تهذيب اللغة - ج ٥

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٠

احطوطى : في «النوادر» فلان مُحْطَوْطٍ على فلان ومُقْطَوْطٍ ومُكْتَوْتٍ ومحْتَيْطٍ أي غضبان.

باب الحاء والدال

[ح د (وايء)]

حدا ، حدأ ، حاد ، دحا ، داح ، وحد ، ودح ، أحد.

حدو : قال الليث : يقال حدَا يَحْدُو حَدْواً وحُدَاءً مَمْدودٌ : إذا رَجَز الحادي خلف الإبل ويقال : حَدَا يَحْدُو حَدْواً إذا تَبع شيئاً. ويقال للعَيْر حادِي ثلاثٍ وحادي ثمانٍ إذا قدَّم من أُتُنه أمامه عدّةً.

وقال ذو الرمة :

حادي ثمانٍ من الحُقْب السماحيج

ويقال للسَّهْم إذا مضى : حدا الريشَ وحدا النَّصْلَ.

وقال الليث : الحُدَيَّا من التَّحَدِّي ، يقال فلان يتحدى فلاناً أي يُباريه ويُنازِعُه الغلبة ، تقول أنا حَدَيَّاك بهذا الأمْرِ أي أبرُزْ لي وجَارِني ، وأنشد

حُدَيَّا الناسِ كلِّهم جميعاً

لِتَغْلِبَ في الْخطوب الأولينا

عمرو عن أبيه : الحَادِي المتعمِّدُ للشيء ، يقال حداه وتَحَدَّاه وتحرَّاه بمعنى واحدٍ.

قال ومنه قول مجاهد : كنت أتحدّى القُرّاء فأقرأ ، أي أتعمَّد ، وقال ابن الأعرابيّ مثله. قال : وهو حُدَيَّا النَّاس أي يتحدَّاهم ويتعمَّدُهم. وقال : الهوادِي أوائل كُلِّ شيء والحَوَادِي أَوَاخِرُ كلِّ شيء.

ورُوِيَ عن الأصمعيّ أنه قال : يقال لك هُدَيّا هذا وحُدَيَّا هذا وَشَرْوَاه وشكْلُه ، كله واحِدٌ.

أبو زيد يقال لا يقوم لهذا الأمر إلا ابن إحداهما يقول إلا كريم الآباء والأمهات من الرجال والإبل.

ومن مهموزه : حدأ : قال الليث : الحِدَأةُ طائر يطير يصيد الجِرْذَان ، وقال بعضهم إنه كان يصيد على عهد سليمانَ ، وكان من أصْيَدِ الجوارح فانقطع عنه الصيدُ لدعوة سليمان.

وقال العجاج في صفة الأثافي :

كأنّهن الحِدأُ الأُوِيُ

وقال أبو بكر بن الأنْبَارِيّ الحِدَأُ جمع الحِدَأَةِ ، وهو طائر ، وربما فتحوا الحاء فقالوا حَدَأَةٌ ، وحَدأ ، والكسر أجْود. وقال الحَدَأ الفُؤُوس ، بفتح الحاء.

قال : وحَدِئَ بالمكان حَدَأً إذا لَزِقَ به وحَدِئَ على صاحبه حَدَأً إذا عَطَف عليه.

وحَدِئت الشَّاة إذا انقطع سلاها في بطنها واشتكت عليه حَدَأً ، مقصورٌ مهموز. قال والحَدَأُ مقصورٌ بفتح الحاء شبه فأس يُنْقر به الحجارة وهو محدد الطرف.

وقال الشماخ يصف الإبل :

يُبَاكِرْن العِضَاهَ بِمُقْنعاتٍ

نواجِذُهن كالحَدَإ الوقِيع

شبّه أنيابَها بالفُؤُوس المحدَّدَة.

وقال ابن السكيت تقول هي الحِدَأَةُ والجميع الحِدَأُ مكسورُ الأوّل مهموزٌ ، ولا تقول حَدَأَةٌ ، قال : وتقول في هذه

١٢١

الكلمة : حِدَأَ حِدَأَ وراءَك بندقَةٌ. قال وهو ترخيمُ حدأة. قال وزعم ابنُ الكلبي عن الشرقي أن حِدَأةً ، وبندقَةً ، قبيلتان من اليمن ، والقول هو الأَوَّل.

وقال النابغة :

فأوْرَدَهُنَ بَطْنَ الأَتْم شُعْثاً

يَصُنَّ المَشْيَ كالحِدَأ التُّؤَامِ

وقال أبو حاتم : أهل الحجاز يُخْطِئُون فيقولون لهذا الطائِر : الحُدَيّا ، وهو خَطَأٌ ، ويجمعونه الحَدَادِي ، وهو خطأ.

قلتُ ورُوِي عن ابن عباس أنه قال لا بأس بقتل الحِدَوْ والأَفْعَوْ للمُحْرِم ، وكأنّها لغة في الحِدَإ ، والحُدَيَّا تصغير الحَدَوْ.

قلت وأمّا الفَأس ذاتُ الرأسين فإنّ أبا عبيد روى عن الأصمعيّ وأبي عبيدة أنهما قالا يقال لها الحِدَأة على مثل عِنَبة ، وجمعها حِدَأٌ بكسر الحاء ، وأنشد قول الشماخ بالكسر كالحِدَإ الوقيع.

قلتُ : ورَوَى ابنُ السكيت عن الفرّاء وابن الأعرابيّ أنهما قالا هي الحَدَأةُ بفتح الحَاء ، والجميع الحَدَأُ ، وأنشد قولَ الشماخ بفتح الحاء ، قلت والبصريون على حِدَأةٍ بالكسر في الفأس ، والكوفيّون على حَدَأَةٍ.

وقال ابن السكيت في قولهم حِدَأْ حِدَأْ وراءَكِ بُنْدُقة.

قال قال الشرقي : هو حِدَأُ بنُ نَمِرة بنِ سعد العشيرة ، وهم بالكوفة. وبندُقَةُ بنُ مطيّة وهو سفيانُ بنُ سَلهم بن الحكَمِ بن سعد العشيرة ، وبندقة باليمن ، فأغارت حِدَأُ على بندقة فنالتْ منهم ، ثم أغارت بندقَةُ على حِدَأَ فأبادَتْهم.

وقال أبو زيد في كتاب الهمز : حَدِئتُ بالمكان حَدَأً إذا لزقتَ به ، وحَدئْتُ إليه حَدَأً إذا لجأتَ إليه ، وحدئتُ عليه حَدَأ إذا حديْتَ عليه ونصرْتَه ومنَعْتَه.

وقال الفراء في «المقصور والممدود» حَدِئَت المرأة على ولدها حَدَأً وحَدِئت الشَّاةُ إذا انقطع سَلَاهَا في بطْنها فاشتكت منه.

أبو عمرو : حَدِئتُ عليه وحَدِيتُ بمعنى واحد : إذا نصرْتَه ومنعْتَه.

وروى أبو عبيد عن أبي زيد في كتاب الغَنَمِ فيما قرأْتُ على الإيادي لشمر ، حَذَيتْ الشاة تَحْذَى حُذَاء بالذال إذا انقطع سلاها في بطنها.

قلت : وهذا تصحيف والصواب ما قاله الفراء بالدال والهمز.

وروى أَبُو العباس عن ابن الأعرابي قال : كانت قبيلةٌ تتعمد القبائل بالقتال يقال لها حِدَأةُ وكانت قد أنزت على النّاس فتحدَّتْها قبيلةٌ يقال لها بُنْدُقَةٌ فهزمَتْها فانكسرت حِدَأَة فكانت العربُ إذا مر بها حِدَئِيٌ تقول له حِدَأْ حِدَأْ وراءَك بندُقة.

أبو عبيد عن أبي عمرو والكسائي في باب الهمز حَدَأْتُ الشيءَ : صرفْتُه.

حيد : قال الليث : الحَيْدُ كلُّ حَرْف من الرأس ، وأنشد :

حابى الحُيُود فَارِضِ الحُنْجُور

١٢٢

قال : والحَيْدُ ما شَخَص من الجَبَلِ واعوجّ ، وكل ضِلَعٍ شديدِ الاعوجاج حَيْد ، وكذلك من العظم ، وجمعه حُيُود.

والرجل يَحِيدُ عن الشيء إذا صَدّ عنه خوفاً وَأَنفةً ، مصدره : حَيْدُودَةً وحَيْداً وحَيَداناً ، ومَالَكَ مَحِيدٌ عن ذلك. وحُيُودُ البعير مثلُ الورِكْين والساقَين.

وقال أبو النجم يصف فحلاً :

يقودُها ضَافي الحُيُود هَجْرَع

مُعْتَدِل في صَبْره هَجَنَّع

أي يقود الإبلَ فحلٌ هذه صفته.

وقال ابن الأنباري رجل حَيَدَى : الذي يَحيدُ ، قال وأنشد الأصمعي لأمية ابن أبي عائذ :

أو اصْحَمَ حَامٍ جَرَامِيزَه

حَزَابِيَةٍ حَيَدَى بالدِّحال

المعنى أنه يحمي نفسَه من الرُّماة.

قال الأصمعي ولم أسمع فَعَلى إلّا في المؤنّث إلا في قول الهذلي :

كأني ورَحْلِي إذا رُعْتُها

على جَمَزَى جَازِىءٍ بالرمال

قال : أنشدنَاهُ أبو شعيْبٍ عن يعقوب زُعْتها وسُمِّي جَدُّ جريرٍ الخَطَفَى ببيت قاله :

وعَنقا بعد الكلال خَطَفى

ويروى خَيْطَفى.

أبو عبيد عن الأصمعي الحَيْدُ شاخص يخرج من الجَبَل فَيَتَقدَّم كأنَّه جناح.

وقال غيره اشتكت الشاة حَيَداً إذا نشب ولدها فلم يسهل مَخْرجه. ويقال : في هذا العُودِ حُرُودٌ وحُيُود : أي عُجَرٌ. ويقال قدّ فلان السَّيْر فَحَرَّدَه وحَيَّده : إذا جعل فيه حُيوداً. وحُيودُ القرن ما تلوَّى منه. ويقال قرن ذو حِيَدٍ أي ذو أَنَابِيبَ مُلْتَوِية. وقال الهذلي :

تالله يبقى على الأيام ذُو حَيَدٍ

يعني وَعِلاً في قرنه حيد.

