مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٥

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ما من نكبة تصيب العبد إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر.

٥ ـ علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول لا تبدين عن واضحة وقد عملت الأعمال الفاضحة ولا يأمن البيات من عمل السيئات.

٦ ـ عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي

______________________________________________________

الحديث الرابع : كالسابق سندا ومعنى.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« لا تبدين عن واضحة » الإبداء الإظهار وتعديته بعن لتضمين معنى الكشف ، وفي الصحاح والقاموس والمصباح : الواضحة الأسنان تبدو عند الضحك ، وفي القاموس : فضحه كمنعه كشح مساويه ، أي لا تضحك ضحكا يبدو به أسنانك ، ويكشف عن سرور قلبك ، وقد علمت أعمالا قبيحة افتضحت بها عند الله وعند ملائكته وعند الرسول والأئمة صلوات الله عليهم ، ولا تدري أغفر الله لك أم يعذبك عليها ، ولذا كان من علامة المؤمنين أن ضحكهم التبسم ، ويؤيده ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا لكن البشر في الجملة مطلوب كما مر أن بشره في وجهه وحزنه في قلبه ، وقوله : وقد عملت ، جملة حالية.

« ولا يأمن البيات » بكسر النون ليكون نهيا والكسرة لالتقاء الساكنين ، أو بالرفع خبرا بمعنى النهي ، وما قيل : إنه معطوف على الجملة الحالية بعيد ، والمراد بالبيات نزول الحوادث عليه ليلا أو غفلة وإن كان بالنهار ، في المصباح : البيات بالفتح الإغارة ليلا وهو اسم من بيته تبييتا وبيت الأمر دبره ليلا.

الحديث السادس : حسن أو موثق.

٤٠١

أسامة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول تعوذوا بالله من سطوات الله بالليل والنهار قال قلت له وما سطوات الله قال الأخذ على المعاصي.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن سليمان الجعفري ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال الذنوب كلها شديدة وأشدها ما نبت عليه اللحم والدم لأنه إما مرحوم وإما معذب والجنة لا يدخلها إلا طيب.

______________________________________________________

وفي القاموس : سطا عليه وبه سطوا وسطوة صال أو قهر بالبطش ، وساطاه شدد عليه ، وفي المصباح هو الأخذ بشدة.

الحديث السابع : موثق.

« كلها شديدة » لأن معصية الجليل جليلة ، أو استيجاب غضب الله وعقوبته مع عدم العلم بالعفو عظيم ، أو لأن التوبة المقبولة نادرة مشكلة ، وشرائطها كثيرة ، والتوفيق لها عزيز « وأشدها ما نبت عليه اللحم والدم » كان المراد به ماله دخل في قوام البدن من المأكول والمشروب الحرامين ، ويحتمل أن يكون المراد به ذنبا أصر وداوم عليه مدة نبت فيه اللحم والعظم ، وإطلاق هذه العبارة في الدوام والاستمرار شائع في عرف العرب والعجم ، بل أخبار الرضاع أيضا ظاهرة في ذلك.

« لأنه إما مرحوم وإما معذب » أي آخرا أو في الجنة والنار لكن لا بد أن يعذب في البرزخ أو المحشر قدر ما يطيب جسمه الذي نبت على الذنوب « لأن الجنة لا يدخلها إلا طيب ».

أقول : ويؤيده ما روي في النهج أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لقائل قال بحضرته أستغفر الله : ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان : أولها : الندم علي ما مضى ، والثاني : العزم على ترك العود إليه أبدا ، والثالث : أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله عز وجل أملس

٤٠٢

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن العبد ليذنب الذنب فيزوى عنه الرزق.

______________________________________________________

ليس عليك تبعة ، والرابع : أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها ، والخامس : أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد ، والسادس : أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول أستغفر الله.

وقيل : المرحوم من كفرت ذنوبه بالتوبة أو البلايا أو العفو ، والمعذب من لم تكفر ذنوبه بأحد هذه الوجوه.

وأقول : هذا الخبر ينافي ظاهرا عموم الشفاعة وعفو الله وتكفير السيئات بالحسنات على القول به ، وأجيب بوجوه : « الأول » أن يقال يعني أن صاحب الذنب الذي نبت عليه اللحم والدم أمره في مشية الله لأنه ليس بطيب ولا يدخل الجنة قطعا وحتما إلا طيب « الثاني » أن يخص هذا بغير تلك الصور ، أي لا يدخلها بدون الشفاعة والعفو والتكفير « الثالث » ما قيل أنه تعالى ينزع عنهم الذنوب فيدخلونها ، وهم طيبون من الذنوب ، ويؤيده قوله تعالى : « وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ » (١) الآية وهو بعيد.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

« فيزوى عنه الرزق » أي يقبض أو يصرف وينحي عنه ، أي قد يكون تقتير الرزق بسبب الذنب عقوبة أو لتكفير ذنبه ، وليس هذا كليا بل هو بالنسبة إلى غير المستدرجين ، فإن كثيرا من أصحاب الكبائر يوسع عليهم الرزق ، وفي النهاية زويت لي الأرض أي جمعت ، وفي حديث الدعاء : وما زويت عني مما أحب أي صرفته عني وقبضته.

