مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٥

بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام أحسن يا إسحاق إلى أوليائي ما استطعت فما أحسن مؤمن إلى مؤمن ولا أعانه إلا خمش وجه إبليس وقرح قلبه.

(باب في خدمته)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن إسماعيل بن أبان ، عن صالح بن أبي الأسود رفعه ، عن أبي المعتمر قال سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيما مسلم خدم قوما من المسلمين إلا أعطاه الله مثل عددهم خداما في الجنة.

______________________________________________________

وفي القاموس : خمش وجهه يخمشه ويخمشه خدشه ولطمه وضربه ، وقطع عضوا منه ، انتهى.

وقرح بالقاف من باب التفعيل كناية عن شدة الغم واستمراره.

باب في خدمته

الحديث الأول : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : إلا أعطاه الله ، الاستثناء من مقدر أي ما فعل ذلك إلا أعطاه الله أو هي زائدة ، قال في القاموس في معاني إلا : أو زائدة ثم استشهد بقول الشاعر :

حراجيج ما تنفك إلا مناخة

على الخسف أو ترمي بها بلدا قفرا

١٤١

(باب نصيحة المؤمن)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عمر بن أبان ، عن عيسى بن أبي منصور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه.

٢ ـ عنه ، عن ابن محبوب ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال

______________________________________________________

باب نصيحة المؤمن

الحديث الأول : صحيح.

ويقال نصحه وله كمنعه نصحا ونصاحة ونصاحية فهو ناصح ونصيح ونصاح ، والاسم النصيحة ، وهي فعل أو كلام يراد بهما الخير للمنصوح ، واشتقاقها من نصحت العسل إذا صفيته لأن الناصح يصفي فعله وقوله من الغش ، أو من نصحت الثوب إذا خطته لأن الناصح يلم خلل أخيه كما يلم الخياط خرق الثوب ، والمراد بنصيحة المؤمن للمؤمن إرشاده إلى مصالح دينه ودنياه ، وتعليمه إذا كان جاهلا وتنبيهه إذا كان غافلا والذب عنه وعن إعراضه إذا كان ضعيفا ، وتوقيره في صغره وكبره ، وترك حسده وغشه ودفع الضرر عنه ، وجلب النفع إليه ، ولو لم يقبل النصيحة سلك به طريق الرفق حتى يقبلها ، ولو كانت متعلقة بأمر الدين سلك به طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه المشروع.

ويمكن إدخال النصيحة للرسول والأئمة عليهم‌السلام أيضا فيها لأنهم أفضل المؤمنين ونصيحتهم الإقرار بالنبوة والإمامة فيهم ، والانقياد لهم في أوامرهم ونواهيهم وآدابهم وأعمالهم وحفظ شرائعهم وإجراء أحكامهم على الأمة ، وفي الحقيقة النصيحة للأخ المؤمن نصيحة لهم أيضا.

الحديث الثاني : كالسابق.

١٤٢

يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب.

٣ ـ ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة.

٤ ـ ابن محبوب ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن سفيان بن عيينة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه

______________________________________________________

« في المشهد والمغيب » أي في وقت حضوره بنحو ما مر وفي غيبته بالكتابة أو الرسالة وحفظ عرضه ، والدفع عن غيبته ، وبالجملة رعاية جميع المصالح له ودفع المفاسد عنه على أي وجه كان.

الحديث الثالث : كالسابق.

ويحتمل أن يكون الوجوب في بعض الأفراد محمولا على السنة المؤكدة وفقا للمشهور بين الأصحاب.

الحديث الرابع : ضعيف ، وهذا جامع لجميع أفراد النصيحة.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« أمشاهم في الأرض » المراد إما المشي حقيقة أو كناية عن شدة الاهتمام ، والباء في قوله : بالنصيحة للملابسة أو السببية.

الحديث السادس : ضعيف.

و « عليكم » اسم فعل بمعنى ألزموا ، والباء في قوله : بالنصح زائدة للتقوية ، و

١٤٣

بعمل أفضل منه.

(باب)

(الإصلاح بين الناس)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن حماد بن أبي طلحة ، عن حبيب الأحول قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول صدقة يحبها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا.

