مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٥

٣ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، عن علي بن مزيد صاحب السابري قال دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فتناولت يده فقبلتها فقال أما إنها لا تصلح إلا لنبي أو وصي نبي.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحجال ، عن يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ناولني يدك أقبلها فأعطانيها فقلت جعلت فداك رأسك ففعل فقبلته فقلت جعلت فداك رجلاك فقال أقسمت أقسمت

______________________________________________________

الكافي للكليني (ره) في هذه المقامات أخبار كثيرة ، وأما المعانقة فجائزة أيضا لما ثبت من معانقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعفرا واختصاصه به غير معلوم ، وفي الحديث أنه قبل بين عيني جعفر عليه‌السلام مع المعانقة ، وأما تقبيل المحارم على الوجه فجائز ما لم يكن لريبة أو تلذذ.

الحديث الثالث : مجهول.

ويدل على المنع من تقبيل يد غير المعصومين عليهم‌السلام لكن الخبر مع جهالته ليس بصريح في حرمته بل ظاهره الكراهة.

الحديث الرابع : موثق كالصحيح.

« أقسمت » أقول : يحتمل وجوها : « الأول » أن يكون على صيغة المتكلم ويكون إخبارا أي حلفت أن لا أعطي رجلي أحدا يقبلها إما لعدم جوازه أو عدم رجحانه أو للتقية ، وقوله : بقي شيء ، استفهام على الإنكار أي هل بقي احتمال الرخصة والتجويز بعد القسم؟

الثاني : أن يكون إنشاء للقسم ومناشدة ، أي أقسم عليك أن تترك ذلك للوجوه المذكورة وهل بقي بعد مناشدتي إياك من طلبك التقبيل شيء؟ أو لم يبق بعد تقبيل اليد والرأس شيء تطلبه؟

الثالث : ما كان يقوله بعض الأفاضل : وهو أن يكون المعنى أقسمت قسمة

٨١

أقسمت ثلاثا وبقي شيء وبقي شيء وبقي شيء.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن العمركي بن علي ، عن علي بن جعفر ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال من قبل للرحم ذا قرابة فليس عليه شيء وقبلة الأخ على الخد وقبلة الإمام بين عينيه.

______________________________________________________

بيني وبين خلفاء الجور فاخترت اليد والرأس وجعلت الرجل لهم ، بقي شيء؟ أي ينبغي أن يبقى لهم شيء لعدم التضرر منهم.

الرابع : ما قال بعضهم أيضا أنه أقسمت بصيغة الخطاب على الاستفهام للإنكار أي أقسمت أن تفعل ذلك فتبالغ فيه؟ وبقي شيء؟ على الوجه السابق.

الخامس : ما ذكره بعض أفاضل الشارحين وهو أن أقسمت على صيغة الخطاب و « ثلاثا » كلام الإمام عليه‌السلام ، أي أقسمت قسما لتقبيل اليد وآخر لتقبيل الرأس ، وآخر لتقبيل الرجلين ، وفعلت اثنين وبقي الثالث وهو تقبيل الرجلين فافعل فإنه يجب عليك.

السادس : ما قيل أن أقسمت بصيغة الخطاب من القسم بالكسر وهو الحظ والنصيب ، أي أخذت حظك ونصيبك وليبق شيء مما يجوز أن يقبل للتقية.

وأقول : لا يخفى ما في الوجوه الأخيرة من البعد والركاكة ، ثم إنه يحتمل على بعض الوجوه المتقدمة أن يكون المراد بقوله بقي شيء؟ التعريض بيونس وأمثاله ، أي بقي شيء آخر سوى هذه التواضعات الرسمية والتعظيمات الظاهرية وهو السعي في تصحيح العقائد القلبية ومتابعتنا في جميع أعمالنا وأقوالنا ، وهي أهم من هذا الذي تهتم به لأنه عليه‌السلام كان يعلم أنه سيضل ويصير فطحيا ، وأما قوله : رأسك فيحتمل الرفع والنصب والأخير أظهر ، أي ناولني رأسك ، وقوله : فرجلاك مبتدأ وخبره محذوف أي أريد أقبلهما أو ما حالهما أي يجوز لي تقبيلهما؟

الحديث الخامس : صحيح.

« من قبل للرحم » أي لا للشهوة والأغراض الباطلة ، وقبلة الأخ أي النسبي أو

٨٢

٦ ـ وعنه ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الصباح مولى آل سام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ليس القبلة على الفم إلا للزوجة أو الولد الصغير.

(باب تذاكر الإخوان)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيوب ، عن علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول شيعتنا الرحماء بينهم الذين إذا خلوا ذكروا الله [ إن ذكرنا من ذكر الله ] إنا إذا ذكرنا ذكر الله وإذا ذكر عدونا ذكر الشيطان.

______________________________________________________

الإيماني ، وقبلة الإمام ، الظاهر أنه إضافة إلى المفعول ، وقيل : إلى الفاعل أي قبلة الإمام ذا قرابته بين العينين وكأنه ذهب إلى ذلك لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك بجعفر رضي‌الله‌عنه ، ولا يخفى ما فيه.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

وكان المراد بالزوجة ما يعم ملك اليمين.

