مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٥

لي أبو عبد الله عليه‌السلام ما منع ميثم رحمه‌الله من التقية فو الله لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار وأصحابه « إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ » (١).

______________________________________________________

لعدم الانتفاع بها وعدم تحقق شرط التقية فيه ، ويمكن أن يقرأ منع على بناء المعلوم ، أي ليس فعله مانعا للغير عن التقية لأنه اختار أحد الفردين المخير فيهما أو لاختصاص الترك به لما ذكر أو فعلها ولم تنفعه ، وبالجملة يبعد من مثل ميثم ورشيد وقنبر وأضرابهم رفع الله درجاتهم بعد إخباره صلوات الله عليه إياهم بما يجري عليهم وأمرهم بالتقية تركهم أمره عليه‌السلام ومخالفتهم له وعدم بيانه لهم ما يجب عليهم حينئذ أبعد ، فالظاهر أنهم كانوا مخيرين في ذلك فاختاروا ما كان أشق عليهم.

ويؤيده ما رواه الكشي عن ميثم رضي‌الله‌عنه قال : دعاني أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال لي كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد إلى البراءة مني فقلت : يا أمير المؤمنين أنا والله لا أبرأ منك قال : إذا والله يقتلك ويصلبك فقلت : أصبر فذاك في الله قليل فقال عليه‌السلام : يا ميثم إذا تكون معي في درجتي.

وروي أيضا عن قنوا بنت رشيد الهجري قال : سمعت أبي يقول : أخبرني أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا رشيد كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك قلت : يا أمير المؤمنين آخر ذلك إلى الجنة فقال عليه‌السلام : يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة قالت : والله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه عبيد الله بن زياد الدعي فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين عليه‌السلام فأبى أن يتبرء منه فقال له الدعي : فبأي ميتة قال لك تموت؟ فقال له : أخبرني خليلي : إنك تدعوني إلى البراءة فلا أبرأ منه فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني فقال : والله لأكذبن قوله قال : فقدموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه فحملت أطرافه يديه ورجليه فقلت : يا أبت تجد ألما لما أصابك فقال : لا يا بنية إلا كالزحام بين الناس فلما احتملناه وأخرجناه من القصر

__________________

(١) سورة النحل : ١٠٦.

١٨١

١٦ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن شعيب الحداد ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية.

______________________________________________________

اجتمع الناس حوله فقال : ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى يوم القيامة فأرسل إليه الحجام حتى قطع لسانه فمات رحمة الله عليه في ليلته.

وأقول : قصة عمار وأبويه رضي الله عنهم تشهد بذلك أيضا إذ مدح عمارا على التقية وقال : سبق أبواه إلى الجنة وإن أمكن أن يكون ذلك لجهلهما بالتقية ، وروي في غوالي اللئالي أن مسيلمة لعنه الله أخذ رجلين من المسلمين فقال لأحدهما : ما تقول في محمد؟ قال : رسول الله قال : فما تقول في؟ قال : أنت أيضا فخلاه ، فقال للآخر : ما تقول في محمد؟ قال : رسول الله قال : فما تقول في؟ قال أنا أصم فأعاد عليه ثلاثا وأعاد جوابه الأول فقتله فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أما الأول فقد أخذ برخصة الله وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له.

الحديث السادس عشر : صحيح.

قوله عليه‌السلام : إنما جعلت التقية ، أي إنما قررت لئلا ينتهي آخرا إلى إراقة الدم وإن كان في أول الحال يجوز التقية لغيرها ، أو المعنى أن العمدة في مصلحة التقية حفظ النفس فلا ينافي جواز التقية لغيره أيضا كحفظ المال أو العرض.

« فليس تقية » أي ليس هناك تقية أو ليس ما يفعلونه تقية ، ولا خلاف في أنه لا تقية في قتل معصوم الدم وإن ظن أنه يقتل إن لم يفعل ، والمشهور أنه إن أكرهه على الجراح الذي لا يسري إلى فوات النفس يجوز فعله إن ظن أنه يقتل إن لم يفعل ، وإن شمل قولهم لا تقية في الدماء ذلك ، وقد يحمل الخبر على أن المعنى أن التقية لحفظ الدم فإذا علم أنه يقتل على كل حال فلا تقية.

١٨٢

١٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كلما تقارب هذا الأمر كان أشد للتقية.

١٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى بن سام ومحمد بن مسلم وزرارة قالوا سمعنا أبا جعفر عليه‌السلام يقول التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له.

______________________________________________________

الحديث السابع عشر : موثق كالصحيح « كلما تقارب هذا الأمر » أي خروج القائم.

الحديث الثامن عشر : حسن الفضلاء ، كالصحيح.

وقيل : الفاء في قوله : فقد أحله الله للبيان ، وأقول : يدل أيضا على عموم التقية في كل ضرورة ، وقال الشهيد رفع الله درجته في قواعده : التقية مجاملة الناس بما يعرفون وترك ما ينكرون ، وقد دل عليها الكتاب والسنة قال الله تعالى : « لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً » (١) وقال تعالى : « إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ » (٢) ثم ذكر الأخبار في ذلك.