عنه ، عن محمد بن سنان ، عن حذيفة بن منصور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

______________________________________________________

في للظرفية أو السببية والنصح يتعدى إلى المنصوح بنفسه وباللام ، ونسبة النصح إلى الله إشارة إلى أن نصح خلق الله نصح له ، فإن نصحه تعالى إطاعة أوامره وقد أمر بالنصح لخلقه ، ويحتمل أن يكون المعنى النصح للخلق خالصا لله فيكون في بمعنى اللام ، ويحتمل أن يكون المعنى النصح لله بالإيمان بالله وبرسله وحججه وإطاعة أوامره والاحتراز عن نواهيه « في خلقه » أي من بين خلقه وهو بعيد ، ولا يناسب الباب أيضا ، وقال في النهاية : أصل النصح في اللغة الخلوص يقال : نصحته ونصحت له.

ومعنى نصيحة الله صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته ، والنصيحة لكتاب الله هو التصديق له والعمل بما فيه ، ونصيحة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لما أمر به ونهى عنه ، ونصيحة الأئمة. أن يطيعهم في الحق ولا يرى الخروج عليهم ، ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم.

باب الإصلاح بين الناس

الحديث الأول : ضعيف على الأشهر بسنديه.

« وتقارب » أي سعى في تقاربهم أو أصل تقاربهم.

١٤٤

٢ ـ عنه ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لأن أصلح بين اثنين أحب إلي من أن أتصدق بدينارين.

٣ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن مفضل قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي.

٤ ـ ابن سنان ، عن أبي حنيفة سابق الحاج قال مر بنا المفضل وأنا و

______________________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : فافتدها كان الافتداء هنا مجاز فإن المال بدفع المنازعة كما أن الدية تدفع بطلب الدم أو كما أن الأسير ينقذ بالفداء فكذلك كل منها ينقذ من الآخر بالمال ، فالإسناد إلى المنازعة على المجاز ، وفي المصباح فدى من الأسير يفديه فدى مقصور وتفتح الفاء وتكسر إذا استنقذه بمال ، واسم ذلك المال الفدية وهو عوض الأسير وفاديته مفاداة وفداء أطلقته وأخذت فديته ، وتفادى القوم اتقى بعضهم ببعض ، كان كل واحد يجعل صاحبه فداه ، وفدت المرأة نفسها من زوجها تفدي وأفدت أعطته مالا حتى تخلصت منه بالطلاق.

الحديث الرابع : كالسابق.

وأبو حنيفة اسمه سعيد بن بيان و « سابق » صححه في الإيضاح وغيره بالباء الموحدة ، وفي أكثر النسخ بالياء من السوق ، وعلى التقديرين إنما لقب بذلك لأنه كان يتأخر عن الحاج ثم يعجل ببقية الحاج من الكوفة ويوصلهم إلى عرفة في تسعة أيام أو في أربعة عشر يوما ، وورد لذلك ذمه في الأخبار لكن وثقه النجاشي وروي في الفقيه عن أيوب بن أعين قال : سمعت الوليد بن صبيح يقول لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أبا حنيفة رأى هلال ذي الحجة بالقادسية وشهد معنا عرفة؟ فقال : ما لهذا صلاة ما لهذا صلاة.

١٤٥

ختني نتشاجر في ميراث فوقف علينا ساعة ثم قال لنا تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتى إذا استوثق كل واحد منا من صاحبه قال أما إنها ليست من مالي ولكن أبو عبد الله عليه‌السلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وأفتديها من ماله فهذا من مال أبي عبد الله عليه‌السلام.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال المصلح ليس بكاذب.

٦ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن إسماعيل ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ

______________________________________________________

والختن بالتحريك زوج بنت الرجل وزوج أخته أو كل من كان من قبل المرأة ، والتشاجر التنازع « فوقف علينا ساعة » كان وقوفه كان لاستعلام الأمر المتنازع فيه ، وأنه يمكن إصلاحه بالمال أم لا « حتى إذا استوثق » أي أخذ من كل منا حجة لرفع الدعوى عن الآخر ، في القاموس : استوثق أخذ منه الوثيقة ، وأقول : يدل كسابقه على مدح المفضل وأنه كان أمينه عليه‌السلام واستحباب بذل المال لرفع التنازع بين المؤمنين وأن أبا حنيفة كان من الشيعة.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

« المصلح ليس بكاذب » أي إذا نقل المصلح كلاما من أحد الجانبين إلى الآخر لم يقله وعلم رضاه به أو ذكر فعلا لم يفعله للإصلاح ، ليس من الكذب المحرم بل هو حسن ، وقيل : إنه لا يسمى كذبا اصطلاحا وإن كان كذبا لغة ، لأن الكذب في الشرع ما لا يطابق الواقع ويذم قائله ، وهذا لا يذم قائله شرعا.

