تهذيب اللغة - ج ٥

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٠

والأرضَ لم تَحْمِل الأمانة أي أدَّتْها ، وكلُّ من خَانَ الأمانَةَ لقد حَمَلها ، وكَذلك كل من أَثِمَ فقد حَمَل الإثْم ، ومنه قول الله جلّ وعزّ : (وَلَيَحْمِلُنَ أَثْقالَهُمْ) [العَنكبوت : ١٣] الآية ، فأعلم الله أنّ من بَاء بالإثْم يسمى حاملاً للإثم ، والسمواتُ والأرضُ أَبَيْنَ أن يَحْمِلْنَ الَأَمَانَةَ وأَدَّيْنَها ، وأَدَاؤُها طاعَةُ الله فيما أمرها به والعملُ به وتركُ المعصية ، وحَمَلَهَا الإنسانُ. قال الحسن أراد الكافرَ والمنافقَ حَمَلا الأَمَانَةَ أي خَانَا ولم يُطِيعَا فهذا المعنى والله أَعْلَمُ صحيح ومن أطاع من الأنبياء والصِّدِّيقين والمؤمنين فلا يقال (كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) ، وتصديقُ ذلك ما يَتْلو هذا من قوْله (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ) [الأحزَاب : ٧٣] إلى آخرها ، قلت وما علمتُ أحداً شرح من تفسير هذه الآية ما شرحَهُ أبو إسحاق ، وممّا يُؤيِّدُ قولَه في حمل الأمانة أَنَّ خِيَانَتَها وترك أَدَائِها قولُ الشاعر أنشده أبو عبيد :

إذا أَنْتَ لم تَبْرَحْ تؤدّي أمانةً

وتحملُ أخرى أَفْرَحَتْك الوَدَائعُ

أراد بقوله وتحملُ أخرى أي تخونها فلا تُؤديها يدلك على ذلك قوله أَفْرَحَتْك الودائع ، أي أثقل ظهرَكَ الأماناتُ التي تخونُها ولا تؤدِّيها ، يقال حَمَلَ فلانٌ الحِقْدَ على فلان إذا أَكَنَّه في نفسه واضْطغنه ويقال للرجل إذا استخفّه الغَضَبُ قد احتُمل وأُقِلَّ ويقال للذي تحَلَّم عمن يَسُبُّه قد احْتَمَل فهو مُحْتَمِل وقال أبو عبيد عن أصحابه في قول المتنخل الهذلي :

كالسُّحُل البيضِ جَلَا لَوْنُها

هَطْلُ نَجَاءُ الحَمَلِ الأسولِ

الحَمَلُ السحاب الأسود ، قال وقيل في الحمل إنه المَطَرُ للّذي يكون بِنَوْءِ الَحَملِ وسمى الله جلّ وعزّ الإثْم حِمْلاً فقال (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) [فَاطِر : ١٨] يقول إنْ تَدْعُ نَفْسٌ مُثْلَةٌ بأوزارها ذَا قَرابة لها أن يَحْمِلَ وِزْرَها شيئاً لم يَحْمِل من أوزَارها شيئاً.

ابن السكيت عن الفراء : يقال امرأة حامِلٌ وحامِلَةٌ إذا كان في بطنها ولد وأنشد :

تمخَّضَت المنون له بيوم

أنى ولكل حاملة تُمَامُ

فمن قال حاملٌ بغير هاء وهذا نعت لا يكون إلا للمُؤنَّث ومن قال حاملةٌ بناه على حَمَلَتْ فهي حاملةٌ فإذا حَمَلَت المرأة شيئاً على ظهرِها أو على رأْسِها فهي حاملةٌ لا غَيْرُ ؛ لأن هذا قد يكون للذَّكر.

وحَمَلٌ اسم رجل بعينه وقال الراجز :

اشْبِهْ أَبَا أُمِّك أو أَشْبِه حَمَلْ

وحَمَلٌ اسم جبل بعينه.

سلمة عن الفراء احْتَمَلَ الرجل إذا غَضِبَ ويكون بمعنى حَلُم. وقال الأصمعيُّ في الغضب غضب فلان حتى احْتَمَل ويقال حَمَل عليه حَمْلَةً منكَرة (وشد عليه شدة منكرة) ورجل حَمَّالٌ يحمل الكَلَّ عن النَّاس ورأيت جبلاً في البادية اسمه حَمّال

٦١

وحَمَلٌ اسم جبل فيه جَبَلانِ يقال لهما طِمِرَّان وقال :

كأنها وقد تدلّى النَّسران

ضمهما من حمل طِمِرَّان

صعبانُ عن شمائِلٍ وأَيْمَان

محل : شمر عن ابن الأَعرابي أرض مَحْلٌ ومَحْلَةٌ ومَحُولٌ لا مَرْعَى فيها ولا كَلأ ورجل مَحْلٌ لا يُنْتَفَع.

وقال ابن شميل المُحُول والقُحُوط احتباسُ المطر وأرض مَحْل وقحط لم يصبْها المطر في حينه. وأَمْحَلَ المطر أي احْتَبَس. وأَمْحَلْنَا نحن وإذا احْتَبَس القَطْرُ حتى يمضي زمان الوسْمِيِّ كانت الأرض مَحُولاً حتى يصيبها المطر ويقال قد أَمْحَلْنَا منذ ثلاثِ سنين وأرض مِمْحَال وقال الأخطل :

وَبَيْدَاءَ مِمْحَالٍ كأَنَّ نَعَامَها

بأرجائها القُصوى أبا عِزُ هُمَّلُ

وقال الليث المَحْلُ انْقِطَاعُ المَطَرِ ويُبْسُ الأرضِ من الكَلأ. أرضٌ مَحْلٌ ومَحْوُلٌ وربما جُمِعَ المَحْلُ أَمْحَالاً وأنشد :

لا يَبْرَمُون إذا ما الأفق جلّله

صِرُّ الشتاء من الأَمْحَالِ كالأَدَمِ

أَمْحَلت الأرض فهي مُمْحِلٌ وأَمْحَلَ القومُ وزمانٌ ما حِلٌ وأنشد :

والقائلُ القولَ الذي مثلُه

يُمرع منه الزمنُ الماحِلُ

وقال القتيبي في قول الله جلّ وعزّ : (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ * لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ) [الرعد : ١٣ ، ١٤] أي شديد الكيد المَكْرِ قال وأصل المِحَالِ الحيلةُ وأنشد قول ذي الرمة :

ولَبَّس بين أقوامٍ فَكُلٌ

أَعْدَّ لَه الشَغَازِبَ والمِحَالا

قلت وقول القتيبي أصل المِحال الحيلةُ غلطٌ فاحِشٌ ، وأحسبه توهم أن ميم المحال ميم مِفْعل وأنها زَائِدَةٌ ، وليس الأمر كما توهمه ؛ لأن مِفْعلاً إذا كان من بنات الثلاثة فإنه يجيء بإظهار الواو والياء مثل المِزْوَدُ والمِرْوَدُ والمِجْول والمِحْوَر والمِزْيَلُ والمِعْيَر وما شاكلها ، وإذا رأيت الحرف على مثال فِعَالٍ أو لُه ميمٌ مكسورةٌ فهي أصلية ، مثل ميم مِهاد ومِلاك ومِراس ومِحال وما أشبهها. وقال الفراء في كتاب «المصادر» المِحَالُ المُماحلة ، يقال فعلت منه مَحَلْتُ أَمْحَلُ مَحْلاً. قال وأما المَحالَةُ فهي مَفْعَلَةٌ من الحيلة ، قلت وهذا صحيح كما قاله. وقال أبو إسحاق في قوله (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) أي شديد القُوَّة والعذاب يقال ماحلتُه مِحَالاً إذا قاويْتُه حتى يتبين لك أيُّكُمَا أشَدُّ والمَحْلُ في اللغة الشِّدَّة والله أعلم ، وقال شَمِر روى عبدُ الصَّمَدِ بنُ حسان عن سفيان الثوريِ في قوله (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) قال شديد الانتقام. وقال عبدُ الرزاق عن مَعْمرٍ عن قتادة شديدُ الحِيلَة في تفسيره. وروى أبو عبيد عن حجاج عن ابن جُرَيْجٌ (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) أي الحَوْل. قال أبو عبيد أراه أراد المَحَالَ بفتح الميم

٦٢

كأنه قراءة كذلك ، ولذلك فسّره الحَوْل.

قال والمِحَالُ الكيد والمكر قال عدي بن زيد :

مَحَلوا مَحْلَهُم بِصَرْعَتِنا العا

م فَقَدْ أوْقَعُوا الرحَى بالثِّقَال

قال مَكَرُوا وسَعَوْا. قال والمِحَال المُمَاكَرَةُ.

شمر قال خالد بن جَنْبة يقال تَمَحَّلْ لي خيراً أي اطْلُبْه. قال والمِحَالُ مُمَاحَلَةُ الإنسان وهي مُنَاكَرَتهُ إياه يُنْكِرُ الذي قاله.

قال ومَحَلَ فلانٌ بصاحبِه إذا بَهَتَه ، وقال أنه قال شيئاً لم يَقُلْه.

وقال ابْنُ الأنْبَاريّ سمعت أحمد بن يحيى يقول المِحَالُ مأخوذٌ من قولِ العَرَبِ مَحَلَ فلان بِفُلَانٍ أي سَعَى به إلى السُّلْطَانِ وعَرَّضَه لأمْرٍ يُهْلِكُه.

قال ويُرْوَى عن الأَعْرَج أنه قرأ (وهو شديد المَحَال) بفتح الميم ، قال وتفسيره عن ابن عباس يدل على الفَتْح لأنه قال المعنى وهو شديد الحَوْل.

وفي حديث ابن مسعود «إن هذا القرآن شافع مشفَّع ومَاحلٌ مُصَدَّق» قال أبو عبيد جعله يَمْحَل بصاحبه إذا لم يتّبع ما فيه. قال والماحل الساعِي يقال نَحَلْتُ بفلان أَمْحَلُ به إذا سعيتَ به إلى ذي سلطانٍ حتى تُوقعه في وَرْطة ووشيْتَ به.

