تهذيب اللغة - ج ٥

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٠

واللَّوح : النظْرَةُ كاللمحة ، تقول : لُحْتُهُ بِبَصرِي إذا رأيتَه لَوْحَةً ثم خفي عليك. وأنشد :

وهل تَنْفَعنِّي لَوْحَةٌ لَوْ أَلُوحُها

ويقال للشيء إذا تلأْلأَ : لاحَ يَلُوح لَوْحاً ولُوحاً ، والشيب يَلُوح ، وأنشد للأعشى :

فَلَئِنْ لَاحَ في الذُّؤَابَةِ شَيْبٌ

بالبَكْرِ وأَنْكَرَتْنِي الغَوَانِي

قال واللُّوحُ الهواء ، وأنشد :

يَنْصَبُّ في اللُّوحِ فما يَفُوتُ

قال ويقال أَلَاحَ البرقُ فهو مُلِحٌ وأنشد :

رأيتُ وأَهْلِي بِوَادِي الرَّجِيع

مِنْ نحوِ قَيْلَةَ بَرْقاً مُلِيحاً

قال : وكلُّ من لَمعَ بشيء فقد أَلَاح ولَوّح به. الحراني عن ابن السكيت : يقال أَلَاحَ من ذلكَ الأمْرِ إذا أشْفَق منه يُليحُ إلاحة ، قال وأنشدنا أبو عمرو :

إِنَّ دُلَيْماً قد أَلاحَ بِعَشِي

وقال أَنْزِلْنِي فلا إِيضَاعَ بي

وأنشد :

يُلِحْنَ من ذي زَجَلٍ شِرْواط

مُحْتَجِز بخَلَق شِمْطَاط

قال ويقال : أَلَاحَ بحقّي إذا ذهب به.

ويقال : لَاحَ السيفُ والبَرْقُ يلوح لَوْحاً.

أبو عبيد لَاح الرجلُ وأَلاحَ فهو لَائِح ومُلِيحٌ أي بَرَزَ وظَهَرَ. وقال الزّجّاجُ في قول اللهِ جلّ وعزّ : (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) ٢٩) [المدَّثِّر : ٢٩] أي تُحْرِقُ الجلْدَ حتى تسوِّده ، يقال لَاحه ولَوَّحَه.

الحراني عن ابن السكيت قال سمعت ابن الأَعرابي يقول : أبيض لِيَاحٌ ولَيَاحٌ وأبيض يَقَقٌ ويَلَقٌ. قال : ولُحْتُ إلى كذا أَلُوحُ إذا نظرتَ إلى نَارٍ بعيدة ، قال الأعشى :

لَعَمْرِي لقد لاحَتْ عُيونٌ كثيرةٌ

إلى ضَوْءِ نارٍ في يَفَاعٍ تَحَرَّقُ

أي نَظَرَتْ. وكان لحمزة بن عبد المطلب سيف يقال له لِيَاحٌ. ومنه قول :

قد ذاقَ عُثمانُ يومَ الجَرِّ من أحدٍ

وَقْعَ الَّلياحِ فَأَوْدَى وهو مَذْمُومُ

وقال الليث : اللَّياح الثور الوحْشِيُّ.

والصبحُ يقال له لِيَاحٌ. ابن السكيت يقال لاح سهيل إذا بدا وألاح إذا تلألأ.

وقال الليثُ المِلْوَاحُ الضامِرُ وأنشد :

من كل شَقَاءِ النَّسا مِلْوَاحِ

قال : والمِلْوَاحُ العَطْشانُ ، والمِلوَاحُ أن تَعْمِد إلى بُومة فتخيطَ عينَها وتشدَّ في رِجْلها صوفَةً سوداءَ وتجعلَ له مَرْبأة ويَرْتَبِىءُ الصائد في القُتْرَة ويطيّرها ساعةً بعد ساعة ، فإذا رآها الصقرُ أو البازِي سَقَط عَلَيْهَا فأخَذَهُ الصيَّادُ. فالبومَةُ وما يليها يسمى مِلْوَاحاً. غيره : بَعِيرٌ مِلْوَاحٌ عظيم الألْوَاحِ ، ورجل مِلْوَاحٌ كذلك ، وامرأةٌ مِلْوَاحٌ ودابَّةٌ مِلْوَاحٌ إذا كان سريعَ الضُّمْرِ. أبو عُبَيْدٍ : لاحَ البَرْقُ أَو لَاحَ إذا أَوْمَضَ. قال والمِلوَاحُ من الدوابّ السريع العطَش.

وقال شَمِر وأبو الهيثم : هو الجيّدُ الألْواح الْعظِيمُها ، وقيل : ألْواحُه ذِرَاعَاه وساقَاهُ وعَضُدَاه.

١٦١

وحل : الليث : الوَحَلُ طينٌ يرتطم فيه الدواب يقال : وحِلَ فيه يَوحَل وحَلاً فهو وحِلٌ إذا وقع في الوحَل والجميع الأوْحَالُ والوُحُول ، قد استَوْحَلَ المكان.

ولح : الليث : الوَلِيحَةُ الضَّخْمُ من الجُوَالِق الوَاسِع ، والجميع الوَلِيحُ. وقال أبو عبيد : الولِيح الجُوالق وهو واحدٌ ، والولائح الجَوالق ، وقال أبو ذؤيب :

يُضِيءُ رَبَاباً كَدُهْمِ المخا

ضِ جُلِّلْنَ فوقَ الوَلايا الوَلِيحَا

باب الحاء والنون

[ح ن (وايء)]

حنا ، حنأ ، حان ، نحا ، ناح ، أنح ، أحن ، وحن ، نيح : مستعملات.

حنا : قال الليث : الحِنْوُ كل شيءٍ فيه اعْوِجَاجٌ ، والجميع الأَحْنَاءُ. تقول : حِنْو الحِجَاجِ ، وحنْوُ الأضْلاعِ ، وكذلك في الإكاف والقَتَب والسَّرْجِ والجبالِ والأوْدِيةِ كلُّ منعرَج ، واعْوِجاجٍ فهو حِنْوٌ. وحَنْوتُ الشيءَ حَنْواً وحَنْياً ، إذا عطفْتَه. والانحِنَاء الفعل اللازمُ ، وكذلك التحنّي والمحْنِيَةُ مُنْحَنَى الوادي حيث ينْعَرِج منخفضاً عن السند. وقال في رجل في ظهره انحناء : إن فيه لَحِنَايَةً يهوديَّةً.

وقال شمر : الحِنْوُ والحِجَاجُ العظْمُ الذي تحت الحاجب من الإنسان وأنشد لجرير :

وجُوهُ مُجاشِعٍ تَرَكُوا لَقِيطاً

وقالوا حِنْوَ عَيْنِكَ والغُرَابا

يريد قالوا له : احذرْ حِنْو عَيْنِك لا ينقرهُ الغُرَابُ وهذا تهكُّمٌ. والمَحْنِية العُلْبَةُ ، وقيل : أحناءُ الأمورِ أطرافُها وَنَواحيها ، وحِنْو العين طَرَفُها ، وقال الكميت :

وآلُوا الأُمورَ وأَحْنَاءَها

فلم يُبْهِلُوها ولم يُهْمِلوا

أي ساسوها ولم يضيِّعوها. والحَنِيَّة القوس ، وجمعها حَنَايَا والحُنِيُ جمع الحِنْو ، وأحنَاءُ الأمور مُشْتَبهاتُها ، وقال النابغة :

يُقَسِّمُ أَحْناءَ الأُمورِ فَهارِبٌ

شَاصٍ عن الحرْب العَوَانِ وَدَائِنُ

والأُمُّ البَرَّة حانِيَةٌ ، وقد حنت على وَلَدِهَا تَحْنُو.

أبو عُبَيْدٍ عن أبي زيد : يقال للمرأة التي تُقِيمُ على وَلَدِها ولا تتزوَّج : قد حنَتْ عليهم تحنُو فهي حانِيَةٌ وإن تزوَّجَت بعده فليست بِحَانية. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إني وسفعَاءَ الخدَّين الحانيةَ على ولدها يومَ القيامة كهاتين ، وأشار بالوسطى والمسبِّحة.

وقال الليث : إذا أمكنت الشاةُ الكبشَ يقال حَنَتْ فهي حانِيَةٌ ، وذلك من شدّة صِرَافها. أبو عبيد عن الأصمعيّ : إذا أَرادت الشاةُ الفحلَ ، فهي حَانٍ بغير هاء ، وقد حنَتْ تحنو. وقال ابن الأعرابي : تحنَّنْتُ عليه أي رقَقْتُ له ورحمته. وتحنّيْتُ أي عطفت وفي الحديث : «خيرُ نساءٍ ركبن الإبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قريش ، أَحْنَاهُ على وَلدٍ في صغره ، وأرعَاه على زَوْج في ذاتِ يده»

١٦٢

وقال الليث : الحَانِي صاحبُ الحانوت. قلت : والتاء في الحانوت زائِدَةٌ ، ويقال حانَةٌ وحانُوتٌ ، وصاحبها حَانٍ.

قال الدينوري : ينسب إلى الحانوت حَانِيّ وحانَوِيّ ولا يقال حانُوتِي. وأنشد الفراء :

وكيفَ لنا بالشُّرْبِ إِنْ لم يكن لنا

دَوَانِيقُ عند الحَانَوِيِ ولا نَقْدُ

وحِنْوُ العين طرفها ، وقال جرير :

وقالوا حِنْوَ عَيْنِكَ والغُرَابا

قلت : حِنو العين حجاجُها لا طرفها ، سمّي حِنْواً لانحنائه.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : أَحْنَى على قرابته ، وحنَى وحنَّى ورَئم.

ومن مهموز هذا الباب : حنأ : قال الليث : حنَّأتُه إذا خضبتُه بالحِنَّاء.

وقال أبو زيد : حنَأْتُه بالحِنَّاء تَحْنِئَةً وتحنيئاً. وقال اللحيانيُّ : أخضرُ ناضرٌ وباقلٌ وحانِىءٌ والحِنَّاءَتَانِ رملتانِ في ديار تمِيمٍ. قلت : ورأيت في ديارهم ركِيّة تُدعى الحِنَّأَة ، وقد وردتها وفي مائها صُفْرَةٌ.

نحا : قال الليث : النَّحْوُ القَصْدُ نَحْوَ الشيء ، نحوْتُ نَحْوَ فلان أي قصدْتُ قصْدَه.

