تهذيب اللغة - ج ٥

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٠

وقال أبو عُبيد : يقال لاحنْتُ الناس أي فاطَنْتهم وقال في تفسير حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لعل بَعْضَكُمْ أَن يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ من بَعْض» يعني أَفْطَنَ لها وأجْدَل. قال واللَّحَنُ بفتحِ الحاءِ الفِطْنَةُ. ومنه قولُ عمرَ بن عبدِ العزيز «عَجِبْتُ لمن لَاحَنَ النَّاسَ كيفَ لا يعرفُ جوَامعَ الكَلِم» قال ومنه قيل : رجل لَحِنٌ ، إذا كان فَطِناً. وقال لبيد :

مُتَعَوِّذٌ لَحِنٌ يعيد بِكَفِّه

قَلَماً على عُسُبٍ ذَبُلْنَ وَبَانِ

وأمّا قولُ عمر بن الخطاب «تعلموا اللَّحْنَ والفَرَائِضَ» فهو بتسكين الحاءِ ، قال أبو عبيد : وهو الخطأ في الكلام وقد لَحَنَ الرجلُ لَحْناً ومنه حديثُ أبي العاليةِ قال : «كنتُ أَطُوف مع ابنِ عبَّاس وهو يُعَلِّمُنِي لَحْنَ الكلام».

قال أبو عبيد : وإنما سماه لَحْناً لأنه إذا بصَّرَهُ الصوابَ فقد بصَّرَهُ اللَّحْن.

قال وقوله (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) أي في فَحْوَاهُ ومعناه.

وقال شَمِر قال أبو عدنان : سألت الكِلَابِيِّينَ عن قول عُمَرَ : «تعلّموا اللَّحْن في القرآنِ كما تَعَلَّمُونَه» ، فقالوا كُتِبَ هذا عن قَوْم لهم لَغْوٌ لَيْسَ كلَغْوِنا ، قلت مَا اللغْوُ؟ فقالَ : الفاسدُ من الكَلَامِ.

وقال الكلابيُّون : اللَّحْنُ اللُّغَةُ ، فالمعنى في قول عمر : تعلموا اللَّحْنَ فيه ، يقول : تعلَّموا كيفَ لُغَةُ العَرَبِ الذين نَزَلَ القرآنُ بِلُغَتِهم.

قال أبو عدنان : ويكون معنى تعلَّمُوا اللَّحْن فيه ، أي اعْرِفوا معانِيَه ، كقوله جلّ وعزّ : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محَمَّد : ٣٠] أي في معناه وفحواه.

قال أبو عدنان وأخبرني أو زيد : أَنَّ معنَى قولِ عُمَرَ : «أُبَيُّ أَقْرَؤُنَا ، وإنَّا لنَرْغَبُ عن كثيرٍ من لَحْنِهِ» قال لَحْنُ الرجل لغَتُه.

وأنشدَتْني الكلبيَّةُ :

وقومٌ لهم لحنٌ سِوَى لَحْنِ قَوْمِنَا

وشَكْلٌ وبيتِ الله لَسْنَا نُشَاكِلُهْ

وقال عبيد بن أيوب :

ولله دَرُّ الغُولِ أيُّ رفيقةٍ

لصاحِبِ قَفْرٍ خائفٍ يَتَقَتَّرُ

فلما رأتْ أَلَّا أُهَالَ وأنني

شُجاعٌ إذا هُزَّ الجَبَان المطيَّرُ

أتَتْنِي بِلَحْن بعد لحْنٍ وأوْقَدَتْ

حَوَالَيَّ نيراناً تَبُوخُ وتَزْهَرُ

قال الليثُ : والألحانُ الضُّرُوبُ من الأصْوَاتِ الموْضُوعَةِ المصُوغَة ، قال : واللَّحْنُ تَرْكُ الصّوابِ في القراءة والنَّشيد ، يُخَفَّفُ ويثَقَّل ، قال واللَّحَّانُ واللَّحَّانَةُ : الرجلُ الكثيرُ اللَّحْن ، وقال غيرُه في قول الطرماح :

وأَدَّتْ إليَّ القَوْلَ عَنْهُنَّ زَوْلَةٌ

تُلَاحنُ أو تَرْنُو لقول المُلَاحن

أي تَكلَّم بمعنى كلامٍ لا يُفْطَنُ له ويَخْفَى على الناس غيري. وقال بعضهم في قوله : منطق صائب وتلحن أحياناً : إنَّها تُخْطىءُ في الإعرَابِ ، وذلك أنه يُسْتَمْلَحُ من

٤١

الجَوَارِي ذاك إذا كان خَفِيفاً ، ويستثقل منهنَّ لزوم حاقِّ الإعراب.

وقِدْحٌ لاحِنٌ إذا لم يكن صَافِيَ الصَّوْتِ عند الإفاضة. وكَذَلِكَ قَوْسٌ لَاحِنَةٌ إذا أُنْبِضَتْ. وسَهْمٌ لَاحِنٌ عند التَّنْفِيز : إذا لم يكن حنَّاناً عنْد الإدَامَةِ على الإصْبَع والمُعْرِبُ من جَمِيعِ ذلك على ضِدِّه. وملاحِنُ العُودِ ضُرُوبُ دَسْتَانَاتِهِ ، يقال هذا لَحْنُ فُلانٍ العَوَّادِ ، وهو الوجْهُ الذي يَضْرب به.

نحل : في حديث ابن عباس أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن قتل النَّحْلَةِ والنَّمْلَةِ والصُّرَدِ والهُدْهُد.

وأخبرني المنذريُّ عن إبراهيم الحربيِّ أنه قال : إنَّما نَهى عن قَتْلهِن لأنهن لا يُؤْذِينَ النَّاسَ ، وهي أقل الطُّيُورِ والدَّوَابِّ ضَرَراً على النَّاس ، ليس هِيَ مِثْلَ ما يَتَأَذَّى به النّاسُ من الطيورِ الغرابِ وغيرِه ، قيل له : فالنَّمْلَةُ إذا عضَّتْ تُقْتَلُ؟ قال : النملةُ لا تعَضُّ إنما يَعَضُّ الذَّرُّ. قيل له فإذا عَضَّتْ الذَّرَّةُ تُقْتَلُ؟ قال : إذا آذَتْكَ فاقْتُلْها.

قال : والنَّمْلةُ التي لَهَا قَوائمُ تكون في البَرَارِي والخرَابَاتِ ، وهذه الذي يَتَأَذَّى بها النَّاس هي الذَّرُّ. ثم قال : والنَّمْلُ ثلاثة أَصْنَافٍ : النَّمْلُ ، فارز ، وعُقَيْفانُ. قال الليث : والنحل دَبْرُ العسلِ ، الواحدةُ نَحْلَةٌ.

وقال أَبُو إسحاق الزجَّاج في قول الله جلّ وعزّ : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [النّحل : ٦٨] الآية ، جائزٌ أن يكون سُمِّيَ نَحْلاً لأنَّ الله جلَّ وعزَّ نَحَل الناسَ العسلَ الذي يَخْرُج من بُطونها.

وقال غيرُه من أهل العربية النَّحْلُ يذكَّرُ ويؤَنَّثُ ، وقد أنثها الله جلَّ وعزّ فقال : (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) [النّحل : ٦٨] والواحدةُ نَحْلَةٌ ، ومن ذكَّرَ النَّحْلَ فلأن لفْظَهُ مذكَّرٌ ، ومن أَنَّثه فلأَنه جَمْعُ نحْلَة.

وقال الليث : النُّحْلُ إعْطاؤُك إنْسَاناً شيئاً بلا استعاضَةٍ قال ونُحْلُ المرأة مَهْرُها وتقول أعطيتها مهرها نحْلةً إذا لم تُرِدْ منها عِوَضاً.

وقال الزجّاج في قول الله جلّ وعزّ : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ نِحْلَةً) [النِّساء : ٤].

قال بعضهم : فريضةً.

وقال بعضهم : دِيَانَةً ، كما تقول فلان يَنْتَحِلُ كذا وكذا ، أي يَدِينُ به.

وقال بعضهم : هي نِحْلة من الله لَهُنَّ؟ أَنْ جَعلْ على الرِّجالِ الصَّدَاقَ ، ولم يجعل على المرْأةِ شَيْئاً من الغُرْمِ فتلك نِحْلَةٌ من الله للنساء. ويقال : نَحَلْتُ الرجلَ والمرأةَ إذا وهَبْتُ له نَحْلَةً ونُحْلاً. قلت ومثل نِحْلة ونُحْل حِكْمة وحُكْم.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابي في قوله : (صَدُقاتِهِنَ نِحْلَةً) أي دِيناً وتدَيُّناً.

وقال الليث : نَحَلَ فلانٌ فلاناً أي سابَّهُ فهو ينحَلُهُ : يسابّه.

وقال طرفة :

٤٢

فَذَرْ ذا وانْحَلِ النُّعْمانَ قولا

كنَحْتِ الفَأْسِ يُنْجِد أو يَغُور

قلت : قوله نحل فلان فلاناً أي سابَّه باطلٌ وهو تصحيف لنَجَل فلانُ فلاناً إذا قطعه بالغِيبة.

وروي في الحديث «مَنْ نَجل الناس نَجَلُوه» أي من عابَ الناسَ عابُوه ، ومن سبَّهم سبُّوه. وهو مثلُ ما روي عن أَبي الدّرْداء : إن قارَضْت الناسَ قارضُوك وإن تركْتَهُمْ لم يتْرُكُوك» وقوله : إن قارضْتَ الناسَ مأخوذٌ من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «رفع الله الْحَرَج إلّا مَن اقْتَرض عِرْضَ امرىءٍ مُسْلِمٍ فذلك الذي حَرِجَ» وقد فسرناه في موضعِهِ. والنَّجلُ والقَرْضُ معناهُما القَطْع. ومنه قيل للحديدة ذات الأسنان مِنْجَل.

وقال اللَّيثُ : يقال انْتَحَل فلانُ شِعْرَ فُلانٍ إذا ادّعاه أَنَّهُ قائِلُه. ويقال نُحِل الشاعرُ قصيدةً إذا نُسِبَتْ إليه وهي من قِيل غَيْره.

وقال الأعشى في الانتحال :

فكيْفَ أَنا وانْتِحالي القوا

فِ بَعْد المشيبِ كَفَى ذَاك عَارا

أراد انتحالي القوافي فدلَّت كسرةُ الفاء من القوافِي على سُقُوط الياءِ ، فَحَذَفَها كما قال الله (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) : [سَبَإ : ١٣] قال أبو العباس أحمدُ بن يحيى في قولهم انْتَحلَ فلانٌ كذا وكذا : معناه قد ألْزَمَهُ نَفْسَه وجعله كالمِلْك له ، أُخِذَ من النِّحلة وهي الهِبَةُ والعطيّة يُعْطَاهَا الإنسانُ. قال الله تبارك وتعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ نِحْلَةً) أراد هِبَةً ، والصَّدَاقُ فَرْضٌ ؛ لأن أَهْلَ الجاهليةِ كانوا لا يُعْطُون النِّسَاءَ من مُهُورِهِنَّ شيئاً فقال الله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ نِحْلَةً) هبةً من الله إذْ كانَ أهلُ الجاهليَّة يَدْفَعُونَهُنَّ عن صَدُقَاتِهِنَّ ، والنحلة هِبَةٌ من الله للنِّساء فَرَضَهُ لهن على الأزْوَاج.

