رحلة ابن خلدون

محمّد بن تاويت الطنجي

رحلة ابن خلدون

المؤلف:

محمّد بن تاويت الطنجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: ارتياد الآفاق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

بله ، (١) أو عادلها ببطن عاقل ، (٢) فغير عاقل ، أو احتجّ بيوم ذي قار ، (٣) فهو إلى المعرفة ذو افتقار ، أو ناضل بيوم الكديد ، (٤) فسهمه غير السّديد ، إنّما كان مقاما غير معتاد ، ومرعى نفوس سلم يف بوصفه لسان مرتاد (٥) وزلزال جبال أوتاد ، (٦) ومتلف (٧) مذخور لسلطان الشيطان وعتاد ، (٨) أعلم (٩) فيه البطل الباسل ، (١٠) وتورد الأبيض الباتر ، (١١) وتأوّد الأسمر (١٢) العاسل ، (١٣) ودوّم الجلمد (١٤) المتكاسل ، وانبعث من حدب (١٥) الحنيّة ، (١٦) إلى هدف

__________________

(١) البله : الغفلة.

(٢) بطن عاقل : يوم كان لذبيان على بني عامر ، (أو كان بين بني خثعم ، وبني حنظلة) ، ذكر سببه في العقد الفريد ٣ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ، وانظر مجمع الأمثال ٢ / ٢٦٤.

(٣) يوم ذي قار : يوم مشهور كان أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأثر عنه أنه قال : «إنه أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم». وتفصيل أخباره ، وأسبابه ، مذكورة في العقد ٣ / ٣٧٤ ـ ٣٧٨.

(٤) كان يوم الكديد لسليم على كنانة ، وفيه قتل ربيعة بن مكدّم ، فارس كنانة. وانظر العقد الفريد ٣ / ٣٢٦.

(٥) المرتاد والرائد : الذي يتقدم القوم في التماس النجعة واختيار المرعى الحسن.

(٦) أوتاد الأرض : جبالها.

(٧) المتلف : المفازة ، والقفز ؛ سمي بذلك لأنه يتلف سالكه.

(٨) العتاد : العدّة تعدّها لأمر ما.

(٩) أعلم الفارس : جعل لنفسه علامة الشجعان ، وأعلم نفسه : وسمها بسيما الحرب.

(١٠) الباسل : الشجاع.

(١١) تورّد : أحمرّ. الأبيض الباتر : السيف القاطع.

(١٢) تأود : أعوجّ وانثنى. الأسمر : الرمح.

(١٣) عسل الرمح : اضطرب واهتز ، ورمح عاسل : مضطرب لدن.

(١٤) دوّم : تحرك ودار. والجلمد : الصخر.

(١٥) تقوسها وانعطافها.

(١٦) الحنية : القوس ؛ فعيله بمعنى مفعولة ؛ وأكثر ما تكون حنية عند توتيرها ، والرمي بها.

٢٤١

الرّميّة ، (١) الناشر النّاسل ، (٢) ورويت لمرسلات السّهام المراسل ، (٣) ثم أفضى أمر الرماح إلى التشاجر والارتباك ، ونشبت الأسنّة في الدّروع نشب السمك في الشباك ، ثم اختلط المرعيّ بالهمل ، (٤) وعزل الرّدينيّ عن العمل ، وعادت السيوف من فوق المفارق تيجانا ، بعد أن شقّت غدر السّوابغ خلجانا ، واتحدت جداول الدّروع ، فصارت بحرا ، وكان التعانق فلا ترى إلا نحرا يلازم نحرا ، عناق وداع ، وموقف شمل ذي انصداع ، وإجابة مناد إلى فراق الأبد وداع ، واستكشفت مآل الصبر الأنفس الشّفّافة ، (٥) وهبّت بريح النصر الطلائع المبشّرة الهفّافة ، (٦) ثم أمدّ السّيل ذلك العباب ، وصقل الاستبصار الألباب ، واستخلص العزم صفوة اللّباب ، وقال لسان النصر : «ادخلوا عليهم الباب» ، فأصبحت طوائف الكفّار ، حصائد مناجل الشّفار ، فمغافرهم قد رضيت حرماتها بالإخفار ، (٧) ورؤوسهم محطوطة في غير مقام الاستغفار ، وعلت الرّايات من فوق تلك الأبراج المستطرقة والأسوار ، ورفرف على المدينة جناح البوار ، لو لا الانتهاء إلى الحدّ والمقدار ، والوقوف عند اختفاء سرّ الأقدار.

ثم عبرنا نهرها ، وشددنا بأيدي الله قهرها ، وضيّقنا حصرها ، وأدرنا بلآلئ القباب البيض خصرها ، وأقمنا بها أياما تحوم عقبان البنود على فريستها حياما ، (٨) وترمي الأدواح ببوارها ، وتسلّط النيران على أقطارها ، فلو لا عائق المط ، لحصلنا من فتح ذلك

__________________

(١) الرميّه : الطريدة التي يرميها الصائد.

(٢) الناشر : المعنز. والناسل : المسرع.

(٣) يورى بالحديث : المرسل» عند المحدثين. وانظر فتح المغيث ١ / ٦٧ وما بعدها.

(٤) هو مثل ؛ والمرعيّ : الإبل التي لها راع ، والهمل : الضوال من النعم لا راعي لها.

(٥) أنفس شفافة : فاضلة.

(٦) الهفافة : السريعة المرور في هبوبها.

(٧) أخفرت الرجل : إذا : نقضت عهده ، وذمامه. والهمزة فيه للإزالة ؛ أي أزلت خفارته.

(٨) حام الطائر حول الماء حياما : دوّم ودار.

٢٤٢

الوطن على الوطر ، فرأينا أن نروضها بالاجتثاث (١) والانتساف ، (٢) ونوالي على زروعها وربوعها كرات رياح الاعتساف ، حتى يتهيّأ للإسلام لوك طعمتها ، ويتهنّا بفضل الله إرث نعمتها ، ثم كانت من موقفها الإفاضة (٣) من بعد نحر النحور ، وقذف جمار الدمار على العدو المدحور ، وتدافعت خلفنا السّيّقات (٤) المتّسقات تدافع أمواج البحور.

وبعد أن ألححنا على جنّاتها المصحرة ، (٥) وكرومها المستبحرة إلحاح الغريم ، (٦) وعوّضناها المنظر الكريه من المنظر الكريم ، وطاف عليها طائف من ربّنا فأصبحت كالصّريم ، (٧) وأغرينا حلاق (٨) النّار بجمم الجميم ، (٩) وراكمنا في أحواف أجرافها (١٠) غمائم الدخان ، يذكر طيبه البان بيوم الغميم ، (١١) وأرسلنا رياح الغارات (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) ، (١٢) واستقبلنا

__________________

(١) الاجتثاث : انتزاع الشجر من أصوله.

(٢) انتساف الزرع : اقتلاعه.

(٣) الإفاضة : الدفع في السير بكثرة ؛ ولا يكون إلا عن تفرق جمع. وفي «الإفاضة» و «النحر» ، و «رمي الجمار» تورية واضحة بالمعاني الإسلامية المتعارفة في باب «الحج».

(٤) السيقات : ما استاقه العدو من الدواب ، ويقال لما سيق من النهب فطرد ، سيقة.

