رحلة ابن خلدون

محمّد بن تاويت الطنجي

رحلة ابن خلدون

المؤلف:

محمّد بن تاويت الطنجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: ارتياد الآفاق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

الهدايا الثلاث إلى باب الملك الظّاهر في آخر السّنة ، وعرضت بين يدي السّلطان ، وانتهب الخاسكية ما كان فيها من الأقمشة والسّيوف والبسط ومراكب الخيل ، وحمل كثيرا منهم على كثير من تلك الجياد وارتبط الباقيات.

وكانت هدية صاحب المغرب تشتمل على خمسة وثلاثين من عتاق الخيل بالسروج والّلجم الذهبية ، والسيوف المحلّاة ، وخمسة وثلاثين حملا من أقمشة الحرير والكتّان والصوف والجلد ، منتقاة من أحسن هذه الأصناف. وهدية صاحب تلمسان تشتمل على ثلاثين من الجياد بمراكبها المموّهة ، وأحمالا من الأقمشة. وهدية صاحب تونس تشتمل على ثلاثين من الجياد مغشّاة ببراقع الثياب من غير مراكب ، وكلها أنيق في صنعه مستطرف في نوعه ، (١) وجلس السّلطان يوم عرضها جلوسا فخما في إيوانه ، وحضر الرّسل ، وأدّوا ما يجب عن ملوكهم. وعاملهم السّلطان بالبرّ والقبول ، وانصرفوا إلى منازلهم للجرايات الواسعة ، والأحوال الضّخمة. ثم حضر وقت خروج الحاجّ ، فاستأذنوا في الحجّ مع محمل السّلطان ، فأذن لهم ، وأرغد أزودتهم. وقضوا حجّهم ، ورجعوا إلى حضرة السّلطان ومعهود مبرّته. ثم انصرفوا إلى مواطنهم ، وشيّعهم من برّ السّلطان وإحسانه ، ما ملأ حقائبهم ، وأسنى ذخيرتهم ، وحصل لي أنا من بين ذلك في الفخر ذكر جميل بما تناولت بين هؤلاء الملوك من السّعي في الوصلة الباقية على الأبد ، فحمدت الله على ذلك.

ولاية القضاء الثانية بمصر

ما زلت ، منذ العزل عن القضاء الأوّل سنة سبع وثمانين ، مكبّا على الاشتغال بالعلم ، تأليفا وتدريسا ، والسّلطان يولّي في الوظيفة من يراه أهلا متى دعاه إلى ذلك داع ، من موت القائم بالوظيفة ، أو عزله ، وكان يراني الأولى بذلك ، لولا وجود الذين

__________________

(١) في «عقد الجمان للعيني» (في حوادث سنة ٨٠٠ لوحة ٢٩ ، ٣٠ نسخة دار الكتب) ، ذكر لهذه الهدية بصورة تختلف عما يرويه ابن خلدون هنا. وانظر «الجوهر الثمين» لابن «قماق في حوادث سنة ٨٠٠ أيضا.

٣٨١

شغّبوا من قبل في شأني ، من أمراء دولته ، وكبار حاشيته ، حتى انقرضوا. واتفقت وفاة قاضي المالكية إذ ذاك ناصر الدين بن التّنسي ، (١) وكنت مقيما بالفيوم لضمّ زرعي هنالك ، فبعث عنّي ، (٢) وقلّدني وظيفة القضاء في منتصف رمضان من سنة إحدى وثمانمائة ، فجريت على السّنن المعروف مني ، من القيام بما يجب للوظيفة شرعا وعادة ، وكان رحمه‌الله يرضى بما يسمع عنّي في ذلك. ثم أدركته الوفاة في منتصف شوال بعدها ، وأحضر الخليفة والقضاة (٣) والأمراء ، وعهد إلى كبير أبنائه فرج ، ولإخوته من بعده واحدا واحدا ، وأشهدهم على وصيّته بما أراد. وجعل القائم (٤) بأمر ابنه في سلطانه إلى أتابكه أيتمش ، (٥) وقضى رحمة الله عليه ، وترتّبت الأمور من بعده كما عهد لهم ، وكان النائب بالشام يومئذ أمير من

__________________

(١) هو أحمد بن محمد بن عطاء الله بن عوض الزبيري الاسكندري المالكي المشهور بابن التنسي (بفتح التاء والنون وكسر السين المهملة) ، ولد سنة ٧٤٠ ، وتوفي سنة ٨٠١ أحمد بابا ص ٧٤ ـ ٧٥ ، «عقد الجمان» سنة ٨٠١ لوحة ٥٣ (نسخة دار الكتب) ، ابن قاضي شهبة في حوادث سنة ٨٠١ ، «حسن المحاضرة» ١ / ٢١٨.

(٢) في السلوك (٨٠١ ورقة ٢١١ أنسخة الفاتح). «... وفي عاشره (رمضان) خرج البريد باحضار الشيخ ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون من قرية الفيوم ليستقر في قضاء المالكية ، وكان قد سعى في ذلك شرف الدين محمد بن الدماميني الاسكندراني بسبعين ألف درهم ، فردّها السّلطان. وفي خامس عشره ، حضر ابن خلدون ، واستقر في قضاء المالكية عوضا عن ناصر الدين بن ابن التنسي بعد موته».

(٣) كان ابن خلدون ممن حضر مجلس هذه الوصية ، وقد ذكر العيني في «عقد الجمان» هذا الحادث وفصله في حوادث سنة ٨٠١ لوحة ٥٨ ـ ٥٩ ، ٧٠.

(٤) كذا بالأصلين ، ولعل الصواب : «القيام بأمر».

(٥) هو أيتمش بن عبد الله الأسندمري البجاسي الجرجاني الأمير سيف الدين ، أتابك العساكر بالديار المصرية ، أصله من مماليك أسندمر البجاسي الجرجاني (نسبة إلى جرجي نائب حلب ، وكان ملك أيتمش قبل أن يحرره الظاهر برقوق) ، قتل أيتمش مع تنم سنة ٨٠٢. «المنهل الصافي» (نسخة نور عثمانية ١ / ١٥١ ب ـ ١٥٣ ا).

٣٨٢

خاسكية السّلطان يعرف بتنم ، (١) وسمع بالواقعات بعد السّلطان فغصّ أن لم يكن هو كافل ابن الظّاهر بعده ، ويكون زمام الدّولة بيده. وطفق سماسرة الفتن يغرونه بذلك ، وبينما هم في ذلك إذ وقعت فتنة الأتابك (٢) أيتمش ، وذلك أنّه كان للأتابك دوادار غرّ يتطاول إلى الرئاسة ، ويترفّع على أكابر الدّولة بحظّه من أستاذه ، وما له من الكفالة على السّلطان ، فنقموا حالهم مع هذا الدّوادار ، وما يسومهم به من التّرفّع عليهم ، والتّعرض لإهمال نصائحهم ، فأغروا السّلطان بالخروج عن رقّه الحجر ، وأطاعهم في ذلك ، وأحضر القضاة بمجلسه للدّعوى على الأتابك باستغنائه عن الكافل ، بما علم من قيامه بأمره وحسن تصرفاته. وشهد بذلك في المجلس أمراء أبيه كافّة ، وأهل المراتب والوظائف منهم ، شهادة قبلها القضاة. وأعذروا إلى الأتابك فيهم فلم يدفع في شيء من شهادتهم ، ونفذ الحكم يومئذ برفع الحجر عن السّلطان في تصرفاته وسياسة ملكه ، وانفضّ الجمع ، ونزل الأتابك من الإسطبل إلى بيت سكناه. ثم عاود الكثير من الأمراء نظرهم فيما أتوه من ذلك ، فلم يروه صوابا ، وحملوا الأتابك على نقضه ، والقيام بما جعل له السّلطان من كفالة ابنه في سلطانه. وركب ، وركبوا معه في آخر شهر المولد النّبوي ، وقاتلهم أولياء السّلطان فرج عشيّ يومهم وليلتها ، فهزموهم ، وساروا إلى الشّام مستصرخين بالنائب تنم ، وقد وقر في نفسه ما وقر من قبل ، فبرّ وفادتهم ، وأجاب صريخهم. واعتزموا على المضيّ إلى مصر. وكان السّلطان لما انفضّت جموع الأتابك ، وسار إلى الشام ،

__________________

(١) الأمير سيف الدين تنم بن عبد الله الحسني الظاهري ، اسمه الأصلي تنبك ، وغلب عليه «تنم» ، كان نائب دمشق ، وهو من مماليك الظاهر برقوق ، قتل سنة ٨٠٢ بقلعة دمشق. «المنهل الصافي» (نسخة نور عثمانية ١ / ٢٢٩ ب ـ ٢٤١).