وقال اللحياني عن الكسائي : يقال مَحِّلْني يا فلان أي قَوِّني قلت وقول الله (شَدِيدُ الْمِحالِ) منه أي شديد القُوَّة. وأما قول الناس تَمَحَّلْتُ مالاً لِغَريمي فإن بعض الناس ظن أنه بمعنى احْتَلْتُ وقدَّر أنه من المَحَالَةِ بفتح الميم وهي مَفْعَلَةٌ من الحيلة ، ثم وُجّهت الميم فيها وِجْهَةَ الميم الأصلية فقيل تَمَحَّلْتُ كما قالوا مكان وأصله من الكون ثم قالوا تَمكَّنتُ من فلان. ومكَّنْت فُلاناً من فلان وليس التمَحُّل عندي ممَّا ذهبَ إليه هذا الذاهبُ ولكنه عندي من المَحْلِ وهو السَّعْيُ كأنه يسعى في طلبه ويتصرف فيه.

وقال أبو عبيد عن الأصمعيّ إذا حُقِن اللبن في السقاء فذهبت عنه حلاوة الحلب ولم يتغيَّر طعمه فهو سَامِطٌ ، فإن أخذ شيئاً من الرِّيح فهو خَامِطٌ ، فإن أخذ شيئاً من طَعْم فهو المُمَحَّل وقال شمر يقال مع فلان مِمْحلة أي شكوة يُمَحِّل فيها اللبنَ وهو المُمَحَّلُ بفتح الحاء وتشديدها. وقال الليث المُمَحَّلُ من اللبن الذي حُقِن ثم شُرِب قبل أن يَأْخُذَ الطَّعْمَ وأنشد :

إلا من القارصِ والممحَّل

أبو عبيد عن الأصمعي : قال المُتَمَاحِلُ الطويلُ من الرجال. وقال غيره : مفازَةٌ مُتَمَاحِلَةٌ بعيدة الأطرافِ وأنشد :

من المُسْبَطِرات الجيادِ طِمِرَّةٌ

لَجُوجٌ هواها السَّبْسَبُ المُتَمَاحِلُ

أي هواها أَنْ تَجِدَ مُتَّسَعاً بعيداً ما بين الطرَفيْنِ تعدو فيه.

وروي عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه أنه قال : إن من وَرَائِكُمْ أموراً مُتَمَاحِلَةً أَرَادَ فِتَناً يطول أَيَّامُها ويَعْظُم خَطَرُها ويشتد كَلَبُها. والمِحَلُ الذي قد طُرِد حتى أَعْيَا وقال العجاج :

يمشي كمشي المِحَل المَبْهُور

٦٣

وأما قول جندل الطُّهَوي :

عُوجٌ تسانَدْن إلى مُمحَّلِ

فَإِنَّه أرادَ مَوْضِع مَحَال الظهر جعل الميم لما لزمت المحَالة وهي الفَقَارَةُ من فَقَار الظّهر كالأصْلِيَّة. وفي «النوادر» رأيت فلاناً مُتَحاحِلاً ومَاحِلاً ونَاحِلاً إذا تَغَيَّرَ بَدَنُه.

والمَحَالَةُ البَكَرةُ العظيمة التي تكون للسائِيّةِ ، سُميَتْ مَحَالةً تشبيهاً بِمحَالَةِ الظَّهْرِ. وقال الليث : مَفْعَلةٌ سميت مَحَالَةً لتحوُّلِها في دوَرانها ، وقولُهم : لا مَحَالَةَ ، تُوضَعُ موضع لَا بُدَّ ولا حِيلَةَ مَفْعَلَةٌ أيضاً من الحَوْلِ والقُوَّةِ ، عمرو عن أبيه : المَحْلُ : الجَدْبُ. والمَحْل الجوعُ الشَّديدُ وإن لم يكن جدبٌ والمَحْلُ السِّعَاية من ناصِح وغير ناصِحٍ. والمَحْلُ البُعْدُ والمِحَالُ المَكْرُ بالحق. والمِحَالُ الغَضَبُ. والمِحَالُ التَّدْبِيرُ. وفلان يُماحِلُ عن الإسلام يُمَاكِرُ ويُدَافِع.

لمح : قال الليث : لَمَحَ الْبَرْقُ ولَمَعَ ولَمُحَ البَصَرُ. وتقول لمحه ببصره. واللَّمْحَةُ النَّظْرَةُ وقال غيره أَلْمَحَت المرأة من وَجْهِها إِلمَاحاً إذا أمكنت من أَنْ تُلْمَحَ ، تفعل ذلك الحسناءُ تُرِي محاسِنَها من يتَصَدَّى لها ثم تُخْفِيهَا. وقال ذو الرمة :

وأَلْمَحْنَ لَمْحاً من خُدودٍ أَسِيلَةٍ

رِوَاءً خلا ما أن تَشِفَّ المعاطِسُ

سلمة عن الفراء في قوله تعالى : (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القَمَر : ٥٠] قال كخَطْفَةٍ بالبصر واللُّمَّاح : الصقُور الذكيّة قاله ابن الأعرابي ، قال واللَّمْحُ : النظر بالعَجَلَةِ.

ملح : قال الليث : المِلْحُ ما يطيَّب به الطَّعَامُ.

والمِلْحُ خلاف العَذْبِ من الماء. يقال مَاءٌ مِلْحٌ ولا تقول مالِحٌ. والمِلْحُ من الملاحة. تقول : مَلُحَ يَمْلُحُ مَلاحَةً ومَلْحاً فهو مَايحٌ. قال : وَالمُحَالَحَةُ المُوَاكَلَةُ وإذا وصَفْتَ الشيءَ بما فيه المُلُوحَة قلت سَمَكٌ مَالحٌ وَبَقْلَةُ مَالِحَةٌ وتقول : مَلَحْتُ الشيءَ وَمَلَّحْتُه فهو مَمْلُوح مُمَلَّحٌ مَلِيحٌ. وقال ابن السكيت : يقال هذا ماء مِلْحٌ ، ولا يقال مَالحٌ ، قال وسمك مَلِيحٌ ومَمْلُوحٌ. ولا يقال مَالحٌ ، ولم يجيء إلا في بيت العذافر :

بَصْرِيَّةٍ تَزَوَّجَتْ بَصْرِيّا

يَطْعِمُها المالِحَ وَالطَّرِيَّا

وقال ابن شميل : قال يونس : لم أسمع أَحَداً من العرب يقول ماءٌ مالحٌ. قال ويقال سمك مَالحٌ وأحسن منها سَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوح. قال وقال أبو الدُّقَيْش : مَاءٌ مَالحٌ وَمَاءٌ مِلْحٌ قلت : هذا وَإِنْ وُجِدَ في كلام العَرَبِ قليلاً فهي لُغَةٌ لا تُنْكر.

أبو عبيد عن أبي زيد : مَلَحْتُ القِدْر فأنا أَمْلَحُها وأَمْلُحُها إذا كان مِلْحُها بِقَدْرٍ فَإِنْ أَكْثَرْتَ مِلْحَها حتى تَفْسُدَ القِدْرُ قلت مَلَّحْتها تَمْلِيحاً.

وقال الليث : المُلَّاح من الحَمْضِ وأنشد :

يخبطن مُلَّاحاً كذاوي القَرْمَلِ

قلت : المُلَّاحُ من بقُولِ الرياض الواحدة مُلَّاحَةً وهي بَقْلَةٌ ناعمة عَرِيضَةُ الوَرَقِ في طعمها مُلُوحَةٌ ، منابتها القِيعَانُ.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه حكى عن أبي المجيب

٦٤

الرَبَعيّ في صفة روضة : رأيتها تَنْدَى من بُهْمَى وصوفَانة وزُبَادَةٍ ويَنَمةٍ ومُلَّاحَةٍ ونَهْقَةٍ.

وقال الليث : المُنْحَةُ الكلمة المَلِيحَةُ ، والمَلَّاحَةُ مَنْبِتُ المِلْحِ ، والمَلَّاحُ صاحب السفينة ومُتَعَهِّدُ النَّهَر ليصلح فُوهَتَه ، وصنعته الملَاحة والملَّاحِية وقال الأعشى :

تكأكأ ملَّاحها وَسْطَها

من الخوف ، كَوْثَلَها يَلْتَزِم

أبو العباس عن ابن الأعرابي : قال المُلَاح الريحِ التي تجري بها السفينة وبه سمي المَلَّاح مَلَّاحاً. وقال غيره سُمِّي السَّفَّانُ ملَّاحاً لمعالجته الماءَ الملح بإجراء السفُنِ فيه.

وقال ابن الأعرابي : المِلَاحُ : المِخْلاة وجاء في الخبر أن المختار لما قتل عمر بن سعد جعل رأسه في مِلَاحٍ أي في مخلاة وعلقه.

قال : والمِلَاحُ السترة ، والمِلَاحُ الرمح ، والمِلَاحُ أن تَهُبَّ الجَنُوبُ بَعْد الشَمال. وقال الليث : المِلْحُ الرَّضاعُ ، وفي حديث وفد هوازن أنهم كلّموا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سَبْي عشائِرِهم فقال خطيبُهم إنا لَوْ كُنَّا مَلَحْنا للحارِث بن أبي شَمِر الغَسَّاني أو للنّعْمانِ بن المندر ثم نزل مَنْزِلَكَ هذا منَّا لَحَفِظَ ذلك لنا وأنت خيرُ المكْفُولِين في حديث طويل قال أبو عبيد : قال الأصْمَعِيُّ في قوله : مَلَحْنا يَعْنِي أرْضَعْنا. وإنما قال الهوازنيُّ ذلك لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان مُسْتَرْضَعاً فيهم ، أرضعته حليمَةُ السَّعْدِيّة والمِلْحُ هو الرَّضاعُ. وقال أبو الطَّمَحانِ وكانت له إبلٌ سقى قوماً أَلْبَانَها ، ثم أَغاروا عليها فقال :

وإنِّي لأَرْجُو مِلْحَها في بُطُونِكُم

وما بَسَطَتْ من جلْد أَشْعَثَ أَغْبَرِ

يقول : أرْجو أن تحفظوا ما شَرِبْتُم من أَلْبانها ، وما بسطَتْ من جُلودكم بعد أن كنتم مهازِيلَ. قال وأنشدنا لغَيره :

جزى الله ربُّكَ ربُّ العباد

والمِلْحُ مَا وَلَدَتْ خالدة

يعني بالملح الرضاعَ ورواه ابن السكيت

لا يعبدُ الله ربُّ العبا

د والملح

وهو أصحُّ وقال أبو سعيد : الملحُ في قول أبي الطمحان الحُرّمَةُ والذِّمامُ ، يقال بين فلانٍ وفلانٍ ملحٌ ومِلْحَةٌ إذا كان بينهما حُرْمَةٌ فقال أرجو أن يَأْحُذَكُمُ الله بحرمة صاحبِها وغَدْرِكُمْ بِها.