ثم قال (ره) : التقية ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة ، فالواجب إذا علم أو ظن نزول الضرر بتركها به أو ببعض المؤمنين ، والمستحب إذا كان لا يخاف ضررا عاجلا أو يخاف ضررا سهلا أو كان تقية في المستحب كالترتيب في تسبيح الزهراء عليها‌السلام وترك بعض فصول الأذان ، والمكروه التقية في المستحب حيث لا ضرر عاجلا ولا آجلا ويخاف منه الالتباس على عوام المذهب ، والحرام التقية حيث يؤمن الضرر عاجلا وآجلا أو في قتل مسلم ، والمباح التقية في بعض المباحات التي ترجحها العامة ولا يصل بتركها ضرر.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٢٨.

(٢) سورة النحل : ١٠٦.

١٨٣

١٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال التقية ترس الله بينه وبين خلقه.

٢٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن أحمد بن حمزة ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي بصير قال قال أبو جعفر عليه‌السلام خالطوهم بالبرانية وخالفوهم بالجوانية إذا كانت الإمرة صبيانية.

٢١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن زكريا المؤمن ، عن عبد الله

______________________________________________________

الحديث التاسع عشر : صحيح.

قوله عليه‌السلام : ترس الله ، أي ترس يمنع الخلق من عذاب الله ، أو من البلايا النازلة من عنده ، أو المراد بقوله بينه وبين أوليائه على حذف المضاف ، فالمراد بخلقه أعداؤه.

الحديث العشرون : ضعيف.

وقال في النهاية في حديث سلمان : من أصلح جوانيه أصلح الله برانيه ، أراد بالبراني العلانية ، والألف والنون من زيادات النسب ، كما قالوا في صنعاء : صنعاني وأصله من قولهم خرج فلان برا أي خرج إلى البر والصحراء وليس من قديم الكلام وفصيحة ، وقال أيضا في حديث سلمان : إن لكل امرئ جوانيا وبرانيا أي باطنا وظاهرا وسرا وعلانية وهو منسوب إلى جو البيت وهو داخله وزيادة الألف والنون للتأكيد ، انتهى.

والإمرة بالكسر الإمارة ، والمراد بكونها صبيانية كون الأمير صبيا أو مثله في قلة العقل والسفاهة ، أو المعنى أنه لم تكن بناء الإمارة على أمر حق بل كانت مبنية على الأهواء الباطلة كلعب الأطفال ، والنسبة إلى الجمع تكون على وجهين : أحدهما أن يكون المراد النسبة إلى الجنس فيرد إلى المفرد ، والثاني أن تكون الجمعية ملحوظة فلا يرد ، وهذا من الثاني إذ المراد التشبيه بأمارة يجتمع عليها الصبيان.

الحديث الحادي والعشرون : ضعيف.

١٨٤

بن أسد ، عن عبد الله بن عطاء قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما ابرأا من أمير المؤمنين فبرئ واحد منهما وأبى الآخر فخلي سبيل الذي برئ وقتل الآخر فقال أما الذي برئ فرجل فقيه في دينه وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجل إلى الجنة.

٢٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام احذروا عواقب العثرات.

٢٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول التقية ترس المؤمن والتقية حرز المؤمن ولا إيمان لمن لا تقية له إن العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيدين الله عز وجل به فيما بينه وبينه فيكون له عزا

______________________________________________________

ويدل على أن تارك التقية جهلا مأجور ولا ينافي جواز الترك كما مر.

الحديث الثاني والعشرون : حسن كالصحيح.

« احذروا عواقب العثرات » أي في ترك التقية كما فهمه الكليني (ره) ظاهرا أو الأعم فيشمل تركها ، فيحتمل أن يكون ذكره هنا لذلك وعلى الوجهين فالمعنى :

أن كل ما تقولونه فانظروا أولا في عاقبته وماله عاجلا وآجلا ثم قولوه أو افعلوه فإن العثرة قلما تفارق القول والفعل ولا سيما إذا كثرا ، أو المراد أنه كلما عثرتم عثرة في قول أو فعل فاشتغلوا بإصلاحها وتداركها كيلا يؤدي في العاقبة إلى فساد لا يقبل الإصلاح.

الحديث الثالث والعشرون : صحيح.

« لمن لا تقية له » أي مع العلم بوجوبها أو فيما يجب فيه التقية حتما « فيدين الله عز وجل به » أي يعبد الله بقبوله والعمل به « فيما بينه » أي بين الله « وبينه فيكون » أي

١٨٥

في الدنيا ونورا في الآخرة وإن العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيذيعه فيكون له ذلا في الدنيا وينزع الله عز وجل ذلك النور منه.

(باب الكتمان)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال وددت والله أني افتديت خصلتين في الشيعة لنا ببعض لحم ساعدي النزق وقلة الكتمان.

______________________________________________________

الحديث أو التدين به « له » أي لهذا العبد « عزا » في الدنيا بسبب التقية « ونورا في الآخرة » بسبب عبادته الصحيحة « من حديثنا » أي المختص بنا المخالف لأحاديث العامة « فيكون له ذلا » أي بسبب ترك التقية وينزع الله لبطلان عبادته التي لم يتق فيها.

باب الكتمان

الحديث الأول : صحيح.