(٢) يطلق «أتابك» في أيام المماليك ، على مقدم العساكر أو القائد العام ، على أنه أبو العساكر والأمراء جميعا. وهو مركب من كلمتين : «أتا» بمعنى «أب» ، و «بك» ومعناها أمير. صبح الأعشى ٤ / ١٨ ، ٦ / ١ ، السلوك ص ١٤٦.

C. Huart, Histoire des Arabes II, ٤١

٣٨٣

اعتمله (١) في الحركة والسّفر لخضد شوكتهم ، وتفريق جماعتهم ، وخرج في جمادى حتى انتهى إلى غزّة ، فجاءه الخبر بأنّ نائب الشام تنم ، والأتابك ، والأمراء الذين معه ، خرجوا من الشّام زاحفين للقاء السّلطان ، وقد احتشدوا وأوعبوا ، وانتهوا قريبا من الرّملة ، (٢) فراسلهم السّلطان مع قاضي القضاة الشافعي صدر الدين المناوي ، (٣) وناصر الدين الرّمّاح ، أحد المعلّمين لثقافة الرّماح ، يعذر إليهم ، ويحملهم على اجتماع الكلمة ، وترك الفتنة ، وإجابتهم إلى ما يطلبون من مصالحهم ، فاشتطّوا في المطالب ، وصمّموا على ما هم فيه. ووصل الرّسولان بخبرهم ، فركب السّلطان من الغد ، وعبّى عساكره ، وصمّم لمعاجلتهم ، فلقيهم أثناء طريقه ، وهاجمهم فهاجموه ، ثم ولّوا الأدبار منهزمين. وصرع الكثير من أعيانهم وأمرائهم في صدر موكبه ، فما غشيهم الليل إلّا وهم مصفّدون في الحديد ، يقدمهم الأمير تنم نائب الشام وأكابرهم كلهم. ونجا الأتابك أيتمش إلى القلعة بدمشق ، فآوى إليها ، واعتقله نائب القلعة. وسار السّلطان إلى دمشق ، فدخلها على التعبئة في يوم أغرّ ، وأقام بها أياما ، وقتل هؤلاء الأمراء المعتقلين ، وكبيرهم الأتابك ذبحا ، وقتل تنم من بينهم خنقا ، ثم ارتحل راجعا إلى مصر.

وكنت استأذنت في التقدّم إلى مصر بين يدي السّلطان لزيارة بيت المقدس ، فأذن لي في ذلك. ووصلت إلى القدس ودخلت المسجد ، وتبرّكت بزيارته والصّلاة فيه ، وتعفّفت عن الدخول إلى القمامة (٤) لما فيها من الإشادة بتكذيب الرآن ، إذ هو بناء أمم النّصرانية على مكان الصّليب بزعمهم ، فنكرته نفسي ، ونكرت الدّخول إليه. وقضيت من سنن الزيارة ونافلتها ما يجب ، وانصرفت إلى مدفن الخليل عليه

__________________

(١) كذا في الأصلين ، ولعل الصواب : «اعتمل».

(٢) الرملةRamleh عرضها الشمالي ٣١ ـ ٥٧ ، وطولها الشرقي ٣٤ ـ ٣٥) : مدينة بفلسطين بينها وبين بيت المقدس نحو ١٨ ميلا ، كانت ذا شأن عظيم في الحروب الصليبية ، وانظر ياقوت ٤ / ٢٨٦.

(٣) صدر الدين محمد بن إبراهيم بن إسحق الشافعي له ترجمة في «المقفى» للمقريزي ١ / ٤٢ (نسخة دار الكتب).

(٤) القمامة (بالضم) : كنيسة كبرى ببيت المقدس ، وانظر تاج العروس (قمم) ، ياقوت ٧ / ١٥٨.

٣٨٤

السّلام. ومررت في طريقي إليه ببيت لحم ، وهو بناء عظيم على موضع ميلاد المسيح ، شيّدت القياصرة عليه بناء بسماطين من العمد الصّخور ، منجّدة مصطفّة ، مرقوما على رؤوسها صور ملوك القياصرة ، وتواريخ دولهم ، ميسّرة لمن يبتغي تحقيق نقلها بالتّراجمة العارفين لأوضاعها ، ولقد يشهد هذا المصنع بعظم ملك القياصرة وضخامة دولتهم. ثم ارتحلت من مدفن الخليل إلى غزّة ، وارتحلت منها ، فوافيت السّلطان بظاهر مصر ، ودخلت في ركابه أواخر شهر رمضان سنة اثنين وثمانمائة.

وكان بمصر فقيه من المالكية يعرف بنور الدّين بن الخلال ، (١) ينوب أكثر أوقاته عن قضاة القضاة المالكية ، فحرّضه بعض أصحابه على السّعي في المنصب ، وبذل ما تيسّر (٢) من موجوده لبعض بطانة السّلطان الساعين له في ذلك ، فتمّت سعايته في ذلك ، ولبس منتصف المحرّم سنة ثلاث ، ورجعت (٣) أنا للاشتغال بما كنت مشتغلا به من تدريس العلم وتأليفه ، إلى أن كان السّفر لمدافعة تمر عن الشام.

__________________

(١) علي بن يوسف بن عبد الله (أو ابن مكي) الدميري (أو الزبيري) ، المعروف بابن الخلال المالكي.

له ترجمة في «نيل الابتهاج» ص ٢٠٦ ، «عقد الجمان» للعيني (لوحة ١٥٩ ، ١٦٠ من حوادث سنة ٨٠٣).

(٢) في «عقد الجمان» للعيني (سنة ٨٠٣ لوحة ١٥٩ ـ ١٦٠): «... وحصل له (ابن الخلال) حنق من ابن خلدون المغربي في شيء ، فحمله ذلك إلى سعي في القضاء بالرشوة ، فتولى ولم تطل أيامه ، فمات وعليه جملة ديون». وكذلك جاء النص على بذله المال في سبيل الحصول على خطة القضاء ، في «السلوك» للمقريزي (سنة ٨٠٣ ورقة ١٣١ ب نسخة الفاتح) ، وفي تاريخ ابن قاضي شهبة في حوادث سنة ٨٠٣ ، لوحة ١٧٠ ب.

(٣) كانت المحنة التي لحقته في هذه المرة قاسية ، وقد ألم بها ابن قاضي شهبة في تاريخه سنة ٨٠٣ لوحة ١٧٠ ب : «... وسبب عزل المذكور (ابن خلدون) مبالغته في العقوبات ، والمسارعة إليها ، وأهين ، وطلب بالنقباء من عند الحاجب أقباي ماشيا من القاهرة إلى بيت الحاجب عند أكلبش ، وأوقف بين يديه ، ورسم عليه ، وحصل له إخراق ، وأطلق بعض من سجنه ؛ ثم أعطى تدريس المالكية بوقف أم الصالح عوضا عن ابن الخلال».

