تهذيب اللغة - ج ٥

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٠

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أبواب الحاء والراء

ح ر ل

استعمل من وجوهه : رحل : قال الليث : الرَّحْلُ : مَرْكَبٌ للبعير.

والرِّحالةُ نحوُه ، كلُّ ذلك من مَراكِب النساء. قلت : الرَّحْلُ في كلام العرب على وجُوهٍ. قال شمر : قال أبو عُبَيْدَة : الرحْلُ بجميع رَبَضِه وحَقَبِه وحِلْسِه وجميع أَغْرُضِه. قال : ويقولون أيضاً لأعواد الرَّحْلِ بغير أداةٍ رَحْلٌ ، وأنشد :

كأن رَحْلي وأداة رَحْلِي

على حَزَاب كأَتان الضَّحل

قلت وهذا كما قال أبو عُبَيدة. وهو من مراكب الرجال دون النساء.

وأما الرِّحَالَةُ فهي أكبر من السَّرْج وتُغَشَّى بالجُلودِ تكون للخَيْل والنَّجائبِ من الإبل ومنه قول الطَّرِمَّاحِ :

قَتَرُوا النجائبَ عِنْدَ ذَ

لك بِالرِّحَالِ وبالرَّحَائِل

وقال عنترةُ فجعلها سُرُجاً :

إذْ لا أَزَالُ على رِحَالَةِ سَابحٍ

نَهْدٍ مَرَاكِلُه نَبِيلِ المحْزَمِ

قلت : فقد صح أن الرَّحل والرَّحالة من مراكب الرجال دون النساء.

والرَّحْل في غير هذا منزِلُ الرجل ومسكَنُه وبَيْتُه ، يقال : دخلتُ على الرَّجُل رحْلَه أي منزِلَه وفي حديث يزيدَ بْنِ شَجَرَة : «أنه خطب الناس في بَعْثٍ كان هو قائِدَهم ، فحثَّهُم على الجهادِ وقال إنكم تَرَوْن مَا أَرَى من بَيْن أَصْفَرَ وأَحمَرَ ، وفي الرِّحَالِ ما فيها ، فاتقوا الله ولا تخزوا الحُورَ العِينَ» يقولُ : معكم من زَهْرَةِ الدنيا وزُخْرُفِها ما يُوجِبُ عليكم ذِكْرَ نعمةِ الله عليكم واتِّقَاءَ سَخَطِه ، وَأَنْ تَصْدُقوا العَدُوَّ القِتَال وتجاهِدُوهُمْ حَقَّ الجِهَادِ ، فاتَّقُوا الله ولا تَرْكَنُوا إلى الدنيا وزُخْرُفِها ، ولا تَوَلَّوْا عن عدوِّكم إذا التَقَيْتُم ولا تُخْزُوا الحورَ العين بَأنْ لا تُبْلُوا ولا تجْتَهدوا وتفْشَلُوا عن العدوِّ فيُوَلِّينَ ، يعني الحُورَ العِين عنكم بِخَزَاية واستحْياءٍ لكم. وقد فُسِّر الخَزَايةُ في موضعها.

وقال الليث : رَحْلُ الرَّجُلِ : مسكَنُه. وإنَّه لخَصِيبُ الرَّحْل. وانتهيْنَا إلى رِحَالِنَا : أي إلى مَنَازِلِنا. ورُوِي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنَّهُ قال :

٥

«إِذَا ابْتَلَّت النِّعَالُ فالصلاة في الرِّحَالِ». وقد مرّ تفسيرُه في كتاب العين.

ويقال : إن فلاناً يَرْحَلُ فُلاناً بما يكره ، أي يَركَبُه.

ويقال : رحَلْتُ البعير أَرْحَلُه رَحْلاً : إذا شَدَدْتَ عليه الرَّحْلَ.

ويقال : رحَلْتُ فلاناً بسيْفِي أَرْحَلُه رَحْلاً : إذا علوتُهُ.

وقال أبو زيد : أَرْحَلَ الرجلُ البَعِيرَ ، وهو رَجُلٌ مُرْحِلٌ. وذلك إِذا أَخَذَ بعيراً صَعْباً فجعله رَاحِلَةً. وفي الحديث عند اقتراب الساعة «تخرج نار من قصر عدن تُرَحِّل الناس» رواه شعبة قال : ومعنى تُرَحّل أي تَنْزِل معهم إذا نَزَلوا وتَقِيلُ إذا قالوا. جاء به متصلاً بالحديث قال شَمِر : وقيل معنى ترحِّلهم أي تُنْزلُهم المَرَاحِلَ. قال : والترحِيلُ والإرْحَال بمعنى الإشْخَاصِ والإزعَاج يقال : رَحَلَ الرجلُ إذا سار وأَرْحَلْتُه أَنا.

والمرحلة : المنْزِلُ يُرْتَحَلُ مِنْها. وما بَيْنَ المنْزِلَين مَرْحَلَةٌ.

ورجل رَحُولٌ ، وقوم رُحُلٌ : أي يرتحلون كثيراً ، وجمل رَحِيلٌ وناقة رَحيلَةٌ بمعنى النجِيبِ والظهيرِ.

وقال أبو عبيد : الرَّحُول من الإبلِ الذي يصلُح لأن يُرْحلَ. وبَعِيرٌ ذو رُحلَةٍ : إذا كان قويًّا على أن يُرْحلَ. والرَّاحُولُ : الرَّحْلُ ، وفي حديث الجعديِ : أَنَّ ابنَ الزُّبَيْرِ أَمَرَ لَهُ بِراحِلَةٍ رَحيلٍ.

قال المبرد : راحِلَةٌ رَحِيلٌ أي قويٌّ على الرِّحْلَةِ ، كما يُقال : فَحْلٌ فَحِيلٌ : ذو فِحْلَة.

وروي عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «تجدون الناسَ كإبلٍ مائَةٍ ليس فيها راحلةٌ» قال ابن قُتَيْبَةَ : الرَّاحِلَةُ هي الناقةُ يختارُهَا الرَّجُلُ لمَرْكَبِه ورَحْلِه على النجابَةِ وتَمَامِ الخَلْق وحُسْنِ المَنْظَرِ ، وإذا كانت في جَماعةِ الإبل تبيَّنَتْ وعُرِفَتْ. يقولُ : فالناسُ مُتساوون ، ليس لأَحَدٍ منهم على أَحَد فضلٌ في النَّسَب ، ولكنهم أشْبَاهٌ كإبلٍ مائَةٍ ليست فيها راحِلَةٌ تَتَبَيَّنُ فيها وتَتَمَيَّزُ منها بالتَّمَامِ وحُسْنِ المَنْظَرِ.

قلت : غَلِطَ ابنُ قُتيْبَةَ في شيئين : في تفسير هذا الحديث ، أحَدُهما أَنَّهُ جعَل الراحلَةَ النَّاقَةَ ، وليس الجملُ عنده راحلةً. والراحلةُ عند العربِ كلُّ بعيرٍ نجيبٍ جوادٍ سواءٌ كان ذكراً أو أُنْثى ، وليست الناقةُ أَولَى باسْمِ الراحلةِ من الجملِ ، تقول العربُ للجَمَلِ إذا كان نجيباً : راحلةٌ وجمعه رواحلُ ، ودخول الهاء في الراحلةِ للمبالغة في الصِّفَةِ ، كما يُقالُ : رَجلٌ داهيةٌ وباقِعَةٌ وعَلَّامَةٌ. وقيل : إنَّها سُمِّيَتْ راحلَةً لأنها تُرْحَلُ ، كما قال الله (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١] أي مَرْضِيَّةٍ ، و (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦)) [الطّارق : ٦] أي مَدْفُوق. وقيل : سُمِّيَتْ رَاحِلَةً لأنها ذاتُ رَحْل ، وكذلك عيشة راضيةٌ : ذاتُ رضًى. وماء دافِقٌ ذو دَفق.

وأما قوله : إن النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أراد أن الناس متساوُون في الفضل ليس لأحد منهم فضلٌ على الآخَرِ ولكنهم أشباهٌ كإبل مائةٍ ليس

٦

فيها راحلةٌ ، فليس المعنى ما ذَهَبَ إليه. والذي عندي فيه أنَّ الله تبارك وتعالى ذَمَّ الدنيا ورُكُونَ الخلْقِ إليها وحذَّرَ عِبَادَهُ سُوءَ مَغَبَّتِها ، وزهَّدَهُم في اقتنائِها وزُخْرُفِها وضربَ لَهُمْ فيها الأمْثَالَ لِيَعُوها ويَعْتَبِرُوا بها ، فقال : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ) [الحَديد : ٢٠] الآية. وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحذِّرُ أصحابَه بما حذَّرَهم الله من ذَمِيم عَوَاقِبِها وينهاهم عن التَّبَقُّرِ فيها ويزهِّدُهم فيما زهَّدَهُم الله فيه منها ، فَرَغِبَ أكثرُ أصحابه عليه‌السلام بعده فِيهَا ، وتَشَاحُّوا عليها وتَنَافَسُوا في اقتنائِها حتى كان الزهدُ في النادِرِ القليلِ منهم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تجدون الناس بَعْدِي كإبلٍ مِائَةٍ ليس فيها راحلةٌ» ولم يُرِدْ بهذا تساوِيَهُم في الشَّرِّ ولكنه أراد أنَّ الكامِلَ في الخَيْرِ والزَّاهِدَ في الدُّنيَا مع رَغبَتِهِ في الآخِرَةِ والعملِ لها قليلٌ ، كما أن الراحلَةَ النجيبةَ نادِرٌ في الإبل الكثيرِ.