(٥) المتسعة ؛ يقال أصحر المكان : أي اتسع.

(٦) الغريم : الذي له الدّين.

(٧) الصريم : الليل ، وأصبحت كالصريم : احترقت وصارت في مثل سواده ؛ والإشارة إلى الآية (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ).

(٨) حلاق الشعر : إزالته الموسى. والكلام على تشبيه إحراق النبات بحلق شعر الرأس.

(٩) الجمم : جمع جمة ؛ وهي الشعر الكثير. والجميم نبت يطول حتى يصير مثل جمة الشعر.

(١٠) الأحواف ، جمع حوف وهو الناحية. والأجراف جمع جرف ؛ وهو ما أكل السيل من أسفل شق الوادي ، وعرض الجبل. ويريد الأمكنة الغائرة ، والمطمئنة.

(١١) الغميم : موضع بين مكة والمدينة. ويوم الغميم : من الأيام التي كانت بين كنانة وخزاعة وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٣٤ ـ ٣٥.

(١٢) الرميم : البالي. الآية (٤٢) من سورة الذاريات.

٢٤٣

الوادي يهول مدّا ، ويروع سيفه الصقيل حدّا ، فيسّره الله من بعد الإعواز ، وانطلقت على الفرصة بتلك الفرضة أيدي الانتهاز ، وسألنا من سائله أسد بن الفرات (١) فأفتى برجحان الجواز ، فعمّ الاكتساح والاستباح جميع الأحواز (٢) فأذيل (٣) المصون ، وانتهبت القرى ، وهدّت الحصون ، واجتثّت الأصول ، وحطّمت الغصون ، ولم نرفع عنها إلى اليوم غارة تصابحها بالبوس ، وتطلع عليها غررها الضاحكة باليوم العبوس ، فهي الآن مجرى السّوابق ومجرّ العوالي ، (٤) على التوالي ، والحسرات تتجدّد في أطلالها البوالي ، وكأنّ بها قد ضرعت ، وإلى الدعوة المحمّديّة أسرعت ، بقدرة من لو أنزل القرآن على الجبال لخشعت من خشية الله وتصدّعت ، (٥) وعزّة من أذعنت الجبابرة لعزّه وخضعت ، وعدنا والبنود لا يعرف اللفّ نشرها ، والوجوه المجاهدة لا يخالط التّقطيب بشرها ، والأيدي بالعروة الوثقى متعلّقه ، والألسن بشكر نعم الله منطلقه ، والسيوف في مضاجع الغمود قلقه ، وسرابيل الدّروع (٦) خلقه ، (٧) والجياد من ردّها إلى المرابط والأواري ، (٨) ردّ العواري ، حنقه ، وبعبرات الغيظ المكظوم مختنقة ، تنظر إلينا نظر العاتب ، وتعود من ميادين الاختيال والمراح ،

__________________

(١) يورى بأسد بن الفرات بن سنان : أبي عبد الله الفقيه المالكي المشهور (١٤٥ ـ ٢١٣) على خلاف في المولد والوفاة. وانظر ترتيب المدارك مخطوطة دار الكتب ١ / ١١٨ ، معالم الإيمان ٢ / ٢ ـ ١٧ ، ديباح ٩٨.

(٢) الأحواز : ضواحي المدينة وأطرافها.

(٣) أذيل : أهين.

(٤) أجرّه المرح : طعنه بد وتركه فيه يجرّه والعالية : أعلى القناة ، والجمع : العوالي. ومجرّ العوالي :

المكان الذي يقع فيه الإجرار والطعن.

(٥) اقتباس من الآية ٢١ من سورة الحشر.

(٦) السرابيل : الدروع ، وكل ما لبس فهو سربال.

(٧) الخلق : البالي ؛ بقال ثوب خلق ، وجبة خلق بالتذكير فيهما ، وأنكر الكسائي أن تكون العرب قالت «خلقة» ، وعن التهذيب أنه لا يجوز أن يقال ذلك. وانظر اللسان.

(٨) الأواري : جمع آري ؛ وهو مربط الدابة ومحبسها.

٢٤٤

تحت حلل السّلاح ، عود الصّبيان إلى المكاتب ، والطّبل بلسان العزّ هادر ، (١) والعزم إلى منادي العود الحميد مبادر ، (٢) ووجود نوع الرماح ، من بعد ذلك الكفاح نادر ، والقاسم يرتّب بين يديه من السّبي النّوادر ، ووارد مناهل الأجور ، غير المحلاء (٣) ولا المهجور ، غير صادر ، (٤) ومناظر الفصل الآتي ، عقب أخيه الشّاتي ، على المطلوب المواتي مصادر (٥) والله على تيسير الصّعاب ، وتخويل المنن الرّغاب ، (٦) قادر ، لا إله إلا هو. فما أجمل لنا صنعه الحفيّ ، (٧) وأكرم بنا لطفه الخفيّ ، اللهمّ لا نحصي ثناء عليك ، ولا نلجأ منك إلا إليك ، ولا نلتمس خير الدنيا والآخرة إلا لديك ، فأعد علينا عوائد نصرك ، يا مبدئ يا معيد ، وأعنّا من وسائل شكرك ، على ما ينثال به المزيد ، يا حيّ يا قيّوم يا فعّالا لما يريد. (٨)

وقارنت رسالتكم الميمونة لدينا حذق فتح (٩) بعيد صيته (١٠) مشرئبّ ليته ، (١١) وفخر من فوق النجوم العواتم (١٢) مبيته ، عجبنا من تأتّي أمله الشّارد ،

__________________

(١) هادر : يردد صوته.

(٢) بادره الأمر : عاجله.

(٣) حلأ الماشية عن الماء : صدّها وحبسها عن الورود.

(٤) الوارد الذي يرد الماء. والصادر : الذي رجع من الماء بعد الورود.

(٥) مصادر : مراجع ؛ صادره على كذا : راجعه.

(٦) الرغيبة : العطاء الكثير ، والأمر المرغوب فيه ، والجمع رغاب.

(٧) الصنع الحفي : اللطيف.

(٨) في الأصلين «يا فعال لما يريد». والمنادى هنا مما يجب فيه النصب ، فلذلك أثبتت رواية صبح الأعشى.

(٩) حذق الغلام القرآن حذقا. مهر فيه ؛ ويقال لليوم الذي يختم فيه القرآن : هذا يوم حذاق ، والعادة أن يحتفل بهذا اليوم.

(١٠) بعيد الصيت ، مشتهر الذكر بين الناس.

(١١) اشرأب : ارتفع وعلا. والليت بالكسر : صفحة العنق.

(١٢) النجوم العواتم : التي تظلم من الغبرة التي في السماء ؛ ويكون ذلك في زمن الجدب ؛ لأن نجوم الشتاء أشد إضاءة لنقاء السماء.

٢٤٥

وقلنا : البركة في قدم الوارد ، وهو أن ملك النصارى لاطفنا بجملة من الحصون كانت من مملكة الإسلام قد غصبت ، والتماثيل (١) فيها ببيوت الله قد نصبت أدالها (٢) الله ـ بمحاولتنا ـ الطيّب من الخبيث ، والتّوحيد في التّثليث ، وعاد إليها الإسلام عود الأب الغائب ، إلى البنات الحبائب ، يسأل عن شؤونها ، ويمسح دموع الرّقّة من جفونها ، وهي للروم خطّة خسف (٣) قلّما ارتكبوها فيما نعلم من العهود ، ونادرة من نوادر الوجود. والى الله علينا وعليكم عوارف (٤) الجود ، وجعلنا في محاريب الشكر من الرّكّع السّجود.