الحديث السادس : حسن موثق.

« وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً » قال البيضاوي : العرضة فعلة بمعنى المفعول كالقبضة ،

١٤٦

أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ » (١) قال إذا دعيت لصلح بين اثنين فلا تقل علي يمين ألا أفعل.

______________________________________________________

يطلق لما يعرض دون الشيء وللمعرض للأمر ، ومعنى الآية على الأول ولا تجعلوا الله حاجزا لما حلفتم عليه من أنواع الخير ، فيكون المراد بالأيمان الأمور المحلوف عليها كقوله عليه‌السلام لابن سمرة : إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فات الذي هو خير وكفر عن يمينك. وأن مع صلتها عطف بيان لها ، واللام صلة عرضة لما فيها من معنى الاعتراض ، ويجوز أن يكون للتعليل ويتعلق أن بالفعل أو بعرضة ، أي ولا تجعلوا الله عرضة لأن تبروا لأجل أيمانكم فتتبذلوه بكثرة الحلف به ، وأن تبروا علة النهي أي أنهيكم عن إرادة بركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس ، فإن الحلاف مجترئ على الله والمجترئ على الله لا يكون برا متقيا ، ولا موثوقا به في إصلاح ذات البين.

وقال الطبرسي (ره) : في معناه ثلاثة أقوال : أحدها : أن معناه ولا تجعلوا اليمين بالله علة مانعة لكم من البر والتقوى من حيث تعتمدونها لتعتلوا بها وتقولوا حلفنا بالله ولم تحلفوا به ، والثاني : أن عرضة معناه حجة فكأنه قال : لا تجعلوا اليمين بالله حجة في المنع من البر والتقوى فإن كان قد سلف منكم يمين ثم ظهر أن غيرها خير منها فافعلوا الذي هو خير ولا تحتجوا بما قد سلف من اليمين ، والثالث : أن معناه لا تجعلوا اليمين بالله عدة مبتذلة في كل حق وباطل لأن تبروا في الحلف بها وتتقوا المأثم فيها وهو المروي عن أئمتنا عليهم‌السلام ، نحو ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين فإنه يقول سبحانه : « وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ » وتقديره على الوجه الأول والثاني : لا تجعلوا الله مانعا عن البر والتقوى باعتراضك به حالفا ، وعلى الثالث لا تجعلوا الله مما

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٢٤.

١٤٧

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن محبوب ، عن معاوية بن وهب أو معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أبلغ عني كذا وكذا في أشياء أمر بها قلت فأبلغهم عنك وأقول عني ما قلت لي وغير الذي قلت قال نعم إن المصلح ليس بكذاب [ إنما هو الصلح ليس بكذب ].

______________________________________________________

تحلف به دائما باعتراضك بالحلف به في كل حق وباطل.

وقوله : أن تبروا قيل في معناه أقوال : الأول : لأن تبروا على معنى الإثبات ، أي لأن تكونوا بررة أتقياء ، فإن من قلت يمينه كان أقرب إلى البر ممن كثرت يمينه ، وقيل : لأن تبروا في اليمين ، والثاني : أن المعنى لدفع أن تبروا أو لترك أن تبروا فحذف المضاف ، والثالث ، أن معناه أن لا تبروا فحذف لا « وَتَتَّقُوا » أي تتقوا الإثم والمعاصي في الإيمان « وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ » أي لا تجعلوا الحلف بالله علة أو حجة في أن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس ، أو لدفع أن تبروا وتتقوا وتصلحوا ، وعلى الوجه الثالث لا تجعلوا اليمين بالله مبتذلة لأن تبروا وتتقوا وتصلحوا ، أي لكي تكونوا من البررة والأتقياء والمصلحين بين الناس ، فإن من كثرت يمينه لا يوثق بحلفه ، ومن قلت يمينه فهو أقرب للتقوى والإصلاح بين الناس.