وسمعت غَيْرَ واحِدٍ من مشايِخِنا يقول : إن زُهَّادَ أصحابِ رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يَتَتَامُّوا عشرةً مع وُفُور عددِهم وكثرة خَيْرِهم ، وسبقِهم الأمَّةَ إلى ما يستَوْجِبُون به كريمَ المآب برحمة الله إيَّاهم وَرِضْوانِه عليهم. فكيف مَنْ بَعْدَهم. وقد شاهَدُوا التَّنْزِيلَ وعايَنُوا الرَّسُولَ وكانوا مع الرغْبَةِ التي ظَهَرَتْ منهم في الدنيا خَيْرَ هذه الأمة التي وصَفَهَا الله جلَّ وعَزَّ فقال : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عِمرَان : ١١٠] وواجبٌ على مَنْ بَعْدَهمْ الاستغفارُ لهم والترحمُ عليْهِم وأن يسأَلُوا الله أَلَّا يجعل في قُلُوبهم غِلًّا لهم ولا يذكُرُوا أحداً بما فيه مَنْقَصَةٌ لهم ، والله يرحمنا وإيّاهم ويتغمَّد زَلَلَنَا بفضْلِهِ ورحمته (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

أبو عبيد عن أبي عمرو : ناقَةٌ رَحِيلَةٌ : شديدَةٌ قويَّةٌ على السير ، وجمل رَحيلٌ مِثلُه ، وإنَّها لَذَاتُ رُحْلَةٍ. وقال الأمَويٌّ ناقةٌ حِضَارٌ إذا جَمَعَتْ قُوَّةً ورُحْلَةً يعني جَوْدَةَ السير.

وقال شَمِر : ارْتَحَلْتُ البعيرَ إذا شدَدْتُ الرَّحْلَ عَلَيْهِ وارْتَحَلْتُه إذا رَكِبْتَهُ بقتب أو اعْرَوْرَيْتَهُ وقال الجعدي :

وما عَصَيْتُ أميراً غَيْرَ مُتَّهَمٍ

عِنْدِي ولكنَّ أَمْرَ المرْءِ مَا ارْتَحَلَا

أي يَرْتَحِلُ الأمر ، يركبه.

قال شمر : ولو أنّ رجلاً صَرَع آخر وقعد على ظهره لقلت رأيتُه مُرْتَحِله. ومُرْتَحَلُ البعير : مَوْضِعُ رَحْلِه من ظَهْرِه وهو مَرْحَلُهُ ، قال : وبعيرٌ ذو رُحْلَةٍ وذو رِحلة وبعير مِرْحَلٌ ورَحِيلٌ إذا كان قويّاً.

الحرَّاني عن ابن السكيت : قال الفراء : رِحْلَةٌ ورُحْلَةٌ بمعنًى واحدٍ ، قال وقال أبو عمرو الرِّحْلَةُ : الارتحال ، والرُّحلَةُ بالضم : الوجْه الذي تُرِيدُه. تقول : أَنتُمْ رُحْلَتِي. قال وقال أبو زيد نَحْواً منه.

ويقال للراحلة التي رِيضَتْ وأُدِّبت : قد أَرحَلَتْ إِرْحَالاً وأَمهَرَتْ إِمْهَاراً إذا جَعَلها الرائِض مَهْريَّة وراحلةً.

٧

وفي «نوادر الأعراب» : ناقة رَحِيلةٌ ورحيلٌ ومُرْحِلَةٌ ومُستَرْحِلَةٌ أي نجيبَةٌ. وبعير مُرْحِلٌ إذا كان سميناً وإن لم يكن نجيباً.

وقال الليث : ارتحل القوم ارتحالاً.

والرِّحْلَةُ : اسمُ ارتحالِ القوم للمسير.

قال : والمُرْتَحَل نقيضُ المحَلِّ. وأنشد قول الأعشى :

إِنَّ مَحَلًّا وإِنَ مُرْتَحَلا

يريد إن ارتحالاً وإن حلولاً.

قال : وقد يكون المُرْتَحَلُ اسْمَ المَوْضِع الذي تَحُلُّ فيه. قال : والترحُّلُ : ارتحالٌ في مُهْلَةٍ.

والمرحَّلُ : ضَرْبٌ من بُرُودِ اليمن ، وقيل سمي مُرَحَّلاً لما عليه من تَصَاويرِ الرَّحْل وما ضَاهَاهُ. قال : ورَاحِيلُ اسمُ أُمِّ يُوسُفَ ابنِ يعقوبَ. والعرب تكني عن القذف للرجل بقولهم «يا ابن مُلْقَى أَرْحُلِ الرُّكبان» ويفسَّرُ قول زهير :

ومَنْ لا يَزَلْ يسترْحِلِ الناسَ نَفْسَهُ

ولا يُعْفِهَا يَوْماً من الذُّلِّ يَنْدَمِ

تفسيرين : أحدُهما أَنَّهُ يَذِلُّ لهم حتى يَرْكَبوه بالأَذَى ويستذِلُّوه ، والثاني : أنه يَسْأَلُهم أن يحملوا عنه كَلَّه وثُقْلَه ومَؤُونَتَه ومن قال هذا القول روى البيت

«ولا يعفها يوماً من الناس يُسْأَمِ»

وقال ذلك كلَّه ابنُ السكيت في كتابه في المعاني.

وقال أبو عبيدة في شيات الخيل : إذا كان الفَرَسُ أبيضَ الظهرِ فهو أَرْحَلُ ، وإن كان أبيضَ العَجُزِ فهو آزَرُ. وقال أبو زَيْدٍ في شيات الغنم إن ابْيَصَّ طولُ النَّعْجَةِ غيرَ مَوْضِعِ الرَّاكب منها فهي رَحْلَاءُ ، فإن ابْيَضَّتْ إِحْدَى رِجْلَيْها فَهِي رَجْلَاءُ. وقال الفرزدق :

عليهِنَ رَاحُولَاتُ كُلِّ قطيفة

من الخَزِّ أَو مِن قَيصَرانَ عِلَامُها

قال : الراحُولَاتُ : المُرَحَّلُ المَوْشِيُّ على فَاعُولات. قال وقَيْصَرَانُ ضربٌ من الثيابِ المَوْشِيَّةُ.

ويقال : ارْتَحَل فلانٌ فلاناً : إذا علا ظَهْرَهُ وَركِبَه. ومنه حَدِيثُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنه سَجَدَ فَركبه الحَسَنُ فأَبْطَأَ في سُجُودِهِ ، وقال : إنَّ ابنِي ارْتَحَلَنِي فكرِهْتُ أن أُعْجِله».[ح ر ن] حرن ، حنر ، نخر ، رنح : مستعملة.

حرن : قال الليث حَرَنت الدابَّةُ وحَرُنَتْ لُغَتَان ، وهي تحرُن حِرَاناً. وفي الحديث «ما خلأت وَلَا حَرَنَتْ ولكن حَبَسَها حَابِسُ الْفِيلِ».

ويقال فَرَسٌ حَرُونٌ مِنْ خَيْلٍ حُرُنٍ. والحَرُونُ : اسمُ فَرَسٍ كان لِبَاهِلَةَ ، إليه تنسب الخيل الحرونية. وقال أبو عمرو في قولِ ابن مقبل : صوت المحابض ينزعن المحارينا قال : المحارين ما يموت من النحل في عسله وقال غيره : المحارين من العسل ما لزق بالخلية فعسر نزعه أخذ من قولك حَرَنَ بالمكان حُرُوناً إذا لزمه فلم يفارقه وكأَنَّ العَسَل حَرِن فَعَسُر اشْتِيَارُه. وقال الراعي :

كناس تنوفه ظلت إليها

هجانُ الوحش حَارِنةً حرونا

٨

قال الأصمعي في قوله حارنةً متأخرةً. وغيرُه يقول لازِمَةً. وقال ابن شمَيْلٍ : المحارينُ حَبُّ القطن الواحد مِحْرَانٌ.

رنح : قال الليث رُنِّح فلان ترنيحاً إذا اعتراه وهْنٌ في عظامه وَضَعْفٌ في جسده عند ضرب أو فزع يغشاه وقال الطرماح :

وناصِرُكَ الأَدْنى عليه ظعينَةٌ

تَمِيدُ إذا استَعبَرْتَ مَيْدَ المُرَنَّح

وقال غيره : رُنِّحَ به إِذا أُدِيرَ به كالمغشيِّ عليه ومنه قول امرىء القيس :

فَظَلَ يُرَنَّحُ في غَيْطَلٍ

كما يستدير الحِمارُ النَّعِرْ

قال الليث المُرَنَّحُ أيضاً ضرب من العود من أَجْودِه يُسْتَجْمرُ به. عمرو عن أبيه قال : المَرْنَحَةُ صَدْرُ السفينة قال : والدَوْطِيرةُ كَوْثَلُها ، والقَبُّ رأس الدَّقَل ، والقَرِيَّةُ خشبة مربَّعَةٌ على رأس القَبَّ.

حنر : الليث : الحِنَّوْرَةُ دويبَّة ذَميمة يُشَبَّه بها الإنسانُ فيقال يا حِنَّوْرَةُ.