__________________

(١) سورة الحجّ : ٤٧.

٤٠٣

٩ ـ علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن محمد بن إبراهيم النوفلي ، عن الحسين بن مختار ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ملعون

______________________________________________________

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور.

وقال الصدوق رضي‌الله‌عنه في كتاب معاني الأخبار بعد إيراد هذه الرواية : قال مصنف هذا الكتاب : معنى قوله : ملعون من كمه أعمى يعني من أرشد متحيرا في دينه إلى الكفر وقرره في نفسه حتى اعتقده وقوله : من عبد الدينار والدرهم يعني به من يمنع زكاة ماله ويبخل بمواساة إخوانه فيكون قد آثر عبادة الدينار والدرهم على عبادة الله ، وأما نكاح البهيمة فمعلوم ، انتهى.

وأقول : اللعن الطرد والإبعاد عن الخير من الله ، ومن الخلق السب والدعاء وطلب البعد من الخير وكل من أطاع من لم يأمره الله بطاعته فقد عبده ، كما قال تعالى : « أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ » (١) وقال سبحانه : « اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ » (٢) وكذا من آثر حب شيء على رضا الله وطاعته فقد عبده كعبادة الدينار والدرهم.

قال الراغب : العبودية إظهار التذلل والعبادة أبلغ نهاية غاية التذلل ، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال ، وهو الله تعالى ، والعبد يقال على أضرب : الأول : عبد بحكم الشرع وهو الإنسان الذي يصح بيعه وابتياعه ، والثاني عبد بالعبادة والخدمة ، والناس في هذا ضربان عبد الله مخلصا وهو المقصود بقوله : « وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ » (٣) وأمثاله وعبد الدنيا وأعراضها وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها ، وإياه قصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار ، وعلى هذا النحو يصح أن يقال : ليس كل إنسان عبد الله ، فإن العبد على هذا المعنى

__________________

(١) سورة يس : ٦٠.

(٢) سورة التوبة : ٣١.

(٣) سورة ص : ٤١.

٤٠٤

ملعون من عبد الدينار والدرهم ملعون ملعون من كمه أعمى ملعون ملعون من نكح بهيمة.

______________________________________________________

العابد لكن العبد أبلغ من العابد ، انتهى.

وأما قوله : من كمه أعمى ، ففي القاموس : الكمة محركة العمى ، يولد به الإنسان أو عام ، كمه كفرح عمي وصار أعشى ، وبصره اعترته ظلمة تطمس عليه ، والمكمه العينين كمعظم من لم تنفتح عيناه ، والكامه من يركب رأسه ولا يدري أين يتوجه كالمتكمه ، وقال الجوهري : الأكمه الذي يولد أعمى وقد كمه بالكسر كمها واستعاره سويد فجعله عارضا بقوله : كمهت عيناه حتى ابيضتا ، أبو سعيد : الكامه الذي يركب رأسه لا يدري أين يتوجه ، يقال : خرج يكتمه في الأرض ، انتهى.

وقال الراغب : العمى يقال في افتقاد البصر وافتقاد البصيرة ، ويقال في الأول أعمى ، وفي الثاني أعمى وعمي.

وإذا عرفت هذا فاعلم أن هذه الفقرة تحتمل وجوها : الأول : ما مر عن الصدوق (ره) وكأنه أظهرها ، الثاني : أن يكون المعنى أضل أعمى البصر عن الطريق وحيرة أو لا يهديه إليها ، الثالث : أن يقول للأعمى يا أعمى أو يا أكمه ، معيرا له له بذلك ، الرابع : أن يكون المعنى من يذهب طريقا ويختار مذهبا لا يدري هو حق أم لا كأكثر الناس ، فيكون كمه بكسر الميم المخففة مأخوذا من الكامه الذي ذكره الجوهري والفيروزآبادي ، فيكون أعمى حالا عن المستتر في كمه ، أي أعمى القلب ، وهذا وجه وجيه مما خطر بالبال إن كان فعل المجرد استعمل بهذا المعنى كما هو الظاهر ، ولقد أعجب بعض من كان في عصرنا حيث نقل عبارة القاموس : من يركب فرسه ، فقال : ويحتمل كمه بالتخفيف والمعنى من ركب أعمى فهو كناية عمن لم يسلك الطريق الواضحة ، الخامس : أن يقرأ بالتخفيف أيضا ويكون المعنى من كان أعمى مولودا على العمى لم يهتد إلى الخير سبيلا قط ، بخلاف من

٤٠٥

١٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعته يقول اتقوا المحقرات من الذنوب فإن لها طالبا يقول أحدكم أذنب وأستغفر إن الله عز وجل يقول : « سنَكْتُبُ

______________________________________________________

يكون لواما يتنبه ويغفل أحيانا ، السادس : أن يقرأ بضم الكاف وتشديد الميم اسما ، ويكون عمى الكم كناية عن البخل.