الحديث السابع : صحيح.

وذهب بعض الأصحاب إلى وجوب التورية في هذه المقامات ليخرج عن الكذب ، كان ينوي بقوله : قال كذا ، رضي بهذا القول ، ومثل ذلك وهو أحوط.

١٤٨

(باب)

(في إحياء المؤمن)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له قول الله عز وجل : « مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً » قال

______________________________________________________

باب في إحياء المؤمن

الحديث الأول : موثق.

والآية في المائدة هكذا « مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً » فما في الخبر على النقل بالمعنى والاكتفاء ببعض الآية لظهورها ، وقال الطبرسي قدس‌سره في المجمع : « بِغَيْرِ نَفْسٍ » أي بغير قود « أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ » أي بغير فساد كان منها في الأرض فاستحقت بذلك قتلها وفسادها بالحرب لله ولرسوله وإخافة السبيل على ما ذكر الله في قوله « إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ » (١) الآية.

« فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً » قيل في تأويله أقوال : أحدها : أن معناه هو أن الناس كلهم خصماؤه في قتل ذلك الإنسان ، وقد وترهم وتر من قصد لقتلهم جميعا فأوصل إليهم من المكروه ما يشبه القتل الذي أوصله إلى المقتول ، فكأنه قتلهم كلهم ، ومن استنقذها من غرق أو حرق أو هدم أو ما يميت لا محالة ، أو استنقذها من ضلال « فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً » أي آجره الله على ذلك أجر من أحياهم أجمعين لأنه في إسدائه المعروف إليهم بإحيائه أخاهم المؤمن بمنزلة من أحيى كل واحد

__________________

(١) سورة المائدة : ٣٣.

١٤٩

من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما أحياها ومن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها.

______________________________________________________

منهم روي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام. ثم قال : وأفضل من ذلك أن يخرجها من ضلال إلى هدى.

وثانيها : أن من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعا ، أي يعذب عليه كما لو قتل الناس كلهم ، ومن شد على عضد نبي أو إمام عدل فكأنما أحيى الناس جميعا في استحقاق الثواب عن ابن عباس.

وثالثها : أن معناه من قتل نفسا بغير حق فعليه مأثم كل قاتل من الناس لأنه سن القتل وسهلة لغيره فكأنه بمنزلة المشارك ، ومن زجر عن قتلها لذلك بما فيه حياتها على وجه يقتدى به فيه بأن يعظم تحريم قتلها كما حرمه الله فلم يقدم على قتلها لذلك فقد أحيى الناس بسلامتهم منه ، فذلك إحياؤها إياها.

ورابعها : أن المراد فكأنما قتل الناس جميعا عند المقتول « وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً » عند المستنقذ.

وخامسها : أن معناه يجب عليه من القصاص بقتلها مثل الذي يجب عليه لو قتل الناس جميعا ومن عفا عن دمها وقد وجب القود عليها كان كما لو عفا عن الناس جميعا والإحياء هنا مجاز لأنه لا يقدر عليه إلا الله تعالى.

وأقول : تطبيق التأويل المذكور في الخبر على قوله تعالى : « بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ » يحتاج إلى تكلف كثير ، ولذا لم يتعرض الطبرسي (ره) له ، ويمكن أن يكون المراد أن نزول الآية إنما هو في إذهاب الحياة البدني لكن يظهر منها حال إذهاب الحياة القلبي والروحاني بطريق أولى ، وبعبارة أخرى دلالة الآية على الأول دلالة مطابقية وعلى الثاني التزامية ولذا قال عليه‌السلام : من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما أحياها ولم يصرح بأن هذا هو المراد بالآية وكذا عبر في الأخبار

١٥٠

٢ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن فضيل بن يسار قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام قول الله عز وجل في كتابه : « وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً » ـ قال من حرق أو غرق قلت فمن أخرجها من ضلال إلى هدى قال ذاك تأويلها الأعظم.