وقال أبو العباس في باب فِعّوْل الحِنَّوْر : دابَّة تشبه العَظَاءَ وقال الليث : الحَنِيرَةُ العَقْدُ المضْرُوب وليس بذاك العريض. قال : وفي الحديث «لو صلَّيتم حتى تكونوا كالأوتار ، أو صمتم حتى تكونوا كالحنائر ما نفعكم ذلك إلا بنيَّةٍ صادِقَةٍ وورعٍ صادقٍ».

وتقول حنَرْتُ حَنِيرَةً إذا بَنَيْتَها. أبو عَمْرو : الحَنِيرَةُ : قَوْسٌ بلا وَتَرٍ ، وجَمْعُها حَنِيرٌ. قال وقال ابن الأعرابي : جمعها حَنَائرُ. قال وفي حديث أبي ذَرٍّ «لو صليتم حتى تكونوا كالحنائر ما نفعكم ذلكم حتى تُحِبُّوا آلَ رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

ثعلب عن ابن الأعرابي ، قال : الْحُنَيْرَةُ تصغير حَنْرَة وهي العطْفَة المحْكَمَة لِلْقَوْس. نحر : قال الليث : النَّحْرُ : الصَّدْرُ. والنُّحُور : الصدُور. قال : والنَّحْرُ : ذَبْحُكَ البعِيرَ تطعنُه في مَنْحَرِه حيثُ يَبْدو الحُلْقُومُ من أعْلَى الصدْر. قال : ويومُ النَّحْر : يومُ الأَضْحَى.

وإذا تَشَاحَّ القوْمُ على أمْرٍ قيل : انْتَحَرُوا عليه من شِدَّةِ حِرْصِهِمْ. وإذَا اسْتَقْبَلَتْ دَارٌ دَاراً قيل : هذه تَنْحَرُ تلك. وإذا انْتَصَب الإنسانُ في صَلَاتِه فنهد قيل : قَدْ نَحَرَ.

قال : واختلفُوا في تفسير قوله تبارك وتعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)) [الكَوثر : ٢] قال بعضهم : انْحَرْ البُدْنَ. وقيل : ضَعِ اليمينَ على الشِّمال في الصلاةِ. وقال الفَرَّاءُ : معنى قولِه (وَانْحَرْ) استَقْبِل القِبْلَة بنَحْرِك. قال : وسمعتُ بعضَ العرب يقول : مَنَازِلُهُ تَنَاحَرُ ، هذَا يَنْحَرُ هذا ، أي قُبَالَتَه. وأنشد في بعض بني أسد :

أَبَا حَكَمٍ هل أنت عم مجالد

وسيدُ أهل الأَبْطَحِ المُتَنَاحِرِ

وذكر الفراء القولين الأولين أيضاً في قوله : (وَانْحَرْ).

وقال أبو عبيد النَّحيرَةُ : آخِرُ يوم من الشَّهْرِ لأنه يَنْحَرُ الذي يَدْخُلُ بَعْدَه. قلت : معناه أنه يستقبل أول الشهر. وأنشد للكميت :

٩

والغيث بالمُتَأَلِّقَا

تِ مِنَ الأَهِلَّة في النواحر

ويقال له نَاحِرٌ. ويقال لآخر ليلةٍ من الشهر نَحيرَةٌ لأنها تَنْحَرُ الهِلَالَ. وقال الكميت أيضاً :

فَبَادَرَ لَيْلَةَ لَا مُقْمِرٍ

نَحيرَةَ شَهْرٍ لِشَهْرٍ سِرَاراً

أراد ليلةَ لا رَجُلٍ مُقْمِرٍ. والسِّرارُ مردودٌ على الليلَةِ. ونحيرَة فعيلة بمعنى فاعِلَة لأنَّها تَنْحَرُ الهلالَ ، أي تستَقْبِلُه.

ويقال للسحاب إذا انْعَقَّ بِمَاءٍ كثيرٍ : قد انْتَحَرَ انتِحَاراً. وقال الراعي :

قَمَرَّ عَلَى مَنَازِلِهَا وَأَلْقَى

بها الأَثْقَالَ وَانْتَحَرَ انتِحَاراً

وقال عديُّ بن زيد يصف الغيث :

مَرِحٌ وَبْلُه يسحّ سُبُوب ال

مَاءِ سَحٍّا كأَنَّه مَنْحُورُ

والنِّحْرِيرُ : الرجُلِ الطَبِنُ الفَطِنُ في كل شيء ، وجمعه : النَّحَارِيرُ.

ثعلب عن ابن الأعرابي : النَّحْرَةُ انْتِصَابُ الرَّجُلِ في الصَّلَاة بإزاء المحراب. وقال أبو العباس في قوله : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ٢ [الكَوثَر : ٢]

قالت طائفة أُمِرَ بِنَحْرِ النُّسُكِ بَعْد الصَّلاة. وقيل أُمِرَ أَنْ يَنْتَصِبَ بنَحْره بإزَاءِ القِبْلَة وأَلَّا يَلْتَفِتَ يميناً ولا شمالاً.

وقال ابن الأعرابي : النَّاحِرَتَانِ : التَّرْقُوَتَان من الإِبِل والناسِ. وَالجَوانحُ : ما وقَعَ عليه الكَتِفُ مِنَ الدَّابَّة والبَعِيرِ ، وهِيَ من الإنسانِ الدَّأْيُ ، والدَّأيُ : ما كَانَ من قِبَلِ الظَّهْرِ ، وهي سِتٌّ : ثَلَاثٌ من كلِّ جانبٍ ، وهي من الصدر الجوانِحُ لجُنُوحِها على القَلْب. وقَالَ : الكَتِفُ على ثلاثةِ أضْلَاع من جانب وستة أضلاع من جانب وهذه الستة يقال لها الدَّأَيَاتُ. أبو زيد الجوانح أدنى الضلوع من المَنْحَر ، وفيهن النَّاحِرَتَان ، وهي ثلاثٌ من كل جانب ، ثم الدَّأَيات وهي ثَلاثٌ من كُلِّ شِقّ ، ثم يبقى من بعد ذلك سِتٌّ من كل جانبٍ متَّصِلاتٌ بالشراسيف لا يسمونها إلا الأضلاع ، ثم ضِلَع الخَلْفِ ، وهي أواخر الضُّلوع.

[ح ر ف]

حرف ، حفر ، فرح ، رحف ، رفح : مستعملة.

حرف : قال الليث : الحَرْفُ من حُرُوفِ الهِجَاء. قال : وَكُلُّ كَلِمَةٍ بُنِيَتْ أَدَاةً عارِيةً في الكلامِ لِتَفْرِقَةِ المَعَانِي فاسْمُها حرفٌ ، وإِنْ كَانَ بِنَاؤُها بحرفين أو فَوْقَ ذلك ، مثل : حتى وَهَلْ وَبل وَلَعَلّ.

وكل كلمة تُقْرَأُ على وُجُوهٍ مِنَ القُرْآنِ تُسمى حَرْفاً ، يقرأ هذا في حرف ابن مسعود أي في قراءة ابن مسعود.

قال والإنسانُ يكونُ على حَرْفٍ من أَمْرِه : كَأَنَّهُ يَنْتَظِرُ ويتوقَّعُ ، فإِنْ رَأَى من نَاحِيَتِهِ ما يحبُّ ، وإلَّا مَالَ إلى غَيْرِهَا. وقال الله جل وعز : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) [الحَجّ : ١١] أي إذا لَمْ يَرَ مَا أَحَبَّ انْقَلَبَ عَلَى وجهه.

قال : وحَرْفُ السفينةِ : جَانِبُ شِقِّها. وقال أبو إسحاقَ في تفسير هذه الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) جاء في

١٠

التفسيرِ : على شَكِّ ، قال : وحقيقَتُهُ أَنَّه يعبدُ الله على حرفِ الطَّرِيقَة في الدِّين ، لا يدخُلُ فيه دُخُولَ مُتَمَكِّنٍ. وأفادني المنذريُّ عن ابن اليزيدي عن أبي زيدٍ في قوله (عَلى حَرْفٍ) على شَكٍّ. وأفادني عن أَبِي الْهَيثَم أنه قال : أما تسميتُهم الحَرفَ حَرْفاً فحرْفُ كل شيءٍ ناحيتهُ كحرْفِ الجَبَلِ والنهرِ والسيفِ وغيرهِ ، قلتُ كأَنَّ الخير والخِصْبَ ناحيةٌ ، والضَّرَّ والشَّرَّ والمكروه ناحيةٌ أخرى ، فهما حرفان ، وعلى العبْدِ أن يَعْبُدَ خالِقَه على حالة السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ. ومَن عَبَدَ الله على السَّرَّاءِ وحْدَهَا دون أن يَعْبُدَه عَلَى الضَّراءِ يَبْتَلِيه الله بِهَا فَقَدْ عَبَدَهُ على حَرفٍ ، ومن عَبَدَهُ كَيْفَما تصرَّفَتْ به الحالُ فقد عَبَدَهُ عِبادةَ عَبْدٍ مُقِرٍّ بأَنَّ له خَالِقاً يُصَرِّفه كيفَ يشاءُ ، وأنه إن امْتَحَنَه باللأواء وأنعم عليه بالسَّراء فهو في ذلك عادلٌ أو متفضلٌ غير ظالم ولا متعدٍّ ، له الخيَرَةُ وبيده الأمرُ ولا خِيَرَةً للعَبْدِ عليه.