وقال الليثُ : نَحلَ الجسم يَنْحَلُ نُحْولاً فهو نَاحلٌ. قلت : والسيف النَّاحِلُ الذي فيه فُلُولٌ فَيُسَنُّ مَرَّةً بعد أُخْرَى حتى يَرِقّ ويذهبَ أَثَرُ فُلُوله ، وذلك أَنَّهُ إذا ضُرِبَ به فَصَمَّم انْفَلَّ فينْحني القَيْنُ عليه بالمَدَاوِس والصَّقْلِ حتى يُذْهِبَ فُلولَه. ومنه قول الأعشى :

مَضَارِبُها من طول ما ضربوا بِها

ومِنْ عَضِّ هَامِ الدَّار عين نَواحِل

وجمل ناحل : مَهْزُولٌ دقيق وقمر ناحِل إذا دقّ وَاسْتَقْوَسَ ورجل ناحِلٌ وامرأةٌ نَاحِلَةٌ ونِساءٌ نَوَاحلُ ورجال نُحَّلُ.

ح ل ف

حلف ، حفل ، لحف ، فحل ، لفح ، فلح : مستعملات.

حلف : قال الليث : الحَلْفُ والحَلِفُ لغتان وهو القَسَمُ والواحدة حَلْفة وقال امرؤ القيس :

حلفتُ لها بالله حِلْفَة فاجرٍ

لناموا فما إنْ مِنْ حديثٍ ولا صالِ

قال ويقال : مَحْلُوفَةً بالله ما قال ذاك ، يَنْصِبُون على ضميرِ أَحْلِفُ بالله مَحْلُوفَةً أي قَسَماً والمحْلُوفَة القَسَم.

أبو عبيد عن الأحمر : حلفت مَحْلُوفاً مصدرٌ وكذلك المعقول والميسور والمعسور. وقال ابن بُزُرْج : لا ومحْلُوفَائِه

٤٣

لا أفْعَلُ يريد : ومحْلوفِه فمدّها. وقال الفرَّاءُ حكايةً عن العرب : إنّ بني نُمَيْرٍ ليس لهم مَكْذُوبَةٌ ؛ وقال اللَّيْثُ : رجل حلَّافٌ وحلَّافَةٌ كثيرُ الحلفِ. ويقول استَحلَفْتُه بالله ما فعل ذَاكَ.

قال وتقول : حَالَفَ فلانٌ فُلَاناً فهو حَلِيفُه.

وبينهما حلفٌ لأنَّهُما تحالَفَا بالأَيْمان أن يكون أمْرُهما واحداً بالوفاء فَلَمّا لَزِم ذلك عندهُم في الأَحْلَافِ التي في العشائر والقبائِلِ صار كلُّ شَيْءٍ لَزِمَ شَيْئاً فلم يُفَارِقْه فهو حَلِيفُه حتى يُقَال : فلانٌ حليفُ الجُودِ ، وفلان حليفُ الإكثار وحليفُ الإقْلَالِ : وأنشد قول الأعشى :

وشرِيكيْنِ في كثيرٍ من الما

لِ وكانا مُحَالِفَيْ إِقْلَالِ

وقال شَمِر : سمعتُ ابن الأعرابيِّ يقول : الأَحْلَافُ في قريش خَمْسُ قبائل ، عبدُ الدّار وجُمَحُ وسَهْمٌ ومَخْزُومٌ وعَدِيُّ بن كعبٍ. سُمُّوا بذلك

لمَّا أَرَادَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَخْذَ مَا في أَيْدِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ من الحِجَابَةِ والرِّفَادَةِ واللِّوَاءِ والسِّقَايَةِ وأَبت بَنُو عَبْدِ الدّارِ ، عَقَدَ كلُّ قَوْم على أمرهم حِلْفاً مُؤكَّداً على ألَّا يَتَخاذَلُوا ، فَأَخْرَجَتْ عَبْدُ مَنَافٍ جَفْنَةً مملوءَةً طيباً فوضَعُوهَا لأَحْلَافِهِمْ في المسجد عندَ الكعبةِ ، ثم غَمَسَ القوْمُ أيديَهم فِيها وتعاقَدُوا ثم مَسَحُوا الكعبة بأيديهم توكيداً. فسموا المطيَّبين ، وتعاقدت بَنُو عبدِ الدّارِ وحلفاؤها حِلْفاً آخَرَ مؤكَّداً على ألَّا يتخاذلوا ، فَسُمُّوا الأَحْلَافَ. وقال الكميت يذكرهم :

نسباً في المطيَّبين وفي الأح

لاف حَلَّ الذُّؤَابَةَ الْجُمْهُورَا

وروى ابن عُيَيْنَة عن ابن جُرَيْج عن ابن أبي مُلَيْكة قال كنت عند ابْنِ عبّاس فَأَتَاهُ ابن صفوانَ فقال : نِعْمَ الإمارَةُ إمَارَةُ الأَحْلافِ كانت لَكُمُ.

قال : الذي كان قبْلَها خيرٌ منها ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المطيِّبِين ، وكان أبو بكرٍ من المطيِّبين وكان عمر من الأَحْلَاف يعني إمارةَ عمر. وسمع ابن عباس نَادِبَةَ عُمَرَ وهي تقول : يا سيّد الأحْلَافِ فقال ابن عباس : نعم ، والمُحْتَلَفِ عليهم. قلت وأنها ذَكَرت ما اقْتَصَّه ابنُ الأعرابي لأن القُتَيْبيَّ ذكر الطيِّبين والأحْلافَ فَخَلَطَ فيما فسّر ولم يُؤَدِّ القِصَّةَ عَلَى وَجْهِها ، وأرجو أن يكونَ ما روَاهُ شَمِرٌ عن ابن الأعرابيِّ صَحِيحاً.

وفي الحديث أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حَالَفَ بَيْن قُرَيْشِ والأنصارِ أي آخَى بَيْنَهُم ، لأنه لا حِلْفَ في الإسلام.

وقال الليثُ : أَحْلَفَ الغلامُ إذا جَاوزَ رِهَاقَ الحُلُم. وقال بعضُهم قد أُحْلِفَ. قلت أنا : أُحْلِفَ الغُلَامُ بهذا المعنى خَطَأٌ إنما يقال أَحْلَفَ الغلام إذا رَاهَقَ الحُلُم فاختلف النَّاظِرُون إِلَيْه ، فقائل يقول قد احْتَلَم وأدْرَكَ ، ويَحْلِفُ على ذَلِكَ ، وقائلٌ يقولُ : غَيْرُ مُدْرِك ، ويَحْلِفُ على قولِه. وكلُّ شيء يختلف فيه النَّاس ولا يَقِفُون منه على أَمْرٍ صحيح فهو مُحْلِف ، والعرب تقول للشيء المختلف فيه مُحْلِفٌ ومُحْنِثٌ.

٤٤

وروى أبو عُبَيْد عن الأصمعيِّ عن أبي عمرو بن العلاء أَنَّهُ قال : حَضَارِ والوزْنُ مُحْلِفَان ، وهما نجمان يَطْلُعَان قَبْلَ سُهَيْلٍ من مَطْلَعِه ، فكلُّ مَنْ رآهما أوْ أَحَدَهُما حَلَفَ أَنَّهُ سُهَيْلٌ ثم يَتَبَيَّنُ بعد طُلُوعِ سُهَيْلٍ أَنَّهُ غَيْرُ سُهَيْلٍ. ويقال كُمَيْتٌ مُحْلِفٌ إذا كان بين الأَحْوَى والأَحَمِّ حتى يُخْتَلَفُ في كُمْتَتِه. وكُمَيْتٌ غير مُحْلِفٍ إذا كان أَحْوَى خالص الحُوَّة أَوْ أَحَمَّ بَيِّنَ الحُمَّةِ. والأنثى كُمَيْتٌ مُحْلِفةٌ وغيرُ مُحْلِفةٍ. وأنشد أبو عبيد :

كُمَيْتٌ غَيْرُ مُحْلِفةٍ ولكن

كلون الصِّرف عُلَّ بِه الأَدِيمُ

وناقة مُحْلِفَةُ السَّنَامِ إذا كان لا يُدْرَى أفي سَنَامها شحم أم لا.

وقال الكميت :

أطلالُ مُحْلِفَةِ الرُّسُو

م بأَلْوَتَيْ بَرٍّ وفَاجِرْ

أَيْ يَحْلِفُ اثْنانِ أَحَدُهُمَا على الدُّروس ، والآخرُ على أَنَّهُ ليس بِدَارسٍ ، فَيَبَرُّ أَحَدُهُمَا بيمينِه ، ويَحْنَثُ الآخرُ ، وهو الفاجر.

وقال الليث : الْحَلْفاءُ نباتُ حَمْلُه قصب النَّشَّابِ ، الواحدة حَلَفَةٌ والجميع الحَلَفُ. قلت : الْحَلْفَاءُ نَبْتٌ أطرافُه مَحْدُودَةٌ كأَنَّها أطراف سَعَفِ النَّخْلِ والخوص ، يَنْبُت في مَغَايِضِ الماءِ والنُّزُوزِ ، الواحدة حَلَفَةٌ مثل قَصَبة وقَصْبَاء ، وطَرَفَة وطَرْفَاء وشَجَرة وشَجْراءُ ، وقد يجمع حَلَفاً وشَجَراً وقَصَباً وطَرَفاً ، وكَانَ الأصمعيُّ يقول : الواحدة حَلِفَة ، وقال سيبويه الْحَلْفَاءُ واحدٌ وجميعٌ وكذلك طَرْفَاءُ ، وبُهْمَى وشُكَاعَى واحدةٌ وجميعٌ.

أبو عبيد عن الأصمعيّ رجلٌ حليفُ اللِّسانِ أي حديدُ اللسانِ وسِنَانٌ حليفٌ أي حديدٌ. قلت : أُرَاهُ جُعِلَ حَلِيفاً لأنَّه شُبِّه حدَّةُ طَرْفِه بحدّة أَطْرَافِ الْحَلْفَاءِ.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال : الْحَلْفَاءُ الأَمَةُ الصَّخَّابة ، ويقال أَحْلَفْتُ الرجلَ واستحلْفتُه بمعنَى واحِدٍ ، ومثله أرْهَبْتُه واستَرْهَبْتُه. ورجل حلَّاف كثير الحَلِفِ ، وحالَفَ فلاناً بَثُّه وَحُزْنُه أي لازَمَهُ.

لحف : قال ابن الفرج : سمعت الحُصَيْنيّ يقول : هو أَفْلَسُ من ضَاربِ قِحْفِ اسْتِه ومن ضَارِبِ لِحْفِ اسْتِه.

قال : وهو شق الاست وإنما قيل ذلك لأنه لا يجد شيئاً يلبسه فتقع يده على شُعَب استه.