قال : وبَلَغَنَا أَنّ أبا الأسود وضع وُجُوهَ العربيَّةِ وقال للناس : انْحُوا نَحْوَه فسمِّي نَحْواً ، ويجمع النَّحْوُ أنْحَاءً.

وأخبرني المنذريُّ عن الحرانيّ عن ابن السكيت قال : نحَا نَحْوَه يَنْحُوه إذا قصَدَه ، ونحا الشيءَ يَنْحَاهُ ويَنْحُوه إذا حرَّفه ، ومنه سمّي النحويّ لأنه يحرِّفُ الكلام إلى وجوه الإعراب. قال : وأَنْحَى عليه وانْتَحى عليه إذا اعتمد عليه. وقال شمر : انْتَحَى لي ذلك الشيءُ إذا اعترض له واعتمده ، وأنشد للأخطل :

وأَهْجُرُك هِجْرَاناً جميلاً ويَنْتَحِي

لَنَا من لَيالِينا العَوَارِمِ أَوَّلُ

قال ابنُ الأعرابيّ : يَنْتَحِي لنا أي يعودُ لنا ، والعوارِم القِبَاحُ.

وقال الليث : يقال نحَّيْتُ فلاناً فتنَحَّى ، وفي لغة نَحَيْتُه ، وأنا أَنْحَاهُ نَحْياً ، بمعناه ، وأنشد :

أَلَا أَيُّهذَا الباخِعُ الوَجْدِ نَفْسَه

لِشَيءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ المَقَادِرُ

نحَتْهُ أي باعدته ، والنَّاحِيَةُ من كل شيء جانبه.

وثبت عن أهل يُونَان فيما يذكر المُتَرْجِمُون العارِفُون بلسانهم ولغتِهم أَنَّهُم يسمون عِلْم الألفاظِ والعناية بالبحث عنه ؛ فيقولون كانَ فُلانٌ من النحويّين ، ولذلك سميّ يوحنا الإسكندرانيُّ يحيى النحويَ للذي كان حَصَلَ له من المعرفة بلغة اليُونَانِ.

ابن بُزُرْج : نَحَوْتُ الشيء أَنْحُوه وأَنْحَاه قصدْتُه ونَحَيْتُ عنّي الشيء ونَحَوْتَه إذا نحَّيْته وأنشد :

فلم يبقَ إلا أَنْ تَرَى في مَحَلةٍ

رَماداً نَحَتْ عنه السُّيولَ جَنَادِلُهْ

أبو عبيد عن أبي عمرو : النُّحوَاءُ التمطّي.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأَعرابي أنه أنشده :

١٦٣

وفي أَيْمَانِهِم بِيْضٌ رِقَاقٌ

كَبَاقِي السَّيْلِ أَصْبَحَ في المَنَاحِي

قال المَنْحَاةُ : مسيل الماءِ إذا كَانَ مُلْتَوِياً.

وقال أبو عبيد قال أبو عمرو : المَنْحَاةُ ما بين البِئْرِ إلى مُنْتَهى السانِيَةِ.

قال الأزهريّ : المَنْحَاةُ منتهى مَذْهَبِ السَّانِيَة ، وَرُبَّمَا وُضِعَ عنده حَجَرٌ ليعلم قائد السانية أنه المنتهى فيتيسَّر مُنْعَطفاً لأنه إن جاوزَه تَقَطّع الغَرْبُ وأَدَاته.

وقال الليث : النِّحْيُ جَرَّةٌ يُجعل فيها اللَّبَنُ ليُمْخَضَ ، والفعل منه نَحَى اللَّبَنَ يَنْحَاهُ وتَنَحَّاه أي تمَخَّضه وأنشد :

في قَعْرِ نحْيٍ أستَثيرُ حُمّهْ

قال : وجمع النَّحْيِ أنحاءٌ.

قلت : والنِّحْيُ عند العرب الزِّقُّ الذي يُجْعَل فيه السَّمْن خاصّة. وهكذا قال الأصمعيّ وغيره ، ومنه قِصَّةُ ذاتِ النِّحْيَين ، والعرب تضرب بها المثَلَ ، فتقولُ : أَشْغَلُ مِنْ ذات النَحْيَيْنِ.

وقال ابن السكيت : هي امْرَأَةٌ من تَيْمِ الله بن ثَعْلَبة ، وكانت تبيع السَّمْنَ في الجاهلية فأتاها خَوَّات بن جبير يبتاع منها سَمْناً فساومَها فحلّت نِحْياً ثم آخر فلَم يَرْضَ وأَعْجَلَهَا عن شدّها نِحْيَيْها وساوَرَها فقضى حاجته منها ، ثم هرب ، وقال :

وَذَاتِ عِيَالٍ واثِقِينَ بِعَقْلِها

خَلَجْتُ لها جارَ اسْتِها خَلَجاتِ

وشَدَّتْ يَدَيْهَا إِذْ أَرَدْت خِلَاطَها

بِنِحْيَيْنِ من سَمْنٍ ذَوَيْ عُجُرَاتِ

قلت : والعرب لا تعرف النحْيَ غيرَ الزِّق ، والذي قاله الليث أنه الجَرَّةُ يُمخض اللَّبَنُ فيها بَاطِلٌ.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ أَنْحَى ونَحَا وانْتَحَى اعتمد على الشّيْءِ. ويقال : انْتَحَى له بِسَهْمٍ وأنْحَى عليه بشَفْرَتِه ونَحَا له بِسَهْمٍ ، ويقالُ فلان نَحِيَّةُ القَوَارع إذا كانت الشدائدُ تَنْتَحِيه وأنشد :

نَحِيَّةُ أَحْزَانٍ جَرَتْ مِنْ جُفُونِهِ

نضَاضَةُ دَمْعٍ مِثْلِ ما دَمَع الوَشَلْ

نُضَاضَةُ دَمْع بقيّة الدموع ، وبقيّةُ كل شيء نُضَاضَتُه. ويقال : استَخَذَ فُلانٌ فلاناً أُنْحِيَّةً أي انْتَحى عليه حتى أَهْلَكَ مالَه أو ضَرَّه ، أو جعل به شَرّاً. وأنشد :

إنّي إذا ما القومُ كانوا أُنْحِيَةً

أي انتحوْا على عملٍ يعملونه. قال ذلك شَمِرٌ فيما قرأْتُ بخطّه.

وقال الليث : كل من جَدّ في أَمْرٍ فقد انْتَحَى فيه كالفرس يَنْتَحِي في عِدْوِه.

وقال اللِّحْيَانِيُّ : يقال للرجل إذا مال على أحَدِ شِقّيه أو انحنى في قوسه قد نَحَى وانتحى واجْتَنَح وجَنَح ، وُضِعَا بمعنى واحد ويقال تنحى له بمعنى نَحا لَه ، وانْتَحى له ، وأنشد :

تَنَحَّى له عَمْروٌ فَشَكَّ ضُلُوعَه

بِمُدْرَنْفقِ الخَلْجَاءِ والنَّقْعُ سَاطِعُ

وفي حديث ابن عمر : أَنَّه رأى رَجُلاً ينْتَحِي في سجوده فقال لا تَشِينَنّ صورتك.

١٦٤

قال شَمِرٌ : الانْتِحاءُ في السجود الاعتمادُ على الجبهة والأنفِ حتى يؤثر فيهما.

وقال الأصمعيّ : الانْتِحَاء في السير الاعتماد على الجانب الأيسر ثم صار الاعتماد في كل وجه. قال رؤبة :

مُنْتَحِياً مِنْ نَحْوِهِ على وَفَقْ

حان : قال الليث : الحَيْنُ الهلاك ، يقال : حَان يَحِينُ حَيْناً ، وكل شيءٍ لم يُوَفَّقْ للرشاد فقد حان حيْناً. ويقال : حَيَّنَه الله فتحيّن ، قال : والحَائِنَةُ النَّازِلَةُ ذات الحَيْن ، والجميع الحوائن وقال النابغة :

بِتَبْلٍ غَيْرِ مُطَّلَبٍ لَدَيْها

ولكنَ الحَوَائِنَ قَدْ تَحِينُ

والحينُ وقْتٌ من الزمان ، يقال : حانَ أن يكونَ ذاك ، وهو يَحينُ ، ويجمع الأحْيَانَ ثم تجمع الأَحيانُ أحايِينَ. قال : وحيَّنْتُ الشيءَ جعلتُ له حِيناً ، قال فإذا باعدوا بين الوقت باعدُوا بإذٍ فقالوا حِينَئذٍ ، خفَّفوا هَمْزَةَ إذٍ فأبدلوها ياء فكتبوه بالياء. قال : والحين يَومُ القيامة. وقول الله جلّ وعزّ : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَ حِينٍ) [إبراهيم : ٢٥].

قال الزجاج : اختلفَ العلماءُ في تفسيرِ الحِين ، فقال بعضهم : كُلَّ سنة ، وقال قوم : سِتَّة أشْهُرٍ ، وقال قوم : غدوةً وعشيةً ، وقال آخرون : الحِينُ شهْرانِ ، قال : وجميعُ من شاهدناه من أَهْلِ اللُّغة يذهبُ إلى أَنَ الحين اسمٌ كالوقت يصلح لجميع الأَزْمانِ كُلِّها ، طالَتْ أو قَصُرَت.

قال : والمعنى في قوله : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَ حِينٍ) أنه يُنتفعُ بها في كُلِّ وقْتٍ لا ينقطع نَفَعُها الْبَتَّةَ ، قال : والدليل على أن الحين بمنزلة الْوَقْتِ قولُ النابغة وأنشده الأصمعي :

تَنَاذَرَها الرَّاقُونَ مِنْ سُوءِ سُمِّها

تُطَلِّقُه حِيناً وحِيناً تُراجِعُ

المعنى أن السُّمَّ يَخِفُّ ألمه وقتاً ويعود وقتاً ، وقول الله جل وعزَّ : (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ٨٨) [ص : ٨٨] أي بعد قيام القيامة.

أبو عُبيدٍ عن الأصمعيّ : التَّحْيِينُ أن تُحْلَبَ الناقةُ في اليَوْمِ والليلةِ مرّةً واحدةً قال : والتوجيبُ مِثْلُه ، وقال المخبَّل يصف إبلاً :

إذا أُفِنَتْ أَرْوَى عِيالَكَ أَفْنُها

وإِنْ حُيِّنَتْ أَرْبَى على الوَطْبِ حَيْنُها

ونحوَ ذلك قال الليث : وهو كلامُ العرب.

