مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٥

من حين يخرج من منزله حتى يعود إليه ينادونه ألا طبت وطابت لك الجنة تبوأت من الجنة منزلا.

١٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لقاء الإخوان مغنم جسيم وإن قلوا.

(باب المصافحة)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن يحيى بن زكريا ، عن أبي عبيدة قال كنت زميل أبي جعفر عليه‌السلام وكنت أبدأ بالركوب ثم يركب هو فإذا استوينا سلم وساءل مساءلة رجل لا عهد له بصاحبه

______________________________________________________

سنة خمسين ومائة لكن قد مر مثله في أول الباب عن أبي حمزة عن أبي عبد الله ، فيمكن أن يكون هو المراد بالعبد الصالح ، أو يكون اشتباها من الرواة ، وفي النهاية : بوأه الله منزلا أي أسكنه إياه وتبوأت منزلا اتخذته ، انتهى.

والتنوين في منزلا كأنه للتعظيم.

الحديث السادس عشر : ضعيف على المشهور.

والمغنم الغنيمة وهي الفائدة ، قوله عليه‌السلام : وإن قلوا أي وإن كان الإخوان الذين يستحقون الأخوة قليلين ، أو وإن لاقي قليل منهم والأول أظهر.

باب المصافحة

الحديث الأول : مجهول.

وقال الفيروزآبادي : الزميل كأمير الرديف كالزمل بالكسر ، وزمله أردفه أو عادلة ، وقال : المصافحة الأخذ باليد كالتصافح ويدل على استحباب إيثار الزميل للركوب أولا والابتداء بالنزول آخرا وكأنه لسهولة الأمر على الزميل في الموضعين ،

٦١

وصافح قال وكان إذا نزل نزل قبلي فإذا استويت أنا وهو على الأرض سلم وساءل مساءلة من لا عهد له بصاحبه ـ فقلت يا ابن رسول الله إنك لتفعل شيئا ما يفعله أحد من قبلنا وإن فعل مرة فكثير فقال أما علمت ما في المصافحة إن المؤمنين يلتقيان فيصافح أحدهما صاحبه فلا تزال الذنوب تتحات عنهما كما يتحات الورق عن الشجر والله ينظر إليها حتى يفترقا.

٢ ـ عنه ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبي خالد القماط ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن المؤمنين إذا التقيا وتصافحا أدخل الله يده بين أيديهما فصافح

______________________________________________________

فإن الركوب أولا في المحمل أسهل لأنه ينحط كثيرا وكذا النزول أخيرا أسهل لذلك.

قوله : لا عهد له بصاحبه ، أي لم يره قبل ذلك قريبا قال في المصباح : عهدته بمكان كذا لقيته وعهدي به قريب أي لقائي ، وعهدت الشيء ترددت إليه وأصلحته ، وحقيقته تجديد العهد به ، وفي النهاية : تحاتت عنه ذنوبه تساقطت.

وأقول : في المعصوم يكون بدل ذلك رفع الدرجات أو تساقط ذنوب شيعتهم ببركتهم ، كما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الله حملني ذنوب شيعة علي فغفرها لي ، أو تسقط ترك الأولى والمباحات عنهم ويثبت لهم بدلها الحسنات ، فيرجع إلى الأول ، ونظر الله إليهما كناية عن شمول رحمته لهما.

الحديث الثاني : موثق.

قوله عليه‌السلام : بين أيديهما كأنه أطلق الجمع على التثنية مجازا وذلك لاستثقالهم اجتماع التثنيتين ، قال الشيخ الرضي رضي‌الله‌عنه : ثم لفظ الجمع فيه أي في إضافة الجزئين إلى متضمنيهما أولى من الأفراد ، كقوله تعالى : « فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما » (١) وذلك لكراهتهم في الإضافة اللفظية الكثيرة الاستعمال اجتماع تثنيتين مع اتصالهما لفظا

__________________

(١) سورة التحريم : ٤.

٦٢

أشدهما حبا لصاحبه.

٣ ـ ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أيوب ، عن السميدع ، عن مالك بن أعين الجهني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أدخل الله عز وجل يده بين أيديهما وأقبل بوجهه على أشدهما حبا لصاحبه فإذا أقبل الله عز وجل بوجهه عليهما تحاتت عنهما الذنوب كما يتحات الورق من الشجر.

______________________________________________________

ومعنى مع عدم اللبس بترك التثنية ، فإن أدى إلى اللبس لم يجز إلا التثنية عند الكوفيين وهو الحق كما يجيء ، تقول : قلعت عينيهما إذا قلعت من كل واحد عينا ، وأما قوله تعالى : « فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما » (١) فإنه أراد إيمانهما بالخبر والإجماع ، وفي قراءة ابن مسعود فاقطعوا إيمانهما وإنما اختير الجمع على الأفراد لمناسبة التثنية في أنه ضم مفرد إلى شيء آخر ولذلك قال بعض الأصوليين : أن المثنى جمع ، انتهى.