وقال الليث : اللَّحْفُ تَغْطِيتُك الشيءَ باللِّحافِ ، واللحافُ اللباس الذي فوق سائِر اللباس من دِثَارِ البرد ونحوهِ ، تقول لَحَفْتُ فلاناً لِحَافاً إذا أنت ألبستَه إياهُ ، ولَحَفْتُ لِحَافاً ، وهو جَعْلُكَهُ وتَلَحَّفْتُ لِحَافاً إذا اتخذْتَه لِنَفْسِك ، وكذلك الْتحفْتُ وقال طرفة :

يَلْحَفُون الأرضَ هُدَّابَ الأُزُر

أي يجرُّونَها على الأَرْض.

أخبرني المنذريّ عن الحراني عن ابن السكيت أنه أنشده :

٤٥

كَمْ قَدْ نزلْتُ بِكُمْ ضيفاً فَتَلْحفُني

فضْلَ اللِّحافِ ونِعْمَ الفضْلُ يُلْتَحَفُ

قال أَرادَ : أعْطَيْتَنِي فضل عَطَائِكَ وجُودِك ، وقد لَحَفَهُ فضْلَ لِحَافِه ، إذا أَنَالَه معروفَه وفضلَه وزوَّده.

أبو عُبَيْد عن الكسائي : لَحَفْتُه وأَلْحفْتُه بمعنى واحد ، وأنشد بيتَ طَرَفَة : ورُوي عن عائشةَ أنها قالتْ كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يُصَلّي في شُعُرنا ولا في لُحُفِنَا.

قال أبو عبيد اللِّحَافُ كُلُّ ما تَغَطَّيْتَ بِه فقد الْتَحَفْتَ به ، ولَحَفْتُ الرجلَ أَلْحفُه إذا فعلْتَ به ذلك يعني إذا غَطّيْتَه.

وقول طرفة :

يلحفون الأرض هدَّاب الأزر

أي يُغَطُّونَها ويُلْبِسونَها هدّاب أزُرِهِم إذا جرُّوها في الأرْضِ.

قلتُ ويقال لذلك الثوبِ لِحَافٌ ومِلْحَفٌ بمعنًى واحدٍ كما يقال إزَار وَمِئْزَرٌ وقِرَامٌ ومِقْرمٌ. وقد يقال مِلْحَفَةٌ ومِقْرَمَة سواء كان الثوب سُمْطاً أو مُبَطَّناً يقال له لِحافُ ، وقد تَلَحَّف فلانٌ بالملْحَفَةِ والْتَحَفَ بِها إذا تَغَطَّى بها. والملحفة عند العرب هي المُلاءةُ السِّمْط فإذا بُطِّنَتْ بِبِطَانَةٍ أو حُشِيتْ فهي عند عوامّ الناس مِلْحَفةٌ. والعرب لا تعرفُ ذلك.

وقال الزّجاج في قول الله جلّ وعزّ : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) [البَقَرَة : ٢٧٣] رُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من سَأَل وله أَرْبَعُون دِرْهَماً فقد أَلْحفَ». قال ومعنى أَلْحَفَ أي شَمِلَ بالمسألة وهو مستغنٍ عنها ، قال واللّحاف من هذا اشتقاقُه لأنه يَشْمَل الإنسانَ في التَغْطية. قال : والمعنى في قوله (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) أي ليس منهم سُؤَالٌ فيكونَ إلحَافٌ كما قال امرؤ القيس :

على لَاحِب لا يُهْتَدى بِمنَارِه

المعنى ليس به منار فَيُهتدَى به ، وكذلك ليس من هؤلاء سؤالٌ فيقعَ فيه إِلْحَافٌ.

وقال الليث : الإلْحَافُ شدَّةُ الإلحاح في المسألة. أبو العباس عن ابن الأعرابي أَلْحفَ الرجلُ إذا مَشَى في لِحْفِ الجبل وهو أصْلُه قال وأَلْحَفَ إذا آثَر ضَيْفَه بفراشِه ولحافِه في الْحَليت وهو الثلج الدائمُ والأريزُ البارِدُ وأَلْحَفَ وَلَحَّف إذا جَرَّ إزَارَه على الأَرْضِ خُيَلاءَ وبطراً ، وأنشد قول طرفة. ويقال فلان حسن اللِّحفة وهي الحالةُ التي يَتَلَحف بها.

فلح : قال الليث : الفَلَاح والفَلَحُ السَّحُور ، وهو البقاءُ في الْخيْر. وفي الأَذَان حيَّ على الفَلاح ، يعني هَلُمّ على بَقَاءِ الْخَيْرِ. وقال غيره حيّ أي عجِّل وأَسْرع على الفَلَاح ، معناه إلى الفوز بالبقاء الدائم.

الحرانيّ عن ابن السكيت : الفَلَحُ والفَلَاح البَقَاءُ. وقال الأعشى :

ولَئِنْ كُنَّا كَقَوْمٍ هَلَكُوا

مَا لحيٍّ يِا لَقَوْمٍ من فَلَح

وقال عديّ :

ثم بَعْد الفَلَاحِ والرُّشدِ ولُّامَّة

وارتْهُمُ هُنَاكَ قبور

٤٦

قال : والفَلَحُ السَّحُورُ ، وجاء في الحديث صَلَّيْنَا مَعَ رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى خَشِينَا أن يفوتَ الفَلَحُ. وقال أبو عبيد في حديث «حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح» قال وفي الحديث «قيل وما الفلاح قال السحور» قال ، وأصْلُ الفلاحِ البقاءُ وأنشد للأضبط ابن قريع السعدي :

لِكُلِّ هِمِّ من الهُمُوم سَعَهْ

والمُسْيُ والصُّبْحُ لا فَلَاحَ معه

يقول ليس مع كرِّ الليالي والنَّهارِ بقاءٌ ، قال ومنه قول عبيد بن الأبرص :

أَفْلِحْ بِمَا شِئْتَ فَقَدْ يُبْلَغُ بالضع

ف وقَدْ يُخْدَعُ الأَرِيبُ

يقول عِشْ بما شِئْتَ من عقلٍ وحمْق فقد يُرْزَقُ الأَحْمَقُ ويُحْرَمُ العاقِلُ. قال وإنَّما قيل لأهل الجنّة : مُفْلِحُون ، لفوزِهمْ ببقاء الأَبَد ، فَكَأَنَّ مَعْنَى فَلاحِ السَّحُورِ أَنَّ به بقاءَ الصومِ.

وفي حديثِ ابن مسعودٍ أنه قال : إذا قال الرَّجُلُ لامرأته استَفْلِحي بأمْرِكِ ، قال أبو عبيد قال أبو عبيدة : معناه اظْفَرِي بأَمْرِك وفُوزِي بأمْرِك واستبدِّي بأمْرِك. وقال أبو إسحاق في قول الله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البَقَرة : ٥] يقال لكلّ من أصاب خيراً مُفْلِحٌ. وقال الليثُ في قوله جلّ وعزّ : (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى) [طه : ٦٤] أي ظَفِرَ بالمُلْكِ مَنْ غَلَب.

قال والفَلَّاحُ الأَكَّارُ ، وإنما قِيل فلاحٌ لأنه يَفْلَحُ الأرضَ أي يَشُقُّها قال والفَلَحُ الشقُّ في الشفةِ وفي وسَطِها دون العَلَمِ ، ورجل أَفْلَحُ وامرأةٌ فَلْحاءُ. الحرَّانِيُّ عن ابن السكيت : الفَلْحُ فَلَحْتُ الأرضَ إذا شَقَقْتُها للزراعة. قال : والفَلَحُ شق في الشَّفَةِ السُّفْلى. وقال غيره فإذا كان في العُلْيا فهو عَلَمٌ وقال أبو عبيد عن أبي زيد مثله وأنشد :

وعَنْتَرَةُ الْفَلْحَاءُ جاء ملأماً

كأنك فِنْد من عَماية أسودُ

ويقال أفْلَحْتُ الأرْضَ إذا شَقَقْتَها للحَرْثِ.

وقال الزجَّاجُ الفلَّاح الأكَّار والفِلاحَةُ صِنَاعتُه. قال ويقال : فلحت الحديد إذا قطعته وأنشد :

قَدْ عَلِمَتْ خَيْلُك يابْنَ الصَّحْصَحْ

أَنَّ الحَدِيدَ بالحدِيدِ يُفْلَحْ

قال : يقال للمُكَارِي فلَّاحٌ ، وإنما يقال له فَلَّاحٌ تَشْبيهاً بالأكَّار ، ومنه قول عمرو بن أحمر الباهلي :

لها رِطْلٌ تكِيلُ الزَّيْتَ فيهِ

وفَلَّاحٌ يسوقُ لَها حِمَاراً

أبو عبيد عن أبي زيد : فَلَحْتُ للقَوْمِ وبالقوم أفْلَحُ فِلَاحةً وهو أن يُزَيِّن البيعَ والشِّراء للبائِع والمشترِي. قال وفَلَّحْتُ بهم تَفْلِيحاً إذا مكَرَ بهم ، وقالَ لَهُمْ غيرَ الحقّ.

ثعلب عن ابن الأعرابي : الفَلْحُ النَجْسُ وهو زيادة المكْترِي ليزيد غيرُه فيُغَرُّ بِهِ. والتَّفْلِيحُ المكْرُ والاستهْزاء ، وقال أعرابي : قد فلّحوا بِي : أَيْ مَكَرُوا بِي.

لفح : قال الليث : تقول لَفَحتْهُ النَّارُ إذَا أَصَابَتْ أَعالِيَ جَسَدِه فأَحْرَقَتْ. والسَّمُومُ

٤٧

تَلْفَحُ الإنسانَ. واللُّفَّاحُ شيءٌ أصفَرُ مثلُ البَاذَنْجَانِ طيبُ الريح.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : ما كان من الرياح بردٌ فهو نفح وما كان لِفحٌ فهو حَرٌّ ، وقال الزجّاج في قوله (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) [المؤمنون : ١٠٤] قال تَلْفَحُ وتَنْفَحُ بمعنَى وَاحِدٍ إلا أنَّ النَّفْحَ أعْظَمُ تَأْثيراً قلتُ ومما يُؤَيِّد قولَه قولُ الله : (نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ) [الأنبيَاء : ٤٦] وقال ابنُ الأعرابيّ : اللَّفْحُ لكل حارٍ ، والنَّفْحُ لِكُلِّ بَارِدٍ ، وأنشد أبو العالية :

ما أنْتِ يا بَغْدَادُ إلَّا سَلْحُ

إذا يَهُبُّ مَطَرٌ أَوْ نَفْحٌ

فإنْ جَفَفْتِ فَتُرابٌ بَرْحُ

قال : بَرْحُ خالصٌ دَقَيقٌ فحل : قال الليثُ : الفحلُ والجميع الفُحول والفِحَالَة : والفِحْلَةُ افتِحَالُ الإنسان فَحْلاً لدوَابِّه وأنشد :

نحن افْتَحَلْنَا فَحْلَنَا لم نَأْتِلَهْ

قال : ومن قال اسْتَفْحَلْنَا فَحْلاً لِدَوَابِّنَا فقد أخْطَأَ. وإنما الاستِفْحَالُ على مَا بَلغني من عُلُوجٍ أهلِ كابُلَ وجُهَّالِهِم أَنَّهُم إذا وجَدُوا رجُلا من العرب جَسِيماً جميلاً خَلَّوْا بينَه وبين نِسائِهم رجاءَ أن يُولَد فيهم مثْلُه. قال وفَحْلٌ فَحِيلٌ أي كريمُ المُنْتَجَب. وأنشد أبو عبيد قول الراعي :

كانت هَجَائِنَ مُنْذِرٍ ومُحَرِّق

أُمَّاتُهُنَّ وطَرْقُهُن فَحِيلاً

أي وكان طَرْقُهُنْ مُنْجِباً. والطَّرْقُ الفَحْلُ ههنا. وفي حَديثِ ابن عُمَرَ أُنَّه بَعَثَ رَجُلاً يَشْترِي له أُضْحِيَةً ، فقال اشْتَرِ كَبْشاً فَحِيلاً قال أبو عبيدٍ قال الأصْمَعِيُّ قوله «فَحيلاً» هو الذي يُشْبِه الفَحُولَةَ في خَلْقِه ونُبْلِه. ويقال إن الفحيلَ المُنْجِبُ في ضِرَابه ، وأنشد قولَ الراعي : قال أبو عبيد والّذي يُرَادُ من الحديثِ أنه اخْتَارَ الفَحْلَ على الخَصِيِّ والنعجةِ وطَلَبُ جَمَالِه ونُبْلِه. وقال الليث : يُقَالُ للنَّخْلَةِ الذَّكَرِ الَّذِي يُلْقَحُ به حَوَائِلُ النَّخْلِ فُحَّالٌ الواحدة فُحَّالَةٌ.