وإبل مُحَيَّنة إذَا كانت لا تُحْلَبُ في اليوم واللَّيلة إلا مرةً واحدةً ، ولا يكون ذلك إلا بعد ما تَشُولُ ، ويقلُّ أَلْبَانُها.

ابن السكّيت عن الفَرَّاء : هُوَ يأكل الحِينَةَ ، والحَيْنَة : أي وَجْبَةٌ في اليوم لأهل الحجاز يعني الفتَح. ويقال : حان حِينهُ ، وللنَّفْس قد حَان حِينُها إذا هلكت ، ويقال تحيَّنْتُ رُؤيَةَ فلانٍ أي تنظَّرْتُه.

وقال أبو عمرو أَحْيَنَت الإبل إذا حَان لهَا أن تُحْلَبَ أو يُعكم عليها. وأَحْيَنَ القومُ ، وأنشد :

كيفَ تنامُ بعدَ ما أَحْيَنَّا

نوح : قال الليث : النّوْحُ مصدر ناح يَنُوح نَوْحاً ، ويقال نائحةٌ ذات نِيَاحَةٍ ونَوَّاحةٌ ذات مناحة ، والمَنَاحَةُ أيضاً الاسمُ ،

١٦٥

وتجمع على المناحات والمناوح والنوائح اسم يقع على النّساء يجتمِعْن في مناحة وتجتمع على الأنواح قال لبيد :

قُوما تجوبانِ مع الأَنْوَاحِ

والنَّوَح : نَوْحُ الحمامة قال : والرّياح إذا اشتد هُبُوبها يقال قد تناوحت ، ومنه قول لبيد يمدح قومه :

وَيُكَلِّلُونَ إذا الرِّياحُ تَنَاوَحَتْ

خُلُجاً تُمَدُّ شَوَارِعاً أَيْتَامُها

قلت : والرِّياحُ النُّكْبُ في الشتاء هي المُتنَاوحة ، وذلك أنها لا تهُبّ من جِهَةٍ واحدةٍ ولكنها تَهُبُّ من جهات مُخْتَلِفة وسميت متناوحة لمقابلة بعضها بعضاً ، وذلك في السَّنة الجدبة وقلّة الأَنْدية ، ويُبْس الهواء وشدة البرْد. والنوائح من النساء سمين نوائِحَ لمقابلة بعضهن بعضاً إذا نُحْنَ ، وقال الكسائيّ في قول الشاعر :

لقد صَبَرَتْ حَنِيفَةُ صَبْرَ قَوْمٍ

كِرَامٍ تحتَ أَظْلَالِ النَّوَاحِي

أَراد النَّوائح فقلب وَعنى بها الراياتِ المتقابلات في الحَرْبِ. قال : ويقال هما جَبَلَانِ يَتَنَاوَحان ، وشجرتان تتَنَاوحان إذا كانتا متقابِلَتين ، وأنشد غيره :

كأنكَ سكرانٌ يَمِيلُ برأسِهِ

مُجَاجَةُ زِقِّ ، شَرْبُها مُتَنَاوِحُ

أي يُقَابِلُ بعضُهم بَعْضاً عند شرْبِها ، وقيل أراد بقوله تحت أظلال النواحي السيوفَ.

أنح : قال الليث : أَنَحَ يَأْنِحُ أَنِيحاً إذا تأذّى من مَرَضٍ أَوْ بُهْرٍ يتَنَحْنَحُ فلا يَئِنُّ. وفرس أَنُوحٌ إذا جرى فزفر وقال العجَّاج :

جِرْيَةَ لَاكَابٍ ولا أَنُوحِ

والأَنُوح مثل النَّحيطِ. وقال الأصمعي : هو صوت مع تَنَحْنُح. ورجلٌ أَنُوحٌ كثير التنحنح. وقد أَنَحَ يَأنِحُ. قاله أبو عبيد. قال : وقال أبو عمرو : الأنِحُ الذي إذا سُئِل الشيءَ يُنَحْنِحُ ، وذلك من البُخْلِ ، يقال منه : أَنَح يَأْنِحُ.

نيح : قال الليث : النَّيْحُ اشتداد العظْم بعد رطُوبته من الكبير والصغير. نَاحَ يَنِيحُ نَيْحاً وإنه لعظم نيّحٌ شديدٌ ، ونَيَّح اللهُ عَظْمَهُ يدْعُو له.

أحن : أبو عبيد عن أبي زيد : الإحْنَةُ الحقدُ في الصَّدْرِ ، وقد أحِنْتُ عليه آحَنُ أَحَناً وآحَنْتُه مُؤاحَنَةً من الإحْنَةِ.

وقال الليث نحوَه. قال : وربما قالوا : حِنَةٌ. قلتُ حِنَةٌ ليس من كلام العرب وأنكر الأصمعيُّ والفرّاءُ وغيرهما حِنَةٌ وقالا الصواب إِحْنَةٌ وجمعها إِحَنٌ.

وقال أبو تراب أَحِنَ عليه وَوَحِن من الإحْنَة.

وحن : أهمله الليث. وروى أبو العباس عن ابن الاعرابيّ أنه قال التوحُّن عِظَمُ البَطْنِ قالوا والوَحْنَةُ الطين المزلّق قال والتوحّن الذُّلّ والهلاك. والنوْحَةُ القوة ، قلت وهي النيْحَةُ أيضاً.

باب الحاء والفاء

[ح ف (وايء)]

حفا ، حاف ، فحا ، فاح ، وحف.

حفا : قال ابن المظفر : الحِفْوَةُ والحَفَا مصدرُ الحَافي ، يقال حَفِيَ يَحْفي إذا كان بغير

١٦٦

خُفٍّ ولا نعلٍ ، وإذا انسحجت القدم أو فِرْسَنُ البعيرِ أو الحافرُ من المشي حتى رقَّت قيل حَفِيَ يَحْفَى فهو حفٍ وأنشد :

وَهْوَ مِنَ الأَيْنِ حَفٍ نَحِيتُ

وأَحْفَى الرجلُ إذا حَفِيَتْ دابَّتهُ. وقال الزّجّاج الحَفَا مقصورٌ أن يكثُر عليه المشي حتى يُؤلِمَه المشيُ. قال : والحَفَاء ممدودٌ أن يمشي الرجل بِغَيْر نعلٍ ، حافٍ بيّن الحفاءِ ممدودٌ وحفٍ بيّن الْحَفَا مقصورٌ إذا رقّ حافِرُه.

ورُوِيَ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أَمر بإحفاء الشَّوارب وإِعْفَاءِ اللِّحَى.

قال أبو عبيد قال الأصمعيُّ : أَحْفَى شَاربَه ورَأْسَه إذا ألزق جَزّه. قال. ويقال : في قول فلان إحْفَاءٌ وذلك إذا أَلْزَق بك ما تَكْرَهُ وأَلَحّ في مساءَتِك كما يُحَفَّى الشيءُ أي ينتقص.

وقال الحارث بن حِلّزة :

إنَّ إِخْوَاننَا الأَرَاقِمَ يَعْلُونَ

علينا ، في قِيْلِهِمْ إحفَاءُ

أي يقعون فينا.

وقال الليث : أحفى فلانٌ فلاناً إذا برَّح به في الإلحاف عليه أو مُسَاءلة فأكثر عليه في الطّلب. قلت : الإحفاءُ في المسألَةِ مثلُ الإلحاف سواءً وهو الإلحاح. وقال الفراء : (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ) [محَمَّد : ٣٧] أي يُجهدْكم ، وأَحَفَيْتُ الرجلَ إذا أجهدْته وكذلك قال الزجاج. وقال الفراء في قول الله (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌ عَنْها) [الأعرَاف : ١٨٧] فيه تقديم وتأخير معناه يسألونك عنها كأنّك حَفِيٌ بها. قال ويقال في التفسير كأنك حفِيّ كأنَّكَ عَالمٌ بها ، معناه حافٍ عالِمٌ.

ويقال تحافَيْنَا إلى السلطان فرفَعَنا إلى القاضي ، قال : والقاضي يسمى الحَافِيَ. وقال أبو إسحاق : المعنى يسألونك عن أَمْرِ القيامة كأنك فَرِحٌ بِسُؤالهم ، يقال قد تحفّيْتُ بفلان في المسألَةِ إذا سألت به سؤالاً أظْهَرْت فيه المحبَّة والبِرَّ ، قال : وقيل (كَأَنَّكَ حَفِيٌ عَنْها) كأنك أكثرْتَ المسألة عنها. وأمَّا قوله جلّ وعزّ : (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) [مريمَ : ٤٧] فإن الفرّاء قال معناه كان بي عَالِما لَطيفاً يُجيب دُعَائي إذا دعوْتُه. قال أبو بكر : يقال تحفى فلانٌ بفلانٍ معناه أنَّه أظهر العناية في سُؤاله إيّاه ، يقال : فلانٌ به حَفِيٌ إذا كان معنِيَّاً ، وأنشد :

فَإنْ تَسْأَلِي عَنّي فَيَارُبَّ سائِلٍ

حَفِيٍ عن الأعْشى بهِ حيثُ أَصْعَدَا

معناه مَعْنِيٌّ بالأعْشى وبالسؤال عنه ، وقال في قوله : (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌ عَنْها) معناه كأَنَّك مَعْنِيٌّ بها ، ويقال : المعنى يسألونك كأنَّك سائِلٌ عنها ، قال وقوله : (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) مَعْنَاهُ كان بي مَعْنِيّاً.

وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابيّ قال : يقال لقيت فُلاناً فَحَفِيَ بي حَفَاوَةً. وتحفّى بي تحفِّياً ، ويقال حَفِيَ اللهُ بك في معنى أكْرَمك اللهُ. والتَّحَفِّي الكلامُ واللقاءُ الحسن. وحَفِيَ من نَعْله وخُفِّه حُفْوَةً وحِفْيَةً وحَفَاوَةً ، ومشى حتى

١٦٧

حَفِي حَفاً شديداً ، وأحفاه الله وتَوَجّى من الحَفَا وَوَجِي وَجىً شديداً.

وقال الزجَّاج في قوله : (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) معناه لطيفاً يقال : حَفِيَ فُلانٌ بفلانٍ حُفْوَة إذا برّه وأَلْطَفَه.

وقال الليث : الحَفِيُ هو اللطيف بك يَبَرُّك ويُلطفك ويَحتفي بِكَ.