باب تذاكر الإخوان

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« شيعتنا الرحماء » الرحماء جمع رحيم أي يرحم بعضهم بعضا « الذين » خبر بعد خبر أو صفة للرحماء « إنا إذا ذكرنا » أي ذكر الله المذكور يشمل ذكرنا لأن ذكر صفاتهم وكمالاتهم ونشر علومهم وأخبارهم شكر لأعظم نعم الله تعالى وعبادة له بأفضل العبادة ، أو باعتبار كمال الاتصال بينهم وبينه تعالى كان ذكرهم ذكر الله ، وإذا ذكر عدوهم ذكر الشيطان لأنه من أعوانه فإن ذكرهم بخير فكأنما ذكر الشيطان بخير ، وإن لعنهم كان له ثواب لعن الشيطان.

٨٣

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن يزيد بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال تزاوروا فإن في زيارتكم إحياء لقلوبكم وذكرا لأحاديثنا وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم وإن تركتموها ضللتم وهلكتم فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الوشاء ، عن منصور بن يونس ، عن عباد بن كثير قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إني مررت بقاص يقص وهو يقول هذا المجلس [ الذي ] لا يشقى به جليس قال فقال أبو عبد الله عليه‌السلام هيهات هيهات أخطأت أستاههم الحفرة إن لله ملائكة سياحين سوى الكرام الكاتبين

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف.

« إحياء لقلوبكم » لأنه يوجب تذكر الإمامة وعلوم الأئمة عليهم‌السلام وحياة القلب بالعلم والحكمة « وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض » لاشتمالها على حقوق المؤمنين بعضهم على بعض ، ولأن الاهتمام برواية أحاديثنا يوجب رجوع بعضكم إلى بعض « وأنا بنجاتكم زعيم » أي كفيل وضامن « إن أخذتم بها » قال في المصباح : زعمت بالمال زعما من باب قتل ومنع كفلت به فأنا زعيم به.

الحديث الثالث : ضعيف.

والقاص راوي القصص ، والمراد هنا القصص الكاذبة الموضوعة ، وظاهر أكثر الأصحاب تحريم استماعها كما يدل عليه قوله تعالى : « سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ » (١) ويمكن أن يكون المراد هنا وعاظ العامة ومحدثوهم فإن رواياتهم أيضا كذلك « لا يشقي به جليس » أي لا يصير شقيا محروما عن الخير من جلس معهم ، قال الراغب : الشقاوة خلاف السعادة ، وقد شقي يشقي شقوة وكما أن السعادة في الأصل ضربان : أخروية ودنيوية ، ثم الدنيوية ثلاثة أضرب : نفسية وبدنية وخارجية ، كذلك الشقاوة

__________________

(١) سورة المائدة : ٤١.

٨٤

فإذا مروا بقوم ـ يذكرون محمدا وآل محمد قالوا قفوا فقد أصبتم حاجتكم فيجلسون فيتفقهون معهم فإذا قاموا عادوا مرضاهم وشهدوا جنائزهم وتعاهدوا غائبهم فذلك المجلس الذي لا يشقى به جليس.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن المستورد النخعي عمن رواه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن من الملائكة الذين في السماء ليطلعون إلى الواحد والاثنين والثلاثة وهم يذكرون فضل آل محمد قال فتقول أما ترون إلى هؤلاء في قلتهم وكثرة عدوهم يصفون فضل آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

على هذه الأضرب ، وقال بعضهم : قد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت في كذا ، وكل شقاوة تعب وليس كل تعب شقاوة « أخطأت أستاههم الحفرة » الخطأ ضد الصواب والأخطاء عند أبي عبيد الذهاب إلى خلاف الصواب مع قصد الصواب ، وعند غيره : الذهاب إلى غير الصواب مطلقا عمدا وغير عمد ، والأستاه بفتح الهمزة والهاء أخيرا جمع الاست بالكسر ، وهي حلقة الدبر وأصل الاست ستة بالتحريك وقد يسكن التاء ، حذفت الهاء وعوضت عنها الهمزة ، والمراد بالحفرة الكنيف الذي يتغوط فيه وكان هذا كان مثلا سائرا يضرب لمن استعمل كلاما في غير موضعه أو أخطأ خطأ فاحشا ، وقد يقال : شبهت أفواههم بالأستاه تفضيحا لهم ، وتكرير هيهات أي بعد هذا القول عن الصواب للمبالغة في البعد عن الحق ، والسياحة والسيح الذهاب في الأرض للعبادة « فيتفقهون معهم » أي يطلبون العلم ويخوضون فيه ، وفي بعض النسخ فيتفقون أي يصدقونهم أو يذكرون بينهم مثل ذلك « عادوا » أي الملائكة « مرضاهم » أي مرضى القوم.

الحديث الرابع : مرسل.