وأما قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «نُزِّلَ القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف» لقد أشبَعْتُ تفسيره في كتاب «القراءَات وعِللِ النحويينَ» فيها وأنا مختصرٌ لَكَ في هذا الموضِعِ من الجُمَلِ التي أودَعْتُها ذلك الكتابَ ما يَقِفُ بِكَ على الصواب. فالذي أذْهَبُ إليه في تفسيرِ قولهِ : «نُزِّلَ القرآنُ على سَبْعَةِ أحرف ما ذهب إليه أبو عبَيْدٍ واتَّبعه على ذلك أبو العَبَّاسِ أحمد بن يحيى.

فأما قول أبي عبيدٍ فإن عبدَ الله بنَ محمد ابن هاجَك أخبرني عن ابن جَبَلَة عن أبي عبيدٍ أنه قال في قوله «على سبعة أحرف» يعني سبع لُغَاتٍ من لُغَات العَرَبِ. قال وليس معناه أن يكونَ في الحرف الواحدِ سبعَةُ أَوْجُهٍ هذا لَمْ نَسمعْ به. قال ولكن نقول : هذه اللغاتُ السبعُ متفرقَةٌ في القرآن فبعضه بِلُغَةِ قريش وبعضُه بلغة هوازِنَ وبعضُه بلغة هُذَيْلٍ وبعضُه بلغة أهلِ اليَمَن ، وكذلك سائِرُ اللغات ومعانيها في هذا كله وَاحِدَةٌ. قال ومِمَّا يُبَيِّنُ ذلك قولُ ابن مسعود : إني قد سمعت القراءَةَ ووجدتهم متقاربين فاقرءوا كما علمتم ، إنما هو كقول أحدكم هَلُمَّ وَتَعَال وأَقْبِل.

وأخبرني المنذريُّ عن أبي العباس أنه سُئِل عن قوله «نزل القرآن على سبعة أحرف» فقال : ما هي إلا لغاتٌ. قلت : فأبو العبَّاسِ النحوي وهو وَاحِدُ عصره ، قد ارْتَضَى ما ذهبَ إليه أبو عبيد واستصْوبَه. قلت : وهذه الأحْرُفُ السبعةُ التي مَعْنَاهَا اللغاتُ غيرُ خَارِجَةٍ من الذي كُتِبَ في مصاحِف المسلمين التي اجتمع عليها السلفُ المرضيُّون والخلف المتبعون فمن قَرَأَ بحرفٍ لا يُخَالِفُ المصحفَ بزيادةٍ أو نُقْصانٍ أو تقديم مؤخَّرٍ أو تأخيرِ مُقَدَّم وَقَدْ قَرَأَ به إِمامٌ من أَئِمَّة القُرَّاءِ المُشتهرين في الأَمْصَارِ فقد قرأ بحرْفٍ من الحُرْوف السبعة التي نزل القرآن بها ، ومن قرأَ بحرفٍ شاذٍّ يُخَالِفُ المصحفَ ، وخالَفَ بذلك جمهورَ القَرَأَةِ المعروفين ، فهو غيرُ مصيبٍ. وهذا مذهبُ أهلِ العِلْم الذين هم القُدْوَة ، ومذهبُ الراسخِين في عِلْمِ القرآن قديماً وحديثاً ، وإلى هذا أَوْمَى أبو العباس

١١

النحويُّ ، وأبو بكرٍ الأنبارِيُّ في كتاب له ألَّفَهُ في اتِّباع ما في المصحَفِ الإمَامِ ، وافقه على ذلك أبو بكرٍ مجاهدُ مُقْرِىء أهلِ العِراق وغيرُه من الاثْبَاتِ المُتْقِنِين. ولا يجوز عندي غيرُ ما قالوا ، والله يوفقنا للاتّباع وتجنُّبِ الابْتداع ، إنه خير مُوَفِّق وخيرُ مُعين.

وقال الليث : التحريفُ في القرآن : تغييرُ الكلِمَةِ عَنْ مَعنَاهَا وهي قريبَةُ الشَّبَهِ ، كما كانت اليهودُ تُغَيِّر مَعانِيَ التوْراةِ بالأَشْبَاه ، فوصَفَهم الله بِفِعْلِهم فقال (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [النِّساء : ٤٦] قال : وإذا مال إنسانٌ عن شيء يقال : تحرّف وانْحَرَفَ واحْرَورَف وأنشد في صفة ثور حفر كناساً فقال :

وإن أصاب عُدَوَاءَ احْرورفا

قال : والحَرْف النَّاقة الصُّلْبَةُ ، شُبِّهت بِحَرْفِ الجبل. وأنشد :

جُمَالِيَّةٌ حَرْفٌ سِنَادٌ يَشُلُّهَا

وَظِيفٌ أَزَجُّ الخَطْوِرِيَّانُ سَهْوَق

قال : وهَذَا البَيْتُ يَنْقُضُ تفسيرَ مَنْ قال : ناقة حَرْفٌ : أَيْ مَهْزولَةٌ شبِّهت بحرْفِ كتابَةٍ لِدَقَّتِها وهُزَالِها.

وروى أبو عبيدٍ عن أبي عَمْرو أنه قال : الحرْفُ : الناقَةُ الضَّامِرُ ، قال : وقال بعضهُم : شُبِّهَت بِحَرْف الجبل. قال أبو عبيدٍ وقال الأَصمعيُّ : الحرفُ : المَهْزُولَةُ ، وقال شَمِر : الحَرْفُ من الجَبَلِ : ما نَتَأَ في جَنْبِهِ منه كَهَيْئَةِ الدُّكَّانِ الصغيرِ أو نحوِه. قال والحرف أيضاً في أعْلَاهُ تَرَى له حَرْفاً دقيقاً مشرفاً على سواءِ ظَهْرِه.

أبو العباس عن ابن الأعرابيِّ قال : الحرْفُ : الشَّكُّ في قول الله جل وعز : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) [الحَجّ : ١١] أي شَكٍّ.

قال أبو العبَّاسِ : والعربُ تَصِفُ الناقَةَ بالحَرْفِ لأَنَّها ضَامِرٌ ضَامِرٌ ، وتُشَبَّهُ بالحَرفِ من حُرُوفِ المُعْجَم ، وهو الأَلِفُ. وتشبَّه بِحَرْفِ الجبَل إذا وصفت بالعِظَم. قال هذا في تفسير قول كعب : حَرْف أخوها أبوها من مهجَّنة وقال الليث : الْحُرْفُ : حَبٌّ كالخَرْدَلِ ، الواحدة حُرْفَةٌ. قال : والمُحَارَفَةُ : المُقَايَسَةُ بالمِحْرَافِ ، وهو المِيلُ الذي يُسْبَرُ به الجِرَاحَاتُ وأنشد :

كما زَلَّ عَنْ رَأْسِ الشّجِيج المُحَارِف

أبو عُبَيْدٍ عن أبي زيدٍ : أَحْرَفَ الرجلُ إِحرافاً إذا نما مَالُه وصَلُحَ. ورُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ أنه قال : موت المؤمِنِ بعَرَق الجبين تبقَى عليه البقيَّةُ من الذُّنُوبِ فَيحَارَفُ عند الموت أي يُقَايَسُ بها فيكون كفارةً لذنوبه. ومعنى عَرَقِ الجبينِ شدّةُ السِّيَاق. ويقال : لا تُحَارِفْ أخَاكَ بالسوءِ : أي لا تُجَازِهِ بِسُوءِ صَنِيعِه تُقَايِسْه ، وأحْسِنْ إِذَا أَساءَ ، واصْفَحْ عنه. ويقال للمَحْروم الذي قُتِّرَ عليه رزقُه مُحَارَفٌ. حدَّثَنَا عبدُ الله بنُ عُرْوَةَ عن أبي بكرٍ بن زَنْجَوَيْهِ عن محمدِ بن يوسفَ عن سفيانَ قال حدثنا أو إسحاقَ عن قسر ابن كركم عن ابن عباس في قوله : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ

١٢

لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ١٩ [الذّاريَات : ١٩] قال : (السائلُ) : الذي يسألُ الناسَ ، و (المحروم): المُحَارَفُ الذي ليس له في الإسلام سَهْمٌ ، فهو مُحَارَفٌ. قالَ وأخْبَرَنا الزعْفرانيُّ عن الشافِعِيِّ أنه قال : كُلُّ من استغْنَى بكَسْبِه فليس له أن يسألَ الصدقَةَ وإذا كان لا يبلغ كسبه ما يُقِيمُه وعيالَه فهو الذي ذكر المفسِّرُونَ أنَّه المحرومُ المُحَارَفُ. قال : والمُحَارَفُ : الذي يَحْتَرِفُ بيديه قد حُرِمَ سهْمَه من الغنيمة لا يَغْزُو مع المسلمين فبقي محروماً يُعْطَى من الصدقةِ ما يَسُدّ حِرمَانَهُ. وجاء في تفسير قول الله جلّ وعز : (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أنّ المحرومَ هو المُحَارَفُ ، والاسْمُ منْهُ الحُرْفَةُ بالضَّم ، وأما الحِرْفَة فهو اسم من الاحْتِرَافِ ، وهو الاكتسابُ ؛ يقال هو يَحْرِفُ لعياله ويَحْتَرِفُ ، وَيَقْرِشُ وَيَقْتَرِشُ ، ويَجْرَحُ ويَجْتَرِحُ : بمعنى يَكْتَسِبُ.