وقال الأصمعيّ : حَفِيَ فُلانٌ بفلان يَحْفَى به حَفَاوَة إِذَا قام في حاجَتِه وأَحْسَنَ مَثْوَاهُ. ويقال : حَفَا فُلانٌ فُلاناً من كل خَيْر يَحْفوه إذا مَنَعَه من كلّ خير.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ : قال الحَفْوُ : المَنْعُ ، يقال أَتاني فَحَفَوْتُه أي حرمتُه. وعطس رجل عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوق ثلاث فقال له النبي : حَفَوْتَ ، يقول : منَعْتَنَا أن نشمِّتَكَ بعد الثلاثِ. قال : ومن رَوَاهُ : حَقَوْت ، فمعناه شدّدت علينا الأمْرَ حتى قطعْتنا مأخوذ من الحِقْو لأنه يقطع البطن ويشدّ الظهر.

وفي حديث المضطر الذي سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : متى تحل لنا المَيْتة؟ فقال : ما لم تَحْتَفِئُوا بها بَقْلاً فشأنَكم بها.

قال أبو عبيد قال أبو عبيدة هو من الحَفَأ مهموز مقصورٌ وهو أصل البَرْدِيّ الرطْب الأبيضِ منه ، وهو يُؤْكَل ، فتأوَّله في قوله تحْتَفِئوا يقول : ما لم تَقْتَلِعُوا هذا بعيْنه فتأكلوه.

وقال الليث : الحَفَأُ : البرديّ الأخْضَرُ ، مَا كان في منبته كثيراً دائِماً ، والواحدة حَفأَةٌ ، وأنشد :

أو ناشِىء البَرْدِيّ تحت الحَفا

ترك فيه الهمز قال واحتَفَأْتُ أي قلعت قلت : وهذا يقرب من قول أبي عبيدة ويقوّيه قال أبو سعيد في قوله أو احْتَفِنُوا بَقْلاً فشأْنَكُم بها ، صوابُه تَحْتَفُوا بتخفيف الفاء ، وكل شيء استُؤصل فقد احتُفِيَ ، ومنه إحفاءُ الشعر. قال : واحتفى البقْلَ إذا أَخَذَهُ من وجْه الأرض بأطراف أصابعه من قِصَرِه وقِلَّته ، قال : ومن قال احْتَفِئُوا بالهمز من الحَفَأ البَرْدِيّ فهو باطل لأنّ البَرْدِيّ ليس من البَقْل ، والبُقُولُ ما نَبَت من العُشْبِ على وجه الأَرْضِ مما لا عِرْق له قال : ولا بَرْدِيّ في بلاد العَرَبِ ، قال والاجْتِفَاءُ أيضاً في هذا الحديث باطل لأن الاجتفاء كبُّك الآنية إذا جفأَته وقال خالد بن كُلْثوم : احتفى القوم المرعى إذا رعَوه فلم يتركوا منه شيئاً قال وفي قول الكميت :

وشُبِّه بالحفْوَةِ المُنْقَلُ

أن ينتقلَ القومُ من مَرْعىً احْتَفَوْه إلى مرعىً آخرَ.

أَبو عبيد عن الأصمعي حَفَّيْتُ إليه في الوصية بَالَغْتُ قال : تحفّيْتُ به تَحَفِّياً ، وهو المُبَالَغَةُ في إكْرَامه.

أبو زيد : حافَيْتُ الرجل محافاة إذا نازعته الكلام وماريتَه. والحفْوَةُ الحَفَا وتكون الحِفْوَة من الحافي الذي لا نعل له ولا خُفّ. ومنه قول الكميت :

وشُبه بالحِفْوَةِ المُنْقَلُ*

فحا : أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ قال : الفَحِيّةُ الحَسَاءُ ، عمرو عن أبيه هي

١٦٨

الفَحْيَةُ ، والفَأْرَةُ والفَئِيرَة والحرِيرَةُ لِلْحَسْوِ الرقيق.

وقال الليث : الفَحْوَى معنى ما يُعْرَفُ من مذْهَبِ الكلام ، تقول أعرف ذلك في فَحْوَى كلامِه وإنه لَيُفَحِّي بكلامه إِلى كذا وكذا.

وأخبرني المنذريّ عن ثعلب أنّه قال : يقال في فَحْوَى كلامِه أي معناه وفَحْواءِ كلامه وفُحَوَاءِ كلامِه. قال : وكأنه من فَحَّيْتُ القِدْر إذا ألقَيْتَ فيها الأَفْحَاءَ وهي الأبْزَارَ.

وقال ابن الأعرابيّ واحد الأفحاء فِحًى وفَحًى.

وقال ابن السكيت : الفَحَى الأبزَارُ ، وجمعه الأفْحَاءُ والباب كله بفتح أوله مثل الحَشَا : الطرَف من الأطْراف والقفا والرَّحَى والوغَى والشَّوَى.

فوح ـ فيح : قال الليث : الفَوْحُ وِجْدَانُكَ الريحَ الطيِّبَة ، تقول : فَاحَ المِسْكُ ، وهو يَفُوح فَوْحاً وفُؤُوحاً.

وقال الأصمعيّ : فاحَتْ ريحٌ طيبة وفاخَت بالحاء والخاء بمعنىً واحدٍ ، وكذلك قال اللحياني.

وقال الفرَّاء فاحت ريحه وفاخت فأَمَّا فاخت فمعناه أَخَذَتْ بِنَفْسه ، وفاحتْ دُونَ ذلك.

وقال أبو زيد : الفَوْحُ من الريح والفَوْحُ إذا كان لها صوتٌ.

وقال الأصمعي : فاح الطِّيبُ يفوح فَوْحاً إذا تضوّع وانتشرتْ رِيحُه ، وفاحت الشَّجَّةُ فهي تَفِيح فَيْحاً إذا نَفَحَتْ بالدم.

وقال أبو زيد : فاحت القِدْرُ تَفيح فَيْحاً وفَيَحَاناً ، ولا يقال فَاحَتْ رِيحٌ خبيثةٌ. إنما يقال للطيِّبَةِ فهي تَفِيحُ. قال : وفاحت القِدْرُ إِذا غَلَتْ وفاحَتْ ريحُ المسك فيحاً وفيحاناً وقال الليث الفيح سطوع الحَرّ وفي الحديث : «شدة الحرّ من فَيْحِ جَهَنَّمَ». وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي يقال : أَرِقْ عنك من الظَّهِيرَة ، وأهْرِقْ وأهرىء وأَبِخْ وبخبخ وأَفِح إذا أمرْتَه بالإبرَاد ، وكان يقال للغارة في الجاهلية فِيحِي فَيَاحِ وذلك إذا دُفِعت الخيل المغيرةُ فاتّسعت.

وقال شمر : فِيحِي : اتّسعي وأنشد قول الشاعر :

شَدَدْنَا شدَّةً لا عَيْبَ فِيها

وقُلْنا بالضُّحى فِيحِي فَيَاحِ

وقال الليث : الفيحُ والفيوحُ خِصْب الربيع في سعة البلاد وأَنشد :

يَرْعى السحابَ العهدَ والفُيُوحَا

قلت ورواه ابن الأعرابي والفَتُوحا بالتاء قال والفَتْحُ والفَتُوح من الأمْطارِ ، وهذا هو الصحيح. وقد مرّ في الثلاثي الصحيح.

وقال الليث : الفيحُ مصدر الأفيح وهو كل موضع واسع ، تقول روضة فَيْحَاءُ ومكَان

١٦٩

أَفْيَح وقد فَاحَ يَفَاحُ فَيَحاً ، وقياسه فَيحَ يَفْيَحُ.

قلت : وقولهم للغارة : فِيحِي فَيَاحِ ، الغارَةُ هي الخيلُ المُغيرةُ تَصْبَحُ حيّاً نَازِلِينَ ، فإذا أَغَارَتْ على ناحيةٍ من الحيّ تَحَرَّزَ عُظْمُ الحي ولجئوا إلى وَزَرٍ يعوذُون به ، وإذا اتسعوا وانتشروا أحرَزُوا الحيّ أَجْمَع ، ومعنى فِيحِي أي انتشري أَيَّتُها الخيلُ المُغِيرَةُ ، وسمّاها فَيَاحِ لأنها جماعةٌ مؤنثة خرجت مَخْرَج قطامِ وحَذَامِ وكَسَابِ وما أشبهها.

وناقةٌ فيَّاحةٌ إذا كانت ضخمةَ الضّرع.

وقال أبو زيد : يقال لو ملكت الدنيا لفيَّحْتُها في يوم واحد أي أنفقتها وفرّقتها.

ورجل فَيَّاحٌ نَفَّاحٌ : كثير العطايا.

ثعلب عن ابن الأعرابي : أفاح الدماءَ أي سَفَكَها ، وفَاح الدمُ نفسُه ، ونَحْوَ ذلك.

قال أبو زيد ، وأنشد :

إلَّا دِيَاراً أَوْ دَماً مُفَاحاً

شمر : كُلُّ شيء واسعٍ فهو أَفْيَحُ وفَيَاحٌ وفيَّاح. ويقال في جمع الأَفْيَحِ فِيحٌ ، وناقة فَيَّاحَةٌ ضخمةُ الضَّرْعِ غزيرة اللبن وقال :

قد يمنح الفياحة الرفودا

يحسبها حالبها صعودا

حوف ـ حيف : قال الليث : الحَوْفُ القرية في بعض اللغات ، وجمعه الأحواف ، قال : والحَوْفُ بلغة أَهْلِ الجَوْفِ وأَهْلِ الشِّحْر كالْهَوْدَجِ وليس به ، تركَبُ بهِ المرأةُ البعيرَ.

شمر : الحَوْفُ إزَارٌ من أَدَمٍ يلبَسُه الصبيان ، وجمعه أَحْوَافٌ.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : هو الحَوْف في لغة أهْلِ الحجاز ، وهو الوَثْر وهي نُقْبَةٌ من أَدَمٍ تُقَدُّ سيوراً عَرْضُ السيْر أربعُ أَصَابع تلْبَسُه الجاريةُ الصغيرةُ قبل إدراكها وأنشد :

جارية ذات هنٍ كالنَّوْفِ

مُلَمْلَمٍ تَسْتُرُه بِحَوْفٍ

يا ليتني أَشِيمُ فيه عَوْفِي

وقال الليث : الحافان عِرْقان أَخْضَرَان من تحت اللسان ، والواحد حَافٌ ، خفيفٌ.