وأقول : الأظهر على هذا الوجه أن يكون كناية عن أنه لا يبالي أن يأخذ المال من حرام أو شبهة أو حلال ، أو يعطي المال كيفما اتفق ويبذر ولا يعلم مصارفه الشرعية.

وأما نكاح البهيمة فالظاهر أن المراد به الوطء كما فهمه الصدوق (ره) وغيره ، وربما يحمل على العقد فيكون المراد بالبهيمة المرأة المخالفة أو تزويج البنت المخالف كما مر : أن الناس كلهم بهائم إلا قليلا من المؤمنين ، وكما قيل في قولهم عليهم‌السلام : لا ننزي حمارا على عتيقه ، وربما يقرأ نكح بالتشديد على بعض الوجوه ، ولا يخفى ما في الجميع من التكلف.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

والمحقرات على بناء المفعول من الأفعال أو التفعيل : عدها حقيرة ، في القاموس : الحقر الذلة كالحقرية بالضم والحقارة مثلثة والمحقرة والفعل كضرب وكرم والإذلال كالتحقير والاحتقار والاستحقار ، والفعل كضرب وحقر الكلام تحقيرا صغره ، والمحقرات الصغائر وتحاقر تصاغر ، وفي المصباح حقر الشيء بالضم حقارة هان قدره فلا يعبأ به فهو حقير ، ويعدى بالحركة فيقال حقرته من باب ضرب وأحقرته ، وقال : الذنب الإثم ، والجمع ذنوب ، وأذنب صار ذا ذنب بمعنى تحمله.

« فإن لها طالبا » أي إن للذنوب طالبا يعلمها ويكتبها وقرر عليها عقابا وإذا حقرها فهو يضر عليها وتصير كبيرة ، فيمكن أن لا يعفو عنها مع أنه قد ورد

٤٠٦

ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » (١) وقال عز وجل : « إِنَّها

______________________________________________________

أنها لا تغفر ، ولا ينبغي الاتكال على التوبة والاستغفار فإنه يمكن أن لا يوفق لها وتدركه المنية ، فيذهب بلا توبة ، وقيل : يستفاد من الحديث أن الجرأة على الذنب اتكالا على الاستغفار بعده تحقير له ، وهو كذلك كيف لا وهذا محقق معجل نقد ، وذاك موهوم مؤجل نسيئة.

« إن الله عز وجل يقول » بيان لقوله : إن لها طالبا ، والآية في سورة يس هكذا : « إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا » وكأنه (٢) من النساخ أو الرواة ، وقيل : هذا نقل للآية بالمعنى لبيان أن هذه الكتابة تكون بعد إحياء الموتى على أجسادهم لفضيحتهم.

وقال في مجمع البيان : « وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا » من طاعاتهم ومعاصيهم في دار الدنيا ، وقيل : نكتب ما قدموه من عمل ليس له أثر ، و « آثارَهُمْ » أي ما يكون له أثر وقيل : يعني بآثارهم أعمالهم التي صارت سنة بعدهم يقتدي فيها بهم حسنة كانت أم قبيحة وقيل : معناه ونكتب خطاهم إلى المساجد ، وسبب ذلك ما رواه الخدري أن بني سلمة كانوا في ناحية المدينة فشكوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد منازلهم من المسجد والصلاة معه ، فنزلت الآية « وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » أي وأحصينا وعددنا كل شيء من الحوادث في كتاب ظاهر وهو اللوح المحفوظ ، والوجه في إحصاء ذلك فيه اعتبار الملائكة به إذا قابلوا به ما يحدث من الأمور ، ويكون فيه دلالة على معلومات الله سبحانه على التفصيل ، وقيل : أراد به صحائف الأعمال ، وسمي ذلك مبينا لأنه لا يدرس أثره ، انتهى.

وقد ورد في كثير من الأخبار أن الإمام المبين أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقيل

__________________

(١) سورة يس : ١٢.

(٢) أي إضافة السين في « سنكتب ».

٤٠٧

إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ » (١).

______________________________________________________

أريد بالآثار الأعمال ، وبما قدموا النيات المقدمة عليها ، وقال (ره) في قوله تعالى : « يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ » معناه أن فعلة الإنسان من خير أو شر إن كانت مقدار حبة خردل في الوزن ، ويجوز أن يكون الهاء في أنها ضمير القصة « فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ » أي فتكن تلك الحبة في جبل أي في حجرة عظيمة ، لأن الحبة فيها أخفى وأبعد من الاستخراج « أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ » ذكر السماوات والأرض بعد ذكر الصخرة وإن كان لا بد أن تكون الصخرة في الأرض على وجه التأكيد ، وقال السدي : هذه الصخرة ليست في السماوات ولا في الأرض وهي تحت سبع أرضين ، وهذا قول مرغوب عنه « يَأْتِ بِهَا اللهُ » أي يوم القيامة ويجازي عليها أي يأت بجزاء ما وازنها من خير أو شر ، وقيل : معناه يعلمها الله فيأتي بها إذا شاء كذلك قليل العمل من خير أو شر « يَعْلَمْهُ اللهُ » فيجازي عليه ، فهو مثل قوله : « فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ».