دحو : قال الليث : المِدْحاةُ خشبة يَدْحَى بها الصبيُّ فتمر على وجْه الأرض لا تأتي على شيء إلا أجْحَفته. والمطر الدَّاحي يَدْحَى الحَصَى عن وجه الأرض. والدَّحْو البسط.

وفي حديث علي رضي‌الله‌عنه : أنه قال «اللهم دَاحِيَ المُدْحِيَّات» يعني باسطَ الأرَضينَ السبع وموسِّعَها ، وهي المدحُوّات بالواو.

والأُدْحيُ مَبِيضُ النعام. وهذا المنزل الذي يقال له البَلْدَةُ في السماء بين النَّعَائِم وسعدٍ الذّابح يقال له الأُدْحِيّ.

وقال الفرّاء في قول الله جلّ وعزّ : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النَّازعَات : ٣٠]. قال : بَسَطَها.

وقال شمر أنشدتني أعرابية :

الحمد لله الذي أَطَاقَا

بَنَى السَّماءَ فَوْقَنَا طِبَاقَا

ثم دَحَا الأرْضَ فَما أَضَافا

قال شمر : وفَسَّرَتْه فقالت : دحا الله الأرْضَ أوْسَعَها. قالت : ويقال : نام فلانٌ فتدَحَّى أي اضْطجع في سَعَةِ الأرض.

وقال العِتْريفيُّ : تدحَّت الإبل إذا تَفَحَّصَتْ في مَبارِكها السهلةِ حتى تَدَعَ فيها قَرامِيصَ

١٢٣

أمثالَ الحِفَار ، وإنما تفعل ذلك إذا سَمِنَتْ. قال : وقال غيره : دحَّ فلان فلاناً يَدُحُّه ودَحَاه يَدْحُوه إذا دفعه ورمى به ، كما يقال عَرَاه وعَرَّ إذا أتاه.

وفي الحديث «يَدْخل البيتَ المعمورَ كُلَّ يومٍ سبعون أَلْفَ دِحيةٌ مع كل دِحية سبعون ألفً مَلَكٍ» والدِّحْية رئيس الْجُنْدِ ، وبه سُمِّي دِحيةُ الكلبيّ.

ورَوَى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : الدِّحْيَةُ : رئيسُ القوم وسيدهم بكسر الدَال.

وروى ابن أبي ذُؤيْب عن إسحاق بن يزيد الهذلي أنه سألَ ابنَ المسيَّب عن الدَّحْوِ بالحجارَةِ فقال لا بأس به.

قال شمر : قال ابن الأعرابي يقال : هو يَدْحُو الحَجَرَ بيده أي يَرْمِي به ويَدْفَعُه.

قال : والدَّاحِي الذي يَدْحُو الحَجَرَ بيدِه ، وقد دَحَا بِه يَدحو دَحْوَاً ودَحَى يدحى دَحْياً.

وقال عبيد يصف غيثاً :

يَنْزِعُ جلْدَ الحصى أَجَشُّ مُبْتَرِكٌ

كأنّه فَاحِصٌ أو لاعِبٌ داحِ

قال شمر : وقال غيرُه : المِدْحَاةُ لُعبة يلعَبُ بها أهلُ مكَّةَ. قال : وسمعت الأسدي يصفها ويقول : هي المَدَاحِي والمَسَادِي ، وهي أَحْجَارٌ أمثالٌ القِرَصة وقد حفروا حَفيرة بِقَدْرِ ذَلِك الحَجَرِ فيتنَحَّون قليلاً ثم يَدْحُون بتلك الأحجارِ إلى تلك الحَفيرة ، فإن وقع فيها الحجرُ فقد قَمَر وإلا فقد قُمِر. قال : وهو يَدْحُو ويَسْدُو إذا دَحَاها على الأرض إلى الحفرة. قال : والحفرة هي أُدْحِيَّة وهي أُفْعُولة من دحَوْتُ وأنشد :

وَيَدْحُو بك الدَّاحِي إلى كُلِّ سَوْءَةٍ

فياشر من يَدْحُو بأطيش مُدْحَوِي

دوح : قال الليث : الدَّوْحُ الشجرُ العِظَام ، الواحدة دَوْحَةٌ.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : بيت الشَّعر إذا كان ضَخْماً فهو دَوْحٌ.

أبو عبيد : عن أصحابه : الدَّوْحَةُ الشجرةُ العظيمةُ.

وقال أبو عُمَر أخبرني أبو عبدِ الله الملهوف عن ابن حمزة الصوفي أنه أنشد :

لولا حِبَّتي دَاحَهْ

لكان الموتُ لي رَاحَهْ

قال : فقلت له : ما دَاحَهْ؟ فقال : الدُّنْيَا.

قال أبو عُمَر : وهذا حرفٌ صحيح في اللُّغَة لم يكن عند أحمد بن يحيى ، قال وقول الصبيان الدّاحُ منه. ويقال دَاحت الشجرة تَدُوحُ إذا عظُمَتْ ، فهي دَائحةٌ وجمعها دَوائح.

وقال الراعي :

غَذاه وحَوْلِيُّ الثرى فوق مَتْنِه

مَدَبُّ الأَتِيِّ والأَرَاكُ الدوائحُ

وحد ـ أحد : قال الليث : الوحَدُ المنفرِدُ ، رجل وحَدٌ وثور وحَدٌ وتفسيرُ الرّجُلِ الوَحَدِ أنْ لَا يُعْرَفَ له أَصْلٌ.

وقال النابغة :

* بذي الجَليل على مُسْتَأْنِسِ وَحَدِ*

١٢٤

قال : والوَحْدُ خفيفٌ : حِدَةُ كل شيء ، يقال : وَحَدَ الشيء فهو يَحِدُ حِدَةً ، وكل شيءٍ على حِدَةٍ بائنٌ من آخَرَ ، يقال ذاك على حِدَتِه ، وهما على حِدَتِهما ، وهم على حِدَتِهم. والوَحْدَةُ الانفراد.

ثعلب عن سلمة عن الفراء رجل وَحِيدٌ وَوَحَدٌ ووَحِدٌ ، وكذلك فريد وفَرَدٌ وفَرِدٌ.

وقال الليث : رجلٌ وحيدٌ لا أَحَدَ معه يُؤْنِسُه ، وقد وَحُدَ يَوْحُدُ وحَادَةً وَوَحْدَةً وَوَحَداً.

قال : والتَوْحيد الإيمانُ بالله وحْدَهُ لا شريك له ، والله الْوَاحِدُ الأحد ذو الوحْدانيَّة والتَّوَحُّدِ.

قال : والوَاحِدُ أَوّلُ عَدَدٍ من الحسابِ تقول : واحدٌ واثنان وثلاثةٌ إلى عشرة فإذا زاد قلت : أَحَدَ عشْرَ يجري أحد في العدد مجرى واحدٍ ، وإن شئت قلت في الابتداء وَاحِدٌ اثنان ثلاثة ، ولا يقال في أحد عشر غير أحد والتأنيثُ وَاحِدَةٌ وإحدى في الابتداء يجري مَجْرَى وَاحِدِ في قولك أحد وعشرون كما يُقالُ واحِدٌ وعشرون.

فأمَّا إِحْدَى عشرة ، فلا يقال غَيْرُها ، فإذا حَمَلوا الأحَدَ على الفَاعِل أُجْرِي مُجْرَى الثّاني والثالثِ ، وقالوا هو حَادِي عشرتهم وهذا ثاني عَشَرَتِهم والليلةُ الحادية عشر واليوم الحادي عَشَرَ. قال وهذا مقلوبٌ كما يقال : جَبَذ وجَذَبَ.

قال : والوُحْدَانُ جمع الوَاحِدِ ، ويقال الأُحْدَانُ في موضع الوُحْدانِ. ويقال أَحِدْتُ إليه أي عَهِدتُ إليه وأنشد الفراء :

بانَ الأحِبَّةُ بالأَحْدِ الذي أَحِدُوا

يريد بالعهْدِ الذي عهدوا. وتقول : هو أَحَدُهُم ، وهي إحْداهُنّ ، فإن كانت امرأةٌ مع رجال لم يستقم أن تقول هي إحداهُم ولا أحَدُهم ، إلّا أن يُقَالَ هي كأحَدِهم أو هي وَاحِدَةٌ مِنْهُم.

قال : وتَقُول : الجلوسُ والقعودُ واحدٌ وأصحابي وأصحابُك واحِدٌ. قال : والمَوْحَدُ كالمَثْنَى والمَثْلَثِ. تقول جَاءُوا مَثْنَى مَثْنَى. ومَوْحَدَ ومَوْحَد. وكذلك جاءُوا ثُلَاثَ وثُنَاءَ وأُحَاد. قال : والمِيحَادُ كالمِعْشَارِ ، وهو جُزْءٌ واحدٌ كما أن المِعْشَارَ عُشْرٌ. والمَوَاحِيدُ جَمَاعةُ الميحادِ. لو رأيتُ أَكَمَاتٍ منفرِدَاتٍ كلُ واحدةٍ بَائِنَةٌ من الأُخْرى كانت مِيحاداً أو مواحيدَ.

وأخبرني المنذريُّ عن أبي الهيثم أَنَّه قال في قوله :

لقد بَهَرْتَ فما تَخْفى على أَحَد

إلا على أحدٍ لا يعرف القَمَرَا

فقال أبو الهيثم أقام أَحَدَ مُقَام مَا أَوْ شَيْء ، وليس أحدٌ من الإنْس ولا من الْجنّ ولا يتكلَّم بِأَحَدٍ إلّا في قولك : ما رأيتُ أحَداً قَالَ أو تكلّم بذاك من الجنّ والإنْس والمَلَائِكَةِ ، فإذا كان النَّفْسُ في غيرهم قلتَ ما رأيْتُ شيئاً يَعْدِلُ هذا ، وما رأيت مَا يَعْدل هَذَا ، ثم تُدْخِلُ العربُ شيئاً على أحَدٍ ، وأَحَداً على شيء ، قال الله تعالى (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ) [المُمتَحنَة : ١١] الآية وقرأها ابن مسعود (وإن فاتكم أحد من أزواجكم). وقال :

١٢٥

وقالت فلو شَيْءٌ أَتَانَا رَسُوُله

سِوَاكَ ولكِنْ لم نَجدْ لك مَدْفعا

أقامَ شَيْئاً مُقَامَ أحَدٍ ، أي ليس أحَدٌ معدولاً بك.