والمِلْحُ البَرَكَةُ ، يقال : لا يباركُ الله فيه ولا يَمْلُحَ قاله ابن الأنباري قال وقال أبو العباس العرب تعظّم أَمْرَ المِلْحِ والنَّار والرَّماد قال وقولهم : مِلْحُ فلان على ركبتَيْهِ فيه قولان : أحدُهما أنه مَضَيِّعٌ لِحَقّ الرّضاع غيرُ حافظ له فأَدْنَى شيء يُنسيه ذِمامَه ، كأنّ الذي يضَعُ الملْحَ على ركبتيه أدْنى شيء يُبَدِّدُه. والقول الآخرُ : سَيِّىءُ الخلق يغضَب من أَدْنى شيء كما أن الملْحَ على الرّكبة يتبدّدُ من أدنى شيء. قال والملْحُ يؤنَّثُ ويذكَّر والتأنيثُ فيه أكثر.

٦٥

وقال ابن الأعرابي : الملْحُ اللبنُ ، والملْحُ والمُلَحُ من الأخبار بفتح الميم ، والملْحُ العلْم ، والملْحُ العلماءُ. ويروى عن ابن عباس أنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الصادق يُعْطَى ثلاثَ خصال الملْحَةَ والمحَبَّة والمهابة». قال ويقال تملَّحَت الإبلُ إذا سمِنت ، فلعلّ هذا منه كأنه يريد الفضلَ والزيادةَ ، وأنشد ابن الأعرابي هذا البيت :

ورد جازِرُهم حَرْفاً مُصَرّمةً

في الرأسِ منها وفي الرِّجْلَينِ تمليحُ

قال وهو كما قال :

ما دام مُخٌّ في سُلَامَى أو عيْن

قال وسأل رجل آخَرَ فقال أحب أن تملحَني عند فلان بنفسك أي أحب أن تزيِّنَني وتُطْرِيني. قال مَلَح يَملَحُ ويَملُحُ إذا رضع وقال ملَحَ الماءُ ومَلُحَ يَملُحُ مَلاحَةً. وقال ابن بُزُرْج : مَلَح الله فيه فهو مَمْلُوح فيه ، أي مُبَارَكٌ له في عيشه ومالِه ، قلت أراد بالملْحَة البركةَ. ويقال : كانَ ربيعُنا مملوحاً فيه ، وذلك إذا أَلْبَنَ القومُ فيه وأسمنوا. وإذا دُعِيَ عليه قيل لا مَلَحَ الله فيه أي لا بارك فيه.

ويقال : أصبنا مُلْحَةً من الربيع أي شيئاً يسيراً منه ، وأَمْلَحَ البعيرُ إذا حَمَل الشحْمَ ، ومُلِحَ فهو مَمْلُوحٌ إذا سمن.

أبو عبيد عن أبي زيد : أمْلَحْتُ القِدْر بالألف إذا جعلْتَ فيها شيئاً من شحم.

قال ومَلَحْتُ الماشيةَ إذا أطعمتها سَنْجَةَ الملح وذلك إذا لم تجد حمضاً فأطعمتها هذا مكانه. ومَلَّحَتْ الناقةُ فهي مُمَلَّح إذا سمنت قليلاً ومنه قوله :

من جزورٍ مُمَلِّح

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أَنَّه ضَحَّى بكبشين أمْلَحَيْنِ ، قال أبو عبيد قال الكسائي وأبو زيد وغيرهما : الأَمْلَحُ الذي فيه بياضٌ وسواد ويكون البياضُ أكثر وكذلك كل شعرٍ وصوفٍ فيه بياضٌ وسوادٌ فهو أمْلَحُ وأنشدنا :

لكل دَهْرٍ قد لبستُ أَثْوُبا

حتى اكْتَسَى الرَّأسُ قِناعاً أشيبا

أَمْلَحَ لا لَذَّ ولا محبَّبا

وقال أبو العباس قال ابن الأعرابي : الأمْلَحُ الأبيضُ النقيُّ البياضِ. وقال أبو عبيدة هو الأبيضُ الذي ليس يخالِط البياضَ فيه عُفْرةٌ. وقال الأصمعي : الأمْلَحُ الأبْلَقُ بِسَوادٍ وبياض. قال أبو العباس : والقولُ ما قاله الأصمعيّ. وقال أبو عمر : الأمْلَحُ الأعْرَمُ وهو الأبلَقُ بسوادٍ. قال أبو العباس : واختلفوا في تفسير قوله :

لا تَلُمْها إنّها من نسوةٍ

مِلْحُها موضوعَةٌ فوقَ الرُّكب

فقال الأصمعي هذه زَنْجِيّة ، ومِلْحُها شَحْمُها وسِمَن الزَّنج في أفْخَاذها. وقال شمر : الشّحم يسمى مِلْحاً. وقال أبو العباس قال ابن الأعرابيّ في قوله :

مِلْحُها موضوعة فوق الرُّكَب

هذه قليلة الوفاء قال والملْحُ ههنا هو الملْحُ. يقال فلان مِلْحُه على رُكْبَتَيهِ إذا

٦٦

كان قليلَ الوفاءِ. قال والعرب تحلف بالملْحِ والماءِ تعظيماً لهما. وروى قوله :

والملحِ ما ولدت خالدة

بكسر الحاء وجَعَلَ الواو واوَ القَسَم ، وأمَّا الكسائيُّ فرواه والمِلْحُ بضم الحاء عطفه على قوله لا يبعد الله.

الليث : أَمْلَحْتَ يا فلانُ جاء بمعنيين : أي جئت بكلمةٍ مليحةٍ ، وأكثرت مِلْحَ القِدْرِ ، قلت واللغة الجيِّدة مَلَّحْتَ القدر إذا أكثرتَ ملحها بالتشديد. قال والمَلْحَاءُ : وسط الظّهْر بين الكاهل والعَجُز ، وهي من البعير ما تحت السَّنَام. قال : وفي المَلْحَاءِ ستُّ مَحَالاتٍ وهي ست فقرات والجميع مَلْحَاوَات والمُلَّاحِيُ ضربٌ من العنب أبيضُ ، في حَبِّه طولٌ. قال : والملَحُ داءٌ وعيب في رِجْلِ الدابة. وقال غيره يقال للنَّدى الذي يسقط بالليل على البقل أَمْلَحُ لبياضِه ومنه قوله :

أقامَتْ به حَدَّ الرَّبيعِ وَجَارُها

أخُو سَلْوَةٍ مَسَّى به اللَّيْلُ أَمْلَحُ

أراد بجارها نَدَى اللَّيْلِ يُجيرُها من العطش ، وقال شمر : شِيْبانُ ومِلْحانُ هما الكانُونان ، وقال الكميت :

إذا أمست الآفاق حُمْراً جُنُوبها

الشِيبانُ أو مِلْحان واليوم أشهب

قال وقال عمرو بن أبي عمرو شِيبانُ بكسر الشين ومِلحان من الأيام إذا ابيضّت الأرض من الحَليتِ والصقيع.

سلمة عن الفراء قال : المليح الحليم وكذلك الرَاسب والمَرِثُ.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : المِلَاحُ أن تشتكي الناقةُ حياءَها فتؤخذ خرقةٌ ويُطْلَى عليها دَوَاءٌ ثم يُلْصَقَ على الحياء فَيَبْرَأُ.

قال : والمِلَاحُ المراضعة ، والمِلَاحُ المياه المِلْحُ ، والمِلَاحُ الرّمْح.

قال أبو الهيثم : تقول العرب للذي يخلِط كذباً بصدق هو يخصف حِذَاءه وهو يرتشي إذا خلط كذباً بحق ويَمْتَلِحُ مثلُه. وإذا قالوا : فلان يَمْلَحُ فهو الذي لا يخلص الصدق وإذا قالوا عند فلان كذبٌ قليلٌ فهو الصدوق الذي لا يكذب وإذا قالوا إنّ فلاناً يَمْتَذِق فهو الكذوب.

لحم : قال الليث : تقول العرب هذا لَحْمٌ ولَحَمٌ مخفَّف ومثقَّل. ورجل لَحيمٌ كثير لَحْمِ الجسد وقد لَحُمَ لَحامَةٌ ، ورجل لَحِمٌ أكولٌ للّحِمِ وبيت لَحِمٌ يكثر اللَّحْمُ فيه.

وجاء في الحديث «إن الله يُبْغِضُ البيتَ اللَّحِمَ وأَهْلَه» وفي حديثِ آخر «يُبْغِضُ أهلَ البيتِ اللَّحِمِين».

حدثنا عبد الله بن عُرْوةَ عن العباس الدُريّ عن محمد بن عبيد الطنافسيّ قال : سأل رجل سفيان الثوريّ أرأيتَ هذا الحديث الذي يروى «إنَّ الله لَيُبْغِضُ أهلَ البيتِ اللَّحِمِين» أهُمُ الذين يكثرون أكل اللحم؟ فقال سفيانُ : هم الذين يُكْثِرُون أَكْلَ لحُومِ الناس.

وقال نِفْطَوَيْهِ : يقال أَلْحَمْتُ فلاناً فلاناً ، أي مكَّنْتُهُ من عِرْضِه وشَتْمِه. وفلانٌ يَأكُلُ لُحُومَ الناسِ أي يَغْتابُهم.

ومنه قول الشاعر :

٦٧

وإذا أَمْكَنَهُ لحمي رَتَعْ

وفي الحديث «إنّ أَرْبى الربا اسْتِطالةُ الرجُلِ في عِرْضِ أَخِيه» قلت : ومِن هذا قول الله جلّ وعزّ : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات : ١٢].

وقال الليث : باز مُلْحَمٌ يطعمُ اللَّحْمَ ، وبازٍ لَحِمٌ أيضاً لأن أَكْلَهُ لَحْمٌ.

