تهذيب اللغة - ج ٥

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٠

أَرَحْتُ على الرجل حَقَّه : إذا ردَدْتَه عليه.

وقال الليث : الإراحة : ردُّ الإبل بالعَشِيّ إلى مُراحِها حيث تأوِي إليه ليلاً. وقد أراحها راعيها يُريحها. وفي لغة هَراحها يُهَرِيحها.

وقال الأصمعي : أَرَاح اللحْم وأَرْوَح إذا تغيّر وأَنْتَنَ. وأصبح بعيرك مُريحاً أي مُفِيقاً ، وأنشد ابن السكيت :

أراح بعد النَّفَسِ المَحْفُوزِ

إراحَةَ الجِدايَةِ النَّفُوزِ

يوم راحٌ وليلة رَاحَةٌ وقد راحَ وهو يَرُوح رَوْحاً وبعضهُم يَرَاحُ ، فإذا كان اليومُ رَيْحاً طيّباً قبل يَوْمٌ رَيّحٌ وليلة ريِّحةٌ ، وقد رَاحَ وهو يَروحُ رَوْحاً. قال : ورَاحَ فلانٌ يَرُوح رَوَاحاً من ذهابِه أَوْ سيْرِه بالعشيّ ، وراح الشجرُ يَرَاحُ إِذا تَفَطَّر بالنَّبَاتِ. ورَاحَ رِيحَ الروضة يَرَاحُها. وإنّ يديه لتَرَاحَانِ بالمعروف. ورَاحَ فُلانٌ فهو يَرَاحُ رَاحماً ورُؤُوحماً. وارْتاح ارْتِيَاحاً إذا أَشْرَف لذلك وفَرِحَ به. ويقال أصابَتْنَا رائحةٌ أي سماءٌ ، وراحةُ البْيتِ ساحتُه وراحةُ الثَّوْبِ طَيُّه. والرَّوَاحَةُ القطيعُ من الغنم وأَرِحْ عليه حَقّه أي رُدَّه.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «من قتل نفْساً مُعَاهَدة لم يَرِحْ رائحة الجنّة». قال أبو عبيد : قال أبو عمرو هو من رِحْت الشيء أَرِيحُه إذا وجدتَ ريحه. قال وقال الكسائيّ : إنما هو لم يُرِح رائحةَ الجنّة من أَرْحتُ الشيءَ فأنا أُريحُه إذا وجدتَ ريحه. وقال الأصمعيُّ : راحَ الرجلُ ريحَ الرَّوْضَةِ يَرَاحُها ، وأَرَاح يُرِيحُ : إذا وَجَدَ ريحها. قال : ولا أدري هو من رِحْت أم من أَرَحْت. وقال أبو عبيد : أُرَاه لم يَرَح ، بالفتح وأنشد قول الهذليّ :

وماءٍ وَرَدْتُ على زَوْرَةٍ

كَمَشْيِ السَّبَنْتَى يَرَاحُ الشَّفِيفَا

وقال أبو زيد : أرْوَحني الصيدُ والضَّبُ إرواحاً وأنشأني إنشاءً إذا وَجَدَ رِيحك ونشْوَتك. وكذلك أَرْوَحتْ من فلان طيباً وأنْشَيْتَ منه نَشوة. وقال أبو زيد : راحَت الإبل تَرَاحُ رَاحَةً ، وأرحْتُها أَنَا ، ورَاحَ الفرسُ يَرَاحُ رَاحَةً إِذا تحصّن. قلت : قوله تَراحُ رائحةً مصدرٌ على فاعِلة. وسمعتُ العرَبَ تقول : سمعت راغِيةَ الإبل وثَاغِيةَ الشاة أي سمعت رُغَاءَها وثُغَاءَها. ويقال : راحَ يومُنَا يَرَاحُ إذا اشتدت ريحُه. وقال الأصمعيّ : يقال : فلان يَرَاحُ للمعروفِ : إذا أخذتْه أريحيَّةٌ وخِفَّةٌ وقد رِيح الغدير إذا أصابته ريحٌ فهو مَرُوحٌ. وراحت يدُه بالسَّيْفِ أي خفت إلى الضرب به وقال الهذلي :

تَرَاحُ يَدَاهُ بِمَحْشُورَةٍ

خَواظِي القِدَاح عِجَافِ النِّصَالِ

وقال الليث : رَاحَ الإنسانُ إلى الشيءِ يَرَاحُ إذا نشِط وسُرَّ به ، وكذلك ارْتَاح ، وأنشد :

وزَعَمْتَ أنّكَ لا تَرَاحُ إلى النِّسا

وسَمِعْتَ قِيلَ الكاشِحِ المُتَرَدِّدِ

قال : ونَزَلَتْ بفلانٍ بَلِيَّةٌ فارتاح الله لَه برحْمته وأنْقَذَهُ منها. وقال رؤبة :

١٤١

فارْتَاحَ ربِّي وأراد رَحْمَتِي

ونِعْمَةً أتَمَّهَا فتَمَّتِ

وتفسير ارتاح أي نظر إليّ ورحمني. قلت وقول رؤبة في فعل الخالق جل وعز ارتاح قاله بأَعْرَابِيَّتِه ونحن نستوحش مِنْ مِثْلِ هذا اللفظ في صفته لأن الله جلّ وعزّ إنما يُوصف بما وصَفَ به نَفْسه ، ولولا أن اللهَ هدانا بفضله لتحميده وحَمْدِه بِصِفاته التي أنْزَلَ في كتابِه ما كنّا لِنَهْتَدِي لها أو نَجْتَرِئَ عَلَيْهَا.

وقال الليث : الأريحيُ الرجل الواسع الخُلُق البسيط إلى المعروف يَرْتَاح لما طلبْتَ إليه ويراحُ قلبُه سروراً به.

وقال أبو عُبيد : الأريحيُ الذي يرتاح للنَّدى.

وقال الليث : يقال لكل شيء واسع أَرْيَحُ وأنشد :

ومَحْمِلٌ أَرْيَحٌ حَجَّاجِيّ

قال : وبعضهم مَحمل أَرْوَحُ ، ولو كان كذلك لكان قَدْ ذَمَّه لأن الرَّوَحَ الانْبِطَاحُ وهو عيْبٌ في المحْمِل.

قال والأرْيَحيُ : مأخوذٌ من رَاح يَرَاح ، كما يقال للصَّلْت المُنْصَلِت أَصْلَتيُّ وللمجتنب أَجْنَبِيُّ.

قال : والعرب تحمِلُ كثيراً من النعت على أَفْعَلِيّ فيصير كأنّه نسبةٌ.

قلت أنا : كلام العرب رجل أَجْنَبُ وجَانِبٌ وجُنُبٌ ، ولا تكاد تقول رجل أَجْنَبِيُّ.

وقال الليث وغيره : الرَّاحُ : الخمْرُ ، اسمٌ له وقول الهذليّ :

فَلَوْتُ عنه سُيوفَ أَرْيَحَ حَتى

بَاءَ كَفِّي ولم أَكَدْ أَجِدُ

أَرْيَحُ حتيٌّ من اليمن ، باء كفي صارَ كفي له مَبَاءَةً أي مَرْجِعاً ، وكفّي موضع نصب لم أكد أجد لعزّته.

قال : الاسترواح : التشمر ، قال : والغصن يسترْوِح إذا اهْتَزَّ ، والمطر يسترْوح الشجرَ أي : يُحْيِيه.

قال : والرِّيَاحَةُ أن يَرَاحَ الإنسانُ إلى الشيء يَنْشَطُ إِليه.

وقال الفرّاء في قوله (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ ١٢) [الرَّحمن : ١٢] ، الريحان في كلام العرب الرِّزْقُ ، يقولون خرجْنَا نطلب رَيْحانَ اللهِ ، أي رِزْقَه.

وقال أبو إسحاق في قوله : (ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) ذو الوَرقِ ، والرزقُ ، والعرب تقول سبحانَ اللهِ ورَيْحَانُه. قال أهْلُ اللُّغَةِ : معناه واستِرْزَاقُه.

قال النمر بن تولب :

سَلَامُ الإِلهِ ورَيْحَانُهُ

ورَحْمَتُه وسَمَاءٌ دِرَد

قالوا معنى قوله : وريحانهُ ورزْقُه. قال أبو عبيدة وغيرُه قال وقيل الرَّيحانُ ههنا هو الرَّيْحَانُ الذي يُشَمُّ. قال وقوله : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) [الواقِعَة : ٨٩] معناه فاستِراحَةٌ وبَرْدٌ وريحان رِزْقٌ. قال : وجائز أن يكون رَيْحَانٌ ههنا تحيةً لأهْلِ الجنَّة قال : وأجمع النحويّون أن ريحان في اللغة من

١٤٢

ذوات الواو ، والأصل رَيْوَحَان فقلبت الواوُ ياءً وأدغمتْ فيها الياءُ الأولى فصارت الرّيحان ، ثم خفّفت ، كما قالوا ميِّت وميْت ، ولا يجوز في ريحان التشديدُ إلا على بُعد لأنّه قد زيد فيه ألِف ونون ، فَخُفِّف بحذف الياء وأُلْزِم التخفيفَ. وقال الليث : الرَّيْحانُ : اسم جامعٌ للرياحِينِ الطيّبة الرِّيحِ. والطاقَةُ الواحِدَةُ رَيْحَانَةٌ ، قال : والرَّيْحَانُ : أطراف كل بقلةٍ طيّبةِ الرِّيح إذا خرج عليه أوائل النَّوْر. قال : والرَّوَاحُ : العَشِيُّ ، يقال : رُحْنَا رَوَاحاً : يعني السير بالعَشِيّ ، وسار القومُ رَوَاحاً ، ورَاحَ القوم كذلك. قال والرَّوَاح من لدن زَوالِ الشمْس إلى الليل. يقال : رَاحُوا يَفْعلون كذا وكذا ، ويقال : ما لِفلانٍ في هذا الأمر من رَوَاحٍ أي من رَاحته وقال الأصمعيّ : أفعل ذاك في سَرَاحٍ وَرَواحٍ ، أي في يُسْرٍ ، ووجدت لذلك الأمرِ رَاحةً أي خِفَّةً أبو عبيد عن أصحابه : خرجوا برِياح من العَشِيِّ بكسر الراء ، وَبِرَوَاحٍ من العشي وأَرْوَاح ، قال : وعشيَّةٌ رَاحَةٌ. قلت : وسمعت العرب تستعمل الرَّوَاح في السيرِ كُلَّ وقْتٍ ، يقال رَاحَ القوْمُ إذا سارُوا وغَدَوْا كذلك. ويقول أحدُهم لصاحبه تَرَوَّحْ ويخاطب أصحابه فيقول رُوحُوا أي سيروا. ويقول لهم ألا تَرُوحُون ومِنْ ذلك ما جاء في الأخبارِ الصحيحة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أَنه قال : «من رَاحَ يَوْمَ الجُمُعَةِ في الساعة الأولى فله كَذَا ، ومن راح في الساعةِ الثانية» ، المعنى فيها : المُضِيُّ إلى الجمعةِ والخِفَّةُ إليها لا بمعنى أَنها الرَّوَاحُ بالعَشِيّ. وإذا قالت العرب راحت النَّعَمُ رائحة فَرَوَاحُهَا ههنا أن تأْوِي بعد غيوب الشمس إلى مُرَاحها الذي تبيت فيه. وقال أبو زيد سمعت رَجُلاً من قيس وآخَرَ من تميم يقولان قَعدْنا في الظّل نلتمس الرَّاحَة والرَّوِيحةَ والرائحةَ بمعنىً واحدِ. أبو عبيد : إذا طال النبْتُ قيل تروّحت البُقول ، فهي مُتَروِّحةٌ. وقال الليث : المَرَاحُ الموضع الذي يَرُوح مِنْه القوم أو يَرُوحُون إليه كالمَغْدى قال وقول الأعشى :

ما تَعِيفُ اليومَ في الطيرِ الرَّوَحْ

من غُرابِ البَيْن أَوْ تَيْسٍ بَرَحْ

قال أراد الرَّوْحة مثل الكَفْرَة والفَجْرَة فطرح الهاء قال : والرَّوَحُ في هذا البيت المتفرِّقةُ.