« لوددت » بكسر الدال وفتحها : أي أحببت ويقال : فداه يفديه فداء وافتدى به وفاداه أعطى شيئا فأنقذه ، وكان المعنى وددت أي أهلك وأذهب تينك الخصلتين عن الشيعة ، ولو انجر الأمر إلى أن يلزمني أن أعطى فداء عنها بعض لحم ساعدي ، أو يقال : لما كان افتداء الأسر إعطاء شيء لأخذ الأسير ممن أسره أستعير هنا لإعطاء الشيعة لحم الساعد لأخذ الخصلتين منهم ، أو يكون على القلب ، والمعنى : إنقاذ الشيعة من تينك الخصلتين.

« والنزق » بالفتح : الطيش والخفة عند الغضب ، والمراد بالكتمان : إخفاء أحاديث الأئمة وأسرارهم عن المخالفين عند خوف الضرر عليهم وعلى شيعتهم ، أو الأعم منه ومن كتمان أسرارهم وغوامض أخبارهم عمن لا يحتمله عقله.

١٨٦

٢ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن أبي أسامة زيد الشحام قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام أمر الناس بخصلتين فضيعوهما فصاروا منهما على غير شيء الصبر والكتمان.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن يونس بن عمار ، عن سليمان بن خالد قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن بكير ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال دخلنا عليه جماعة ـ فقلنا يا ابن رسول الله إنا نريد العراق فأوصنا فقال أبو جعفر عليه‌السلام ليقو شديدكم ضعيفكم وليعد غنيكم على فقيركم ولا تبثوا سرنا ولا تذيعوا أمرنا وإذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« فصاروا منهما » أي بسببهما ، أي بسبب تضييعهما على غير شيء من الدين ، أو ضيعوهما بحيث لم يبق في أيديهم شيء منهما ، الصبر على البلايا وأذى الأعادي وكتمان الأسرار عنهم كما مر في قوله تعالى : « أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ » (١).

الحديث الثالث : مجهول « أعزه الله » خبر واحتمال الدعاء بعيد.

الحديث الرابع : مرسل.

« جماعة » منصوب على الحالية أي مجتمعين معا « ليقو شديدكم » أي بالإغاثة والإعانة ورفع الظلم ، أو بالتقوية في الدين ورفع الشبه عنه « وليعد » يقال : عاد بمعروفه من باب قال ، أي أفضل ، والاسم العائدة وهي المعروف والصلة « ولا تبثوا سرنا » أي الأحكام المخالفة لمذهب العامة عندهم « ولا تذيعوا أمرنا » أي أمر إمامتهم وخلافتهم

__________________

(١) سورة القصص : ٥٤.

١٨٧

أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به وإلا فقفوا عنده ثم ردوه إلينا حتى يستبين لكم واعلموا أن المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم ومن أدرك قائمنا فخرج معه فقتل عدونا كان له مثل أجر عشرين شهيدا ومن قتل مع قائمنا كان له مثل أجر خمسة وعشرين شهيدا.

٥ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن عبد الأعلى قال سمعت أبا

______________________________________________________

وغرائب أحوالهم ومعجزاتهم عند المخالفين ، بل الضعفة من المؤمنين إذ كانوا في زمان شديد وكان الناس يفتشون أحوالهم ويقتلون أشياعهم وأتباعهم وأما إظهارها عند عقلاء الشيعة وأمنائهم وأهل التسليم منهم ، فأمر مطلوب كما مر.

« فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله » كأنه محمول على ما إذا كان مخالفا لما في أيديهم ، أو على ما إذا لم يكن الراوي ثقة ، أو يكون الغرض موافقته لعموم الكتاب كما ذهب إليه الشيخ من عدم العمل بخبر الواحد إلا إذا كان موافقا لفحوى الكتاب والسنة المتواترة على التفصيل الذي ذكره في صدر كتابي الحديث.

« وإلا فقفوا عنده » أي لا تعملوا به ولا تردوه بل توقفوا عنده حتى تسألوا عنه الإمام ، وقيل : المراد أنه إذا وصل إليكم منا حديث يلزمكم العمل به فإن وجدتم عليه شاهدا من كتاب الله يكون لكم مفرا عند المخالفين إذا سألوكم عن دليله ، فخذوا المخالفين به وألزموهم وأسكتوهم ولا تتقوا منهم ، وإن لم تجدوا شاهدا فقفوا عنده ، أي فاعملوا به سرا ولا تظهروه عند المخالفين « ثم ردوه » أي العلم بالشاهد إلينا ، أي سلونا عن الشاهد له من القرآن حتى نخبركم بشاهده من القرآن فعند ذلك أظهروه لهم ولا يخفى ما فيه ، « لهذا الأمر » أي لظهور دولة القائم عليه‌السلام.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

١٨٨

عبد الله عليه‌السلام يقول إنه ليس من احتمال أمرنا التصديق له والقبول فقط من احتمال أمرنا ستره وصيانته من غير أهله فأقرئهم السلام وقل لهم رحم الله عبدا اجتر مودة الناس إلى نفسه حدثوهم بما يعرفون واستروا عنهم ما ينكرون ثم قال والله ما الناصب لنا حربا بأشد علينا مئونة من الناطق علينا بما نكره فإذا عرفتم من عبد إذاعة فامشوا إليه وردوه عنها فإن قبل منكم وإلا فتحملوا عليه بمن يثقل عليه ويسمع منه فإن الرجل منكم يطلب الحاجة فيلطف فيها حتى تقضى له فالطفوا في حاجتي كما تلطفون في حوائجكم فإن هو قبل منكم وإلا فادفنوا كلامه تحت أقدامكم ولا

______________________________________________________

وكان المراد بالتصديق الإذعان القلبي وبالقبول الإقرار الظاهري فقط ، أو مع العمل ، ومن في الموضعين للتبعيض أي ليست أجزاء احتمال أمرنا أي قبول التكليف الإلهي في التشيع منحصرة في الإذعان القلبي والإقرار الظاهري ، بل من أجزائه ستره وصيانته أي حفظه وضبطه من غير أهله وهم المخالفون والمستضعفون من الشيعة ، والضمير في فأقرئهم راجع إلى المحتملين ، أو مطلق الشيعة بقرينة المقام.