الحرَّانِيُّ عن ابن السكيت أفَحَلْتُ فلاناً فَحْلاً إذا أعطيْتَه فَحْلاً يضْرِبُ في إبِلِه وقد فَحَلْتُ إبِلي فَحْلاً إذَا أَرْسَلْتَ فيها فَحْلاً وقال الراجز :

نَفْلَحُها البيض القليلاتِ الطَّبَعْ

من كل عرّاص إذا هَزّ اهْتَزَعْ

وقال غيره : استَفْحَل أمْرُ العَدُوِّ إذَا قَوِي واشتَدّ فهو مُسْتَفْحِلٌ وقال أَبُو عُبَيْدٍ يجمع فُحَّالُ النخل فَحَاحِيلَ ، ويقال للفُحَّال فَحْلٌ وجمعه فُحُول.

وفي الحديث أَنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ من الأَنْصارِ وفي ناحيةِ البيت فَحْلٌ من تِلْكَ الفُحُول فأمَرَ بناحيةٍ منْه فُرشَتْ ثم صلَّى عَلَيْه. قال أبو عبيد : الفَحْلُ الحَصِيرُ في هذا الحديثِ ، قلت هو الحَصِيرُ الذي رُمِلَ من سَعْفِ فُحَّالِ النَّخِيل ، وأَمَّا حديث عثمان أنه قال لا شُفْعَةَ في بئر ولا فَحْلٍ والأُرَفُ ، تَقْطَعُ كُلَّ شُفْعَةٍ فإنَّه أراد بالفَحْلِ فَحْلَ النَّخْلِ وذلك أَنَّهُ رُبَّما يكون بين جماعةٍ فَحْلُ نَخْل يأخُذُ كُلُّ واحِد من الشركاءِ فيه زمنَ تَأبِيرِ النَّخِيل ما يَحْتَاجُ

٤٨

إليه من الحِرْقِ لتأبير نخِيله الإناثِ ، فإذا بَاع واحدٌ من الشركاءِ نصيبَه من ذلك الفحْل بعض الشركاءِ فيهِ لم يكن للباقين من الشركاء شُفْعَةٌ في المَبِيع ، والّذي اشتراه أَحَقُّ بِهِ لأَنَّه لا يَنْقسِمُ ، والشُّفْعَةُ إنّما تَجِبُ فيما يَنْقَسِمُ ، وهذا مذهبُ أَهْلِ المدينة وإليْه يذهبُ الشَّافِعِي ومالكٌ وهو مُوافِقٌ لحديث جابر «إنما جَعَل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الشفْعَةَ فيما لَمْ يُقْسَمْ ؛ فإذا حُدَّتْ الحدُودُ فلا شُفْعَة لأن قوله عليه‌السلام «فيمَا لَمْ يُقْسَمْ» دليلٌ على أنه جَعَل الشفعة فيما يَنْقَسِمُ ، فأما ما لا يَنْقَسِمُ مثلُ البئر وفَحْلِ النّخيلِ يُبَاع منهما الشِّقْص بأَصْلِه من الأَرْض فلا شُفْعَة فيه لأَنه لا ينقسمِ ، وكان أبُو عُبَيْدِ رحمه‌الله فسّرَ حديث عثمانَ هَذَا تفسيراً لم يرْتَضِه أهْلُ المعرفة ولذلك تركته ولم أَحْكِهِ بعيْنِه ، وتفسيرُه عَلَى ما بيَّنْتُه. وفُحُول الشُّعَراءِ هم الذين غَلَبُوا بالهِجاء مَنْ هَاجَاهُم ، مثلُ جريرِ والفرزدقِ وأَشْبَاهِهمَا ، وكذلك كُل من عَارضَ شاعراً فغُلّب عليه ، مثل علْقَمَةَ بْنِ عَبَدةَ ، وكان يسمى فَحْلاً لأنَّه عارض امْرَأ القَيْسِ في قصيدته التي يقول في أولها :

خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي على أُمِّ جُنْدُبِ

بقوله في قصيدته :

ذهبتَ من الهُجْران في غيرِ مَذْهَبِ

وكلُّ واحدٍ منهمَا يعارِضُ صاحبَه في نعته فَرَسَه ، فَفُضِّلَ علقَمةُ عليه ، ولُقِّبَ الفَحْل.

وقال شمر : قيل للحصير فَحْلٌ لأنه يُسَوّى من سَعَفِ الفَحْلِ من النَّخِيلِ ، فتُكُلِّمَ به على التَجَوُّزِ كما قَالُوا فلانٌ يَلْبَس القطن والصوف ، وإنما هي ثياب تغزَل وتتَّخذ منهما ، وقال المرار :

والوحشُ ساريةٌ كأَنَّ مُتُونها

قُطْنٌ تُباعُ شَدِيدَةُ الصَّقْلِ

أراد كأنَّ مُتُونها ثيابُ قطنٍ لشدَّة بياضها.

حفل : قال الليث الحَفْلُ اجْتِماعُ الماء في مَحْفِلِه تقول حَفَلَ الماءُ حُفُولاً وحَفْلاً. وحَفَلَ القومُ إذا اجتمعوا والمحْفِلُ المجْلِس ، والمُجْتَمَع في غيرِ مَجْلِسٍ أَيْضاً ، تقول احْتَفَلوا أي اجْتَمَعوا وشاةٌ حَافِلٌ ، وقد حَفَلَتْ حُفُولاً إذا احْتَفَلَ لَبَنُها في ضَرْعها ، وهن حُفَّلٌ وحَوَافِلُ. وفي الحديث «من اشْتَرى مُحَفَّلَةً فلم يَرْضَها رَدّها وَرَدَّ معها صاعاً من تَمْر» والمُحَفَّلَةُ النّاقة أو البقرة أو الشاة لا يحلِبُها صاحبُها أيّاماً حتى يجتمعَ لَبَنُها في ضَرْعها فإذا احْتَلَبَها المُشْتَرِي وَجَدَها غَزِيرَةً فزَادَ في ثَمَنِها ، فَإِذَا حَلَبَها بعد ذلك وَجَدها ناقِصة اللَّبَن عما حَلَبه أيامَ تَحْفِيلِها ، فجعلَ النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بَدَل لَبن التَّحْفِيل صاعاً من تَمْر ، وهَذا مذْهَبُ الشّافِعيّ وأهلِ السُّنَّة الذين يقولون بسنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والمُحَفَّلَةُ والمُصَرَّاةُ واحدةٌ وجاء في حديث رُقْيَةِ النملةِ «العروس تَقْتَالُ وتَحْتَفِلُ وكلُّ شيء تَفْتَعِل ، غيرَ أَنَّها لا تَعصِي الرجُل» ومعنى تَقْتَال أي تَحْتَكِم على زَوْجِها وتَحْتَفِلُ أي تَتَزَيَّن وتحتَشِد للزِّينَة ، يقال حَفَّلْتُ الشيء أي جَلَوْتُه وقال بشر يصف جاريته :

رَأَى دُرَّةً بيضاءَ يَحْفِلْ لَوْنُها

سُخَامٌ كغِربان البريرِ مُقَصَّبُ

٤٩

يريد أن شعرَها يَشُبُّ بياضَ لونِها فيزيدُه بياضاً بِشِدَّة سَواده.

سلمة عن الفراءِ قال الحوفلة القَنْفاءُ ، وقال ابنُ الأعرابي حَوْفَل الرجلُ إذا انتفَخَتْ حَوْفَلته وهي القَنْفَاءُ. يقال للمرأة تحفَّلي لزوجك أي تزيّني لِتَحْظَيْ عنده ، والحَفْلُ المُبالاةُ يقال ما أَحْفِلُ بفُلانٍ أي ما أُبَالي بِهِ. قال لبيد :

فَمَتَى أَهْلِكْ فَلا أَحْفِلُه

بَجَلِي الآنَ من العيش بَجَلْ

أبو عبيد عن الأصمعي : الحُفَالَةُ والْحُثَالَةُ الرديءُ من كل شيء ، وطريق مُحْتَفِلٌ ظاهرٌ مستَبِينٌ ، وقد احْتَفَلَ أي استَبَان ومنه قول لبيدٍ يصف طريقاً :

تَرْزُم الشَّارِفُ من عِرْفَانِه

كُلَّما لَاح بِنَجْدٍ واحْتَفَلْ

وقال الرّاعي يصف طريقاً :

في لَاحِبٍ بِزِقَاق الأرض مُحْتَفِل

هاد إذا عَزَّه الحُدْبُ الحَدَابِيرُ

قال أراد بالحدب الحدابير صلابة الأرض أي هذا الطريق ظاهرٌ مستبينٌ في الصَّلابةِ أَيْضاً ، ومُحْتَفَلُ الأمرِ معظَمُه. ومحتفِلُ لَحْم الفَخذِ والساقِ أكثره لَحْماً ومنه قول الهُذَليّ يصف سيفاً :

أبْيَضُ كالرَّجْع رسوبٌ إذا

ما ثَاخ في مُحْتَفَلٍ يَخْتلي

ويجوز في مُحْتَفِل. وقال أبو عبيدة الاحتِفَال من عَدْوِ الخيل أَنْ يَرى الفارسُ أَنَّ فرسَه قد بلغَ أَقْصى حُضْرِه وفيه بقيَّةٌ يقال فرس مُحْتَفِلٌ. وقال القطامي يذكر إبلاً اشتد عليها حفل اللبن في ضروعها حتى أذاها فَهِيَ تَبْكي :

ذَوَارِفُ عَيْنَيها من الحَفْلِ بالضُّحَى

سَجُومٌ كتَنْضَاحِ الشِّنَانِ المشَرّبِ

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الحُفَال الجمعُ العظيمُ ، والحُفَالُ اللبنُ المجْتَمَعُ ، وقال أَبُو تُرَابٍ : قال بعضُ بَني سُلَيْم ؛ فلانٌ محافظ عَلَى حسبه ومُحَافِلٌ عَلَيْه إذا صَانه. وأنشد شمر :

يا وَرْسُ ذاتَ الحِد والحفيلْ

منحناك مَانِحَ المُخِيلْ

لو جاءها بِصَاعِه عقيلْ

على عِهِبَّى الكيل إذ يكيلْ

ما بَرِحَتْ وَرسَةُ أو يسيلْ

وَرْسَةُ اسم عَنْز كانت غَزِيرَةً عَهِبَّى أي أولِ الكيل ومنه عَهَتَى زمانِه أي أوله وعهتى كل شيء أوَّلُه ، ورجلٌ حَفِيلٌ في أمْرِه أي ذُو اجْتِهاد.