محمد بن يحيى ، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبان مثله.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن أبي خالد القماط ، عن حمران قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أسألك أصلحك الله فقال نعم فقلت كنت على حال وأنا اليوم على حال أخرى كنت أدخل الأرض فأدعو الرجل والاثنين والمرأة فينقذ الله من شاء

______________________________________________________

الآتية بالتأويل إشارة إلى ذلك ، مع أنه يحتمل أن يكون المراد على هذا التأويل من قتل نفسا بالإضلال بغير نفس أي من غير أن يقتل نفسا ظاهرا أو يفسد في الأرض كان عقابه عقاب من قتل الناس جميعا بالقتل الظاهري.

الحديث الثاني : موثق بسنديه.

قوله عليه‌السلام : ذاك تأويلها الأعظم ، أي الآية شاملة لها وهي بطن من بطونها.

الحديث الثالث : حسن.

قوله : كنت على حال ، كأنه كان قبل أن ينهاه عليه‌السلام عن دعوة الناس تقية يدعو الناس وبعد نهيه عليه‌السلام ترك ذلك ، وكان ذكر ذلك رجاء أن يأذنه فقال عليه‌السلام :

وما عليك ، إما على النفي أي لا بأس عليك ، أو الاستفهام الإنكاري أي أي ضرر عليك « أن تخلي » أي في أن تخلي أي اتركهم مع الله فإن الله يهديهم إذا علم أنهم قابلون لذلك « فمن أراد الله أن يخرجه » إشارة إلى قوله تعالى : « اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » (١) أي من ظلمة الكفر والضلال والشك إلى نور

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٧.

١٥١

وأنا اليوم لا أدعو أحدا فقال وما عليك أن تخلي بين الناس وبين ربهم فمن أراد الله أن يخرجه من ظلمة إلى نور أخرجه ثم قال ولا عليك إن آنست من أحد خيرا أن تنبذ إليه الشيء نبذا قلت أخبرني عن قول الله عز وجل : « وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً » قال من حرق أو غرق ثم سكت ثم قال تأويلها الأعظم أن دعاها فاستجابت له.

______________________________________________________

الإيمان واليقين ، وقيل : إشارة إلى قوله سبحانه : « فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » (١) والحاصل أن سعيك في ذلك إن كان للأغراض الدنيوية فهو مضر لك وإن كان لثواب الآخرة فالثواب في زمن التقية في ترك ذلك وإن كان للشفقة على الخلق فلا ينفع سعيك في ذلك فإنه إذا كان قابلا للتوفيق يوفقه الله بأي وجه كان بدون سعيك وإلا فسعيك أيضا لا ينفع.

ثم استثنى عليه‌السلام صورة واحدة فقال : ولا عليك ، أي ليس عليك بأس « إن آنست » أي أبصرت وعلمت ، في القاموس : أنس الشيء أبصره وعلمه وأحس به « من أحد خيرا » كان تجده لينا غير متعصب طالبا للحق وتأمن حيلته وضرره « أن تنبذ إليه الشيء » أي ترمي وتلقي إليه شيئا من براهين دين الحق نبذا يسيرا موافقا للحكمة بحيث إذا لم يقبل ذلك يمكنك تأويله وتوجيهه ، في القاموس : النبذ طرحك الشيء أمامك أو وراءك أو عام والفعل كضرب.

قوله عليه‌السلام : أن دعاها ، لما كانت النفس في صدر الآية المراد بها المؤمنة ، فضمير أحياها أيضا راجع إلى المؤمنة فيكون على سبيل مجاز المشارفة.

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٢٥.

١٥٢

(باب)

(في الدعاء للأهل إلى الإيمان)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن سليمان بن خالد قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن لي أهل بيت وهم يسمعون مني أفأدعوهم إلى هذا الأمر فقال نعم إن الله عز وجل يقول في كتابه « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ » (١).

______________________________________________________

باب في الدعاء للأهل إلى الإيمان

الحديث الأول : صحيح.