فإن قيل : الالتباس هنا حاصل؟ قلنا : لا التباس لأن العرف شاهد بأن التصافح بيد واحدة فظهر خطأ بعض الأفاضل حيث قال هنا : يدل الخبر على استحباب التصافح باليدين ، مع أن الأنسب حينئذ يديه ، ثم إن المراد باليد هنا الرحمة كما هو الشائع ، أو هو استعارة تمثيلية.

الحديث الثالث : مجهول.

والشيخ في الرجال عد سميدع الهلالي من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وقال في المغرب : السميدع بفتح أوله والميم وسكون الياء وفتح الدال هو ابن راهب بن سوار بن الزهدم الجرمي البصري ثقة في التاسعة ، وفي القاموس بفتح السين والميم وبعدها ياء مثناة تحتية ولا يضم فإنه خطأ : السيد الشريف السخي واسم رجل ، انتهى.

وإقبال الوجه كناية عن غاية اللطف والرحمة.

قوله عليه‌السلام : فإذا أقبل الله عز وجل عليهما ، أي إذا كانا متساويين في شدة

__________________

(١) سورة المائدة : ٣٨.

٦٣

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أقبل الله عز وجل عليهما بوجهه وتساقطت عنهما الذنوب كما يتساقط الورق من الشجر.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبيدة الحذاء قال زاملت أبا جعفر عليه‌السلام في شق محمل من المدينة إلى مكة فنزل في بعض الطريق فلما قضى حاجته وعاد قال هات يدك يا أبا عبيدة فناولته يدي فغمزها حتى وجدت الأذى في أصابعي ثم قال يا أبا عبيدة ما من مسلم لقي أخاه المسلم فصافحه وشبك أصابعه في أصابعه إلا تناثرت عنهما ذنوبهما كما يتناثر الورق من الشجر في اليوم الشاتي.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن يحيى الحلبي ، عن

______________________________________________________

الحب أو عبر عن الإقبال بالوجه إلى الأشد كذلك إشعارا بأن الإقبال يكون لهما معا ، لكن يكون للأشد حبا أكثر كما يدل عليه الخبر الآتي.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور بسهل ولا يضر عندي ضعفه.

وكان المراد بالتشبيك هنا أخذ أصابعه بأصابعه فإنهما تشبهان الشبكة لا إدخال الأصابع في الأصابع كما زعم ، واليوم الشاتي الشديد البرد ، أو هو كناية عن يوم الريح للزومه لها غالبا ، وعلى التقديرين الوصف لأن تناثر الورق في مثله أكثر ، قال في المصباح : شتا اليوم فهو شات من باب قتل إذا اشتد برده ، ويدل الخبر على استحباب الغمز في المصافحة ، ولكن ينبغي أن يقيد بما إذا لم يصل إلى حد اشتمل على الإيذاء.

الحديث السادس : حسن.

لأن هذا الخبر يدل على مدحه وإن كان راويه نفسه ، لأنه يدل على أنه

٦٤

مالك الجهني قال قال أبو جعفر عليه‌السلام يا مالك أنتم شيعتنا ألا ترى أنك تفرط في أمرنا إنه لا يقدر على صفة الله فكما لا يقدر على صفة الله كذلك لا يقدر على صفتنا وكما لا يقدر على صفتنا كذلك لا يقدر على صفة المؤمن إن المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما كما يتحات الورق من الشجر حتى يفترقا فكيف يقدر على صفة من هو كذلك.

______________________________________________________

كان مظهرا للتشيع مذعنا به ، والجهني بضم الجيم وفتح الهاء.

« لا ترى » وفي بعض النسخ ألا ترى على الاستفهام « أنك تفرط » على بناء الأفعال أو التفعيل ، فعلى الأولى من النسختين والوجهين ظاهره أنه نهى في صورة النفي أي لا تظن أنك تفرط وتغلو في أمرنا بما اعتقدت من كمالنا وفضلنا ، فإنك كلما بالغت في وصفنا وتعظيمنا ومدحنا فأنت بعد مقصرا ولا تظن أن إفراطك في أمرنا أخرجك من التشيع بل هو دليل على تشيعك ثم لما كان لقائل أن يقول : أن الإفراط في الأمر مذموم فكيف تمدحه به؟ فأزال ذلك بكلام مستأنف حاصله أنهم كلما وصفوا به من الكمال فهو دون مرتبتهم ، لأنهم ممن لا يقدر قدرهم كما أن الله سبحانه لن يقدر قدره بل لا يمكنكم معرفة قدر المؤمن من شيعتنا فكيف تقدرون على معرفة قدرنا ، وعلى الاستفهام أيضا يرجع إلى ذلك ، فإن المعنى ألست تزعم أنك تبالغ في أمرنا لا تزعم ذلك فإنه لا يقدر. إلى آخر ما مر.