عرّفناكم بمجملات أمور تحتها تفسير ، ويمن من الله وتيسير ، إذ استيفاء الجزئيّات عسير لنسرّكم بما منح الله دينكم ، ونتوّج بعزّ الملّة الحنيفية جبينكم ، ونخطب بعده دعاءكم وتأمينكم ، فإنّ دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب سلاح ماض ، وكفيل بالمواهب المسؤولة من المنعم الوهّاب متقاض ، (٥) وأنتم أولى من ساهم في برّ ، وعاقل الله بخلوص سرّ ، وأين يذهب الفضل عن بيتكم ، وهو صفة حيّكم ، وتراث ميتكم ، ولكم مزية القدم ، ورسوخ القدم ، والخلافة مقرّها إيوانكم ، وأصحاب الإمام مالك ـ رضي‌الله‌عنه ـ مستقرّها قيروانكم ، وهجّير المنابر (٦) ذكر إمامكم ، والتّوحيد إعلام أعلامكم ، والوقائع الشّهيرة في الكفر منسوبة إلى أيامكم ، والصّحابة الكرام فتحة أوطانكم ، وسلالة الفاروق عليه‌السلام وشائج سلطانكم (٧) ؛ ونحن نستكثر من بركة خطابكم ، ووصلة جنابكم ، ولو لا الأعذار لوالينا بالمتزيدات تعريف أبوابكم.

__________________

(١) التماثيل : الأصنام.

(٢) أدالها الله : أبدلها.

(٣) الخطة : الطريقة. والخسف : الذل ، وتحميل الإنسان ما يكره.

(٤) العوارف : جمع عارفة ، وهي العطية.

(٥) تقاضاه الدين : قبضه منه.

(٦) هجيرا المنابر : شأنها ودأبها.

(٧) يريد أن الحفصيين من سلالة الفاروق عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ؛ وقد رأى بعض المؤرخين ذلك. وتقدم في حاشية سابقة إيماء إلى هذا.

٢٤٦

والله ـ عزوجل ـ يتولّى عنّا من شكركم المحتوم ، ما قصّر المكتوب منه عن المكتوم ، ويبقيكم لإقامة الرّسوم ، ويحلّ محبّتكم من القلوب محلّ الأرواح من الجسوم ، وهو سبحانه يصل سعدكم ، ويحرس مجدكم ، ويوالي نعمه عندكم.

والسلام الكريم ، الطيّب الزكي المبارك البرّ العميم ، يخصّكم كثيرا أثيرا ، ما أطلع الصّبح وجها منيرا ، بعد أن أرسل النّسيم سفيرا ، وكان الوميض (١) الباسم لأكواس الغمائم ، (٢) على أزهار الكمائم ، (٣) مديرا ؛ ورحمة الله وبركاته.

وكتب إليّ يهنّئني بمولود ، ويعاتب على تأخير الخبر بولاده عنه (٤) :

هنيئا أبا الفضل الرضا وأبا زيد

وأمّنت من بغي يخاف ومن كيد

بطالع يمن طال في السعد شأوه (٥)

فما هو من عمرو الرّجال ولا زيد

وقيّد بشكر الله أنعمه التي

أوابدها (٦) تأبى سوى الشكر من قيد

أهلا بدرّيّ المكاتب ، (٧) وصدريّ المراتب ، وعتبى الزّمن (٨) العاتب (٩)

__________________

(١) الوميض : اللامع من البرق لمعا خفيا.

(٢) شبه القطرات من الماء تنثرها الغمائم على الزهور ، بكؤوس الخمر تدار على الشاربين.

(٣) الكمائم : جمع كمامة ، وهي غطاء النّور وبرعومته.

(٤) قدم لها ابن الخطيب في ريحانة الكتاب (ورقة ١٨٢ أمن ٨٥ ش أدب) بقوله : ومن ذلك في مخاطبة صاحب قلم الإنشاء أبي زيد ابن خلدون.

(٥) الشأو : الشوط والغاية.

(٦) جمع آبدة ، وهي في الأصل البهيمة توحشت ، ونفرت من الأنس.

(٧) كوكب دري : ثاقب شديد الإنارة ، عظيم المقدار.

(٨) أعتبه : أزال عتبه ؛ والعتبى : اسم من الإعتاب. وفي المثل : «لك العتبى ولا أعود». أي لك مني أن أرضيك ؛ يقوله التائب المعتذر. وانظر مجمع الأمثال ٢ / ١٠٢.

(٩) الزمن العاتب : الغاضب.

٢٤٧

وبكر المشتري والكاتب ، (١) ومرحبا بالطالع ، في أسعد المطالع ، والثاقب ، (٢) في أجلى المراقب ، وسهلا بغنيّ البشير ، وعزّة الأهل والعشير ، وتاج الفخر الذي يقصر عنه كسرى وأردشير ، (٣) الآن اعتضدت الحلة الحضرمية (٤) بالفارس ، وأمن السّارح (٥) في حمى الحارس ، وسعدت بالمنبر الكبير ، أفلاك التدوير ، (٦) من حلقات المدارس ، وقرّت بالجنيالكريم عين الغارس ، واحتقرت أنظار الآبلي (٧) وأبحاث ابن الدّارس ، وقيل للمشكلات : طالما ألفت الخمرة ، (٨) وأمضيت على الأذهان الإمرة ، (٩) فتأهّبي للغارة المبيحة لحماك ، وتحيّزي إلى فئة البطل المستأثر

__________________

(١) كان ابن الخطيب شغوفا بأن يوريّ في كتابته بمصطلحات العلوم ؛ وهو هنا ناظر إلى ما اصطلح عليه المنجّمون من أن القمر إذا اتصل ـ وهو في البروج الصاعدة ـ بالمشتري ، وهو كوكب سعد ، وبالكاتب ـ وهو عطارد في عرف أهل المغرب ـ دلّ ذلك على أن المولود ذكر ، وأنّ حظّه من العلوم العقلية ، والنقلية كبير. (عن شرح منظومة ابن أبي الرجال).

(٢) الثاقب : المرتفع.

(٣) هو أردشير بن بابك ؛ أول ملوك الدولة الساسانية (٢٢٦ ـ ٢٤١ م). وقد قيده ابن خلدون في العبر (٢ / ١٦٩ قسم أول) ، نقلا عن الدارقطني ، بالراء المهملة. وقد ورد في الأصلين ، وتاريخ أبي الفداء :

«أزدشير» بالزاي. وهو تصحيف قديم ؛ فقد قال ابن حجر : «وسمعت من يذكره بالزاي». وانظر تاج العروس ٢ / ٢٨٨ ، الطبري ٢ / ٥٦ ، مروج الذهب طبع باريس ٢ / ١٥٠. وما بعدها.

(٤) الحلة : البيت ؛ والجمع الحلال. والحضرمية نسبة إلى حضرموت ؛ حيث ينتهي نسب ابن خلدون.