روى العياشي عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اتقوا المحقرات من الذنوب فإن لها طالبا ، لا يقولن أحدكم أذنب وأستغفر الله تعالى ، إن الله تعالى يقول : « إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ » الآية.

« إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ » باستخراجها « خَبِيرٌ » بمستقرها ، انتهى.

وقال بعض المحققين : خفاء الشيء إما لغاية صغره ، وإما لاحتجابه ، وإما لكونه بعيدا ، وإما لكونه في ظلمة ، فأشار إلى الأول بقوله : مثقال حبة ، وإلى الثاني بقوله : فتكن في صخرة ، وإلى الثالث بقوله : أو في السماوات ، وإلى الرابع بقوله

__________________

(١) سورة لقمان : ١٦.

٤٠٨

١١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة ، عن سليمان بن طريف ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول إن الذنب يحرم العبد الرزق.

١٢ ـ محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الرجل ليذنب الذنب فيدرأ عنه

______________________________________________________

أو في الأرض.

وأقول : قد ورد في بعض الأخبار أن المراد بالصخرة هي التي تحت الأرضين وقد أوردتها في الكتاب الكبير ، والاستشهاد بالآيتين لأن يعلم أن الله سبحانه عالم بجميع أعمال العباد وأحصاها وكتبها وأوعد عليها العقاب ، فلا ينبغي تحقير المعاصي لأن الوعيد معلوم ، والموعد عالم قادر ، والعفو غير معلوم.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

وفي القاموس : حرمة الشيء كضربه وعلمه حريما وحرمانا بالكسر منعه وأحرمه لغة.

الحديث الثاني عشر : مجهول.

وفي القاموس درأه كجعله درءا دفعه ، والفعل هنا على بناء المجهول ، ويحتمل المعلوم بإرجاع المستتر إلى الذنب ، واللام في الذنب للعهد الذهني أي أي ذنب كان بل يمكن شموله للمكروهات وترك المستحبات كما تشعر به الآية وإن أمكن حملها علي أنهم لم يؤدوا الزكاة الواجبة ، أو كان الزكاة عندهم حق الجواد والصرام ، أو كان هذا أيضا واجبا في شرعهم كما قيل بوجوبه في شرعنا أيضا.

قال الطبرسي (ره) في جامع الجوامع : « إِنَّا بَلَوْناهُمْ » أي أهل مكة بالجوع والقحط بدعاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ » وهم إخوة كانت لأبيهم هذه الجنة دون صنعاء اليمن بفرسخين فكان يأخذ منها قوت سنة ويتصدق بالباقي ،

٤٠٩

الرزق وتلا هذه الآية : « إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها

______________________________________________________

وكان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل وما في أسفل الأكداس وما أخطأه القطاف (١) من العنب وما بقي من البساط الذي يبسط تحت النخلة إذا صرمت ، فكان يجتمع لهم شيء كثير ، فلما مات قال بنوه : إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال ، فحلفوا ليصرمنها داخلين في وقت الصباح خفية عن المساكين « وَلا يَسْتَثْنُونَ » أي لم يقولوا إنشاء الله في يمينهم فأحرق الله جنتهم.

وقال البيضاوي « وَلا يَسْتَثْنُونَ » ولا يقولون إنشاء الله وإنما سماه استثناء لما فيه من الإخراج غير أن المخرج به خلاف المذكور ، والمخرج بالاستثناء عينه أو لأن معنى لا أخرج إنشاء الله ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد ، أو لا يستثنون حصة المساكين كما كان يخرج أبوهم « فَطافَ عَلَيْها » على الجنة « طائِفٌ » بلاء طائف « مِنْ رَبِّكَ » مبتدأ منه.

وقال في المجمع : أي أحاطت بها النار « فاحترقت » أو طرقها طارق من أمر الله « وَهُمْ نائِمُونَ » قال مقاتل : بعث الله نارا بالليل إلى جنتهم فأحرقتها حتى صارت مسودة فذلك قوله « كَالصَّرِيمِ » أي كالليل المظلم ، والصريمان الليل والنهار لانصرام أحدهما عن الآخر ، وقيل : كالمصروم ثماره أي المقطوع ، وقيل : أي الذي صرم عنه الخير فليس فيه شيء منه ، وقيل : أي كالرملة انصرمت من معظم الرمل ، وقيل : كالرماد الأسود « فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ » أي نادى بعضهم بعضا وقت الصباح « أَنِ اغْدُوا » أي بأن اغدوا « عَلى حَرْثِكُمْ » الحرث الزروع والأعناب « إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ » أي قاطعين النخل « فَانْطَلَقُوا » أي فمضوا إليها « وَهُمْ يَتَخافَتُونَ » يتسارون بينهم « أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ » هذا ما كانوا يتخافتون به « وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ » أي على قصد منع الفقراء « قادِرِينَ » عند أنفسهم وفي اعتقادهم على منعهم وإحراز

__________________

(١) المِنجل : آلة من حديد يقضب بها الزرع ( داس ). والكُدس بضمّ الكاف : الحبّ المحصود المجموع. وقطف الثمر : جناه.