ثعلبُ عن ابن الأعرابيِّ قال : أَحْرَفَ الرجُلُ إذا جازَى على خيرٍ أو شَرٍّ. قال ومنه الخبرُ : «إن العبدَ ليُحَارَفُ على عَمَلِه الخيرَ والشرَّ». قال : وأحرف إذا استغنى بعد فقر وأحرف الرجل إذا كدّ على عياله أبو عُبَيْدة عن أبي زيدٍ : أحْرَفَ الرجُلُ إِحْرَافاً إذا نَمَا مَالُه وصَلَح.

رحف : أهمله الليث وهو مستعمل.

روى أبو العباس عن ابن الأعرابيِّ أنه قال : أَرْحَفَ الرجلُ إذا حدَّد سكّيناً أو غيرَه يُقَالُ : أَرْحَفَ شَفْرَتَهُ حتى قَعَدَتْ كَأَنَّها حَرْبَةٌ. ومعنى قَعَدَتْ أي صَارَتْ. قلتُ كَأَنَّ الحاءَ مُبْدَلَةٌ من الهاء في أَرْحَفَ ، والأصْلُ أَرْهَف. وسيفٌ مُرْهَفٌ وَرَهِيفٌ أي مُحَدَّدٌ.

حفر : قال الليث : الحُفْرَةُ : ما يُحْفَرُ في الأَرْضِ ، ومثله الحَفِيرَةُ ، قال : والحَفَرُ اسمُ المَكَانِ الذي حُفِرَ كخَنْدَقٍ أو بِئْرٍ ، قال وكذلك البئرُ إذا وُسِّعَتْ فَوْقَ قَدْرِها تُسَمَّى حَفِيراً وحَفَراً وحَفِيرَةً ، قال : وحَفِيرٌ وحَفِيرَةٌ اسْمَا مَوْضِعَين ذكَرَهُمَا الشعراءُ القدماءُ.

قلتُ : والأَحْفَارُ المَعْرُوفَةُ في بلادِ العربِ ثلاثَةٌ : فمنها حَفَر أَبي موسى ، وهي رَكَايا احْتَفَرَهَا أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ على جَادَّة البَصْرة وَقَدْ نَزَلْتُ بها واستَقَيْتُ من رَكَاياها وهي ما بين مَاويَّةَ والمَنجَشَانِيَّاتِ وركايا الحَفَر مَسنَوِيَّةٌ بعيدة الرِّشَاء عَذبَةُ الماءِ ، مَسْنَوِيَّةٌ أي يستقى منها بالسانية وهذا كقولهم زرع مَسْقَوِيّ أي يُسْقَى. ومنها حَفَرُ ضَبَّةَ : وهي ركايَا بِنَاحيةِ الشَّوَاجِن بعيدةُ القَعْرِ ، عَذْبَةُ الماءِ. ومنها حَفَرُ سَعْدِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ ابن تميم ، وَهيَ بِحِذَاء العَرَمَة وَرَاءَ الدَّهْنَاءِ ، يُسْتَقَى منها بالسانيَة عِنْدَ حَبْلٍ من حِبَالِ الدَّهْنَاءِ ، يقال له حَبْلُ الحَاضِر.

وقال الفرَّاءُ في قول الله جل وعز (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ* أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) (١١) [النَّازعَات : ١٠ ، ١١] معناه إنّا لمَرْدُودُون إلى أَمرنا الأوّل إلى الحياة. قال : والعربُ تَقُولُ : أَتَيْتُ فُلاناً ثمَّ رَجَعتُ علَى حَافِرَتِي : أيْ رَجَعْتُ مِنْ حَيْثُ جئتُ. قالَ : ومن ذَلِكَ قَوْلُ العَرَبِ : النقد عِنْدَ الْحَافِرَةِ. والحافر معناهُ إذا قَال قَدْ بِعْتُك

١٣

رجعتَ عليه بالثمن ؛ وهُمَا في المعنى واحدٌ. قال : وبعضُهم يقول النَّقْدُ عندَ الحَافِرِ ، يريد عند حَافِرِ الفَرَسِ ، وكَأَنَّ هذا المَثَل جَرَى في الخيْلِ. قال : وقالَ بعضُهم : الحافِرَةُ الأَرْضُ الَّتِي تُحْفَرُ فيها قُبُورُهم ، فسمَّاهَا الْحَافِرَةَ ، والمعْنَى يريدُ المحْفُورَةَ ، كما قال (ماءٍ دافِقٍ) [الطّارق : ٦] يريد مَدْفُوق. وأخبرني المُنْذريُّ عن أبي العَبَّاس أنه قَال : هَذِه كلمَةٌ كانُوا يَتَكَلَّمُون بها عند السَّبْق. قال والحَافِرَةُ : الأرضُ المَحْفُورَةُ ، يَقُول : أقل ما يَقَعُ حَافِرُ الفَرَسِ على الْحَافِرَةِ فقد وَجَبَ النقْدُ ، يعني في الرِّهَانِ ، أي كَمَا يَسْبِقُ فيَقَعُ حَافِرُه عَلَيْها تقول هَاتِ النَّقْدَ : وقال الليثُ : النقْدُ عِنْدَ الحَافِرِ معناه إذا اشتريْتَه لم تَبْرَح حَتَّى تَنْقُد. الحرَّانِيّ عن ابن السِّكِّيتِ أنه قال : مَعْنَى النَّقْدُ عند الْحَافِرَة أَيْ عِنْد أَوَّلِ كَلِمَةٍ. ويُقَال : الْتَقَى القَوْمُ فاقْتَتَلُوا عِنْدَ الْحَافِرَة أَيْ عِنْدَ أَوَّلِ كَلِمَةٍ وعِنْدَ أَوَّلِ مَا الْتَقُوا ، قال الله جَلّ وَعَزّ (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) أَيْ فِي أوَّلِ أَمْرِنَا. قال : وَأَنْشَدَنِي ابنُ الأعرابيّ :

أَحَافِرَةً عَلَى صَلَعٍ وَشَيْبٍ

مَعَاذَ الله مِنْ سَفَهٍ وَعَارِ

كأنه قال أأرجع في صِبَايَ وَأَمْرِي الأوَّلِ بعد أن صَلِعْتُ وشِبْتُ. وقال الليثُ : الحافِرَةُ العَوْدَةُ في الشَّيْءِ حتَّى يُرَدَّ آخِرُه عَلَى أَوَّلِه. قَالَ : وفِي الحَدِيثِ «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا يُتْرَكُ عَلَى حَالِه حَتَّى يُرَدَّ عَلَى حَافِرَةُ العَودَةُ في الشَّيءِ حتَّى يُرَدَّ آخِرُه عَلَى أَوَّلِه. قَالَ : وفِي الحَدِيثِ «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا يُتْرَكُ عَلَى حَالِه حَتَّى يُرَدَّ عَلَى حَافِرَتِه أَيْ عَلَى أَوَّلِ تَأسِيسِه ، وقَالَ في قَوله : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) أي في الخَلْقِ الأَوَّل بَعْدَ ما نَمُوتُ. وقال ابنُ الأَعْرَابيّ (فِي الْحافِرَةِ) أيْ فِي الدُّنْيَا كَما كُنَّا.

وقال اللَّيْثُ الحَفْرُ والحَفَرُ جَزْمٌ وفَتْحٌ لُغَتَانِ : وهو ما يَلْزَق بالأسْنَانِ من ظَاهرٍ وباطنٍ ، تقول : حَفِرَتْ أسنانهُ حفَراً ، ولغةٌ أخرى حفَرت أسنانُه تَحفِر حَفْراً. وأخْبرَني أبُو بكرٍ عن شمر أنَّهُ سُئِل عن الحَفْر في الأسْنان ، فقال : هُوَ أن يَحفِرَ القَلَحُ أُصُولَ الأسنان بَيْنَ اللثة وأَصْلِ السِّنّ من ظَاهِرٍ وبَاطِنٍ يُلِحُّ على العَظْم حتى يَتَقَشَّر العظْمُ إن لم يُدْرَكْ سريعاً ، يُقَال أَخَذَ فِيه حَفْرٌ وحَفَرَةٌ. أبو عبيد : عن الكسائي قال : الحفْر بتسكين وقد حفر فُوَه يحفِر حَفراً.

وقال الليث الحِفْرَاةُ نباتٌ من نباتِ الرَّبِيع ، قال ونَاسٌ من أَهْلِ اليمنِ يُسَمُّون الخَشَبَةَ ذاتَ الأصَابع التي يُذُرَّى الكُدْس المَدُوسُ وَيُنَقَّى بها البُرُّ مِن التِّبْن بِحفْرَاةَ. ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ : أحفَرَ الرجلُ إذا رَعَى إِبِلَه الحِفْرَى ، وهو نَبْتٌ ، قلتُ وَهُو مِن أَرْدَإِ المَرَاعي ، قال : وَأحفَرَ إِذَا عَمِل بالحِفْرَاةِ وهي الرَّقْش الذي تُذَرَّى به الحنطةُ ، وهي الخَشَبَةُ المُصْمَتَة الرأس ، فأما المُفَرَّجُ فهو العَضْمُ بالضَّاد والمِعْزَقَةُ ، قال : والمِعْزَقَةُ في غير هذا : المَرُّ ، قَال والرقْشُ في غير هذا : الأكلُ الكثيرُ.