قال : والمُرَاوَحة عملان في عَمَلٍ ، يُعْمل ذا مَرّةً وذا مَرّةً ، كَقول لبيد :

يُرَاوِحُ بينَ صَوْنٍ وابْتِذَالِ

قلت : ويقال فلان يُراوِحُ بين قَدَمَيْه إذا اعتمد مرّةً على إحداهما ، ثم اعتمد على الأخرى مرّةً ، ويقال هما يتراوحان عملاً أي يتعاقَبَانِه ، ويَرْتَوِحان مثلَه.

وفي حديث النَّبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أَنَّه نهى أن يكتحل الرجلُ بالإثْمِد الْمُرَوَّح.

قال أبو عبيد : المروَّح المطيَّب بالمسك وقال مروّح بالواو لأن الياء في الريح واو ، ومنه يقال تروّحْت بالمِرْوَحَةِ.

وقال الأصمعيّ : ذَرِيرَةٌ مُرَوَّحَةٌ أي مطيَّبَةٌ وَرَوِّح دُهنك بِشَيْءٍ فتجعل فيه طِيباً. ويقال

١٤٣

فلان بِمَرْوَحَةٍ أي بِمَمَرِّ الريح. والمِرْوحة بكسر الميم التي يُتَرَوَّح بها.

شمر عن ابن شميل : الرَّاحة الأرض المستوية فيها ظهورٌ واستواءٌ تُنْبِتُ كثيراً ، جَلَدٌ من الأرض وفي أماكن منها سهولٌ أو جراثيمُ ، وليست من السيل في شيء ولا الوادي. وجمعها الرّاح ، كثيرة النَّبْتِ.

أبو عبيدة : يقال أتانا فلانٌ وما في وجهه رائحة دَمٍ من الفَرَق ، وذو الرَّاحَة سيفٌ كان للمختار بن أبي عبيد.

وقال ابن الأعرابيّ في قوله : دَلَكَتْ بِرَاحٍ قال معناه أستريح منها ، وقال في قول القائل :

مُعَاوِيَ مَنْ ذَا تَجْعَلُونَ مكانَنَا

إذا دَلَكَتْ شمسُ النَّهارِ بِرَاحِ

يقول إذا أظلم النّهار واستُريح من حرّها يعني الشمسَ ، لما غشيها من غَبَرة الحرب فكأنها غاربة كقوله :

تَبْدُ كَواكِبُه والشمسُ طَالِعةٌ

لا النُّورُ نُورٌ ولا الإِظْلَامُ إِظْلَامُ

وقيل : دَلكَتْ بِرَاحٍ أي غَرُبت ، والناظر إِليها يَتَوَقَّى شُعاعَها براحَتِه.

وقال أبو بكر بن الأنباري الرُّوح والنَّفْس واحِدٌ ، غيرَ أن الرُّوح مذكَّر والنفْس مؤنثة عند العرب.

قلت : وقد أَلَّفْتُ في الرُّوح وما جاء فيه في القرآن والسنة كتاباً جامعاً واقتصرت في هذا الكتاب على ما جاء عن أهل اللُّغَةِ مع جوامعَ ذكرتُها للمفسّرين. فأمّا قول الله جلَّ وعزَّ : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسرَاء : ٨٥] فإن المنذريَّ أخبرنا عن محمد بن موسى النَّهرتيري عن أبي مَعْمَرٍ عن عبد السلام بن حرب عن خُصَيْفٍ عن مُجاهد عن ابن عباس في قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) قال إن الروح قد نزل من القرآن بمنَازِلَ ولكن قولوا كما قال الله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسرَاء : ٨٥] ورُوِي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن اليهود سأَلُوه عن الرُّوح فأنزل الله هذه الآية.

وأخبرني المنذري عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء أنه قال في قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) قال من عِلْمِ ربّي أي أنكم لا تعلمونه.

قال الفراء : والرُّوحُ هو الذي يعيش به الإنسانُ لم يُخْبِر اللهُ به أَحداً من خلقه ، ولم يُعْطِ عِلْمَه العِبادَ.

قال : وقوله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [الحِجر : ٢٩] فهذا الذي نَفَخَه في آدمَ وفينا لم يُعْطِ علمه أحداً من عباده.

قال : وسمعت أبا الهيثم يقول الرُّوحُ إنما هو النَّفَسُ الذي يتنفَّسُه الإنسان ، وهو جَارٍ في جميع الجسد فإذا خرج لم يتنفَّسْ بعد خروجه وإذا تَتَامَّ خُروجه بقي بصره شاخصاً نحوه حتى يُغَصَّ وهو بالفارسية جان. قال : وقول الله جلَّ وعزَّ في قصة مريم : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [مريم : ١٧] قال : أضاف الرُّوحَ المُرْسَلَ إلى مَرْيم إِلى نفسه كما تقول : أَرْضُ اللهِ وسماؤُه.

١٤٤

قال : وهكَذا قوله لملائِكَتِهِ : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [ص : ٧١ ، ٧٢] ومثله (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) [النِّساء : ١٧١] والرُّوحُ في هذا كلِّه خَلْقٌ من خلْق الله لم يُعْطِ علمه أحداً.

وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال في قول الله جلَّ وعزَّ : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشّورى : ٥٢] قال : هو ما نَزَل به جبريل من الدّين فصار يُحْيِ به الناسَ ، يعيشُ به الناسُ. قال : وكلُّ ما كان في القُرآن فَعَلْنَا فهو أَمْرُه بأعْوانه أَمَرَ به جبريلَ وميكائيلَ وملائكتَه ، وما كان فعلْتُ فهو ما تفرَّد به. قال : وأمَّا قوله (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [البَقَرَة : ٨٧] فهو جبريلُ عليه‌السلام.

وقول الله : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) [النّبَإ : ٣٨] قال ابن عباس : الرُّوح مَلَكٌ في السَّماء السابِعة وَجْهُه على صُورَةِ الإنسان وجَسَدُهُ على صُورَةِ الملائكة. وجاء في التفسير أن الرُّوحَ هَهُنا جِبْرِيلُ.

قال وقال ابن الأعرابيّ : الرُّوْح الفَرَحُ ، والرُّوح القرآنُ ، والرُّوح الأَمْر ، والرُّوح النفْس.

ويقال : هذا الأمر بيننا رَوْحٌ ورِوَحٌ وعَوَرٌ إذا تَرَاوَحُوه وتعاوَرُوه.

قال أبو العباس : وقوله جلَّ وعزَّ : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [غَافر : ١٥] وقوله (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) [النّحل : ٢] هذا كله معناه الوحْيُ ، سُمِّي رُوحاً لأنه حياةٌ مِنْ مَوْتِ الكُفْرِ فصار يَحْيَا به النَّاسُ كالرُّوح الذي يَحْيَا به جَسَدُ الإنسان. وقوله (فرُوح وريحان) [الواقِعة : ٨٩] على قراءة من قَرأَ بضَم الرّاء ، فتفسيرُه فحياةٌ دائِمَةٌ لا موتَ مَعَها. ومن قال «فَرَوْحٌ» فمعناه فاستِرَاحَةٌ. وأمَّا قول الله جلَّ وعزَّ : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) [المجَادلة : ٢٢] فمعناه بِرَحْمَةٍ منه ، كذلك قال المفسرون. وقد يكون الرَّوْح أيضاً بمعنى الرَّحْمَة قال الله جلَّ وعزَّ : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) [يوسف : ٨٧] أي من رحمة الله ، سمّاها رَوْحاً ؛ لأن الرَّوْح والرَّاحَةُ بها. قلت وكذلك قول الله جلَّ وعزَّ في عيسى : (وَرُوحٌ مِنْهُ) [النِّساء : ١٧١] أي رحمةٌ منه تبارك وتعالى.

والرُّوح في كلام العَرب أيضاً النَّفْخُ ، سُمِّي رُوحاً لأنه يَخْرجُ من الروح ومنه قول ذي الرُّمَّة في نارٍ اقْتدحها وأمر صاحباً له بالنفخ فيها ، فقال :

فقلتُ لَهُ ارْفَعْها إليكَ وأَحْيِها

بِرُوحِكَ واجْعَله لها قِيتَةً قدْراً

أحْيِها برُوحك أي بِنَفْخِك. واجعله لها : الهاء للرُّوح لأنَّه مذكَّر في قوله واجعله. والهاء التي في قوله «لها» أي للنّار وهي مؤنَّثَة. وأمّا الرُّوحَانيُ من خلْق الله فإن أَبا داود المَصَاحفي رَوى عن النضر بن شميل في كتاب الحروف المفسَّرة من غريب الحديث أنه قال ، حدثنا عوف الأعرابيّ عن وَرْدان أبي خالد أنه قال : بلغَنَي أن الملائكةَ : منهم رَوحَانِيُّون ومنهم من خُلِقَ من النُّورِ.

١٤٥

قال : ومن الرُّوحَانِيّين جبريلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ.