« قُوا » أي احفظوا واحرسوا وامنعوا « أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً » أي قوا أنفسكم النار بالصبر على طاعة الله وعن معصيته وعن اتباع الشهوات ، وقوا أهليكم النار بدعائهم إلى طاعة الله ، وتعليمهم الفرائض ونهيهم عن القبائح وحثهم على أفعال الخير « وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ » قيل : أي حجارة الكبريت لأنها تزيد في قوة النار ، وقيل : الأحجار المعبودة وتدل الآية والخبر على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى أن الأقارب من الزوجة والمماليك والوالدين والأولاد وسائر القرابات مقدمون في ذلك على الأجانب.

__________________

(١) سورة التحريم : ٦.

١٥٣

(باب)

(في ترك دعاء الناس)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن كليب بن معاوية الصيداوي قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام إياكم والناس إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة فتركه وهو يجول لذلك ويطلبه ثم قال لو أنكم إذا كلمتم الناس قلتم ذهبنا حيث ذهب الله واخترنا من اختار الله واختار الله محمدا واخترنا ـ آل محمد صلى الله عليه وعليهم.

______________________________________________________

باب في ترك دعاء الناس

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« إياكم والناس » أي احذروا دعوتهم في زمن شدة التقية وعلل ذلك بأن من كان قابلا للهداية وأراد الله ذلك به « نكت في قلبه نكتة من نور » كناية عن أنه يلقى في قلبه ما يصير به طالبا للحق متهيئا لقبوله ، في القاموس : النكت أن تضرب في الأرض بقضيب فيؤثر فيها ، والنكتة بالضم النقطة ، ثم بين عليه‌السلام طريقا لينا لمعارضتهم والاحتجاج عليهم وهدايتهم ، بحيث لا يصير سببا لمزيد تعصبهم وإصرارهم ولا يتضمن التصريح بكفرهم وضلالتهم بأن قال : « لو أنكم » ولو للتمني وقلتم جواب إذا « حيث ذهب الله » أي حيث أمر الله بالذهاب إليه « واخترنا من اختار الله » أي اخترنا الإمامة من أهل بيت اختارهم الله فإن النبي مختار الله ، والعقل يحكم بأن أهل البيت المختار إذا كانوا قابلين للإمامة أولى من غيرهم ، وهذا دليل إقناعي تقبله طباع أكثر الخلق.

١٥٤

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن ابن مسكان ، عن ثابت أبي سعيد قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا ثابت ما لكم وللناس كفوا عن الناس ولا تدعوا أحدا إلى أمركم فو الله لو أن أهل السماء وأهل الأرض اجتمعوا على أن يضلوا عبدا يريد الله هداه ما استطاعوا كفوا عن الناس ولا يقول أحدكم أخي وابن عمي وجاري فإن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه فلا يسمع بمعروف إلا عرفه ولا بمنكر إلا أنكره ثم يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن محمد بن مروان ، عن الفضيل قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ندعو الناس إلى هذا الأمر فقال يا فضيل إن الله إذا أراد بعبد خيرا أمر ملكا فأخذ بعنقه حتى أدخله في هذا الأمر طائعا أو كارها.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن

______________________________________________________

الحديث الثاني : مجهول.

وقد مر مثله في أواخر كتاب التوحيد وقد تكلمنا هناك في معنى الهداية والإضلال ، وفهم هذه الأخبار في غاية الإشكال ومنهم من أول إرادة الهداية بالعلم أو التوفيق والتأييد الذي استحقه بحسن اختياره « ولا يقول أحدكم أخي » أي هذا أخي ترحما عليه لإرادة هدايته « طيب روحه » أي جعلها قابلة لفهم الحق وقبوله إما في بدو الخلق أو بعده في عالم الأجساد « فلا يسمع بمعروف » كان فيما مضى معروفا ومنكرا وهو أظهر ، والكلمة التي يقذفها في قلبه هي اعتقاد الإمامة فإنها جامعة لإصلاح جميع أموره في الدارين ، ولا يشتبه عليه أمر من الأمور.

الحديث الثالث : مجهول ، وقد مر في آخر كتاب التوحيد.

الحديث الرابع : حسن موثق.

