مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٥

(باب)

(شدة ابتلاء المؤمن)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل.

______________________________________________________

باب شدة ابتلاء المؤمن

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« أشد الناس بلاء » قيل : المراد بالناس هنا الكل من الأنبياء والأوصياء فإنهم الناس حقيقة وسائر الناس نسناس ، كما ورد في الأخبار ، والبلاء ما يختبر ويمتحن من خير أو شر وأكثر ما يأتي مطلقا الشر وما أريد به الخير يأتي مقيدا كما قال تعالى : « بَلاءً حَسَناً » (١) وأصله المحنة والله تعالى يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ، وبما يكره ليمتحن صبره ، يقال : بلاه الله بخير أو شر يبلوه بلوا وأبلاه بلاء وابتلاه ابتلاء ، بمعنى امتحنه والاسم البلاء مثل سلام ، والبلوى والبلية مثله.

وقال في النهاية : فيه أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، أي الأشرف فالأشرف ، والأعلى فالأعلى في الرتبة والمنزلة ، ثم يقال هذا أمثل من هذا ، أي أفضل وأدنى إلى الخير ، وأماثل الناس خيارهم ، انتهى.

« ثم الذين يلونهم » أي يقربون منهم ، ويكونون بعدهم ، في المصباح : الولي مثل فلس القرب ، وفي الفعل لغتان أكثرهما وليه يليه بكسرتين ، والثانية من باب وعد وهي قليلة الاستعمال ، وجلست مما يليه أي يقاربه ، وقيل : الولي

__________________

(١) سورة الأنفال : ١٧.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

حصول الثاني بعد الأول من غير فصل ، انتهى.

والمراد بهم الأوصياء عليه‌السلام ، وفي هذه الأحاديث الواردة من طرق الخاصة والعامة دلالة واضحة على أن الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام في الأمراض الجسمية والبلايا الجسمية كغيرهم بل هم أولى بها من الغير تعظيما لأجرهم الذي يوجب التفاضل في الدرجات ، ولا يقدح ذلك في رتبتهم بل هو تثبيت لأمرهم ، وأنهم بشر إذ لو لم يصبهم ما أصاب سائر البشر مع ما يظهر في أيديهم من خرق العادة لقيل فيهم ما قالت النصارى في نبيهم ، وقد ورد هذا التعليل في الخبر وابتلاؤهم تحفة لهم لرفع الدرجات التي لا يمكن الوصول إليها بشيء من العمل إلا ببلية كما أن بعض الدرجات لا يمكن الوصول إليها إلا بالشهادة ، فيمن الله سبحانه على من أحب من عباده بها تعظيما وتكريما له ، كما ورد في خبر شهادة سيد الشهداء عليه‌السلام أنه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام فقال له : يا حسين لك درجة في الجنة لا تصل إليها إلا بالشهادة ، واستثنى أكثر العلماء ما هو نقص ومنفر للخلق عنهم كالجنون والجذام والبرص ، وحمل استعاذة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها على أنها تعليم للخلق.

وقال المحقق الطوسي (ره) في التجريد فيما يجب كونه في كل نبي : العصمة وكمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي ، وعدم السهو وكلما ينفر عنه من دناءة الآباء وعهر الأمهات والفظاظة والغلظة والأبنة وشبهها ، والأكل على الطريق وشبهه.

وقال العلامة (ره) في شرحه : وأن يكون منزها عن الأمراض المنفرة نحو الابنة وسلس الريح والجذام والبرص ، لأن ذلك كله مما ينفر عنه ، فيكون منافيا للغرض من البعثة ، وضم القوشجي سلس البول أيضا ، وقال القاضي عياض من علماء المخالفين في كتاب الشفاء قال الله تعالى : « وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ » (١) وقال : « مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ » (٢) وقال : « وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ » (٣) وقال : « قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ » (٤) فمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر الأنبياء من البشر أرسلوا إلى البشر ولو لا ذلك لما أطاق الناس مقاومتهم والقبول عنهم ومخاطبتهم.

قال الله تعالى : « وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً » (٥) أي لما كان إلا في صورة البشر الذين تمكنكم مخالطتهم إذ لا تطيقون مقاومة الملك ومخاطبته ورؤيته إذا كان على صورته.