قال أبو داود ، وقال النضر : الرُّوحانِيُّون أَرْوَاحٌ ليست لها أَجْسَامٌ ، هكذا يقال. قال : ولا يقال لشيءٍ من الخَلْقِ رُوحَانِيّ إلا للأَرْواح التي لا أجْسَادَ لها ، مثلُ الملائِكَةِ والْجِنِّ وما أشْبَهَهُما فأمّا ذَواتُ الأجسادِ فلا يقال لهم رُوحانيّون. قلت : وهذا القولُ في الروحانيّين هو الصحيح المعتمد لا ما قاله ابن المظفَّر أن الروحانيّ الجسدُ الذي نُفِخَ فيه الرُّوح. وقال الليث : الأَرْوَحُ الذي في صدر قَدَمَيْه انبساط ، تقول رَوِحَ الرَّجُلُ يَرْوَحُ رَوَحاً وَرَوِحَتْ قدمُه فهي قدم رَوْحَاءُ قال وقصعَةٌ رَوْحَاءُ قريبة القَعْر وإناء أَرْوَحُ.

وحر : قال الليث : الوَحَرُ : وَغْرٌ في الصدر من الغيْظ والحقد. يقال وَحِرَ صدْرُه على فلان وَحَراً ، وإنّه لوَحِرُ الصدر. قال : وَالْوَحَرُ وَزَغَةٌ تكون في الصحارَى أصغر من العَظَاية ، وهي إِلْفُ سَوَامِّ أَبْرَصَ خِلْقَةً.

قال : وسمعت مَن يقول : امرأةٌ وَحِرَةٌ سوداءُ ذميمةٌ. وفي الحديث «من سره أن يذهبَ كثير من وَحَرِ صدْرِه فليصُمْ شهر الصبْر وثلاثة أيَّامٍ من كُلِّ شهر» قال أبو عبيد قال الكسائي والأصمعيّ في قوله وَحَر صَدْرِه : الوَحَرُ غُشْيَته وبلابله. ويقال إن أصل هذا دُوَيْبَّة يقال لها الوَحَرَة ، وجمعها وَحَرٌ ، شبّهت العداوةُ والغِلُّ بها. ويقال وَغِر صدره وَغَراً وَوَحِر وَحَراً ، شبَّهُوا العداوةَ ولُزُوقَها بالصّدْر بالْتِزاق الوَحَرةِ بالأرض.

ولحمٌ وَحِرٌ دَبَّ عليه الوَحَر. قلت : وقد رأيت الوَحَرَة في البادية وخِلْقَتُها خِلْقَةُ الوَزَغِ إلّا أَنّها أشد بياضاً منها وهي منقَّطَةٌ بِنُقَطَ حُمْرِ ، وهي من أقْذَرِ الدواب عند العرب ، ولا يأكلها أحد. وقال أبو عمرو : الوَحَرَة إذا دَبَّتْ على اللحم أَوحَرَتْه ، وإيحارُها إيَّاهُ أن يأخُذَ آكلَهَا القيءُ والمَشْيُ ، وقال أعرابي : من أكل الوَحَرَةَ فأُمُّه منتحرة بغائطٍ ذي حَجَرة.

ويقال : إن الوَحَرَةَ لا تطَأُ طعاماً أو شراباً إلا سمَّته ، ولا يأكُلُه أحد إلا دَقِيَ وأخذَه قَيْءٌ ، وربّما هَلَك آكِلُه. وقال ابن شميل : الوَحَرُ أشَدُّ الغضب. يقال إنه لوَحِرٌ عَلَيَّ ، وقد وَحِر وحَراً ، ووَغِرَ وَغَراً ، وقال ابن أحمر :

هل في صدُورِهِمُ من ظُلْمِنَا وَحَرُ

ويقال الْوَحَرُ : الغيْظُ والحِقْدُ.

حور ـ حير : قال الليث : الحَوْرُ الرجوع عن الشيء إلى غيره. قال : والغُصَّةُ إذا انحدَرتْ يقال : حارَتْ تَحُورُ ، وأَحَارَ صاحبُها وأنشد :

وتلك لعمري غُصَّةٌ لا أُحِيرُها

قال : وكل شيءٍ يتغيّر من حال إلى حال فإنّك تقول حارَ يحورُ وقال لبيد :

وما المَرْءُ إلّا كالشِّهابِ وَضَوْئِهِ

يَحُورُ رَماداً بَعْدَ إذْ هُو سَاطِعُ

قال : والمُحَاوَرَةُ : مراجعة الكلام في المخاطبة ، تقول حاورْتُه في المنْطِق ،

١٤٦

وأَحَرْتُ له جواباً ، وما أَحَارَ بكلمة ، والاسم من المحاورة الحَوِيرُ ، تقول : سمعتُ حَوِيرَهُما وحِوَارَهُما ، قال : والمَحْورَةُ من المُحَاوَرةِ كالمَشْوَرَة من المُشَاورة ، ومنه قول الشاعر :

بِحَاجَةِ ذي بَثٍّ ومَحْوَرَةٍ له

كَفَى رَجْعُها مِنْ قِصَّةِ المُتَكلِّمِ

وقال ابنُ هانىءٍ : يقال عند تأكيد المَرْزِئة عليه بِقلّة النَّماء : ما يَحُورُ فلان وما يَبُور ، وذهب فلان في الحَوَارِ والبَوَارِ ، منصوبَا الأوّلِ ، وذهب في الحُور والبُور. أبو عبيد عن الأصمعيّ كلمته فَمَا رَجَع إليَ حِوَاراً وحَوَاراً وحَوِيراً ومَحُورَةً بضم الحاء بوزن مَشُورَة.

ابن السّكِّيت : فلان ما يعيش بِأَحْوَرِ أي ما يعيش بعقْل. قال هُدْبَة :

فما أَنْسِ مِ الأشْياءِ لا أَنْس قَوْلَها

لجارَتِها ما إِنْ يَعِيشُ بأَحْوَرَا

وقال نُصَيْر : أَحْوَرُ الرجلِ قلبُه ، يقال ما يعيش فلان بأَحْوَر أي بقلب اسمٌ له.

قال ويقال إنّ الباطل لفي حَوْرٍ أي في رجوع ونَقْصٍ. وقال شَمِرٌ : إنه ليسعى في الحُور والبُور أي في النقصان والفسادِ ؛ ورجل حائِرٌ بائِرٌ ، وقد حارَ وبارَ ، وهو يحور حُؤُوراً : إذا نقص ورجع وقال العجَّاج :

في بِئْرِ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ

أراد حُؤُورٍ ، فخفّف الواو ، وهذا قول ابنِ الأعرابيّ. قلت : و (لا) صلةٌ في قوله.

وقال الفرّاء : لا قائِمة في هذا البيتِ صحيحةٌ ، أراد في بئر ماء لا تُحِيرُ عليه شيئاً.

شمر عن ابن الأعرابيّ : فلان حَوْرٌ في مَحَارَةٍ ، هكذا سمعتُه بفتح الحاء ، يُضْرَب مثلاً للشيءِ الذي لا يَصْلُح أو كان صالِحاً ففسد. قال : والمَحَاوَرَةُ المكان الذي يَحُور أو يُحَارُ فيه. قال : وَالحائِر الرّاجع من حالٍ كان عليها إلى حال كان دُونَها ، وَالبائِر الهالك. وَيقال حوَّرَ الله فلاناً أي خيّبه وَرَجَعه إلى النقص.

أبو عبيد عن الأصمعيّ حوَّرْتُ الخبزةَ تَحْوِيراً إذا هَيَّأْتَها لتضعَها في الملَّة. قال : وَحَوَّرْتُ عينَ الدابة إذا حَجَّرْتَ حولها بِكَيٍّ وذلك من داء يُصيبها ، وَالكيَّةُ يقال لها الحَوْرَاءُ ، سُمِّيت بذلك لأن مَوْضعها يَبْيَضُّ. قال وَالتحوير : التبييض. وَقال غيره : حوَّرْتُ الثوبَ إذا بَيَّضْتَه. أبو عبيد عن الأمويّ الإحْوِرَارُ الابيضاض ، وَأنشد :

يا وَرْدُ إِنّي سَأَمُوتُ مَرَّهْ

فَمَنْ حَلِيفُ الجَفْنَةِ المُحْوَرَّهْ

يعني المبيَضَّة ، قال أبو عبيد : وإنما سُمِّي أصحابُ عيسى الحواريّين للبَيَاض ، وكانوا قَصّارين وقال الفرزدق :

فَقُلتُ إنَ الحَوَارِيَّاتِ مَعْطَبَةٌ

إذا تَفَتَّلْنَ من تحتِ الجَلَابِيبِ

يعني النساءَ. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «الزبير ابنُ عَمَّتي وحَوَارِيٌ من أُمَّتِي». قال أبو عبيد : يقال ـ والله أعلم ـ إنَّ أصل هذا كان بَدْؤُه من الحواريّين أصحابِ عيسى ، وإنما سُمُّوا حواريّين لأنهم كانوا يَغْسلون الثياب يُحوِّرونها وهو

١٤٧

التبْييض ومنه قيل امرأة حَوَارِيّة إذا كانت بيضاءَ. قال : فلمّا كان عيسى ابنُ مريمَ نَصَره هؤلاء الحواريُّون فكانوا أَنْصارَه دونَ النّاس قيل لكل ناصرٍ نَبيَّه : حواريٌ إذا بالغ في نُصْرَتِه ؛ تشبيهاً بأولئك.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الحَوارِيُّون : الأنصارُ ، وهم خاصّةُ أصحابه. وروى شَمِرٌ عنه أنه قال : الحَوَارِيُ الناصح ، وأصله الشيءُ الخالص. وكلُّ شيء خلص لونه فهو حَوَارِيٌ. والحَوَاريَّاتُ من النساء النقيّات الألْوَانِ والجُلودِ. ومن هذا قيل لصاحب الحُوَّارَى مُحَوِّر. وقال الزجاج : الحواريُّون خُلَصَاء الأنبياءِ عليهم‌السلام وصفوتُهم ، والدليل على ذَلِكَ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الزبير ابن عمَّتي وحواريٌ من أُمَّتي». قال : وأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حواريُّون. وتأويل الحواريين في اللُّغة الذين أُخْلِصوا ونُقُّوا من كل عيب ، وكذلك الحُوَّارَى من الدقيق ، سُمِّي به لأَنَّه يُنَقَّى من لُباب البُرِّ ، قال : وتأوِيلُه في النَّاس الذي قَدْ رُوجِع في اخْتِيَارِه مرّةً بعد مرَّةٍ فَوُجِدَ نَقِيّاً من العيوب. قال : وأصل التحوير في اللّغة من حَارَ يَحورُ ، وهو الرجوع. والتَّحويرُ الترجيع ، فهذا تأويله والله أعلم.

وقال أبو عبيدة : يقال لنساء الأمْصَار حَوارِيَّات لأنهن تباعدن عن قشَفِ الأعرابيات بنظافَتِهن ، وأنشد :

فَقُلْ لِلْحَوَاريَّاتِ يَبْكِيْنَ غيرَنا

ولا يَبْكِينَ إلّا الكِلابُ النَّوَابِحُ

وقال أبو إسحاق : دقيق حُوَّارَى أخذ من هذا لأنه لباب البُرِّ ، وعجين مُحَوَّر ، وهو الذي مُسح وجهه بالماء حتى صَفَا.