٣٨٥

سفر السّلطان إلى الشام لمدافعة الطّطر عن بلاده

هؤلاء الطّطر من شعوب التّرك ، وقد اتفق النسّابة والمؤرخون على أن أكثر أمم العالم فرقتان ، وهما : العرب والترك ، وليس في العالم أمة أوفر منهما عددا ، هؤلاء في جنوب الأرض ، وهؤلاء في شمالها ، وما زالوا يتناوبون الملك في العالم ، فتارة يملك العرب ويزحلون (١) الأعاجم إلى آخر الشّمال ، وأخرى يزحلهم الأعاجم والتّرك إلى طرف الجنوب ، سنة الله في عباده.

فلنذكر كيف انساق الملك لهؤلاء الطّطر ، واستقرت للدّول الإسلامية فيهم لهذا العهد فنقول : إن الله سبحانه خلق هذا العالم واعتمره بأصناف البشر على وجه الأرض ، في وسط البقعة التي انكشفت من الماء فيه ، وهي عند أهل الجغرافيا مقدار الرّبع منه ، وقسّموا هذا المعمور بسبعة أجزاء يسمّونها الأقاليم ، (٢) مبتدئة من خط الاستواء بين المشرق والمغرب ، وهو الخط الذي تسامت الشمس فيه رؤوس السكان ، إلى تمام السّبعة أقاليم. وهذا الخط في جنوب المعمور ، وتنتهي السبعة الأقاليم في شماله. وليس في جنوب خط الاستواء عمارة إلى آخر الرّبع المنكشف ، لإفراط الحرّ فيه ، وهو يمنع من التّكوين ، وكذلك ليس بعد الأقاليم السّبعة في جهة الشّمال عمارة ، لإفراط البرد فيها ، وهو مانع من التكوين أيضا ، ودخل الماء المحيط بالأرض من جهة الشرق فوق خط الاستواء بثلاث عشرة درجة ، في مدخل فسيح ، وانساح مع خطّ الاستواء مغرّبا ، فمرّ بالصّين ، والهند والسّند واليمن ، في جنوبها كلّها. وانتهى إلى وسط الأرض ، عند باب المندب ، (٣) وهو البحر الهندي والصيني ، ثم انحرف من طرفه الغربي في خليج عند باب المندب ، ومرّ في جهة الشمال مغرّبا

__________________

(١) زحل عن مكانه : زلّ ، وبعد.

(٢) فصّل ابن خلدون القول في هذا الموضوع في مقدمته.

(٣) باب المندب Bab el Mandeb : هو المضيق الواقع في النهاية الجنوبية للبحر الأحمر.

٣٨٦

باليمن وتهامة والحجاز ومدين (١) وأيلة (٢) وفاران ، (٣) وانتهى إلى مدينة القلزم ، (٤) ويسمّى بحر السويس ، وفي شرقيه بلاد الصّعيد إلى عيذاب ، (٥) وبلاد البجاة ، (٦) وخرج من هذا البحر الهندي من وسطه خليج آخر يسمّى الخليج

__________________

(١) Midian : مقاطعة في شمال الحجاز تمتد على الساحل الشرقي للبحر الأحمر إلى مبدأ خليج العقبة ، وفي الجهة الشرقية منها يقع جبل الصفاةJabel el Safah. وفي الخطط للمقريزي ١ / ٣٠١ ـ ٣٠٤ (طبع مصر) ، حديث عن مدين ، وبعض من أخبارها.

(٢) أيلةAila) أوAilat عرضها الشمالي ٢٩ ـ ٣٠ ، وطولها الشرقي ٣٥) : ميناء واقع في الزواية الشمالية الشرقية لخليج العقبة ، وكان في القديم مدينة تجارية ذات أهمية كبرى ، وقد ورد ذكرها في التوراة ؛ في سفر الملوك ٩ : ٢٦ ، ٢٧. وفي دائرة المعارف الإسلامية كلمة وافية عنها ، وانظر رحلة بنيامين ص ١٨٠ ، خطط المقريزي ١ / ٢٩٨ (طبع مصر) ، والبكري (معجم ما استعجم) ، ١ / ٢١٦ ،

Geogr. Dictio. by Angelo Heilprin and Luis Heilprin

(٣) فاران : مدينة كانت على ساحل بحر القلزم بناحية الطور ، ويقول المقريزي في الخطط (١ / ٣٠٤ طبع مصر): «... وكانت مدينة فاران من جملة مدائن مدين إلى اليوم ، وبها نخل كثير مثمر ، أكلت من ثمره ، وبها نهر عظيم ، وهي خراب يمر بها العربان». وانظر ياقوت ٦ / ٣٢٣.

(٤) القلزم (Clisma) بالصم ثم السكون ثم زاي مضمومة : بلد ساحلية بجوار السويس والطور ، وإليها ينسب البحر ، ويقول ياقوت ٧ / ١٤٥ : «... وأما اليوم فهي خراب يباب ، وصار الميناء إلى مدينة قربها يقال لها السويس».

(٥) عيذاب Aidhab أوAidip عرضها الشمالي ٢١) : مدينة مصرية على الساحل الإفريقي للبحر الأحمر ، وكانت في العصور الوسطى ميناء مهمّا للحجاج الذين يقصدون مكة من الغرب ، ومحطا للسفن الهندية التي كانت تأتي من عدن ، ولتجار إفريقية الوسطى ، وانظر ياقوت ٦ / ٢٤٦.

(٦) البجاة ، ويقال البجةBedja) أو (Bodja : مجموعة من القبائل الحامية تسكن فيما بين النيل والبحر الأحمر ؛ واسمها «البجة» قديم يرجع إلى ما قبل الإسلام ، وقد ذكر المقريزي في الخطط (طبع مصر ١ / ٣١٣ ـ ٣١٩) ، نبذة صالحة عن هذه القبائل ؛ وانظر صبح الأعشى ٥ / ٢٧٣.

٣٨٧

الأخضر ، (١) ومرّ شمالا إلى الأبلّة ، (٢) ويسمّى بحر فارس ، (٣) وعليه في شرقيّه بلاد فارس ، (٤) وكرمان ، (٥) والسّند ، (٦) ودخل الماء أيضا ، من جهة الغرب في خليج متضايق في الإقليم الرّابع ، ويسمّى بحر الزّقاق ، (٧) تكون سعته هنالك ثمانية عشر ميلا. ويمر مشرّقا ببلاد البربر ، من المغرب الأقصى والأوسط وأرض إفريقية والإسكندرية. وأرض التّيه (٨) وفلسطين والشام ، وعليه في الغرب بلاد الإفرنج كلها ، وخرج منه في الشمال خليجان : الشرقي منهما خليج القسطنطينية (٩) والغربي خليج البنادقة ، (١٠) ويسمّى هذا البحر البحر الرّوميّ ،

__________________

(١) يريد بالخليج الأخضر خليج عمان Golf of Oman.

(٢) ضبطها ابن خلدون بضم الهمزة والباء الموحدة ، وتشديد اللام المفتوحة ؛ وهي مدينة على شاطئ دجلة في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة. وانظر ياقوت ١ / ٨٩ ـ ٩٠ ، صبح الأعشى ٤ / ٣٣٦.

(٣) يسمى بحر فارس اليوم ، الخليج الفارسي Persian Golf.

(٤) فارس ، أو بلاد العجم : هي التي تعرف اليوم باسم Persia ، وإيران Iran اشتقاقا من كلمة «آرية» Arie ، وتدل الآن على المملكة الفارسية. وانظر ياقوت ٦ / ٣٢٤.

(٥) كرمان Kerman) عرضها الشمالي ٣٠ ـ ١٥ ، وطولها الشرقي ٥٧) : إحدى المدن الجبلية من مدن إيران ، وكانت في القديم ولاية تفصل بين فارس في الغرب ، وصحاري لوط (Dashti Lut) في الشرق. وانظر ياقوت ٨ / ٢٤١ ـ ٢٤٤.

(٦) السند : Sind بلاد كانت تفصل بين الهند وكرمان ، وبعضهم كان يعد من إقليم السند بلاد مكران الواقعة في جنوب فارس. وانظر ياقوت ٥ / ١٥١.