وتقول : ذاك أَمْرٌ لَسْتُ فيه بأَوْحَدَ : لست على حِدةٍ. قال : والأَحَدُ أصلُها الواو. وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس أنه سُئل عن الآحاد : أهِي جمع الأحد؟ فقال : معاذَ الله ليس للأَحَدِ جمعٌ ؛ ولكن إن جعلْتَه جَمْعَ الوَاحِدِ فهو محتَملٌ ، مثل شاهد وأَشْهَاد ، قال وليس للواحد تثنيةٌ ولا للاثنين واحدٌ من جِنْسِه.

ألف أحد مقطوعةٌ ، وكذلك إحدى ، وتصغير أحَدِ أُحَيْد وتصغير إحدى أُحَيْدَى ، وثبوت الأَلِفِ في أَحَدٍ وإِحْدَى دليلٌ على أنها مقطوعة وأَمَّا الألِفَ اثني واثنَتَي فَألِفُ وَصْلٍ. وتصغيرُ اثْنَي ثُنَيَّا ، وتصغير اثنَتَيْ ثُنَيّتَا.

وقال أبو إسحاق النحوي : الأَحَدُ أصله الوَحَدُ. وقال غيره : الفرقُ بين الوَاحدِ والأحدِ أَنَ الأَحدَ بُنِي لنَفْي ما يُذكَرُ معه من العَدَد ، والواحدُ اسمٌ لمُفْتَتَح العَدَدِ ، وأَحَدٌ يصلح في الكلام في موضِعِ الجَحْدِ ، وواحِدٌ في موضِعِ الإثْبَاتِ. تقولَ ما أتاني منهم أحدٌ وَجَاءَنِي منهم وَاحدٌ. وَلا يقالُ جاءَني منْهُمْ أحدٌ ، لأنك إذا قلت : ما أتاني منهم أَحَدٌ فمعناه ، لا وَاحِدَ أتاني وَلا اثْنَانِ ، وإذا قلت جاءني منهم وَاحِدٌ فمعناه أنه لم يأتني منهم اثْنَانِ ، فهذا أحَدَ الأَحَدِ ما لم يُضَفْ ، فإذا أُضِيفَ قَرُبَ من معنى الوَاحِد ، وذلك أنك تقول : قال أَحَدُ الثلاثَةِ كذا وكذا ، فأنت تريد وَاحِداً من الثَّلاثة.

والواحِدُ بُنِيَ على انقطاعِ النَّظِيرَ وعَوَزِ المثْلِ ، والوحِيدُ بني على الوَحْدَةِ والانفرادِ عن الأصحاب ، من طريق بَيْنُونَتِه عَنْهم. وقولهم لست في هذا الأمر بأوْحَدَ أي لَسْتُ بعادم لي فيه مِثْلاً وعِدْلاً وتقول : بقيتُ وحَيداً فَرِيداً حَرِيداً بمعنَى وَاحِدٍ ، ولا يقال بقيتُ أَوْحَدَ وأنت تريد فَرْداً. وكلام العرب يُجْرَى على ما بُنِيَ عليه مأخوذاً عنهم لا يُعْدَى به مَوْضِعُه ولا يَجُوزُ أن يَتَكَلم فيه إلا أهلُ المعرفةِ الثاقِبةِ به الّذين رسخُوا فيه وأَخَذُوه عن العربِ أو عَمَّن أَخَذَه عَنْهُم من الأَئِمّة المأمونِين وذوي التمييز المبرِّزين.

وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابي : يقال فلان إحْدَى الأَحَدِ كما يقال واحدٌ لا مِثْلَ له. يقال : هو إحدَى الإحَدِ وأَوْحَدُ الأَحَدِين ووَاحِدُ الآحَادِ ، قال : ووَاحِدٌ وَوَحِدٌ وأَحَدٌ بمعنى وقال :

فلما الْتَقَيْنَا وَاحِدَيْنِ عَلَوْتُه

بذي الكفِّ إني لِلْكُماةِ ضَرُوبُ

وسُئِلَ سُفيانُ بن عيينة فقال : ذاك أَحَدُ الأَحَدِين.

قال وقال أبو الهيثم : هذا أَبْلَغُ المدح.

أبو حاتم عن الأصمعي : قال العرب تقول : ما جَاءني مِنْ أَحَدٍ ولا يقالُ قدْ جاءني من أَحَدٍ ، ولا يقال ـ إذا قيلَ لك ما يَقُول ذلك أَحَدٌ بلى يقول ذَلِك أَحَدٌ.

١٢٦

قال ويقال : ما في الدّارِ عَرِيبٌ ، ولا يقال : بَلَى فيها عَرِيبٌ.

وروى أَبُو طالب عن سلمة عن الفراء قال : أَحَدٌ يكون للجَميع ولِلْوَاحِد في النّفي ، ومنه قول الله جلّ وعزّ : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ ٤٧) [الحَاقَّة : ٤٧] جعل أَحَداً في موضِع جَمْع ، وكذلك قوله (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البَقَرة : ٢٨٥] فهذا جمْع لأنّ «بَيْن» يَقَعُ إلا على اثْنَيْنِ فما زَاد. وقال والعرب تقول : أنتم حيٌ واحد وحيٌ واحِدُونَ ، قال وموضِعُ واحدينَ وَاحِدٌ وقال الكميت :

فَرَدَّ قَوَاصِيَ الأَحْيَاء منْهُمْ

فقد أَضْحَوْا كحَيِ وَاحِدِينا

وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن سلمة عن الفرَاء أنه حكى عن بعض الأعراب : معي عشرةٌ فَاحْدُهُنَ لِيَه ، أي صيِّرْهن لي أحَدَ عَشَرَ ، ونحوَ ذلك قال ابنُ السكيت. قلت : جعل قوله فاحْدُهن ليَهْ من الحَادي لا من أَحَدٍ.

وقال أبو زيد : يقال لا يَقُوم لهذا الأمر إلا ابن إحداهما أي الكريمُ من الرجالِ ، وفي «النوادر» : لا يستطيعها إلا ابنُ إحْدَاتِها ، يعني إلا ابنُ وَاحدَةٍ منها.

وقال ابن السكيت : يقال هذا الحادِيَ عَشَرَ ، وهذا الثاني عَشَرَ وكذلك الثالثَ عَشَرَ إلى العشرين ، مفتوح كله وفي المؤنث هذه الحاديةَ عشرةَ والثانيةَ عشرَة إلى العشرين ، تُدخِلُ الهاءَ فيهما جميعاً.

قلتُ : وما ذكرت في هذا البابِ من الألفاظِ النَّادرة في الأَحَدِ والوَاحِد وإحْدَى والحَادي وغيرِها فإنه يُجْرَى على ما جاءَ عن العرب ولا يُعدى به ما حُكِيَ عنهم لقياس مُتَوَهَّمٍ اطّرادُه ؛ فإنّ في كلامِ العربِ النوادرَ لا تنقاس ، وإنما يحفَظُهَا أهل المعرفة المعنّيون بها ولا يقيسون عليها.

وأمّا اسم الله جلّ ثناؤه أَحَدٌ فإنه لا يوصف شيء بالأحَدِيَّة غيرُه ، لا يقال رَجُلٌ أَحَدٌ ولا دِرْهَمٌ أَحَدٌ ، كما يقال رجل وَحَدٌ أي فَرْدٌ ، لأنّ أحَداً صفةٌ من صفات الله التي استأثر بها ، فلا يَشْركُه فيها شيءٌ ، وليس كقولك : الله واحدٌ ، وهذا شيء واحدٌ ، لأنه لا يقال شيء أحَدٌ وإن كان بعضُ اللغويين قال إن الأصل في الأَحَدِ وَحَدٌ. وقال اللحياني قال الكسائيُّ : ما أنت إلا من الأَحَدِ أي من الناس وأنشد :

وليس يَطْلُبُني في أَمْرٍ غانيه

إلا كعَمْرُو ما عمرٌو من الأَحَدِ

قال ولو قلت : ما هو مِنَ الإنسان ، تريد من النَّاس أصَبْتَ.

قال وقوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ٦) [الانفِطار : ٦] قيل إنه بمعنى النَّاس ، وأما قولُ الله جلّ وعزّ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ١ ، ٢] فإنّ أكثَرَ القُرّاءِ على تَنْوين (أَحَدٌ) وقد قُرِىءَ بترك التنوين ، وقُرىء بإسكان الدَّال (قل هو الله أحَدْ) وأجودها الرَّفْعُ مع إثبات التنوين في الإدراج ، وإنما كُسر التنوينُ لسكونه وسكون اللّام من الله ، وَمَن حذف التنوين فلالْتقاء الساكنين أيضاً.

١٢٧

وأما قول الله جلّ وعزّ : (هُوَ اللهُ) فهو كناية عن ذكر الله المعلوم قبل نزول القرآن ، والمعنى الذي سألتم تَبْيينَ نَسبه هو الله ، وقوله (أَحَدٌ) مرفوع على معنى : هو الله هو أحد.

ورُوِي في التفسير أن المشركين قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم انسُب لنا ربك فأنزل الله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ) قلت وليس معناه أنّ لله نسباً انتسب إليه ولكن معناه نفي النسب عن الله الواحِدِ لأن الأَنْسَابَ إنما تكون للمخلوقين ، والله صفته أنه لم يَلِدْ ولداً يُنْسَب إليه ولم يلده أحد ، فينسبَ إلى وَالِدهِ ولم يكن له مِثْل ، ولا يكون فيُشبه به ، تعالى الله عن افتراء المفترين وتقدّس عن إلحاد المشركين وسبحانَه عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً. قلت و (الْواحِدُ) في صفة الله معناه أنه لا ثَانِي لَهُ ، ويجوز أن يُنْعَتَ الشيء بأَنه وَاحِدٌ فأمَّا أَحَدٌ فلا يوصَفُ به غيرُ الله لِخُلوصِ هذا الاسمِ الشريف له جل ثَنَاؤُه.