وعلى الوجهين محمول على ما إذا لم يبلغ حد الغلو والارتفاع ، وإذا كان تفرط على بناء التفعيل فالمعنى لا تظن أنك تقصر في معرفتنا فإنها فوق طاقتكم ، ولا تقدرون على ذلك وإنما كلفتم بقدر عقولكم ، و « لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها » ، فكما لم تكلفوا كمال معرفة الله فكذا لم تكلفوا كمال معرفتنا والاستفهام أيضا يرجع إلى ذلك كما عرفت.

٦٥

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن محمد بن فضيل ، عن أبي حمزة قال زاملت أبا جعفر عليه‌السلام فحططنا الرحل ثم مشى قليلا ثم جاء فأخذ بيدي فغمزها غمزة شديدة فقلت جعلت فداك أوما كنت معك في المحمل فقال أما علمت أن المؤمن إذا جال جولة ثم أخذ بيد أخيه نظر الله إليهما بوجهه فلم يزل مقبلا عليهما بوجهه ويقول للذنوب تحات عنهما فتتحات يا أبا حمزة ـ كما يتحات الورق عن الشجر فيفترقان وما عليهما من ذنب.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن حد المصافحة فقال دور نخلة.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن عمرو بن الأفرق ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ينبغي للمؤمنين إذا توارى أحدهما

______________________________________________________

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

وفي المصباح : الرحل كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير ، وحلس ورسن وجمعه أرحل ورحل الشخص مأواه في الحضر ، ثم الطلق على أمتعة المسافر لأنها هناك مأواه ، وقال : جال الفرس في الميدان تجول جولة وجولانا قطع جانبه ، وجالوا في الحرب جولة جال بعضهم على بعض ، وجال في البلاد طاف غير مستقر فيها ، انتهى.

وظاهره أنه يكفي لاستحباب تجديد المصافحة المشي قليلا والافتراق وإن لم يغب أحدهما عن الآخر.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح.

ويدل على أنه يكفي لاستحباب تجديد المصافحة غيبة أحدهما عن صاحبه ، ولو بنخلة أو شجرة كما سيأتي ، ويمكن حمل الخبر السابق أيضا على الغيبة أو يقال يكفي إما غيبة ما أو تباعد ما.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور ومعتبر عندي وفي فهرست « جش »

٦٦

عن صاحبه بشجرة ثم التقيا أن يتصافحا.

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابه ، عن محمد بن المثنى ، عن أبيه ، عن عثمان بن زيد ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه وليصافحه فإن الله عز وجل أكرم بذلك الملائكة فاصنعوا صنع الملائكة.

١١ ـ عنه ، عن محمد بن علي ، عن ابن بقاح ، عن سيف بن عميرة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا التقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار.

١٢ ـ عنه ، عن موسى بن القاسم ، عن جده معاوية بن وهب أو غيره ، عن رزين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان المسلمون إذا غزوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومروا بمكان كثير الشجر ثم خرجوا إلى الفضاء نظر بعضهم إلى بعض فتصافحوا.

١٣ ـ عنه ، عن أبيه عمن حدثه ، عن زيد بن الجهم الهلالي ، عن مالك بن أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إذا صافح الرجل صاحبه فالذي يلزم التصافح أعظم أجرا من الذي يدع ألا وإن الذنوب لتتحات فيما بينهم حتى لا يبقى ذنب.

______________________________________________________

عمر بدون الواو ووثقه.

الحديث العاشر : مرسل.

« أكرم بذلك الملائكة » أي إذا لقي بعضهم بعضا يسلمون ويصافحون أو لقوا المؤمنون فعلوا ذلك ، والأول أظهر.

الحديث الحادي عشر : ضعيف « بالاستغفار » بأن يقول : غفر الله لك مثلا.

الحديث الثاني عشر : مجهول « نظر بعضهم إلى بعض » أي بالمودة.

الحديث الثالث عشر : مرسل.

ويدل على استحباب عدم جذب اليد حتى يجذب صاحبه ولعله محمول على ما إذا لم يمتد كثيرا فيمل.

٦٧

١٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن إسحاق بن عمار قال دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فنظر إلي بوجه قاطب فقلت ما الذي غيرك لي قال الذي غيرك لإخوانك بلغني يا إسحاق أنك أقعدت ببابك بوابا يرد عنك فقراء الشيعة فقلت جعلت فداك إني خفت الشهرة فقال أفلا خفت البلية أوما علمت أن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل الله عز وجل الرحمة عليهما فكانت تسعة وتسعون لأشدهما حبا لصاحبه فإذا توافقا غمرتهما الرحمة فإذا قعدا يتحدثان قال الحفظة بعضها لبعض اعتزلوا بنا فلعل لهما سرا وقد ستر الله عليهما فقلت أليس الله عز وجل يقول : « ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ

______________________________________________________

الحديث الرابع عشر : ضعيف على المشهور.

في القاموس قطب يقطب قطبا وقطوبا فهو قاطب وقطوب : زوى ما بين عينيه وكلح كقطب ، قوله عليه‌السلام : فكانت تسعة وتسعين ، تسعة اسم كان ، وكان الأنسب تسعون كما في بعض نسخ الحديث ، وفي نسخ الكتاب وتسعين فالواو بمعنى مع ، وليس في بعض الروايات « فكانت » فيستقيم من غير تكلف.