(٥) السارح : الذي يغدو عليك ويروح.

(٦) فلك التدوير ـ لكل كوكب ـ هو فلك صغير لا يحيط بالأرض ، وفيه يكون مسير الكوكب.

وانظر مفاتيح العلوم ص ٢٢٢ ، سلّم الأفلاك ص ٢٥.

(٧) تقدم التعريف في السابق.

(٨) الخمرة : الاستنار ، والاختفاء.

(٩) الإمرة : الإمارة.

٢٤٨

برشف لماك. ولله من نصبة (١) احتفى فيها المشتري واحتفل ، وكفى سنيّ تربيتها وكفل ، واختال عطارد في حلل الجذل لها ورفل ، واتّضحت الحدود ، (٢) وتهلّلت الوجوه ، (٣) وتنافست المثلثات (٤) تؤمّل الحظّ وترجوه ، ونبّه البيت على (٥)

__________________

(١) النصبة الفلكية : هي الهيئة التي يكون عليها الفلك حين طلب دلالته على الحوادث. وانظر صفحة ٢٣.

(٢) قسم المنجمون درجات كل برج من البروج الاثنى عشر ، بين الكواكب الخمسة المتحيرة ، قسمة غير متساوية ، وجعلوا كل قسم منها يخصّ كوكبا من الكواكب الخمسة ، وسمّوه حدّ ذلك الكوكب. وانظر تفصيل ذلك في : «رسالة التقويم» للطوسي ، الفصل ٢٠ (نسخة خاصة) ، مفاتيح العلوم ص ٢٢٦ ، علم الفلك لنلينو ص ١٩٧.

(٣) وقسموا كذلك كل برج إلى ثلاثة أقسام متساوية ، وسموا كل قسم منها وجها ، ثم فرقوها على الكواكب المتحيرة ، وابتدأوا من برج الحمل ، وجعلوا لكل وجه منها كوكبا من السبعة السيارة ، سموه صاحب ذلك الوجه. وانظر الطوسي ، الفصل ٢١ ، شرح «اللمعة» ص ١٢٠ ، مفاتيح العلوم ص ٢٢٦ ، نلينو : علم الفلك ص ١٩٧.

(٤) البروج الاثنا عشر تنقسم إلى أربعة أقسام ـ بعدد الطبائع الأربع ، وكل ثلاثة بروج منها تتفق في طبيعة واحدة من الطبائع الأربع تسمى مثلثة ، فيقال : مثلثة نارية ، أو ترابية ، أو هوائية ، أو مائية ؛ ويختصّ بكل مثلثة ثلاثة كواكب من السيارة تسمى أربابها ؛ يكون أحدها صاحب المثلث المقدم بالنهار ، والثاني المقدم بالليل ، والثالث شريكهما في الليل والنهار. ومعنى ذلك أن الكوكب إذا كان في واحد من هذه البروج التي تكون مثلثته ، قيل إنه في مثلثته ، أي إنه في وضع له فيه حظوقوة.

الطوسي ، الفصل ١٩ ، شرح اللمعة ص ١١٩ ، مفاتيح العلوم ص ٢٢٥ ، نلينو ص ١٩٢.

(٥) بيت الكوكب : محل أمنه ، وصحته ، وسلامته ؛ ولكل من النيرين : الشمس والقمر ، بيت واحد. أما بقية الكواكب الخمسة المتحيرة ، فكل واحد منها له بيتان. وانظر تفصيل قولهم في ذلك في رسالة الطوسي ، انفصل ١٧ ، شرح اللمعة ص ١١٩ ، مفاتيح العلوم ص ٢٢٥.

٢٤٩

واجبه ، وأشار لحظ الشّرف (١) بحاجبه ، وأسرع نيّر النّوبة (٢) في الأوبة ، (٣) قائما في الاعتذار مقام التّوبة ، واستأثر بالبروج المولّدة بيت البنين ، (٤) وتخطّت خطا القمر رأس الجوزهرّ (٥) وذنب التّنّين ، وساوق منها حكم الأصل ، حذوك النّعل بالنّعل ، تحويل السّنين ، (٦) وحقّق هذا المولود بين المواليد نسبة عمر الوالد ، فتجاوز درجة المئين ، واقترن بعاشره (٧) السّعدان (٨) اقتران الجسد ، وثبت بدقيقة مركزه قلب الأسد ، وسرق من بيت أعدائه (٩) خرثيّ (١٠) الغلّ والحسد ، ونظّفت

__________________

(١) شرف الكوكب : محل عزّه ، وعلوه ، وسعادته ؛ ولكل من الكواكب السبعة برج فيه شرفه ، والبرج كله شرف لذلك الكوكب ، إلا أن أقوى شرفه درجات معينة من ذلك البرج تنسب إلى ذلك الكوكب وتختصّ به ، فيقال حين يحلّ بها : إنه في شرفه. وانظر التفصيل في رسالة الطوسي ، الفصل ١٨ ، شرح اللمعة ص ١١٨ ، مفاتيح العلوم ص ٢٢٥.

(٢) نير النوبة يكون في الغالب الهيلاج (دليل العمر) ، وهو بالنهار الشمس ، وبالليل القمر.

(٣) الأوبة : الرجوع والعودة.

(٤) البيت الذي له دلالة على الأولاد ـ ويسمى بيت البنين أيضا ـ : هو البرج الخامس من البيوت الاثنى عشر والابتداء في العد من البرج الطالع ، وهو الواقع على الأفق الشرقي ؛ ويزعمون أنّه مهما كان الخامس أحد البروج الشمالية ، دلّ ذلك على كثرة النسل. (عن شرح منظومة ابن أبي الرجال) ، وانظر الطوسي ، الفصل ٢٥ ، مفاتيح العلوم ص ٢٢٧.

(٥) النقطتان اللتان يتقاطع عليهما فلك البروج مع فلك أي كوكب ، تسميان العقدتين ونقطة التقاطع الشمالية منهما ، يسمونها الجوزهر ، ونقطة الرأس ، والتي تقابلها تسمى النوبهر ، ونقطة الذنب.

والجوزهر الذي يقصدونه ، والذي دونوا حركته في التقاويم والأزياج ، هو جوزهر القمر خاصة.

الطوسي ، الفصل ١٠ ، مفاتيح العلوم ص ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(٦) هو تحصيل الحركة الوسطى للشمس عند حلولها برأس أحد الفصول الأربعة. ولهم في ذلك طرق حسابية معروفة. وانظر شرح اللمعة ص ٢٢١ ـ ٢٢٤.

(٧) العاشر : هو بيت السّلطان. الطوسي ، الفصل ٢٥.

(٨) السعدان : المشتري والزهرة ، وأكبرهما المشتري. الطوسي ، الفصل ٢٤.

(٩) بيت الأعداء ؛ هو البيت الثاني عشر. الطوسي ، الفصل ٢٥ ، مفاتيح العلوم ص ٢٢٨.

(١٠) الخرثى (بالضم) : أثاث البيت ، أو أردأ المتاع.