وفي القاموس قرأ عليه‌السلام أبلغه كأقرأه ، ولا يقال اقرأه إلا إذا كان السلام مكتوبا ، وقال : الجر الجذب كالاجترار ، وقوله : حدثوهم ، بيان لكيفية اجترار مودة الناس « بما يعرفون » أي من الأمور المشتركة بين الفريقين « والمؤنة » المشقة « فتحملوا عليه » أي احملوا أو تحاملوا عليه ، أو تكلفوا أن تحملوا عليه ، « من يثقل عليه » أي يعظم عنده ، أو يثقل عليه مخالفته ، وقيل : من يكون ثقيلا عليه لا مفر له إلا أن يسمع منه ، في القاموس : حمله على الأمر فانحمل أغراه به وحمله الأمر تحميلا فتحمله تحملا وتحامل في الأمر وبه تكلفه على مشقة وعليه كلفه ما لا يطيق.

وقال : لطف كنصر لطفا بالضم رفق ودنا ، والله لك أوصل إليك مرادك بلطف انتهى.

١٨٩

تقولوا إنه يقول ويقول فإن ذلك يحمل علي وعليكم أما والله لو كنتم تقولون ما أقول لأقررت أنكم أصحابي هذا أبو حنيفة له أصحاب وهذا الحسن البصري له أصحاب وأنا امرؤ من قريش قد ولدني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمت كتاب الله وفيه تبيان كل شيء بدء الخلق وأمر السماء وأمر الأرض وأمر الأولين وأمر الآخرين وأمر ما كان وأمر ما يكون كأني أنظر إلى ذلك نصب عيني.

٦ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الربيع بن محمد المسلي ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال لي ما زال سرنا مكتوما حتى

______________________________________________________

ودفن الكلام تحت الأقدام كناية عن إخفائه وكتمه ، « إنه يقول ويقول » أي لا تكرروا قوله في المجالس ولو على سبيل الذم « فإن ذلك يحمل » أي الضرر على وعليكم ، أو يغري الناس على وعليكم « لو كنتم تقولون ما أقول » أي من التقية وغيرها أو تعلنون ما أعلن « له أصحاب » أي ترونهم يسمعون قوله ويطيعون أمره مع جهالته وضلالته.

« وأنا امرؤ من قريش » وهذا شرف ، واللذان تقدم ذكرهما ليسا منهم ، « وقد ولدني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أي أنا من ولده فيدل على أن ولد البنت ولد حقيقة كما ذهب إليه جماعة من أصحابنا ، ومن قرأ ولدني على بناء التفعيل أي أخبر بولادتي وإمامتي في خبر اللوح فقد تكلف « كأني أنظر إلى ذلك نصب عيني » أي أعلم جميع ذلك من القرآن بعلم يقيني كأني أنظر إلى جميع ذلك وهي نصب عيني ، وفي القاموس : هو نصب عيني بالضم والفتح أو الفتح لحن.

الحديث السادس : مجهول.

والمراد بولد كيسان أولاد المختار الطالب بثار الحسين عليه‌السلام ، وقيل : المراد بولد كيسان : أصحاب الغدر والمكر الذين ينسبون أنفسهم من الشيعة وليسوا منهم ، في القاموس : كيسان اسم للغدر ولقب المختار بن أبي عبيد المنسوب

١٩٠

صار في يد [ ي ] ولد كيسان فتحدثوا به في الطريق وقرى السواد.

٧ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبيدة الحذاء قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول والله إن أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا وإن أسوأهم عندي حالا وأمقتهم للذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يقبله اشمأز منه وجحده وكفر من دان به وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند فيكون بذلك خارجا عن ولايتنا.

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن يحيى ، عن حريز ، عن معلى بن خنيس قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا معلى اكتم أمرنا ولا تذعه فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا وجعله نورا بين عينيه في الآخرة يقوده إلى الجنة يا معلى من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا

______________________________________________________

إليه الكيسانية. وفي الصحاح : سواد البصرة والكوفة : قراهما ، وقيل : السواد ناحية متصلة بالعراق أطول منها بخمسة وثلاثين فرسخا ، وحده في الطول من الموصل إلى عبادان ، وفي العرض من العذيب إلى حلوان ، وتسميتها بالسواد لكثرة الخضرة فيها.

الحديث السابع : صحيح.

وفي القاموس : الشمز : نفور النفس مما تكره وتشمز وتمعز وتقبض واشمأز انقبض واقشعر أو ذعر ، والشيء كرهه والمشمئز النافر الكاره والمذعور ، انتهى « وهو لا يدري » إشارة إلى قوله تعالى : « بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ » (١) ويدل على عدم جواز إنكار ما وصل إلينا من أخبارهم وإن لم تصل إليه عقولنا بل لا بد من رده إليهم حتى يبينوا.