« إلى الواحد » بأن يذكر واحد ويستمع الباقون أو يذكر ويتفكر في نفسه وكلمة « في » في قوله : في قلتهم بمعنى مع « يصفون » أي يعتقدون أو يذكرون و

٨٥

قال فتقول الطائفة الأخرى من الملائكة « ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ».

٥ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن مسكان ، عن ميسر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال لي أتخلون وتتحدثون وتقولون ما شئتم فقلت إي والله إنا لنخلو ونتحدث ونقول ما شئنا فقال أما والله لوددت أني معكم في بعض تلك المواطن أما والله إني لأحب ريحكم وأرواحكم وإنكم على دين الله ودين ملائكته فأعينوا بورع واجتهاد.

٦ ـ الحسين بن محمد ومحمد بن يحيى جميعا ، عن علي بن محمد بن سعد ، عن محمد بن مسلم ، عن أحمد بن زكريا ، عن محمد بن خالد بن ميمون ، عن عبد الله بن

______________________________________________________

الأخير أنسب ، وذلك إشارة إلى الوصف.

الحديث الخامس : مجهول.

« ما شئتم » أي من فضائلنا أو ذم أعادينا ولعنهم ورواية أحاديثنا من غير تقية « لوددت » بكسر الدال الأولى وفتحها أي أحببت أو تمنيت وفيه غاية الترغيب فيه والتحريص عليه « لأحب ريحكم » وسيأتي في الروضة رياحكم ، أي ريحكم الطيبة وأرواحكم جمع الروح بالضم أو بالفتح بمعنى النسيم ، وكان الأول كناية عن عقائدهم ونياتهم الحسنة كما سيأتي أن المؤمن إذا قصد فعل طاعة يستشم الملك منه رائحة حسنة ، والثاني عن أقوالهم الطيبة ، في القاموس : الروح بالضم ما به حياة الأنفس وبالفتح الراحة والرحمة ونسيم الريح ، والريح جمعه أرواح وأرياح ورياح والريح الغلبة والقوة والرحمة والنصرة والدولة والشيء الطيب والرائحة « فأعينوا » أي فأعينوني على شفاعتكم وكفالتكم بورع عن المعاصي واجتهاد في الطاعات.

الحديث السادس : مجهول.

وقوله : فصاعدا منصوب بالحالية وعامله محذوف وجوبا أي أذهب في العدد

٨٦

سنان ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعدا إلا حضر من الملائكة مثلهم فإن دعوا بخير أمنوا وإن استعاذوا من شر دعوا الله ليصرفه عنهم وإن سألوا حاجة تشفعوا إلى الله وسألوه قضاءها وما اجتمع ثلاثة من الجاحدين إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين فإن تكلموا تكلم الشيطان بنحو كلامهم وإذا ضحكوا ضحكوا معهم وإذا نالوا من أولياء الله نالوا معهم فمن ابتلي من المؤمنين بهم فإذا خاضوا في ذلك فليقم ولا يكن شرك شيطان

______________________________________________________

صاعدا « فإن دعوا بخير » أي ما يوجب السعادة الأخروية كتوفيق العبادة وطلب الجنة أو الاستعاذة من النار ونحوها أو الأعم منها ومن الأمور المباحة الدنيوية كطول العمر وكثرة المال والأولاد وأمثال ذلك ، فيكون احترازا عن طلبه الأمور المحرمة ، وكذا الشر يشمل الشرور الدنيوية والأخروية ، فيكون سؤال الحاجة تعميما بعد التخصيص ، وعلى الأول تكون الفقرتان الأوليان للآخرة ، وهذه للدنيا والتشفع المبالغة في الشفاعة ، قال الجوهري : استشفعته إلى فلان أي سألته أن يشفع لي إليه ، وتشفعت إليه في فلان فشفعني فيه تشفيعا.

والتأمين قول آمين ومعناه اللهم استجب لي ، وفي النهاية فيه : أن رجلا كان ينال من الصحابة يعني الوقيعة فيهم ، يقال : منه نال ينال نيلا إذا أصاب ، وفي القاموس : نال من عرضه سبه « فمن ابتلي من المؤمنين بهم » أي بمجالستهم.

« فإذا خاضوا » قال الجوهري : خاض القوم في الحديث وتخاوضوا أي تفاوضوا فيه « في ذلك » أي في النيل من أولياء الله وسبهم وهو إشارة إلى قوله تعالى : « وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً » (١) وقال علي بن إبراهيم في تفسيره : « آياتِ اللهِ » هم الأئمة عليهم‌السلام ، وفي تفسير

__________________

(١) سورة النساء : ١٤٠.

٨٧

ولا جليسه فإن غضب الله عز وجل لا يقوم له شيء ولعنته لا يردها شيء ثم قال صلوات الله عليه : فإن لم يستطع فلينكر بقلبه وليقم ولو حلب شاة أو فواق ناقة.

______________________________________________________

العياشي عن الرضا عليه‌السلام في تفسيرها : إذا سمعت الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع في أهله فقم من عنده ولا تقاعده وقوله تعالى : « إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ » قيل : أي في الكفر إن رضيتم به وإلا ففي الإثم لقدرتكم علي الإنكار أو الإعراض ، وقال سبحانه أيضا : « وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ » (١).