١٥٥

عقبة ، عن أبيه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام اجعلوا أمركم هذا لله ولا تجعلوه للناس فإنه ما كان لله فهو لله وما كان للناس فلا يصعد إلى السماء ولا تخاصموا بدينكم الناس فإن المخاصمة ممرضة للقلب إن الله عز وجل قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله « إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ » (١) وقال « أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ » (٢) ذروا الناس فإن الناس أخذوا عن الناس وإنكم أخذتم عن رسول

______________________________________________________

« اجعلوا أمركم هذا » أي دينكم ودعوتكم الناس إليه « لله » بأن تدعو الناس إليه في مقام تعلمون رضا الله فيه ، ولا تدعوا في مقام التقية فإنه نهى الله عنه « ولا تجعلوه للناس » بإظهار الفضل وحب الغلبة على الخصم والعصبية فتدعوهم في مقام التقية أيضا فيعود ضرره عليكم وعلينا « فإنه ما كان لله » أي خالصا لوجهه تعالى « فهو لله » أي يقبله الله ويثيب عليه أو ما كان لله في الدنيا فهو لله في الآخرة ومالهما واحد « فلا يصعد إلى السماء » أي لا يقبل ، إشارة إلى قوله تعالى : « إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ » (٣).

« ولا تخاصموا بدينكم » أي لا تجادلوا مجادلة يكون غرضكم فيها المغالبة والمعاندة بإلقاء الشبهات الفاسدة لا ظهور الحق فإن المخاصمة على هذا الوجه يمرض القلب بالشك والشبهة والأغراض الباطلة وإن كان غرضكم إجبارهم على الهداية فإنها ليست بيدكم كما قال تعالى لنبيه : « إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ » وقال : « أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ ».

وقوله عليه‌السلام : ذروا الناس ، يحتمل أن يكون المراد به أن غرضكم من المجادلة إن كان ظهور الحق لكم فلا حاجة لكم إلى ذلك فإن حقيتكم أظهر من ذلك فإنكم أخذتم دينكم عن الله بالآيات المحكمات ، وعن رسول الله بالأخبار المتواترة

__________________

(١) سورة القصص : ٥٦.

(٢) سورة يونس : ٩٩.

(٣) سورة فاطر : ١٠.

١٥٦

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام ولا سواء وإنني سمعت أبي يقول إذا كتب الله على عبد أن يدخله في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن أذينة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله عز وجل خلق قوما للحق فإذا مر بهم الباب من الحق قبلته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه وإذا مر بهم الباب من الباطل أنكرته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه وخلق قوما لغير ذلك فإذا مر بهم الباب من الحق أنكرته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه وإذا مر بهم الباب من الباطل قبلته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الحميد بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه

______________________________________________________

من الجانبين ، وعن علي عليه‌السلام المقبول من الطرفين وهم أخذوا من الأخبار الموضوعة المنتهية إلى النواصب والمعاندين والشبهات الواهية التي تظهر بأدنى تأمل بطلانها ، ولا سواء مأخذكم ومأخذهم ، ووكر الطائر عشه.

الحديث الخامس : كالسابق.

« خلق قوما للحق » كان اللام للعاقبة أي عالما بأنهم يختارون الحق أو يختارون خلافه وإن كانوا لا يعرفونه ، قيل : هذا مبني على أنه قد يحكم الإنسان بأمر ويذعن به ، وهو مبني على مقدمة مركوزة في نفسه لا يعلم بها أو بابتناء إذعانه عليها ، والغرض من ذكره في هذا الباب أن السعي لا مدخل له كثيرا في الهداية وإنما هو لتحصيل الثواب فلا ينبغي فعله في موضع التقية لعدم ترتب الثواب عليه.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

وقد مر مضمونه بسند آخر في باب الهداية ، وكان النكت كناية عن التوفيق

١٥٧

نكتة من نور فأضاء لها سمعه وقلبه حتى يكون أحرص على ما في أيديكم منكم وإذا أراد بعبد سوءا ـ نكت في قلبه نكتة سوداء فأظلم لها سمعه وقلبه ثم تلا هذه الآية « فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ » (١).

٧ ـ عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكا يسدده وإذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله.

______________________________________________________

لقبول الحق وإفاضة علم يقيني ينتقش فيه « فأضاء له سمعه وقلبه » أي يسمع الحق وفي الثاني كناية عن منع اللطف منه ، لعدم استحقاقه لذلك فيخلى بينه وبين الشيطان فينكت في قلبه الشكوك والشبهات « فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ » قيل : أي يعرفه الحق ويوفقه للإيمان « يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » فيتسع له ويفسح ما فيه بحاله وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه « وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ » أي يمنع عنه لطفه « يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان « كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ » شبهه مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة.