٢٥٠

طرق التّسيير ، (١) كما نفعل بين يدي الساعة عند المسير ، وسقط الشيخ الهرم من الدرج في البير ، ودفع المقاتل (٢) إلى الوبال (٣) الكبير :

لم لا ينال العلا أو يعقد التّاج

والمشتري طالع والشّمس هيلاج (٤)

والسّعد يركض في ميدانها مرحا

جذلان والفلك الدّوّار هملاج (٥)

كأن به ـ والله يهديه ـ قد انتقل من مهد التنويم ، إلى النهج القويم ، ومن أريكة الذراع ، إلى تصريف اليراع ، (٦) ومن كتد (٧) الدّاية ، (٨) إلى مقام الهداية ، والغاية المختطفة (٩) البداية ، جعل الله وقايته عليه عوذة ، (١٠) وقسم حسدته

__________________

(١) التسيير : أن ينظركم بين الهيلاج (دليل العمر) ، وبين السّعد أو النحس ، فيؤخذ لكلّ درجة سنة ؛ ويقال تصيبه السعادة أو النحس إلى كذا وكذا سنة. مفاتيح العلوم ص ٢٣١.

(٢) في مباهج الفكر ١ / ٢٩ (نسخة كوبريلي) :

«وأهل المغرب يسمون زحل مقاتلا ، والمريخ الأحمر ، وعطارد الكاتب».

(٣) الوبال : هو البرج المقابل لبيت الكوكب ؛ وهو البرج السابع من كل بيت ، ويسمى نظيره ، ومقابله ؛ وذلك أن يكون بينهما سنة بروج ، وهي نصف الفلك. الطوسي ، الفصل ١٧.

(٤) الهيلاج : دليل العمر ؛ والهياليج خمسة : الشمس ، والقمر ، والطالع ، وسهم السعادة ، وجزء الاجتماع والاستقبال. وإنما كانت أدلة العمر لأنها تسيّر إلى السعود والنحوس. (انظر الحاشية رقم ٦). مفاتيح العلوم ص ٢٣٠ ـ ٢٣١.

(٥) الهملاج : المركب الحسن السير ، والمسرع. يقول : لم لا ينال العلا ، وقد اتخذ الفلك مركبا له.

(٦) يعني بأريكة الذراع عهد الطفولة. واليراع : القصب ؛ ويريد : الأقلام.

(٧) الكتد : مجمع الكتفين من الإنسان ، وكاهله.

(٨) الداية : الظئر.

(٩) يريد أن سيبلغ الغاية في الفضل في الزمن القصير.

(١٠) العوذة : ما يعلق على الإنسان ليقيه من العين ونحوها.

٢٥١

قسمة محرّم اللّحم ، بين منخنقة (١) ونطيحة (٢) ومتردّية (٣) وموقوذة ، (٤) وحفظ هلاله في البدار (٥) إلى تمّه وبعد تمّه ، وأقرّ به عين أبيه وأمّه ، غير أنّي ـ والله يغفر لسيّدي ـ بيد أنّي راكع في سبيل الشّكر وساجد ، فأنا عاتب وواجد ، إذ كان ظنّي أنّ البريد بهذا الخبر إليّ يعمل ، وأنّ إتحافي به لا يهمل ، فانعكست القضيّة ، ورابت الحال المرضيّة ، وفضلت الأمور الذّاتية الأمور العرضيّة ، والحكم جازم ، وأحد الفرضين لازم ، إما عدم السّوية ، (٦) ويعارضه اعتناء حبله مغار ، (٧) وعهدة سلم لم يدخلها جزية ولا صغار ، أو جهل بمقدار الهبة ، ويعارضه علم بمقدار الحقوق ، ورضى مناف للعقوق ، فوقع الإشكال ، وربّما لطف عذر كان عليه الاتكال. وإذا لم يبشّر مثلي بمنحة الله قبل تلك الذّات السّرية ، الخليقة بالنّعم الحرية ، فمن الذي يبشّر ، وعلى من يعرض بزّها (٨) أو ينشر ، وهي التي واصلت التّفقّد ، (٩) وبهرجت (١٠) المعاملة وأبت أن تنقد ، وأنّست الغربة وجرحها غير مندمل ، (١١) ونفّست الكربة وجنحها (١٢) على الجوانح (١٣) مشتمل ، فمتى

__________________

(١) المنخنقة : الشاة ، وغيرها ؛ تخنق بحبل أو غيره.

(٢) النطيحة. الشاة تنطحها الأخرى بقرونها ؛ فعيلة بمعنى مفعولة.

(٣) المتردية : الساقطة من جبل ، أو في بئر.

(٤) الموقوذة : المقتولة ضربا بالخشب أو بالحجر. وكل هذه الأصناف قد حرّم أكله القرآن على المسلم.

وانظر الآية رقم ٣ من سورة المائدة ، وأحكام القرآن لابن العربي ١ / ٢٣٢ ، ٢٢٣.

(٥) يدعو له بأن يصاحبه الحفظ في سائر أطوار نموّه إلى أن يكتمل.

(٦) السوية : العدل ، والنصفة.

(٧) حبل مغار : محكم الفتل.

(٨) البز : الثياب.

(٩) التفقد : التعرف لأحوال الناس ، وتعهدها.

(١٠) بهرج : عدل عن الطريق المسلوك.

(١١) اندمل الجرح : برئ.

(١٢) الجنح : الظلمة.

(١٣) الجوانح : الضلوع تحت الترائب مما يلي الصدر.

٢٥٢

فرض نسيان الحقوق لم ينلني فرض ، ولا شهد به عليّ سماء ولا أرض ، وإن قصّر فيما يجب لسيدي عمل ، لم يقصّر رجاء ولا أمل ، ولي في شرح حمده ناقة وجمل. (١) ومنه جلّ وعلا نسأل أن يريه قرّة العين في نفسه وماله وبنيه ، ويجعل أكبر عطايا الهيالج (٢) أصغر سنيه ، ويقلّد عواتق (٣) الكواكب البابانية (٤) حمائل أمانيه. وإن تشوّف سبيلي لحال وليّه ، فخلوة طيّبة ، ورحمة من جانب الله صيّبة ، وبرق يشام ، (٥) فيقال : حدّث ما وراءك يا هشام. ولله درّ شيخنا إذ يقول :

لا بارك الله فيّ إن لم

أصرّف النّفس في الأهمّ

وكثّر الله في همومي

إن كان غير الخلاص همّي

وإن أنعم سيّدي بالإلماع بحاله ، وحال الولد المبارك ، فذلك من غرر إحسانه ، ومنزلته في لحظ لحظي بمنزلة إنسانه ، والسّلام.

__________________

(١) هو عكس لمعنى المثل : «لا ناقتي في هذا ، ولا جملي» ، الذي يضرب للتبري من الشيء ، وانظر الميداني ٢ / ١١٣ ، ١١٤.

(٢) ورد شرح له في حاشية سابقة.

(٣) العواتق : جمع عاتق ؛ وهو ما بين المنكب والعنق.

(٤) الكواكب الببانيات (أو البابانية) : هي التي لا تنزل الشمس بها ، ولا القمر.

(٥) شام البرق : نظر إلى سحابته أين تمطر.