ح ل ب

حلب ، حبل ، لحب ، لبح ، بلح ، بحل : مستعملات أما : بحل ولبح : فإن الليث أهملهما.

[بحل] : وروَى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال البَحْلُ الإدْقَاعُ الشَّدِيدُ وهذا غريبٌ.

لبح : قال ابن الأعرابيّ أيضاً اللَّبَحُ الشجاعةُ وبه سُمِّي الرجل لَبَحاً ، ومنه الخبر : تَبَاعَدَتْ شَعُوب من لَبَحٍ فعاش أيَّاماً.

حبل : قال الليث الحَبْلُ الرَّسَنُ ، والجميع الحِبَالُ. والْحَبْلُ العَهْدُ والأَمَانُ والْحَبْلُ التَّوَاصُلُ. وقال الله جلّ وعزّ : (وَاعْتَصِمُوا

٥٠

بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) [آل عِمرَان : ١٠٣] قالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الاعتصامُ بحبل الله هو تَرْكُ الفُرْقَةِ واتّبَاعُ القرآنِ ، وإيَّاه أَرَادَ عبدُ الله بنُ مسعودٍ بقوله : عليكم بحبْل الله فإِنَّه كتاب الله.

وقال ابن الأعرابي : الحِبْلُ الرجل العالِمُ الفَطِنُ الدَّاهي. قال وأنشدني المُفَضّل :

فيا عجباً للخود تبدي قناعها

تُرَ أرِىءُ بالعيْنَيْنِ للرجُلِ الحِبْلِ

يقال رَأْرَأَتْ بِعَيْنيها وغَيَّقَتْ وَهَجَلَتْ ؛ إِذَا أَدَارَتْه تَغْمِزُ الرَّجُلَ.

قال أَبُو عبيد وأصْل الحَبْلِ في كلام العربِ يتصرَّف على وجوهٍ ، منها العَهْدٌ وهو الأَمَانُ ، وذلك أنَّ العربَ كانَتْ يُخِيفُ بعضُها بعضاً في الجاهلية ، فكانَ الرجلُ إذا أَرادَ سَفَراً أخذ عهْداً من سيد القبيلة ، فيأمنُ به ما دَامَ في تلك القبيلة حتى ينتهي إلى الأخرى فيأخُذُ مثل ذلك أَيْضاً يُرِيدُ به الأَمَانَ. قال فمعنى الحديثِ أَنَّهُ يقول : عَلَيْكُم بكتابِ الله وتَرْكِ الفُرقة فإِنَّه أَمَانٌ لَكُمْ وعَهْدٌ من عذَاب الله وعِقَابِه. وقال الأعشى يذكر مسيراً له :

وإذا تُجَوِّزُها حِبَالُ قَبِيلَةٍ

أَخَذَتْ من الأُخرَى إليْكَ حِبَالَها

قال : والحَبْلُ في غير هذا الموضِعِ المُوَاصَلَةُ وقال امرؤُ القيس :

إني بحبلك وَاصِلٌ حَبْلي

وَبِريش نَبْلِك رائِش نَبْلي

قال : والحَبْل مِنَ الرَّمْلِ المُجْتَمِعُ الكَثِيرُ العَالِي. الحرَّانِيُّ عن ابن السكيت قال : الحَبْلُ الوِصَالُ ، والحَبْلُ رَمْلٌ يستطيل ويمتد ، والحَبْلُ حَبْلُ العاتق ، والحَبْلُ الوَحِدُ مِنَ الْحِبَالِ. وهذا كلُّهُ بفَتْحِ الحاءِ.

قال : والحِبْلُ الدَّاهية وجمعه حُبُولٌ وأنشد لكثير :

فلا تَعْجَلي يا عَزُّ أَنْ تَتَفَهَّمِي

بِنُصْحٍ أَتَى الْوَاشُونَ أَمْ بِحُبُول

وقال الآخرُ في الحبل بمعنى العهد والذّمة :

ما زلتُ مُعْتَصِماً بِحَبلٍ منكُم

من حَلّ سَاحَتَكُمْ بِأسْبَابٍ نجَا

بِحَبْلٍ أي بِعَهْدٍ وذِمَّةٍ.

وقال الليث : حَبْلُ العَاتِق وُصْلَةٌ ما بين العاتِق والمَنْكِب. وحَبْلُ الوَرِيدِ عِرْقٌ يَدِرُّ في الحَلْقِ. والورِيدُ عرقٌ يَنْبِضُ من الحيوان لا دَمَ فِيه. وقال الفرَّاءُ في قول الله جلّ وعزّ : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] قال : الحَبْلُ هو الوَرِيدُ فَأُضِيفَ إلَى نَفْسِه لاختلافِ لَفْظِ الاسْمَيْنِ. قال والورِيدُ عِرْقٌ بَيْنَ الحُلْقُومِ والعِلْبَاوَين. وقال أَبُو عُبيد قال الأصمعيّ : من أَمْثَالهِم في تسهيلِ الحاجةِ وتَقْرِيبِها : هو عَلَى حَبْل ذِرَاعِك ، أي لا يُخَالفك : وحبل الذِّرَاع عِرْقٌ في الْيَدِ. وحِبَالُ الفَرَسِ عروقُ قوائِمِهِ. ومنه قول امرىء القيس :

كأَنَّ نُجُوماً عُلِّقَتْ في مَصَامِه

بأمْرَاسِ كَتَّانٍ إلى صُمِّ جَنْدَلِ

والأمْرَاسُ الحِبَالُ ، الواحدةُ مَرَسَةٌ ، شَبَّه عُروقَ قَوَائِمِه بِحبَالِ الكَتَّانِ ، وشبه صلابة

٥١

حوافره بِصُمِّ الجندل ، وشَبَّه تَحْجِيلَ قوائِمِه بِبَيَاضِ نُجومِ السَّماء.

والحَبْلُ مصدر حَبَلْتُ الصَّيْدَ واحْتَبَلْتُه إذا نصبتَ له حِبَالَةً فنشِب فيها وأخذتَه.

والحِبَالَةُ جمع الحَبْلِ ، يقال حَبَلٌ وحِبَالٌ وَحِبَالَةٌ مثل جَمَلٍ وجِمَالٍ وجِمَالَة وَذَكَرٍ وذِكَارٍ وذِكَارَة.

وقال الله جلّ وعزّ في قصّة اليهود وذُلِّهم إلى آخر الدنيا وانقضائها (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) [آل عِمرَانَ : ١١٢] تكلّمَ علماءٌ اللُّغَةِ في تَفْسِير هذه الآية واختلَفَتْ مذاهِبُهم فيها لإشكالها ، فقال الفَرّاءُ معناهُ ضُرِبَتْ عليهم الذِّلَّةُ إلا أنْ يَعْتَصِمُوا بحبْلٍ من الله فأضْمَرَ ذَلك قال ومثله قوله :

رَأَتْنِي بحَبْلَيْهَا فَصَدَّتْ مخافةً

وفي الحَبْل رَوْعَاءُ الفُؤادِ فَرُوقُ

قال : أراد رأَتْني أقْبَلْتُ بحَبْلَيْهَا فأضْمَرَ (أَقْبَلْتُ) كما أضْمَرَ الاعْتِصَامَ في الآية.

وأخبرني المنذريُّ عن أبي العبَّاس أحمدَ بن يحيى أنه قال : هذا الذي قَالَهُ الفراءُ بعيدٌ أن تَحْذِفَ أَنْ وَتُبْقِيَ صِلَتَها ، ولكنّ المعنى إن شاء الله (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا) بِكُلِّ مَكانٍ إلا بمَوْضِعِ حَبْلٍ من الله وهو استِثْناءٌ متَّصِلٌ كما تقول ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلّة في الأمْكِنَة إلّا في هذا المكانِ.

قال وقولُ الشاعر

(رأَتْنِي بحبليها ...)

هو كما تقول أنا بالله أيْ مُتَمَسِّك فتكون الباءُ من صِلَةِ رأَتْنِي مُتَمَسِّكاً بحَبْلَيْهَا فاكتَفَى بالرُّؤْيةِ من التَّمَسُّك.

قال وقال الأخفش في قوله (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) [آل عِمرَان : ١١٢] إنَّهُ استثْنَاءٌ خارجٌ من أَوّل الكلام في معنى لَكِنْ. قلت والقولُ ما قال أبو العبَّاس.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أُوصيكم بالثَّقَلَيْنِ كتابِ الله وعِتْرَتِي ، أَحَدُهُما أَعْظَمُ من الآخَر ، وهو كتابُ الله حَبْلٌ مَمْدُودٌ من السَّماء إلى الأرض» قلت وفي هذا الحديث اتّصالُ كتابِ الله جلّ وعزّ به وإن كان يُتْلَى في الأرْضِ ويُنْسَخُ ويُكْتَبُ. ومَعْنَى الحبلِ الممدُودِ نورُ هُدَاه. والعَرَبُ تُشَبِّه النُّورَ بالحَبلِ والخيْطِ قال الله (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) [البَقَرَة : ١٨٧] فالخيطُ الأبيضُ هو نورُ الصُّبْح إذا تَبَيَّنَ للأَبْصَارِ وانْفَلق ، والْخَيْطُ الأسْوَدُ دونَه في الإنارة لِغَلبة سوادِ الليل عليه ؛ ولذلك نُعِتَ بالأسْود ، ونُعِت الآخَرُ بالأبْيضِ.

والخيط والحبلُ قريبان من السَّواء.

وقال الليثُ : يقال للكَرْمَة حَبَلَةٌ ، قال والحَبَلَةُ طاق من قُضبان الكرْم.

وقال أبو عبيد عن الأصمعي الجَفْنَةُ الأصلُ من أصول الكرْم وجمعها الجَفْن وهي الحَبَلة بفتح البَاءِ وروى أنس بن مالك أنه كانت له حَبَلَةٌ تحمل كُرَّاً وكان يسميها أمَّ العيال وهي الأصَلَةُ من الكرْم انتشرت قُضْبَانُها على عرائشها وامتدّت وكثُرت قضبانُها حتى بلغ حملها كُرّاً.