(٧) هو مضيق جبل طارق الآن Str.Of Gibraltar

(٨) أرض التيه : هي شبه جزيرة سينا اليوم.

(٩) يتحدث الآن عن بحر إيجةAegean الذي يصل البحر الأبيض عن طريق الدردنيل ، والبوسفور بالبحر الأسود.

(١٠) خليج البنادقة ؛ هو البحر الأدرياتي Adriatic الذي يقع في نهايته الشمالية خليج البندقيةGolf of Venice. وانظر صبح الأعشى ٥ / ٤٠٤ وما بعدها.

٣٨٨

والشاميّ.

ثم إن هذه السبعة الأقاليم المعمورة ، تنقسم من شرقيّها وغربيّها بنصفين : فنصفها الغربي في وسطه البحر الرّوميّ ، وفي النصف الشرقي من جانبه الجنوبي البحر الهندي ، وكان هذا النصف الغربيّ أقل عمارة من النصف الشرقي ، لأن البحر الرّوميّ المتوسط فيه ، انفسح في انسياحه ، فغمر الكثير من أرضه. والجانب الجنوبيّ منه قليل العمارة لشدّة الحرّ ، فالعمران فيه من جانب الشّمال فقط ، والنصف الشّرقي عمرانه أكثر بكثير ، لأنه لا بحر في وسطه يزاحم. وجانبه الجنوبي فيه البحر الهنديّ ، وهو متّسع جدّا ، فلطف الهواء فيه بمجاورة الماء ، وعدّل مزاجه للتّكوين ، فصارت أقاليمه كلّها قابلة للعمارة ، فكثر عمرانه. وكان مبدأ هذا العمران في العالم ، من لدن آدم صلوات الله عليه ، وتناسل ولده أولا في ذلك النصف الشرقيّ ، وبادت تلك الأمم ما بينه وبين نوح ، ولم نعلم شيئا من أخبارها ، لأن الكتب الإلهية لم يرد علينا فيها إلا أخبار نوح وبنيه ، وأما ما قبل نوح فلم نعرف شيئا من أخباره ، وأقدم الكتب المنزلة المتداولة بين أيدينا التوراة ، وليس فيها من أخبار تلك الأجيال شيء ، ولا سبيل إلى اتصال الأخبار القديمة إلا بالوحي ، وأما الأخبار فهي تدرس بدروس أهلها.

واتفق النّسّابون على أن النسل كلّه منحصر في بني نوح ، وفي ثلاثة من ولده ، وهم سام ، وحام ، ويافث ، فمن سام : العرب ، والعبرانيّون ، والسّبائيون ، (١) ومن حام : القبط والكنعانيّون ، والبربر ، والسّودان ، ومن يافث : التّرك ، والروم ، والخزر ، (٢) والفرس ، والدّيلم ، والجيل.

ولا أدري كيف صحّ انحصار النّسب في هؤلاء الثلاثة عند النّسّابين ، أمن النقل؟ وهو بعيد كما قدّمناه ، أو هو رأي تفرّع لهم من انقسام جماعة المعمور ، فجعلوا شعوب

__________________

(١) كذا في الأصلين. ولعل الصواب : «السريانيون».

(٢) ضبطه ابن خلدون بفتح الخاء والزاي ؛ وفي «تثقيف اللسان» لأبي جعفر عمر بن مكي الصقلي (ورقة ٣٣ نسخة مراد ملة): «... ويقولون لقبيلة من الترك الخزر والصواب الخزر بالإسكان ، ويقال إنهم سموا بذلك لخزر أعينهم» أي ضيقها.

٣٨٩

كلّ جهة لأهل نسب واحد يشتركون فيه ، فجعلوا الجنوب لبني سام ، والمغرب لبني حام ، والشمال لبني يافث. إلّا أنّه المتناقل بين النّسّابة في العالم ، كما قلناه ، فلنعتمده ونقول : أول من ملك الأرض من نسل نوح عليه‌السلام ، النّمرود بن كنعان بن كوش ، بن حام ووقع ذكره في التوراة. وملك بعده عابر بن شالخ الذي ينسب إليه العبرانيون والسريانيون ، وهمالنّبط ، وكانت لهم الدّولة العظيمة ، وهم ملوك بابل ، من نبيط بن أشّور بن سام ، وقيل نبيط بن ماش بن إرم ، وهم ملوك الأرض بعد الطوفان على ما قاله المسعودي. وغلبهم الفرس على بابل ، وما كان في أيديهم من الأرض ، وكانت يومئذ في العالم دولتان عظيمتان ، لملوك بابل هؤلاء ، وللقبط بمصر : هذه في المغرب والأخرى في المشرق ، وكانوا ينتحلون الأعمال السحرية ، ويعوّلون عليها في كثير من أعمالهم ، وبرابي مصر ، (١) وفلاحة ابن وحشية ، (٢) يشهدان بذلك. فلما غلب الفرس على بابل ، استقلّ لهم ملك المشرق ، وجاء موسى ـ صلوات الله عليه ـ بالشريعة الأوليّة ، وحرّم السّحر وطرقه ، وغلب الله له القبط بإغراق فرعون وقومه ، ثم ملك بنو إسرائيل الشّام ، واختطوا بيت المقدس ، وظهر الروم في ناحية الشمال والمغرب ، فغلبوا الفرس الأولى على ملكهم. وملك ذو القرنين الإسكندر ما كان بأيديهم ، ثم صار ملك الفرس بالمشرق إلى ملوكهم السّاسانية ، وملك بني (٣) يونان بالشام والمغرب إلى القياصرة ، كما ذكرنا ذلك كلّه من قبل. وأصبحت الدولتان عظيمتين ، وانتظمتا العالم بما فيه. ونازع التّرك

__________________

(١) كان القدماء يعتقدون أن الرسوم التي توجد على البرابي ، والمعابد المصرية القديمة ، ليست إلا طلاسم ، وأوفاقا ، نقشت على جدرانها ليكون لها مفعول سحري معين. وانظر خطط المقريزي ١ / ٤٨ طبع مصر ، معجم البلدان «برابي».

(٢) في كتاب «علم الفلك ـ تاريخه عند العرب» لنلينو ، ص ٢٠٥ ـ ٢١٠ بحث قيم عن أبي بكر بن وحشية ، وعن كتابه ، وعما قام حولهما من شكوك وأبحاث.

(٣) بالأصلين : «بنويونان» ، تحريف.

٣٩٠

ملوك فارس في خراسان ، (١) وما وراء النّهر ، (٢) وكانت بينهم حروب مشهورة ، واستقرّ ملكهم في بني أفراسياب ، ثم ظهر خاتم الأنبياء محمد صلوات الله عليه ، وجمع العرب على كلمة الإسلام ، فاجتمعوا له ، «لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم (٣) ، وقبضه الله إليه ، وقد أمر بالجهاد ، ووعد عن الله بأن الأرض لأمته ، فزحفوا إلى كسرى ، وقيصر بعد سنتين من وفاته ، فانتزعوا الملك من أيديهما ، وتجاوزوا الفرس إلى التّرك ، والرّوم إلى البربر والمغرب ، وأصبح العالم كلّه منتظما في دعوة الإسلام. ثم اختلف أهل الدّين من بعده في رجوعهم إلى من ينظم أمرهم ، وتشيّع قوم من العرب فزعموا أنه أوصى بذلك لابن عمّه عليّ ، وامتنع الجماعة من قبول ذلك ، وأبوا إلّا الاجتهاد في تعيينه ، فمضى على ذلك السّلف في دولة بني أميّة التي استفحل الملك والإسلام فيها ، وتناقل التشيّع بتشعّب المذاهب ، في استحقاق بني عليّ ، وأيّهم يتعيّن له ذلك ، حتى انساق مذهب من مذاهبهم إلى محمد ابن علي بن عبد الله بن عباس ، (٤) فظهرت شيعته بخراسان ، وملكوا تلك الأرض كلّها ، والعراق بأسره. ثم غلبوا على بني أميّة ، وانتزعوا الملك من أيديهم ، واستفحل ملكهم ، والإسلام باستفحاله ، وتعدّد خلفاؤهم.