الحديث الثامن : مختلف فيه.

وقد مر مضمونه في آخر الباب السابق وكأنه عليه‌السلام كان يخاف علي المعلى

__________________

(١) سورة يونس : ٣٩.

١٩١

ونزع النور من بين عينيه في الآخرة وجعله ظلمة تقوده إلى النار يا معلى إن التقية من ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له يا معلى إن الله يحب أن يعبد في السر كما يحب أن يعبد في العلانية يا معلى إن المذيع لأمرنا كالجاحد له.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن مروان بن مسلم ، عن عمار قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام أخبرت بما أخبرتك به أحدا قلت لا إلا سليمان بن خالد قال أحسنت أما سمعت قول الشاعر :

فلا يعدون سري وسرك ثالثا

ألا كل سر جاوز اثنين شائع

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن مسألة فأبى وأمسك ثم قال لو أعطيناكم كلما تريدون كان

______________________________________________________

القتل لما يرى من حرصه على الإذاعة ولذلك أكثر من نصيحته بذلك ومع ذلك لم تنجع نصيحته فيه وإنه قد قتل بسبب ذلك وتأتي أخبار نكال الإذاعة في بابها إنشاء الله.

الحديث التاسع : مجهول.

وقوله : أخبرت ، إما على بناء الأفعال بحذف حرف الاستفهام ، أو على بناء التفعيل بإثباته ، وفيه مدح عظيم لسليمان بن خالد إن حمل قوله أحسنت على ظاهره وإن حمل على التهكم فلا ، وهو أوفق بقوله : أو ما سمعت فإن سليمان كان ثالثا « ولا يعدون » نهي غائب من باب نصر مؤكد بالنون الخفيفة ، والمراد بالاثنين الشخصين وكون المراد بهما الشفتين فيه لطف ، لكن لا يناسب هذا الخبر فتدبر.

وقيل : كان الاستشهاد للإشعار بأن هذا مما يحكم العقل الصريح بقبحه ولا يحتاج إلى السماع عن صاحب الشرع.

الحديث العاشر : صحيح.

قوله : عن مسألة ، كأنها كانت مما يلزم التقية فيها ، أو من الأخبار الآتية

١٩٢

شرا لكم وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر قال أبو جعفر عليه‌السلام ولاية الله أسرها إلى جبرئيل عليه‌السلام وأسرها جبرئيل إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسرها محمد إلى علي عليه‌السلام وأسرها علي إلى من شاء الله ثم أنتم تذيعون ذلك من الذي أمسك حرفا سمعه قال أبو جعفر عليه‌السلام في حكمة آل داود ينبغي للمسلم أن يكون مالكا لنفسه مقبلا على شأنه ـ عارفا بأهل زمانه فاتقوا الله ولا تذيعوا حديثنا فلو لا أن الله يدافع عن أوليائه

______________________________________________________

التي لا مصلحة في إفشائها ، أو من الأمور الغامضة التي لا تصل إليها عقول أكثر الخلق ، كغرائب شؤونهم وأحوالهم عليهم‌السلام وأمثالها من المعارف الدقيقة ، و « أخذ » بصيغة المجهول عطفا على كان ، أو على صيغة التفضيل عطفا على شرا ، ونسبة الأخذ إلى الإعطاء إسناد إلى السبب ، وصاحب هذا الأمر الإمام عليه‌السلام.

« ولاية الله » أي الإمامة وشؤونها وإسرارها وعلومها ولاية الله وإمارته وحكومته ، وقيل : المراد تعيين أوقات الحوادث ، ولا يخفى ما فيه.

« إلى من شاء الله » أي الأئمة عليهم‌السلام ، « ثم أنتم » ثم للتعجب ، وقيل : استفهام إنكار « من الذي أمسك » الاستفهام للإنكار ، أي لا يمسك أحد من أهل هذا الزمان حرفا لا يذيعه ، فلذا لا نعتمد عليهم أو لا تعتمدوا عليهم.

« في حكمة آل داود » أي الزبور ، أو الأعم منه ، أي داود وآله « مالكا لنفسه » أي مسلطا عليها يبعثها إلى ما ينبغي ويمنعها عما لا ينبغي ، أو مالكا لأسرار نفسه لا يذيعها ، « مقبلا على شأنه » أي مشتغلا بإصلاح نفسه متفكرا فيما ينفعه فيجلبه ، وفيما يضره فيجتنبه.

« عارفا بأهل زمانه » فيعرف من يحفظ سره ، ومن يذيعه ، ومن تجب مودته أو عداوته ، ومن ينفعه مجالسته ومن تضره « حديثنا » أي الحديث المختص بنا عند المخالفين ومن لا يكتم السر « فلو لا » الفاء للبناء وجزاء الشرط محذوف أي لانقطعت سلسلة أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم بترككم التقية أو نحو ذلك.