ويقول أحَّدْتُ الله ووحَّدْتُه وهو الأَحَدُ الوَاحِدُ ، وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أَنَّهُ قال لرجل ذكر الله وأومأ بأصبعَيْه فقال له : أَحِّد أَحِّدْ ، معناه أَشِرْ بإصبَع وَاحِدٍ وأما قول الناس توحَّد الله بالأمْرِ وتفرّد فإنه وإن كان صحيحاً في العربية فإني لا أُحِبُّ أن ألْفِظَ بلفْظٍ في صفة الله لم يصِفْ به نَفْسه في التنزيل أو في السنة ولم أجد المتوحِّد ولا المتفرِّد في صفاته ، وإنما تَنْتَهي في صفات الله إلى ما وصف به نفسه ، ولا تجاوزه إلى غيره لجوازه في العربية ـ تعالى الله عن التمثيل والتشبيه علوّاً كبيراً.

اللحياني يقال : وُحِد فلان يُوحَد أي بقي وحْدَه ، ويقال أوحد الله جانبه أي بَقي وَحْدَهُ ، ويقالُ أَوْحَدَنِي فلانٌ للأعداء. قال وَوحِد فلان ووَحُد وفَرُد وفَرِد فَقِهَ وفَقُهَ وسَفُه وسَفِهَ وسَقُمَ وسَقِم وفَرُع وفَرِع وحَرُص وحَرِص.

وقال اللَّيْثُ الوَحْدُ في كل شيء مَنْصُوب لأنه جرى مَجْرى المصدر خارجاً من الوصف ليس بنعْتٍ فيتبعَ الاسم ولا بخبر فيقصدَ إليه فكان النصبُ أولَى به إلا أن العرب قد أضافَتْ إليه فقالت هو نَسِيجُ وَحْده وهما نَسِيجَا وحْدِهِما ، وهم نُسجَاء وَحْدِهم ، وهي نسيجَة وَحْدِها ، وهنّ نسائج وحْدِهِنّ ؛ وهو الرجل المُصيب الرأي. قال وكذلك قَرِيعُ وحْدِه وكذلك صَرْفه وهو الذي لا يُقَارعه في الفَضْلِ أحَدُ.

قال أبو بكر بن الأنباري وحْدَهُ منصوب في جميع كلام العرب إلا في ثلاثةِ مواضع : يقال لا إله إلّا الله وحدَه ومررت بزيد وحْدَه وبالقوم وحْدَهم. قال وفي نصب وحْدَه ثلاثة أقوال قال جماعةٌ من البصريين هو مَنْصُوبٌ على الحال. وقال يونُس «وحدَهُ» هو بمنزلة عِنْدَهُ. وقال هشام : وحدَهُ هو منصوب على المصْدَر. وحكى وَحَدَ يَحِد ، صَدَّرَ وحْدَه عن هذا الفعل. قال هشام والفراء : نَسِيجُ وحْدِه وعُيَيْر وحْدِه ووَاحِد أُمِّه نكرات. الدليل على هذا تقول ربّ نسيج وحْدِه قد رأيتُ ، وربّ وَاحِدِ أمّه قد أسرْت وقال حاتم :

١٢٨

أماوِيَّ إني رُبّ واحِدِ أُمِّه

أخَذْتُ ولا قتلٌ عليه ولا أَسْرُ

وقال أبو عبيد في قول عائشة ووصفِها عُمَرَ : كان والله أحْوَزِياً نسيجَ وحْدِه تعني أنه ليس شِبْهٌ في رأيه وجميع أَمْرِه وأنشد :

جاءت به مُعْتَجِراً بِبُرده

سفواءُ تَخْدِي بنسيج وحْدِه

قال : والعرب تَنْصِبُ وحْدَه في الكلام كلِّه ، ولا ترفعه ولا تَخْفِضُه إلّا في ثلاثة أحرف نسيج وحْدِه وعيير وحده وجُحَيْشُ وحْدِه. قال وقال البصريون : إنّما نصبوا وحدَه على مذهب المصدر أي توحَّد وحده وقال أصحابُنَا : إنّما النصب على مَذْهَبِ الصّفة.

قال أبو عبيد : وقد يدخل فيه الأمران جميعاً. وقال شمر أمَّا نسيج وحده فمحمودٌ وأما جُحيش وحْدِه وعُيَيْر وحده فموضوعان مَوْضِعَ الذَّمّ وهما اللذان لا يشاوران أحداً ، ولا يُخَالِطَانِ النَّاس ، وهما مَعَ ذلك ذوا مَهانَةٍ وضَعْفٍ. وقال غيره : مَعْنَى قَوْلِهم : هو نَسيجُ وحْدِه أي لا ثانِيَ له ، وأصْلُه الثوْبُ الّذي لا يُسْدَى على سَدَاه غيرُه من الثياب لدقّته.

ويقال في جمع الوَاحِد أُحْدَانٌ والأصل وُحْدان فقلبت الواو همزة لانضمامها.

ثعلب عن ابن الأعرابي يقال : نسيج وحده وعُيير وحدِه ورجُلُ وحْدِه ، ويقال جلس على وَحْدِه وجلس وَحْدَهُ ، وجلسا على وَحْدِهما ، وقمت من على الوسادة.

ابن السكيت تقول هذا رَجُل لا واحِدَ له كما تقول هو نسيجُ وحْدِه ، والوحِيدَان ماءان في بلاد قَيْسٍ مَعْرُوفَانِ. وآلُ الوَحِيدِ حَيٌّ من بَنِي عامِرٍ.

وقال أبو زيد : يقال اقتضيْتُ كلّ درهم على وَحْدِه وعلى حِدَتِه وتقول فعل ذلك من ذات حِدَته ، ومن ذات نَفْسِه ، ومن ذَاتِ رَأْيه ، وعلى ذات حدته ومن ذي حِدَته بمعنى واحد.

ودح : قال ابن السكيت : أَوْدَحَ الرجلُ إذا أقرَّ بالباطل وقال أبو زيد : الإيداحُ الإقرارُ بالذُّلِّ والانقيادُ لمن يقودُه وأنشد :

وأكوى على قرنيه بعد خِصائه

بناري وقد يكوى العَتُود فَيُودِح

وقال أبو عبيد قال الكسائي : إذا حَسَنَتْ حَالُ الإبل السِّمَن قيل أوْدَحَتْ ، عمرو عن أبيه يقال ما أغنى عني وَدَحَةً ولا وَتَحَةً ولا وَدْحَة ولا وشمة ولا رشمة أي ما أغنى عني شيئاً.

باب الحاء والتاء

[ح ت (وايء)]

حتى ، حات ، تاح ، وتح ، تحى ، و (التاحي).

حتي : مُشَدّدة التاء تكتب بالياء ولا تُمَالُ في اللَّفظ ، وتكون غايةً معناها معنى «إلَى» مع الأسماء ، وإذا كانت مع الأفعال فمعناها «إلَى أَنْ» وَكذَلك نصبوا بها المستقبلَ.

وقال أبو زيد : سمعت العرب تقول : جلست عنده عتّى الليل يريدون حتى الليل فيقْلِبُون الحاء عَيْناً.

١٢٩

وقال الليث : الْحَتْوُ كفُّك هُدْبَ الكساءِ مُلْزَقاً به ، تقول حَتَوْتُه أَحْتُوهُ حَتْواً وفي لغة حتأته حتأ.

أبو عبيد عن أبي عمرو : أحتأتُ الثَّوْبَ إذا فتلْتَه فَتْلَ الأكْسِيَة.

ثعلب عن ابن الأَعرابي حَتَيْتُ الثوب وأحْتيته حتأته إذا خطته.

وأخبرني الإيادي عن شمر قال : حاشيةُ الثوب طُرَّتُه مع الطول وصِنْفَتُه ناحيته التي تلي الهُدْبَ.

يقال أحْتِ صِنْفَة هذا الكساءِ ، وهو أن يُفْتَل كما يفتل الكساءُ القُومَسِيّ.

قال : والْحَتيُ : الفتل.

أبو عمرو : حتأتُ المرأةَ حَتْأً وخَجَأتُها إذا نكحتَها.

قال : وحَتَأْتُه حتْأ إذا ضربتَه ، وهو الحُتُوءُ بالهمز.

وقال الليث : الحَتِيُ سَوِيقُ المقلِ.

وفي «النوادر» الحتي : الدمن ، والحتيُ في الغزل والحتيّ ثُفْل التَّمْر وقشوره.

قال ابن الأعرابي : الحاتي : الكثير الشراب.

حوت : قال الليث : الحُوت معروفُ وجمعه الحيتانُ ، وهو السمك.

قال الله في قصة يونس : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ١٤٢) [الصَّافات : ١٤٢]. قال : والحَوْتُ والحَوَتَانُ حَوَمَان الطائر حول الماء ، وحَومَانُ الوحشيَّة حول شيء وقال طرفة :

ما كنتُ مَجدُوداً إذا غدوت

وما رأيت مثل ما لقِيت

لِطائر ظَلَّ بنا يحوتُ

ينصبُّ في اللوح فما يَفُوت

يكاد من رهبتنا يموت

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : المحاوتَةُ المراوغة يقال : هو يحاوتني يراوغُني.

قال : والحائت الكثير العذل.

وتح : قال الليث : الوَتْحُ : القليلُ من كلِّ شيء ، يقال : أَعْطَاني عَطاءً وَتْحاً ، وقد وَتَحَ عطاءه ووتُح عطاؤُه وَتَاحَةً وتِحَةً.

أبو عبيد قليل وَتْحٌ وَوَعْرٌ وهي الوُتوحَةُ والوعورَةُ ، وقال اللّحياني قليلٌ وَتيحٌ ، وقال غيرُه : أَوْتَحَ فلان عطاءَه أي أَقَلَّه.

أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده :

دَرَادِقاً وهي الشيوخُ قُرَّعاً

فَرْقَمَهم عيش خبيثٌ أوتحا

أي يأكلون أكْلَ الكبار وهم صِغَارٌ قُرَّحاً : أي قد انتهى أسنَانُهم ، الدّرادِقُ : الصغار ، قَرْقَمهم : أساء غذاءهم. قال وأوتَحَ جَهَدَهم ، وبلغ منه ، وأوتَختَ منّي بلغت منّي أبدل الخاء من الحاء.