« ولا يكن شرك شيطان » بالكسر أي شريكه إن شاركهم ، ولا جليسه إن لم يشاركهم ، وكان ساكنا ، ومن قرأ الشرك بالتحريك بمعنى الحبالة أو فسر الشرك بالنصيب فقد صحف لفظا أو معنى.

قوله : لا يقوم له شيء ، أي لا يدفعه أو لا يطيقه ولا يقدر على تحمله ، وقد دلت الرواية والآيتان على وجوب قيام المؤمن ومفارقته لأعداء الدين عند ذمهم أولياء الله ، وعلى لحوق الغضب واللعنة به مع القعود معهم ، بل دلت الآية ظاهرا على أنه مثلهم في الفسق والنفاق والكفر ، ولا ريب فيه مع اعتقاد جواز ذلك أو رضاه به ، وإلا فظاهر بعض الروايات أن العذاب بالهلاك إن نزل يحيط به ، ولكن ينجو في الآخرة بفضل الله تعالى ، وظاهر بعضها أن اللعنة إذا نزلت تعم من في المجلس ، والأحوط عدم مجالسة الظلمة وأعداء الله من غير ضرورة.

ثم بين عليه‌السلام حكمه إذا لم يقدر على المفارقة بالكلية للتقية أو غيرها بقوله : فإن لم يستطع فلينكر بقلبه.

قوله : ولو حلب شاة ، حلب مصدر منصوب بظرفية الزمان بتقدير زمان حلب ، وكذا الفواق وكأنه أقل من الحلب أي يقوم لإظهار حاجة وعذر ولو بأحد هذين

__________________

(١) سورة الأنعام : ٦٨.

٨٨

٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن سليمان ، عن محمد بن محفوظ ، عن أبي المغراء قال سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في الله بعضهم لبعض قال وإن المؤمنين يلتقيان فيذكران الله ثم يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلا تخدد حتى إن روحه لتستغيث من شدة ما يجد من الألم فتحس ملائكة السماء وخزان الجنان فيلعنونه حتى لا يبقى ملك مقرب إلا لعنه فيقع خاسئا حسيرا مدحورا.

______________________________________________________

المقدارين من الزمان ، قال في النهاية : فيه أنه قسم الغنائم يوم بدر عن فواق أي في قدر فواق ناقة ، وهو ما بين الحلبتين من الراحة وتضم فاؤه وتفتح ، وذلك لأنها تحلب ثم تراح حتى تدر ثم تحلب ، وفي القاموس : الفواق كغراب ما بين الحلبتين من الوقت وتفتح ، أو ما بين فتح يديك وقبضها على الضرع.

الحديث السابع : كالسابق.

وفي القاموس : نكى العدو وفيه نكاية قتل وجرح وفي النهاية : يقال : نكيت في العدو أنكى نكاية فأنا ناك إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل فوهنوا لذلك ، وقد يهمز لغة فيه ، وفي القاموس : المضغة بالضم قطعة لحم وغيره ، وقال : خدد لحمه وتخدد هزل ونقص ، وخدده السير لازم متعد ، وقال : خسأ الكلب كمنع خسأ وخسوءا طرده ، والكلب بعد كانخسأ وخسئ ، وقال : حسر كفرح عليه حسرة وحسرا تلهف فهو حسير ، وكضرب وفرح أعيا كاستحسر فهو حسير ، وقال : الدحر الطرد والإبعاد.

٨٩

(باب)

(إدخال السرور على المؤمنين)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من سر مؤمنا فقد سرني ومن سرني فقد سر الله.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن رجل من أهل الكوفة يكنى أبا محمد ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال تبسم الرجل في وجه أخيه حسنة وصرف القذى عنه حسنة وما عبد الله بشيء

______________________________________________________

باب إدخال السرور على المؤمنين

الحديث الأول : صحيح.

وسرور الله تعالى مجاز ، والمراد ما يترتب على السرور من اللطف والرحمة ، أو باعتبار أن الله سبحانه لما خلط أولياءه بنفسه جعل سرورهم كسروره ، وسخطهم كسخطه ، وظلمهم كظلمه ، كما ورد في الخبر ، وسرور المؤمن يتحقق بفعل أسبابه وموجباته كأداء دينه أو تكفل مؤنته أو ستر عورته أو دفع جوعته أو تنفيس كربته أو قضاء حاجته أو إجابة مسألته ، وقيل : السرور من السر وهو الضم والجمع لما تشتت ، والمؤمن إذا مسته فاقة أو عرضت له حاجة فإذا سددت فاقته وقضيت حاجته ورفعت شدته فقد جمعت عليه ما تشتت من أمره ، وضممت ما تفرق من سره ففرح بعد همه ، واستبشر بعد غمه ويسمى ذلك الفرح سرورا.

الحديث الثاني : ضعيف.