١٩٣

وينتقم لأوليائه من أعدائه أما رأيت ما صنع الله بآل برمك وما انتقم الله لأبي

______________________________________________________

« أما رأيت ما صنع الله بآل برمك » أقول : دولة البرامكة وشوكتهم وزوالها عنهم معروفة في التواريخ ، وروى الصدوق (ره) في العيون بإسناده عن علي بن محمد النوفلي عن صالح بن علي ، أن السبب في وقوع موسى بن جعفر عليه‌السلام إلى بغداد ، أن هارون الرشيد أراد أن يعقد الأمر لابنه محمد بن زبيدة وكان له من البنين أربعة عشر ابنا ، واختار منهم ثلاثة محمد بن زبيدة وجعله ولي عهده وعبد الله المأمون وجعل له الأمر بعد ابن زبيدة ، والقاسم المؤتمن وجعل له الأمر بعد المأمون فأراد أن يحكم الأمر في ذلك ويشهره شهرة يقف عليها الخاص والعام فحج في سنة تسع وسبعين ومائة وكتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء والقراء والأمراء أن يحضروا مكة أيام الموسم فأخذ هو على طريق المدينة.

قال علي بن محمد النوفلي : فحدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفر عليه‌السلام وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث فساء ذلك يحيى ، وقال : إذا مات الرشيد وأفضى الأمر إلى محمد انقضت دولتي ودولة ولدي ، وتحول الأمر إلى جعفر بن محمد بن الأشعث وولده ، وكان قد عرف مذهب جعفر في التشيع فأظهر له أنه على مذهبه فسر به جعفر وأفضى إليه بجميع أموره وذكر له ما هو عليه في موسى بن جعفر عليه‌السلام فلما وقف على مذهبه سعى إلى الرشيد وكان الرشيد يرعى له موضعه وموضع أبيه من نصرة الخلافة فكان يقدم في أمره ويؤخر ويحيى لا يألو أن يخطب عليه إلى أن دخل يوما إلى الرشيد فأظهر له إكراما وجرى بينهما كلام مت به جعفر بحرمته وحرمة أبيه ، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئا حتى أمسى ، ثم قال للرشيد : يا أمير المؤمنين قد كنت أخبرك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه ، وهيهنا أمر فيه الفيصل قال : وما هو؟ قال : إنه لا يصل إليه مال من جهة من الجهات إلا أخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر ولست أشك أنه فعل ذلك في العشرين الألف الدينار التي

١٩٤

الحسن عليه‌السلام ـ وقد كان بنو الأشعث على خطر عظيم فدفع الله عنهم بولايتهم ـ لأبي

______________________________________________________

أمرت بها له.

فقال هارون : إن في هذا لفيصلا فأرسل إلى جعفر ليلا وقد كان عرف سعاية يحيى به فتباينا ، وأظهر كل واحد منهما لصاحبه العداوة فلما طرق جعفرا رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيى وإنه إنما دعاه ليقتله ، فأفاض عليه ماء ودعا بمسك وكافور فتحنط بهما ، ولبس بردة فوق ثيابه وأقبل إلى الرشيد فلما وقعت عليه عينه وشم رائحة الكافور ورأى البردة عليه.

قال : يا جعفر ما هذا؟ فقال : يا أمير المؤمنين قد علمت أنه سعى بي عندك فلما جاءني رسولك في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد قدح في قلبك ما يقال علي ، فأرسلت إلى لتقتلني ، فقال : كلا ولكن خبرت إنك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل ما يصير إليك بخمسة ، وإنك قد فعلت ذلك في العشرين الألف الدينار فأحببت أن أعلم ذلك.

فقال جعفر : الله أكبر يا أمير المؤمنين تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها ، فقال الرشيد لخادم له : خذ خاتم جعفر ، وانطلق به حتى تأتيني بهذا المال وسمى له جعفر جاريته التي عندها المال فدفعت إليه البدر بخواتيمها فأتى بها الرشيد فقال له جعفر : هذا أول ما تعرف به كذب من سعى بي إليك ، قال : صدقت يا جعفر انصرف آمنا فإني لا أقبل فيك قول أحد ، قال : وجعل يحيى يحتال في إسقاط جعفر.

قال النوفلي : فحدثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي ، عن بعض مشايخه ، وذلك في حجة الرشيد قبل هذه الحجة ، فقال : لقيني علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد ، فقال لي : ما لك قد أخملت نفسك؟ ما لك لا تدبر أمر الوزير ، فقد أرسل إلى فعادلته وطلبت الحوائج إليه ، وكان سبب ذلك أن يحيى بن خالد قال ليحيى بن أبي مريم : ألا تدلني على رجل من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا فأوسع له منها؟ قال : بلى أدلك على رجل بهذه الصفة ، وهو علي بن إسماعيل بن جعفر.

١٩٥

الحسن عليه‌السلام وأنتم بالعراق ترون أعمال هؤلاء الفراعنة وما أمهل الله لهم فعليكم بتقوى الله ولا « تَغُرَّنَّكُمُ [ الْحَياةُ ] الدُّنْيا » ولا تغتروا بمن قد أمهل له فكأن الأمر

______________________________________________________

فأرسل إليه يحيي فقال : أخبرني عن عمك وعن شيعته والمال الذي يحمل إليه ، فقال له : عندي الخبر فسعى بعمه ، فكان في سعايته أن قال : إن من كثرة المال عنده أنه اشترى ضيعة تسمى البشرية بثلاثين ألف دينار ، فلما أحضر المال قال البائع : لا أريد هذا النقد أريد نقد كذا وكذا ، فأمر بها فصبت في بيت ماله ، وأخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد ووزنه من ثمن الضيعة.