قال : وناحيةُ كل شيء حَافَتُه ومنه حافَتَا الوادي ، وتصغيره حُوَيْفَةٌ.

وقال الفراء : تحَوَّفْتُ الشيءَ أخذتُه من حَافَتِه قال وتخوَّفْتُه بالخاء بمعناه.

وقال غيره : حِيفَةُ الشيءِ ناحِيتُه ، وقد تحيّفْتُ الشيءَ أخذتُه من نَواحيه.

والحَيْفُ المَيْلُ في الحكم ، يقال : حَاف يحِيف حَيْفاً.

وقال بعض الفقهاء : يُرَدُّ من حَيْفِ النّاحل ما يُرَدُّ من جَنَفِ المُوصِي ، وحَيْفُ النَّاحل أن يكون للرجل أولادٌ فَيُعطِي بعضاً دونَ بعض ، وقد أُمِرَ بأن يُسَوِّي بينَهُم ، فإذا فضَّل بعضَهم فقد حَاف. وجاء بَشِيرٌ الأنصاريُّ بابْنِه النُّعْمانِ بْنِ بشير إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد نَحَلَه نَحْلاً وأرَادَ أن يُشهِدَه عليه. فقال له : أَكُلَّ وَلدكَ قد نَحَلْتَ مثله؟ فقال لا ، فقال إني لا أشْهَدُ على حَيْفٍ وتُحِبُّ أن يكون أولادُك في بِرِّك سواءً فسوِّ بينَهُم في العطاءِ ، هذا حَيْفٌ.

١٧٠

وقال اللهُ جلّ وعزّ : (أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ) [النُّور : ٥٠] أي يجور.

وحف : قال الليث : الوَحْفُ : الشعَر الكثيرُ الأسودُ ، ومن النبات الرَّيَّان. يقال وَحُف يَوْحُف وَحَافَةً ووُحوفَةً.

شمر : قال ابنُ شميل : قال أبو خَيرة : الوحْفَةُ القَارَةُ مثل القُنَّة غبراءُ وحَمْرَاءُ تضرِبُ إلى السواد. قال : والوِحَافُ جماعةٌ.

وقال رؤبة :

وعَهْدِ أطْلَالٍ بِوادِي الرَّضْمِ

غَيَّرَها بَيْنَ الوِحَافِ السُّحْمِ

وقال أبو عمرو : الوِحَافُ ما بين الأرْضَيْنِ ما وصل بعضُه بعضاً وأنشد للبيد :

منها وِحَافُ القَهْرِ أو طِلْحَامُها

قال : والوَحْفَاءُ الحمراءُ من الأرضِ والمَسْحَاءُ السوداءُ.

وقال بعضهم : المَسْحَاءُ الحمْراءُ ، والوحْفَاءُ السودَاءُ.

وقال الفراء : الوحْفَاءُ الأرْضُ فيها حِجَارَةٌ سودٌ وليست بِحَرَّةٍ ، وجمعها وَحَافَى.

أبو عبيدٍ عن أبي زيد : الوحْفَةُ الصوت ، ويقال وَحَفَ الرجل ووحَّف إذا ضرب بِنَفْسه الأرضَ ، وكذلك البعيرُ. والمَوْحِفُ المكان الذي تبْرُك فيه الإبل ، وناقة مِيحَافٌ إذا كانت لا تفارِقُ مَبْرَكَها ، وإبل مَوَاحِيفُ.

وقال ابن الأعرابي : وَحَفَ فلانٌ إلى فلانٍ إذا قصدَه ونزل به ، وأنشد في ذلك :

لا يَتَّقِي اللهَ في ضَيْفٍ إذا وَحَفَا

قال : وأَوْحَفَ وأَوْجَفَ ووَحَفَ ووَحّف ، كله إذا أَسْرَع.

باب الحاء والباء

[ح ب (وايء)]

حبا حبأ ، حاب ، باح (بوح) ، حوأب ، بيح (بياح).

حبا : قال الليث : الصبي يَحْبُو قبل أَنْ يَقُومَ ، والبعير إذا عُقِلَ يَحْبُو فَيَزْحَفُ حَبْواً. ويقال : ما نجا فلانٌ إلا حَبْواً ، ويقال : حَبَت الأضْلَاعُ إلى الصُّلْبِ وهو اتِّصالُها ، ويقال للمسايل إذا اتّصل بعضُها ببعضٍ حَبَا بعضُها إلى بعضٍ وأنشد :

تَحْبُو إِلى أَصْلابِهِ أمعاؤُه

وقال أبو الدُّقَيْش : تَحْبُو : هَاهُنا : تتَّصِل ، قال والمِعَى كُلُّ مِذْنَبٍ بقرار الحضِيض وأنشد :

كأنَّ بينَ المِرْطِ والشُّفُوفِ

رَمْلاً حَبَا مِنْ عَقَد العَزِيفِ

والعزيف من رِمال بني سعد.

وقال العجّاج في الضلوع :

حَابِي الحُيُودِ فَارِضُ الحُنْجُورِ

يعني اتِّصَالَ رؤوسِ الأضْلَاعِ بعضِها بِبَعْضٍ. وقال أيضاً :

حَابِي حُيُودِ الزَّوْرِ دَوْسَرِيِ

الدوسريُّ الجريء الشديد

وبَنُو سعدٍ يقال لهم دَوْسَرُ. قال : والحُبْوَة الثوب الذي يُحتبى به وجمعها حُبىً.

١٧١

أبو عبيد عن الفرّاء يقال حُبْيَةٌ وحَبْوَةٌ. وقد احتبى بثوبِه احتباءً.

والعرب تقول : الحُبَى حيطانُ العرب.

وقد يَحْتَبي الرجل بيديه أيضاً.

أبو بكر : الحِبَاءُ ما يَحْبُو به الرجل صاحبه ويُكرمه به. قال : والحِبَاءُ من الاحْتباءِ ، ويقال فيه الحُباءُ بضم الحاء ، حكاهما الكسائيّ ، جاء بها في باب الممدود.

قال وقال أبو العباس : فلان يَحْبُو قَصَاهُم ويحوط قَصَاهُم بمعنًى ، وأنشد :

أَفْرِغْ لِجُوفٍ وِرْدُها أَفْرَادُ

عَبَاهِلٍ عَبْهَلَهَا الوُرَّادُ

يحبُو قَصَاهَا مُخْدِرٌ سِنَادُ

أَحْمَرُ مِنْ ضِئْضِئِها مَيَّادُ

سنادٌ مشرِفُ وميَّادٌ يذْهَبُ ويجِيءُ.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : الحابِي من السِّهامِ الذي يَزْحَفُ إلى الهدَفِ إذا رُمِيَ به. قال والحَبِيُ من السحابِ الذي يعْتَرِض اعتراضَ الجَبَل قبل أن يُطبِّق السماءَ.

وقال الليث الحَبِيُ سحابٌ فوق سحابٍ.

قال : ويقال للسفينة إذا جرت حَبَتْ ، وأنشد :

فَهْوَ إذا حَبَا لَهُ حَبِيُ

ويقال : حَبَا لَهُ الشيءُ إذا اعترضَ ، فمعنى إذا حَبا له أي اعترض له مَوْجٌ. قال والحِبَاءُ عَطاءٌ بلا مَنّ ولا جزاءٍ ، تقول حَبَوْتُه أَحْبُوه حِبَاءً ، ومنه اشْتَقَّت المُحَابَاةُ ، وأنشد :

أصْبِرْ يَزِيدُ فقدْ فَارَقْتَ ذَامِقَةٍ

واشكُرْ حِبَاءَ الّذي بالمُلْكِ حَابَاكا

وجعل المهلْهِلُ مهرَ المرْأَةِ حِبَاءً ، فقال :

أَنْكَحَها فَقْدُها الأَراقِمَ في

جَنْبٍ وكان الحِبَاءُ من أَدَمِ

أراد أنهم لم يكونوا أرباب نَعَمِ فَيُمْهِرُوها الإبل ، وجعلهم دَبَّاغِين للأَدَمِ.

أبو عبيد عن أبي زيد هو يَحْبُو ما حَوْلَه أي يَحْمِيه ويَمْنَعُه.

وقال ابن أحمر :

وراحَتِ الشَّوْلُ وَلَمْ يَحْبُها

فَحْلٌ ولم يَعْتَسَّ فيها مُدِرّ

أي لم يطف فيها حَالِبٌ يَحْلِبها.

قال أبو عبيد ، وقال الكسائيُ حبا فلانٌ للخمسين إذا دَنَا لَها.

وقال ابن الأعرابيّ : حَبَاهَا وحَبَا لَها أي دنَا لَها.

وقال غيره : حبا الرمْلُ يحبو إذَا أَشْرَف مُعْتَرضاً فهو حابٍ.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الحَبْوُ اتِّساعُ الرمْلِ ، والحبو امتلاءُ السَّحَابِ بالماءِ ، ويقال رَمَى فَأَحْبَى أي وقَع سَهْمهُ دونَ الغَرَضِ ، ثم تَقَافَزَ حتى يُصيبَ الغرضَ.

ومن المهموز :

حبأ : أبو عبيد عن الكسائي أحْبَاءُ المَلِك الواحد حَبَأُ على مثال نَبَإِ مهموز مقصور ، وهم جُلَساءُ الملك وخاصَّته.

وقال الليث الحَبَأَةُ لوحُ الإسكاف المستدير وجمعها حَبَوَات قلت هذا تصحيف فاحش

١٧٢

والصواب الجَبْأَةُ بالجيم ومنه قول الجعدي :

كجبْأَة الخَزَمِ

سلمة عن الفراء الحابِيَانِ الذئبُ والجرادُ.

قال وحبا الفارس إذا خفق وأنشد :

نحبو إلى الموْت كما يَحْبُو الجمل

حوب : الليث : الحَوْبُ زَجْرُ البَعِيرِ لِيَمْضِي وللناقة حَلٍ. والعرب تجرّ ذلك ولو رُفِع أو نُصِبَ لكان جائزاً لأن الزَّجْرَ والحكاياتِ تُحرَّك أواخرُها على غير إعرابٍ لازم ، وكذلك الأدواتُ التي لا تتمَكَّنُ في التَّصْرِيف ، فإذا حُوِّل من ذلك شيء إلى الأسماءِ حُمِلَ عليه الألفُ واللَّامُ ، وأُجْرِي مُجْرَى الأسماءِ كقوله :

والحَوْبُ لمّا لم يَقُلْ والحَلُ

أبو عبيد عن الأصمعيّ يقال للبعيرِ إذا زجرته : حوْبَ وحوبِ وحَوْبُ ، وللناقة حَلْ جزمٌ وحلٍ وحَلِي.