ثمّ خامر الدّولة ما يخامر الدّول من التّرف والراحة ، ففشلوا. وكثر المنازعون لهم من بني عليّ وغيرهم ، فظهرت دولة لبني جعفر الصّادق بالمغرب ، وهم

__________________

(١) تطلق خراسان Khorassan اليوم على القسم الشرقي لإيران ، الذي يتصل بأفغانستان. وقد فتحت خراسان سنة ٣١ هجرية في أيام عثمان رضي‌الله‌عنه. وانظر ياقوت ٣ / ٤٠٧.

(٢) ما وراء النهرTransoxiane : إقليم مشهور يقع فيما وراء نهر جيحون ، وهو المراد «بالنهر». وانظر ياقوت ٧ / ٠٧٣ ـ ٣٧٣.

(٣) الآية ٦٣ من سورة الأنفال.

(٤) كان ذلك في سنة ١٢٩ ه‍ ، وانظر تفصيل القول في تاريخ الطبري ٩ / ٨٢ وما بعدها ، تاريخ أبي الفداء ١ / ٢٢٠ وما بعدها.

٣٩١

العبيديون (١) بنو عبيد الله المهدي بن محمد ، قام بها كتامة وقبائل البربر ، واستولوا على المغرب ومصر ، ودولة بني العلوي بطبرستان ، قام بها الدّيلم وإخوانهم الجيل ، (٢) ودولة بني أمية النائية بالأندلس ، (٣) لأنّ بني العبّاس لما غلبوهم بالمشرق ، وأكثروا القتل فيهم ، هرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ، ونجا إلى المغرب. ثم ركب البحر إلى الأندلس ، فاجتمع عليه من كان هنالك من العرب وموالي بني أميّة ، فاستحدث هنالك ملكا آخر لهم ، وانقسمت الملّة الإسلامية بين هذه الدّول الأربع إلى المائة الرابعة. ثم انقرض ملك العلوية من طبرستان ، (٤) وانتقل إلى الدّيلم ، فاقتسموا خراسان وفارس والعراق ، وغلبوا على بغداد ، وحجر الخليفة بها بنو بويه منهم. (٥) وكان بنو سامان ـ من أتباع بني طاهر ـ قد تقلّدوا عمالات ما وراء النّهر ، فلمّا فشل أمر الخلافة استبدّوا بتلك النّواحي ، وأصاروا لهم فيها ملكا ضخما ، (٦) وكان آخرهم محمود بن سبكتكين من مواليهم ، فاستبدّ عليهم ، وملك خراسان ، وما وراء النّهر إلى الشّاش ، ثم غزنة ، (٧) وما وراءها جنوبا إلى الهند. وأجاز إلى بلاد الهند ، فافتتح منها كثيرا ،

__________________

(١) كان مبدأ دولة الفاطميين بالمغرب في سنة ٢٩٦ ، ونهايتها سنة ٣٦١. وانظر العبر ٤ / ٣١ وما بعدها.

(٢) فصل الحديث عن هذه الدولة في العبر ٤ / ٢٢ ، ٢٣.

(٣) انظر العبر ٤ / ١١٦ وما بعدها ، حيث تجد منشأ دولة بني أمية ، وأحوالها.

(٤) طبرستان : إقليم متسع في غربي خراسان ، ويقول ياقوت إنه الذي يسمى أيضا بمازندران Ma ـ zanderan. وهو إقليم واقع في شمالي مرتفعات البرزEl Burz ، ويشرف على بحر قزوين Caspian Sea. وانظر ياقوت ٦ / ١٧ ـ ٢١.

(٥) بنو بويه دولة أسسها أتراك من الديلم في خلافة الراضي بالله (٣٢٢ ـ ٤٤٧). وانظر تاريخ أبي الفداء ٢ / ٨٣ ، ١٥٢ ، والعبر ٤ / ٤٢٦ وما بعدها.

(٦) ملكت دولة بني سامان هذه ما وراء النهر ، وأقامت هناك دعوة بني العباس ، ثم استقلت. وقد تحدث عنها ابن خلدون ٤ / ٣٣٣ ـ ٣٥٩ ، أبو الفداء ٢ / ١٢٣ ، ١٤١ ، صبح الأعشى ٤ / ٤٤٦.

(٧) Ghazne : مدينة من مدن أفغانستان ، وكانت عاصمة الدولة التي أسسها نصر الدين محمود بن سبكتكين سنة ٣٦٦ ، والتي استمرت إلى سنة ٥٧٨. وانظر العبر ٤ / ٣٦٠ ـ ٣٨٩.

٣٩٢

واستخرج من كنوزها ذخائر لم يعثر عليها أحد قبله. وأقامت الملة على هذا النّمط إلى انقضاء المائة الرّابعة ، (١) وكان التّرك منذ تعبّدوا للعرب ، وأسلموا على ما بأيديهم وراء النّهر ، من كاشغر (٢) والصّاغون إلى فرغانة ، (٣) وولّاهم الخلفاء عليها ، فاستحدثوا بها ملكا ، وكانت بوادي التّرك في تلك النواحي منتجعة أمطار السماء ، وعشب الأرض ، وكان الظهور فيهم لقبيلة الغزّ من شعوبهم ، وهم الخوز ، إلا أن استعمال العرب لها عرّب خاءها المعجمة غينا ، وأدغمت واوها في الزّاي الثانية ، فصارت زايا واحدة مشدّدة. وكانت رياسة الغزّ هؤلاء في بني سلجوق بن ميكائيل ، وكانوا يستخدمون لملوك التّرك بتركستان تارة ، ولملوك بني سامان في بخارى أخرى. وتحدث بينهما الفتنة ، فيتألّفون من شاءوا منهما ، (٤) ولما تغلّب محمود بن سبكتكين (٥) على بني سامان ، وأجاز من خراسان فنزل بخارى ، (٦) واقتعد كرسيّهم ، وتقبّض على كبار بني سلجوق هؤلاء ، وحبسهم بخراسان.

ثم مات وقام بالأمر أخوه مسعود ، (٧) فملك مكانه ، وانتقض على بنو

__________________

(١) انظر العبر ٤ / ٣٨٦ ـ ٣٩٧.

(٢) كانت كاشغرKashgar) عرضها الشمالي ٣٩ وطولها الشرقي ٧٦) قاعدة «التركستان» وكانت تسمى أيضا «أزدوكند» وهي اليوم في الصين. ياقوت ٧ / ٢٠٧ صبح الأعشى ٤ / ٤٤٠.

(٣) فرغانة كورة واسعة فيما وراء النهر ، متاخمة لبلاد تركستان. ياقوت ٦ / ٣٦٤.

(٤) انظر كلمة وجزة عن الغز في تاريخ أبي الفداء ٣ / ٢٧ وما بعدها.

(٥) هو محمود بن ناصر الدولة بن سبكتكين (٣٦١ ـ ٤٢١) ، يلقب سيف الدولة ، ويمين الدولة.

وليمين الدولة هذا ينسب التاريخ «اليميني» الذي ألفه له أبو نصر العتبي. ترجمة يمين الدولة في «الوفيات» ٢ / ١١٠ ـ ١١٤ ، وانظر تاريخ أبي الفداء ٢ / ١٦٥ ، العبر ٤ / ٣٧٨.

(٦) تقع بخارى اليوم Bokhara) وعرضها الشمالي ٣٠ ، وطولها الشرقي ٦٧ ـ ٣٠) في جمهورية الاتحاد السوفييتي ، وكانت قاعدة الدولة السامانية ، فتحت فيما بين سنتي ٥٣ ، ٥٥ ه‍ ، في أيام معاوية. وانظر ياقوت.