وعين حَوْرَاءُ إذا اشتدّ بياضُ بياضِها وخَلُص واشتدّ سواد سوادِها ، ولا تُسَمَّى المرأةُ حَوْرَاءَ حتى تكونَ مع حَوَرِ عينيها بيضاءَ لَوْنِ الجَسَدِ ، وقال الكميت :

وَدَامَتْ قُدُورُك للسَّاغبي

ن في المَحْلِ غَرْغَرةً واحْوِرَارا

أراد بالغرغرة : صوتَ الغلَيانِ وبالاحْوِرَار بياضَ الإهَالَةِ والشحمِ. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يتعوّذ من الحَوْر بعد الكَوْرِ ، ويروى بعد الكَوْن. قال أبو عبيد : سئل عاصم عن هذا فقال ألم تسمع إلى قولهم : حَارَ بعد مَا كانَ يقولُ إنه كان على حال جميلةٍ ، فحارَ عن ذلك أي رجع. ومن رواه بعد الكَوْر فمعناه النقصان بعد الزّيادة ، مأخوذ من كَوْر العمامة إذا انتقض لَيُّها ، وبعضُه يقرب من بعض. عمرو عن أبيه الحَوْرُ التحيُّر ، قال : والحَوْرُ النُّقصان والحَوْرُ الرجوع. قال الليث : الحَوْرُ ما تحت الكَوْر من العمامة. قال : والْحَوَرُ خشب يقال لها البيضاء قال والْحُوارُ النصيل أَوَّلَ ما يُنْتَجُ ، وجَمْعُه حِيرَانٌ ، والحُورُ الأَدِيمُ المصبوغُ بِحُمْرة ، وأنشد :

فَظَلَّ يَرْشَحُ مِسْكاً فَوْقَهُ عَلَق

كأنَّما قُدَّ في أَثْوَابِه الحَوَرُ

قال : وخُفٌ محوَّرٌ إذا بُطِّن بحُور. ويقال للرجل إذا اضطرب أَمْره : لقد قَلِقَتْ مَحَاوِرُه ، وأنشد ابن السكيت :

١٤٨

يا مَيُّ مَا لِي قَلِقَتْ مَحَاوِرِي

قال : والمِحْوَرُ الحديدةُ التي يَدُورُ فيها لسانُ الإبريم في طَرَف المِنْطقة وغيرها. قال : والحديدةُ التي تدور عليها البكرةُ يقال لها : المِحْوَرَةُ.

وقال الزجاج : قيل له محورٌ للدَّوَرانِ به ؛ لأنه يرجع إلى المكانِ الذي زَالَ مِنْه. وقيل إنه إنما قيل له مِحْوَرٌ لأنه بدورَانِه ينصَقِلُ حتى يَبْيَضّ. قال وقولهم : نعوذ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ معناه نعوذ بالله من الرُّجُوع والخُرُوج على الجماعة بعد الكُوْرِ معناه بعد أن كنا في الكَوْر أي في الجماعةِ. يقال كَارَ عمامتَه على رأسه إذا لفّها ، وحار عِمامَتَه إذا نقضها.

وقال الليث : المِحْوَرُ الخشبة التي يُبْسَط بها العجينُ يُحَوَّر بها الخبز تحويراً. قلت سمّي محوراً لدورانه على العجينِ تشبيهاً بمِحْوَرِ البكرة واستدَارته.

الأصمعيّ : المَحَارَةُ الصَدَفة ، والمحار من الإنسان الحَنَكُ وهو حيث يُحَنِّك البيطار الدابّةَ. وقال ابنُ الأعرابيّ مَحَارةُ الفَرَسِ أَعلى فَمِه من باطن ، وقال غيره : المحارة جَوْف الأُذُنِ ، وهو ما حَوْلَ الصِّمَاخ المتَّسِع. قال : والمَحَارَةُ النقصان ، والمَحَارَةُ الرُّجوع ، والمَحَارَةُ الصَّدَفَةُ ، والمحارَةُ المُحَاوَرَةُ. قال : والْحُورةُ النقصان ، والحورَةُ : الرَّجْعَة.

وقال الليث : يقال حارَ بَصَرهُ يَحَارُ حَيْرَةً وحَيْراً ، وذلك إذا نظرتَ إلى الشيء فَغَشِيَ بصرُك ، وهو حَيْران تائهٌ ، والجميع حَيَارَى ، وامرأة حَيْرَى ، وأنشد :

حيرانَ لا يُبْرِئه مِنَ الحيَر

قال : والطريق المُسْتَحِير الذي يأخذ في عُرْض مفازة لا يُدرى أيْنَ منفذه ، وأنشد :

ضَاحِي الأَخَادِيدِ ومُسْتَحِيْرِهِ

في لاحِبٍ يَرْكَبْنَ ضَيْفَيْ نِيْرِهِ

ويقال : استحار الرجلُ بمكان كذا وكذا إذا نَزَلَهُ أيّاماً. قال : والحائر حوض يسيّبُ إليه مَسِيلُ الماء من الأمصار يسمى هذا الاسمُ بالماءِ وبالبصرة حائر الحجَّاج ، معروفٌ يابسٌ لا ماءَ فيه ، وأكثر الناس يسمونه الحَيْر ، كما يقول لعائشة : عَيْشة يستحسنون التخفيف وطرح الألف. قال العجّاج :

سَقَاهُ رِيّاً حَائِرٌ رَوِيُ

وإنما سُمّي حائراً لأن الماء يتحيّر فيه يرجع أَقصاهُ إلى أدناه. وقال الأصمعيّ : يقال للمكان المطمئن الوسطِ المرتفع الحرُوف حائرٌ وجمعه حُوَرانٌ. وقال أبو عبيد : الحائر : مجتمعُ الماء وأنشد :

مما تَرَبَّبَ حَائِرَ البَحْرِ

قال والحاجر نحوٌ منه وجمعه حُجْرانٌ. وقال الأصمعيّ : حَار يَحَارُ حيْرَةً وحَيْراً. وقال الليث : يقال الماء يتحيّر في الغَيْم وتحيَّرت الروضة بالماء إذا امتلأت. وتحيَّر الرجلُ : إذا ضَلّ فلم يَهْتَدِ لسبيله وتحيّر في أَمْرِه. وقال شمر : العربُ تقول لكلّ شيءٍ ثابتٍ دائم لا يكاد ينقطع مستحيرٌ ومتحَيِّر وقال جرير :

يا رُبَّمَا قُذِفَ العَدُوُّ بِعَارِضٍ

فَخْمِ الكَتائِبِ مُسْتَحِيْرِ الكوْكَبِ

١٤٩

قال ابن الأعرابيّ : المستحيْر الدائم الذي لا ينقطع. قال : وكوكبُ الحديد بَرِيقُه. والمتحيّر من السحاب الدائم لا يبرح مكانَه ، يصبُّ الماءَ صبّاً ولا تسوقه الرّيح وأنشد :

كأنّهُمُ غَيْثٌ تَحَيَّرَ وَابِلُهْ

وقال الطِرماح :

في مُسْتَحِيْر رَدَى المَنُو

نِ ومُلْتَقَى الأَسَلِ النَّوَاهِلْ

وقال شمر : قال أبو عمرو يريد يتحيّر الردَى فلا يَبْرَح ، ومنه قول لبيد :

حتّى تَحيَّرَتِ الدِّبارُ كأنَّها

زَلَفٌ وأُلْقِيَ قِتْبُها المَحْزُومُ

يقول : امتلأت ماءً. وروى شمر بإسناد له عن سفيان عن الربيع بن قريع قال سمعت ابن عمر يقول : أَسْلِفُوا ذاكم الذي يوجِبُ اللهُ أجْرَهُ ، ويردُّ إليه مالَه ، لم يُعْطَ الرجلُ شيئاً أفضلَ من الطَرْقِ ، الرجلُ يطرُق على الفحل أو على الفرس فيذهَبُ حَيْرِيَ الدَّهرِ ، فقال له رجلٌ : ما حَيْرِيُ الدهرِ؟ قال : لا يُحْسَبُ ، فقال له حسل بن قابصة : ولا في سبيل الله ، فقال : أو ليس في سبيل الله؟ قال شمر : هكذا رواه حَيْرِيَ الدَّهْرِ بفتح الحاء وتشديد الياء الثانية وفتحها. قال وقال سيبويه : العربُ تقول : لا أفعل ذلك حِيْريَ دَهْرٍ. وقد زعموا أنَّ بَعْضهم ينصب الياء في حِيريَ دهْرِ. وقال أبو الحسن : سمعت مَنْ يقول : لا أفعل ذلك حيريَ دهر مثقَّلة ، قال والحيريّ الدهر كله. قال شمر : قوله حيريَ الدهر يريد أبداً. وقال ابن شُمَيْلٍ : يقال ذهب ذاك حَارِيَ الدهر وحيْرِيَ الدهر أي أبداً ، ويبقى حارِيَ الدهر وحيْرِيَ الدهر أي أبداً. قال شمر : وسمعت ابن الأعرابيّ يقول : حِيرِيَ الدهر بكسر الحاء مثل قول سيبويه والأخفشِ. قال شمر : والذي فسره ابن عُمَر ليس بمخالف لهذا ، أراد أنه لا يُحْسَبُ أي لا يمكن أن يُعرف قدرُه وحسابُه لكثرته ودوامِه على وجه الدهر. وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي يقال لا آتيه حَيْرِيَ دهر ولا حِيرِيَ دهر وحِيرَ الدهر ، يريد ما تحيَّرَ الدهرُ. وقال : حِيرُ الدهر جماعة حِيرِي.

وقال الليثُ : الحِيرَة بجنْبِ الكُوفة والنسبة إليها حَارِيُ كما نَسَبُوا إلى التّمر تمري فأراد أن يقول حِيريْ فسكّن الياء ، فصارت ألفاً ساكنة. قال والحارَةُ كل مَحَلَّة دنت منازلُهم ، فهم أهلُ حارةٍ. وقال أبو عمرو بن العلاء : سمعت امرأةً من حِمْيَر تُرقِّصُ ولدها وتقول :

يا رَبَّنا مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْبَرَا

فَهَبْ لهُ أَهْلاً ومالاً حِيرا

قال : والْحِيَرُ : الكثير من أهلٍ ومالٍ ، وقال آخر :

أَعُوذُ بالرَّحمنِ مِنْ مالٍ حِيَرْ

يُصْلِينِيَ اللهُ به حَرَّ سَقَرْ

أبو زيد : يقال هذه أنعامٌ حِيرَاتٌ أي متحيرةٌ كثيرةٌ ، وكذلك النّاسُ إذا كَثرُوا وقال ابن شميل : يقول الرجلُ لصاحبه والله ما تحورُ ولا تحولُ أي ما تزدادُ خَيْراً. أبو العباس عن ابن الأعرابيّ يقال لجِلْدِ الفيلِ الحَوْزَانُ ، ولباطن جلده

١٥٠

الحِرْصِيَانُ. وقال أبو زيد : الحَيْرُ الغَيْمُ ينشأ مع المَطَر فيتحيّر في السماء عمر عن أبيه : الأَحْوَرُ : العقْل يقال ما يعيش بِأَحْوَرَ.