« حسنة » أي خصلة حسنة توجب الثواب « وصرف القذى عنه » القذى يحتمل

٩٠

أحب إلى الله من إدخال السرور على المؤمن.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن عبيد الله بن الوليد الوصافي قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إن فيما ناجى الله عز وجل به عبده موسى عليه‌السلام قال إن لي عبادا أبيحهم جنتي وأحكمهم فيها قال يا رب ومن هؤلاء الذين تبيحهم جنتك وتحكمهم فيها قال من أدخل على مؤمن سرورا ثم قال إن مؤمنا كان في مملكة جبار فولع به فهرب منه إلى دار الشرك فنزل برجل من أهل الشرك فأظله وأرفقه وأضافه فلما حضره الموت أوحى الله عز وجل إليه وعزتي وجلالي لو كان [ لك ] في

______________________________________________________

الحقيقة ، وأن يكون كناية عن دفع كل ما يقع عليه من الأذى ، قال في النهاية : فيه جماعة على أقذاء ، الأقذاء جمع قذى والقذى جمع قذاة وهو ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو طين أو وسخ أو غير ذلك ، أراد أن اجتماعهم يكون فسادا في قلوبهم فشبهه بقذى العين والماء والشراب.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« أبيحهم جنتي » أي جعلت الجنة مباحة لهم ولا يمنعهم من دخولها شيء ، أو يتبوءون منها حيث يشاءون كما أخبر الله منهم بقوله : « وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ » (١).

« وأحكمهم فيها » أي أجعلهم فيها حكاما يحكمون على الملائكة والحور والغلمان بما شاءوا أو يشفعون ويدخلون فيها من شاءوا ، في القاموس : حكمه في الأمر تحكيما أمره أن يحكم وقال : ولع الرجل ولعا محركة وولوعا بالفتح ، وأولعته وأولع به بالضم فهو مولع به بالفتح ، وكوضع ولعا وولعانا محركة استخف

__________________

(١) سورة الزمر : ٧٤.

٩١

جنتي مسكن لأسكنتك فيها ولكنها محرمة على من مات بي مشركا ولكن يا نار هيديه ولا تؤذيه ويؤتى برزقه طرفي النهار قلت من الجنة قال من حيث شاء الله.

٤ ـ عنه ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن علي ، عن عبد الله بن إبراهيم ، عن علي بن أبي علي ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن أحب الأعمال إلى الله عز وجل إدخال السرور على المؤمنين.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أوحى الله عز وجل إلى داود عليه‌السلام إن العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنتي فقال داود يا رب وما تلك الحسنة قال يدخل على عبدي المؤمن سرورا ولو بتمرة قال داود يا رب حق لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك.

______________________________________________________

وكذب ، وبحقه ذهب والوالع الكذاب ، وأولعه به أغراه به ، قوله عليه‌السلام : فأظله أي أسكنه منزلا يظله من الشمس ، وفي القاموس : رفق فلانا نفعه كأرفقه وفي المصباح : أضفته وضيفته إذا أنزلته وقريته ، والاسم الضيافة.

« يا نار هيديه » أي خوفيه وأزعجيه ولا تؤذيه ولا تحرقيه ، في القاموس : هاده الشيء يهيده هيدا وهادا : أفزعه وكربه وحركه وأصلحه كهيده في الكل ، وأزاله وصرفه وأزعجه وزهره ، وكان في بعض روايات العامة لا تهيديه قال في النهاية : ومنه الحديث : يا نار لا تهيديه أي لا تزعجيه.

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : يدخل ، يحتمل أن يكون هذا على المثال ، ويكون المراد كل حسنة مقبولة ، كما ورد : أن من قبل الله منه عملا واحدا لم يعذبه.

٩٢

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن خلف بن حماد ، عن مفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سرورا أنه عليه أدخله فقط بل والله علينا بل والله على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعته يقول إن أحب الأعمال إلى الله عز وجل إدخال السرور على المؤمن شبعة مسلم أو قضاء دينه.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن سدير الصيرفي قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدم أمامه كلما رأى المؤمن هولا من أهوال يوم القيامة قال له المثال لا تفزع ولا تحزن وأبشر بالسرور والكرامة من الله عز وجل حتى يقف

______________________________________________________

الحديث السادس : ضعيف على المشهور ، معتبر عندي.

الحديث السابع : ضعيف.

« شبعة مسلم » بفتح الشين إما بالنصب بنزع الخافض أي بشبعة أو بالرفع بتقدير هو شبعة أو بالجر بدلا أو عطف بيان للسرور والمراد بالمسلم هنا المؤمن ، وكان تبديل المؤمن به للإشعار بأنه يكفي ظاهر الإيمان لذلك ، وذكرهما على المثال.

الحديث الثامن : حسن.