٤١٠

طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ » (١).

______________________________________________________

ما في جنتهم ، وقيل : على حرد أي على جد وجهد من أمرهم وقيل : على حنق وغضب من الفقراء ، وقيل : قادرين مقدرين موافاتهم الجنة في الوقت الذي قدروا إصرامها فيه ، وهو وقت الصبح « فَلَمَّا رَأَوْها » أي رأوا الجنة على تلك الصفة « قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ » ضللنا عن الطريق فليس هذا بستاننا ، أو لضالون عن الحق في أمرنا فلذلك عوقبنا بذلك ، ثم استدركوا فقالوا « بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ » أي هذه جنتنا ولكن حرمنا نفعها وخيرها لمنعنا حقوق المساكين ، وتركنا الاستثناء.

« قالَ أَوْسَطُهُمْ » أي أعدلهم قولا أو أفضلهم وأعقلهم ، أو أوسطهم في السن « أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ » كأنه كان حذرهم سوء فعالهم فقال لو لا تستثنون لأن في الاستثناء التوكل على الله والتعظيم لله والإقرار على أنه لا يقدر أحد على فعل شيء إلا بمشيئة الله فلذلك سماه تسبيحا ، وقيل : معناه هلا تعظمون الله بعبادته واتباع أمره ، أو هلا تذكرون نعم الله عليكم فتؤدوا شكرها بأن تخرجوا حق الفقراء من أموالكم أو هلا نزهتم الله عن الظلم واعترفتم بأنه لا يظلم ولا يرضى منكم بالظلم ، وقيل : أي لم لا تصلون ، ثم حكي عنهم أنهم « قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ » في عزمنا على حرمان المساكين من حصتهم عند الصرام أو أنه تعالى منزه عن الظلم فلم يفعل بنا ما فعله ظلما ، وإنما الظلم وقع منا حيث منعنا الحق « فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ » أي يلوم بعضهم بعضا على ما فرط منهم « قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ » قد علونا في الظلم وتجاوزنا الحد فيه ، والويل غلظ المكروه الشاق على النفس « عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها » أي لما تابوا ورجعوا إلى الله قالوا لعل الله يخلف علينا ويولينا خيرا من الجنة التي هلكت « إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ » أي نرغب إلى الله ونسأله ذلك ونتوب إليه مما فعلناه « كَذلِكَ الْعَذابُ » في الدنيا للعاصين « وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ».

__________________

(١) سورة القلم : ٢٨ ـ ١٩.

٤١١

١٣ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء فإن

______________________________________________________

وروي عن ابن مسعود أنه قال : بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان ، فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا ، وقال أبو خالد الهامي : رأيت تلك الجنة ورأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم.

الحديث الثالث عشر : موثق كالصحيح.

« خرج في قلبه نكتة » النكتة : النقطة وكل نقطة في الشيء بخلاف لونه فهي نكتة ، وقيل : إن الله خلق قلب المؤمن نورانيا قابلا للصفات النورانية ، فإن أذنب خرج فيه نقطة سوداء ، فإن تاب زالت تلك النقطة وعاد محلها إلى نورانيته ، وإن زاد في الذنب سواء كان من نوع ذلك الذنب أم من غيره زادت نقطة أخرى سوداء وهكذا حتى تغلب النقاط السود على جميع قلبه ، فلا يفلح بعدها أبدا لأن القلب حينئذ لا يقبل شيئا من الصفات النورانية ، والظاهر أنه إن تاب من ذنب ثم عاد لم تبطل التوبة الأولى ، وأنه إن تاب من بعض الذنوب دون بعض فهي صحيحة على أحد القولين فيهما.

أقول : وقال بعض المحققين بعد أن حقق أن القلب هو اللطيفة الربانية الروحانية التي لها تعلق بالقلب الصنوبري كما مر ذكره : القلب في حكم مرآة قد اكتنفته هذه الأمور المؤثرة فيه ، وهذه الآثار على التوالي واصلة إلى القلب ، أما الآثار المحمودة فإنها تزيد مرآة القلب جلاءا وإشراقا ونورا وضياء حتى يتلألأ فيه جلية الحق وتنكشف فيه حقيقة الأمر المطلوب في الدين ، وإلى مثل هذا القلب الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له واعظا من قلبه ، وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كان له من قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ ، وهذا القلب هو الذي

٤١٢

تاب انمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدا.