باب الحاء واللام

[ح ل (وايء)]

حلا (حلى) ، حال ، لحي ، لاح وحل ولح ، حلاء : [مستعملة].

حلا : قال الليث : الحُلْوُ كل ما في طَعْمِه حلَاوَةٌ ، والحُلْوُ والحُلْوَةُ من الرجال والنساء من تستحْليه العين. وقوم حُلْوُون. والحَلْوَاءُ : اسم لما يُؤْكلُ من الطَّعام إذا كان معالَجاً بحلاوَةٍ. وقال بعضهم : يقال للفاكهة : حَلْوَاءُ. وتقول : حَلَا يَحْلَ حَلْواً وحُلْوَاناً. وقد احلَوْلى وهو يَحْلَوْلى. قلت المعروف : حلا الشيءُ يحلُو حلاوَةً. واحلَوْلَيتُه أحلَوْلِيه احلِيلَاءً إذا استحليْتَه. اللحيانيّ : احلَوْلت الجاريةُ تحلَوْلى إذا استُحْلِيت واحلَوْلاها الرجل وأنشد :

لكَ النَّفْسُ وَاحْلَوْلَاكَ كلُّ خَلِيلِ

أَحْلَيْتُ المكانَ واستَحْلَيْتُه وحَلِيت به بمعنى واحد. وقال الليث : تقول حلَّيْتُ السَّوِيقَ ، ومن العرب من همزه فقال حَلأتُ السويق ، وهذا فهم غلط. قلت : قال الفرّاء : توهمت العربُ فيه الهمْزَ لمّا رَأَوْا قولَهم : حَلَّأتُهُ عن الماء أي : منعتهُ مهموزاً.

وروَى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : احلَوْلَى الرجلُ إِذا حَسُن خُلُقُه ، واحْلَوْلَى إذا خَرَج من بَلَدٍ إلى بلد. وقال الليثُ : قال بعضهم : حَلَا في عيْنِي وهو يَحْلُو حَلْواً. وحَلِيَ بِصَدْرِي ، وهو يَحلَى حُلْوَاناً. قلت : حُلْوَانٌ في مصدر حَلِيَ بصدري ، خطأٌ عندي ، وقال الأصمعيُّ : حَلِيَ في صدري يحْلَى ، وحَلَا في فمي يَحلُو. وقال أبو عُبَيْدٍ في تفسير حديث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أَنَّهُ نهى عن حُلْوان الكاهن. قال الأصمعيّ : الحُلْوَانُ ما يُعْطَاه الكاهنُ ويُجْعَلُ له على كهانته. يقال منه حَلَوْته أَحْلُوه حُلْوَاناً ، إذا حَبَوْتَه ، وأنشد لأوسِ بن حَجَر يذمّ رجلاً :

كأنّي حَلَوْتُ الشِّعْرَ يومَ مَدَحْتُه

صفَا صَخْرَةٍ صَمَّاءَ يُبْساً بِلَالُها

قال فجعل الشعر حُلْوَاناً مثلَ العطاء.

وقال أبو عبيدة : الحُلْوَانُ الرِّشْوَة ، يقال حَلَوْتُ أي : رشوت.

وأنشد :

فَمَنْ رَاكِبٌ أحْلُوهُ رَحْلاً ونَاقَةً

يُبَلِّغ عنّي الشِّعْرَ إذْ ماتَ قائِلُهْ

قال وقال غيره : الحُلْوَانُ أيضاً أن يأخذَ الرَّجُلُ من مَهْرِ ابْنَتِه لنفْسه.

قال : وهذا عارٌ عند العرب.

قالت امرأة في زَوْجها :

لا يَأْخُذُ الحُلْوَانَ من بَنَاتِنَا

وقال الليث : حُلْوَانُ المرأةِ مَهْرُهَا.

ويقال بل ما كانت تُعْطَى على مُتعتها بمكَّة. قال : احْتَلَى فلانٌ لنفقة امرأته ومَهْرها ، وهو أن يتمحّل لها ويحتالَ ، أُخذ من الْحُلْوَانِ. يقال : احْتَلِ فتزوّجْ بكسر اللام وابْتَسِلْ من البُسْلَة.

١٥١

قال : والحلاوَى : ضرب من النَّبَات يكون بالبادية ، الواحدة حَلاوِيَةٌ على تقدير رَبَاعية. قلت لا أعرف الحَلَاوَى ولا الحَلَاوية ، والذي عرفته الحُلَاوَى بضم الحاءِ على فُعالى.

وروى أبو عبيد عن الأصمعيّ في باب فُعالى : خُزَامَى وَرُخَامى وحُلاوَى ، كلّهُنَّ نبت. وهذا هو الصحيح.

وقال الليث حَلاوَةُ القَفَا حَاقُّ وسَطِ القَفَا ، تقول ضربته على حَلَاوَةِ القفَا ، أي على وسطِ القَفا. شمر عن ابن الأعرابي : يقال : حلاوَةُ القَفَا ، وحَلْوَاءُ القفا وحُلْواءُ القفا. وهو وسط القفا.

قال وقال الهوازني : حَلاوَةُ القفا فأسه.

أَبو عُبَيْدٍ عن الكسائيّ : سقط على حَلَاوَةِ القَفا ، وحَلْوَاءِ القفا.

قال : وحَلاوَةُ القفا تجوّز ، وليست بمعروفة. وأخبرني المنذريّ عن أحمد بن يحيى : قال : الْحَلوَاءُ يُمَدُّ ويُقْصَرُ ويُؤنّث لا غيرُ.

ويقال للشَّجَرَةِ إذا أَوْرَقَتْ وأثْمَرَتْ : حَالِيَةٌ فإذا تناثر ورقها تعطّلت.

وقال ذو الرُّمَّة :

وَهَاجَتْ بَقَايا القُلْقُلَانِ وعَطَّلَت

حَوَالِيَّهُ هُوجُ الرِيّاحِ الحوَاصِد

أي أيبستها فتناثرت.

وقال الليث : الحِنْوُ حَفٌّ صغير يُنْسَجُ به ، وقاله ابن الأعرابيّ ، وقال : هي الخشبة التي يديرها الحائك وأنشد قول الشماخ :

قُوَيْرِحُ أَعْوَامٍ كأنَّ لسانَه

إِذَا صَاح حِلْوٌ زَلَّ عن ظَهْرِ مِنْسَجِ

وقال الليث : حُلوان كورة. قلت هما فريقان إحداهما حُلْوَانُ العراقِ والأُخْرى حُلْوَانُ الشأم.

وقال ابن السكيت : حَلِيَت المرأةُ ، وأَنا أَحْلِيها ، إذا جَعَلْتَ لها حَلْياً ، وبعضهم يقول : حَلَوْتُها بهذا المَعْنَى.

وقال الليث : الحَلْيُ كلّ حِلْيَةٍ حلَّيْتَ به امرأةً أو سَيْفاً أو نحوَه. والجميع حُلِيّ قال الله : (مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً) [الأعراف : ١٤٨].

ويقال تحلّت المرأة إذا اتخذت حُلِيّاً أو لبِسَتْه. وحلّيْتُها ، أي ألْبَسْتُهَا ، واتخذْتُه لها.

قال ولغة حَلِيَتْ المرأة إذ لَبِسَتْهُ وأنشد :

وحَلْي الشَّوَى مِنْهَا إذا حَلِيَتْ به

على قَصَباتٍ لإشِنحات ولا عُصْل

الشِّخَات الدقاق والعُصْل المعْوَجَّة. قال وإنما يقال الْحَليُ للمرأة ، وما سواها فلا يقال إلا حِلْيَةٌ للسيف ونحوه. قال : والحِلْيَةُ تحلِيَتُكَ وَجْهَ الرَّجُلِ إذا وصفته. ويقال : حَلِيَ مِنْهُ بِخَيْرٍ ، وهو يَحْلَى حَلًى مقصورٌ إذا أصاب خَيْراً.

والحَلِيُ نبت بعينه وهو مِنْ مَرْتَعٍ للنَّعَم والخيلِ ، إذا ظهرت ثمرَتُه أشبه الزَّرْعَ إذا أَسْبَل. وقال الليث : الحَلِيُ يبس النَّصِيّ. قال : وهو كلُّ نبْتٍ يشبه نباتَ الزرع. قلت : قوله هو كل نبت يشبه نبات الزرع

١٥٢

خطأٌ إنما الحَلِيُ اسم نَبْتٍ واحِدٍ بعيْنه ولا يشبهه شيءٌ من الكلأ.

وقال الليث : يقال امرأَةٌ حَالِيَةٌ ومُتَحَلِّيَةٌ.

ويقال : ما أَحْلَى فُلَانٌ ولا أَمَرَّ أي ما تكلّم بحُلْوٍ ولا مُرٍّ.

أبو عبيد عن الأصمعيّ يقال للبعير إذا زجرته حَوْبُ وحوبَ وحَبْ ، وللناقة حَلْ جزمٌ ، وحَلِي جزم لا حَلِيت.

وقال أبو الهيثم : يقال في زجْر الناقة حَلْ حَلْ. قال : فإذا أدْخَلْتَ في الزَّجْرِ ألفاً ولاماً جرى بما يصيبه من الإعْرَابِ كقولك :

والحَوْبُ لَمّا يُقَلْ والحل

فرفعه بالفعل الذي لم يسمَّ فاعله.

وقال اللحيانيّ : حَلِيَتْ الجاريةُ بعيني وفي عيني وبقلبي وفي قلبي ، وهي تحلَى حَلاوَةً ويقال أيضاً : حَلَتْ الجاريةُ بعيني وفي عيني ، تَحْلُو حَلَاوَةً. قال : واحلَوْلَيْتُ الجارية واحْلَوْلَتْ هي ، وأنشد :

فلو كنتَ تُعْطِي حين تُسْأَلُ سامحت

لكَ النفسُ واحْلَوْلَاكَ كلُّ خَليلِ

ويقال : حلا الشيءُ في فَمِي يَحْلُو حلاوَةً ويقال حَلُوَت الفاكهةُ تَحْلُو حَلَاوَةً. قال : وحَلِيتُ العيشَ أَحْلَاه أي استحلَيْتُه.