وقال غيره : حَوَّبْتُ بالإبل من الحَوْب.

وحكى بعضُهم حَبْ لَا مَشَيْتَ وحَبٍ لا مشيتَ وحَابِ لا مَشيتَ وحَابٍ لا مشيتَ.

وقال الليث الحَوْب الضخم من الجمال وأنشدنا :

ولا شَرِبَتْ في جِلْدِ حَوْبٍ مُعَلَّبِ

المعلَّبُ الذي شُدَّ بالعلباء ويقال : أراد الذي اتُّخِذ عُلْبةً يُشْرَبُ فيها ، وهذا أجود.

وقال غيره : سُمِّيَ الجَمَلُ حَوْباً بزجره كما سمّي البغل عَدَساً بِزَجْرِه.

قال الراجز :

إذا حَمَلْتُ بِزَّتِي على عَدَسْ

على التي بين الحِمَارِ والفَرَسْ

فما أُبالي من غَزَا ومَنْ جَلَسْ

وسَمَّوا الغراب غاقاً بِصوته.

الليث : الحَوْبةُ والحَوْبُ الإيوانُ. والحَوْبَةُ أَيْضاً رِقَّةُ الأُمِّ ومنه :

لحوبة أُمٍّ ما يَسُوغُ شَرَابُها

قال والحَوْبَةُ الحاجة. والمُحَوَّبُ الذي يَذْهَبُ ماله ثم يعود. والحُوب الإثم.

وحاب حَوْبةً. والحَوْباء رُوع القلْب. شمر : عن سلمة عن الفرّاء قال هما لُغَتَان فالحُوب لأهلِ الحجاز والحَوْب لتميم ، ومعناهما الإثم. قال وقال ابن الأعرابيّ : الحُوبُ الغَمُّ والهَمُّ والبلاءُ.

وقال خالد بن جَنْبة : الحُوبُ الوَحْشَةُ.

وقال في قوله إنّ ظلم أُمِّ أيوبُ لحُوبٌ أي وحشة وأنشد :

إنَّ طَرِيقَ مِثْقَبٍ لَحُوْبُ

أي وعثٌ صعْبٌ وقال في قول أبي دواد الإياديّ :

يوماً ستُدْرِكُهُ النَّكْبَاءُ والحُوب

أي الوحْشَة. وقال أبو زيد الحُوب النفس. أخبرني المنذريّ عن ثعلبٍ عن ابن الأعرابي قال : يقال عيالُ ابْنِ حَوْبٍ ، قال : والحوب الجهدُ والشدة ، ودعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «رَبِّ تقبَّلْ توبتي واغسل حَوْبتي».

قال أبو عُبيد : حَوْبَتي يعني المأثَمَ ، وهو من قوله جلَّ وعزَّ : (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) [النِّساء : ٢] قال وكُلُّ مأثَمٍ حُوبٌ وحَوْبٌ ،

١٧٣

والواحدة حَوْبَةٌ ، ومنه الحديثُ الآخَرُ. إن رجُلاً أتى النَّبيَّ عليه‌السلام فقال : إني أَتَيْتُكَ لأُجَاهِدَ معك ، قال ألك حَوْبةٌ؟ قال : نعم ، قال : فَفِيها فَجَاهِدْ.

قال أبو عبيد يريد بالحُوْبة ما يأثَمُ به إن ضيَّعَهُ من حُرمَةٍ.

قال وبعض أهل العلم يتأوّله على الأمِّ خاصةً ، وهي كل حُرْمَةٍ تَضِيعُ إن تَرَكَها مِنْ أُمٍّ أَوْ أُخْتٍ أو بِنْتٍ أو غيرِها.

وقال أبو زيد لي فيهم حَوْبَةٌ إذا كانت قَرابةً من قبَلِ الأُمِّ ، وكذلك كل رَحِمٍ مَحْرَمٍ.

وقال الأصمعيّ يقال : بات فلان بِحِيبَةِ سَوءٍ إذا باتَ بِشدّة وحال سيّئة.

ويقال فلان يتحوَّبُ من كذا وكذا أي يتغيَّظ منه ويتوجَّع ، وقال طفيلٌ الغَنَوي :

فَذُوقُوا كما ذُقْنَا غَدَاةَ مُحَجَّرٍ

مِنَ الغَيْظِ في أكْبَادِنَا والتَّحَوُّبِ

قال أبو عبيد : التحوُّب في غير هذا التأَثُّمُ أيضاً من الشيء وهو من الأوَّلِ ، وبعضه قريِب من بْعضٍ.

قال أبو عبيد : والحَوْبَاءُ النفْس ممدودةٌ ساكنةُ الواو. والحابُ والحُوب الإثم مثل الجَال والجُول. ويقَال تحوّب فلان إذا تعبّد كأَنَّه يُلقي الحُوبَ عن نَفْسِه ، كما يقال تأَثَّمَ وتحنَّث إذا ألْقَى الحنْثَ عن نفسه بالعبادة.

وقال الكميت وذكر ذئباً سقاه وأطعمه :

وصُبَّ له شَوْلٌ من الماء غائر

به كَفَّ عَنْهُ الحِيبَةَ المُتَحَوِّبُ

والحيبة ما تتأَثَّمُ مِنْه. والحُوب الهلاكُ وقال الهذليّ أو المهذلية أظنه لامرأة منهم :

وكُلُّ حِصْنٍ وَإِنْ طالَتْ سَلَامَتُه

يوماً سيدْخُلُه النَّكْرَاءُ والْحُوبُ

أي كُلُّ امْرِىءٍ هَالِكٍ وإن طالت سلامَتُه.

أَبُو عبيد يقال أَلْحَقَ الله بك الحَوْبَةَ ، وهي الحاجةُ والمسكنة والفَقْر.

وقال ابن شُمَيْلٍ : إليكَ أَرْفَعُ حَوْبَتِي أي حاجَتِي. والحَوْبَةُ الحاجةُ ، وحَوْبَةُ الأُمِّ على الوَلد تَحَوُّبها ورقَّتُها وتوجُّعُها.

وقال أبو عبيدة : الحَوْبَةُ الهَمُّ والحاجة وكذلك الحِيْبَةُ ، وقال الهذليّ :

ثُمَّ انْصَرَفْتَ ولا أَبُثُّكَ حِيْبَتِي

رَعِشَ العِظَامِ أَطِيشُ مَشْيَ الأصْوَرِ

قال : ويقال : نرفع حَوْبَتَنَا إِلْيكَ أي حاجتَنَا.

ابن السّكِّيت عن أبي عبيدة ، يقال لي في فلان حَوْبَةٌ وبعضُهم يقول حِيبَةٌ ، وهي :الأُمُّ أو الأُخْتُ أو البِنْتُ ، وهي في موضع آخر الهَمُّ والحاجَةُ وأنشد بيتَ الهذليّ.

وروى شمر بإسنادٍ له عن أبي هريرة أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «الرِّبا سبعون حَوْباً أيسرها مثل وقوع الرجل على أمِّه وأربى الرِّبا عِرْض المسلم». قال شمر : قوله «سبعون حوباً» كأَنه سبعون ضَرْباً من الإثم. يقال سمعت من هذا حَوْبَيْن ، ورأيْتُ مِنْه حَوْبَيْنِ. أي فنَّيْنِ وضَرْبَيْنِ.

وقال ذو الرُّمَّة :

١٧٤

تَسْمَعُ في تَيْهاية الأفْلَالِ

حَوْبَيْنِ من هَماهِمِ الأغْوَالِ

أي فَنَّيْنِ وضَرْبَيْنِ ، وروي بيت ذي الرُّمَّةِ بفتح الحاء.

قال الفرّاء : ورأيت بني أَسَدٍ يقولون الحائبُ القاتلُ ، وقد حابَ يَحوبُ.

وقال الفرَّاء : قَرَأَ الحَسَنُ (إنّه كان حَوْبا كبيرا) [النِّساء : ٢] وقرأ قتادة «حُوباً» وهما لغتان ، الضَّمُّ لأهل الحجازِ والفتح لتَميمٍ.

حوأب : قال الليثُ حافِرُ حَوْأَبٌ وَأْبٌ مُقَعّبٌ.

قال : والحوْأَبُ موضِعُ بِئْرٍ نَبَحَتْ كلابُه أم المؤمنين مُقْبَلَها إلى البَصْرة وأنشد :

ما هي إلا شَرْبَةٌ بالحَوأَبِ

فصَعِّدي من بعدِها أو صَوبِّي

أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ : الحَوْأَبَةُ العُلبةُ الضخمة وأنشد :

حَوْأَبةٌ تُنْقِضُ بالضُّلُوعِ

والحَوْأَبُ وادٍ في وهْدَةٍ من الأرض واسعٌ.

بوح : قال الليث : البَوْحُ ظهورُ الشَّيْء ، يقال باح ما كتمت وباح به صاحبُه بَوْحاً وبُؤُوحاً قال ويقال للرجل البَؤُوح بَيِّحَانُ بما في صدْرِه قال والبَاحَةُ عَرْصَةُ الدّار.

ثعلب عن سلمة عن الفرّاء قال نحن في باحة الدار وهو أوسطها ، وكذلك قيل تَبَحْبَحَ فلانٌ في المجد أي أنه في مَجْدٍ.

وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أن أعرابياً من بني بَهْدَلة أنشده :

أعطى فأَعْطَانِي يداً ودَاراً

وباحَةً خَوَّلها عَقَارَا

قال : يداً : جماعة قوْمِه وأنْصَارِه. والبَاحَةُ النخلُ الكثير حكاه عن هذا البهدليّ. قال والباحَةُ باحَةُ الدّارِ وقاعَتُها ونالَتُها قلت وبَحبوحَة الدار منها.

المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي : بَاحَ النومُ وتركْتُهم بُوحاً صَرْعى.

قال الليث : والإباحَةُ شِبْهُ النُّهبَى ، وكذلك استباحوه أي انتهبوه. ومن أمثال العرب ابْنُك ابن بُوحِك أي ابْنُ نفسك لا من تبنّين.

وروى أَبُو العباس عن ابن الأعرابي البُوحُ النفْس ، قال ومعناه ابنُكِ من وَلَدْتِهِ لا من تبنَّيْتِهِ.