وقال أبو حاتمٍ : يقال حَافَرَ اليربوعُ مُحَافرةً ، وفلان أَرْوَغُ من يَرْبُوع : مُحَافِرٍ ، وذلك أن يَحْفِر في لُغزٍ من ألغَازِه فيذهبَ سُفْلاً ويحفِرَ الإنسانُ حتى يُعْيَى فلا يَقْدِر عليه ويُشَبَّه عليه الجُحْرُ فلا يعرفه من غيره

١٤

فيَدَعَهُ ، وإذا فعل اليَرْبُوعُ ذلك قِيلَ لمن يَطْلُبُه دَعْه لَقَدْ حَافَر فلا يقدرُ عليه أحدٌ وقال : إنه إذا حَافَرَ أَبَى أنْ يَحْفِر الترابَ ولا يَنْبِثُه ولا يُدْرَى وجْهُ جُحْره ، يقال قد حثا فترى الجُحْرَ مملوءًا تُراباً مستَوِياً مع مَا سِواهُ إذا حَثَا ، ويُسَمَّى ذلك الحَاثِيَاءَ ، ممدودٌ ، يقال ما أشد اشتباه حَاثِيَائِه. وقال ابْنُ شميل : رَجُلٌ مُحَافِرٌ : لَيْسَ له شَيْءٌ ، وأنشد :

مُحَافِرُ العيش أبى جِوَارِي

ليس له مِمَّا أفاءَ الشَّاري

غيرُ مُدَىً وبُرْمَةٍ أعشارِ

أبو عبيدة : يقال أَحْفَرَ المُهْرُ للإِثْنَاءِ والإرْبَاع والقُرُوحِ وَأَفَرَّتِ الإِبلُ للاثناء إذا ذهبت رَوَاضِعُها وطَلَع غَيْرُها. وقال في كتاب «الخيْلِ» يقال أَحْفَرَ المُهْرُ إحْفاراً فهو مُحْفِر ، قال وإِحْفَارُهُ أن يتحرك الثَّنِيَّتان السُفْلَيَان والعُلْيَيَان من رَوَاضِعِه ، فإذا تحرَّكْنَ قالوا قَدْ أَحْفَرَت ثَنَايَا رَوَاضِعِه فسَقَطْن. قال وأولُ ما يُحْفِرْنَ فيما بين ثلاثين شهراً أدْنَى ذلك إلى ثلاثةِ أعْوَامٍ ، ثم يسقُطْن فيقع عليها اسمُ الإبْدَاء ، ثم يُبدىء فيخرج له ثَنِيَّتَان سُفْلَيَان وثَنِيَّتَانِ عُلْيَيَانِ مَكَانَ ثَنَايَاه الرَّواضِعِ التي سَقَطْنَ بعد ثلاثةِ أعوام فهو مُبْدِىءٌ قال ثم يُثَنِّي فلا يزال ثَنِيّاً حتى يُحْفِرَ إحْفَاراً ، وإحفارُهُ أن تُحَرِّكَ له الرَّبَاعِيَّتَانِ السفْلَيَان والرَّبَاعيتان العُلْيَيَان من رَوَاضِعه وإذا تَحَرَّكْن قيل قد أَحْفَرت رُبَاعِيَاتُ رواضعه فيسقُطْنَ ، وأول ما يُحْفِرْن في استيفائه أربعةَ أعوامٍ ، ثم يقع عليها اسمُ الإبْدَاءِ ، ثم لا يزال رَبَاعِياً حتى يُحفر لِلْقُروحِ وهو أن يَتَحَرَّك قَارِحَاه ، وذلك إذا استَوْفَى خَمسَةَ أعوام ، ثم يقع عليه اسْمُ الإبْدَاءِ ، عَلَى ما وَصَفْنا ثم هو قارح.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي إذا استَتَم المُهْرُ سنتين فهو جَذَعٌ ، ثم إذا استتم الثالثةَ فهو ثَنِيٌّ ، فإذا أثْنَى أَلْقَى رَوَاضِعَه فيقال أثنَى وأَدْرَمَ للأَثناء ، ثم هو رَبَاعٍ إذا استتمّ الرابعة من السنين يقال أَهْضم للإِرْبَاعِ وإذا دخل في الخامسة فهو قارحٌ وقد قَرَحَ يَقْرَحُ قُرُوحاً ، قلت : وصَوَابُه إذا استَتَمّ الخامِسَةَ ، فيكون موافقاً لقول أبي عبيدة وكأَنَّهُ سقطَ شَيْءٌ.

ويقال : حَفَرْتَ ثَرَى فُلانٍ إذا فَتَّشْتَ عن أمْرِه ووقَفْتَ عليه. وقال ابنُ الأعرابي حَفَرَ إذا جَامَع وحَفَرَ إذا فَسَدَ.

فرح : قال الليث رجل مُفْرَحٌ قد أَثْقَلَهُ الدَّيْن ، وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «ولا يُتْرَكُ في الإسلام مُفْرَح» قال أبو عبيد المُفْرَح : الذي قد أَفْرَحَهُ الدَّيْنُ أي أَثْقَلَهُ ، ولا يجِدُ قَضَاءَهُ. قال وأنشدنا أبو عبيدة :

إذَا أَنْتَ لم تَبْرَحْ تُؤَدِّي أَمَانَةً

وتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْكَ الوَدَائِعُ

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال في قوله : «ولا يترك في الإسلام مُفْرَح» هو الذي أثْقَلَ الدَّيْنُ ظَهْرَه ، قال : ومن قال مُفْرَجٌ فهو الذي أثقله العيال وإن لم يكن مُدَّاناً.

وقال الليث : رَجُلٌ فَرِحٌ وفَرْحَانٌ وامرأة فَرِحَةٌ وفَرْحَى ، ويقال ما يسرني به مَفْروحٌ ومُفْرِحٌ ، فالمَفْرُوح : الشيءُ الذي أنا أفْرَحُ

١٥

به ، والمُفْرِحُ : الشيء الذي يُفْرِحُني. أبو حاتم عن الأصمعي : يقال : ما يسرني به مُفْرِحٌ ولا يجوز مَفْرُوحٌ ، وهذا عنده مما يَلْحَنُ فيه العامَّة.

رفح : قال أبو حاتم : من قرون البقر الأَرْفَحُ وهو الذي يَذْهَبُ قَرْنَاهُ قِبَلَ أُذُنَيْه في تَبَاعُدِ ما بينهما قال والأَرْفَى الذي يأتي أُذُنَاهُ عَلَى قَرْنَيْه.

باب الحاء والراء مع البَاء

ح ر ب

حرب ، حبر ، ربح ، رحب ، بحر ، برح : مستعملات.

حرب : قال أبو العباس قال ابن الأعرابي : الحارِبُ : المُشَلِّح ، يقال حَرَبَه إذا أخَذَ مَالَه ، وأَحْرَبَه دَلَّه على ما يَحْرُبُه ، وحَرَّبَه إذا أطعمه الحَرَب وهو الطَّلْع ، وأَحْرَبَهُ : وجده مَحْرُوباً.

وقال اللَّيْثُ : الحرب : نقيضُ السَّلْم ، تؤنث ، وتصغيرها حُرَيْبٌ بغير هاء روايةً عن العرب ومثلها ذُرَيْع وَقُوَيْسٌ وَفُرَيْسٌ أنثى ونُيَيْبٌ وذُوَيْدٌ تصغير ذَوْدٍ وقُدَيْرٌ تصغير قِدْر وخُلَيْقٌ يقال مِلْحَفة خُلَيْق. كل ذلك تَأْنِيثٌ يُصَغَّرُ بغير هَاءٍ. قلت أنَّثُوا الحرب لأنهم ذهبوا إلى المُحَارَبَةِ ، وكذلك السِّلْم والسَّلْم يذهب بهما إلى المُسالمة ، فتؤنث.

وقال الليث رجل مُحَرِّب : شُجَاعٌ. وفلان حَرْبُ فلانٍ أي مُحَارِبهُ. ودَارُ الحَرْبِ بِلادُ المُشْرِكين الذين لا صُلْحَ بينهم وبين المسلمين. وتقول حَرَّبْتُ فلاناً تَحْرِيباً إذا حرَّشْتَه تحريشاً بإنسان فأُولِعَ به وبعَدَاوته.

ويقال حُرِب فلان حَرَباً ، والحَرَب أن يؤخذ ماله كُلُّه ، فهو رجل حَرِبٌ نزل به الحَرَبُ ، وهو مَحْرُوبٌ حَرِيبٌ. وحَرِيبَةُ الرجلِ : مالُه الذي يعيش به. والحَرِيبُ : الذي سُلِبَ حَرِيبَتَه. ابن شُميل في قوله «اتقوا الدَّيْن فإن أَوَّلَه وآخِرَه حَرَبٌ» قال يباع دَارُه وعَقَارُه ، وهو من الحَرِيبَةِ.

محروبٌ : حُرِبَ دِينَه أي سُلِبَ دِينَه ، يعني قولَه «فإن المحْرُوبَ من حُرِبَ دِينَه» وقال الله (يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يعني المعصية وقوله (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة : ٢٧٩] يقال : هو القَتْلُ أما قَوْلُه جلّ وعَزَّ (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [المائدة : ٣٣] الآية فإنّ أبا إسحاقٍ النحويَّ زعم أن قول العلماء أنّ هذه الآية نزلت في الكفار خاصة.