وقال الأعشى :

تدلّي حثيثاً كأن الصوا

رِ يَتْبَعُهُ أَزْرَقِيٌ لَحِم

وقال ابن السكيت : رجل شحيمٌ لَحيمٌ أي سمين ورجل شَحِمٌ لَحِمٌ أي قَرِمٌ إلى اللَّحْم والشحم يَشْتَهيهِما ، ورجلٌ لحّام شَحّامٌ إذا كان يبيع اللَّحْمَ والشَّحْمَ ، ورجل مُلْحَمٌ إذا كان مُطْعَماً للصيد ، ورجل مُلحِمٌ إذا كثر عنده اللَّحْمُ وكذلك مُشْحِمٌ.

وقال الليث : أَلْحَمْتُ القوم إذا قتلتَهم حتى صاروا لَحْماً ، واللَّحيمُ : القتيلُ.

وأنشد قول ساعدة الهذلي :

ولا رَيْبَ أن قد كان ثَمَ لَحِيم

وقال أبو عبيد : استُلحِمَ الرجُلُ إذا أُزْهِقَ في القتال. قال : والملحَمَةُ : القتال في الفتنة. وقال شمر قال ابن الأعرابي : الملحمة حيث يُقَاطِعُون لحومهم بالسيوف.

الأصمعيُّ : أَلْحَمْتُ القوم : أطْعَمْتُهُم اللَّحْمَ بالأَلِفِ.

وقال مالك بن نويرة يصف ضَبُعاً :

وتظل تَنْشِطُنِي وتُلحِمُ أَجْرَيا

وسط العَرِينِ وليس حيٌّ يَمْنَعُ

قال : جَعَلَ مَأْوَاهَا لَهَا عريناً : وقال أبو عبيد قال غير الأصمعي : لَحَمْتُ القومَ بغير ألِف. قال شَمِر وهو القياس. قال : وأَلحَمَ القَوْمُ كَثُرَ لَحْمُ بُيُوتِهم. ولَحَمَ الرجلُ كثر لَحْمُ بَدَنِه فهو لحيمٌ شحيمٌ. ولَحُمَ الصقر إذا اشتهى اللَّحْمَ فهو لَحِمٌ. قال ولَحَمَ الرَّجُل يَلحَمُ إذا نَشِبَ بالمكان ، ولَحْمَةُ الصّقْرِ والأَسَدِ وغيرِه ما يأكُل. ولَحْمَةُ النَّسَب بالفتح. ولُحْمَةُ الصيد ما يُصَادُ به.

ثعلب عن ابن الأعرابي : لَحْمَةُ الثوب ولَحْمَةُ النَّسب بالفتح. ولُحمةُ الصيد ما يُصاد به.

أبو عبيد عن الأَصمعي : لحُم الرجل وشحُم في بدنه إذا أكل كثيراً فَلَحُم عليه ، قيل لَحِم وشَحِم. وقال شمر : المُلحَمُ الدِّعِيُّ وأنشد :

حتى إذا ما فَرَّ كلُ مُلْحَمِ

وقال الأَصمعيُّ : هو المُلْصَقُ بالْقوم ليس منهم. قال : ولاحَمْتُ الشيء بالشيء إذا لَزَقْتَه به.

وقال الليث يقال : استلحم فلان الطريق إذا اتَّبعه وأنشد :

ومن أَرَيْنَاه الطَّريق استلْحَمَا

وقال امرؤ القيس :

استلحم الوَحْشُ على أكسائها

أَهْوَجُ مِحْفِيرٌ إذا النَّقْعُ دَخَنْ

٦٨

وشَجَّةٌ متلاحِمَةٌ : إذا بَلَغت اللَّحْمَ والتحم الصَّدْعُ والْتَأَمَ بمعنى واحد. والملحَمَةُ الحربُ ذات القَتْلِ الشديد. واللِّحَامُ ما يُلْحَمُ به الصَّدْعُ. غيره أُلْحمَ الرجلُ إِلْحَاماً واستَلْحَم استلحاماً إذا نشِب في الحرْب فلم يجد مَخْلَصاً. قال وأَلْحَمَه القتالُ ، ومنه حديثُ جعفر الطيّار يوم مُؤْتَةَ أَنَّهُ أَخَذَ الرّاية بعد قتل زَيْدٍ فقاتل بها حتى أَلْحَمَهُ القتالُ فنزل وعَقَر فرسه.

ويقال : تلاحَمَت الشَّجَّةُ إذا أَخَذَتْ في اللَّحم ، وتلاحَمَت أيضاً إذا بَرَأَت والْتَحَمَت والمُتَلَاحِمَة من النساء الرتْقَاء.

أبو عبيد عن الأصمعي : المُتلاحِمَةُ الضيقَة الملاقي وهي مَآزِمُ الفَرْج. وقال أبو سعيد إنما يقال لها لاحِمَةٌ كأن هناك لحماً يمنع من الجِمَاعِ. قال : ولا يصح مُتلاحِمةٌ.

وقال شمر قال عبد الوهاب : المُتَلَاحِمَةُ من الشِّجَاجِ التي تَشُقُ اللحمَ كلَّه دون العظم ثم تتلاحمُ بعد شَقِّها ، فلا يجوز فيها المِسْبَارُ بعد تلاحُمِ اللَّحْمِ ، قال : وتتلاحم من يوْمِها ومن غَدٍ. وقال الأصمعي في قول الراجز يصف الخيل :

نُطْعِمُها اللَّحْمَ إذا عزَّ الشَّجَرْ

والخيلُ أطعامُها اللَّحْمَ ضرر

قال يزيد نطعمها اللَّبَنَ فسمى اللَّبَنَ لَحْماً لأنها تَسْمَنُ على اللَّبن. وقال ابن الأعرابي كانوا إذا أجدبوا وقلّ اللبن يبسوا اللَّحْمَ وحَمَلُوه في أَسْفَارِهم وأَطْعَمُوه الخيلَ. وأنكر ما قاله الأصمعيُّ وقال إذا لم يكن الشجرُ لم يكن اللبنُ. وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال استَلْحَم الزرع واسْتَكَّ وازْدَجَّ وهو الطَّهْلِيُّ قلت معناه أنه التفَّ.

وقال أبو سعيد يقال هذا الكلامُ لَحِيمُ هذا الكلام وطَريدُه أي وَفْقُه وشكله. وقال أبو زيد أَلْحَمْتُ الثوبَ إِلحَاماً وأَلْحَمْتُ الطَّيْرَ إِلْحَاماً ، وهي لُحمَةُ الثوب ، وهي الأعلى ولَحْمَتُهُ ، والسَّدَى الأسفل من الثوْب ، اللَّحَّامُ الذي يبيع اللَّحْمَ ويجمع اللَّحْمُ لحُوماً ولُحْمَاناً ولِحَاماً.

حلم : قال الليث : الحُلُم الرؤيا يقال حَلَمَ يَحْلُم إذا رأى في المنام. وفي الحديث : «مَن تحلَّم ما لم يَحْلَم» يعني من تكلَّف حُلْماً لم يره ، والحُلُم الاحتلام أيضاً يجمع على الأحلام. وأحْلَامُ القوم حُلمَاؤُهم ، والواحد حَليمٌ وقال الأعشى :

فَأَمَّا إذا جَلَسُوا بالعشيّ

فأحلام عَادٍ وأيدي هُضُم

وقد حَلُم الرجل يَحْلَم فهو حَلِيمٌ ، والحليمُ في صفة الله تعالى معناه الصبور.

ومن أسماء الرجال مُحَلِّم وهو الذي يُعَلِّم غيره الْحِلْمَ ، ويقالُ أَحْلَمَتْ المرأةُ إذا وَلَدَت الحُلمَاءَ. قال والأحلام الأجسَامُ ، والحَلَمَةُ ، والجميعُ الحَلَم ، وهو ما عَظُم من القُرَادِ. وبعيرٌ حَلِمٌ قد أفسده الحَلَمُ من كثرتها عليه ، وأديمٌ حَلِمٌ قد أفسده الحَلَم قبل أن يسلخ وقد حَلِم حَلَماً ومنه قول عُقْبة

فإنَّكَ والكتابَ إلى عَلِيٍ

كدابغَةٍ وقد حَلِم الأديمُ

٦٩

وعَناقٌ حَلِمَةٌ قد أَفْسَدَ

جلدَها الحَلَمُ وكذلك عناقُ

تَحلِمَةٌ والجميع الحِلَامُ. وحلَّمْتُ البعيرَ أخذت عنه الحَلَمَ وجماعةُ تَحْلِمَةٍ تَحَالِمٌ قد كثر الحَلَمُ عليها.

وفي الحديثِ أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر مُعَاذاً أن يأخُذَ من كل حالِم ديناراً قال أبو الهيثم أرادَ بالحالِمِ كلَّ مَنْ بَلَغَ الحُلُم ، حَلَمَ أو لم يَحلُم ويقال حلَم في نومه يحلُم حُلُماً وحُلْماً. واحْتَلَم بمعناه. وفي الحديث «الغُسْلُ يومَ الجمعة واجبٌ على كل حالِم» أي على كلِّ بالغ إنما هو على من بَلَغَ الحُلُم أي بلغ أن يَحْتَلِمَ أو احْتَلَم قبل ذلك ورُوِيَ على كلِ مُحْتَلِم أي على كل بالغٍ احْتَلَم أو لم يَحْتَلِمْ.

والحَلَمَةُ قال الليث : هي شجرةُ السَّعْدانِ وهي من أفاضل المَرْعَى.

قلت : ليست الْحَلَمَةُ من شَجَرِ السَّعْدانِ في شيء ، السعدان بَقْلٌ له حَسَكٌ مستديرٌ ذو شوكٍ كثيرٍ إذا يَبِسَ آذَى واطِئَه والْحَلَمَةُ لا شوكَ لَهَا وهي من الْجَنْبَةِ وقد رأيتهما ، ويقال للحلمة الحَمَاطَةُ.

وقال الليث : الحَلَمَةُ رأس الثَّدْي في وسط السَّعْدَانَةِ.

قلت : الحلمة الهُنَيَّة الشاخصة من ثَدْي المرأة وثُنْدُوَةِ الرجُلِ ، وهِيَ القُرَادُ.

وأما السَّعدانة فما أَحاطَ بالقُرَادِ مما خالف لونُه لونَ الثدي ، واللَّوْعَةُ السوادُ حول الحَلَمَةِ.