______________________________________________________

يستقر فيه الذكر قال الله تعالى : « أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » (١) وأما الآثار المذمومة فإنها مثل دخان مظلم يتصاعد إلى مرآة القلب ، ولا يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى إلى أن يسود ويظلم ، ويصير بالكلية محجوبا عن الله تعالى ، وهو الطبع والرين ، قال الله تعالى : « كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ » (٢) وقال الله تعالى : « أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ونَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ » (٣) فربط عدم السماع والطبع بالذنوب كما ربط السماع بالتقوى حيث قال : « وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا » (٤) « فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ » (٥) « وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ » (٦) ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلب ، وعند ذلك يعمى القلب عن إدراك الحق وصلاح الدين ويستهين بالآخرة ويستعظم أمر الدنيا ، ويصير مقصور الهم عليه ، فإذا قرع سمعه أمر الآخرة وما فيها من الأخطار دخل من أذن وخرج من الأخرى ، ولم يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة والتدارك «أولئك الذين يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ» وهذا هو معنى اسوداد القلب بالذنوب كما نطق به القرآن والسنة.

قال بعضهم : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر ، وقلب الكافر أسود منكوس ، فطاعة الله تعالى بمخالفة الشهوات مصقلات للقلب ومعصيته مسودات له فمن أقبل على المعاصي أسود قلبه ، ومن أتبع السيئة الحسنة ومحي أثرها لم يظلم قلبه ، ولكن ينقص نوره كالمرآة التي يتنفس فيها ، ثم يمسح ثم يتنفس ثم يمسح فإنها لا تخلو عن كدورة ، قال الله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ

__________________

(١) سورة الرعد : ٢٨.

(٢) سورة المطففين : ١٤.

(٣) سورة الأعراف : ١٠٠.

(٤) سورة المائدة : ١٠٨.

(٥) سورة الشعراء : ١٢٦.

(٦) سورة البقرة : ٢٨٢.

٤١٣

١٤ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطيء فيذنب العبد ذنبا فيقول الله تبارك وتعالى للملك لا تقض حاجته واحرمه إياها فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني.

______________________________________________________

اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ » (١) فأخبر أن جلاء القلب وإبصاره يحصل بالذكر وأنه لا يتمكن منه إلا الذين اتقوا ، فالتقوى باب الذكر والذكر باب الكشف ، والكشف باب الفوز الأكبر وهو الفوز بلقاء الله تعالى.

أقول : هذا من تحقيقات بعض الصوفية أوردناه استطرادا ، وفيه حق وباطل والله الملهم للخير والصواب.

الحديث الرابع عشر : صحيح.

« فيكون من شأنه » ضمير شأنه راجع إلى الله تعالى ويحتمل رجوعه إلى مصدر يسأل أو العبد ، ومال الجميع واحد ، أي له قابلية قضاء الحاجة ، قيل : لا يقال هذا ينافي ما في بعض الروايات من أن العاصي إذا دعاه أجابه بسرعة كراهة سماع صوته؟ لأنا نقول : لا منافاة بينهما لأن هناك شيئين : أحدهما المعصية وهي تناسب عدم الإجابة ، والثاني كراهة سماع صوته وهي تناسب سرعة الإجابة فربما ينظر إلى الأول فلا يجيبه ، وربما ينظر إلى الثاني فيجيبه ، وليس في الأخبار ما يدل على أن العاصي يجاب دائما ، ولو سلم لأمكن حمل هذا الخبر على أن المؤمن الصالح إذا أذنب وتعرض لسخط ربه استوجب الحرمان ، ولا يقضي الله حاجته تأديبا له لينزجر عما يفعله.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٠١.

٤١٤

١٥ ـ ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعته يقول إنه ما من سنة أقل مطرا من سنة ولكن الله يضعه حيث يشاء إن الله عز وجل إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم وإلى الفيافي والبحار والجبال وإن الله ليعذب الجعل في جحرها بحبس المطر عن الأرض التي هي بمحلها بخطايا من بحضرتها وقد جعل الله لها السبيل في مسلك سوى محلة أهل المعاصي قال ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام « فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ ».

______________________________________________________

الحديث الخامس عشر : صحيح ومعلق على السند السابق.

« إلى غيرهم » أي من المطيعين إن كانوا مستحقين للمطر « وإلا فإلى الفيافي » وفي النهاية : الفيافي هي البراري الواسعة جمع فيفاء ، وفي القاموس ، الفيف المكان المستوي أو المفازة لا ماء فيها كالفيفاة والفيفاء ويقصر ، وقال : الجعل كصرد دويبة ، وفي المصباح : الجعل وزان عمر الحرباء وهو ذكر أم جبين ، وقال : المحل بفتح الحاء والكسر لغة موضع الحلول ، والمحلة بالفتح المكان ينزله القوم « عن الأرض التي هي بمحلها » الظاهر أن الضمير في قوله : بمحلها راجع إلى الجعل ، أي الأرض التي هي متلبسة بمحل الجعل ، أي مشتملة عليه ، أو ضمير هي راجع إلى الجعل وضمير محلها إلى الأرض ، فتكون إضافة المحل إلى الضمير من إضافة الجزء إلى الكل ، والأول أظهر وضمير « بحضرتها » للجعل.

« فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ » الاعتبار الاتعاظ والتفكر في العواقب وقبول النصيحة ، وأولو الأبصار أصحاب البصائر والعقول ، أي تفكروا في أنه إذا كان حال الحيوان الغير المكلف القليل الشعور أو عديمه هكذا في التضرر بمجاورة أهل المعاصي ، فكيف تكون حالك في المعصية ومجاورة أهلها؟ وهذا الخبر مما يدل على أن للحيوانات شعورا وعلما ببعض التكاليف الشرعية وأفعال العباد وأعمالهم ، و

٤١٥

١٦ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الرجل يذنب الذنب فيحرم صلاة الليل وإن العمل السيئ أسرع في صاحبه من السكين في اللحم.

١٧ ـ عنه ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من هم بسيئة فلا يعملها فإنه ربما عمل العبد السيئة فيراه الرب تبارك وتعالى فيقول وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعد ذلك أبدا.

١٨ ـ الحسين بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن عمرو بن عثمان ، عن رجل

______________________________________________________

أن لهم نوعا من التكليف خلافا لأكثر الحكماء والمتكلمين ، ويؤيده قصة الهدهد وسائر الأخبار التي أوردتها في الكتاب الكبير ، وربما يأول الجعل بأن المراد بها ضعفاء بني آدم ، ولا يخفى بعده.

ثم إن الخبر يدل على وجوب المهاجرة من بلاد أهل المعاصي إذا لم يمكن نهيهم عن المنكر.

الحديث السادس عشر : موثق كالصحيح.

والذنب منصوب مفعول مطلق واللام للعهد الذهني « أسرع » أي نفوذا أو تأثيرا في صاحبه ، وكما أن كثرة نفوذ السكين في المرء يوجب هلاكه البدني فكذا كثرة الخطايا توجب هلاكه الروحاني.

الحديث السابع عشر : كالسابق.

« السيئة » أي نوعا من السيئة تكون مع تحقيرها والاستهانة بها أو غير ذلك ، والعزة القدرة والغلبة ، والجلال الكبرياء والعظمة « لا أغفر لك » أي يستحق لمنع اللطف وعدم التوفيق للتوبة ، ولا يستحق المغفرة ، وفيه تحذير عن جميع السيئات فإن كل سيئة يمكن أن تكون هذه السيئة.

الحديث الثامن عشر : مرسل.

٤١٦

عن أبي الحسن عليه‌السلام قال حق على الله أن لا يعصى في دار إلا أضحاها للشمس حتى تطهرها.

١٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام وإنه لينظر إلى أزواجه في الجنة يتنعمن.

٢٠ ـ أبو علي الأشعري ، عن عيسى بن أيوب ، عن علي بن مهزيار ، عن

______________________________________________________

« حق على الله » أي جعلها سبحانه واجبا لازما على نفسه « أن لا يعصي » كان المراد كثرة وقوع المعاصي فيها « إلا أضحاها » أي خربها وأظهر أرضها للشمس حتى تشرق عليها وتطهرها من النجاسة المعنوية ، وهي كناية عن أن المعاصي تخرب الديار ، وفيه إشعار بأن الشمس تطهر الأرض ، وفي القاموس : أضحى الشيء أظهره وضحا ضحوا برز للشمس وكسعى ورضي أصابته الشمس ، وأرض مضحاة لا تكاد تغيب عنه الشمس وضحا الطريق ضحوا بدا وظهر.

الحديث التاسع عشر : ضعيف.

وقد روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : لا تتكلموا بشفاعتنا فإن شفاعتنا قد لا تلحق بأحدكم إلا بعد ثلاثمائة سنة ، وفي الخبر دلالة على أن الذنب يمنع من دخول الجنة في تلك المدة ، ولا دلالة فيه على أنه في تلك المدة في النار أو في شدائد القيامة ، وفي المصباح : النعمة بالفتح اسم من التنعم والتمتع وهو النعيم ونعم عيشه كتعب اتسع ولأن ، ونعمه الله تنعيما جعله ذا رفاهية.

الحديث العشرون : مجهول.

وقد مر شرحه وروي مثله عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في النهج حيث قال : إن الإيمان يبدو لمظة في القلب كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة ، وقال ابن ميثم

٤١٧

القاسم بن عروة ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال ما من عبد إلا وفي قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا وهو قول الله عز وجل : « كَلاَّ

______________________________________________________

اللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض ، ومنه قيل : فرس لمظ إذا كان بجحفلته شيء من البياض ، وتوضيح الكلام أن بأصل الإيمان تظهر نكتة أبيض في قلب من آمن أول مرة ، ثم إذا أقر باللسان ازدادت تلك النكتة ، وإذا عمل بالجوارح عملا صالحا ازدادت حتى يصير قلبه نورانيا كالنير الأعظم ، وبعكس ذلك في العمل السيء.