وقال تعالى : « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ، ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ » قال الطبرسي (ره) : حبل الوريد هو عرق يتفرق في البدن ، أو عرق الحلق ، أو عرق متعلق بالقلب والمتلقيان الملكان يأخذان منه عمله فيكتبانه كما يكتب المملي عليه ، والمراد بالقعيد الملازم الذي لا يبرح ، وقيل : عن اليمين كاتب الحسنات وعن الشمال كاتب السيئات وقيل : الحفظة أربعة ، ملكان بالنهار وملكان بالليل « ما يَلْفِظُ » أي ما يتكلم بكلام فيلفظه أي يرميه من فيه « إِلاَّ لَدَيْهِ » حافظ حاضر معه والرقيب الحافظ والعتيد المعد للزوم الأمر ، يعني الملك الموكل به إما صاحب اليمين وإما صاحب الشمال ، يحفظ عمله لا يغيب عنه والهاء في لديه تعود إلى القول أو إلى

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

القائل ، انتهى.

قوله : فإن عالم السر يعلم ، أي يكفي لصدق الآية اطلاع الرب تعالى وهو الرقيب على عباده ، وقد قال سبحانه قبل ذلك : « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ».

وأقول : قد روي في ثواب الأعمال هذه الرواية أبسط من ذلك فلا بأس بنقله.

روي بسند آخر عن إسحاق قال : كنت بالكوفة فيأتيني إخوان كثيرة وكرهت الشهرة فتخوفت أن أشتهر بديني فأمرت غلامي كلما جاءني رجل منهم يطلبني قال ليس هو هيهنا ، قال : فحججت تلك السنة فلقيت أبا عبد الله عليه‌السلام فرأيت منه ثقلا وتغيرا فيما بيني وبينه ، قال : قلت جعلت فداك ما الذي غيرني عندك؟ قال : الذي غيرك للمؤمنين ، قلت : جعلت فداك إنما تخوفت الشهرة وقد علم الله شدة حبي لهم ، فقال : يا إسحاق لا تمل زيارة إخوانك فإن المؤمن إذا لقي أخاه المؤمن فقال له : مرحبا كتب له مرحبا إلى يوم القيامة ، فإذا صافحه أنزل الله فيما بين إبهامهما مائة رحمة تسعة وتسعون لأشدهم لصاحبه حبا ثم أقبل الله عليهما بوجهه فكان على أشدهما حبا لصاحبه أشد إقبالا ، فإذا تعانقا غمرتها الرحمة فإذا لبثا لا يريدان إلا وجهه لا يريدان غرضا من غرض الدنيا قيل لهما : غفر لكما فاستأنفا ، فإذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضهم لبعض : تنحوا عنهما فإن لهما سرا وقد ستره الله عليهما.

قال إسحاق : قلت له : جعلت فداك لا يكتب علينا لفظنا وقد قال الله تعالى : « ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ »؟ قال : فتنفس ابن رسول الله الصعداء (١) قال : ثم بكى حتى خضبت دموعه لحيته ، وقال : يا إسحاق إن الله تعالى إنما نادى الملائكة أن يغيبوا عن المؤمنين إذا التقيا إجلالا لهما ، فإذا كانت الملائكة لا تكتب

__________________

(١) الصعداء : التنفّس الطويل من همّ أو تعب.

٦٩

رَقِيبٌ عَتِيدٌ » (١) فقال يا إسحاق إن كانت الحفظة لا تسمع فإن عالم السر يسمع ويرى.

١٥ ـ عنه ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أيمن بن محرز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما صافح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا قط فنزع يده حتى يكون هو الذي ينزع يده منه.

١٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن ربعي ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : إن الله عز وجل لا يوصف وكيف يوصف وقال في

______________________________________________________

كتابه : « وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ » (٢) فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك ، وإن لفظهما ولا تعرف كلامهما فقد يعرفه الحافظ عليهما عالم السر وأخفى ، يا إسحاق فخف الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك ، فإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت ، وإن كنت تعلم أنه يراك ثم استترت عن المخلوقين بالمعاصي وبرزت له بها فقد جعلته في حد أهون الناظرين إليك.

وأقول : إنما أوردت هذا الخبر لأنه كالشرح لهذه الرواية وسائر روايات هذا الباب.

الحديث الخامس عشر : كالسابق.

ويدل على استحباب عدم نزع اليد قبل صاحبه كما مر.

الحديث السادس عشر : حسن كالصحيح.

« وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ » أي ما عظموا الله حق تعظيمه أو ما عرفوا الله حق معرفته ، وما وصفوا الله حق وصفه كما هو الظاهر من هذا الخبر « فلا يوصف بقدرة » (٣) كأنه خص القدرة بالذكر لأنها التي يمكن أن تعقل في الجملة من صفاته سبحانه ،

__________________

(١) سورة ق : ١٨.

(٢) سورة الحجّ : ٧٤.