قال النوفلي : قال أبي : وكان موسى بن جعفر عليه‌السلام يأمر بالمال لعلي بن إسماعيل ويثق به حتى ربما خرج الكتاب منه إلى بعض شيعته بخط علي بن إسماعيل ، ثم استوحش منه فلما أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفر عليه‌السلام أن عليا ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق ، فأرسل إليه : ما لك والخروج مع السلطان؟ قال : لأن علي دينا ، فقال : دينك علي ، قال : وتدبير عيالي؟ قال : أنا أكفيهم ، فأبى إلا الخروج ، فأرسل إليه مع أخيه محمد بن إسماعيل بن جعفر بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم ، فقال : اجعل هذا في جهازك ولا توتم ولدي.

وأقول : في بعض الأخبار أنه عليه‌السلام لما حبسه الرشيد لعنه الله أمر السندي بن شاهك عليه اللعنة فسمه ، وفي بعضها تولى ذلك الفضل بن يحيى البرمكي ، وأوردت تفصيل تلك القصص في الكتاب الكبير ، وقد مر خبر علي بن إسماعيل وسعايته في باب مولد موسى صلوات الله عليه « وما انتقم لأبي الحسن » أي الكاظم صلوات الله عليه أي من البرامكة ، ومن علي بن إسماعيل أيضا كما مر في قصته.

« ترون أعمال هؤلاء الفراعنة » أي بني عباس وأتباعهم ، والحاصل أنه تعالى قد ينتقم لأوليائه من أعدائه وقد يمهلهم إتماما للحجة عليهم.

فاتقوا الله في الحالتين ولا تذيعوا سرنا ولا تغتروا بالدنيا وحبها ، فيصير سببا

١٩٦

قد وصل إليكم.

١١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن عمر بن أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طوبى لعبد نومة عرفه الله ولم يعرفه الناس أولئك مصابيح الهدى ـ وينابيع

______________________________________________________

للإذاعة للأغراض الباطلة ، أو للتوسل بالمخالفين لتحصيل الدنيا أو باليأس عن الفرج استبطاء « فكان الأمر قد وصل إليكم » بشارة بقرب ظهور أمر القائم عليه‌السلام وبيان لتيقن وقوعه.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

قال في النهاية : في حديث علي عليه‌السلام أنه ذكر آخر الزمان والفتن ، ثم قال : خير أهل ذلك الزمان كل مؤمن نومة ، النومة بوزن الهمزة : الخامل الذكر ، الذي لا يؤبه له ، وقيل : الغامض في الناس الذي لا يعرف الشر وأهله وقيل : النومة بالتحريك : الكثير النوم ، وأما الخامل الذي لا يؤبه له فهو بالتسكين.

ومن الأول حديث ابن عباس أنه قال لعلي : ما النومة؟ قال : الذي يسكت في الفتنة فلا يبدو منه شيء ، انتهى.

وقوله : عرفه الله ، على بناء المجرد كأنه تفسير للنومة ، أي عرفه الله فقط دون الناس ، أو عرفه الله بالخير والإيمان والصلاح ، أي اتصف بها واقعا ولم يعرفه الناس بها.

ويمكن أن يقرأ على بناء التفعيل أي عرفه الله نفسه وأولياءه ودينه بتوسط حججه عليهم‌السلام ولم تكن معرفته من الناس أي من سائر الناس ممن لا يجوز أخذ العلم عنه لكنه بعيد.

« أولئك مصابيح الهدى » أولئك : إشارة إلى جنس عبد النومة وفيه إشارة إلى أن المراد بالناس الظلمة والمخالفون لا أهل الحق من المؤمنين المسترشدين ،

١٩٧

العلم ينجلي عنهم كل فتنة مظلمة ليسوا بالمذاييع البذر ولا بالجفاة المراءين.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي الحسن الأصبهاني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام طوبى لكل عبد نومة

______________________________________________________

وهذا وجه جمع حسن بين أخبار مدح العزلة كهذا الخبر وذمها ، وهو أيضا كثير.

أو باختلاف الأزمنة والأحوال ، فإنه يومئ إليه أيضا هذا الخبر ، وكذا قوله : « وينابيع العلم » فإنه يدل على انتفاع الناس بعلمهم « ينجلي » أي ينكشف ويذهب « عنهم كل فتنة مظلمة » أي الفتنة التي توجب اشتباه الحق والدين على الناس ، وانجلاؤها عنهم كناية عن عدم صيرورتها سببا لضلالتهم ، بل هم مع تلك الفتن المضلة على نور الحق واليقين.

« ليسوا بالمذاييع البذر » قال في النهاية : في حديث فاطمة عند وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت لعائشة : إني إذا لبذرة ، البذر الذي يفشي السر ويظهر ما يسمعه ، ومنه حديث علي عليه‌السلام في صفة الصحابة : ليسوا بالمذاييع البذر جمع بذور يقال : بذرت الكلام بين الناس كما تبذر الحبوب ، أي أفشيته وفرقته ، وقال : المذاييع ، جمع مذياع ، من أذاع الشيء إذا أفشاه ، وقيل : أراد الذين يشيعون الفواحش ، وهو بناء مبالغة.