تيح : قال الليث : يقال : وقع فلانٌ في مهلَكَةٍ فتاح له رجلٌ فأنقذه ، وأتاح الله له منْ أنْقذه ، ويقال أُتيح لفلان الشيءُ أي هُيِّىء له.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أتاح الله له كذا وكذا أي قَدَّره وأتيح له الشيء أي قدِّر قال الهذلي :

١٣٠

أتيح لها أُقَيْدِرُ ذو حَشيفٍ

إذا سامت على المَلَقَاتِ ساما

أي قُدِّر لها. وقال الليث : رجل مِتْيَحٌ لا يزال يقع في بليَّة. وقلبٌ مِتْيَحٌ. وأنشد للطرماح :

أفي أَثَر الأظْعَانِ عينُك تلمح

نعم لَات هَنّا إنّ قلبك مِتْيَحُ

وروى أبو عبيد عن أبي عبيدة قال : يقال رجل مِعَنٌ مِتْيَحٌ وهو الذي يعرض في كل شيء ويدخل فيما لا يعنيه. قال : وهو تفسير قولهم بالفارسيّة اندروبست.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال المِتْيَحُ والنِّفِّيحُ والمنفح بالحاء الداخل مع القوم ليس شأنُه شأنَهُم.

وقال أبو الهيثم : التَّيِّحان والتَّيَّحان الطويل وقال غيره رجل تيّحان يتعرض لكل مكرمة وأمر سديد وقال العجاج :

لقد مُنُوا بِتَيِّحَانٍ ساطى

وقال الآخر :

أُقَوِّمُ دَرْءَ خَصْمٍ تَيِّحَانٍ

وفَرَس تَيِّحَانٌ شديدُ الجَرْي ، وكذلك فرس تَيَّاحٌ أي جواد ، ويقال : تاح لِفلان كذا وكذا أي تَقَدّر ومنه قول الأغلب :

تَاحَ لها بعدَك حِنْزَابٌ وَأَي

وقال الأصمعيّ : الحيُّوتُ : الذكر من الحيّات قلت : والتاء في الحيّوت زائدة لأن أصله الحيَّة.

تحي : أهمله الليث ، وقال ابن الأعرابي : التَّاحي البستانبَانَ وأبو تَحْيَاء كنية رجل كأنه من حيَيْت تحيا وتحياء التاء ليست بأصليّة.

باب الحاء والظاء

[ح ظ (وايء)]

حظى ، الحظوة ، والحظي.

استعمل من وجوهه :

[حظا] : قال أبو زيد : يقال إنه لذو حُظْوَةٍ فيهن وعندهنّ ، ولا يقال ذلك إلا فيما بين الرجال والنساء.

ويقال إنه لذو حَظِّ في العلم.

وقال الليث : الحِظْوَةُ المكانة والمنزلة للرجل من ذي سلطان ونحوه ، تقول حظِي عنده يحظى حِظْوة.

أبو عبيد عن أبي زيد : أحظيتُ فلاناً على فلان من الحُظوة وَالتفضيلِ.

وقال ابن بُزُرْج : واحد الأحَاظي أحظَاءُ ، وواحد الأحظاء حِظًى منقوص.

قال : وأصل الحِظَى الحَظُّ.

ابن الأنباري : الحِظَى الحُظْوَة وجمع الحِظَى أَحْظٍ ثم أَحاظ.

قال : ويقال للسَّروَة حَظوة وثلاث حِظَاءٍ.

وقال غيره : هي السِّرْوة بكسر السين.

ومن أَمْثالهم إحدى حُظَيّاتِ لقمانَ تصغير حَظوَات واحدتها حَظْوَة. ومعنى المثل : إحدى دواهِيه ومَرامِيه.

وقال أبو عبيد : إذا عُرِفَ الرجلُ بالشّرَارة ثم جاءت منه هَنَةٌ قيل إحدى حُظَيّاتِ لقمان ، أي إنها من فَعَلاته. وأصل الحُظَيّات المرَامِي ، واحدتها حُظَيَّة

١٣١

وتكبيرها حُظْوَة ، وهي التي لا نَصْل لها من المرامي ، وقال الكميت.

أراهطَ امرىء القيس اعْبَئُوا حَظَوَاتكم

لحيّ سوانا قَبْل قاصمة الصُّلْبِ

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : الحَظَا القمل ، واحدتها حَظَاةٌ. ومن أمثالهم : إلّا حَظِيَّة فلا أَلِيّة ، وهي من أمْثال النساء ، تقول إن لم أحْظَ عند زَوجي فلا أَلُو فيما يُحْظِيني عنده بانتهائي إلى ما يهواه. ويقال هي الحِظوة والحِظَةُ.

وقال الراجز :

هل هي إلا حِظَةٌ أو تطليقْ

أو صلف من دُون ذاك تعليقْ

والحَظْوَةُ من المرامي ما لا قُذَذَ له وجمعها حَظَوات.

باب الحاء والذال

[ح ذ (وايء)]

حذا ، حاذ ، ذاح ، وذح ، ذحا.

حذا : قال الليث : حَذَوْتُ له نعلاً : إذا قطعْتَها على مثالٍ. وتقول : فلان يحْتَذِي على مثال فُلان إذا اقتدى به في أموره. ويقال : حاذَيْتُ موضِعاً إذا صرتَ بحذائه.

أبو نصر عن الأصمعيّ : الحِذَاء النعل ، ويقال : هو جيّد الحذاءِ ؛ أي : جيد القَدّ.

ويقال : أحذاه يُحذيه إِحذاءً وحَذِيَّةً وحُذْيَاً ، مقصورة وحِذْوَةً : إذا أعطاه.

وقال أبو ذؤيب الهذليّ :

وقائلةٍ ما كان حِذْوَةَ بَعْلِها

غَدَا تَئِذٍ ، مِنْ شَاءِ قِرْدٍ وكَاهِلِ

ويقال : حَذَى يده فهو يَحْذِيها حَذْياً : إذا حزَّها. وحذا له نَعْلاً ، وحَذَاه نَعْلاً إذا حملَه على نَعْل.

أبو حاتم عن الأصمعي : حذَانِي فلان نَعْلاً ولا تقل أَحْذَاني.

وأنشد قول الهذلي :

حَذَاني بعدَ ما خَذِمَتْ نِعَالي

دُبيَّةُ إنّه نِعْمَ الخَلِيلُ

بِمَوْرِكَتَيْنِ مِنْ صَلَوَيْ مِشَبٍ

من الثيران عَقْدُهُما جَمِيلُ

قال ويقال : أحذاني من الحُذْيَا أي أعطاني ممّا أصاب شيئاً.

وقال أبو نصر عنه : هذا البن يحذِي اللسان حَذْياً ؛ أي : يقرُض. وفلان بحذاء فلانٍ. ويقال : تَحَذَّ بحذاءِ هذه الشجرةِ ؛ أي : صِرْ بحِذَائِها.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : أعطيته حِذْيةً من لحم وحُذَّةً وفِلْذَةً ، كل هذا إذا قُطِعَ طولاً.

وقول الكميت :

مَذَانِبُ لا تَستَنْبِتُ العُودَ في الثرَّى

ولا يتَحَاذَى الحائِمُونَ فِضَالها

يريد بالمَذَانِب مذانب الفِتن أي : هذه المذانِبُ لا تُنبت كمذَانِب الرياض ولا يقتسم السَّفْرُ فيها الماء ، ولكنها مَذانِبُ شَرِّ وفتنةٍ ، ويقال : تحاذى القومُ الماءَ فيما بينهم إذا اقتسموه مثل التَّصَافُن.

وقال شَمِر : يقال أتيتُ على أرض قد حُذِيَ بَقْلُها على أفواه غَنَمِها ، فإذا حُذِي

١٣٢

على أفواهِها فقد شبِعت منه ما شاءت ، وهو أن يكون حَذْوَ أفواهِها لا يجاوزها.

وقال أبو تراب : حَذَوْتُ التُّرَابَ في وجوههم وحثَوْته ، بمعنى واحد.

قال : وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنه أَبَدَّ يدَه على الأرض عند انكشاف المسلمين يوم حُنَيْن فأخَذَ منها قبضةً من تراب فَحَذَا بها في وجوههم ، فما زال حَدُّهم كليلاً ، أي حثا.

وقال اللحيانيّ : أحذيت الرجل طعنةً ، أي : طعنته وأحذاه نعلاً أي وهبها له. وحَذَا الجلدَ يحذُوه إذا قَوَّره. وإذا قلت : حَذَى الجلدَ يَحْذِيهِ ، فمعناه : أَنَّهُ جرحه جَرْحاً ، وحذَى أُذُنَه يَحْذِيها إذا قطعَ منها شيئاً.

ويقال : اجلس حِذَةَ فلان أي : بِحِذَائِه. ويقال أخَذَها بين الحُذْيَة والخُلْسة أي بين الهبَة والاستِلاب ، ودابَّةٌ حسن الحِذَاءِ : أي حسن القَدّ.

ابن السكيت : أحذيْتُه من الغنيمةِ أُحْذِيه إذا أعطيتَه والاسم الحذِيّةُ والحِذوةُ والحُذْيا. وحذَيْتُ يدَه بالسكين.

وهذا شرابٌ يحذِي اللسانَ ، وقد حذْوتُ النعْلَ بالنعلِ إذا قدَّرْتَها عليها. ومنه قولهم : حذو القُذّة بالقُذّة. والمِحذى : الشفرةُ التي يُحْذَى بها.

حوذ : أبو عبيد عن أبي زيد : الحَوْذُ والإحْوَاذُ السَّيْرُ الشديدُ ، يقال : حُذْت الإبلَ أَحُوذُها ، ورجل أحوذيّ : مُشَمِّرٌ في الأمور.

قال شمر : الحَوِيذُ من الرجال : المشَمِّر.

قال عمران بن حَطان :

ثِقْفٌ حُوَيْذٌ مُبِينُ الكَفِّ ناصِعُهُ

لا طَائِشُ الكَفِّ وقَّافٌ ولا كَفِلُ

يريد بالكَفِل الكِفْلَ.