قال شمر : يقال حَبَلة وحَبْلة ، يُثقَّل ويُخَفَّف.

٥٢

وقال الليث : المُحَبَّلُ الحَبْلُ في قول رؤبة كلُّ جُلال يملأ المُحَبَّلا قال وحبِلَت المرأة تحبَلُ حَبَلاً وهي حُبْلَى قال : وحَبَلُ الحَبَلَةِ ولَدُ الْوَلدِ الذي في البطْن كانوا في الجاهلية يتبايعون أولادَ ما في بُطون الحوامِل فنهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الملاقِيح والمضامينِ وقد مر تفسيرها.

قال شمر : قال يَزِيدُ بْنُ مُرَّةَ نَهَى عن حَبَلِ الحَبَلَةِ ، جعل في الحَبَلَةِ هاءٌ ، وقال هي الأنثى التي هي حَبَلٌ في بَطْنِ أُمِّها فينتَظرُ أن تُنْتَجَ من بَطْنِ أُمِّها ، ثم يُنْتَظَرُ بها حتى تَشِبَّ ثم يرسَلُ عَلَيْها الفحلُ فتَلْقَحَ فله ما في بَطْنِها ، ويقال حَبَلُ الحَبَلَةِ للإِبِل وغيرها.

قال الأزهري جَعَلَ الأولى حَبَلَةً لأنها أُنْثَى فإذا نُتِجَت الحَبَلَةُ فولدها حَبَلٌ وإنما بيع حَبَلُ الحَبَلَةِ.

وقال أبو عبيد حَبَلُ الحَبَلَةِ وَلَدُ الجَنِين الذي في بطن النَّاقة ، ونحو ذلك قال الشافعي.

وقال الليث سِنَّورَةٌ حُبْلَى وشاةٌ حُبْلى. قال : وجمع الحُبْلَى حَبَالَى.

وفي حديث سعدِ بْن أبي وقَّاصِ أنه قال «لقد رَأَيْتُنَا مع رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما لنا طَعَامٌ إلا الحُبْلَةُ وورق السَّمُر».

قال أبو عبيد الحُبْلَةُ والسَّمُرُ ضربان من الشجر. قال وقال الأصمعي الحُبْلَةُ في غير هذا حلي كان يجعل في القلائد في الجاهلية وأنشد :

ويَزِينُها في النَّحْرِ حَلْيٌ واضح

وقلائِدُ من حُبْلَةٍ وسُلُوسٍ

قال والسَّلْسُ خيط يُنْظَم فيه الخَرَزُ وجمعه سُلوس.

وقال شمر قال ابن الأعرابي : الحَبُلَةُ ثمر السَّمُر شبه اللوبياء وهو العُلَّفُ من الطلح والسِّنْفُ من المرْخِ. وقال الأصمعي الحُبْلَةُ ثمر العِضَاهِ ونحو ذلك.

قال أبو عمرو وقال الليثُ : فلان الحُبَليّ منسوب إلى حَيّ من اليمن. قال والْحِبَالَةُ المصيدة وجمعها حبائل.

قال أبو حاتم ينسب الرجل من بني الْحُبْلَى وهم رهط عبد الله بن أُبَي المنافقِ حُبَلِيّ قال وقال أبو زيد ينسب إلى الحبلى حُبْلَوِيّ وحُبْلِيّ وحُبْلَاوِيّ. وبَنُو الحُبْلَى من الأنْصَارِ.

الحرَّاني عن ابن السكيت ضَبُ حَابِلٌ ساحٍ يرعى الحُبَلَةَ والسِّحاءَ وقال الباهليُّ في قول المتَنَخِّل الهذلي :

إن يُمْسِ نَشْوَانَ بمَصْروفَةٍ

منها بِرِيّ ، وعلى مِرْجَلِ

لا تقهِ الموت وَقِيَّاتُه

خُط لَهُ ذلك في المَحْبَلِ

قال : نَشْوان أي سكْرَانَ ، وقولُه بمصروفةٍ أي بخَمْرٍ صِرْفٍ على مِرْجل أي على لَحْمٍ في قِدْرٍ ، أي وإن كان هَذَا دائماً له فليس يقيه الموتَ ، خُطَّ له ذلك في المحْبَلِ أي كُتِبَ له الموتُ حينَ حَبِلَتْ به أمُّه ، والمَحْبَلُ موضِع الحَبَل قلت أراد معنى حديثِ ابن مسعودٍ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أن

٥٣

النُّطْفَة تكون في الرحم أربعين يوماً نطفة ثم علقةً كذلك ثم مضغةً كذلك ثم يبعثُ الله المَلَكَ فيقولُ له اكتب رزقه وعَمَله وأَجَلَه وشقيٌّ أو سعيدٌ فَيُخْتَمُ له على ذلك فما من أحد إلا وقد كُتِبَ له الموتُ عند انقضاء الأجلِ المُؤَجَّل له».

والمُحْتَبَلُ من الدَّبة رُسْغُها لأنه موضع الحَبْلِ الذي يَشدُّ فيه إذا رُبط ومنه قول لبيد :

ولقد أَغْدُو وما يَعْدِمُني

صاحبٌ غيرُ طويل المُحْتَبَلْ

أي ليس بطويل الأرْساغ ، وإذا قصرت أرساغُه كان أشدُّ له. ومن أمثال العرب في الشدَّةِ تصيبُ الناسَ : قد ثَارَ حابِلُهم على نَابِلِهمْ. والحابِلُ الذي ينصب الحِبَالَةَ والنابلُ الرَّامي عن قوسه بالنّبل ، ويكون النابلُ صاحبَ النبل. وقد يُضْرَب هذا مثلاً للقوم تنقلب أحْوَالُهُم ويَثُورُ بعضُهم على بعض بعد السكون والرخاء.

وقال أبو زيدٍ من أمثالهم : إنه لَوَاسِعُ الحَبْلِ وإنَّهُ لَضيِّقُ الحَبْلِ ، كقولك هو ضَيِّقُ الخُلُق وواسع الخُلُق. وقال أبو العباس في مثله : إنه لواسع العَطَن وضيِّق العَطَن. وقال ابن الأعرابي رجل حَبْلَانُ إذا امْتَلأ غيظاً ومنه حَبَلُ المَرْأَةِ وهو امتلاءُ رَحِمِها. وقال غيرُه رجل حَبْلَانُ من الماءِ والشَّرَابِ إذا امتلأ رِيّاً. وفي حديثٍ جاء فيه ذكْرُ الدَّجَّال لعنَهُ الله أنه مُحَبَّل الشعْرِ كأن كل قَرْنٍ من قُرون رأسِه حَبْلٌ لأنَّه جعله تَقَاصيب لِجعُودة شَعْرِه وطولِه.

وقال ابن الأعرابيِّ : يقالُ لِلْمَوْتِ حَبِيلُ بَرَاحِ ، قال والأُحْبُلُ والْحُنْبُلُ اللُوبياء. قال والحَبْلُ : الثِّقل ، والْحُبَالُ الشَّعْرُ الكثير ، والحُبال انتفاخُ البَطْنِ من الشَّرَاب والنبيذ أبو عبيد عن الأموي أتيته على حبالّة ذاك ، أي على حين ذاك بتشديد اللام. ابن الأعرابي عن المفضل : الحَبَلُ : انتفاخ البطن من كل الشراب والنبيذ والماء وغيرِه ، ورجل حَبْلَانُ وامرأة حَبْلَانَةٌ ، وبه سمي حَمْلُ المرأة حَبَلاً ، وفلان حَبْلَانُ على فلانً أي غضْبَانُ ، وبه حَبَلٌ أي غَضَبٌ وغَمٌّ ، وأصله من حَبَلِ المرأة وحُبَلُ موضع في شعر لبيد :

فبخترير فأطرافِ حُبَلْ

حلب : قال الليث الحَلَبُ اللَّبَنُ الحليب ، تقول شربت لبناً حَلِيباً وحَلَباً ، والحِلَابُ هو المِحْلَبُ الذي يُحْلَبُ فيه اللبن وأنشد :

صَاحِ هل رأيتَ أو سَمِعْتَ بِرَاعٍ

رَدَّ في الضَّرْعِ ما قَرَى في الحِلَابِ

قال : والإحْلَابُ أن يَكُونَ الرُّعْيانُ إبلهُم في المرعى فَمَهْمَا حَلَبُوا جمَعُوا حتى بلغ وَسْقاً حملوه إلى الحَيِّ فيقال قد جاءوا بإحْلَابَيْنِ وثلاثَةِ أَحاليبَ وإذا كانوا في الشاءِ والبقرِ ففعلوا ما وصفت قالوا جاءوا بإمخاضَيْنِ وثلاثةِ أَمَاخِيضَ. أبو عبيد عن أبي زيد الإحْلَابةُ أن تحلب لأهلك وأنت في المرعى لبناً ثم تبعثُ به إليهم ، يقال منه أَحْلَبْتُهُمْ إحلاباً واسم اللَّبَنِ الإحلابَةُ. قلت وهذا مسموعٌ من العرب صحيح ، ومثله الإعْجَالةُ والإعجالاتُ. وقال الليثُ : الحَلَب من الجبايةِ مثل الصدقةِ

٥٤

ونحوِها مما لا تكون وظيفته معلومة وهي الإحْلَابُ في ديوان الصدقات.

وناقة حَلُوبٌ ذاتُ لبنٍ فإذا صيَّرتَها اسماً قلت هذه الحَلُوبَةُ لفلان وَقَد يخرجون الهاء من الحلوبة وهم يعنونها ومثاله الرَّكُوبَةُ والرَّكُوبُ لما يركبُون ، كذلك الحلُوبُ والحلوبة لما يحلِبُون. وقال ابن الأعرابيّ ناقة حَلْبَاةٌ رَكْبَاةٌ أي ذاتُ لَبَنٍ تُحْلَبُ وتُرْكَبُ وهي أيضاً الْحَلبانَةُ والرَّكْبَانَةُ وأنشد شمر :

حَلْبَانَةٍ رَكْبَانَةٍ صَفُوفِ

تَخْلِطُ بين وَبَرٍ وصُوفِ

يريد أنَّ يَدَيْها كيدَيْ ناسِجةٍ تخلط بين وَبَرٍ وصوف من سُرْعَتها.

أبو عبيد : حَلَبْتُ حَلَباً مثل طلبتُ طَلَبَاً وهربْتُ هَرَبَاً وجنبت جَنَباً وجَلَبت جَلَباً ، قال والمَحْلَبُ شيءٌ يُجعل حبُّه في العِطْرِ ، قاله الفَرَّاء والأصمعي بفتح الميم ، وأما الذي يحلبُ فيه اللبن فهو مِحْلَبٌ بالكسر وجمعه المحالبُ.

أبو عبيد عن الأصمعي الحُلَّبُ والحِلِبْلاب نبتان يقال هذا تَيْسُ حُلَّب. ومنه قوله :

أَقَبَّ كتيسِ الحُلَّبِ الغَذَوَان

وقال الأصمعي : الحُلَّبُ بقلة جعدة غَبْرَاءُ في خضْرةٍ تنبسط على وجه الأرضِ يسيل منها لَبَنٌ إذا قُطِعَتْ ويقال عنز تُحْلُبةُ وتِحْلِبَة إذا دَرَّت قبل أن تَلِد ، وقَبْلَ أَنْ تَحْمِل.