ويقال : أَحْلَيْتُ هذا المكانَ واستحْلَيْتُه وحَلِيتُ بهذا المكانِ. ويقال : ما حَلِيتُ منه شيئاً حَلْياً أي ما أصبت. وحكى أبو جعفر الرؤاسيُّ حَلِئتُ منه بطائلٍ فهمزَ أي ما أصبتُ. قال : وجمع الْحَلي حُلِيّ وحِلِيّ ، وجمع حِلْيَةِ الإنسان حِلًى وحُلًى.

ومن مهموز هذا الباب : حلأ : قال شمر : الحالِئَةُ ضربٌ من الحيّات تَحْلأُ لمن تلسعه السُّمَّ كما يَحْلأُ الكحَّالُ الأرْمَد حُكَاكَةً فيكحَلُه بها.

وقال الفراء : أحلِئُ حَلُوءاً.

وقال ابنُ الأَعرابيّ : حلأْتُ له حَلَاءً.

وقال اللَّيْثُ الحُلاءَةُ بمنزلة فُعالة حكاكة حَجَرين تَكْحَلُ بها العين. يقال حَلأْتُ فُلَاناً حَلْأً ، إذا كَحَلْتَه بها.

وقال أبو زيد : يقال أحْلأْتُ للرجل إحلاءً إذا حكَكْتَ له حُكَاكةَ حجرين فداوَى بحُكَاكتهما عينيه من الرَّمد.

وقال ابنُ السكيت : الحَلُوء حَجَرٌ يُدْلَك عليه دواءٌ ثم يكحل به العينُ. يقال حَلأْتُ له حُلُوءاً.

وقال ابن الأعرابيِّ وغيرُه : حلأْتُ الإبلَ عن الماء إذا حبستها عن الورُود وأنشد :

لطالما حَلَّأْتُماهَا لا تَرِدْ

فَخَلِّيَاهَا والسِّجَالَ تَبْتَرِدْ

وحلّأْتُ الأديم إذا قشرتَ عنه التِّحلِئَ ، والتِّحْلِئُ القِشر على وجْهِ الأديم ممّا يلي الشَّعَر.

وقال أبو زيد : حَلَّأْتُ الأديمَ إذا أخرجت تِحْلِئَه ، والتِّحْلئُ القِشْر الذي فيه الشَّعر فوق الجِلْدِ. والحِلَاءَةُ اسم موضع.

قال صخر الغيّ :

إذا هو أَمْسَى بالحِلَاءَةِ شَاتِياً

تُقَشِّرُ أعْلَى أَنْفِهِ أُمُّ مِرْزَمِ

فأجابَهُ أبو المثَلَّم :

١٥٣

أعَيَّرْتَني قُرَّ الحلاءَةِ شَاتِياً

وأنت بِأَرضٍ قُرُّهَا غيرُ مُنْجِمِ

أي غير مُقْلِع.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : من أمثالهم في حذر الإنسان على نفسه ومدافعته عنها قولهم : حَلأَتْ حالئةٌ عن كُوعِهَا. قال : وأصله أن المرأة تحلأُ الأديمَ وهو نَزْع تِحْلِئه ، فإن هي رفَقَتْ سَلِمَتْ ، وإن هي خَرُقَتْ أخطأَتْ فقطعت بالشفرة كُوعها.

وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن سلمة عن الفرَّاء : يقال : حلأَتْ حالئَةٌ عن كُوعها أي لِتَغْسِلْ غاسلةٌ عن كوعها أي ليعملْ كل عامل لِنَفْسِه.

قال ويقال : اغسل عن وجْهِك ويَدِك ولا يقال اغْسِلْ عن ثَوْبِك.

وقال أبو العباس في قولهم حَلأَتْ حالئةٌ عن كوعها وذلك أنها إذا حَلأَت ما على الإهاب أخذت مِمْلأَةً من حديد فَوْهَاءَ فتحلأَت ما على الإهاب من تحلِئة وهو سوادُه ، فإن لم تبالغ المِحْلَأَةُ ، وتقَلع ذلك عن الإهاب أخذت الحالِئةُ نَشْفَةً من حجر خشن ثم لفت جانباً مِنَ الإهابِ على يدها ثم اعتمدت بالنُّشْفَةِ عليه لتقلع ما لم تخرجْه المِحْلأة فيقال للذي يدفع عن نفسه ويَحُضّ على إصلاح شأنه يضربُ مثلاً له أي عن كُوعها عملت ما عملت وبحيلَتها وعَمَلِها نالَتْ.

وقال أبو زيد حَلأَته بالسوط حَلأً إذا جلدْتَه وحَلأَته بالسيف حَلأً إذا ضربتَه وحلَّأْتُ الإبل عن الماءِ تَحلِيئاً.

أبو عبيد عن الأمويّ : حَلَأْتُ به الأرضَ ضربْتُ به الأرض. قلت : وجَلأْت به الأرض بالجيم مثلُه. اللحياني حَلِئَتْ شَفَةُ الرجل تَحْلأ حَلأً ، إذا شَرِبَتْ أي خرج بها غِبَّ الحُمّى بَثْرٌ. قال وبعضهم لا يهمز فيقول حليَتْ شفتُه حَلاً مقصور.

لحى : قال الليث : اللَّحْيَانِ العظمان اللذان فيهما الأسنان من كل ذي لَحْيٍ. والجميع الأَلْحِي. قال : واللِّحا مقصور واللِّحاء ممدود ما على العَصَا من قِشْرِها. قلت : المعروف فيه المَدُّ.

وأخبرني المنذريُّ عن الحرانيّ عن ابن السكيت أنه قال : يقال للتمرة إنها لكثيرة اللِّحَاء وهو ما كَسَا النواة. واللِّحَاءُ قشر كلِّ شيءٍ. وقد لَحَوْتُ العود ألْحُوه وأَلْحَاهُ إذا قَشرْتَه. ويقال لحاه الله أي قشره ومن أمثالِهم : لا تَدْخُلْ بين العصا ولِحَائِها.

قال أبو بكر بن الأنباريّ قولهم لَحَا الله فلاناً معناه قَشَرَهُ الله وأهْلَكَه. ومنه لَحَوْتُ العودَ لَحْواً إذَا قشرته ويقال لَاحَى فلانٌ فلاناً مُلَاحَاةً ولِحَاءً إذا استقْصى عليهِمْ ، ويُحْكَى عن الأصْمَعِيّ أنه قال : المُلَاحاة : الملاومة والمُبَاغَضَةُ ، ثم كثُر ذلك حتى جُعِلتْ كُلُّ مُمَانعة ومدافَعة ملاحاةً ، وأنشد :

ولاحَتِ الرَّاعِيَ من دُورِهَا

مخاضُها إلّا صَفَايَا خُورِها

قال : واللِّحَاءُ في غير هذا القِشْرُ ومنه المثل لا تدخُلْ بين العَصَا ولِحَائِها أي قِشرها وأنشد :

١٥٤

لَحَوْتُ شَمّاساً كما تُلْحَى العَصا

سَبّاً لو آنَ السَّب يُدْمِي لدَمِي

قال أبو عبيد : إِذَا أرادوا أن صَاحِبَ الرجل موافقٌ له لا يُخَالِفُه في شيء قالوا : هما بَيْنَ العصا ولِحَائِها.

وقال الليثُ : يقال التحيت اللِّحاء ولَحَيتْهُ الْتِحَاءً ولحْياً إذا أخذتَ قشره. واللِّحاءُ مَمْدُودٌ المُلَاحَاة كالسِّباب.

وفي حديث النَّبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أَنَّه نهى عن مُلَاحَاةِ الرِّجَال ، ومنه قول الشاعر :

نُوَلِّيهَا المَلَامَةَ إن أَلَمْنَا

إذا ما كان مَغْثٌ أو لِحَاءُ

أبو عبيد عن الكسائي : لَحَوْتُ العصا ولَحَيْتُها ، فأمَّا لحيت الرَّجُلَ من اللّوم فبالياء لا غير.

وقال الليث : اللِّحَاءُ اللعْنُ ، واللِّحَاءُ العذْل ، واللَّوَاحِي العواذِلُ. قال : واللُّحى مقصور وفي لغة اللِّحى جمع اللِّحية.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : لِحْيَةٌ وجمعها لِحى ولُحىً قال ولُحِيٌ ولِحِيٌ.

الليث رجل لِحْيَانِيُ طويل اللحية وبنو لِحْيان حَيّ من هذيل.

وقال ابن بُزُرْج : اللِّحْيَانُ الخدود في الأرض ممّا خَدَّها السَّيْلُ ، الواحدة لِحْيَانَةٌ : قال : واللِّحْيَانُ الوشَلُ والصُّدَيْعُ في الأرض يخِرّ فيه الماء ، وبه سُمِّيَتْ بَنُو لِحْيَانَ ، وليس بتثنية لِلّحى.

وقال أبو زيد : يقال رجل لَحْيَان إذا كان طويلَ اللحية ، يُجْرَى في النكرةِ لأنه لا يقال للأُنثى لَحْيَا.

أبو عبيد عن الكسائيّ : النسبة إلى لَحْي الأسنان لَحَوِيّ والتَّلَحِّي بالعمامة إدارة كُور منها تحت الحَنَكِ.

ورُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنه أمر بالتَّلَحِّي ونهى عن الاقتعاط.

ويقال : أَلْحى يُلْحِي إذا أتى ما يُلْحَى عليه. وألْحَتِ المرأةُ.

قال رؤبة :

وابْتَكَرَتْ عَاذِلَةً لا تُلْحِي

قَالَتْ ولم تُلْحِ ، وكانت تُلْحِي

عليكَ سَيْبَ الخُلَفَاءِ البُجْحِ

لا تُلْحِي أي لا تأتي ما تُلْحَى عليه حين قالت عليك سيْب الخلفاء ، وكانت تُلْحَى قبل ذلك حين تأمرني بأن آتي غير الخلفاء. وأَلْحَى العودُ إذا آن له أن يُلْحَى قشره عنه. وفي الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم احتجم بلَحْي جَمَلٍ ، وهو مكان بين مكّة والمدينة.

