمّنت |
|
سبل المخاف (٤) فلا يخاف سبيل |
فالملك ضخم والجناب مؤمّل |
|
والفضل جمّ والعطاء جزيل |
والصّنع أجمل والفخار مؤثّل |
|
والمجد أكمل والوفاء أصيل |
__________________
(١) الحمولة (بالفتح) : ما يحمل عليه الناس من الدواب.
(٢) الحمول جمع حمل ، وهو ما حمل على ظهر الدابة.
(٣) كانت العناية التي يلقاها الحجاج المغاربة من ملوك مصر ، مما يقدره ملوك المغرب التقدير الجميل ، وكان مما يقلقهم أن يتعرض وفد الحجاج المغاربة للمتاعب في سفره. وانظر صبح الأعشى ٩ / ٢٥٠.
(٤) المخاف : موضع الخوف.
يا مالك البحرين بلّغت المنى |
|
قد عاد مصر على العراق يصول |
يا خادم الحرمين حقّ لك الهنا |
|
فعليك من روح (١) الإله قبول |
يا متحفي ومفاتحي برسالة |
|
سلسالة يزهى بها التّرسيل |
أهديتها حسناء بكرا ما لها |
|
غيري ، وإن كثر الرّجال ، كفيل |
ضاء المداد من الوداد بصحفها |
|
حتّى اضمحلّ عبوسه المجبول (٢) |
جمعت وحاملها بحضرتنا كما |
|
جمعت بثينة في الهوى وجميل (٣) |
وتأكّدت بهدية ودّية |
|
هي للإخاء المرتضى تكميل |
أطلعت فيها للقسيّ أهلّة |
|
يرتدّ عنها الطّرف وهو كليل |
وحسام نصر زاهيا بنضاره |
|
راق العيون فرنده المعسول |
ماضي الشّبا (٤) لمصابه تعنو الظّبا |
|
فبه تصول على العدا وتطول |
__________________
(١) روح الإله : رحمته.
(٢) يعني : اضمحلّ العبوس الطّبيعي.
(٣) جميل بن عبد الله بن معمر العذري ، وبثينة صاحبته التي عشقها منذ أيام صباه له ترجمة في الخزانة للبغدادي ١ / ١٩١ ـ ١٩٢ ، الموشح ص ٧٢.
(٤) الشباه : حد السيف وطرفه ، والجمع شبا.
وبدائع الحلل اليمانية التي |
|
روّى معاطفها بمصر النّيل |
فأجلت فيها ناظري فرأيتها |
|
تحفا يجول الحسن حيث تجول |
جلّت محاسنها فأهوى نحوها |
|
بفم القبول الّلثم والتّقبيل |
يا مسعدي وأخي العزيز ومنجدي |
|
ومن القلوب إلى هواه تميل |
إن كان رسم الودّ منك مذيّلا |
|
بالبرّ وهو بذيله موصول |
فنظيره عندي وليس يضيره |
|
بمعارض وهم ولا تخييل |
ودّ (يزيد) و (ثابت) شهدا به |
|
و (لخالد) بخلوده تذييل |
وإليكها تنبيك صدق مودّتي |
|
صحّ الدليل ووافق المدلول |
فإذا بذاك المجلس السّامي سمت |
|
فلديك إقبال لها وقبول |
دام الوداد على البعاد موصّلا |
|
ين القلوب وحبله موصول |
وبقيت في نعم لديك مزيدها |
|
وعليك يضفو ظلّها المسدول |
ثم مرّوا بعدها بتونس ، فبعث سلطان تونس أبو فارس عبد العزيز ابن السّلطان أبي العبّاس من ملوك الموحّدين ، هدية ثالثة انتقى لها جياد الخيل ، وعزّز بها هدية السّلطانين وراءه ، مع رسوله من كبار الموحّدين أبي عبد الله بن تافراكين ، ووصلت