وقال الليث الحَلْبَةُ خَيْلٌ تجتمع للسبَاقِ من كل أَوْبٍ لا تخرج من موضعٍ واحدٍ ولكن من كل حَيٍّ ، وأنشد أبو عبيدةً :

نحن سَبقنَا الحَلَبَاتِ الأرْبَعَا

الفَحْلَ والقُرَّحَ في شَوْطٍ مَعَا

وإذا جاء القوم من كُلِّ وَجْهٍ فاجتمعوا لحربٍ وغير ذلك قيل قد أحلبوا وأنشد :

إذا نفرٌ منهم دُوَيَّةُ أَحْلَبُوا

على عامِلٍ جاءت مَنِيَّتُه تعدو

قال وربَّمَا جمعوا الحَلْبة حَلَائب ولا يقال للواحد منها حَلِيبَةٌ ولا حِلَابة وقال العجاج :

وسابق الحلائب اللِّهَمُ

يريد الحَلْبَة.

وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال أَحْلَبَ القوم غيرَ أصحابهم إذا أَعَانُوهم وأَحْلَبَ الرجُلُ غير قَوْمِه إذا أعان بَعْضَهُم على بَعْضٍ ، وهو رجل مُحْلِبٌ. قال وحَلَب القوم إذا اجتمعوا من كل أَوْب يَحْلُبون حُلُوباً وحَلْباً وأحلب الرجل صاحبَه إذا أعانه على الحَلْب. وقال ابنُ شُميل أَحْلَبَ بَنُو فلان بَنِي فلان أي نَصَرُوهم ، وأَحْلَبَ بَنُو فلان مع بَنِي فُلانٍ إذا جاءوا أَنْصَاراً لهم. قال : ويدعو الرجل للرجل فيقول : ما له أَحْلَبَ ولَا أَجْلَبَ. ومعنى أحْلَبَ أي وَلَدَتْ إبِلُه الإناثَ دون الذكور ، ولا أجْلَبَ إذ دعا لإبله أن لا تَلِدَ الذكورَ لأنه المَحْقُ الخَفِيُّ لذهاب اللَّبَنِ وانقطاع النَّسل ، وإذا نُتِجَت الإبِلُ الإنَاثَ فقد أَحْلَبَ وإذا نُتِجَت

٥٥

الذكور فقد أَجْلَبَ. قال ابن السكيت في قول بشر :

أَشَارَ بِهِمْ ، لَمْعَ الأَصَمِّ ، فأقْبَلُوا

عرانِينَ لا يَأْتِيه للنصر مُحْلِبُ

كأنَّه قال لَمَعَ لَمْعَ الأَصمِّ لأن الأصَمَّ لا يسمع الجواب فهو يُديم اللَّمْع. وقوله لا يأتيه مُحْلِبُ أي لا يأتيه مُعِينٌ من غير قومه ، وإذا كان المعين من قومه لم يكن مُحْلِباً وقال :

صَرِيحٌ مُحْلِبٌ من أَهْلِ نَجْدٍ

لحي بين أثلة والنِّجَامِ

ومن أمثال العرب : لَيْسَ لها رَاعٍ ولكن حَلْبة ، يُضْرَبُ للرجل يَسْتَعِينُكِ فَتُعِينه ولا معونة عنده. قاله ابن الأعرابي قال ومن أمثالهم : لَبِّثْ قليلاً يلحق الحلائِب يعني الجماعات أنشد الباهلي للجعدي :

وبَنُو فَزَارَةَ إنها

لا تُلْبِثُ الحَلْبَ الحَلَائب

حكي عن الأصمعي أنه قال : لا تُلْبِثُ الحلائِبُ حَلْبَ ناقةٍ حتى تَهْزِمَهُم : قال وقال بعضهم : لا تُلْبِثُ الحلائبُ أن تَحْلِب عليها تُعَاجِلُها قبل أن تَأْتِيهَا الأَمْدَادُ وهذا ـ زَعَم ـ أَثْبَتُ. ومن أمثالهم حَلَبْتَ بالساعد الأشِدّ أي استعَنْتَ بمن يقوم بِأَمْرِك ويُعْنَى بحاجَتِك.

وقال الأصمعي أسرع الظباء تَيْسُ الحُلَّب لأنه قد رعى الربيعَ ، والربل والرَبْلُ ما تَرَبّل من الرَّيِّحة في أيام الصَّفَريَة وهي عشرون يوماً من آخِرِ القَيْظِ ، والرَّيِّحة تكون من الْحَلب والنِّصِيّ والرُّخَامِي ، والمَكْرِ ، وهو أن يظهر النبت في أصوله فالتي بقيت من العام الأَوّلِ في الأرض تَرُبُّ الثرى أي تلزمه. والحُلَّب نبت ينبسط على الأرض تدوم خُضْرَتُه له ورق صغار يُدبغ به يقال سِقاءٌ حُلَّبى.

أبو زيد بقرة مُحِلُّ وشاةٌ مُحِلٌّ وقد أحلَّت إحْلالاً إذا حَلَبت بِفَتْح الحاء قبل وِلَادها ، قال وحَلَبت أي أَنْزَلت اللَّبَن قبل وِلَادها. أبو عبيد من أمثالهم في المنع : ليس كلَّ حين أُحْلَب فأُشْرَب ، هكذا رواه المنذريّ عن أبي الهيثم.

قال أبو عبيد وهذا المثل يروى عن سعيد بن جُبَيْر ، قاله في حديث سئل عنه وهو يضرب في كل شيء يُمْنَع. وقد يقال : ليس كلَّ حين أَحْلِب فأَشْرَب.

وقال الليث : تَحَلَّب فُو فُلانٍ وتحلَّب الندى إذا سال وأنشد :

وظلَّ كَتَيْسِ الرَّمْلِ يَنْفُض مَتْنَهُ

أذَاةً بِه من صَائك مُتَحَلِّبِ

شَبَّه الفرس بالتَّيْس الذي تحلّب عليه صائك المَطَر من الشجر ، والصائِكُ الذي يتغير لونُه وريحه والحُلْبَةُ حَبَّةٌ والجميع حُلُب. والْحُلْبُوب اللون الأسود وقال رؤبة :

واللون في حُوَّته حُلْبُوب

ثعلب عن ابن الأعرابي الحُلُب السُّود من كل الحيوان. قال والحُلْبُ الفُهَماء من الرجال.

وقال الليث : الحُلْبُ الجلوس على ركبته يقال احْلُبْ فَكُلْ.

٥٦

وقال ابن الأعرابي حَلَب يَحْلُب إذا جلس على ركبتيه.

ابن السكيت عن ابن الأعرابي أسود حُلْبُوبٌ وسَحْكُوكٌ وغِرْبيبٌ وأنشد :

أما تَرانِي اليوم عَشّاً نَاخِصَا

أسودَ حُلْبُوباً وكنتُ وَابِصا

وقال أبو عبيد : الحالِبَانِ من الدّابة عِرْقان يكتنفان السُّرَّةَ وأما قول الشمَّاخ :

تُوَائِلُ من مِصَكٍّ أَنْصَبَتْهُ

حوالب أَسْهَرَيْهِ بالذَّنَينِ

فإن أبا عمرو قال أسْهَرَاه ذَكَرُه وأَنْفُه وحوالِبُهُما عروقٌ تَمُدّ الذَّنينَ من الأَنْفِ ، والمذْي من قَضِيبِه.

ويُروَى حَوَالِبُ أَسْهَرَتْهُ يعني عُرُوقاً يَذنّ منها أَنْفُه.

وحَوَالِبُ البئْرِ مَنَابِعُ مائها ، وكذلك حَوَالِبُ العيون الفوَّارةَ وحوالب العيون الدامقَةِ.

وقال الكميت :

تدفَّق جُوداً إذا ما البحار

غَاضَت حَوَالِبُها الحُفَّلُ

أي غارت موادّها ، وحَلَّابُ من أسماء خيل العرب السابقة.

وقال أبو عبيدة حَلَّابُ هو من نتاج الأعوج.

أبو عبيد عن الأصمعي في باب أخلاقِ الناس في اجتماعهم وافتراقهم قولهم شَتَّى تَؤُوب الحَلَبَةُ قال وأصلُه أنهم يوردون إبلهم الشَّريعة والحوضَ مَعَاً ، فإذا صدروا تفرّقوا إلى منازلهم فحلب كلُّ واحد منهم في أهله على حياله.

وقال الأصمعي : من أَمْثالِهِمْ حلبت حَلْبَتَها ثم أَقْلَعَتْ يُضْرَبُ مثلاً للرجل يَصْخَب ويُجلِّب ثم يسكت من غير أن يكون منه شيءٌ غير جَلَبتهِ وصِيَاحِه.

أبو عبيد عن الأمويّ إذا خرج من ضرع العنز شيءٌ من اللبن قبل أن ينزو عليها التيس قيل هي عَنْزٌ تُحْلُبة وتِحْلِبة.

وروى شمر للفراء وعنْزٌ تُحْلَبة.

وحَلَب اسم بلد من الثغور الشامية.

عمرو عن أبيه قال : الحَلْبُ البروك والشَّرْب الفَهْمُ يقال حَلَب يَحْلُب حَلْباً إذا بَرَك وشَرَب يَشرُب شَرْباً إذا فَهم ، ويقال للبليد احلُب ثم اشرُب.

شمر يقال يومٌ حَلَّابٌ ويوم هَلَّابٌ ويوم هَمَّام وصَفْوَانُ ومَلْحَانُ وشَيْبَانُ ، فأما الهلَّاب فاليابس بَرداً ، وأما الحَلَّابُ ففيه ندًى ، وأما الهمّام فَالذي قدهَمَّ بالبَرْد ، قال والهَلْبُ تتابع القطر وقال رؤبة :

والمذريات بالذواري خصبا

بها جُلالا ودقاقا هُلبا

وهو التتابع والمرّ.

وقال ابن الأعرابي الحِلْبَاءُ الأَمَةُ البارِكَةُ من كسلها وقد حَلَبت تحلُب إذا بركت على ركبتيها.

لحب : قال الليث اللَّحْبُ قَطْعُكَ اللَّحْمَ طُولاً وَلحبَ مَتْنُ الفرس وعجزه إذا امَّلَسَ في حُدُور وأنشد :

والمتنُ ملحوب

٥٧

أبو عبيد عن الأصمعي الْمُلَحَّبُ نحو من المُخَذَّم.

وقال الليث : طريق لاحِبٌ ولِحب ومَلْحُوبٌ إذا كان وَاضِحاً. وسمعت العرب تقول الْتَحَب فلانٌ مَحَجَّة الطريق ولَحَبَها والْتَحَمَها إذا رَكِبهَا ، ومنه قول ذي الرمة :

يَلْحَبْن لا يَأْتَلي المطلوبُ والطَّلَبُ

أي يركبن اللاحِبَ وبه سمي الطريق الموطأُ لاحِباً لأنه كأنه لَحِبَ أي قُشِر عن وجهه التراب فهو ذو لَحْبٍ قال والمِلْحَب اللسان الفصيح والمِلْحَب الحديد القاطع.