٢٥٣

العودة إلى المغرب الأقصى

ولمّا كنت في الاعتمال في مشايعة السّلطان عبد العزيز ملك المغرب ، (١) كما ذكرت تفاصيله ، وأنا مقيم ببسكرة في جوار صاحبها أحمد بن يوسف بن مزنى ، وهو صاحب زمام رياح ، وأكثر عطائهم من السّلطان مفترض عليه في جباية الزّاب ، (٢) وهم يرجعون إليه في الكثير من أمورهم ، فلم أشعر إلا وقد حدثت المنافسة منه في استتباع العرب ، ووغر صدره ، (٣) وصدّق في ظنونه وتوهّماته ، وطاوع الوشاة فيما يوردون على سمعه من التقوّل والاختلاق ، وجاش صدره بذلك ؛ فكتب إلى ونزمار بن عريف ، (٤) وليّ السّلطان ، وصاحب شواره ، يتنفّس الصّعداء من ذلك ، فأنهاه إلى السّلطان ، فاستدعاني لوقته ، وارتحلت من بسكرة بالأهل والولد ، في يوم المولد الكريم ، سنة أربع وسبعين ، متوجّها إلى السّلطان ، وقد كان طرقه المرض ؛ فما هو إلا أن وصلت مليانة من أعمال المغرب الأوسط ، فلقيني هنالك

__________________

(١) هو أبو فارس ؛ عبد العزيز بن أبي الحسن بن أبي سعيد بن يعقوب بن عبد الحق المريني ، بويع سنة ٧٦٧ ، وتوفي سنة ٧٧٤. من ألمع ملوك بني مرين ؛ أعاد إلى الدولة قوتها وشبابها ، وأزال عنها حجر المستبدّين ؛ وإلى أبي فارس هذا أهدى ابن خلدون مقدمته ، ولا تزال صيغة الإهداء محفوظة بديباجة النسخة المطبوعة ببولاق. وانظر العبر ٧ / ٣٧٦ ، جذوة الاقتباس ص ٢٦٨ ، نثر فرائد الجمان ، ورقة ٢٧.

(٢) بلاد الزاب : منطقة واسعة كانت تشغل المساحة الواقعة في جنوب جبال أوراس ، وتشمل بسكرة ، وما حولها. وانظر خريطة الجزائر للادريسي رقم ٥١ ، ٥٢ ، وياقوت ٤ / ٣٦٥. وبغية الرواد ٢ / ٢٣ ، والترجمة الفرنسية ٢ / ٢٦.

(٣) وغر صدره : امتلأ غيظا وحقدا.

(٤) تقدم التعريف بونزمار.

٢٥٤

خبر وفاته ، وأنّ ابنه أبا بكر السّعيد (١) نصب بعده للأمر ، في كفالة الوزير أبي بكر بن غازي (٢) وأنّه ارتحل إلى المغرب الأقصى مغذّا السير إلى فاس ، وكان على مليانة يومئذ علي بن حسّون بن أبي علي اليناطي من قوّاد السّلطان وموالي بيته ، فارتحلت معه إلى أحياء العطّاف ، ونزلنا على أولاد يعقوب ابن موسى من أمرائهم ، وبذرق بي بعضهم إلى حلّة أولاد عريف : أمراء سويد ، (٣) ثم لحق بنا بعد أيام ، عليّ بن حسّون في عسكره ، وارتحلنا جميعا إلى المغرب على طريق الصحراء ، وكان أبو حمّو قد رجع بعد مهلك السّلطان من مكان انتباذه بالقفر في تيكورارين (٤) إلى تلمسان ، فاستولى عليها وعلى سائر أعماله ، فأوعز إلى بني يغمور من شيوخ عبيد

__________________

(١) السعيد محمد بن عبد العزيز بن أبي الحسن. كناه ابن خلدون هنا ، وفي العبر ٧ / ٣٥١ «أبا بكر». وفي الجذوة لابن القاضي ، والاستقصا للناصري : أنّ كنيته «أبو زيّان». بويع ـ وهو صبي لم يعد سنه الخامسة ـ سنة ٧٧٤ ، وخلع سنة ٧٧٦. وانظر العبر ٧ / ٣٣٦ ، ٣٥١ ، جذوة الاقتباس ص ١٣٠ ، الاستقصا ٢ / ١٣٣.

(٢) تقدم التعريف به. وانظر جذوة الاقتباس ص ١٣١.

(٣) أولاد عريف هؤلاء : عرب من سويد ، ينتهي نسبهم إلى زغبة ؛ ورثوا الرياسة على قومهم منذ القديم. واتصل عريف ببني مرين ملوك المغرب ، وسفر عن أبي الحسن المرين إلى الحفصيين ، وبني الأحمر ، وإلى المماليك بمصر. وفي العبر ٦ / ٤٤ ـ ٤٨ ، تفصيل واف لأخبارهم ومواطنهم.

(٤) تيكورارين (Tigourerin) جمع للكلمة البربرية تاجرارت ، أوTigourart ، عرضها الشمالي نحو ٣٢ ـ ٤٠ ، وطولها الغربي نحو ٥ ـ ٣٠) : تقع في الجزء الشمالي الشرقي لواحات تواTouat. ويقول ابن خلدون : إنّها في شرق تلمسان على عشر مراحل منها ؛ وهي قصور كثيرة تقارب المائة في بسيط واد منحدر من المغرب إلى الشرق ؛ وكانت مركزا تجاريا هاما ، تنزله القوافل التي تأتي من السودان إلى المغرب ، والتي تذهب من المغرب إلى السودان. وانظر بغية الرواد ٢ / ٢٦١ ، والترجمة الفرنسية ٢ / ٣١٨ ، وترجمة مقدّمة ابن خلدون ١ / ١١٥ الحاشية رقم ٤. ومعنى تاجرارت (بالجيم المعقودة) : المحلة ، أو المجتمع في لغة البربر. وانظر «الروض الهتون» ص ٥.

٢٥٥

الله (من) (١) المعقل أن يعترضونا بحدود بلادهم من رأس العين (٢) مخرج وادي زا (٣) فاعترضونا هنالك ، فنجا من نجا منّا على خيولهم إلى جبل دبدو ، (٤) وانتهبوا جميع ما كان معنا ، وأرجلوا الكثير من الفرسان وكنت فيهم ، وبقيت يومين في قفره ، ضاحيا (٥) عاريا إلى أن خلصت إلى العمران ، ولحقت بأصحابي بجبل دبدو ، ووقع في خلال ذلك من الألطاف ما لا يعبّر عنه ، ولا يسع الوفاء بشكره. ثم سرنا إلى فاس ، ووفدت على الوزير أبي بكر ، وابن عمّه محمد بن عثمان بفاس ، في جمادى من السّنة ، وكان لي معه قديم صحبة واختصاص ، منذ نزع معي إلى السّلطان أبي سالم بجبل الصّفيحة ، عند إجازته من الأندلس ، لطلب ملكه ، كما مرّ في غير موضع من الكتاب ، (٦) فلقيني من برّ الوزير وكرامته ، وتوفير جرايته وإقطاعه ، فوق ما أحتسب ، وأقمت بمكاني من دولتهم أثير المحلّ ، نابه الرّتبة ، عريض الجاه ، منوّه المجلس. ثم انصرم فصل الشّتاء ، وحدث بين الوزير أبي

__________________

(١) الزيادة عن العبر ٧ / ٣٣٦ ، ٤٤٠.