ورُوِي في التفسير أن أبا بُرْدَةَ الأسلميَّ كان عاهَدَ النبِيَّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألَّا يَعْرِضَ لمن يريدُ النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وألّا يمنَعَ مِنْ ذلك ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يمْنَعُ من يريدُ أَبَا بُرْدَةَ فمرّ قوم بِأَبِي بُرْدَةَ يريدون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعرض أصحابُه لهم فَقَتَلُوا وأخَذُوا المالَ ، فأنزل الله جلّ وعزّ على نبيّه ، وأتاه جبريلُ فأعلمه أنَّ الله يأمُرُه أَنَّ مَنْ أدْرَكَهُ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلَ وَأَخَذَ المالَ قَتَله وَصَلَبَهُ ، ومن قَتَل ولم يَأْخُذِ المالَ قَتَله ، ومن أَخَذَ المالَ ولم يَقْتُل قطع يَدَه لأَخْذِه المالَ ، ورِجْلَهُ لإخَافَتِه السبيلَ.

١٦

وقال الليثُ : شيوخ حَرْبى والواحد حَرِبٌ شبيهٌ بالكَلْبى والكَلِب. وأنشد قول الأعشى :

وشيوخٍ حَرْبى بشطَّيْ أَرِيكٍ

ونِسَاءٍ كأنَّهُنَّ السَّعَالي

قلت ولم أسمع الحَرْبَى بمَعْنى الكَلْبى إلا ههنا. ولعله شَبَّهَه بالكلبى أنه على مِثَاله.

وقال الليث : الحَرْبَةُ دون الرُّمْحِ والجميع الحِرَابُ.

وقال والمِحْرَاب : الغُرْفة وأنشد قول امرىء القيس :

كغزلان رمل في محاريب أقوال.

قال والمِحْرَابُ عند العامة اليومَ مَقَامُ الإمامِ في المَسْجِد.

وكانَتْ مَحَارِيبُ بني إسْرَائيلَ مَسَاجِدَهُم التي يجتمعون فيها للصلاة.

قال أبو عبيد : المِحْرَابُ : سيّد المجالس ومُقدَّمُها وأشْرَفُها ، وكذلِكَ هو من المساجد. وقال ابنُ الأعرابيِّ :

المحرابُ : مَجْلِسُ الناسِ ومُجْتَمَعُهُم.

وقال الأصمعيّ : العرب تسمي القَصْرَ محْرَاباً لِشَرفه. وأنشد :

أو دميةٍ صُوِّرَ مِحْرَابُها

أبو درة شِيفَتْ إلى تاجر

أراد بالمحراب القصر ، وبالدُّمْيَة الصورة.

وقال الأصمعيّ : عن أَبي عَمْرِو بنِ العلاء دخلتُ مِحْرَاباً من مَحَارِيبِ حِمْيَر فَنَفَخ في وجهي رِيحُ المسك أراد قَصْرَاً أو ما يشبه القصرَ ، وقال الزجاج في قول الله جلّ وعزّ : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ). [ص : ٢١] قال : المحراب أَرْفَعُ بيتٍ في الدار ، وأَرْفَعُ مَكانٍ في المسْجِد. قال والمِحْرَابُ ههنا كالغُرْفة وأنشد :

رَبَّةُ مِحْرَابٍ إذا جِئْتُها

لم أَلْقَهَا أَوْ أَرْتَقِي سُلَّما

وقال الفرَّاءُ في قول الله جلّ وعزّ : (مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) [سَبَإ : ١٣] ذُكِرَ أنَّها صُوَرُ الأنبياءِ والملائكةِ ، كانت تُصَوَّرُ في المساجد ليراها النّاسُ فيزْدَادُوا عبادةً.

وقال الزجَّاجُ : هي واحِدَةُ المِحْرابِ الذي يُصَلّى فيه. وفي الحديث أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث عُرْوَةَ بن مسعودٍ إلى قومه بالطائف فَأَتاهُمْ ودَخَل محراباً لَهُ فأشرف عليهم عند الفجر ، ثم أذَّن للصلاة. وهذا يَدُلُّ على أنه غرفة يُرْتَقَى إليها. وقال الليث المحراب عنق الدابة.

ابن الأنباري عن أحمد بن عبيد : سمِّي المحرابُ مِحْرَاباً لانفراد الإمام فيه وبُعْدِه عن الناس.

ومنه يقال فلانٌ حَرْبٌ لفلان إذا كان بينهما تباعد ومباغضة واحتجَّ بقوله :

وحارَبَ مرفَقَها دَفُّها

وسامَى به عُنُقٌ مِسْعَر

أراد بعد مرفقها من دفها.

وقال الراجز :

كأنَّهَا لَمَّا سَمَا مِحْرابُها

وقال الأعشى :

١٧

وترى مجلساً يغص به المح

راب مِلْقوم والثياب رقاق

أَرَادَ من القوم. قال : والحِرَباءُ دويبَةٌ على خِلْقة سَامِّ أَبْرَصَ ذاتُ قوائِمَ أربع ، دقيقةُ الرأس ، مخطَّطَةُ الظهرِ ، تستقبلُ الشمسَ نهارَها. والجميعُ محرابيّ. قال والحِربَاءُ : رأسُ المِسْمَارِ في الحلقة في الدِّرْع.

وقال أبُو عُبَيْد : الحِرْبَاءُ : مساميرُ الدِّرْع.

وقال لبيد :

كلّ حرباء إذا أُكْرِهَ صَلّ

قال : وقَالَ أبو عَمْرٍو الشَّيبانيُّ : حَرَابِيّ المَتْنِ : لَحْمُ المَتْنِ ، قال : وَاحِدُها حِرْبَاءُ ؛ شُبِّه بِحِرْبَاءِ الفَلَاةِ وإنَاثُ الحرابِيِ يقال لها أُمَّهَاتُ حُبَيْنٍ ، الواحدة أُمُّ حُبَيْنٍ ، وهي قَذِرَةٌ لا تأكُلُهَا العَرَبُ بتَّة.

وقال أَبُو عُبَيْدٍ قال أبو زَيْدٍ : أرضٌ مُحَرْبِئَةٌ مِنَ الحِرْبَاءِ.

أبُو العبَّاس عن ابن الأعرابيِّ : الحُرْبَة : الجُوَالِقُ.

وقال اللَّيْثُ : الحُرْبة : الوِعَاءُ.

أبو عبيد : حَرِب الرجل يحرَبُ حَرَباً إذا غضب. قال وحَرَّبْتُ عليه غيري أي أغْضَبْتُه وسنان مُحَرَّبٌ مُذَرَّبٌ إذا كان مُحَدَّراً مُؤَلَّلاً.

أبو عبيد عن يونُسَ قال : أَحْرَبْتُ الرجل : إذا دَلَلْتُهُ على مالٍ يُغِيرُ علَيْه.

عمرٌ عن أبيه : الحَرَبَةُ : الطَّلْقَةُ إذا كانت بقِشْرِها ، ويقال لِقِشْرِها إذا نُزع : القِيقَاءَةُ.

ثعلب عن ابن الأعرابي ، قال : المحرابُ : القِبْلَةُ. والمِحْرَابُ الغُرْفَة. والمِحْرَابُ : صَدْرُ المَجْلِسِ والمحراب مَأْوَى الأسد ، يقال : دَخَلَ فُلانٌ على الأسَدِ في مِحْرَابه وغِيله وعَرِينِه ورجل مِحْرَبٌ أي محارب لِعَدُوِّه. وقيل سمي مِحْرابُ الإمام مِحْرَاباً لأن الإمام إذا قام فيه لم يَأمَنْ أَنْ يَلْحَن أو يُخْطِىء فهو خَائِفٌ مكاناً كأنه مَأْوى الأسد.

رحب : شمر عن ابن شميل في قول الله جلّ وعزّ : (ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) [التّوبَة : ١١٨] أي على رُحْبِها وسعَتِهَا. وأرضٌ رَحِيبَةٌ : واسِعَةٌ. قال وقال ابنُ الأعرابيّ : الرُّحْبَةُ : ما اتَّسَع من الأرضِ. وجمعها رُحَبٌ ، مثل قرية وقُرًى. قلت وهذا يجيءُ شاذّاً في باب الناقص ، فأما السالم فما سمعت فَعْلَة جُمِعَتْ على فُعَل ، وابن الأعرابي ثقة لا يقول إلا ما قَدْ سمعه.

وقال الليث : الرَّحْبُ والرَّحيبُ : الشيءُ الواسعُ. قال : رَحَبَةُ المساجد سَاحَاتها. ونقول رَحَب يَرْحُبُ رُحْباً ورَحَابةً. ورجلٌ رحيبُ الجوفِ واسِعُه. وقال نصر بن سيار : أَرَحُبَكُم الدُّخُول في طَاعة الكِرْمانيِّ ، يعني أَوَسِعَكُم. وقال الليثُ : وهذه كلمة شَاذَّةٌ على فَعُلَ مُجَاوِزٍ وفَعُلَ لا يكون مجاوِزاً أبداً. قلت لا يجوز رحُبَكُم عند النحويين ، ونصر ليس بحُجَّة. وقال الليث : أَرْحَبُ حيٌّ أَوْ مَوْضِعٌ يُنْسَبُ إليه النجائبُ الأَرْحَبِيَّةُ. قلت : ويَحْتَمِل أن يكونَ أَرْحَبُ فَحْلاً نُسِبَتْ إليه النجائِبُ لأنَّها من نَسْلِه. وقال الليثُ في قول العرب مَرْحباً ، معناه انْزل في الرَّحْب

١٨

والسَّعَة فَأَقِمْ فَلَكَ عندنا ذلك. وسُئل الخليلُ عن نصْب مَرْحَباً : فقال فيه كَمِينُ الفعل ، أَرَادَ به انْزِل أَوْ أَقِمْ فَنَصَب بفِعْلٍ مُضْمَر ، فلما عُرِف معناه المُرادُ بِه أمِيتَ الفعلُ. قلت وقال غيرُه في قَولِهمْ : مَرْحَباً ، أَتَيْت رُحْباً وسَعَةً لا ضِيقاً. وكذلك قال سَهْلاً ، أَرَادَ نَزَلْتَ بَلداً سَهْلاً لا حَزْناً غليظاً.