«خرج معه مثال» قال الشيخ البهائي قدس‌سره : المثال الصورة ، و «يقدم» على وزن يكرم أي يقويه ويشجعه ، من الإقدام في الحرب وهو الشجاعة وعدم الخوف ، ويجوز أن يقرأ على وزن ينصر وماضيه قدم كنصر أي يتقدمه كما قال الله : « يَقْدُمُ

٩٣

بين يدي الله عز وجل فيحاسبه « حِساباً يَسِيراً » ويأمر به إلى الجنة والمثال أمامه فيقول له المؤمن يرحمك الله نعم الخارج خرجت معي من قبري وما زلت تبشرني

______________________________________________________

قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ » (١) ولفظ أمامه حينئذ تأكيد ، انتهى.

وفي القاموس : الهول المخافة من الأمر لا يدري ما هجم عليه منه والجمع أهوال وهوول ، وقال : أبشر فرح ، ومنه أبشر بخير وبشرت به كعلم وضرب سررت.

« بين يدي الله » أي بين يدي عرشه أو كناية عن وقوفه موقف الحساب « نعم الخارج » قال الشيخ البهائي قدس‌سره : المخصوص بالمدح محذوف لدلالة ما قبله عليه ، أي نعم الخارج أنت ، وجملة خرجت معي وما بعدها مفسرة لجملة المدح أو بدل منها ويحتمل الحالية بتقدير قد.

قوله : أنا السرور الذي كنت أدخلته ، قال الشيخ المتقدم قدس الله روحه : فيه دلالة على تجسم الأعمال في النشأة الأخروية ، وقد ورد في بعض الأخبار تجسم الاعتقادات أيضا فالأعمال الصالحة والاعتقادات الصحيحة تظهر صورا نورانية مستحسنة موجبة لصاحبها كمال السرور والابتهاج والأعمال (٢) والأعمال السيئة والاعتقادات الباطلة تظهر صورا ظلمانية مستقبحة توجب غاية الحزن والتألم كما قاله جماعة من المفسرين عند قوله تعالى : « يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً » (٣) ويرشد إليه قوله تعالى : « يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ » (٤) ومن جعل التقدير ليروا جزاء أعمالهم ولم يرجع ضمير

__________________

(١) سورة هود : ٩٨.

(٢) كذا في النسخ والظاهر زيادة « والأعمال » الأولى.

(٣) سورة آل عمران : ٣٠.

(٤) سورة الزلزلة : ٨ ـ ٧.

٩٤

بالسرور والكرامة من الله حتى رأيت ذلك فيقول من أنت فيقول أنا السرور الذي كنت أدخلت على أخيك المؤمن في الدنيا خلقني الله عز وجل منه لأبشرك.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن السياري ، عن محمد بن جمهور قال كان النجاشي وهو رجل من الدهاقين عاملا على الأهواز وفارس فقال بعض

______________________________________________________

يره إلى العمل فقد أبعد ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون الحمل في قوله : أنا السرور على المجاز ، فإنه لما خلق بسببه فكأنه عينه كما يرشد إليه وله : خلقني الله منه ، ومن للسببية أو للابتداء ، والحاصل أنه يمكن حمل الآيات والأخبار على أن الله تعالى يخلق بإزاء الأعمال الحسنة صورا حسنة ، ليظهر حسنها للناس ، وبإزاء الأعمال السيئة صورا قبيحة ليظهر قبحها معاينة ولا حاجة إلى القول بأمر مخالف لطور العقل لا يستقيم إلا بتأويل في المعاد ، وجعله في الأجساد المثالية وإرجاعه إلى الأمور الخيالية كما يشعر به تشبيههم الدنيا والآخرة بنشأتي النوم واليقظة ، وأن الأعراض في اليقظة أجسام في المنام وهذا مستلزم لإنكار الدين والخروج عن الإسلام ، وكثير من أصحابنا المتأخرين رحمهم‌الله يتبعون الفلاسفة القدماء والمتأخرين والمشائين والإشراقيين في بعض مذاهبهم ، ذاهلين عما يستلزمه من مخالفة ضروريات الدين ، والله الموفق للاستقامة على الحق واليقين.

قوله : كنت أدخلته ، قيل : إنما زيد لفظة كنت علي الماضي للدلالة علي بعد الزمان.

الحديث التاسع : ضعيف.

ويظهر من كتب الرجال أن النجاشي المذكور في الخبر اسمه عبد الله وأنه ثامن آباء أحمد بن علي النجاشي صاحب الرجال المشهور ، وفي القاموس : النجاشي

٩٥

أهل عمله ـ لأبي عبد الله عليه‌السلام إن في ديوان النجاشي علي خراجا وهو مؤمن يدين بطاعتك فإن رأيت أن تكتب لي إليه كتابا قال فكتب إليه أبو عبد الله عليه‌السلام « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » سر أخاك يسرك الله قال فلما ورد الكتاب عليه دخل عليه

______________________________________________________

بتشديد الياء وبتخفيفها أفصح وتكسر نونها أو هو أفصح ، وفي المصباح الدهقان معرب يطلق على رئيس القرية وعلى التاجر ، وعلى من له مال وعقار ، ودالة مكسورة وفي لغة تضم والجمع دهاقين ، ودهقن الرجل وتدهقن كثر ماله ، وفي القاموس : الأهواز تسع كور بين البصرة وفارس ، لكل كورة منها اسم ويجمعهن الأهواز ، ولا تفرد واحدة منها بهوز ، وهي : رامهرمز ، وعسكر مكرم ، وتستر ، وجندي سابور ، وسوس ، وسرق ، ونهرتيري وإيذج ، ومناذر ، انتهى.