وقال غيره بُوحٌ في هذا المثل جَمْعُ بَاحَةِ الدَّارِ ، المعنى ابنُك من وَلَدْتِهِ في بَاحَةِ دَارِكِ ، لا من وُلِدَ في دَارِ غَيْرِك فتبنَّيْتِه.

أبو عبيد عن أبي زيد : وقعوا في دَوْكَةٍ وبُوح أي في اختلاط.

بيح (بياح): قال ابن المظفر : البِيَاحُ : ضربٌ من السمك صغارٌ أمثال شِبْرٍ وهو من أطْيَبِ السمك وأنشد :

يا رُبَّ شيْخٍ مِنْ بَني رَبَاحِ

إذا امتلأ البَطْنُ من البِيَاحِ

صاحَ بلَيْلٍ أَنْكَرَ الصِّيَاحِ

باب الحاء والميم

[ح م (وايء)]

حمى ، حام ، محا ، ماح ، وحم ، ومح ، أمح ، حمأ ، (احمومى).

١٧٥

حمى : قال الليثُ : الحَمْوُ أبو الزّوج وأخُو الزّوج ، وكلُّ مَن وَلِيَ الزَّوْجَ من ذِي قرابته فهم أَحْمَاءُ المرأة ، فَأُمُّ زوجها حَمَاتُها. وفي الحَمْو ثلاث لغات : هو حَمَاهَا مثل عَصَاها ، وحَمُوها مثل أبوها ، وحَمْؤُها مهموز ومقصور.

ابن السكيت عن الأصمعيّ قال : حماةُ المرأة أُمُّ زَوْجِهَا ولا لُغَةَ فيها غيرُ هذه. قال وأمّا أَبُو الزوج فيقال : هذا حَمُوها ، ومررت بِحَمِيها ، ورأيت حَمَاهَا ، وهذا حَمٌ في الانفراد. ويقال : هذا حَمَاها ورأيت حَمَاهَا ومررت بِحمَاهَا ، وهذا حَمًا في الانفراد. وزاد الفراء حَمْؤُهَا ساكنةُ الميم مهموزةٌ ، وحَمُها بترك الهمزة ، وأنشد :

هي ما كَنَّتِي وتَزْ

عُمُ أَنّي لها حَمُ

وقال : وكل شيء من قِبَل الزوجِ أَبُوه أو أَخُوه أو عَمُّه فهم الأَحْمَاءُ.

وقال رجل كانت له امرأةٌ فطلّقها وتزوّجها أَخُوه فأنشأ يقول :

لقد أَصْبَحَتْ أسماءُ حِجْراً مُحَرَّماً

وأصبحْتُ من أَدْنَى حُمُوَّتِها حَمَا

أي أصبحتُ أخا زَوْجِها بعد ما كنتُ زَوْجَها.

وفي حديث عمر أَنَّهُ قال : ما بَالُ رجَالٍ لا يزَالُ أَحَدُهم كاسراً وِسَادَهُ عند مُغْزِيَةٍ يتحدّث إليها؟ عليكم بالجَنْبَةِ.

وفي حديث آخَرَ : «لا يدخُلَنّ رجلٌ على امْرأةٍ وإن قيل حَمُوها ، أَلَا حَمُوها المَوْتُ». قال أبو عُبيد في تفسير الحَمْو ولغاتِه عن الأصمعيّ نحواً مما ذكره ابنُ السكّيت.

قال أبو عبيد : وقوله «أَلَا حَمُوها الموتُ» يقول فَلْتَمُتْ ولا تَفْعَلْ ذلك ، فإذا كان هذا رَأْيَه في أبي الزَّوْجِ وهو مَحْرَمٌ فكيف بالغريب؟

قلت : وقد تدبّرت هذا التفسيرَ فلم أَرَهُ مُشَاكِلاً للفظ الحديث.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال في قوله : «الْحَمْو الموتُ». هذه كلمةٌ تقولها العربُ كما تقول : الأسَدُ المَوْتُ ، أي لِقَاؤُه مثل الموْتِ ، وكما تقول السلطانُ نَارٌ ، فمعنى قوله : «الحَمْو المَوْتُ» أي أن خَلْوة الحَمْو معها أشد من خَلْوةِ غيره.

قُلْتُ : كَأَنَّهُ ذهبَ إلى أنّ الفسادَ الذي يَجْرِي بين المَرْأةِ وأحْمَائِها أشَدُّ من فسادٍ يكون بَيْنَها وبين الغريبِ ، ولذلك جعله كالمَوْتِ.

ورَوَى أبو العباس عن أبي نصر عن الأصمعي أنه قال : الأَحْمَاءُ من قِبَلِ الزَّوْجِ والأَخْتَانُ من قِبَلِ المرأة.

وهكذا قالَ ابْنُ الأعرابيّ ، وزاد فقال : الحَمَاةُ أُمُّ الزوْج والخَتَنَةُ أُمُّ المرأة. قال وعلى هذا الترتيبِ العباسُ وعليٌّ وحمزةُ وجعفرٌ أحْمَاءُ عائشة.

١٧٦

وقال الليث : الحماة لَحْمة مُنْتَبِرَة في باطن الساق.

وقال الأصمعيّ : الحَمَاتَان : اللَّحْمَتانِ اللَّتان في عُرْض الساق تُرَيَان كالعصَبَتيْن من ظاهرٍ وباطنٍ.

وقال ابنُ شميل : هما المُضْغَتَانِ المنْتَبِرَتان في نِصْفِ السَّاقين من ظاهرٍ.

وقال الأصمعيُّ في الحوافر : الحَوَامِي وهي حُرُوفُها من عن يمينٍ وشِمَالٍ.

وقال أبو داود :

له بَيْنَ حَوَامِيِه

نُسُورٌ كَنَوَى القَسْبِ

وقال أبو عبيدة : الحاميتان ما عن يمينِ السُّنْبُك وشِمَاله.

وقال الليث : الحِمَى موضع فيه كَلأٌ يُحْمَى من الناس أن يُرْعَى.

وقال الشافعيّ في تفسير قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا حِمَى إلا للهِ ولرسوله». كان الشريفُ من العرب في الجاهليَّة إذا نزل بلداً في عشيرته استعوى كلباً فَحَمَى لخاصّتَهِ مَدَى عُوَاء ذلك الكلْبِ ، فلم يَرْعَهُ معه أحَدٌ وكان شريكَ القوم في سائر المراتع حوله. قال : فنهى النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يُحْمَى على الناس حِمىً كما كانوا في الجاهليَّة يَحْمُون. قال وقوله : «إلّا لله ولرسوله» يقولُ إلّا ما يُحْمَى لخيل المسلمين وركابهم المُرْصَدَةِ لجهادِ المشركين والحملِ عليها في سبيل الله ، كما حَمَى عُمَرُ النَّقِيعَ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ والخَيْلِ المعَدَّةِ في سبيل الله.

وقال الأصمعيّ : يُقَالُ حَمَى فلانٌ الأرض يَحْمِيها حِمىً إذا مَنَعها من أن تُقْرَبَ. ويقال أحْمَاها إحْمَاءً إذا جعلها حمىً لا تُقْرَب. قال : وأحْمَيْتُ الحديدةَ فأنا أُحْمِيها إحْمَاءً حتى حَمِيَتْ تَحْمَى ، وكذلك حَمِيَتِ الشمس تَحْمَى حَمْياً.

وقال ابن السكّيت : أحْمَيْتُ المسمار إحْماء فأنا أحْمِيه ، وهذا ذَهَبٌ جيِّدٌ يخرج على الإحماء ولا يقال على الحَمَى لأنه من أَحْمَيت. ويقال حَمَيْت المريض وأنا أحْمِيه من الطّعام ، وحَمَيْتُ القومَ حِمايةً ، وحَمَى فلانٌ أنْفَهُ يحمِيه حَمِيَّةً ومَحْمِيَةً ، وفلانٌ ذُو حَمِيَّةٍ مُنْكَرَةٍ إذا كان ذَا غَضَبٍ وأنَفَةٍ ، وحَمَى أهْلَهُ في القِتال حِمايةً.

وقال الليثُ : حَمِيتُ من هذا الشيء أحْمَى منه حَمِيّةً أي : أنفاً وغيظاً ، وإنه لرجل حَمِيٌ لا يَحْتَمِلُ الضَّيْم ، وحَمِيُ الأنْف ، ويقال : احْتَمَى المريضُ احْتِماءً من الأطْعِمة. والرجلُ يَحْتَمِي في الحرْب إذا حَمَى نفْسه ، وحَمِيَ الفرسُ إذا عَرِق يَحْمَى حَمْياً وحَمَى الشَّدُّ مثلَه.

وقال الأعشى :

كأَنَّ احْتِدامَ الجَوْفِ من حَمْيِ شَدِّهِ

وما بَعْدَهُ من شَدِّهِ غَلْيُ قُمْقُمِ

ويجمع حَمْيُ الشَّدِّ أحْماءً.

وقال طرفة :

فهي تَرْدِي وإذا ما فَزِعَتْ

طَارَ من أحْمَائِها شَدُّ الأُزُرْ

١٧٧

ويقال إن هذا الذهب والفضة ونحوها لحسن الحَمَاءِ ، ممدود أي خرج من الحَماء حسناً.

قال والحامِيَةُ الرجلُ يحمي أصْحابَه في الحَرْب. يقال : كان فلانٌ على حامِيَةِ القوْم أي آخِر من يَحْمِيهم في انْهِزَامِهم ، والحامية أيضاً جَمَاعَةٌ يَحْمُون أنْفُسَهم.

وقال لبيد :

ومَعي حَامِيةٌ من جَعْفَرٍ

كلَّ يَوْمٍ نَبْتَلي ما في الخِلَلْ

قال : والحامية الحِجَارةُ يُطْوَى بها البِئْرُ.

شمر عن ابن شميل : الحوامِي عِظَامُ الحِجَارَةِ وثِقَالُها. والواحدة حامِيَةٌ ، والحَوَامِي : صَخْرٌ عِظَامٌ تُجعل في مآخيرِ الطَّيِّ أن ينْقَلِع قُدُماً ، يحفِرون له نِقَارَا فيغمِزُونه فيها ، فلا يَدَعُ تراباً ولا شَيْئاً يدْنُو من الطّيّ فيدفعه.

وقال أبو عمرو : الحَوَامِي ما يحميه من الصخْر ، واحِدُها حامِيَةٌ.