حول ، حيل : قال الليث : الْحوْل : سنةٌ بأَسْرِها ، تقول حال الحَوْلُ ، وهو يحول حَوْلاً وحُؤُولاً ، وأحالَ الشيءُ إذا أتى عليه حول كامل ، ودَارٌ مُحِيلَةٌ إذا أتت عليها أَحْوَالٌ ولغة أخرى أَحْوَلَتْ الدار ، وأَحْوَلَ الصبيُّ إذا تم له حول ، فهو مُحْوِلٌ ، ومنه قوله :

فَأَلْهَيْتُها عن ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ

قال : والحَوْلُ هو الحيلَةُ ، تقول : ما أحول فلاناً ، وإنه لذو حِيلة ، قال والمحَالةُ الحيلة نفسها ، ويقولون في موضع لا بد لا محالةَ وقال النابغة

وأنتَ بأمرٍ لا مَحَالةَ واقِعُ

١٥٥

والاحتيال والمُحَاوَلَةُ مطالبتُك الشيءَ بالحِيَل ، وكل من رامَ أمراً بالحِيَلِ فقد حاوله ، وقال لبيد :

أَلَا تسأَلان المَرْء مَاذَا يُحَاوِلُ

ورجل حُوَّلٌ ذو حِيَلٍ ، وامرأة حُوَّلةٌ. وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن سلمة عن الفرّاء قال : سمعت أَعْرَابياً من بني سُلَيم ينشد :

فإنَّها حِيَلُ الشّيطانِ يَحْتَئِل

قال وغيره من بني سُلَيم يقول : يحتال بِغَيْرِ هَمْزٍ قال وأنشدني بعضهم :

يا دَارَ مَيَّ بِدَكَادِيكِ البُرَقْ

سَقْياً وإِنْ هَيَّجت شَوْقَ المُشْتَئِقْ

وغيره يقول المشتاق ورجل مِحْوالٌ كثيرُ مُحالِ الكلام والمحال من الكلام ما حُوِّل عن وجْهِه ، وكلام مسْتَحِيلٌ مُحَالٌ. وأرض مستَحَالَةٌ تُرِكت حَوْلاً وأَحْوالاً عن الزراعة. والقوس المُسْتَحَالَةُ التي في سِيَتِهَا اعوجاج ورِجْلٌ مستحَالَةٌ إذا كان طرفَا الساقيْنِ منها مُعْوَجَّين ، وكل شيء استحال عن الاستواءِ إلى العِوَجِ يقال له مستحيلٌ.

قال والحَوْل اسم يجمع الحَوَالَيْ. تقول حوالي الدار كأنها في الأصل حوالَيْنِ ، كقولك جانِبَيْنِ فأسقطت النُّون وأضيفت كقولك : ذُو مالٍ وأولو مالٍ. قلت : العرب تقول رأيت الناس حَوْلَه وحَوَالَيْه وحَوَاله وحَوْلَيْه. فَحَوالَه وُحْدَانُ حَواليْه ، وأمّا حَوْليه فهو تثنية حَوْلَةُ وقال الرّاجز :

ماءٌ رَوَاءٌ ونَصِيٌ حَوْلَيْهْ

هذا مَقَامٌ لَكَ حتى تِئْبَيْهْ

المعنى تأْبَاهُ. ومثل قولهم حَوَالَيْكَ دَوَالَيْك وحَجَازَيْكَ وحنَانَيْك.

وقال الليث الحِوَالُ المُحَاوَلَةُ. حَاوَلْته حِوَالاً ومُحاوَلَةً ، أَي طالبْتُ بالحيلة.

قال : والحِوَالُ كُلُّ شيءٍ حالَ بين اثْنَيْنِ. يقال هذا حِوَال بَيْنِهِمَا أي حائِلٌ بَيْنِهِما. فالحاجِز والحِجاز والحِوَلُ يجري مَجْرى التَّحْويل. تقول : حُوِّلُوا عنها تحويلاً وحِوَلاً. قلت : فالتَّحْوِيلُ مصدر حقيقيّ من حوّلْتُ. والحِوَل اسم يقوم مَقَامَ المصدر.

قال الله جلّ وعزّ : (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) [الكهف : ١٠٨] أي تحويلاً.

وقال الزجاج في قوله : (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) أي لا يريدون عنها تَحوُّلاً. يقال : قد حال من مكانه حِوَلاً كما قالوا في المصادر صَفُر صِفَراً وعادني حُبُّها عِوَاداً.

قال وقد قيل إن الحِوَل الحِيلَةُ فيكون على هذا المعنى : لا يَحْتَالُون مَنْزِلاً غَيْرَهَا.

قال وقد قيل إن الحِوَل الحِيلَةُ فيكون على هذا المعنى : لا يَحْتَالُون مَنْزِلاً غَيْرَهَا.

قال : وقرىء قولُه جلّ وعزّ : (دِيناً قِيَماً) [الأنعَام : ١٦١] ولم يقل قِوَماً ، مثل قوله (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) لأن قِيمَاً من قولك قام قيماً كأنه بني على قَوُم أو قَوَم فلما اعتلّ فصار قَام اعتَل (قِيمَ) وأما حِوَل فهو على أنه جارٍ على غير فعل. أبو العباس عن ابن الأعرابيّ في قوله :  (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) قال تحويلاً وقال أبو زيد :

١٥٦

حُلْتُ بينه وبين الشر أَحُول أشدّ الحَوْلِ والمَحَالَةِ.

وقال الليث : حالَ الشيء بين الشيئين يحول حَوْلاً وتحويلاً. وحال الشيءُ نفسهُ يَحُول حُؤُولاً بمعنيين : يكون تغيُّراً ويكون تَحْوِيلاً ، وقال النابغة :

ولا يحولُ عطاءُ اليَوْمِ دُونَ غَدِ

أي لا يحول عَطاؤه اليوم دون عطاء غد.

قال : والحائل المتغير اللَّوْنِ ، ورمادٌ حائلٌ ، ونبات حائل. وقال اللِّحيانيّ : يقال : حُلت بينه وبين ما يريد حَوْلا وحُؤُولا. ويقال : بيني وبينك حائل وحُؤُولة أي : شيْءٌ حائل. وحال عليه الحوْلُ يحول حَوْلاً وحُؤُولاً. وأحال اللهُ عليه الحَوْلَ إحالةً. وأحالَت الدّارُ أي أتى عليها حَوْلٌ. ويقال : إن هذا لَمِنْ حُولَةِ الدهر وحُولَاءِ الدهر وحَوَلان الدهر وحِوَل الدهر ، وأنشد :

ومِنْ حِوَلِ الأيَّامِ والدهر أنه

حَصِيْنٌ يُحيَّا بالسلام ويُحْجَبُ

أبو عبيد عن الأصمعيّ : حُلْتُ في متن الفرس أَحُول حُؤُولاً إذا ركبْتَه. وقد حال الشخْصُ يحول إذا تحرّك. وكذلك كلّ متحوِّلٍ عن حالِه ، ومنه قيل : استَحَلْتُ الشخصَ نظرتُ هل يتحرَّكُ. وأخبرني المنذريُّ أنه سأل أبا الهيثم عن تفسير قوله : لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله ، فقال : الحَوْلُ الحَرَكَةُ ، يقال حالَ الشخص إذا تَحرَّك فكأنّ القائل إذا قال : لا حول ولا قوة ، يقول : لا حركَةَ ولا استِطَاعَةَ إلا بمشيئةِ الله.

الأصمعيّ : حَالَت النَّاقَةُ فَهِي تَحُولُ حِيَالاً إذا لم تحْمِل ، وناقَةٌ حائل ، ونوق حِيَالٌ وحُولٌ وقد حالت حُوَالاً وحُولاً ، وأنشد بيتَ أَوْسٍ :

لَقِحْنَ على حُولٍ وصَادَفْنَ سَلْوَةً

مِنَ العَيْشِ حتى كُلُّهنَّ يُمَنَّع

وأحال فلانٌ إِبِلَه الْعَامَ إذا لم يَضْرِبْهَا الفَحْلُ. والناس مُحيلون إذا حالت إِبِلُهم.

قال أبو عبيدة : لكل ذي إبل كَفْأَتَانِ ، أي قِطْعَتَانِ ، يقطعُها قِطْعَتَيْنِ فتُنْتَجُ قِطْعَةٌ عَاماً وتحولُ القِطعَةُ الأخرى ، فَيُرَاوِح بينهما في النّتاج ؛ فإذا كان العامُ المُقْبل نَتَجَ القطعةَ التي حالَتْ ، فكل قطعةٍ نَتَجَها فهي كَفْأَةٌ ؛ لأنها تهلك إن نتجها كُلُّ عام. ورجلٌ حائل اللون إذا كان أسودَ متغيراً.

اللحيانيّ : يقال للرجل إذا تحوّل من مكانٍ إلى مكان ، أو تحوَّل على رَجُلٍ بدَرَاهِمَ حَالَ وهو يَحُول حَوْلا. ويقال : أَحلْتُ فلاناً على فلان بدراهم أُحيله إِحالةً وإحالاً ، فإذا ذكرت فِعْلَ الرجلِ قلتَ حال يَحُول حَوْلا ، واحْتَال احتِيَالاً إذا تحوَّل هو من نفسه.

قال : وحالت الناقةُ والفرسُ والنخلةُ والمرأةُ والشاةُ وغيرُها : إذا لم تحملْ.

وناقة حائلٌ ونُوق حوائِل وحُولٌ وحُولَلٌ.

وقال بعضُهم : هي حائِل حُولٍ وأَحْوالٍ وحُولَلٍ أي حائِل أعوامٍ.

ويقال إذا وضعت الناقة : إن كان ذكراً سمّي سَقْباً وإن كانت أنثى فهي حائِلٌ.

١٥٧

قال وقال الكسائي : يقال لا حولَ ولا قوةَ إلّا بالله ، ولا حَيْلَ ولا قوّة إلا بالله ، وحكى ما أَحْيَلَه وأَحْوَلَه من الحِيلَة.

ويقال تحوّل الرجلُ واحْتَال إذا طلب الحِيلَة. ومن أمثالهم : مَنْ كانَ ذَا حيلةٍ تَحَوّل.

ويقال : هذا أَحْوُل من ذئْبٍ ، من الحِيلة ، وهو أحول من أَبِي بَرَاقِن ، وهو طائرٌ يتلوَّنُ ألواناً. وأحْوَلُ من أَبِي قَلَمُون وهو ثوب يتلَوَّن ألواناً. وفي دعاءٍ يرويه ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهُمّ ذا الحَيْلِ الشديد» ، والمحدِّثون يَرْوُونَه «ذا الحَيْلِ» بالباء ، والصواب ذا الحَيْلِ بالياء أي ذا القوَّة.

قال اللحيانيُّ : يقال إنه لشديدُ الحَيْلٍ أي القُوَّة.

قال : ويقال : لا حِيلَة ولا احتيالَ ولا مَحَالَةَ ولا مَحِلّة.

ويقال : حالَ فلان عن العهد يحول حَوْلاً وحُؤُولاً ، أي زَالَ وحالَ عن ظهر دابَّته يحول حَوْلاً وحُؤُولاً أي زال ومال.

ويقال أَيْضاً : حال في ظهرِ دابَّتِه وأحال ، لغتان إذا استوى في ظهر دابته ، وكلام العرب حالَ على ظهره وأحالَ في ظهره ، وقول ذي الرمة

أَمِنْ أَجْلِ دارٍ صَيَّرَ البينُ أهْلَها

أَيَادِي سَبَا بَعْدِي وطالَ احْتِيَالُها

يقول احتالتْ من أَهلِها لم ينزل بها حَوْلاً. أبو عبيد حَالَ الرجل يَحُول مثل تَحَوَّل من موضع إلى موضع.