وقال شمر : سمعت ابن الأعرابي يقول : مَرْحَبَكَ الله ومَسْهَلَكَ ، ومرحباً بك الله ومسْهلاً بكَ الله. وتقول العَرَبُ : لا مرحباً بك أي لا رَحُبَتْ عليك بِلادُك. قال وهي من المَصادِرِ التي تَقَعُ في الدُّعَاءِ للرجُلِ وعليه ، نحو سَقْياً ورَحْباً وجَدْعاً وعَقْراً ؛ يريدون سَقاك الله ورعاك.

وأخبرني المنذريُّ عن أبي العباس عن سلمة قال سمعتُ الفرّاء يقول يقال رحُبتْ بلادُك رَحْباً ورَحَابةً ورحِبَتْ رَحَباً ورُحْباً. ويقال أرْحَبَتْ ، لُغَةٌ بذلك المعنى.

وقال الليث : الرُّحْبَى على بناء فُعْلى أعْرَضُ ضِلَع في الصدر ، قال : والرُّحْبَى : سِمَةٌ تَسِمُ بها العربُ على جَنْب البعير.

وقال أبو عبيد عن أصحابه : الرُّحْبَيَانِ مَرْجِعَا المِرْفَقَين ، قال والنَّاحِزُ إنما يكون في الرُّحْبَيَيْن. وقال غيره : الرُّحْبى : مَنْبِضُ القلبِ من الدوابّ والإنسان.

وَرَحْبَةُ مالكِ ابْنِ طوقٍ : مدينةٌ أَحْدَثها مالكٌ على شاطيء الفرات. وَرُحَابَةُ : موضع معروف.

شمر عن ابن شميل قال : الرّحَابُ في الأودية الواحدةُ رَحْبَةٌ ، وهي مواضعُ متواطئة يسْتَنقِع الماءُ فيها ، وهي أَسْرَعُ الأرْضِ نباتاً تكون عند مُنْتَهى الوَادِي وفي وَسَطِه ، وقد تكون في المكان المُشْرِف ويَسْتَنْقِعُ فيها الماءُ ، وما حولها مُشْرِفٌ عليها ، وإذا كانت في الأرضِ المستوية نَزَلها النَّاسُ ، وإذا كانت في بطن المسيلِ لم يَنزِلْها الناس ، وإذا كانت في بطن الوادي فهي أُقْنَةٌ تُمْسِكُ الماء ليست بالقعيرة جداً وسعتها قَدْرُ غَلْوة ، والناس ينزِلون ناحيةً منها ، ولا تكونُ الرِّحَابُ في الرَّمل وتكونُ في بطونِ الأرض وفي ظواهرِها.

وقال الفرَّاء : يقال للصحراء بين أفْنيَةِ القوم والمسجد رَحْبَةٌ. ورَحَبَةٌ اسمٌ وَرَحْبَةٌ نعت. يقال بلاد رَحْبَةٌ ، ولا يقال رَحَبة. قلت ذهب الفرَّاء إلى أنه يقال بلد رَحْبٌ وبلاد رَحْبَةٌ ، كما يقال بلد سَهْلٌ وبلاد سَهْلَةٌ.

برح : قال الليث بَرِحَ الرجلُ يَبْرَحُ بَرَاحاً : إذا رَام مِنْ موضعه ويقال ما بَرِحْتُ أَفْعَلُ كذا ، بمعنى ما زِلْتُ. وقال الله جلَّ وعزَّ (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) [طه : ٩١] أي لن نزال.

وقول العرب : بَرِحَ الْخَفَاءُ ، قال بعضُهم مَعْنَاه زال الخفاءُ ، وقيل مَعْنَى بَرِحَ الخفاءُ أي ظهر ما كان خافياً وانكشف ، مأخوذٌ من بَرَاحِ الأرض وهو الظاهر البارز. وقال اللَّيْثُ : البَرَاحُ : البَيَان ، يقال جَاءَ بالكفر بَرَاحاً ويجوز أن يكون قولهم بَرِح الخَفَاءُ أي ظهر ما كنتُ أُخْفِي.

١٩

والبَارح من الظِّبَاءِ والطيرِ خلافُ السَّانح وقد مَرّ تفسيرها في باب (سنح) من هذا الكتاب.

وقال الدينوري : البَيّرُوخُ : هو اللُّقَّاحُ الأصْفُرُ مثل الباذنجان طيّبُ الرائحة ويدخل في الأدْوية ، ويسمى المغْدَ أيضاً. قال واللُّقَّاحُ أيضاً ضربٌ من الفِرْسِك أجرَدُ فيه حُمْرة.

وقال الليث : البارحُ من الرِّياح : التي تَحْمِلُ التُّرَابَ في شِدّة الهُبوب.

أبو عبيد عن أبي زيد قال : البَوَارحُ الشَّمْأَلُ في الصيفِ خاصةً. قلت وكلامُ العرب الذين شاهَدْتُهم على ما قالَ أبو زيد. وقال ابن كُنَاسةَ : كلّ ريحٍ تكون في نُجُوم القيْظِ فهي عند العربِ بَوَارحُ ، قال وأكثرُ مَا تَهُبُّ بنجومِ الميزان ، وهي السَمَائِم ، وقال ذو الرمة :

لَا بَلْ هُوَ الشَّوْقُ من دارٍ تَخَوَّنَهَا

مَرّاً سحابٌ ومَرّاً بَارحُ تَرِبُ

فنسبها إلى التُّراب لأنها قَيْظِيَّة لارِبْعِيَّة ، ورياح الصيف كلُّها تَرِبَةٌ.

وقال الليثُ : يقال للمحموم الشديدِ الحُمَّى : أصَابَتْه البُرَحَاءُ ، ويقال بَرَّحَ بنا فُلانٌ تَبْرِيحاً فهو مُبَرِّحٌ ، وأنا مبرَّح : إذ آذاك بإلحَاحِ المَشَقّة ، والاسم التَّبْرِيحُ والبُرْحُ. وأنشد :

لنا والهوى بَرْحٌ على مَنْ يغَالِبُه*

والتباريح : كُلَفُ المعيشة في مشَقَّة.

وضَرَبَهُ ضَرْباً مُبَرِّحاً ، ولا تقل مُبَرَّحاً.

ويقال هذا الأمرُ أَبْرَحُ عَلَيَّ من ذلك الأمرِ أي أَشَقُّ وأَشَدُّ. وأنشد لذي الرمة :

أَنِيناً وشَكْوَى بالنَّهَارِ كثيرةٌ

عَلَيَّ وما يأتي به الليلُ أبْرَحُ

أبو عبيد عن الأصمعي إذا تمدَّد المحموم لِلْحُمَّى فذلك المُطَوَاءُ فإذا تثاءب عليها فهي الثُّؤَبَاءُ ، فإذا عرق عليها فهي الرُّحَضَاء ، فإن اشتدت الحمى فهي البُرحَاءُ ، والبرحاء : الشدَّة والمشقَّةُ. قال أبو عبيد وقال الكسائي لقيت منه البِرَحينَ والبُرَحينَ. وروى أبو العباس عن سَلَمَةَ عن الفرَّاءِ : لَقِيتُ منه بَنَاتِ بَرْحٍ وبني بَرْحٍ ، كلُّ ذلك معناه الدَّاهيةُ والشدّة. وقال غيره يقال : لقيت منه بَرْحاً بَارِحاً.

وقال أبو عمرو : ويَرْحَى له ومَرْحَى إذا تعجَّب مِنه. وقال الأعشى :

أَبْرَحْتَ ربّاً وأَبْرَحْتَ جارا*

قال بعضهم : مَعْنَاهُ أَعْظَمْتَ ربّاً ، وقالَ آخرون أَعْجَبْتِ رَبّاً ، ويقال أُكْرِمْتَ مِن رَبِّ. وقال الأصمعي : أَبْرَحْتَ : بَالَغْتَ ، لُؤْماً وأَبْرَحْتَ كَرَماً أي جئتَ بأَمْرٍ مُفْرِط. وقال ابن بُزُرْجَ : قالوا للمرأةِ : أبرحْتِ عائِذاً وأَبْرَحَتِ العائِذُ : إذا تَعَجَّبَ من جمَالها ، وهي والدٌ ذاتُ صَبِيِّ وقال أبو عمرو : بُرْحةُ كل شيء خياره ، ويقال للبعير هو بُرْحَةُ من البُرَح يريد أَنَّهُ من خيار الإبل. قال : وأبْرَحَ فلانٌ رَجُلاً إذا فَضَله ، وكذلك كلُّ شيء تُفضّله. قال وقال العُذري : بَرَّح الله عنه ، أي فرَّج الله عنه ، قال : وإذا غضب الإنسانُ على صاحبه قيل : ما أشدَّ ما بَرِح عليه ،

٢٠