« فقال بعض أهل عمله » أي بعض أهل المواضع التي كان تحت عمله ، وكان عاملا عليها ، والديوان الدفتر الذي فيه حساب الخراج ومرسوم العسكر ، قال في المصباح : الديوان جريدة الحساب ثم أطلق على موضع الحساب ، وهو معرب وأصله دوان فأبدل من إحدى المضعفين ياء للتخفيف ، ولهذا يرد في الجمع إلى أصله ، فيقال دواوين ، ودونت الديوان وضعته وجمعته ، ويقال : إن عمر أول من دون الدواوين في العرب ، أي رتب الجرائد للعمال وغيرها ، انتهى.

والخراج بالفتح ما يأخذه السلطان من الأراضي وأجرة الأرض للأراضي المفتوحة عنوة ، « يدين بطاعتك » أي يعبد الله بطاعتك ويعد طاعتك عبادة أو يعتقد فرض طاعتك أو يعبد الله متلبسا باعتقاد فرض طاعتك « فإن رأيت » جزاء الشرط محذوف ، أي فعلت أو نفعني ويدل الخبر على استحباب افتتاح الكتاب بالتسمية « فلما ورد الكتاب عليه » أي أشرف حامله على الدخول عليه ، وإسناد الورود إليه مجاز ، وكان الأظهر فلما ورد بالكتاب ، قال في المصباح : ورد البعير وغيره الماء يرده ورودا بلغه ، ووافاه من غير دخول ، وقد يكون دخولا ، وورد زيد علينا حضر ، ومنه ورد الكتاب على الاستعارة ، وفي القاموس : الورود الإشراف على الماء وغيره

٩٦

وهو في مجلسه فلما خلا ناوله الكتاب وقال هذا كتاب أبي عبد الله عليه‌السلام فقبله ووضعه على عينيه وقال له ما حاجتك قال خراج علي في ديوانك فقال له وكم هو قال عشرة آلاف درهم فدعا كاتبه وأمره بأدائها عنه ثم أخرجه منها وأمر أن يثبتها له لقابل ثم قال له سررتك فقال نعم جعلت فداك ثم أمر له بمركب وجارية وغلام وأمر له بتخت ثياب في كل ذلك يقول له هل سررتك فيقول نعم جعلت فداك فكلما قال نعم زاده حتى فرغ ثم قال له احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين دفعت إلي كتاب مولاي الذي ناولتني فيه وارفع إلي حوائجك قال ففعل وخرج الرجل فصار إلى أبي عبد الله عليه‌السلام بعد

______________________________________________________

دخله أو لم يدخله ، انتهى.

والضمير في دخل راجع إلى بعض أهل عمله وأمره بأدائها عنه أي من ماله أو من محل آخر إلى الجماعة الذين أحالهم عليه أو أعطاه الدراهم ليؤدي إليهم لئلا يشتهر أنه وهب له هذا المبلغ تقية ، وعلى الوجه الأول إنما أعطاها من ماله لأن اسمه كان في الديوان ، وكان محسوبا عليه « ثم أخرجه منها » أي أخرج اسمه من دفاتر الديوان لئلا يحال عليه في سائر السنين.

« وأمر أن يثبتها له » أي أمر أن يكتب له أن يعطى عشرة آلاف في السنة الآتية سوى ما أسقط عنه أو لابتداء السنة الآتية إلى آخر عمله ، وقيل : أعطى ما أحاله في هذه السنة من ماله ثم أخرجه منها أي من العشرة آلاف ، وقوله : وأمر ، بيان للإخراج أي كان إخراجه منها بأن جعل خراج أملاكه وظيفة له لا يحال عليه في سائر السنين ، واللام في قوله : لقابل ، بمعنى من الابتدائية كما مر ، وفي القاموس التخت وعاء يصان فيه الثياب.

« حتى فرغ » بفتح الراء وكسرها أي النجاشي من العطاء « ففعل » أي حمل

٩٧

ذلك فحدثه الرجل بالحديث على جهته فجعل يسر بما فعل فقال الرجل يا ابن رسول الله كأنه قد سرك ما فعل بي فقال إي والله لقد سر الله ورسوله.