(٣) وفي المتن « بقدر » وهو أصحّ كما يأتي في كلام الشارح (ره) أيضا.

٧٠

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يوصف وكيف يوصف عبد احتجب الله عز وجل بسبع وجعل طاعته في الأرض كطاعته في السماء فقال « وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » ومن أطاع هذا فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني وفوض إليه وإنا

______________________________________________________

أو هو على المثال ويمكن أن يقرأ بالفتح أي بقدر ، وقد مر هذا الجزء من الخبر في كتاب التوحيد ، وفيه بقدر وهو أصوب.

قوله عليه‌السلام : احتجب الله بسبع ، أقول : هذه العبارة تحتمل وجوها شتى نذكر بعضها « الأول » ما ذكره بعض العارفين : أنه قد ورد في الحديث أن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره ، وعلى هذا فيحتمل أن يكون معنى قوله عليه‌السلام : احتجب الله بسبع أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ارتفع الحجب بينه وبين الله تعالى حتى بقي من السبعين ألف سبع ، أقول : كأنه قرأ الجلالة بالرفع وقدر العائد أي احتجب الله عنه بسبع.

الثاني : أن يقرأ بالرفع أيضا ويكون تمهيدا لما بعده أي احتجب الله عن الخلق بسبع سماوات وجعله خليفة في عباده ، وناط طاعته بطاعته وفوض إليه أمور خلقة بمنزلة ملك جعل بينه وبين رعيته سبعة حجب وأبواب لم يمكنهم الوصول إليه بوجه ، وبعث إليهم وزيرا ونصب عليهم حاكما وكتب إليهم كتابا ، تضمن وجوب طاعته وأن كل من له حاجة فليرجع إليه فإن قوله قولي وأمره أمري وحكمه حكمي ، فاحتجابه بالسبع كناية عن عدم ظهور وحيه وأمره ونهيه وتقديراته إلا من فوق سبع سماوات وإنما يظهر لنا جميع ذلك ببيانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا وجه وجيه خطر ببالي القاصر سالفا ، وإن وافقني على بعضه بعض.

الثالث : أن يكون سياقه كما مر في الوجه السابق لكن يكون المعنى أنه حجب ذاته عن الخلق بسبع من الحجب النورانية وهي صفاته الكمالية التي لا تصل الخلق إليها أو التنزيهية التي صارت أسبابا لاحتجابه عن عقول الخلق وأحلامهم ،

٧١

لا نوصف وكيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس وهو الشك والمؤمن لا يوصف وإن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما كما يتحات الورق عن الشجر.

١٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن فضيل بن عثمان ، عن أبي عبيدة قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إذا التقى المؤمنان فتصافحا أقبل الله بوجهه عليهما وتتحات الذنوب عن وجوههما حتى يفترقا.

______________________________________________________

وجعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معرفا لذاته وصفاته وأوامره ونواهيه لجميع الخلق ، وهذا أيضا مما سنح لي.

الرابع : أن يقرأ الجلالة بالنصب أي احتجب مع الله عن الخلق فوق سبع سماوات أو سبعة حجب بعد السماوات فكلمه الله وناجاه هناك ، وفيه بعد لفظا ، وقال بعضهم : لعل المراد أنه لا يمكن أن يوصف عبد اتخذه الله عز وجل حجابا بسبع سماوات وسبع أرضين وجهه إليه يستفيض منه ووجهه إلى الممكنات يفيض عليها ، أو اتخذه حجابا بسبع صفات الذات لكونه مظهرها وانكشافها له ، وهي حجب نورانية لو انكشف وصف منها لأضاء أنوار الهداية كل ملتبس فصار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بانكشافها له حجابا نورانيا مثلها ، أو أزال عنه الحجاب بسبع سماوات وسبع أرضين على أن تكون الهمزة للسلب ، فقد ترفع قدره من المجردات الملكوتية والملائكة اللاهوتية ، وتنزه قلبه من العوائق البشرية والعلائق الناسوتية ، ويمكن أن يكون إشارة إلى ما وصل إليه من حجب المعراج ، انتهى.

ولا يخفى ما في الجميع من الخبط والتشويش لا سيما في همزة السلب ، وقد مر معنى التفويض في بابه.

قوله عليه‌السلام : وهو الشك أي لا يعتريهم شك في شيء مما يسألون أو يقولون بل يعلمون جميع ذلك بعين اليقين ، وهذه درجة رفيعة تقصر العقول عن إدراكها.

الحديث السابع عشر : صحيح وقد مر.

٧٢

١٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال تصافحوا فإنها تذهب بالسخيمة.

١٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حذيفة فمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يده فكف حذيفة يده فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يا حذيفة بسطت يدي إليك فكففت يدك عني فقال حذيفة يا رسول الله بيدك الرغبة ولكني كنت جنبا فلم أحب أن تمس يدي يدك وأنا جنب فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أما تعلم أن المسلمين إذا التقيا فتصافحا تحاتت ذنوبهما كما يتحات ورق الشجر.