وقال أبو عبيد الله بن المبارك الأحوذيّ الذي يغلِب واستحوذ غلب.

وقال غيره : الأحوذي : الذي يسير مَسِيرة عشر في ثلاث ليال ، وأنشد :

لقد أَكُونُ على الحاجَاتِ ذا لَبَثٍ

وأَحْوَذِيَّاً إذا انْضَمَّ الذَّعالِيبُ

قال : انضمامُها انطواء بَدَنِها ، وهي إذا انضمَّت فهو أسرع لها ، قال : والذَّعاليبُ ، أيضاً ذُيُول الثِّياب.

وقال الليث : حاذَ يحُوذُ حَوْذاً ، بمعنى : حاطَ يحوطُ حَوْطاً ، واستحوذَ عليه الشيطانُ إذا غَلبَ عليه ، ولغةً استحاذَ.

وقال الله جلَّ وعزَّ حكايةً عن المنافقين يخاطبُون بها الكفارَ : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النِّساء : ١٤١]. قال الفرّاء : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ) أي غلب عليهم.

وقال أبو طالب : يقال أحْوَذَ الشيءَ ، أي جمعَه وضمَّه ؛ ومنه يقال استَحْوَذَ على كذا إذا حَوَاهُ.

وقال لبيد :

إذا اجْتَمعَتْ وأَحْوَذَ جانِبَيْها

وأَوْرَدَها على عُوجٍ طِوَالِ

١٣٣

ويقال : أحوذ الصانع القِدْح إذا أخَفَّه ومن هذا أخذ الأحوذي المنكمش الحاد الخفيف في أموره.

وقال لبيد :

فَهْو كَقِدْحِ المَنِيحِ أَحْوَذَهُ الصَّا

نِعُ يَنْفِي عن مَتْنِهِ القُوَبَا

وقال أَبو إسحاق في قوله : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) [النِّساء : ١٤١] معناه ألم نستوْلِ عليكم بالمُوالاة لكم. قال : وحاذَ الحِمَارُ أُتُنَهُ إذا استولى عليها وجمعها ، وكذلك حازها.

وقال العجّاج :

يَحُوذُهُنَ وله حُوذِي

قال وقال النحويون : استَحْوَذَ خرج على أصله ، فمن قال حَاذَ يَحوذُ ، لم يقل إلا استَحاذ ، ومن قال أحْوَذ فأخرجه على الأصل قال استَحْوَذَ.

وقال أبو عبيد قال الأصمعي : الحاذُ : شجر ، والواحدة حَاذَةٌ من شجر الجَنَبَة ؛ وأنشد :

ذَوَاتِ أُمْطِيٍّ وذَاتَ الْحَاذِ

والأُمْطِيُ شجرة لها صَمْغٌ يمضغُه صبيان الأعراب ونساؤهم ، وقيل الحاذَةُ شجرة يألفها بَقَرُ الوحش.

قال ابن مقبل :

وَهُنَّ جُنوحٌ لذي حاذَةٍ

ضَوَارِبَ غِزْلانُها بالْجُرنْ

وأخبرني المنذريُّ عن الرياشيِّ قال :

الحاذُ : الذي يقع عليه الذَّنَبُ من الفخذين من ذَا الجانبِ وذَا الجانبِ ، وأنشد :

وتَلُفُ حَاذَيْهَا بذِي خُصَلٍ

عَقِمَتْ فَنِعْمَ بُنَيَّةُ العُقْمِ

وقال أبو زيد العرب تقول : أنْفَعُ اللَّبَنِ ما وَلِي حَاذيَ النَّاقة ، أَي ساعةَ يُحْلَبُ من غير أن يكونَ رَضَعها حُوَارٌ قبل ذلك. قال : والحاذُ ما وقع عليه الذَّنب من أَدْبارِ الفخذين. قال : وجمع الحاذِ أَحْواذٌ. وفلان خفيف الحاذِ ، أي : خفيفُ الحالِ من المالِ وأصل الحاذِ طريقة المتْنِ.

وفي الحديث «ليأتينّ على الناس زمانٌ يُغْبَطُ الرجلُ فيه بِخفَّة الحاذِ كما يُغْبَطُ اليوم أبو العشرة».

وقال شمر : يقال كيف حالُكَ وحاذُكَ؟ وفي حديث آخر : «المُؤْمِن خفيفُ الحاذِ».

وأنشد :

خَفِيفُ الحَاذِ نَسَّالُ الفَيَافي

وعَبْدٌ لَلصَّحَابَةِ غَيْرُ عبد

وقال : الحالُ والحاذُ : ما وقع عليه اللّبد من ظهر الفرس. وضربَ النبئُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله : «المؤمنُ خفيفُ الحاذِ» : قِلَّةُ اللَّحْمِ مثلاً لقلّة ماله وقلّة عياله ، كما يقال : هو خفيف الظّهر ، ورجل خفيف الحاذِ أي قليلُ المال.

ذحا : قال أبو زيد : ذَحَتْنَا الرِّيحُ تَذْحَانَا ذَحْياً إذا أصابتنا ريح وليس لنا منها ذَرىً نتذرَّى به.

ذوح : أبو عبيد قال أبو زيد : الذَّوْحُ : السوق الشّديد.

أبو العباس عن ابن الأعرابي يقال : ذَوَّح إِبِلَه إذا بدَّدها وذَوَّحَ ماله : إذا فرّقه.

١٣٤

ومنه قوله :

على حقِّنا في كلِّ يومٍ تذَوَّحُ

أبو عبيد عن أبي زيد : الذوْح : السير العنيف. وذُحْتُها أَذُوحها ذَوْحاً.

وذح : أبو عبيد عن أبي عبيدة : الوَذَح : ما يتعلّق بالأصواف من أبْعَار الغنم فتجفُّ عليه. وقال الأعشى :

فترى الأَعْدَاءَ حَوْلِي شُزَّراً

خَاضِعِي الأَعْنَاقِ أَمْثَالَ الوَذَح

وقال النضر : الوَذَح احتراقٌ وانْسِحاجٌ يكون في باطن الفخذين. قال : ويقال له المَذَحُ.

غيره : عَبْدٌ أَوْذَحُ إذا كان لئيماً.

وقال بعض الرُّجَّاز يهجو أبا وَجْزَة مَوْلَى بَنِي سَعْدٍ هَجِيناً أَوْذَحَاً :

يَسوقُ بَكْرَيْنِ وَنَاباً كُحكِحَا

كحكحا أراد هَرِمَة. قلت : كأنه مأخوذ من الوَذَح.

عمرو عن أبيه : ما أغنى عني وتَحةً ولا وذَحةً أي ما أغنى عني شيئاً.

باب الحاء والثاء

[ح ث (وايء)]

حثا ، حاث : [مستعملان].

* حثا : قال الليث : يقال : حَثَى في وجهه التراب حَثْياً ، وهو يحثي.

الحرّانيّ عن ابن السكيت : قال أبو عبيدة حَثَوتُ عليه التراب وحَثَيْتُ حَثْواً وحَثْيَاً وأنشد :

الحُصْنُ أدْنَى لو تآيَيْتِهِ

من حَثْيِكِ التُّرْبَ على الرَّاكِبِ

 الحُصن : حَصانَةُ المرأة وعفَّتُها ، تَآيَيْتِهِ : أي قصدْته.

حيث : وقال الليث : للعرب في حيثُ لغتان ، واللغة العالية ، حَيْثُ : الثاء مضمومةٌ ، وهو أداةٌ للرفع ترفع الاسم بعده. ولغةٌ أخرى حَوْثَ رواية عن العرب لبني تميم ، يظنون حيثُ في موضع نَصْبٍ يقولون القَه حيثُ لقيته. ونحو ذلك كذلك.

وقال أبو الهيثم حيث ظرفٌ من الظروف يحتاج إلى اسمٍ وخبر ؛ وهي تجمع معنى ظرفين كقولك : حيث عبدُ الله قاعدٌ زيدٌ قائمٌ ، المعنى الموضع الذي فيه عبد الله قاعد زيد قائم. قال : وحيث من حروف المواضع لا من حروف المعاني ، وإنما ضُمَّتْ لأنها ضُمِّنت الاسم الذي كانت تستحقُّ إضافتها إليه. قال : وقال بعضهم : إنما ضُمَّتْ لأن أصلها حَوْثُ ، فلما قلبوا واوها ياء ضموا آخرها.

قال أبو الهيثم : وهذا خطأٌ ؛ لأنهم إنما يُعْقبون في الحرف ضمَّةً دالّة على واوٍ ساقطة.

وقال أبو حاتم : قال الأصمعيّ : وممّا تخطِئُ فيه العامَّةُ والخاصَّة باب حيثُ وحينَ غلط فيه العلماءُ مثلُ أبي عبيدة وسيبويه.

قال أبو حاتم : رأيت في «كتاب سيبويه» شيئاً كثيراً يجعل حينَ حيثُ ، وكذلك في «كتاب أبي عبيدة» بخطه.

١٣٥

قال أبو حاتم : واعلم أن حيثُ وحينَ ظرفان ، فحينَ ظرفٌ من الزمان ، وحيثُ ظرفٌ من المكانِ ، ولكل واحدٍ منهما حدٌ لا يجاوزُه. والأكثر من الناس جعلوهما معاً حَيْثُ ، والصواب أن تقول : رأيتك حيثُ كنت ، أي الموضِع الذي كنتَ فيه ، واذهب حيثُ شئتَ ، أي إلى أيّ موضع شئت.

وقال الله جل وعز : (فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) [الأعرَاف : ١٩].

ويقال : رأيتك حين خَرَجَ الحاجُّ أي في ذلكَ الوقت ، فهذا ظرفٌ من الزمانِ ، ولا يَجُوزُ حيثُ خرجَ الحاجُّ ، وتقول : ائْتِنِي حينَ يقدم الحاجُّ ، ولا يجوز حيثُ يقدم الحاجُّ ، وقد صيَّر الناسُ هذا كلَّه حيثُ ، فليتعهد الرجلُ كلامَه ، فإذا كان موضعٌ يحسُن فيه أَيْنَ وأيُّ موضعٍ فهو حيثُ ؛ لأن أين معناه حَيْثُ. وقولهم حيثُ كانُوا وأين كانوا ، معناهما واحد ، ولكنْ أجازوا الجمعَ بينهما ، لاختلاف اللّفظين.