وقال الأعشى :

لساناً كمقراض الخَفَاجِيّ مِلْحَبَا

وقال أبو دُواد :

رفَعْنَاها ذَمِيلاً في

مُحَلٍّ مُعْمَلٍ لَحْبِ

ولَحَب يلحَبُ إذا أسرع في سيره فهو لاحب.

بلح : قال ابن بُزُرج البوالح من الأرضين التي قد عُطِّلت فلا تُزْرَعُ ولا تُعْمَرُ. والبَالِحُ الأرضُ التي لا تُنْبِتُ شيئاً وأنشد :

سلالي قَدُورَ الحارثيَّةَ ما تَرَى

أَتَبْلَحُ أم يُعْطَى الوفاءَ غَرِيمُها

ثعلب عن ابن الأعرابي قال البُلَحُ طائر أكبر من الرَّخَم.

وقال شمر قال ابن شميل استبق رجلان فلما سبق أحدُهما صاحِبَه تَبَالحا أي تجاحدا.

وقال الأصمعي بَلَحَ ما على غريمي إذا لم يكن عنده شيء ، وبَلَحتْ خَفَارَتُه إذا لم تَفِ وقال بشر بن أبي خازم :

أَلَا بَلَحَتْ خَفَارَةُ آلِ لأْيٍ

فلا شَاةً تَرُدُّ ولا بَعِيرَا

وَبَلَحَ الغريمُ إذا أَفْلَسَ وبَلَحَ الماءُ بُلُوحاً إذا ذَهَبَ وبئر بَلُوحٌ وقال الراجز :

ولا الصماريد البِكَاءُ البِلْحُ

وقال الليث البلح الخلال وهو حَمْلُ النخل ما دام أخْضَرَ كحِصْرِمِ العنب.

أبو عبيد عن الأصمعي : البلح هو السِّيَابُ ، الليث البُلَحُ طائِر أعظم من النّسر مُحترق الريش يقال إنه لا يَقع ريشة من ريشه وسط ريش سائر الطير إلا أحرقته. ويقال هو النسر القديم إذا هرم والجميع البِلُحان قال : والبُلوح تَبَلُّدُ الحامِلِ تحت الحِمْل من ثِقَلِه.

ويقال حُمِل على البعير حتى بَلَحَ ، وقال أبو النجم :

وَبَلَحَ النَّمْلُ به بُلُوحاً

يصف النمل ونَقْلَه الحَبَّ في الحَرِّ. أبو عبيد إذا انقطع من الإعياء فلم يقدر على التحرك قيل بَلَحَ وقال الأعشى :

واشتَلى الأوصالَ منه وبلح

ح ل م

حمل ، حلم ، لحم ، لمح ، ملح ، محل : مستعملات.

حمل : قال الليث : الحَمَلُ الخروف والجميع الحُمْلَانُ. والحَمَلُ بُرْجٌ من بُرُوجِ السَّمَاءِ ، أوله الشَّرْطانِ وهما قرْنَا الحَمَل ثم البُطيْن

٥٨

ثلاثة كَوَاكِب ثم الثُّريا وهي أَلْيَةُ الحَمَل ، هذه النجومُ على هذه الصفة تسمى حَمَلاً. سلمة عن الفرَّاء : المُحَامِلُ الذي يَقْدر على جوابك فيدعُه إبقاءً على مودتك ، والمُجَامِل الذي لا يَقْدر على جوابك فيتركُه ويحقدُ عليك إلى وقتٍ مّا. ويقال فلان لا يَحْمِلُ أي يُظْهِر غَضَبَهُ.

سلمة عن الفراء قال الحَمَلُ النَّوْءُ قال وهو الطَّلِيُّ ، يقال مُطِرْنَا بِنَوْءِ الحَمَلِ وبِنَوْءِ الطَّلِيِّ.

الليث : حَمَلَ الشيءَ يَحْمِلُه حَمْلاً وحُمْلَاناً ويكون الْحُمْلَانُ أجراً لما يُحْمَلُ. قال والحُمْلَانُ ما يُحْمَلُ عليه من الدوابّ في الهِبَةِ خاصةً.

الحرانيّ عن ابن السكيت : الحَمْلُ ما كان في بَطْنٍ أو على رأس شجرةٍ ، وجمعه أحْمَال والحِمْلُ ما كان على ظهْر أو على رأسٍ. وقال غيرُه حَمْل الشجر وحمْلُه.

وقال بعضهم ما ظهر فهو حِمْلٌ وما بطن فهو حَمْلٌ. وقيل ما كان لازماً للشيء فهو حَمْلٌ وما كان بائناً فهو حِمْل. والصواب ما قال ابن السكيت.

وقال الفراء في قوله الله جلّ وعزّ : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) [الأنعام : ١٤٢] الحَمُولَةُ ما أَطاق العَمَل والحَمْل ، والفرشُ الصِّغَارُ.

وحدثنا السعديُّ قال حدثنا عمرُ بن شبة عن غندر عن شُعبةَ عن أبي الفيض قال سمعت سعيد بن جبير يحدث عن أبيه أَنَّ أبا بكر شيَّع قوماً فقال لهم : تَرَاحَمُوا تُرْحَمُوا وتَحَامَلُوا تُحْمَلُوا ، معناه أبقوا على غيركم يُبْق عَلَيْكم وهابوا الناس تُهابُوا.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ : ما أَطاق العَمل والحَمْل والفرشُ الصِّغَارُ.

وقال أَبُو الهيثم الحَمُولَةُ من الإبل التي تَحْمِلُ الأحمال على ظهورها بفتح الحاء.

قال والحُمُولة بضم الحاء هي الأَحْمَال التي تُحْمَل عليها ، وَاحِدُها حِمْلٌ وأَحْمَالٌ وحُمُولٌ وحُمُولة. قال فأما الحُمُر والبغالُ فلا تدخل في الحَمُولة.

وقال الأصمعي الحُمُولُ الإبلُ وما عليها ، وقال غيره : هي الهَوادِجُ واحدها حِمْل ويقال الحُمُولة والحُمُول واحد وأنشد :

أَحَزْقَاءُ للبَيْنِ استقلَّت حُمُولَها

قال والحُمُول أيضاً ما يكون على البعير.

وقال أبو زيد الحُمُولة ما احْتَمَلَ عليه الحيُّ ، والحُمُولة الأثقال. أبو عبيد عن أبي زيد قال الحُمُولة الحُمُول واحدها حِمل وهي الهوادج أيضاً كان فيها نساء أو لا ، وقال ابن السكيت قال أبو زيد الحُمولة ما احتمل عليه الحيّ من بعير أو حمار أو غيره ، كان عليها أَحْمالٌ أو لم تكن. وأنكر أبو الهيثم ما قاله أبو زيد فردّ عليه قوله وقال الليث : الحَمُولة الإبِلُ التي يُحْمَلُ عليها الأثقالُ. والحُمُول الإبل بأثقالها وأنشد :

أَصَاحِ تَرى وأَنْتَ إذاً بعيرٌ

حُمُول الحيِّ يرفعها الوَجِينُ

٥٩

الوجين ما غلظ من الأرض قاله النابغة ، وقال أَيْضاً :

يُخالُ به راعي الحَمُولة طائرا

الأصمعي : الحَمَالَةُ الغُرْم تُحمل عن القوم ، ونَحوَ ذلك قال اللَّيث : وقال يقال أيضاً حَمَالٌ ، وأنشد قول الأعشى :

فرع نَبْعٍ يهتزُّ في غُصُن المجد

عظيمُ الندى كثير الحَمَالِ

وقال الأصمعي الحِمَالةُ بكسر الحاء عِلاقة السيف والجميع الحمائِل وكذلك المِحْمَل عِلاقة السيف وجمعه محامل قال الشاعر :

ذرفت دموعك فوق ظهر المِحْمَل

والمِحْمَل الذي يُرْكَبُ عليه بكسر الميم أيضاً والمَحْمِل بفتح الميم المعتمد يقال ما عليه مَحْمِلٌ أي معتمد.

وقال الليث : ما على فلان مَحْمِلٌ من تحميل الحوائج وما على البعير مَحْمِلٌ من ثِقَل الحِمْلِ. أبو عبيد عن أبي زيد قال المُحْمِلُ المرأةُ التي ينزل لبنها من غير حَبَل وقد أَحْمَلَتْ ويقال ذلك للناقة أيضاً.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال في قوم يخرجُون من النار حُمَمَاً فَيَنْبُتُون كما تنبت الحِبّة في حَمِيلِ السيل ، قال أبو عبيد قال الأصمعي : الحَمِيلُ ما حمله السيل وكل مَحْمُولٍ فهو حَمِيلٌ.

قال أبو عبيد ومنه قول عمر في الحَمِيل إنه لا يُوَرَّث إلا ببيّنة ، سمي حَمِيلاً لأنه يُحْمَلُ صغيراً من بلاد العَدُوّ ولم يولدْ في الإسلام ، ويقال بل سمي حَمِيلا لأنه محمول النَّسَب ، ويقال للدعيّ أيضاً حَمِيلٌ وقال الكميت يعاتب قضاعَة في تحويلهم إلى اليمن بنسبهم :

عَلَامَ نزلتُمُ من غير فَقْرٍ

ولا ضَرَّاءَ مَنْزِلةَ الحَمِيلِ

وقال الليث : الحميل المنبوذُ يَحْمِلُه قوم فَيُرَبُّونه ، قال ويسمى الولَدُ في بطن الأُمِّ إذ أُخِذَت من أرض الشرك حَميلاً. وقال الأصمعي الحَمِيلُ الكفيلُ. وقال الكسائي حَمَلْتُ به حَمَالَةً كَفَلْتُ به وفي الحديث «لا تحل المسألة إلا لثَلاثَةٍ» ذكر منهم رجلاً تَحَمَّلَ بِحَمَالةٍ بين قوم وهو أن يقع حربٌ بين فريقين تُسفك فيها الدماءُ فيتحمّل رجلٌ تلك الدياتِ ليُصلح بينهم ويسأل الناس فيها ، وقتادة صاحب الحَمَالَة سمّي بذلك لأنه بحمَالَةٍ كثيرة فسأَل فيها وأَدَّاها. ويجيء الرجلُ الرجلَ إذا انقطع به في سَفَرٍ فيقولُ له احْمِلْني فقد أُبْدِعَ بي أي أَعطني ظهراً أرْكُبُه. وإذا قال الرجل للرجل أَحْمِلْني بقطع الألف فمعناه أَعنِي على حَمْلِ ما أَحْمِلُه.

وقال أبو إسحاق في قول الله جلّ وعزّ : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب : ٧٢] فقال بعد ما ذكر أقاويل المفسِّرين في هذه الآية : إن حقيقَتَها والله أعلم وهو موافق لما فسروا أن الله جلّ وعزّ ائْتَمن بني آدمَ على ما افْترضَه عليهم من طاعتِهِ وائْتمَن السماواتِ والأرضَ والجبال بقول (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فُصَلَت : ١١] ، فعرفنا الله أَنّ السماواتِ

٦٠