٢٠ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن إسحاق بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن الله عز وجل لا يقدر أحد قدره وكذلك لا يقدر

______________________________________________________

الحديث الثامن عشر : ضعيف على الأشهر.

والسخيمة الضغينة والحقد والموجدة في النفس.

الحديث التاسع عشر : كالسابق.

« بيدك الرغبة » كان الباء بمعنى في أي يرغب جميع الخلق في مصافحة يدك الكريمة ، وقيل : الباء للسببية والرغبة بمعنى المرغوب ، أي يحصل بسبب يدك مرغوب الخلائق وهو الجنة وهو تكلف بعيد.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما تعلم؟ ظاهره أن الجنابة لا تمنع مصافحة المعصومين عليهم‌السلام ، ويمكن أن يكون عذره مقبولا لكن لما علم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه عدم اهتمامه في أمر المصافحة حثه عليها بذلك ، ويؤيده ما روي أن أبا بصير دخل جنبا على الصادق عليه‌السلام فقال : هكذا تدخل بيوت الأنبياء؟.

الحديث العشرون : موثق.

« لا يقدر » على بناء الفاعل كيضرب وقدره منصوب ومفعول مطلق للنوع ، أي

٧٣

قدر نبيه وكذلك لا يقدر قدر المؤمن إنه ليلقى أخاه فيصافحه فينظر الله إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يفترقا كما تتحات الريح الشديدة الورق عن الشجر.

٢١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن رفاعة قال سمعته يقول مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائكة.

(باب المعانقة)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمد الجعفي ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام قالا

______________________________________________________

حق قدره كما مر في قوله تعالى : « ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ » (١).

قوله عليه‌السلام : كما تتحات ، الظاهر كما تحت كما في ثواب الأعمال ، فإن التحات لازم إلا أن يتكلف بنصب الريح على الظرفية الزمانية بتقدير مضاف أي يوم الريح ورفع الورق بالفاعلية ، في القاموس : حته فركه وقشره فانحت وتحات والورق سقطت كانحتت وتحاتت والشيء حطه.

الحديث الحادي والعشرون : صحيح.

« مصافحة المؤمن » كان المعنى مصافحة المؤمنين أفضل من مصافحة الملكين ، أو مصافحة المؤمن مع المؤمن أفضل من مصافحته مع الملائكة لو تيسرت له ، ويومئ إلى أن المؤمن الكامل أفضل من الملك.

باب المعانقة

الحديث الأول : ضعيف.

قوله : يزوره ، حال مقدرة ، وعارفا حال محققة عن فاعل خرج وكان المراد

__________________

(١) سورة الحجّ : ٧٤.

٧٤

أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفا بحقه كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت له درجة وإذا طرق الباب فتحت له أبواب السماء فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه ثم باهى بهما الملائكة فيقول.

______________________________________________________

بعرفان حقه أن يعلم فضله وأن له حق الزيارة والرعاية والإكرام ، فيرجع إلى أنه زاره لذلك ، وأن الله تعالى جعل له حقا عليه لا للأغراض الدنيوية ، والظاهر أن محو السيئة ليس من جهة الحبط بل هو تفضل زائد على الحسنة ، وقال الجوهري : عانقه إذا جعل يديه على عنقه وضمه إلى نفسه ، وتعانقا واعتنقا فهو عنيقه ، انتهى.

وكأنه لا خلاف بيننا في استحباب المعانقة إذا لم يكن فيها غرض باطل أو داعي شهوة أو مظنة هيجان ذلك ، كالمعانقة مع الأمرد وكذا التقبيل ، واستحب المعانقة جماعة من العامة أيضا وأبو حنيفة كرهها ، ومالك رآها بدعة وأنكر سفيان قول مالك واحتج عليه بمعانقته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعفرا حين قدم من الحبشة ، فقال مالك : هو خاص بجعفر ، فقال سفيان : ما يخص جعفرا يعمنا فسكت مالك.

قال الآبي : سكوته يدل على ظهور حجة سفيان حتى يقوم دليل على التخصيص ، قال القرطبي : هذا الخلاف إنما هو في معانقة الكبير وأما معانقة الصغير فلا أعلم خلافا في جوازها ، ويدل على ذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عانق الحسن رضي‌الله‌عنه ، انتهى.

وأقول : روى الشهيد قدس‌سره في الأربعين بإسناده عن ابن بسطام قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأتى رجل فقال : جعلت فداك إني رجل من أهل الجبل وربما لقيت رجلا من إخواني فالتزمته فيعيب على بعض الناس ويقولون : هذه من فعل الأعاجم وأهل الشرك؟ فقال عليه‌السلام : ولم ذاك فقد التزم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعفرا

٧٥

انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا في حق علي ألا أعذبهما بالنار بعد هذا الموقف فإذا انصرف شيعه الملائكة عدد نفسه وخطاه وكلامه يحفظونه من بلاء الدنيا وبوائق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل فإن مات فيما بينهما أعفي من الحساب وإن كان المزور يعرف من حق الزائر ما عرفه الزائر من حق المزور كان له مثل أجره.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن المؤمنين إذا اعتنقا غمرتهما الرحمة فإذا التزما لا يريدان بذلك إلا وجه الله ولا يريدان غرضا من أغراض الدنيا قيل لهما مغفورا

______________________________________________________

وقبل بين عينيه ، وفتح أبواب السماء إما كناية عن نزول الرحمة عليه أو استجابة دعائه ، وإقباله تعالى عليهما بوجهه كناية عن غاية رضاه عنهما أو توجيه رحمته البالغة إليهما.