أبو عبيد عن الأصمعي : القُرَادُ أولَ ما يكون صغيراً قَمْقَامَةٌ ثم يصير حَمْنَانة ثم يصير قُرَاداً ثم يصير حَلَمَةً.

قال : وقال أبو عمرو تحلَّم الصبيُّ إذا أقبل شحمُه.

وقال أوس بن حجر :

لَحَيْنَهُمُ لَحْيَ العَصَا فَطَرَدْنَهُمْ

إلى سنَةٍ قِرْدَانُها لم تَحَلَّمِ

أي لم تسمن لجُدُوبَةِ السَّنة.

وقال الليث : مُحَلِّمٌ نهر بالبحرين. قلت أنا : مُحَلِّم عين فوارة بالبحرين ، وما رأيت عيناً أكثر ماءً منها ، وماؤها حَارٌّ في منبعه ، وإذا بَرُد فهو ماءٌ عَذْبٌ ، ولهذه العين إذا جرت في نَهْرِها خُلُجٌ كثيرة تَتَخَلَّجُ منها ، تسقي نخيل جُؤَاثَا وعَسَلَّج وقُرَيَّاتٍ من قرى هَجَر. وأرى محلِّماً اسمَ رجل نسبت العين إليه.

وقول المخبَّل :

واسْتَيْقَهُوا لِلْمُحَلِّمِ

أي أطاعوا من يعلمهم الحِلْم. ويومُ حليمةَ أحدُ أَيَّام العربِ المشهورةِ ، والعرب تضرب به المثلَ في كلِّ أمر مُتَعالَم مشهور فتقول : «ما يَوْمُ حَلِيمَةَ بِسِرٍّ» وقد يُضْرَب مثلاً للرجل النابه الذكر الشريف وقد ذكره النَّابِغَةُ في شعره فقال يصف السيوف :

تُخِيِّرْنَ مِن أَزْمَان يوم حليمة

إلى اليومِ قد جُرِّبْنَ كُلَّ التجارب

وقال ابنُ الكلبيّ : هي حَلِيمَةٌ ابنةُ الحارث بن أبي شمر ، وجَّه أبُوها جيشاً

٧٠

إلى المنذرِ بْنِ ماء السماء فأخرجت حليمةُ لَهُمْ مِرْكَناً من طيب وطيَّبَتْهُم رواه أبو عبيد عنه.

وقال الليث : الحُلَّام الجَدْيُ.

وقال أبو عُبَيْدٍ : قال الأصمعي : ولد المَعْزِ حُلَّامٌ وحُلَّانٌ.

قلت : والأصلُ حُلَّانٌ وهو فُعْلَانُ من التَّحْليل ، فقلبت النون مِيماً. وشارةٌ حلِيمَةٌ سَمِينَةٌ. ويقال : حَلَمْتُ خَيَالَ فلانةَ فهو مَحْلُومٌ.

وقال الأخطل :

فَحَلُمْتُها وبنورُ فَيْدةَ دونَها

لا يبعدنّ خيالُها المَحْلُومُ

ح ن ف

نحن ، حنف ، حفن ، نحف ، نفح : [مستعملة].

فحن : أما فحن فمهملٌ عند الليث. وفَيْحَانُ اسم موضع ، وأظُنُّهُ فَيْعَالاً من فَحَنَ ، والأكثر أنه فَعْلَان من الأفْيَحِ وهو الواسِعُ وسمَّت العرب المرأة فَيْحُونَةَ.

حنف : قال الليث : الحَنَفُ مَيَلٌ في صدر القدَمِ ، فالرَّجُلُ أَحْنَفُ والرِّجْلُ حَنْفَاءُ ، ويقالَ : سُمِّي الأحنفُ بنُ قَيْسٍ به لِحَنَفٍ كان في رِجْله.

وروى ثعلبٌ عن أبي نصر عن الأصمعي أنه قال : الحَنَفُ أن تُقْبِلَ إبْهِامُ الرِّجْلِ اليُمْنَى على أُخْتِهَا من اليُسْرَى وأَنْ تُقْبِلَ الأُخْرَى إلَيْها إقْبَالاً شديداً.

وأنشد لِدَايَةِ الأحْنفِ وكانت ترقِّصُه وهو طفل :

والله لو لَا حَنَفٌ برِجْلِهِ

ما كانَ في فِتْيَانِكُمْ مِنْ مِثْلِه

ومِنْ صلةٌ هَهُنا.

عمرو عن أبيه قال : الحنيفُ المائِل من خَيْرٍ إلى شَرٍّ ومن شَرٍّ إلى خَيْرٍ.

قال ثعلب ومنه أُخِذَ الحَنَفُ.

ورَوَى ابْنُ نجدة عن أبي زيد أنه قال الحنيف المستقيم ، وأنشد :

تعلَّمْ أن سيَهْدِيكُم إلَيْنَا

طريقٌ لا يَجُورُ بِكم حَنِيفُ

وقال الليث : الحنيفُ المسلم الذي يستقبِلُ البيتَ الحرامَ على مِلَّةِ إبراهيمَ فهو حنيفٌ.

وقيل : كلُّ من أَسْلَمَ لأمرِ الله ولم يلْتَوِ فهو حنيفٌ.

وقال أبو عبيدة في قول الله جلّ وعزّ :

(بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [البَقَرَة : ١٣٥].

قال : مَنْ كان على دين إبراهيمَ فهو حنيفٌ.

قال : وكان عَبَدَةُ الأوْثَانِ في الجاهليَّة يقولون : نحن حُنَفَاءُ على دين إبراهيم ، فلمَّا جاء الإسلامُ سَمَّوا المُسْلِمَ حنِيفاً.

وقال الأخْفش : الحنيفُ المُسْلِمُ وكان في الجاهلية يُقَال لِمَن اخْتَتَن وحَجَّ البيْتَ حنيفٌ ؛ لأَنَّ العربَ لم تتمسَّكْ في الجاهليّة بشيء من دين إبراهيم غيرَ الخِتَان وحَجِّ البيت ، فكلُّ من اخْتَتَن وحَجَّ قيل له حَنِيفٌ. فلمَّا جاءَ الإسلامُ عادت الحنيفيَّةُ فالحنيف المسلم.

٧١

حدَّثَنَا الحسين قال حدثنا عثمان قال حدثنا وكيعٌ عن مرزوق قال سمعت الضَّحَّاك يقول في قوله تعالى : (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) [الحَجّ : ٣١] قال حُجَّاجاً وكذلك قال السّدي قال حُنَفاءَ حُجَّاجاً.

وقال أبو إسحاق الزجاج نَصَبَ (حَنِيفاً) في هذه الآيةِ على الحَالِ ، المعنى بل نَتَّبعُ مِلَّةَ إبراهيم في حَالِ حَنِيفِيَّتِه ، ومَعْنَى الحَنِيفِيَّةِ في اللغة المَيْلُ ، والمعنى أَنَّ إبراهيم حَنَفَ إلى دين الله ـ ودين الإسلام ـ فإنما أُخِذَ الحَنَفُ من قولهم : رِجْل حَنْفَاءُ ورَجُلٌ أَحْنَفُ ، وهو الذي تَمِيلُ قَدَمَاه كلُّ واحدةٍ إلى أُختِها بِأَصَابعها.

وقال الفرَّاءُ : الحنيفُ مَنْ سُنَّتُهُ الاخْتِتَانُ. وقال اللَّيْثُ السُّيُوف الحنيفية تنسب إلى الأحْنفِ بْنِ قَيْسٍ لأنه أَوَّلُ مَنْ أَمَرَ باتِّخَاذِها. قال : والقياس أحْنَفِيُ. وبنو حنيفةَ حَيٌّ من ربيعةَ. ويقال : تَحَنَّفَ فلانٌ إلى الشيء تحنُّفاً إذا مال إليه. وحَسَبٌ حَنِيفٌ أي حديث إسلامي لا قَدِيمَ له.

وقال بن حَبْنَاء التميميُّ :

وماذَا غيرَ أنك ذو سِبَالٍ

تُمَسِّحُها وذُو حَسَبٍ حَنِيفِ

ثعلب عن ابن الأعرابي : الْحَنْفَاءُ شجرةٌ.

والحَنْفَاءُ القوس ، والحَنْفَاءُ الموسى ، والحَنْفَاءُ السُّلَحْفَاةُ ، والحنْفَاء الحرباءة ، والحَنْفَاء الأَمَة المتلوّنة تكسَل مَرة وتنشط أُخْرَى.

نحف : قال اللَّيثُ : نَحُفَ الرجل يَنْحُفُ نحافة فهو نَحِيفٌ قَضِيفٌ ضَرِبٌ قليل اللحم ، وأنشد :

ترى الرَّجُلَ النحيفَ فَتَزْدَرِيه

وتَحْتَ ثِيَابِه رَجُلٌ مَزِير

نفح : أخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : النَّفِيحُ والمِنفَحُ والمِعَنُّ الداخل مع القومِ وليس شأنُه شَأْنَهُم.

قال الأزهري : هكذا جَاء به في هذا الموضع. وقال في موضع آخر : النَّفِيج ـ بالجيم ـ الذي يَعْتَرِضِ بين القوم وَلا يُصلح ولا يفسد ، وهَذَا قَوْلُ ثعلب.

قال : وقال ابن الأعرابي : النَّفِيحُ الذي يَجيءُ أَجْنَبِيّاً فيدخلُ بين القوم ويسُلّ بينهم ويُصلح أمرهم.

وقال اللَّيْثُ : نَفَح الطيبُ يَنْفَحُ نَفْحاً ونُفُوحاً إذا فَاح رِيحُه ، وله نَفْحَةٌ طيِّبةٌ ونَفْحَةٌ خبيثَةٌ ونَفَحت الدابة إذا رمِحت بِرِجْلِها ورمت بحدّ حافرها.

ونَفَحَهُ بالسّيف إذا تناوله شَزْراً ، ونَفَحَه بالمال نَفْحاً ؛ ولا تزال له نَفَحَاتٌ من المعْرُوفِ أي دفعات. قال : والله هو النَّفَّاحُ المُنْعِمُ على عبَادِه. قلت : لم أَسْمَعْ النَّفَّاحَ في صفات الله التي جاءت في القرآن ثُمَّ في سُنَّةِ المصطفى عليه‌السلام ، ولا يجوز عند أَهْلِ العِلْم أن يُوصف الله جل وعز بصفة لم يُنْزِلْها في كتابه ، ولم يبيِّنْهَا على لسان نَبِيِّه عليه‌السلام. وإذا قِيلَ للرَّجُل نَفَّاحٌ فمعناه الكثير العَطَايَا.