الحديث السابع : مجهول ومضمونه مما مر معلوم.

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٢٥.

١٥٨

(باب)

(أن الله إنما يعطي الدين من يحبه)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن حمزة بن حمران ، عن عمر بن حنظلة قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا أبا الصخر إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا يعطي هذا الأمر إلا صفوته من خلقه أنتم والله على ديني ودين آبائي إبراهيم وإسماعيل لا أعني علي بن الحسين ولا

______________________________________________________

باب أن الله إنما يعطي الدين من يحبه

الحديث الأول : مجهول.

« من يحب ومن يبغض » أي من يحبه الله ومن يبغضه الله ، أو من يحب الله ومن يبغض الله والأول أظهر « ولا يعطي هذا الأمر » أي الاعتقاد بالولاية واختيار دين الإمامية « إلا صفوته من خلقه » أي من اصطفاه واختاره وفضله من جميع خلقه بسبب طيب روحه وطينته كما مر ، أو المعنى أن ذا المال والجاه والنعمة في الدنيا يمكن أن يكون محبوبا لله أو مبغوضا له ، وليست سببا لحب الله ولا علامة له بخلاف دين الحق فإن من أوتيه يكون لا محالة محبوبا لله مختارا عنده.

وعلى الوجهين الغرض بيان فضل الولاية والشكر عليها وعدم الشكاية بعد حصولها عن فقر الدنيا وذلها وشدائدها وحقارة الدنيا وأهلها عند الله وأنها ليست مناط الشرف والفضل.

قوله عليه‌السلام ودين آبائي ، المعنى أن أصول الدين مشتركة في ملل جميع الأنبياء وإنما الاختلاف في بعض الخصوصيات فإن الاعتقاد والعدل والمعاد مما اشترك فيه جميع الملل وكذا التصديق بنبوة الأنبياء والإذعان بجميع ما جاءوا به وأهمها الإيمان بأوصيائهم ومتابعتهم في جميع الأمور وعدم العدول عنهم إلى غيرهم

١٥٩

محمد بن علي وإن كان هؤلاء على دين هؤلاء.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن عاصم بن حميد ، عن مالك بن أعين الجهني قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول يا مالك إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا يعطي دينه إلا من يحب.

٣ ـ عنه ، عن معلى ، عن الوشاء ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ، عن عمر بن حنظلة وعن حمزة بن حمران ، عن حمران ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن هذه الدنيا يعطيها الله البر والفاجر ولا يعطي الإيمان إلا صفوته من خلقه.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن أبي سليمان ، عن ميسر قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن الدنيا يعطيها الله عز وجل من أحب ومن

______________________________________________________

كان لازما في جميع الملل ، وإنما الاختلاف في خصوص النبي وخصوص الأوصياء وخصوص بعض العبادات فمن أقر بنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبجميع ما جاء به وبجميع أوصيائه ولم يعدل عنهم إلى غيرهم فهو على دين جميع الأنبياء عليهم‌السلام ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما ورد في كثير من الأخبار أن الإقرار بنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوصيائه عليهم‌السلام كان مأخوذا على جميع الأنبياء وأممهم عليهم‌السلام ، وقيل : المراد أنه مأخوذ في دين الإسلام نفي الشرك ونصب غير من نصبه الله للإمامة ، والرجوع إليه نوع من الشرك فالتوحيد الذي هو دين جميع الأنبياء مخصوص بالشيعة ، وما ذكرنا أوضح وأمتن.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور ومضمونه ظاهر مما مر.

الحديث الثالث : كالسابق.

وقال الجوهري : صفوة الشيء خالصة ، ومحمد صفوة الله من خلقه ومصطفاه ، أبو عبيدة يقال له : صفوة وصفوة وصفوة مالي وصفوة مالي ، فإذا نزعوا الهاء قالوا له صفو مالي بالفتح لا غير.

الحديث الرابع : مجهول.

١٦٠