« إلى عبدي » على التثنية « بعدد نفسه » (١) بالتحريك ، و « خطاه » بالضم « وكلامه » أي جملة وكلماته أو حروفه ، قال الجوهري : الخطوة بالضم ما بين القدمين وجمع القلة خطوات وخطوات والكثير خطا ، والخطوة بالفتح المرة الواحدة ، والجمع خطوات بالتحريك وخطاء مثل ركوة وركاء ، انتهى.

والمراد بعدد جميع ذلك ذهابا وإيابا أو إيابا فقط ، والأول أظهر وكان ذكر الليلة لأن العرب تضبط التواريخ بالليالي ، أو إيماء إلى أن الزيارة الكاملة هي أن يتم عنده إلى الليل ، وقيل : لأنهم كانوا للتقية يتزاورون بالليل.

الحديث الثاني : حسن موثق.

والالتزام في اللغة الاعتناق والمراد هنا إما إدامة الاعتناق طويلا ، أو المراد بالاعتناق جعل كل منهما يديه في عنق الآخر ، وبالالتزام ضمه إلى نفسه والالتصاق به ، كما يسمى المستجار بالملتزم لذلك ، قوله : مغفورا لكما ، منصوب بمحذوف أي

__________________

(١) وفي المتن : « عدد نفسه » بدون الباء.

٧٦

لكما فاستأنفا فإذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضها لبعض تنحوا عنهما فإن لهما سرا وقد ستر الله عليهما قال إسحاق فقلت جعلت فداك فلا يكتب عليهما لفظهما وقد قال الله عز وجل : « ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ » (١) قال فتنفس أبو عبد الله عليه‌السلام الصعداء ثم بكى حتى أخضلت دموعه لحيته وقال يا إسحاق إن الله تبارك وتعالى إنما أمر الملائكة أن تعتزل عن المؤمنين إذا التقيا إجلالا لهما

______________________________________________________

أي ارجعا ، أو كونا ، وقيل : هو مفعول به لفعل محذوف بتقدير أعرفا مغفورا ، ونائب الفاعل ضمير مستتر في المغفور ، ولكما ظرف لغو متعلق بالمغفور ، والفاء في قوله : فاستأنفا للتعقيب أو للتفريع على أعرفا ومفعوله محذوف ، أي استأنفا العمل ويمكن أن يقدر حرف النداء قبل مغفورا ، أو يكون حالا عن فاعل فاستأنفا ، ويكون الضمير في لكما نائبا للفاعل كما هو مذهب البصريين ، أو النائب للفاعل الضمير المستتر في المغفور ، الراجع إلى مصدر المغفور كما هو مذهب ابن درستويه وأتباعه ، أو لكما ظرف مستقر نائب للفاعل كما هو مختار الكوفيين ، والفاء للتفريع على مضمون جملة فإذا التزما « إلخ ».

وقال : السر هو التصورات الباطلة التي يلقيها الشيطان في قلب المؤمن وهو يتأذى بذلك ولا يضر بآخرته لأنها محض التصور فيشكو ما يلقى من ذلك إلى أخيه ، انتهى.

والصعداء منصوب على أنه مفعول مطلق للنوع ، قال الجوهري : الصعداء بالمد تنفس ممدود. وقال : اخضلت الشيء فهو مخضل إذا بللته ، وقوله : وإن كانت ، يحتمل الوصلية والشرطية « عالم السر وأخفى » إشارة إلى قوله تعالى : « وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى » (٢) والمشهور بين المفسرين أن السر ما حدث به غيره خافضا به صوته ، وأخفى ما يحدث به نفسه ولا يلفظ به ، وقيل : السر ما

__________________

(١) سورة ق : ١٨.

(٢) سورة طه : ٧.

٧٧

وإنه وإن كانت الملائكة لا تكتب لفظهما ولا تعرف كلامهما فإنه يعرفه ويحفظه عليهما عالم السر وأخفى.

(باب التقبيل)

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن عبيس بن هشام ، عن الحسين بن أحمد المنقري ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن لكم

______________________________________________________

يضمره الإنسان فلم يظهره ، وأخفى من ذلك ما وسوس إليه ولم يضمره ، وقيل : السر ما تفكرت فيه ، وأخفى ما لم يخطر ببالك وعلم الله أن نفسك تحدث به بعد زمان.