(٧) هكذا في الأصلين : «أخوه مسعود». وهو سبق قلم ، والصواب : «ابنه مسعود» وانظر العبر ٤ / ٣٧٨ وما بعدها ، «تاريخ دولة آل سلجوق» ص ٨.

٣٩٣

سلجوق (١) هؤلاء ، وأجاز الغزّ إلى خراسان فملكوها ، وملكوا طبرستان من يد الدّيلم ، ثم إصبهان (٢) وفارس ، من أيدي بني بويه ، وملكهم يومئذ طغرلبك (٣) بن ميكائيل من بني سلجوق ، وغلب على بغداد (٤) من يد بني معزّ الدولة بن بويه المستبدّين على الخليفة يومئذ المطيع ، (٥) وحجره عن التصرّف في أمور الخلافة والملك ، ثم تجاوز إلى عراق العرب ، فغلب على ملوكه ، وأبادهم ، ثم بلاد البحرين (٦) وعمان ، (٧) ثم على الشّام ، وبلاد الرّوم ، واستوعب ممالك الإسلام كلّها ، فأصارها في ملكه ، وانقبضت العرب راجعة إلى الحجاز ، مسلوبة من الملك ، كأن لم يكن لهم فيه نصيب ، وذلك أعوام (٨) الأربعين والأربعمائة ، وخرج الإفرنج على بقايا بني أميّة بالأندلس ، فانتزعوا الملك من أيديهم ، واستولوا على حواضر

__________________

(١) ابتدأت الدولة السلجوقية في خلافة القائم بأمر الله العباسي سنة ٤٣٢ ، وانتهت في سنة ٥٧٢.

وانظر تاريخ أبي الفداء ٢ / ١٧١ وما بعدها ، العبر ٥ / ١ وما بعدها. وقد خص هذه الدولة بالتأليف العماد الأصفهاني ، وطبع مختصر لكتاب العماد بالقاهرة سنة ١٩٠٠ م.

(٢) إصفهان Isfahan) عرضها الشمالي ٣٢ ـ ٤١ ، وطولها الشرقي ٥١ ـ ٣٥) يفتح الهمزة وكسرها : مدينة جبلية عظيمة في جنوب عراق العجم من بلاد فارس ، وتطلق أصفهان على الإقليم أيضا ، فتحت في سنة ٢٣ ه‍ في أيام عمر بن الخطاب. ياقوت ١ / ٣٦٩.

(٣) أبو طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق ، ركن الدين طغرلبك (٣٨٥ ـ ٤٥٥). وفيات الأعيان ٢ / ٥٩ ـ ٦٠ ، وانظر العبر ٤ / ٣٨١.

(٤) كان دخوله بغداد والعراق سنة ٤٤٧. وفيات الأعيان ٢ / ٦٠ ، تاريخ دولة آل سلجوق ص ٩.

(٥) بالأصلين : «المطيع» ، والصواب : «القائم» لأنه الذي عاصر طغرلبك. وهو أبو جعفر عبد الله بن القادر ، القائم بأمر الله. ولد سنة ٣٩١ ، وولي الخلافة سنة ٤٢٢ ، وتوفي سنة ٤٦٧. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٦٧ ـ ١٦٩.

(٦) بلاد البحرين ، وتسمى اليوم بالأحساءHasa : تقع على الساحل الغربي للقسم الشمالي للخليج الفارسي.

(٧) Oman يقع إقليم عمان في الزاوية الجنوبية الشرقية للجزيرة العربية ، مطلا على خليج عمان.

(٨) كذا بالأصلين.

٣٩٤

الأندلس وأمصارها ، وضاق النّطاق على العبيديّين بالقاهرة بملوك الغزّ يزاحمونهم فيها من الشام ، بمحمود بن زنكي وغيره (١) من أبنائهمو مماليكهم ، وبملوك المغرب قد اقتطعوا ما وراء الإسكندرية ، بملوك صنهاجة في إفريقية ، (٢) والملثّمين المرابطين (٣) بعدهم بالمغرب الأقصى والأوسط ، والمصامدة الموحّدين (٤) بعدهم كذلك ، وأمام الغزّ والسّلجوقية في ملك المشرق ، وبنوهم ومواليهم من بعدهم إلى انقضاء القرن السادس ؛ وقد فشل ريح الغزّ ، واختلّت دولتهم ، فظهر فيهم جنكيز خان أمير المغل من شعوب الطّطر ، (٥) وكان كاهنا ، وجدّه النجر كاهنا مثله. ويزعمون أنه ولد من غير أب ، (٦) فغلب الغزّ في المفازة ، واستولى على ملك

__________________

(١) رسمه ، على قاعدته التي قررها في أول «المقدمة» بصاد وسطها زاي إشارة إلى أن الصاد تشم ـ عند النطق بها ـ زايا. وانظر أخبار تملك محمود بن زنكي ، في تاريخ أبي الفداء ٣ / ٣٠ ، ٥٨.

(٢) يريد دولة بني زيرى الصنهاجيين ، وكانت مدة ملكهم ١٨٢ سنة (٣٦١ ـ ٥٤٣). وانظر العبر ٦ / ١٥٥ ـ ١٦١.

(٣) ابتدأ عهد دولة المرابطين في سنة ٤٦٢ ، وانتهى بانتصار الموحدين عليهم في سنة ٥٤٢. وانظر العبر ٦ / ١٨٢ وما بعدها.

(٤) هم الموحدون الذين كان ملكهم (٤١٥ ـ ٦٦٨).

(٥) ولد جنكيز خان (ويقال حنكص قان ، Cingis Khan) في سنة ٥٤٩ ، وهو من قبيلة تركية تسمى تيات من أشهر قبائل المغل ، وأكثرهم عددا ، وكان اسمه ـ حين بلغ من العمر ١٣ سنة ـ تموجين ، ثم أصاروه : «جنكيز» ، و «خان» تمام الاسم ، وهو بمعنى الملك عندهم. العبر ٥ / ٥٢٥ وما بعدها ، تاريخ جنكيزخان لوحة ٢٩٤ (نسخة دار الكتب).

(٦) ينتهي نسبه إلى : «بوذنجر بن ألان قوى» ، وألان قوى اسم امرأة هي جدتهم ، كانت متزوجة ثم مات زوجها ، وتأيّمت وحملت وهي أيم ، فنكر عليها أقرباؤها ، فذكرت أنها رأت بعض الأيام أن نورا دخل فرجها ثلاث مرات ، وطرأ عليها الحمل بعد ذلك ، وقالت إن في حملي ثلاثة ذكور ، فإن صدقت عند الوضع فذلك ، وإلا فافعلوا ما بدا لكم ؛ فوضعت ثلاثة توائم في ذلك الحمل ، فظهرت براءتها بزعمهم ، وكان ثالث التوائم «بوذنجر» جد جنكيزخان ، وكانوا يسمون التوائم الثلاث : النورانيين نسبة إلى النور المذكور ، ولذلك كانوا يقولون لجنكيز خان : ابن الشمس. العبر ٥ / ٥٢٥ وما بعدها.

٣٩٥

الطّطر ، وزحف إلى كرسيّ الملك بخوارزم. وهو علاء الدّين خوارزم شاه ، سلفه من موالى طغرلبك ، فغالبه على ملكه ، وفرّ أمامه ، واتّبعه إلى بحيرة طبرستان ، فنجا إلى جزيرة فيها ، ومرض هنالك ومات ، (١) ورجع جنكيز خان إلى مازنداران ، من أمصار طبرستان فنزلها ، وأقام بها ، وبعث عساكره من المغل حتى استولوا على جميع ما كان للغزّ ، وأنزل ابنه طولى (٢) بكرسيّ خراسان ، وابنه دوشيخان (٣) بصراى وبلاد التّرك ، وابنه جقطاي (٤) بكرسيّ التّرك فيما وراء النّهر ، وهي كاشغر وتركستان ، وأقام بمازندران إلى أن مات جنكيز خان ودفن بها ، (٥) ومات ابنه طولي وله ولدان ، قبلاي وهولاكو ، ثم هلك قبلاي ، (٦) واستقلّ هولاكو (٧) بملك

__________________

(١) هو السّلطان علاء الدين محمد بن علاء الدين تكش بن أرسلان ، كان من علماء الملوك وعظمائهم ، وكانت مدة ملكه ٢١ سنة ، وتوفي عام ٦١٧ ، وانظر أخبار حروبه مع جنكيز خان في تاريخ أبي الفداء ٣ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، ١٥٤ ـ ١٥٨.