وتحقيق الكلام في هذا المقام أن المقصود بالقصد الأول بالأعمال الظاهرة والأمر بمحاسنها والنهي عن مقابحها ، هو ما تكتسب النفس منها من الأخلاق الفاضلة والصفات الفاسدة ، فمن عمل عملا صالحا أثر في نفسه ، وبازدياد العمل يزداد الضياء والصفاء ، حتى تصير كمرآة مجلوة صافية ، ومن أذنب ذنبا أثر ذلك أيضا وأورث لها كدورة فإن تحقق عنده قبحه وتاب عنه زال الأثر وصارت النفس مصقولة صافية ، وإن أصر عليه زاد الأثر الميشوم وفشا في النفس واستعلى عليها وصار من أهل الطبع ولم ترجع إلى خير أبدا ، إذ دواء هذا الداء هو الانكسار وهضم النفس والاعتراف بالتقصير والرجوع إلى الله بالتوبة والاستغفار ، والانقلاع عن المعاصي ، ولا محل لشيء من ذلك إلى هذا القلب المظلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ثم أشار إلى أن ذلك هو الرين المذكور في الآية الكريمة بقوله : وهو قول الله تعالى : « كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ » قيل : أي غلب على قلوبهم ما كانوا يكسبون حتى قبلت الطبع والختم على وجه لا يدخل فيها شيء

٤١٨

بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ » (١).

٢١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لا تبدين عن واضحة وقد عملت

______________________________________________________

من الحق ، والمراد بما كانوا يكسبون الأعمال الظاهرة القبيحة والأخلاق الباطنة الخبيثة ، فإن ذلك سبب لرين القلب وصداه ، وموجب لظلمته وعماه ، فلا يقدر أن ينظر إلى وجوه الخيرات ولا يستطيع أن يشاهد صور المعقولات كما أن المرآة إذا ألقيت في مواضع النداء ركبها الصداء وأذهب صفائها وأبطل جلائها ، فلا ينتقش فيها صور المحسوسات.

وبالجملة يشبه القلب في قسوته وغلظته وذهاب نوره بما يعلوه من الذنوب والهوى وما يكسوه من الغفلة والردي ، بالمرآة المنكدرة من الندى ، وكما أن هذه المرآة يمكن إزالة ظلمتها بالعمل المعلوم كذلك هذا القلب يمكن تصفيته من ظلمات الذنوب وكدورات الأخلاق بدوام الذكر والتوبة الخالصة ، والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة حتى ينظر إلى عالم الغيب بنور الإيمان ، ويشاهده مشاهدة العيان ، إلى أن يبلغ إلى أعلى درجات الإحسان فيعبد الله كأنه يراه ، ويرى الجنة وما أعد الله فيها لأوليائه ، ويرى النار وما أعد الله فيها لأعدائه.

وقال البيضاوي عند قوله تعالى : « وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ، إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ، كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ » رد لما قالوه ، وبيان لما أدى بهم إلى هذا القول بأن غلب عليهم حب المعاصي بالانهماك فيه حتى صار ذلك صداء على قلوبهم ، فعمي عليهم معرفة الحق والباطل ، فإن كثرة الأفعال سبب لحصول الملكات كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن العبد كلما أذنب ذنبا حصل في قلبه نكتة سوداء ، حتى يسود قلبه ، والرين الصداء.

الحديث الحادي والعشرون : ضعيف على المشهور وقد مر مضمونه.

__________________

(١) سورة المطففين : ١٤.

٤١٩

الأعمال الفاضحة ولا تأمن البيات وقد عملت السيئات.

٢٢ ـ محمد بن يحيى وأبو علي الأشعري ، عن الحسين بن إسحاق ، عن علي بن مهزيار ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عمرو المدائني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول كان أبي عليه‌السلام يقول إن الله قضى قضاء حتما ألا ينعم على العبد بنعمة فيسلبها إياه حتى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النقمة.

٢٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن سدير قال سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ

______________________________________________________

الحديث الثاني والعشرون : مجهول.

« لا ينعم » استئناف بياني أو منصوب بتقدير أن ، وقوله : فيسلبها معطوف على المنفي لا على النفي ، وحتى للاستثناء والمشار إليه في قوله : بذلك إما مصدر يحدث أو الذنب والمال واحد ، وفي القاموس : النقمة بالكسر والفتح وكفرحة المكافاة بالعقوبة ، وفيه تلميح إلى قوله سبحانه : « إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » (١).

الحديث الثالث والعشرون : حسن.

والآيات في سورة سبأ هكذا « لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ » وقرأ أكثر القراء في مساكنهم قال الطبرسي (ره) : ثم أخبر سبحانه عن قصة سبأ بما دل على حسن عاقبة الشكور وسوء عاقبة الكفور ، فقال : « لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ » وهو أبو عرب اليمن كلها وقد تسمى بها القبيلة وفي الحديث عن فروة بن مسيك أنه قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سبأ أرجل هو أم امرأة؟ فقال : هو رجل من العرب ، ولد له عشر تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة ، فأما الذين تيامنوا فالأزد وكندة ومذحج والأشعرون وأنمار وحمير ، فقال رجل من القوم : ما أنمار؟ قال : الذين منهم خثعم

__________________

(١) سورة الرعد : ١١.

٤٢٠