(٢) يعرف رأس العين الآن بعين بني مطهر (Beni mat\'har Ain) ؛ وهي منابع تقع في شرق مدينة دبدو ، وبها مركز حربي تابع لبركان (Berguent) وانظر بغية الرواد ـ الترجمة الفرنسية ٢ / ٦٢.

(٣) كتبه ابن خلدون صادا في وسطها زاي ـ إشارة إلى أن نطقه بين الصاد والزاي. ويقع هذا الوادي في جنوب عين البرديل ـ عن يمين وادي ملوية ـ بنحو ٥١ كيلومترا. وانظر بغية الرواد ـ الترجمة الفرنسية ٢ / ٢٩٩ ، ٣٠٠.

(٤) مدينة قرب الحدود الشرقية للمغرب الأقصى ، تبعد عن مدينة تاوريرت Taurirt نحو الجنوب الغربي بنحو ٥٢ كيلومترا ، وعن مدينة كرسيف Guercif نحو الجنوب بما يقرب من ٥١ كيلومترا.

وقد احتلها الفرنسيون منذ سنة ١٩١١ م. وانظر ما كتبه Nehlil في :

Notice sur Ies tribus de la region de Debdou, dans le Bull. De la Soc. de Geog. d\'Alger, ler tirm ١١٩١ P. ٠٤ ـ ٧٦.

وانظر : EncycloPedie de I\'Islam Par ,A.Caur

(٥) الضاحي : الذي لا يستره حائط ولا غيره ، فيصيبه حرّ الشمس وأذاها.

(٦) انظر مثلا العبر ٧ / ٣٠٤ ـ ٣٠٦.

٢٥٦

بكر بن غازي ، وبين السّلطان ابن الأحمر ، منافرة بسبب ابن الخطيب ، (١) وما دعا إليه ابن الأحمر من إبعاثه عنهم ، وأنف الوزير من ذلك ، فأظلم الجو بينهما ، وأخذ الوزير في تجهيز بعض القرابة من بني الأحمر ، للإجلاب على الأندلس ، فبادر ابن الأحمر إلى إطلاق الأمير عبد الرحمن بن أبي يفلّوسن من ولد السّلطان أبي علي ، والوزير مسعود بن رحّو بن ماساي ، (٢) كان حبسهما أيام السّلطان عبد العزيز ، وبإشارته بذلك لابن الخطيب حين كان في وزارته بالأندلس ، (٣) فأطلقهما الآن ، وبعثهما لطلب الملك بالمغرب ، وأجازهما في الأسطول إلى سواحل غساسة ، (٤) فنزلوا بها ، ولحقوا بقبائل بطوية هنالك ، فاشتملوا عليهم ، وقاموا بدعوة الأمير عبد الرحمن ، ونهض ابن الأحمر من غرناطة في عساكر الأندلس ، فنزل على جبل الفتح يحاصره ، وبلغت الأخبار بذلك إلى الوزير أبي بكر بن غازي القائم بدولة بني مرين ، فجهّز لحينه ابن عمّه محمد بن الكاس (٥) إلى سبتة لإمداد الحامية الذين لهم بالجبل ، ونهض هو في العساكر إلى بطوّية لقتال الأمير عبد الرحمن ، فوجده قد ملك تازى ، فأقام عليها يحاصره ، (٦) وكان السّلطان عبد

__________________

(١) انظر القول المفصّل في هذا في العبر ٧ / ٣٣٢ ـ ٣٣٦ ، ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، الاستقصا ٢ / ١٣٢.

(٢) هو مسعود بن عبد الرحمن بن ماساي. تولى محاربة أبي حمو ، وإخراجه من تلمسان سنة ٧٦٠ في أيام أبي عنان. له في حوادث المغرب مواقف تجدها في الاستقصا ٢ / ١٠٣ ، ١٠٤ ، ١٣٢. ورحو ـ في اللغة البربرية ـ تصغير عبد الرحمن.

(٣) كان ذلك سنة ٧٧٤ ه‍. وانظر خبره بأوسع ممّا هنا في العبر ٧ / ٣٣٨.

(٤) تقع أرض غساسة عند مصب وادي ملوية ، وهناك أيضا كانت قبائل بطوية. وانظر العبر ٦ / ١٠١ ، ١٠٢.

(٥) هو محمد بن عثمان بن الكاس المجدولي. له ترجمة في جذوة الاقتباس ص ٥٥. وفي العبر ٧ / ٣٥١ ، بعض أخباره ، ومقتله.

(٦) يختلف المعنى قليلا عما هنا في رواية العبر ، التي يقول فيها : «... ونازل عبد الرحمن ببطوية ، وقاتله أياما ، ثم رجع إلى تازا ، ثم إلى فاس ، ودخل الأمير عبد الرحمن تازا الخ». العبر ٧ / ٣٣٨.

٢٥٧

العزيز قد جمع شبابا من بني أبيه المرشّحين ، فحبسهم بطنجة ، (١) فلمّا وافى محمد بن الكاس سبتة ، وقعت المراسلة بينه وبين ابن الأحمر ، وعتب كلّ منهما صاحبه على ما كان منه ، واشتدّ عذل ابن الأحمر على إخلائهم الكرسي من كفئه ، ونصبهم السعيد ابن عبد العزيز صبيّا لم يثغر ، فاستعتب له محمد ، واستقال من ذلك ، فحمله ابن الأحمر على أن يبايع لأحد الأبناء المحبوسين بطنجة ، وقد كان الوزير أبو بكر أوصاه أيضا بأنّه إن تضايق عليه الأمر من الأمير عبد الرحمن ، فيفرّج عنه بالبيعة لأحد أولئك الأبناء.

وكان محمد بن الكاس قد استوزره السّلطان أبو سالم لابنه أحمد أيام ملكه ، فبادر من وقته إلى طنجة ، وأخرج أحمد ابن السّلطان أبي سالم (٢) من محبسه ، وبايع له ، وسار به إلى سبتة ، وكتب لابن الأحمر يعرّفه بذلك ، ويطلب منه المدد على أن ينزل له عن جبل الفتح ، فأمدّه بما شاء من المال والعسكر ، واستولى على جبل الفتح ، وشحنه بحاميته ، وكان أحمد ابن السّلطان أبي سالم ، قد تعاهد مع بني أبيه في محبسهم ، على أنّ من صار الملك إليه منهم ، يجيز الباقين إلى الأندلس ، فلمّا بويع له ذهب إلى الوفاء لهم بعهدهم ، وأجازهم جميعا ، فنزلوا على السّلطان ابن الأحمر ، فأكرم نزلهم ووفر جراياتهم. وبلغ الخبر بذلك كلّه إلى الوزير أبي بكر بمكانه من حصار الأمير عبد الرحمن بتازة ، فأخذه المقيم المقعد من فعلة ابن عمّه ، وقوّض (٣) راجعا إلى دار الملك ، وعسكر بكدية العرائس من ظاهرها ،

__________________

(١) انظر مفصل هذه الأحداث في العبر ٧ / ٣٣٨ ـ ٣٤١. وطنجةTanger) ، عرضها الشمالي ٣٥ ـ ٤٨ ، وطولها الغربي ٥ ـ ٤٨) : مدينة معروفة بالمغرب الأقصى ، واقعة على المحيط الأطلنطي ، يفصلها عن أوروبا مضيق جبل طارق الذي يبعد عنها شمالا بنحو ١٨ ميلا.