٧٢

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال في قول الله جلّ وعزّ : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ) [الأنبيَاء : ٤٦] فقال : أصابَتْنَا نَفْحَةُ الصَّبا أي رَوْحَةٌ وَطِيبٌ لا غَمّ فيها ولا كَرْبَ ، وأصابتنا نَفْحَةٌ من سَمُومٍ : أي حَرٌّ وغمٌّ وكربٌّ وأنشد في طيب الصَّبا :

إذا نَفَحَتْ مِنْ عَنْ يمين المَشَارِ

ونَفَحُ الطِّيب إذا فَاحَ رِيحُه وقال جِرانُ العود يذكر جارَته :

لَقدْ عَاجَلَتْنِي بالقَبِيح وَثوْبُها

جَدِيدٌ ومن أَرْدَانِها المسْكُ يَنْفَحُ

أي يفُوح طيبُه ، فجعل النَّفْحَةَ مَرَّة أشَدَّ العذابِ لقول الله جلّ وعزّ : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ). وجعلها مرةً ريحَ مِسْكٍ. وقال الأصمعيُّ : ما كان من الريح سَمُوماً فله لَفْحٌ وما كان بارِداً فله نَفْحٌ.

وقال الليث : الإنْفَحَةُ لا تكُونُ إلا لكل ذي كَرِش ، وهو شيء يُسْتَخْرَجُ من بَطْنِ ذِيهِ أصفرُ يُعْصَرُ في صوفَةٍ مُبْتَلَّةٍ في اللبن فيغلَظُ كالجُبن. الحراني عن ابن السكيت هي إِنْفَحَةُ الجَدْي وإِنْفَحَّةُ الْجدي ولا تقل أَنْفِحَة. قال : وحضرني أَعْرابِيَّانِ فَصيحَانِ من بني كلابٍ ، فقال أحدهما : لا أقول إلَّا إنْفَحَةً وقال الآخَرُ : لا أقولُ إلا مِنْفَحَةٍ ، ثم افترقا على أن يسألَا عنهما أشياخ بَنِي كلاب ، فاتفقت جماعةٌ على قولِ ذَا وجماعةٌ على قولِ ذَا ، فهما لُغتانِ.

وقال أبو عبيد : هي الإنْفَحَةُ بكسر الألف وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي : إِنْفَحَةٌ وإِنْفَحَةٌ وهي اللغة الجَيِّدَة ، ويقال مِنْفَحَةٌ وبِنَفْحَةٌ.

وفي الحديث : «أَوَّلُ نَفْحَةٍ من دم الشهيد» ، قال شمر قال خالد بن جَنْبة : نفحة الدّم أَوَّلُ فَوْرَةٍ مِنْهُ ودَفْعَةٍ. وقال الراعي :

نَرْجُو سِجَالاً من المعروف ينفحها

لِسَائِلِيه فلا مَنٌّ ولا حَسَدُ

وقال أبو الهيثم : الجَفْرُ من أَوْلادِ الضَأَنِ والمعز ما قد استكرش وفُطِمَ خمسينَ يَوْماً من الوِلادة أو شَهْرَيْنِ أو صارت إِنْفَحَتهُ كَرِشَاً حين رَعَى النَّبْتَ وإنما تكون إنْفَحَةً ما دام يَرْضَعْ. وقال الفراء طعنة نَفُوحٌ يَنْفَحُ دَمُها سَريعاً.

وقال أبو زيد : من الضُّروع النَّفُوحُ وهي التي لا تحبس لَبَنَها ثعلب عن ابن الأعرابي : النَّفْحُ الذبُّ عن الرَّجُلِ ، يقال : هو يُنَافِحُ عن فُلانٍ. وقال غيره : هو يُنَاضِحُ عنه. وقال ابن السكيت : النَّفِيحةُ القَوْسُ وهي شطيبة من نَبْعٍ وقال مُليحٌ الهذلي :

أَنَاخُوا مُعِيداتِ الوَجيفِ كأَنَّها

نَفَائِحُ نَبْعٍ لم تَربَّعْ ذَوَابِل

ويقال للقوس النفيحة أيضاً ، وهي الفجواءُ المُنفَحَّة.

حفن : قال الليث : الحَفْنُ أَخْذُكَ الشَّيْءَ بِرَاحَةِ الكَفِّ والأصابع مضمومةً. ومِلْءُ كُلِّ كفٍ حَفْنَةٌ. واحْتَفَنْتُ إذا أخذتَ لنفسك.

٧٣

والمحْفَنُ ذُو الجَفْنِ الكثيرِ. وكان مِحْفَنٌ أبا بَطحَاءَ إليه ينسب الدوابّ البَطْحَاوِيَّةُ.أبو عبيد عن أبي زيد : احتَفَنْتُ الرجلَ احْتِفَاناً إذا اقتلعَته من الأرض.

قال وقال أبو عمرو : الحُفْنَةُ الحُفْرَةُ ، وجمعها حُفَن.

وقال شمر : الحُفنة الحُفْرَةُ وأنشد :

هَلْ تَعْرِفُ الدَّارَ تَعفَّتْ بالحُفَنْ

قال : وهي قَلَتَاتٌ يَحْتَفِرُها الماءُ كَهَيْئَةِ البِرَكِ.

وقال ابْنُ السكِّيتِ : الحُفَن : نُقرٌ يكون الماءُ فيها ، وفي أَسْفَلِها حَصًى وتُرابٌ.

وأنشدني أبو بكر الإيادي لعَدِيّ بن الرقاع العاملي.

بِكْرُ تُرَيِّثها آثَارُ مُنْبَعِقٍ

تَرى بِه حُفَنَاً زُرْقاً وغُدْرَانَا

ح ن ب

حبن ، حنب ، نحب ، نبح ، بحن ، بنح : مستعملات.

حبن : قال الليث : الحِبْنُ ما يعتري الإنسان في الجسد فيقيحُ ويَرِم ، والجميع الحُبُون.

والحَبَنُ أين يكثر السِّقْي في شحم البطن فيعظُمَ البَطْنُ لذلك.

أبو عبيد عن اليزيديّ قال الأحْبَنُ الذي به السِّقْيُ.

قال وقال العُدَيْس الكنانيّ يقال لأُمِ حُبَيْنٍ حُبَيْنَةٌ وهي دابة قَدْرُ كفِّ الإنسان. وقال الليث هي دُويبَة على خِلْقَةِ الْحِرْبَاءِ عريضَةُ البَطْنِ جِدَّا وأنشد :

أمَ حُبَيْنٍ أبسطي بُرْدَيْك

إن الأمير دَاخِلٌ عليك

وضَارِبٌ بالسيف مَنْكِبَيْكِ

والحَبَنُ عِظَمُ البَطْنِ ، ولذلك قيل لمن سَقَى بطْنُه قد حَبَن. وأم حُبَيْنٍ هي الأنثى من الحَرَابِيّ.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنَّه رَأَى بِلالاً وقد خَرَجَ بَطْنُه ، فقال أمُ حُبَيْنٍ» وهذا من مَزْحِه عليه‌السلام أراد ضِخَمَ بطْنِه.

وفي «نوادر الأعراب» رأيت فلاناً مُحْبَئِنّاً ومقْطَئِرّاً ومُصْمَغِدّاً أي ممتلئاً غَضَباً.

وقال ابْنُ بُزُرْج تقول العرب في أُدْعِيَّة بين القوم يتداعون بها : صب الله عَلَيْكَ أُمَ حُبَين ماحضاً يَعْنُون اللَّيْلَ.

حنب : قال الليث الحَنَبُ اعوجاج في الساقين. قال والتَّحْنِيبُ في الخَيْل ممَّا يوصف صاحبه بالشِّدَّة ، وليس ذلك باعْوِجَاجٍ شَدِيدٍ.

وقال أبو عبيدة : التَّحْنِيبُ توتيرٌ في الرِّجْلَين.

وقال أبو عمرو : التَّحْنِيبُ في الساق.

وقال غيره اعْوِجَاجٌ في الضُّلُوع.

وقال ابن شميل المُحَنَّبُ من الخيل المُعطَّفُ العِظَامِ.

قال ويقال حَنَّبَهُ الكِبَرُ وحَنَاه إذا نَكَّسَه.

وقال الليث : رَجُلٌ مُحَنَّب شيخ مُنْحَنٍ وأنشد :

يظل نَصْباً لِرَيْبِ الدَّهْرِ يَقْذِفُه

قَذْفَ المُحَنَّبِ بالآفَاتِ والسَّقَم

٧٤

وقال أبو العباس : الْحَنْبَاءُ عند الأصمعيِّ المُعْوَجَّةُ السَّاقَيْنِ. قال : وهي عند ابن الأعرابيّ في الرِّجْلَيْنِ وقال في موضع آخَرَ : الْحنْبَاءُ المعوَجَّةُ الساق وهو مَدْحٌ في الخَيْلِ. وقد حَنَبَ فلانٌ أَزَجاً مُحْكَماً أي بَنَاه مُحْكَماً فَحَناه.

نحب : قال الليث : النَّحْبُ النَّذْرُ.

قال الله جلّ وعزّ : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) [الأحزاب : ٢٣] قُتِلوا في سبيل الله فأدركوا ما تمنَّوا فذلك قضاء النَّحْبِ.

وقال أبو إسحاق في قول الله جلّ وعزّ (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي أَجَلَه وكذلك قال الفرّاء. وقال شمر : النَّحْبُ النَّذْرُ ، والنَّحْبُ الموتُ ، والنَّحْبُ الخَطَرُ العظِيمُ.

وقال جرير :

بِطَخَفَة جالدْنَا الملوك وخيلُنا

عَشِيَّةَ بِسْطَامٍ جَرَيْن على نَحبِ

أي على خطر عظيم ، ويقال على نَذْرٍ.

ويقال سار فلان على نَحْبٍ إذا سار وأَجْهَد السَّيْرَ. ويقال نَحَّبَ القَوْمُ إذا جَدُّوا في عَمَلِهمْ.