(٢) هو الابن الأصغر لجنكيز خان ، وكان عاقلا كيّسا ، ولذلك أمره أبوه أن يرأس أخويه : جوجي ، وجغتاي في حرب قلعة الطالقان التي استعصى عليهما الاستيلاء عليها. وطاؤه تنطق بين التاء والطاء ، ويقال في اسمه أيضا : «تولوي». وانظر العبر ٥ / ٥٢٧ ، تاريخ جنكيز خان لوحة ٤٠٢ ، وسلوك المقريزي ص ٢٢٨.

(٣) ويقال طوشي خان (بين التاء والطاء) ، ويقال جوجي خان. وانظر الحديث عنه وعن مملكته في العبر ٥ / ٥٣٣ وما بعدها.

(٤) جقطاي ، ويقال : «جغتاي» ، ويسمى أيضا كداي ، وجداي ، وقد فصل القول عنه في العبر ٥ / ٥٢٩ ـ ٥٣٣.

(٥) كانت وفاته في سنة ٦٢٥ ؛ وهناك رأي غير ما ذكره ابن خلدون في مكان وفاة جنكيز خان ، تجده في السلوك ص ٢٧٧ ـ ٢٢٨.

(٦) قبلاي بن تول خان المتوفى سنة ٦٩٥. وانظر المنهل الصافي ٢ / ١٩٤ (نسخة نور عثمانية) ، وقد ضبطه ابن خلدون بالحركات ـ بضم القاف ، وسكون الباء الموحدة ، ولام مفتوحة مخفّفة ، ثم ياء ساكنة.

(٧) يكتبه ابن خلدون : «هولاوو» بواوين أحيانا ، وأحيانا أخرى يكتبه : «هولاكو» بنقطة تحت الكاف إشارة إلى أن الكاف تنطق كافا فارسية. وقد ابتدأ أمر هولاكو في الظهور في سنة ٦٥٤ ، وتوفي سنة ٦٦٣. وانظر السلوك ص ٥٤١.

٣٩٦

خراسان ، وحدث بينه وبين بركة بن دوشيخان (١) فتنة بالمنازعة في القانية ، تحاربوا فيها طويلا ، ثم أقصروا ، وصرف هولاكو وجهه إلى بلاد أصبهان ، وفارس ، ثم إلى الخلفاء المستبدّين ببغداد ، وعراق العرب ، فاستولى على تلك النّواحي ، واقتحم بغداد (٢) على الخليفة المستعصم ، آخر بني العباس (٣) وقتله ، وأعظم فيها العيث والفساد ، وهو يومئذ على دينه من المجوسيّة ، ثم تخطّاه إلى الشام ، فملك أمصاره وحواضره إلى القدس ، وملوك مصر يومئذ من موالي بني أيّوب قد استحاشوا ببركة صاحب صراي ، فزحف إلى خراسان ليأخذ بحجزة هولاكو عن الشام ومصر. وبلغ خبره إلى هولاكو فحرد (٤) لذلك ، لما بينهما من المنافسة والعداوة ، وكرّ راجعا إلى العراق ، ثم إلى خراسان ، لمدافعة بركة. وطالت الفتنة بينهما إلى أن هلك هولاكو سنة ثلاث وستين من المائة السّابعة ؛ وزحف أمراء مصر من موالي بني أيّوب ، وكبيرهم يومئذ قطز ، (٥) وهو سلطانهم فاستولى على أمصار الشام التي كان هولاكو انتزعها من أيدي بني أيوب ، واحدة واحدة ، واستضاف الشام إلى مصر في ملكه. ثم هدى الله أبغا (٦) بن هولاكو إلى الإسلام ، فأسلم بعد أن كان أسلم بركة ابن عمّه صاحب التخت بصراي من بني دوشي خان على يد مريد من

__________________

(١) ويقال أيضا : بركة بن توشى بن جنكيز خان. وقد توفي سنة ٦٦٥. كان مسلما يعظم أهل العلم ، وكان يميل إلى الملك الظاهر بيبرس : له ترجمة في المنهل الصافي ١ / ١٨٢ (نسخة نور عثمانية) ، عيون التواريخ لابن شاكر (في حوادث سنة ٦٦٥ (ج ٢٠ / ٢٨٢ ، (نسخة دار الكتب).

(٢) دخل هولاكو بغداد في سنة ٦٥٦ ، وانظر وصف هذا الحادث في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٩.

(٣) هو أبو أحمد عبد الله بن المنتصر ، ولد سنة ٦٠٩ ، وقتل سنة ٦٥٦. وانظر السلوك ص ٤١٢ ، وتاريخ الخلفاء ص ١٨٦ ـ ١٩١.

(٤) حرد : اغتاظ وغضب.

(٥) تقدمت ترجمته.

(٦) في العبر ٥ / ٥٤٤ ، ٥٤٦ أخبار أبغا بن هولاكو هذا.

٣٩٧

أصحاب شمس الدين كبرى ، (١) فتواطأ هو وأبغا بن هولاكو على الإسلام ، ثم أسلم بعد ذلك بنو جقطاي وراء النّهر ، فانتظمت ممالك الإسلام في أيدي ولد جنكيز خان من المغل ، ثم من الطّطر ، ولم يخرج عن ملكهم منها إلّا المغرب والأندلس ومصر والحجاز ، وأصبحوا ، وكأنّهم في تلك الممالك خلف من السلجوقية والغزّ. واستمرّ الأمر على ذلك لهذا العهد ، وانقرض ملك بني هولاكو بموت أبي سعيد آخرهم سنة أربعين من المائة الثامنة. (٢) وافترقت دولتهم بين عمّال الدولة وقرابتها من المغل ؛ فملك عراق العرب ، وآذربيجان (٣) وتوريز ، (٤) الشيخ حسن سبط هولاكو ، (٥) واتصل ملكها في بنيه لهذا العهد ، وملك خراسان وطبرستان شاه وليّ من تابعة بنى هولاكو ، (٦) وملك إصبهان ، وفارس ، بنو مظفّر البردي (٧) من عمّالهم أيضا ؛ وأقام بنو دوشي خان في مملكة صراي وآخرهم بها طقطمش بن بردي بك ، (٨) ثم سما لبني جقطاي وراء النّهر ، وملوكهم أمل في

__________________

(١) هو أبو الجنّاب أحمد بن عمر بن نجم الخيوفي شيخ خوارزم. عرف به السبكي في طبقاته ٥ / ١١ ، ١٢ ، ولم يذكر مولده ولا وفاته ؛ ووصفه في تاريخ جنكيز خان لوحة ٤٠٤ بأنه : «شيخ المشايخ ، وقطب الأوتاد ، نجم الدين الكبرى» ، وذكر أنه مات في حصار مدينة خوارزم. وقد ضبطه ابن خلدون بضم الكاف وسكون الباء ، وفي طبقات الشافعية : «الكبرى على صيغة فعلى كعظمى».

(٢) وأبو سعيد بن خربند بن أرغو بن أبغا بن هولاكو. وانظر أخباره في العبر ٥ / ٥٤٩ وما بعدها.