(٢) هو السّلطان أبو العباس أحمد بن أبي سالم : إبراهيم بن سعيد بن يعقوب بن عبد الحق المريني يلقب بالمستنصر بالله. بويع بطنجة سنة ٧٧٥ ، وتمت له البيعة العامة بالمدينة البيضاء من فاس الجديد سنة ٧٧٩ ؛ وخلع سنة ٧٨٦. وفي سجن أبي العباس هذا ، مات ابن الخطيب السلماني لسان الدين. وانظر سلوة الأنفاس ٣ / ١٦٦ ، الاستقصا ٢ / ١٣٣ ، ١٣٦ ، ١٣٩.

(٣) قوض خيامه : هدمها ، والجيش : فرّقه.

٢٥٨

وتوعّد ابن عمّه محمد بن عثمان ، فاعتذر بأنّه إنّما امتثل وصيّته ، فاستشاط وتهدّده ، واتّسع الخرق بينهما ، وارتحل محمد بن عثمان بسلطانه ومدده من عسكر الأندلس إلى أن احتلّ بجبل زرهون (١) المطلّ على مكناسة ، (٢) وعسكر به ، واشتملوا عليه ، وزحف إليهم الوزير أبو بكر ، وصعد الجبل ، فقاتلوه وهزموه ، ورجع إلى مكانه بظاهر دار الملك. وكان السّلطان ابن الأحمر قد أوصى محمد بن عثمان بالاستعانة بالأمير عبد الرحمن ، والاعتضاد به ، ومساهمته في جانب من أعمال المغرب يستبدّ به لنفسه ، فراسله محمّد بن عثمان في ذلك ، واستدعاه ، واستمدّه. وكان ونزمار بن عريف وليّ سلفهم قد أظلم الجوّ بينه وبين الوزير أبي بكر ، لأنه سأله وهو يحاصر تازى ـ في الصلح مع الأمير عبد الرحمن فامتنع واتّهمه بمداخلته ، والميل له ، فاعتزم على القبض عليه ، ودسّ إليه بذلك بعض عيونه ، فركب الليل ، ولحق بأحياء الأحلاف من المعقل ، (٣) وكانوا شيعة للأمير عبد الرحمن ، ومعهم عليّ بن عمر الويعلاني (٤) كبير بني ورتاجّن ، كان انتقض على الوزير ابن غازي ،

__________________

(١) جبل واقع في شمال مدينة مكناسة الزيتون ، على بعد نحو ٣٠ كيلومترا منها ، وبه مدفن المولى إدريس الأكبر مؤسس الدولة الإدريسية بالمغرب. وبالجبل تقع مدينة وليلى Volubilis التاريخية.

(٢) مكناسةMekness) عرضها الشمالي ٣٤ ، وطولها الغربي ٥ ـ ٣٣) : مدينة قديمة أسستها قبيلة مكناسة البربرية قبل الإسلام ؛ وقد ازدهرت أيام بني مرين ، فبنوا فيها المساجد ، والفنادق ، والمدارس ؛ ولا تزال مدرسة أبي عنان بها تلفت الأنظار ، ولا سيما أبوابها النحاسية الزخرفة. وقد اتخذها السّلطان المولى إسمعيل العلوي عاصمة ملكة سنة ١٠٨٤ ه‍. ولمكناسة ـ من بين مدن المغرب تاريخ حافل ، ولذلك حظيت بعناية المؤرّخين فكتبوا في تاريخها ما خلّد مآثرها. وآخر من خصّها بالبحث المؤرخ الضليع ، المرحوم المولى عبد الرحمن بن زيدان المتوفى سنة ١٣٦٥ ه‍ ؛ فقد ألف فيها كتابه الحافل الذي سمّاه : «إتحاف أعلام الناس ، بجمال أخبار حاضرة مكناس» وقد طبع منه خمس مجلدات بالمغرب.

(٣) يرجح ابن خلدون ـ في المعقل ـ أنهم من عرب اليمن ؛ وهم من أوفر القبائل عددا بالمغرب الأقصى ، وكانت مساكنهم موزعة من تلمسان إلى البحر المحيط ؛ وقد ملكوا قصور زناته التي كانت بالصحراء ، والتي منها قصور «تيكورارين». وانظر العبر ٦ / ٥٨ ـ ٧٠.

(٤) في العبر ٧ / ٣٤٠ : علي بن عمر بن ويعلان ، شيخ بني مرين.

٢٥٩

ولحق بالسوس ، (١) ثم خاض القفر إلى هؤلاء الأحلاف ، فنزل بينهم مقيما لدعوة الأمير عبد الرحمن. فجاءهم ونزمار مفلتا من حبالة الوزير أبي بكر ، وحرّضهم على ما هم فيه ، ثم بلّغهم خبر السّلطان أحمد بن أبي سالم ، ووزيره محمد بن عثمان ، وجاءهم وافد الأمير عبد الرحمن يستدعيهم ، وخرج من تازى فلقيهم ، ونزل بين أحيائهم ، ورحلوا جميعا إلى إمداد السّلطان أبي العبّاس ، حتى انتهوا إلى صفووى. ثم اجتمعوا جميعا على وادي النجا ، وتعاقدوا على شأنهم ، وأصبحوا من الغد على التعبئة ، كلّ من ناحيته.

وركب الوزير أبو بكر لقتالهم فلم يطق ، وولّى منهزما ، فانحجر بالبلد الجديد ، (٢) وخيّم القوم بكدية العرائس محاصرين له ، وذلك أيام عيد الفطر من خمس وسبعين ، فحاصروها ثلاثة أشهر ، وأخذوا بمخنّقها إلى أن جهد الحصار الوزير ومن معه ، فأذعن للصلح على خلع الصبي المنصوب السعيد ابن السّلطان عبد العزيز ، وخروجه إلى السّلطان أبي العبّاس ابن عمّه ، والبيعة له ، (٣) وكان السّلطان أبو العبّاس ، والأمير عبد الرحمن ، قد تعاهدوا ـ عند الاجتماع بوادي النجا ـ على التعاون والتناصر ، على أن الملك للسّلطان أبي العبّاس بسائر أعمال المغرب ، وأن

__________________

(١) السوس : إقليم واسع خصب ؛ يقع في جنوب مدينة مراكش وراء جبال الأطلس ، ويتخلّله واد عظيم يسمى وادي سوس ، تتفرع منه فروع عدّة ؛ وحول الوادي وفروعه مزارع واسعة ، بها أشجار ونخل. وبإقليم السوس مدن كبيرة ؛ منها تارودانت Taroudant ، وتزنيت Tizit ، وعلى ساحلي البحر المحيط ، حيث مصب وادي سوس ، تقع مدينة أجاديرAgadir. وانظر العبر ٦ / ١٠٠ ، ٢٧٤. أما ياقوت فليس في كلامه عن «سوس» ما يعوّل عليه.

(٢) تسمى أيضا المدينة البيضاء ، وفاس الجديد ، بناها يعقوب بن عبد الحق المريني على وادي فاس ملاصقة ؛ وكان ذلك سنة ٧٦٤ ه‍. وانظر الاستقصا ٢ / ٢٢ ، العبر ٧ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٣) الزيادة عن ط.

٢٦٠