وقال طُفَيْلُ :

يزرن إِلَا لاً ما يُنَحِّبْنَ غَيْرَهُ

بِكُلِّ مُلَبٍّ أشعثِ الرأْس مُحْرِم

ويقال سار سيراً مُنَحِّباً : قاصداً لا يُرِيدُ غَيْرَه كأنّه جعل ذلك نَذْراً على نَفْسِه لا يريدُ غيره.

وقال الكُمَيْتُ :

يَخِدْنَ بنا عَرْض الفَلاةِ وطُولَها

كما سار عن يُمْنَى يَدَيْهِ المُنَحِّبُ

يقول إن لم أبلغ مكان كذا وكذا فلك يميني. وقال لبيد :

ألا تَسْأَلَانِ المَرْءَ ماذا يُحَاوِلُ

أَنَخْبٌ فيُقْضَى أم ضَلالٌ وبَاطِلُ

يقول عليه نَذْرٌ في طُولِ سَعْيهِ.

شمر عن عمرو بن زُرَارَةَ عن محمدِ بن إسحاق في قوله (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) قال : فَرَغ من عَمَلِهِ ورجَعَ إلى رَبِّه ، هذا لمن اسْتُشْهِد يوم أُحُد ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) مَا وَعَدَهُ الله من نصْره أو الشَّهَادَةِ على ما مَضَى عليه أصحابُه. وفي حديث طلحة بن عبيد الله أنه قال لابن عباس : هل لك أن أُنَاحِبَك وترفَع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال أبو عبيد قال الأصمعي : نَاحَبْتُ الرجل إذا حَاكَمْتَه أو قاضَيْتَه إلى رَجُلٍ. قال أبو عبيد وقال غيره : نَاحَبْتُه ونافَرْتُه أيضاً مثلُه. قلت : أراد طلحةُ هذا المعنى : كأنَّه قال لابن عباسٍ أُنَافِرُك فتعدّ فضائلك وحَسَبَك وأَعُد فَضَائِلي ولا تذكر في فضائلك وَحَسَبَك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقُرْبَ قَرَابَتِكَ منه ، فإنّ هذا الفضلَ مسلَّم لك ، فارفعه من النِّفَار وأنا أُنَافِرُك بما سواه.

وقال أبو عبيد التنحيب شدة القَرَب للماء وقال ذو الرمة :

ورُب مَفَازَةٍ قَذَفٍ جَمُوحٍ

تَغُول مُنَحِّبَ القَرَبِ اغتيالا

قال : والمُنَحِّبُ الرجُلُ. الليث : النحيبُ البُكاءُ. وقد انْتَحَب انتحاباً. أبو عبيد عن أبي زيد : من أمراض الإبل النُّحَابُ والقُحَابُ والنُحازُ ، وكل هذا من السُّعال. وقد نَحَب يَنْحِبُ.

٧٥

وقال أبو سعيدٍ : التَّنْحِيبُ الإكبابُ على الشيء لا تُفَارِقُه. ويقال نَحَّب فُلانٌ على أمرٍ. قال وقال أعرابي أصابَتْهُ شوكة فَنَحَّبَ عليها يَسْتَخْرِجُها أي أكَبَّ عليها ، وكذلك هو في كل شيءٍ هو مُنَحِّبٌ في كذا. عمرو عن أبيه قال : النَّحْبُ النومُ ، والنَّحْبُ النفس ، والنَّحْبُ صوتُ البُكاءِ ، والنَّحْبُ الطُول والنَّحْبُ السِّمَن ، والنَّحْبُ الشِّدَّةُ ، والنَّحْب القِمَارُ والنَّحْبُ النَّذْرُ ، وأخبرني المنذريّ عن الصَيداويّ عن الرياشي أنه قال يومٌ نَحْبٌ أي طويل.

نبح : قال الليث : النَّبْحُ صوت الكلب ، تقول : نَبَحَ يَنْبَحُ نَبْحاً ونُبَاحاً ، والتيسُ عند السِّفَاد يَنْبَحُ ، والحيَّة تَنْبَحُ في بعض أَصْواتِها وأنشد :

يأْخذُ فيه الحيَّةَ النَّبُوحا

قال : والنَّوابِحُ والنُّبُوح جماعةُ النَّابِح من الكلابِ. أبو عبيد عن الأصمعي : رجل نَبَّاحٌ ونَبَّاجٌ شديد الصوت. قال : والنُّبُوح الجماعةُ الكثيرةُ من الناس. وقال الأخطل

إنَّ العَرَارَةَ والنُّبُوح لِدَارِمٍ

والمستخِفُّ أخُوهُمُ الأثقالا

وقال شمر : يقال نَبَحَتْهُ الكِلابُ ، ونَبَحَتْ عليه ، ونَابَحَه الكلبُ. ويقال في مَثَلٍ : فلان لا يُعْوَى ولا يُنْبَحُ ، يقول هو من ضَعْفِه لا يُعْتَدُّ به ولا يُكَلَّمُ بِخَيْرٍ ولا شر وقال امرؤ القيس :

نَبَحتْ كِلَابُك طَارِقاً مثلي

وقال غيره : الظبي يَنْبَحُ في بعض الأصوات وأنشد :

وقُصْرَى شَنِجِ الأنْسَا

ء نَبَّاح من الشُّعْب

رواه الجاحظ نباح من الشَّعْب ، وفسره يعني من جهة الشَّعْب وأنشد :

ويَنْبَجُ بين الشَّعْبِ نَبْحاً كَأَنَّه

نُبَاحُ سَلوقٍ أَبْصَرَتْ ما يَرِيبُها

قال : والظَّبْيُ إذا أَسَنَّ ونَبَتَتْ لقرونِه شُعَبٌ نَبَح. قلت : والصواب الشُّعْب بضم الشين جمع الأشْعَب وهو الذي انْشَعَب قرناه.

وقال الليث : النَّبَّاحُ مَنَاقِفُ صِغَارٌ بيض يجاءُ بِهَا من مَكَّة تُجْعَلُ في القلائد والوُشُحِ. عمرو عن أبيه النُّبَحَاء الصيَّاحة من الظَباء.

وقال أبو العباس قال ابن الأعرابي النَّبَّاح الظبي الكثيرُ الصياحِ. والنَّبَّاحُ الهدهد الكثير القَرْقَرة وقال أبو خيرة النُّبَاح صوت الأَسْوَد يَنْبح نُباح الجرو.

بنح : أهمله الليث وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : البِنَحُ : العطايا. قلت : الأصل فيها المِنَح جمع المنيحة فقلبت الميم باء قال والبُنَحُ الظباء.

بحن : عمرو عن أبيه قال : البَحْنَانَة : الجُلَّة العظيمة البحرانية التي يحمل فيها الكنعد المالح وهي البَحْوَنة أيضاً وكذلك دَلْوُ بَحْوَنِيُ عظيم كثير الأخْذِ للماء. وقال ابن الأعرابيّ يقال : لضَرْبٍ من النخل بَحْنَةٌ وبه سُمِّى ابن بُحَيْنَةَ. قال : وابن بَحْنَةَ السوطُ. قلت : قيل للسوط ابن بَحْنَةَ لأَنه يُسوى من قُلُوس العَرَاجين. ويقال للجُلَّة العظيمة البَحْنَاءُ أيضاً.

٧٦

ح ن م

حنم ، حمن ، منح ، محن ، نحم : مستعملات.

حنم : أهمل الليث حنم.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : الحَنَمَةُ : البُومة قلت ولم أسمع هذا الحرفَ لغيره وهو ثقة.

نحم : ثعلب عن ابن الأعرابي النَّحْمَةُ : السَّعْلَةُ وتكون الزّحْرَةَ. وقال الليث : نَحَم الفَهْد يَنْحَمُ نَحِيماً ، ونحوه من السباع كذلك.

وكذلك النَّئِيمُ وهو صوتٌ شديد. والنُّحَامُ طائر أحمر على خِلْقة الوزّ الواحدة نُحَامَةٌ. ورجل نَحَّامٌ بخيل إذا طُلِب معروفُه كَثُر سعاله ومنه قول طرفة :

أَرَى قبر نَحَّامٍ بخيل بماله

كقبر غوِيّ في البَطَالة مفسد

وقال غيره نحم الساقي والعامل ينحِمُ.

وينحم نحيماً إذا استراح إلى شبه أنين يخرجه من صدره وأنشد :

ما لك لا تَنْحَمُ يا رواحهْ

إن النَّحيم للسُّقَاة راحهْ

منح : قال الليث : مَنَحْتُ فلاناً شاةً ، وتلك الشاة اسْمُها المِنِيحة ولا تكون المَنِيحَةُ إلا عاريةً للَّبَنِ خاصَّةً : أبو عبيد عن الكسائي أمْنَحَت الناقة فهي تُمنِحٌ إذا دنا نِتَاجُها.

وقال شمر لا أعرف أمْنَحَتْ بهذا المعنى.

قلت : أمْنَحَتْ بهذا المعنَى صَحِيحٌ ، ومن العرب مسموع ، ولا يضرُّه إنكار شمر إياه.

وفي حديث النَّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «من مَنَحَ مِنْحة وَرِق أو مَنح لبَناً كان كَعَدْل رقَبَةٍ».

وقال أحمد بن حنبل : مِنْحَةُ الوَرِق هو القَرْضُ. وقال أبو عبيد المَنْحَةُ عند العربِ على مَعْنَيَيْنِ : أحدهما أن يُعْطى الرجلُ صاحبَه المالَ هبةً أو صِلَة فيكونُ له ، وأما المِنحةُ الأُخْرَى فأَنْ يمنحَ الرجلُ أخَاه ناقةً أوشاةً يَحْتَلِبُها زمَناً أو أيَّاماً ثم يردُّها ، وهو تأويل قوله عليه‌السلام : «المِنْحَةُ مردودَةُ والعارية مؤدَّاةٌ» ، قال والمِنْحةُ أيضاً تكون في الأَرضِ يَمْنَحُ الرجلُ الرجلَ أرضَه ليزْرَعها. ومنه حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من كان له أرضٌ فليزرعْها أو يمنحْها أخاه» أي يدفعْها إليه حتى يزرَعها فإذا فَرَغ رَفَع زرْعَها وردَّها على صاحبها.