وقال ابن شميل أيضاً حِجَارَة الركِيَّة كلّها حوامِ ، وكلُّها على حِذَاءٍ واحدٍ ليس بعضُها بأعظَم من بعض.

قال : والأثافِي الحوَامِي الواحدة حامية وأنشد :

كأنَّ دَلْوَيَّ تَقَلَّبَانِ

بينَ حَوَامِي الطَّيِّ أَرْنَبَانِ

وقال الليث : يقال مَعْنى فلان في حَمِيَّته أي في حَمْلته.

الأصمعيّ : يقال سارت فيه حُمَيَّا الكأْسِ يعني سَوْرَتَها ، ومعنى سارت ارْتَفَعَتْ إلى رَأْسِه.

وقال الليثُ : الْحُمَيَّا بلوغُ الخمر من شارِبها.

وقال أبو عبيد : الحُمَيَّا دَبِيبُ الشراب.

وقال شمر : حُمَيَّا الْخَمْرِ سَوْرَتُها. وحُمَيَّا الشيء حِدَّتُه وشِدَّتُه. ويقال : إنه لشديد الحُمَيَّا أي شديد النفْس.

وقال الأصمعيّ : إنه لحامي الحميَّا أي يَحْمِي حوزته وما وَلِيَه ، وأنشد :

حَامِي الحُمَيَّا مَرِسُ الضَّرِيرِ

وقال الليث : الحُمَّةُ في أفواه العامة إبْرَةُ العقرب والزُنْبور ونحوه ، وإنما الحُمَةُ سُمُّ كلِّ شيء يَلْدَغُ أو يَلْسَعُ.

وقال شمر : الحُمَة السم قال وناب الحية جَوْفاء وكذلك إبرة العَقْرَب والزنبور ومِنْ وَسَطِها يخرج السُّمُّ.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : يقال بِسُمِّ العقرب الحُمَةُ والحُمّة.

قلت : ولم أسمع التشديد في الحُمَة لغير ابن الأعرابيّ ولا أحسبه رَوَاه إلا وقد حفِظه عن العرب. الليث احْمَوْمَى الشيءُ فهو مُحْمَوْمٍ ، يوصف به الأسوَدُ من نحوِ اللَّيْلِ والسحاب.

وقال الأصمعي : المُحْمَوْمِي من السحاب الأسود المتراكم.

حمأ : الأصمعي : يقال حَمِئَتِ الركيَّةُ فهي تَحْمأُ حَمَأً إذا صارت ذات حَمَأٍ وأحْمَأُتُها أَنَا إحْمَاءً إذا نقيتها من حَمَأَتِها.

١٧٨

قال : وحَمَأْتُها إذا ألقيت فيها الحمْأةَ.

قلت : ذكر هذَا الأصمعيُّ في كتاب «الأجنَاس» كما رواه الليث. وليس بمحفوظٍ ، والصواب ما أخبرنا المنذريُّ عن الحرَّاني عن ابن السكّيت.

قال : أحْمَأْتُ الركيَّة بالألف إذا ألقيت فيها الحَمْأَة وحَمَأْتُها إذا نزعت حَمْأَتَها ، وكذلك رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عن اليزيديّ : حَمَأْت البِئْر إذا أخرجْتَ حَمْأَتَها.

قال : وأَحْمَأْتُها جعلتُ فيها حَمَأَةً ، وافق قولُ ابن السكيتِ قولَ أبي عبيد عن اليزيديّ. وقرأتُ لأبي زيد : حمأت الركيَّة جعلتُها حَمِئَةً. وقرأ ابن عباس : (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) [الكهف : ٨٦] بالهمز.

ورواه الفرَّاء عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس نحوَه.

قال الفراء : قرأَ ابن مسعود وابن الزبير (حَامِيَةٍ).

وقال الزجّاج : (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أي في عين ذات حَمْأة.

يقال : حَمِئَتْ فهي حَمِئَة إِذا صارت فيها الحَمْأَةُ. ومن قرأ «حَامِيَةٍ» ، بغير همزٍ أراد حارَّةً ، وقد تكون حارَّةً ذاتَ حمأةٍ.

أبو عبيد عن الفراء : حَمِئْتُ عليه حَمَأً ، مهموزٌ وغيرُ مَهْمُوزٍ ، أي غَضِبْتُ.

وقال اللحيانيُّ : حَمِيتُ في الغضب أَحْمَى حُمِيّاً ، وبعضهم حَمِئْتُ في الغضب بالهمْز.

أمح : في «النوادر» : أَمَحَ الجُرْحُ يأْمِحُ أَمَحَاناً ونَبَذَ وأَزَّ وذَرِبَ إذا ضَرَبَ بِوَجَعٍ ، وكذلك نَبَغَ ونَتَع.

محا : قال الليث : المَحْوُ لِكُلّ شيء يذهبُ أثَرُه ، يقول : أنَا أمْحُوه وأمْحَاهُ وطيّىء تقول : مَحَيْتُه مَحْياً ومَحْواً. وامَّحَى الشيءُ يَمَّحِي امِّحَاءً. وكذلك امْتَحَى إذا ذهب أثره ، الأجود امَّحَى ، والأصل فيه انْمحى. وأمَّا امْتَحى فَلُغَةٌ رَديئة الخ.

أبو عبيد عن الفراء : أصبحت الأرض مَحْوَةً واحِدَةً إذا تغطَّى وجهها بالماء.

قال أبو عبيدٍ : وقال الأصمعي : من أسماء الشَّمال مَحْوَة غيرُ مصروفة.

وقال ابن السكّيت : هبَّت مَحْوَةُ اسم للشَّمال معرفة وأنشد :

قد بَكَرَتْ مَحْوَةُ بالعَجَاجِ

فَدَمَّرَتْ بَقِيَّةَ الرَّجَاجِ

وقال غيره : سميت الشّمال مَحْوةَ لأنها تمحو السحاب وتَقَشَعُهَا.

وقال أبو زيد : تركبُ السماءُ الأرض محوةً واحدةً إذا طبَّقها المَطَر. والمَحِي من أسماء النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، محا الله بِهِ الكُفْرَ وأثره. وهكذا رُوِي في حديثِ مرفوع.

حوم : قال الليث : الحَوْمُ القَطِيع الضَّخْمُ من الإبل. قال : والحَوْمَةُ أكثرُ موضِعٍ في البَحْرِ ماءً ، وأغْمَرُهُ ، وكذلك في الحوض.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : حَوْمَةُ القتال : مُعْظَمُه ، وكذلك من الرَّمْلِ وغيره قال : وقال أبو عبيدة : الحَوْمُ الكثير من الإبل.

١٧٩

وقال الليث : الحَوَمَانُ دومان الطير يَدُومُ ويَحُومُ حَوْلَ المَاءِ. غيره : هو يَحُوم حول الماء ويَلوبُ إذا كان يَدُور حولَه من العطش.

وقال الليث : الحوائم الإبل العِطَاشُ جِدّاً ويقال : لكل عطشان حائمٌ ، وهامَةٌ حائِمةٌ قد عَطِش دِمَاغُها.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : الحُوَّمُ من الإبل العطاشُ التي تَحُوم حولَ الماءِ.

قال أبو بكر : قال الأصمعي في قول علقمة بن عَبَدة :

كأسُ عزيزٍ من الأعنابِ عَتَّقَها

لِبَعْضِ أَربَابِها حَانِيَّةٌ حُومُ

قال الحُومُ الكثيرة.

وقال خالد بن كلثوم : الحُومُ التي تحوم في الرَّأس أي تدور.

وقال الليثُ : الحَوْمَانُ نباتٌ يكون بالبادية.

قلت : لم أسمع الحَوْمانَ في أسماء النبات لغير الليث ، وأظنه وهْماً منه. وقرأت بخط شمر لأبي خيرة قال : الحَوْمَان واحدها حَوْمَانَةٌ شَقائِقُ بين الجبال ، وهي أطيب الحُزُونة ولكنها جَلَد ليس فيها إِكام ولا أبارِق.

وقال أبو عمرو : ما كان فوق الرَّمْلِ ودونه حين تصعده أو تهبِطه.

وقال الأصمعيّ : الحَوْمَانَةُ وجمعها حَوَامِينُ ، أماكِنُ غِلاظٌ مُنْقَادَةٌ.

قلت : وَرَدْتُ رِكيَّة واسعةً في جَوٍّ واسع يلي طرَفاً من أطْرَاف الدق يقال لها الحَوْمانة ولا أدري الحومانة فوعال من فعل حَمَنُ أو فَعَلان من حَام.

وقال زهير :

بحَوْمَانَةِ الدَّرَّاج فالمُتَثَلَّم

ميح : قال الليث : المَيْحُ في الاستِقَاءِ أن ينزِلَ الرجُل في قرار البِئْرِ إذا قلَّ ماؤُها فيملأ الدَّلْوَ ، يَمِيحُ فيها بيده ويَمِيحُ أصحابَه ، والجميع مَاحَةٌ.

وفي الحديث أنهم وردوا بئْراً ذَمَةً أي قليلاً ماؤُها. قال ونزلنا فيها ستّةً مَاحَةً.

وأنشد أبو عبيد :

يا أَيُّها المَائِحُ دَلْوِي دُوْنَكَا

إني رأيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكا

وقال الليث : المَيْحُ يجري مَجْرَى المنفعة ، وكل من أعطَى معروفاً فقد مَاحَ.

والمُيُوحَةُ ضرْبٌ من المشي في رَهْوجة حَسَنة.

وأنشد :

ميَّاحة تميح مَشْياً رَهْوَجَا

قال : والبطّة مَشْيُها المَيْحُ ، وأنشد لرؤبة :

من كُل مَيَّاحٍ تَرَاهُ هَيْكَلا

أرْجَلَ خِنْذِيذٍ وغَيْرِ أرْجَلَا

قال : وقد ماحَ فَاه بالسِّوَاكِ يَمِيحُه إذا شَاصَه وماصَه.

أبو العبَّاس عن ابن الأعرابيّ : ماح إذا استَاك ، وماح إذا تبخْتَر ، وماح إذا أفْضَل ، ويقال امْتَاحَ فلانٌ فلاناً إذا أتاه يطلب فَضْلَه فهو مُمْتَاحٌ وامْتَاحت الشمس ذِفْرَي البعير إذا استَدَّرت عَرَقَه.

وقال ابن فَسْوَة يذكر مُعَذّر ناقته :

١٨٠