١٠ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن منصور ، عن عمار بن أبي اليقظان ، عن أبان بن تغلب قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ـ عن حق المؤمن على المؤمن قال فقال حق المؤمن على المؤمن أعظم من ذلك لو حدثتكم لكفرتم إن المؤمن إذا خرج من قبره خرج معه مثال من قبره يقول له أبشر بالكرامة من الله والسرور فيقول له بشرك الله بخير قال ثم يمضي معه يبشره بمثل ما قال وإذا مر بهول قال ليس هذا لك وإذا مر بخير قال هذا لك فلا يزال معه يؤمنه مما يخاف ويبشره بما يحب حتى يقف معه بين يدي الله عز وجل فإذا أمر به إلى الجنة قال له المثال أبشر فإن الله عز وجل قد أمر بك إلى الجنة قال فيقول من أنت رحمك الله تبشرني من حين خرجت من قبري وآنستني في طريقي وخبرتني عن ربي قال فيقول أنا السرور الذي كنت تدخله على إخوانك في الدنيا خلقت منه لأبشرك وأونس وحشتك :

______________________________________________________

الفرش وتنازع هو وخرج في الرجل « فجعل » أي شرع الإمام « يسر » علي بناء المجهول.

الحديث العاشر : مجهول بسنديه.

قوله : من ذلك ، لما استشعر عليه‌السلام من سؤال السائل أو مما علم من باطنه أنه يعد هذا الحق سهلا يسيرا قال : حق المؤمن أعظم من ذلك ، أي مما تظن ، أو لما ظهر من كلام السائل أنه يمكن بيانه بسهولة أو أنه ليس مما يترتب على بيانه مفسدة قال ذلك « لكفرتم » قد مر بيانه ، وقيل : يمكن أن يقرأ بالتشديد على بناء التفعيل ، أي لنسبتم أكثر المؤمنين إلى الكفر لعجزكم عن أداء حقوقهم اعتذارا لتركها أو بالتخفيف من باب نصر أي لسترتم الحقوق ولم تؤدوها ، أو لم تصدقوها

٩٨

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال مثله.

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن مالك بن عطية ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحب الأعمال إلى الله سرور [ الذي ] تدخله على المؤمن تطرد عنه جوعته أو تكشف عنه كربته.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحكم بن مسكين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أدخل على مؤمن سرورا خلق الله عز وجل من ذلك السرور خلقا فيلقاه عند موته فيقول له أبشر يا ولي الله بكرامة من الله ورضوان ـ ثم لا يزال معه حتى يدخله قبره [ يلقاه ] فيقول له مثل ذلك فإذا بعث يلقاه فيقول له مثل ذلك ثم لا يزال معه عند كل هول يبشره ويقول له مثل ذلك فيقول له من أنت رحمك الله فيقول أنا السرور الذي أدخلته على فلان.

١٣ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن عبد الله بن سنان قال كان رجل عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقرأ هذه الآية « وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ

______________________________________________________

لعظمتها ، فيصير سببا لكفركم.

وأقول : قد عرفت أن للكفر معان منها ترك الواجبات ، بل السنن الأكيدة أيضا.

الحديث الحادي عشر : صحيح.

والطرد الإبعاد ، والجوع بالضم ضد الشبع ، وبالفتح مصدر أي بأن تطرد ، وذكرهما على المثال.

الحديث الثاني عشر : مجهول.

« من ذلك السرور » أي بسببه وهذا يؤيد ما ذكرنا في الخبر الثامن فتفطن.

الحديث الثالث عشر : مجهول.

٩٩

الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً » (١) قال فقال أبو عبد الله عليه‌السلام فما ثواب من أدخل عليه السرور فقلت جعلت فداك عشر حسنات فقال إي والله وألف ألف حسنة.

١٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن أورمة ، عن علي بن يحيى ، عن الوليد بن العلاء ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أدخل السرور على مؤمن فقد أدخله على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن أدخله على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد وصل ذلك إلى الله وكذلك من أدخل عليه كربا.

______________________________________________________

« بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا » أي بغير جناية استحقوا بها الإيذاء « فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً » أي فقد فعلوا ما هو أعظم الإثم مع البهتان وهو الكذب على الغير يواجهه به ، فجعل إيذاءهم مثل البهتان ، وقيل : يعني بذلك أذية اللسان فيتحقق فيها البهتان « وَإِثْماً مُبِيناً » أي معصية ظاهرة كذا ذكره الطبرسي (ره) وقال البيضاوي : قيل : أنها نزلت في المنافقين يؤذون عليا عليه‌السلام وكان الغرض من قراءة الآية إعداد المخاطب للإصغاء والتنبيه على أن إيذاءهم إذا كان بهذه المنزلة كان إكرامهم وإدخال السرور عليهم بعكس ذلك ، هذا إذا كان القاري الإمام عليه‌السلام ويحتمل أن يكون القاري الراوي وحكم السائل بالعشر لقوله تعالى : « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » (٢) وتصديقه عليه‌السلام إما مبني على أن العشر حاصل في ضمن ألف ألف أو على أن أقل مراتبه ذلك ، ويرتقي بحسب الإخلاص ومراتب السرور إلى ألف ألف ، لقوله تعالى : « وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ » (٣).

الحديث الرابع عشر : ضعيف.

« فقد وصل ذلك » أي السرور مجازا كما مر أو هو على بناء التفعيل فضمير

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٥٨.

(٢) سورة الأنعام : ١٦٠.

(٣) سورة البقرة : ٢٦١.

١٠٠