واعلم أنه يحسن في موضع حينَ لَمّا وإذْ وإذَا ووقت ويوم وساعة ومتَى. تقول رأيتك لمّا جئتَ وحينَ جئتَ وإذْ جئت ، ويقال : سأعطيك إذَا جئت ومتى جئت.

وقال ابن كَيْسَانَ حيث حرف مبني على الضَّمِّ وما بعدَهُ صِلةٌ له يرتفع الاسم بعدَه على الابتداء ، كقولك قمتُ حيثُ زيدٌ قائمٌ ، والكوفيّون يجيزون حذفَ قائمٌ ويرفعون زيداً بحيث ، وهو صِلَةٌ لها ، فإذا أظهروا قائماً بعد زيد أجازوا فيه الوجهين ، الرفعَ والنصبَ ، فيرفعون الاسمَ أيْضاً وليس بصلة لها وينصبون خبره ويرفعونه فيقولون : قامت مقام صِفَتَيْنِ ، والمعْنى زيد في موضِع فيه عمروٌ ، فعمرو مرتفع بفيه وهو صلةٌ للموضع ، وزيد مرتفع بفي الأولى وهي خبر ، وليست بصلة لشيء ، قال : وأهل البصرة يقولون حيث مضافةٌ إلى جملة فلذلك لم تخفِضْ ، وقد أنشد الفرّاء بيتاً أجاز فيه الخفض :

أما ترى حيثُ سُهَيْلٍ طالعا

فلمّا أضافَها فتحها كما يفعَل بِعنْدَ وخَلْفَ. ثعلب عن ابن الأعرابيّ : يقال : تركتهم حَاثِ باثِ : إذا تفرقوا. قال : ومثلهما من مُزْدَوِج الكلام خَاقِ بَاقِ ، وهو صوتُ حركةِ أبي عُمير في زَرْنَب الفَلْهم قَال وخَاشِ مَاشِ قُماشُ البيت ، وخَازِ بَازِ ورَمٌ ، وهو أيضاً صَوْتُ الذُّبَاب. وقال ابن الأعرابي الحاثِيَاء تُرابٌ يُخْرجه اليَرْبُوع من نافِقَائِه بُني على فَاعِلاء.

حثى : وقال ابنُ الأنباري : الحَثَى قشور التمر بالياء وبالألف ، وهو جمع حَثَاةٍ وكذلك الثتى وهو جمع ثتَاةٍ قشورُ التمر ورديئه وقال الفراء الحثى مقصور دُقاق التِّبْن وحطامه وأنشد :

ويأْكُلُ التمْرَ ولا يُلْقِي النَّوَى

كأَنَّه غِرَارَةٌ ملْأَى حَثَى

ويقال للتُّراب الحَثَى أيضاً ومن أمثال العرب يا ليتني المَحْثِيُ عليه ، قاله رجلٌ كان قاعداً إلى امرأة فأقبل وَصِيلٌ لها فلما رأَتْه حثَتْ في وجهه التراب تَرْئيَةً لجليسها بأن لا يدنوَ منها فيطلعَ على أمرهما. يقال ذلك عند تَمَنّي منزلةِ من تُخْفَى له الكرامة

١٣٦

ويُظْهَرُ له الإهانة. وقال الفراء أحثيت الأرض وأبْثَيْتُهَا فهي مُحْثَاةٌ وَمُبْثَاةٌ. وقال غيره أحَثْتُ الأرْضَ وأبَثْتُهَا فهي مُحَاثَةٌ ومُبَاثَةٌ ، والإحاثة والاستحاثَةُ والإباثة والاستباثة واحد وقال اللحياني : تركته حاثَ باثَ وحيثَ بيثَ وحوثاً بوثاً ، إذا تركته مختَلِطَ الأمر. فأمَّا حاثِ باثِ فإنه خَرَج مَخْرَج حَزَامِ وقطامِ ، وأما حيثَ بيثَ فإنه خَرَج مَخْرَجَ حيصَ بيصَ.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن سلمة عن الفراء قال تركته حيثٍ بِيثٍ وحاثٍ باثٍ وحوثاً بوثاً إذا أذْلَلْتَه ودققته وتركت الأرض حاثِ باثِ إذا دقَّتْها الخيلُ وقد أحاثَتْها الخيل. وأَحَثْتُ الأرض وأبَثْتُهَا. وقال الفراء يقال تركت البلاد حوْثاً بوْثاً وحاثِ باثِ وحيْثَ بَيْثَ لا يجريان إذا دقّقوها.

باب الحاء والراء

[ح ر (وايء)]

حرى ، حار (حور) ، رحا ، راح ، وحر ، حرح.

حرى : قال الليث : الحرَاوَةُ : حرارةٌ تكون في طعْم نحوِ الخردلِ وما أشبهه ، حتى يقال : لهذا الفُجْل حَرَاوة ومَضَاضَةٌ في العَيْن.

أبو عبيد عن الأمويّ : الحَرْوَةُ الحُرْقَةُ يجدها الرجل في حَلْقِه. وقال النضر الفُلْفُل له حَرَاوَةٌ بالواو وحَرَارَةٌ بالراء.

وقال الليث : الحَرْيُ النقصان بعد الزيادة يقال إنه لَيُحْرِي كما يَحْرِي القمَرُ حَرْياً ينقص الأوَّلُ مِنه فالأولُ وأنشد شَمِر :

ما زالَ مجْنُوناً على اسْتِ الدّهْرِ

في بَدَنٍ يَنْمِي وَعقْلٍ يَحْرِي

وقال الأصمعي : حَرَى الشيءُ يَحْرِي حَرْياً إذا نقص ، وأَحْرَاهُ الزمانُ ويقال للأفْعَى حَارِيَةٌ للتي قَدْ كَبِرَتْ ونَقَصَ جِسْمُهَا ، وهي أخبث ما تكون ، قال شمر : ويقال أفعى حَاريَةٌ ؛ وأنشد :

ابعثْ على الجَوْفَاءِ في الصُّبْحِ الفَضِحْ

حُوَيْرِياً مِثْلَ قَضِيبِ المُجْتَدِحْ

وقال الليث : الحَرَى مقصورٌ والجميع أحْرَا ، وهو الأُفْحُوص والأُدْحِيّ وأنشد :

بَيْضَةٌ زَادَ هَيْقُها عن حَرَاها

كُلَّ طَارٍ عليه أن يَطْرَاهَا

قال : والحَرَى أيضاً كلُّ موضعٍ لظبْي يأوِي إليه ، قلت : قول الليث الحَرَىً : إنَّه بيضُ النَّعامِ أو مَأْوَى الظَّبْيِ باطلٌ ، والحَرَى عند العرب ما روى أبو عبيد عن الأصمعيّ الحرى جَنَابُ الرجل وما حولَه ، يقال : لا تَقْرَبَنَ حَرَانا ، ويقال نزل فلانٌ بِحَراه وعَرَاه إذا نزل بساحته ، وحَرَى مبيضِ النعام ما حولَه وكذلك حرى كِناسِ الظَّبي ما حولَه. وقال الليث الحَرَى الخليقُ كقولك حرًى أَنْ يكونَ كذا وإنه لَحَرًى أن يكون ذاك وأنشد

إن تقُلْ هنَّ من بني عبد شمسٍ

فَحَرىً أن يكونَ ذاكَ وكانا

الحراني عن ابن السكيت : هو حَرىً لكذا وكذا وحَرٍ أي خليق له وأنشد :

وَهُنَ حَرىً أَلَّا يُثِبْنَكَ نَقْرَةً

وأنتَ حَرىً بالنارِ حينَ تُثِيبُ

١٣٧

فمن قال حرىً لم يُثَنِّ ولم يجمع ، ومن قال حَرٍ ثنّى وجَمع. وقال غيره : هو حرِيٌ بذاك على فعيلٍ ، وهما حَرِيّان ، وهم أَحْرِياءُ بذاك. ويقال : أَحْرِ بِهِ وما أَحْراهُ بذلك ، كقولك : ما أَخْلَقَه.

وقال الشاعر :

فإِنْ كنتَ تُوعِدُنا بالهِجَاءِ

فَأَحْرِ بِمَنْ رَامَنا أن يَخِيبَا

وقال الليث : حِرَاءُ : جبل بمكة معروفٌ.

وقال غيره هو يتحرَّى الصوابَ أي يتوخّاه. والتحرّي قصْدُ الأَوْلى والأحَقّ ، مأخوذ من الحَرَى ، وهو الخليق ، والمتوخِّي مثلُه.

أبو عبيد عن أبي زيد : الحَرَاةُ والوَحَاةُ والخوَاتُ الصَّوْتُ ويقال إنه لَمحْرَاةٌ أن يفعلَ ذاك ، كقولك مَخْلَقَةٌ ومَقْمَنَة.

حرح : قال الليث : الحِرُ : يجمع على الأحْراحِ. يقال : رجل حَرِحٌ : مُولَعٌ بالأَحراح وقد حَرِحَ الرجل قلت ذكر الليث هذا الحَرْفَ في المعتلات ، وباب المضاعف أولى به.

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال : الحِرُّ حِرُ المرأة شدّدَ الراء ، كان في الأصل حِرْحٌ فثقلت الحاء الأخيرة مع سكون الرّاء فثقّلوا الرّاء وحذفوا الحاء ، والدليل على ذلك جمعهم الحِرَ أَحْرَاحاً. قال : ويقال : حَرَحْت المرأة إذا أصَبْتَ حِرَها فهي مَحْرُوحَةٌ. ورجل حَرِحٌ يُحِبّ الأحْرَاح.

رحا : قال الليث : يقال رَحا ، ورَحَيَانِ ، وثلاثُ أَرْحِ ، وأرحاءٌ كثيرة. والأَرْحِيَةُ كأنها جماعَةُ الجماعةِ.