وقال : الجفاء ، غلظ الطبع ومنه في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بالجافي ولا بالمهين : أي ليس بالغليظ الخلقة والطبع ، أو ليس بالذي يجفو أصحابه ، وفي القاموس البذور والبذير النمام ومن لا يستطيع كتم سره ورجل بذر ككتف : كثير الكلام انتهى.

وقيل : الجافي هو الكز الغليظ السيء الخلق كأنه جعله لانقباضه مقابلا لمنبسط اللسان الكثير الكلام ، والمراد النهي عن طرفي الإفراط والتفريط ولزوم الوسط.

الحديث الثاني عشر : مجهول.

وقال في النهاية : فيه رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لابر

١٩٨

لا يؤبه له يعرف الناس ولا يعرفه الناس يعرفه الله منه برضوان أولئك مصابيح الهدى ينجلي عنهم كل فتنة مظلمة ويفتح لهم باب كل رحمة ليسوا بالبذر المذاييع ولا الجفاة المراءين وقال قولوا الخير تعرفوا به واعملوا الخير تكونوا من أهله ولا تكونوا عجلا مذاييع فإن خياركم الذين إذا نظر إليهم ذكر الله وشراركم المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة المبتغون للبرآء المعايب.

______________________________________________________

قسمه ، أي لا يبالي به ولا يلتفت إليه ، يقال : ما وبهت له بفتح الباء وكسرها وبها ووبها بالسكون والفتح وأصل الواو الهمزة ، انتهى.

« يعرف الناس » أي محقهم ومبطلهم فلا ينخدع منهم « يعرفه الله » كان بناء التفعيل هنا أظهر ، وقوله « منه » متعلق بيعرفه ، أي من عنده ومن لدنه ، كما أراد بسبب رضاه عنه أو متلبسا برضاه ، وربما يقرأ منه بفتح الميم وتشديد النون أي نعمته التي هي الإمام أو معرفته.

« ويفتح لهم باب كل رحمة » أي من رحمات الدنيا والآخرة ، كالفوائد الدنيوية والتوفيقات الأخروية والإفاضات الإلهية والهدايات الربانية « وقولوا الخير تعرفوا به » أي لتعرفوا به أو قولوه كثيرا حتى تصيروا معروفين بقول الخير ، وعلى الأول مبني على أن الخير مما يستحسنه العقل وكفى بالمعروفية به ثمرة لذلك ، وكذا الوجهان جاريان في الفقرة الأخيرة ، والعجل بضمتين جمع العجول : وهو المستعجل في الأمور الذي لا يتفكر في عواقبها.

« الذين إذا نظر إليهم ذكر الله » على بناء المجهول فيهما أي يكون النظر في أعمالهم وأطوارهم لموافقتها للكتاب والسنة وإشعارها بفناء الدنيا وإيذانها بإيثار رضى الله وحبه مذكرا لله سبحانه وثوابه وعقابه.

وفي القاموس : النم التوريش والإغراء ورفع الحديث إشاعة له وإفسادا وتزيين الكلام بالكذب والنميمة : الاسم « المفرقون بين الأحبة » بنقل حديث بعضهم إلى

١٩٩

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى عمن أخبره قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام كفوا ألسنتكم والزموا بيوتكم فإنه لا يصيبكم أمر تخصون به أبدا ولا تزال الزيدية لكم وقاء أبدا.

١٤ ـ عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي الحسن صلوات الله عليه قال إن

______________________________________________________

بعض صدقا أو كذبا ليصير سبب العداوة بينهم وأمثال ذلك « المبتغون للبراء المعايب » أي الطالبون لمن برأ من العيب مطلقا أو ظاهر العيوب الخفية ليظهروه للناس ، أو يفتروا عليهم حسدا وبغيا ، وفي القاموس : بريء المريض فهو بارئ وبريء والجمع ككرام ، وبرأ من الأمر يبرء ويبرء نادر ، براء وبراءة وبروءا تبرأ ، وإبراك منه وبرأك وأنت بريء والجمع بريئون وكفقهاء وكرام وأشراف وأنصباء ورخال.

الحديث الثالث عشر : مرسل.

« كفوا ألسنتكم » أي عن إفشاء السر عند المخالفين وإظهار دينكم والطعن عليهم « وألزموا بيوتكم » أي لا تخالطوا الناس كثيرا فتشتهروا « فإنه لا يصيبكم » أي إذا استعملتم التقية كما ذكر لا يصيبكم « أمر » أي ضرر من المخالفين « تخصون به » أي يكون مخصوصا بالشيعة الإمامية فإنهم حينئذ لا يعرفونكم بذلك وهم إنما يطلبون من ينكر مذهبهم مطلقا من الشيعة وأنتم محفوظون في حصن التقية والزيدية لعدم تجويزهم التقية وطعنهم على أئمتنا بها يجاهرون بمخالفتهم فالمخالفون يتعرضون لهم ويغفلون عنكم ولا يطلبونكم فهم وقاء لكم.

وفي المصباح : الوقاء مثل كتاب : كل ما وقيت به شيئا ، وروى أبو عبيد عن الكسائي الفتح في الوقاية والوقاء أيضا ، انتهى.

وقيل : المراد أنهم يظهرون ما تريدون إظهاره فلا حاجة لكم إلى إظهاره حتى تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.

الحديث الرابع عشر : صحيح.

٢٠٠