أبو عبيد عن الفراء : مَنَحْتُه أمْنِحُه وأمْنَحُه في باب فَعَل يفعِلُ ويفعَل وقال الليث المنْحَةُ منفعتُك أخَاك بما تَمْنَحَهُ. وكلُّ شيء تقصد به قصدَ شيء فقد مَنَحْتَه إياه كما تمنح المرأةُ وجههَا المرآة ومنه قول سُوَيد بن كُرَاع :

تمنح المرآةَ وَجْهَاً وَاضِحاً

مثلَ قَرْنِ الشَّمْسِ في الصَّحْوِ ارْتَفَع

والمَنِيحُ الثامِنُ مِنْ قِدَاح المَيْسِر. وقال اللحياني المَنِيحُ أحدُ القِدَاحِ الأرْبَعَةِ التي ليس لَهَا غُنْمٌ ولا غُرْمٌ ، إنما يثقَّل بها القداح كراهة التُّهمَة ؛ أولها المُصَدَّرُ ثم المضعَّفُ ثم المَنِيحُ ثم السَّفِيحُ. والمنيح أيضاً قِدْح من قِدَاحِ الميسر يُوثَقُ بفَوْزِه فيستعار لِيُتَيَمَّن بفوزه ، فالمنيح الأولُ من لَغْو القِدَاحِ ، وهو اسم له. والمنيح الثاني

٧٧

هو المستعَارُ. وأما الحديث الذي جاء فيه : «كنتُ مَنيحَ أصحابي يوم بَدْرٍ» ، فمعناه أني كنت ممن لا يُضْرَبُ له بسهمٍ من الْفيء لِصِغرى ، فكنت بمنزلة السهم اللَّغْوِ الذي لا فوزَ له ولا خسْرَ عليه ، وقد ذكر ابن مقبل القِدْح المستعار الذي يتيمن بفوزه فقال :

إذا امْتَنَحَتْه من مَعَدِّ عصابة

غَدَا رَبُّه قَبْلَ المُفيضِينَ يَقْدَح

يقول إذا استعارُوا هذا القِدْحَ غَدَا صاحِبُه يقدح النارَ لثقته بفوزِه ، فهو المنيحُ المستعارُ. وأمّا قوله :

فمهلاً يا قُضَاعُ فَلا تكوني

مَنِيحاً في قداح يَدَيْ مُجِيلِ

فإِنَّه أَرَاد المنِيحَ الذي لا غُنْمَ له ولا غُرْمَ ، ويقال رجل منَّاح فيَّاح إذا كان كثيرَ العطايا. أبو عبيد عن أبي عمرو المَمَانِحُ الناقة التي يبقى لَبَنُها بعد ما تذهب أَلْبَانُ الإبل ، بغير هاء. وقال ذلك الأصمعيُّ وقد ما نَحَتْ مِنَاحاً ومُمَانَحةً ، وكذلك مانَحتِ العينُ إذا سالت دُموعها فلم تنقطع ، وقال المُمَانح من الأمطار المطر الذي لا ينقطع.

حمن : أبو عبيد عن الأصمعي القُراد أوّل ما يكون وهو صغير لا يكاد يرى من صغره. يقال له قُمْقَامة ثم يصير حُمْنَانَة ثم قُراداً ثم حَلَمَةً.

وقال الليث أرض مَحْمَنة كثيرة الْحَمْنَان وهي صغار القِرْدان. قال والْحَمْنَانُ على مثال فَعْلان الواحدة حَمْنَانَةٌ.

شمر عن الأصمعيّ الحوْمانةُ وجمعها حَوَامِينُ أَماكنُ غِلاظٌ منقادَةٌ وقال أبو خَيْرة الحوْمانُ واحدتها حَوْمَانَةٌ وجمعها حوامينُ وهي شقائق بين الجِبَال وهي أطيب الحُزُونة ، جَلَد ليس فيها إكام ولا أبارق. وقال أبو عمرو الحَوْمَانُ ما كان فوق الرَّمل ودونه حين تصعَدُه أو تهبِطُه. وقال زهير :

بحومانة الدَّرَّاج فالمُتَثَلَّم

قلت : حوْمان فَوْعال من حمن.

محن : قال أبو العبَّاس أخبرني سلمةُ عن الفراء أنه قال يقال محنته : ومخَنْتُه بالحاء والخاء ومحجْتُه ونقَحْتُه وجَلَهْتُه وجحشته ومَشَنْتُه وعَرَمْتُه وحَسَفْتُه وخبلته وخَسَلْتُه ولَتَحْتُه كله بمعنى قشرته.

وقال الليث المحنة معنى الكلام الذي يُمْتَحَنُ به ليُعرف بكلامه ضميرُ قلبه ، تقول : امتحنْتُه وامتحَنْتُ الكلمةَ إذا نظرتَ إلى ما يصير إلَيْهِ صَيُّورُها. وقال غيره محنته وامتحنْتُه بمنزلةِ خَبَرْتُه واختبرتُه وبلوته وابتلَيْتُه وأصل المَحْن الضربُ بالسوْطِ.

روى أبو عبيد عن الأمَوِيّ مَحَنْتُه عشرين سوطاً مَحْناً إذا ضربتَه وقال المفضَّل فيما رَوَى عنه ابن الأعرابي مَحنت الثوب مَحْناً إذا لبِسته حتى تُخلقه وقال أبو سعيد : محنت الأديم مَحْناً إذا مددته حتى توسِّعَه قال ومعنى قول الله جلّ وعزّ : (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) [الحجرات : ٣] شرح الله قلوبهم كأنّ معناه وسّع الله على قلوبهم للتقوى.

٧٨

أبو العباس عن الأعرابي المَحْن الليِّنُ من كل شَيْء. والمَحْنُ العطيَّة يقال سألته فما مَحَنَنِي شيئاً أي ما أعطاني.

أبو عمرو : المَحْنُ النكاح الشديد يقال مَحَنَها ومَخَنَها ومَسَحَها إذا نكَحَها.

حدثنا الحسين عن سويد عن عبد الله بن المبارك عن صفوان أن أبا المثنى المُلَيْكي حدَّثه أنه سمع عُتبة بن عبدٍ السُّلَمِيَّ وكان من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدَّث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «القتلى ثلاثةٌ : رجل مؤْمِنٌ جاهدَ بنفسه ومالِه في سبيل الله حتى إذا لقي العَدُوَّ قاتَلهُمْ حتى يُقْتَلَ فذاك الشهيد المُمْتَحَنُ في خَيْمة الله تحت عرشه لا يَفْضُله النبيُّون إلا بدرجة النُّبُوَّة» ثم ذكر الحديث إلى آخره ، قال شمر قوله «فذاك الشهيد الممتحَن» هو المصفَّى المهذَّب المُخْلَص.

وروي عن مجاهد (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) [الحُجرَات : ٣] قال أَخْلَصَ.

وقال أبو عبيدة (امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) صفَّاها وهذَّبها. وقال غيره الممتَحن الموطَّأ المذلَّل.

وقال ابن الأعرابي : مَحَنْتُه بالشدّ والعَدْوِ وهو البَلْس بالطرد والممتحِنُ والمُمَحِصّ واحِدٌ ، وجلد مُمَحَّن مقشور.

[أبواب الحاء والفاء

ح ف ب : مهمل (١)]

ح ف م

استعمل من وجوهه : [فحم].

فحم : قال الليث : الفَحْمُ الجمر الطافِىء ؛ الواحدة فَحَمَةٌ وأنشد أبو الهيثم للأغلب :

قد قاتلوا لَا ينفخون في فَحَم

يقول لو كان قتالهم يُغْنِي شَيْئاً ولكنه لا يُغْني فكان كالذي ينفخُ ناراً ولا فحم ولا حطب ، فلا تذكو النَّارُ ولا تَتَّقِدُ ، يضرب هذا مثلاً للرجل الذي يُمارِسُ أمْراً لا يُجْدِي عليه.

وقال الليث : فَحم الصبي وهو يفحم إذا طال بكاؤه حتى ينقطع نَفَسه.

وقال أبو عبيد : قال الكسائي فَحِمَ الصبي يفْحَمُ فُحُوماً وفُحَاماً إذا بكى حتى ينقطع.

وقال الليث كلَّمني فلان فأفحمتُه إذا لم يُطِقْ جوابَك ، قلت كأنّه شُبِّه بالذي يبكي حتى يَنْقَطِع نَفَسه ، وشاعر مُفْحَمٌ لا يجيب محاجِيَه ، ورجل مُفْحَم لا يقول الشعر.

وقال الليث شَعَرٌ فَاحِمٌ وقد فَحَم فُحومة وهو الأسود الحسن وقال الأعشى :

مبتلة هيفاءُ رُودٌ شبابُها

لها مُقْلتا رِئْم وأسودُ فاحمُ

أبو عبيد ورُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ضُمُّوا فواشيكم حتى تذهَب فَحْمَةُ العشاء». والفواشي : ما انتشر من المال ، الإبل والغنم وغيرها. قال : وفَحْمةُ العِشاء شدة سواد الليلِ وظلمته ، وإنما يكون ذلك في أوَّله حتى إذا سكن فَوْرُه قلّت ظُلمته ، وقال الفرَّاء يقال فَحِمُوا عن العِشَاء يقول

__________________

(١) أهمله الليث.

٧٩

لا تَسِيروا في أَوَّله حين تقوم الظُّلْمَةُ ولكن أمهلوا حتى تسكُنَ وتعدل الظلمة ثم سيروا وقال لبيد :

واضْبِطِ الليل إذا طَالَ السُّرَى

وتَدَجَّى بعد فَوْرٍ واعتدل

وقال شمر يقال فَحْمَةٌ وفَحَمَةٌ لغتان.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الفَحْمَةُ ما بين غروب الشمس إلى نوم الناسِ سميت فحمة لحَرِّها وأولُ الليل أحَرُّ من آخره. قال ولا تكون الفحْمة في الشِّتاء.

قال ولا يقال في الشَّرَاب فَحْمَةٌ كما يقال الجاشريَّة والصَّبُوح والغَبُوق والقَيْل. قال : ويقال للذي لا يتكلم أصلاً فَاحِمٌ ويقال للذي لا يقول الشعر مُفْحَم.

[باب الحاء والباء مع الميم : مهمل](١)

آخر الثلاثي الصحيح من حرف الحاء.

__________________

(١) أهمله الليث.

٨٠