اللَّيْثُ لغةُ تَمِيمٍ حَالَتْ عليه تَحَال حَوَلاً ، وغيرهُم يقول حَوِلت عينهُ تَحْوَل حَوَلاً ، وهو إقبالُ الحَدَقة على الأنْفِ ، قال وإذا كان الحَوَلُ يحدُث ويذهب قيل : احولَّتْ عينه احْولالاً واحْوالَّتْ احوِيلالاً.

أبو عبيد عن الأَصمعيّ : ما أَحْسَنَ حَالَ مَتْنِ الفَرس وهو موضع اللبد.

أبو عمرو : الحال الكارة التي يحملها الرجل على ظهره يقال منه تحولت حالاً قال أبو عبيد الحال أيضاً العجلة التي يدِبّ عليها الصبيّ وقال عبد الرحمن بن حسّان الأنصاريّ :

ما زَالَ يَنْمِي جَدّه صَاعِداً

مُنْذُ لَدُنْ فَارَقَهُ الحَالُ

قال والحال الطِّينُ الأسودُ. وفي الحديث أن جبريل لما قال فرعون (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) [يُونس : ٩٠] أخذ من حال البحر وَطِينِه فألقمه فَاه. اللحياني : حَالُ فلانٍ حسنَةٌ وحَسَنٌ والواحدة حالَةٌ.

يقال : هو بحالةِ سوءٍ ، فمن ذكّر الحال جمعه أَحْوَالاً ، ومن أنّثهَا جمعها حالاتٍ. قال : ويقال حالُ مَتْنِه وحَاذُ مَتْنِه ، وهو الظَّهْر بعينه.

قال الليث : والحال الوقت الذي أَنْتَ فيه. ثعلب عن ابن الأعرابيّ حالُ الرجل امرأتهُ. قال : والحالُ الرماد والحارّ ، والحالُ لحم المَتْن ، والحال الحَمْأَةُ ، والحال الكارَةُ ، يقال تحوّلْتُ حالاً على

١٥٨

ظهري إذا حملتَ كارةً من ثياب وغيرها.

وجمع الأحول حُولَانٌ. والحَوِيلُ الحِيلَةُ.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : أحال عليه بالسوط يضْرِبُه. وأحالَتْ الدَّارُ وأحْوَلَتْ : أتى عليها حَوْلٌ. وأحْوَلْتُ أنا بالمكان وأَحَلْتُ أقمت حولاً. الأصمعيّ : أحلت عليه بالكلام أي أقبلت عليه ، وأَحَال الذِّئْبُ على الدَّم أي أقبل عليه. ومن أمثال العرب : حَالَ صَبوحُهم على غَبوقِهم ، معنَاه أَنَّ القوم افْتَقَرُوا فَقَلَّ لَبَنُهم فصار صَبوحُهم وغَبوقهم واحداً.

وحال معناه انصبّ ، حال الماءُ على الأرض يَحُول عليها حَوْلاً وأَحَلْتُه أنَا عليها إحالةً أي صببتُه ، كتبتُه عن المنذري عن أصحابه ، وأحلْتُ الماءَ في الجَدْولِ أي صببتُه ، قال لبيد :

كأَنَّ دموعَهُ غَرْبَا سُنَاةٍ

يُحِيلُونَ السِّجَالَ على السِّجَالِ

أي يَصُبّون. وقال الفرزدق :

فكان كذِئْبِ السُّوءِ لَمَّا رأى دَماً

بصاحِبهِ يوماً أَحالَ على الدَّمِ

اللّحيانيّ : امرأةٌ مُحِيلٌ ومُحْوِلٌ ومُحَوِّلٌ إذا ولدَت غُلاماً على إثْرِ جاريةٍ أو جاريةً على إثر غلامٍ. قال ويقال لها العَكُوم أيضاً إذا حملت عامَاً ذكراً وعاماً أُنثى.

أبو الهيثم فيما أكْتَبَ ابْنَه ؛ يقال للقوم إذا أَمْحَلُوا فقلّ لبنُهم : حال صَبُوحُهم على غَبُوقهم ، أي صار صَبُوحُهم وغَبُوقهم واحداً. وحال بمعنى انصبّ. حال الماء على الأرض يحول عليها حَوَلاً وأحلّته إحالة أي صببتُه. ويقال أحلْتُ الكلام أُحيله إحالةً إذا أفسدتَه.

وروى ابنُ شميل عن الخليل بن أحمد أنه قال : المُحَال كلامٌ لغير شيءٍ ، والمستقيمُ كلامٌ لشيء ، والغلط كلام لشيء لم تُرِدْه واللغْوُ كلامٌ لشيءٍ ليس من شأنِك ، والكذب : كلام لشيء تَغُرُّ به. قال أبو داود المصَاحفّي : قرأته على النضر للخليل.

وقال الليث : الحَوّالَةُ إحالتك غريماً وتحوُّلُ ماء من نهر إلى نهر. قلت : ويقال : أحَلْتُ فلاناً بالمال الّذي له عليّ وهو مائَةُ درْهَم على رجل آخر لي عليه مائَةُ دِرْهَم ، أُحيلُه إحَالَةً فاحْتَال بها عليه وضَمِنهَا له ، ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «وإذا أُحِيلَ أَحَدُكم على مَلِيءٍ فليحْتَلْ» قال أبو سعيد : يقال : للذي يُحال عَلَيْه بالحق حَيِّل ، وللذي يقبل الحَوَالة حَيِّلٌ ، وهما الحيِّلان ، كما يقال البيِّعان. ويقال إنه لَيتحوَّل أي يجيءُ ويذهبُ ، وهو الحَوَلَانُ ، ثعلب عن ابن الأعرابيّ : قال الحُول والحُوّل الدواهي وهي جمع حُولة ابن السّكِّيت عن الأصمعيّ : جاء بأمر حُولَةٍ. من الحُوَل أي بأمرٍ منكر عجب.

وقال اللِّحيانيّ : يقال للرجل الدّاهية إِنه لحُولَةٌ من الحُوَل ، تسمى الداهيةُ نفسُها حُولةً.

وقال الشاعر :

وَمِنْ حُوْلَةِ الأيَّامِ يا أُمَّ خَالدٍ

لَنَا غَنَمٌ مَرْعِيَّةٌ ولنا بَقَر

١٥٩

ويقال لِلمُحتَالِ من الرجال إِنه لحُولَةٌ وحُوَّلة وحُوَلٌ وحُوَّلٌ قُلّب. وأَرْضٌ محتَالَةٌ ، إذا لم يُصِبْها المطرُ. وما أَحْسَنَ حَوِيلَه. قال الأصمعيّ : أي ما أَحْسَنَ مَذْهَبَه الذي يريد ويقال : ما أَضْعَفَ حَوَلَه ، وحويله وحيلته ، ويقال ما أقبح حولته ، وقد حَوِل حَوَلاً صحيحاً. شَمِرٌ : حَوّلت المَجَرَّةُ : صارت في شدة الحرّ وسط السماء ، قال ذو الرُّمَّة :

وَشُعْثٍ يَشَجُّونَ الفَلَا في رؤوسه

إذا حوَّلَتْ أُمُّ النّجومِ الشَّوابِكُ

قلت : وحوَّلَتْ بمعنى تحوّلت ، ومثله ولّى بمعنى تولّى.

وقال الليث : الحِيْلانُ هي : الحدائد بِخُشبِها يُدَاسُ بها الكُدْس. ثعلب عن ابن الأعرابيّ عن أبي المكارم قال الْحَيْلَةُ وَعْلةٌ تَخُرُّ من رأس الجَبَلِ ، رواه بضم الخاءِ ، إلى أسفله ، ثمَّ تخُرُّ أخرى ثم أخرى ، فإذا اجتمعت الوَعَلاتُ فهي الْحَيْلةُ. قال : والوَعَلاتُ صخراتٌ ينْحَدِرْن من رأْس الجبلِ إلى أسفَلِه.

وقال الأصمعي : الْحَيْلةُ الجماعة من المِعْزى أبو عبيد عن أبي زيد : الحُوَلَاءُ الماء الذي في السلى ، وقال ابن شميل الْحُولاء مضمِّنةٌ لما يخرُج من جَوف الولَدِ وهي فيها ، وهي أَعْقَاؤُه الواحدة عِقْيٌ وهو شيء يَخْرُج من دبره وهو في بطن أمه ، بعضه أسود وبعضه أصفر وبعضه أحمر.

وقال الكسائيُّ : سمعتهم يقولون هو رجل لا حُولَةَ له يُريدون لا حيلة له وأنشد :

لَهُ حُولَةٌ في محلِّ أَمْرٍ أَرَاغَهُ

يُقَضِّي بِها الأَمْرَ الذي كادَ صاحِبُه

وقال الفرّاء : سمعت أنا إنه لشديد الحيْل.

وقال ابن الأعرابي : ما لَهُ لا شَدَّ اللهُ حيْلَه يريدون حِيلَتَه وقوّته. أبو زيد : فلان على حَوَلِ فلان إذا كان مثلَه في السِّنِّ أو وُلِدَ على إثره. قال : وسمعت أعرابياً يقول جمل حَوْلِيٌ إذا أتى عليه حَوْلٌ وجمال حَوَالِيُ بغير تنوين وحواليَّة ومُهْرٌ حَوْلِيٌ ومِهارة حَوْليَّات أتى عليها حول.

المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : بنو مُحوّلة هم بنو عبد الله بن غطفانَ ، وكان اسمهُ عبدَ العُزَّى ، فسمّاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبدَ الله فسمُّوا بني مُحَوَّلة. قال والعرب تقول : مِنَ الحيلة تَركُ الحِيلة ، ومن الحذر تَرك الحذر. وقال : ما له حيلةٌ ولا حَوَلٌ ولا مَحَالةَ ولا حَويل ولا حِيلْ ولا حَيْلٌ وقال : الحيْل القوة.

لوح ـ ليح : قال الليث : اللَّوْحُ : اللَّوْحُ المحفوظ ، صفِيحَة من صفائح الخشب والكتِف إذا كُتِبَ عليه سُمّي لَوْحاً ، وألواحُ الجسد عظامه ما خَلا قصبَ اليدين أو الرجلين ، ويقال بل الألواح من الجسد كلُّ عَظْمٍ فيه عِرَضٌ واللَّوحُ العطشُ وقاله أبو زيدٍ ، وقد لَاحَ يَلُوحُ إذا عطِش.

وقال الليثُ : لاحَهُ العطَشُ ولوَّحه إذا غيَّره ، والْتَاحَ الرجلُ إذا عطِش. ولاحه البَرْدُ ولاحَه السُّقْمُ والحُزْن ، وأنشد غيره :

ولم يَلُحْها حَزَنٌ على ابنِم

ولا أَبٍ ولا أخٍ فَتَسْهُمِ

١٦٠