(٣) Azarbaijan ، واسمها القديم أثروباتان : إقليم يقع في الجنوب الغربي لبحر قزوين (بحر الخزر) ، Caspian Sea ويحده من الشمال إقليم داغستان Dagestan ، وإقليم جورجياGeorgia ، ومن الغرب ، والجنوب الغربي مقاطعة أرمينيةArmenia. وانظر ياقوت ١ / ٣٦٣.

(٤) توريز (تبريز) Tabriz) عرضها الشمالي ٣٨ ـ ٨ ، وطولها الشرقي ٤٦ ـ ١٢) : إحدى مدن إيران الشمالية ، وكانت في القديم تشملها مقاطعة آذربيجان. وانظر ياقوت ١ / ٣٦٣.

(٥) يسمى أيضا الشيخ حسن الصغير ، فصّلت أخباره في العبر ٥ / ٥٥١ ـ ٥٥٢.

(٦) تجد بعض أخبار شاه وليّ في العبر ٥ / ٥٥٦ ـ ٥٥٧.

(٧) في العبر ٥ / ٥٥٦ : «اليزدي» وانظر أخبار دولة بني المظفر في العبر ٥ / ٥٥٦.

(٨) ضبطه ابن خلدون بالحركات بفتح الباء وضمّها ، وسكون الراء بعدها دال ثم ياء مثناة تحتية ساكنة ، ثم باء موحدة مفتوحة. وانظر أخبار طقطمش في العبر ٥ / ٥٣٨ ـ ٥٤٠.

٣٩٨

التغلّب على أعمال بني هولاكو ، وبني دوشي خان ، بما استفحل ملكهم هنالك ، لعدم التّرف والتّنعم ، فبقوا على البداوة ؛ وكان لهم ملك اسمه ساطلمش (١) هلك لهذا العهد ، وأجلسوا ابنه على التّخت مكانه ، وأمراء بني جقطاي جميعا في خدمته ، وكبيرهم تيمور المعروف بتمر بن طرغاي (٢) فقام بأمر هذا الصبي وكفله ، وتزوّج أمّه ، ومدّ يده إلى ممالك بني دوشي خان التي كانت على دعوتهم وراء النّهر ، مثل سمرقند ، (٣) وبخاري ، وخوارزم ، وأجاز إلى طبرستان وخراسان فملكها. ثم ملك أصبهان ، وزحف إلى بغداد ، فملكها من يد أحمد بن أويس. (٤) وفرّ أحمد مستجيرا بملك مصر ، وهو الملك الظاهر برقوق ، وقد تقدم ذكره ، فأجاره ، ووعده النّصر من عدوّه. وبعث الأمير تمر رسلا إلى صاحب مصر ، يقرون معه الولاية والاتّحاد ، وحسن الجوار ، فوصلوا إلى الرّحبة ، فلقيهم عاملها ، ودار بينهم الكلام فأوحشوه في الخطاب ، وأنزلهم ، فبيّت جميعهم ، وقتلهم. وخرج الظاهر برقوق من مصر ، وجمع العرب والتّركمان ، وأناخ على الفرات ، وصرخ بطقطمش من كرسيه بصراي ، فحشد ووصل إلى الأبواب. (٥) ثم زحف تمر إلى الشام سنة ست وتسعين ، وبلغ الرّها ، (٦) والظاهر يومئذ على الفرات ، فخام (٧) تمر عن لقائه. وسار إلى محاربة

__________________

(١) كذا في الأصلين ، وفي هامش أصل أيا صوفيا بخطه : «سيورغتمش» وكتب فوقها كلمة : «أصح».

(٢) في نسخة طب : «طرغان» ، وفي هامش أصل أيا صوفيا بخطه : «ترغاي» وكتب فوقها كلمة «أصح».

(٣) Samarkand عرضها الشمالي ٣٩ ـ ٣٠ ، وطولها الشرقي ٦٧ ـ ٣٠ : مدينة مشهورة ، تقع اليوم في جمهورية الاتحاد السوفييتي ، وكانت في القديم عاصمة بلاد الصغد. وانظر ياقوت ٥ / ١٢١ ـ ١٢٦.

(٤) وردت أخباره في العبر ٥ / ٥٥٣ ـ ٥٥٤.

(٥) يريد بالأبواب المضايق والممرّات التي في الجبال الفاصلة بين إقليم مازندران والعراق العجمي.

(٦) بلدة مشهورة في شمال حران ، وتقع اليوم في الجمهورية التركية ، وتسمى أورفةUrfa عرضها الشمالي ٣٧ ـ ١١ ، وطولها الشرقي ٣٨ ـ ٤١.

(٧) خام عنه : نكص ، وجبن.

٣٩٩

طقطمش ، فاستولى على أعماله كلّها ، ورجعت قبائل المغل إلى تمر ، وساروا تحت رايته. وذهب طقطمش في ناحية الشمال ، وراء بلغار ، متدمما بقبائل أروس من شعوب التّرك في الجبال. وسارت عصائب الترك كلها تحت رايات تمر ؛ ثم اضطرب ملوك الهند ، واستصرخ خارج منهم بالأمير تمر ، فسار إليهم في عساكر المغل ، وملك دلّى ، (١) وفرّ صاحبها إلى كنباية (٢) مرسى بحر الهند ، وعاثوا في نواحي بلاد الهند ؛ ثمّ بلغه هنالك مهلك الظاهر برقوق بمصر ، فرجع إلى البلاد ، ومرّ على العراق ، ثم على أرمينية (٣) وأرزنكان ، (٤) حتى وصل سيواس (٥) فخرّبها ، وعاث في نواحيها ، ورجع عنها أول سنة ثلاث من المائة التّاسعة. ونازل قلعة الروم ، (٦) فامتنعت ، وتجاوزها إلى حلب ، فقابله نائب الشام وعساكره في ساحتها ، ففضّهم ، واقتحم المغل المدينة من كل ناحية. ووقع فيها من العيث ، والنّهب

__________________

(١) هي Delhi اليوم ، (عرضها الشمالي ٢٨ ـ ٣٥ ، وطولها الشرقي ٧٧ ـ ٥) وانظر صبح الأعشى ٥ / ٦٨ ـ ٦٩ ، السلوك ص ٩١٦.

(٢) كنباية ، أو كنبايت ، ضبطها ابن خلدون بالحركات بفتح الكاف وسكون النون ، وباء مفتوحة بعدها ألف ثم ياء مفتوحة بعدها هاء للتأنيث. وفي صبح الأعشى ٥ / ٧١ : أنه ينسب إليها فيقال أنباتي وعلى ذلك فاسمها «أنبايت» بإبدال الكاف همزة. وهي مدينة على ساحل بحر الهند ، وقد حدد عرضها البيروني في «القانون المسعودي» بأنه ٢٢ ـ ٢٠. ولعلها المسماة الآن Cambay حيث العرض الشمالي ٢٢ ـ ١٢ ، والطول الشرقي ٧٢ ـ ٥٤.

(٣) أرمينيةArmenia : إقليم واقع في غرب آذربيجان ، وفي شماله الغربي يقع إقليم جورجيا. وانظر صبح الأعشى ٤ / ٣٥٣ ، ياقوت ١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٦.

(٤) أرزنكان ، ويقال أرزنجان : Erzincan) عرضها الشمالي ٣٩ ـ ٣٩ ، وطولها الشرقي ٣٩ ـ ٣٩) بلدة كانت تعد قديما من بلاد أرمينية ، وهي الآن من بلاد الجمهورية التركية. وانظر صبح الأعشى ٤ / ٣٥٤.

(٥) سيواس : Sivas) عرضها الشمالي ٣٩ ـ ٤٦ ، طولها الشرقي ٣٧ ـ ٥) مدينة في تركيا ، تبعد ستين ميلا نحو الشرق من «قيسارية». وانظر السلوك ص ٣١٣.

(٦) هي قلعة حصينة واقعة في غربي الفرات مقابل «البيرة». وانظر ياقوت ٧ / ١٥٠ ـ ١٥١.

٤٠٠