وقال أبو حاتم : جمع الرَّحا أَرْحاءٌ ومن قال أَرْحِيَةٌ فقد أخطأ. قال : وربما قالوا في الجمع الكثير رُحِيّ. قال : وسمعنا في أدنى العدد ثلاثَ أَرْحٍ. قال : والرَّحَا مؤنثةٌ ، وكذلك القَفَا ، قال : وجمع القفا أقْفَاءٌ ومن قال أَقْفِيَةٌ فقد أخطأ.

وقال الليث : رَحَا الحربِ حَوْمتُها ورَحَا الموتِ ومَرْحى الحَرْب.

وقال سليمان بن صُرَد أتيت علياً رضي‌الله‌عنه حين فرغ من مَرْحَى الجمل.

قال أبو عبيد يعني الموضعَ الذي دارت عليه رَحَا الحرب. وأنشد :

فَدُرْنا كما دارَتْ على قُطْبِها الرَّحَا

ودَارَتْ على هامِ الرِّجالِ الصّفَائِحُ

وقال الليثُ يقال لفراسِن الفيل أرْحاؤُه. قلت : وكذلك فَراسِنُ الجَمَل أرْحاؤه. وثَفِنَاتُ رُكَبِهِ وكِرْكِرَتِه أَرْحَاؤُه.

وأنشد ابن السكيت :

إليكَ عبد اللهِ يا مُحمّدُ

باتَتْ لها قَوَائِدٌ وقُوَّدُ

وتَالِيَاتٌ ورَحاً تَمَيَّدُ

وقال : رحا الإبل مثل رحا القوم وهي الجماعة تقول استأخرت جواحِرُها واستقدمت قوائدها وَوَسطت رَحَاها بين القوائد والجواحر.

وقال الليث : الرحا القطعة من النَّجَف تعظم مِنْ نحو مِيلٍ مشرفةٌ على ما حولها.

١٣٨

شمر عن ابن الأعرابيّ : الرَّحا من الأرض مكانٌ مستديرٌ غليظ يكون بين رِمَالٍ.

قال ابن شميل : الرَّحَا : القَارةُ الضخمةُ الغليظةُ ، وإنما رَحَّاها استدارتُها وغِلَظُها وإشرافُها على ما حولها ، وأنها أَكَمَةٌ مستديرة مشرفةٌ ، ولا تنقادُ على وجهِ الأرض ولا تُنْبِتُ بَقْلاً ولا شجراً.

وقال الكميت :

إذا ما القُفُّ ذو الرّحَبَيْنِ أَبْدَى

مَحَاسِنَه وأفْرَخَتِ الوُكُورُ

قال : والرحا الحجارةُ والصخْرةُ العظيمة.

وقال الليث : الرَّحَا نَبَاتٌ تسميه الفُرْسُ اسبانِخَ. غيره : تَرَحَّت الحيَّةُ إذا تلوَّتْ واستدَارَتْ ، فهي مترحِّيَةٌ.

وقال رؤبة :

يا حَيَّ لا أفْرَقُ أَنْ تَفِحِّي

أَوْ أَنْ تَرَحَّيْ كَرَحا المُرَحِّي

والمرحِّي : الذي يُسَوّي الرَّحَا. قال : وفحيحُ الحيَّة بِفِيهِ ، وحفِيفُه من جَرْشِ بعضِه ببَعْضٍ إذا مَشَى فَتسمعُ له صوتاً.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ رَحَا القومِ سيدهم الذي يَصْدُرُون عن رَأْيه وينتهون إلَى أمره ، وكان يقال لعمر بن الخطاب رحا دَارَةِ العرب. قال : ويقال رَحَاهُ إذا عظّمه وحَرَاه إذا أضافه.

روح ـ ريح : قال الليث : الرَّوْحُ : بَرْدُ نسيمِ الرّيح.

وقال أحمد بن يحيى : الرُّوحُ : النّفْس.

وقال الأصمعيّ الرَّوْحُ الاستراحة من غمّ القلب.

وقال أبو عمرو : الرَّوْح : الفرَج.

وقال الزجّاج في قول الله جل وعز : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) [الواقِعَة : ٨٩] قال معناه : فاستراحةٌ وبَرْدٌ وهذا تفسير الرَّوْح دونَ الريحان.

وقال الليث : الرِّيح ياؤُها واوٌ صُيِّرت يَاءً لانكسار ما قبلها ، قال : وتصغيرُها رُوَيْحَةٌ ، وجمعها رِياحٌ وأرْوَاح. وتقول : رِحْتُ منه رائحة طيبة أي وَجَدْتُ. قال : والرائحة ريحٌ طيِّبة تجدها في النسيم ، تقول لهذه البَقْلَةِ رائحةٌ طيِّبَةٌ قال والرَّيِّحَةُ نبات أخضر بعد ما يبس ورقه وأعالي أغصانِه.

وقال الأصمعيُّ يقال تَرَوَّحَ الشجرُ ورَاحَ ، وذلك حين يبرُد الليل فيتقطَّر بالورق من غير مَطَر.

وقال الراعي :

وخادَعَ المجدُ أقواماً لهم وَرَقٌ

راحَ العِضَاهُ بهِ والعِرْقُ مَدْخُولُ

قال شمر : روى الأصمعيُّ وخادَعَ المجدُ أقواماً لهم وَرَقٌ أي مال ، قال : وخادَع تركَ. قال ورواه أبو عمرو وخادع المجدَ أقوامٌ أي تركوا المجد أي ليسوا من أهله. قال وهذه هي الرواية الصحيحة.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : في رِجْله رَوَحٌ ثم مَذَعٌ ثم عَقَلٌ وهو أشدّها قلت : والرَّيِّحَةُ التي ذكرها الليث من النبات فهي هذه الشجرة التي تَتَرَوَّحُ وتَرَاح إذا بَرَدَ عليها الليل فَتَقَطَّرُ بالورق من غير مطر.

سمعت العرب تسميها الرِّيحَة.

١٣٩

وقال الليث : يوم رَيْحٌ طيّب ويوم رَاحٌ ذو رِيحٍ شديدة ، قال : وهو كقولك كبش صافٌ ، والأصل يوم رائح وكبش صائف فقلبوا ، وكما خفّفوا الحائجة فقالوا : حاجةٌ ، ويقال قالوا صافٌ وراحٌ على صَوفٍ وروحٍ فلما خففوا استنامت الفتحة قبلها فصارت ألفاً.

الأصمعيّ وأبو زيد يومٌ ريِّحٌ طيب ، وليلة ريِّحَةٌ. وقال أبو زيد : وحده ، وكذلك يومٌ رَوْحٌ وليلة رَوْحَةٌ. قال : ويوم رَاحٌ إذا اشتدّت رِيحُه ، وليلةٌ راحةٌ.

وقال الليث : الرَّاحَةُ وِجْدَانُكَ رَوْحاً بعد مَشَقَّةٍ ، تقول أَرِحْني إرَاحَةً فَأَسْتَرِيحَ. وقال غيرُه : أَرَاحَهُ إِرَاحَةً وَرَاحَةً ، فالإراحةُ المصدرُ والرَّاحَةُ الاسم ، كقولك أطعْتُه إطاعة وطاعةً ، وأَعَرتُه إعارةً وعارةً.

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبلال مؤذِّنه : «أَرِحْنَا بها» أي أذِّنْ للصلاة فنستريحَ بأدائها من اشتغال قلوبنا بها.

قال شمر : يقال راح يومُنَا يَرَاحُ رِيحاً : إذا اشتدّت رِيحُه ، وهو يوم رَاحٌ ، وراح يومُنَا يَرَاحُ رَوْحاً إذا طابت رِيحه ، ويوم رَيِّحٌ وقال جرير :

محا طُلَلاً بين المُنيفَةِ والنَّقا

صَباً رَاحَةٌ أو ذو حَبِيَّيْنِ رَائِحُ

وقال الفرّاء : مكان راحٌ ويوم رَاحٌ.

ويقال : افتح البيت حتى يَراحَ البيت أي حتى تدخله الريح والروْح. وقال يونس : افتح الباب يَرَح البيتُ. وغصن رَاحٌ وشجر رَاحَةٌ يصيبها الريح وقال :

كأنَّ عيْنِي والفِرَاقُ مَحْذُورْ

غُصْنٌ من الطَّرْفَاءِ راحٌ مَمْطُورْ

ويقال : ريحت الشجرةُ وهي مَرُوحَةٌ.

وقال الفرّاء : شجرةٌ مَرُوحَةٌ إذا هبّت بها الرّيح وأَروحَنِي الصيدُ إذا وجد ريحَك مَرُوحَةٌ كانت في الأصل مَرْيُوحة.

وقال الليث : التَّرْوِيحَةُ في شهر رمضانَ ، سمِّيت ترويحةً لاستراحة القوم بعد كلِّ أربع ركعات قال : والرَّاحُ : جمع راحَةِ الكفّ. وقال أبو الدُّقَيْشِ : عمَد مِنَّا رَجُلٌ إلى قِرْبةٍ فملأها من رُوحه أي من رِيحه ونَفَسه.

وتروُّح الشجرِ تَضوره وخروج ورقه إذا أَوْرَق النَّبْتُ في استقبال الشتاءِ. ثعلب عن ابن الأعرابيّ : أراحَ الرجلُ إذا استراح بعد التّعب. وأنشد

يُرِيحُ بعد النَّفَسِ المَحْفُوزِ

إِرَاحَةَ الجِدَايَةِ النَّفُوزِ

أي : تستريح. قال : وأَراح : إذا مات وأَراح : دخل في الرّيح ، وأَرَاحَ : إذا وَجَدَ نسيم الرّيح. وأراح : إذا دخل في الرَّواح ، وأراح : إذا نزل عن بعيرٍ ليُرِيحه ، ويخفِّف عنه. أبو عبيد عن الأصمعيّ : أَرَاحَ القَوْمُ : دخلوا في الرّيح. قال : ويقال للميت إذا قضى : قَدْ أَراح. وقال العجاج :

أَرَاحَ بعدَ الغَمِّ والتَّغَمْغُمِ

ويقال : أَراحَ الرجلَ : إذا رجَعَتْ إليه نَفْسُه بعد الإعياء. وكذلك الدابَّة ، وأراح الصيدُ واسترْوَح إذا وجدَ رِيحَ الإنسان. ويقال :

١٤٠