وأقول : يحتمل أن يكون المراد بالسر ما خطر بباله ولم يظهره وأخفى ما علم أنه كان من نفسه ولم يعلم هو به كالرياء الخفي الذي صار باعثا لعمله وهو يظن أن عمله خالص لله وكالصفات الذميمة التي يرى الإنسان أنه طهر نفسه منها ، ويظهر بعد مجاهدة النفس أنها مملوءة منها ، وكل ذلك ظاهر لمن تتبع عيوب نفسه ، والله الموفق.

باب التقبيل

الحديث الأول : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : تعرفون ، على بناء المجهول كأنه إشارة إلى قوله تعالى : « سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ » (١) ولا يلزم أن يكون المعرفة عامة بل تعرفهم بذلك الملائكة والأئمة صلوات الله عليهم ، كما ورد في قوله تعالى : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » (٢) أن المتوسمين هم الأئمة عليهم‌السلام ، ويمكن أن يعرفهم بذلك بعض الكمل من المؤمنين أيضا وإن لم يروا النور ظاهرا ، وتفرس أمثال هذه الأمور قد يحصل

__________________

(١) سورة الفتح : ٢٩.

(٢) سورة الحجر : ٧٥.

٧٨

لنورا تعرفون به في الدنيا حتى إن أحدكم إذا لقي أخاه قبله في موضع النور من جبهته

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن رفاعة بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا يقبل رأس أحد ولا يده إلا [ يد ] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو

______________________________________________________

لكثير من الناس بمجرد رؤية سيماهم بل لبعض الحيوانات أيضا كما أن الشاة إذا رأت الذئب تستنبط من سيماها العداوة وإن لم ترها أبدا ، ومثل ذلك كثير.

وقوله : حتى إن أحدكم ، يحتمل وجهين : الأول : أن الله عز وجل إنما جعل موضع القبلة المكان الخاص من الجبهة لأنه موضع النور ، والثاني : أن المؤمن إنما يختار هذا الموضع لكونه موضع النور واقعا وإن لم ير النور ولم يعرفه ، ويدل على أن موضع التقبيل في الجبهة.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام أو من أريد به رسول الله من الأئمة عليهم‌السلام إجماعا وغيرهم من السادات والعلماء على الخلاف ، وإن لم أر في كلام أصحابنا تصريحا بالحرمة قال بعض المحققين : لعل المراد بمن أريد به رسول الله الأئمة المعصومين عليهم‌السلام كما يستفاد من الحديث الآتي.

ويحتمل شمول الحكم العلماء بالله وبأمر الله معا العاملين بعلمهم ، والهادين للناس ممن وافق قوله فعله ، لأن العلماء الحق ورثة الأنبياء فلا يبعد دخولهم فيمن يراد به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال الشهيد قدس الله روحه في قواعده : يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به عادة الزمان وإن لم يكن منقولا عن السلف لدلالة العمومات عليه ، قال تعالى : « ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ » (١) وقال

__________________

(١) سورة الحجّ : ٣٢.

٧٩

من أريد به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

______________________________________________________

تعالى : « ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ » (١) ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا ، فعلى هذا يجوز القيام والتعظيم بانحناء وشبهه ، وربما وجب إذا أدى تركه إلى التباغض والتقاطع أو إهانة المؤمن وقد صح أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام إلى فاطمة عليها‌السلام وإلى جعفر رضي‌الله‌عنه لما قدم من الحبشة وقال للأنصار : قوموا إلى سيدكم ونقل أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام لعكرمة بن أبي جهل لما قدم من اليمن فرحا بقدومه.

فإن قلت : قد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحب أن يتمثل له الناس أو الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار؟ ونقل أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكره أن يقام له فكان إذا قدم لا يقومون لعلمهم كراهته ذلك ، فإذا فارقهم قاموا حتى يدخل منزله لما يلزمهم من تعظيمه؟

قلت : تمثل الرجال قياما هو ما تصنعه الجبابرة من إلزامهم الناس بالقيام في حال قعودهم إلى أن ينقضي مجلسهم لا هذا القيام المخصوص القصير زمانه ، سلمنا لكن يحمل على من أراد ذلك تجبرا وعلوا على الناس ، فيؤاخذ من لا يقوم له بالعقوبة ، أما من يريده لدفع الإهانة عنه والنقيصة له فلا حرج عليه ، لأن دفع الضرر عن النفس واجب ، وأما كراهته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتواضع لله عز وجل وتخفيف على أصحابه ، وكذا ينبغي للمؤمن أن لا يحب ذلك وأن يؤاخذ نفسه بمحبة تركه إذا مالت إليه ، ولأن الصحابة كانوا يقومون كما في الحديث ويبعد عدم علمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهم مع أن فعلهم يدل على تسويغ ذلك ، وأما المصافحة فثابتة من السنة وكذا تقبيل موضع السجود وتقبيل اليد ، فقد ورد أيضا في الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا تلاقى الرجلان فتصافحا تحاتت ذنوبهما وكان أقربهما إلى الله سبحانه أكثرهما بشرا لصاحبه ، وفي

__________________

(١) سورة الحجّ : ٣٠.

٨٠