وقال : « لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً » (٦) أي لا يمكن في سنة الله إرسال الملك إلا لمن هو من جنسه أو من خصه الله تعالى واصطفاه وقواه على مقاومته كالأنبياء والرسل فالأنبياء والرسل وسائط بين الله وبين خلقه يبلغونهم أو أمره ونواهيه ووعده ووعيده ويعرفونهم بما لم يعلموهم من أمره وخلقه وجلاله وسلطانه وجبروته وملكوته ، فظواهرهم وأجسادهم وبنيتهم متصفة بأوصاف البشر طارء عليها ما يطرء على البشر من الأعراض والأسقام والموت والفناء ، ونعوت الإنسانية وأرواحهم وبواطنهم متصفة بأعلى من أوصاف البشر متعلقة بالملأ الأعلى متشبهة بصفات الملائكة سليمة من التغيير والآفات ولا يلحقها غالبا عجز البشرية ولا ضعف الإنسانية ، إذ لو كانت بواطنهم خالصة للبشرية كظواهرهم لما أطاقوا الأخذ عن الملائكة ورؤيتهم ومخاطبتهم كما لا يطيقه غيرهم من البشر ، ولو كانت أجسامهم وظواهرهم متسمة

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٤٤.

(٢) سورة المائدة : ٧٥.

(٣) سوره الفرقان : ٢٠.

(٤) سورة الكهف : ١١٠.

(٥) سورة الأنعام : ٩.

(٦) سورة الإسراء : ٩٥.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بنعوت الملائكة وبخلاف صفات البشر لما أطاق البشر ومن أرسلوا إليه مخاطبتهم كما تقدم من قول الله تعالى ، فجعلوا من جهة الأجسام والظواهر مع البشر ومن جهة الأرواح والبواطن مع الملائكة كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تنام عيناي ولا ينام قلبي ، وقال : إني لست كهيأتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني ، فبواطنهم منزهة عن الآفات مطهرة من النقائص والاعتلالات.

وقال في موضع آخر قد قدمنا أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر الأنبياء والرسل من البشر وأن جسمه وظاهره خالص للبشر ، يجوز عليه من الآفات والتغييرات والآلام والأسقام وتجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر ، وهذا كله ليس بنقيصة فيه لأن الشيء إنما يسمى ناقصا بالإضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه ، وقد كتب الله على أهل هذه الدار « فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون » وخلق جميع البشر بمدرجة الغير فقد مرض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واشتكى وأصابه الحر والقر وأدركه الجوع والعطش ولحقه الغضب والضجر ، وناله الإعياء والتعب ، ومسه الضعف والكبر وسقط فجحش شقه وشجه الكفار وكسروا رباعيته وسقي السم وسحر (١) ، وتداوى واحتجم وتعوذ ثم قضى نحبه ، فتوفي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وألحق بالرفيق الأعلى ، وتخلص من دار الامتحان والبلوى ، وهذه سمات البشر التي لا محيص عنها.

وأصاب غيره من الأنبياء ما هو أعظم منها وقتلوا قتلا ورموا في النار ، ونشروا بالمناشير ، ومنهم من وقاه الله ذلك في بعض الأوقات ، ومنهم من عصمه كما عصم نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد من الناس ، فلئن لم يكف عن نبينا ربه تعالى يد ابن قميئة يوم أحد ولا حجبه عن عيون عداه عند دعوة أهل الطائف ، فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه إلى ثور وأمسك عنه سيف غورث وحجر أبي جهل وفرس سراقة ، ولئن لم يقه من سحر ابن الأعصم فلقد وقاه ما هو أعظم من سم اليهودية ، وكذا

__________________

(١) إشارة إلى ما يذكرونه من قصّة سحر ابن الأعصم وبعض المفسرين ينكرونها فراجع.

٣٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

سائر أنبيائه مبتلى ومعافي ، وذلك من تمام حكمته ليظهر شرفهم في هذه المقامات ويبين أمرهم ويتم كلمته فيهم ، وليحقق بامتحانهم بشريتهم ، ويرتفع الالتباس عن أهل الضعف فيهم ، لئلا يضلوا بما يظهر من العجائب على أيديهم ضلال النصارى بعيسى بن مريم ، وليكون في محنهم تسلية لأمتهم ووفورا لأجورهم عند ربهم تماما على الذي أحسن إليهم.

قال بعض المحققين وهذه الطواري والتغييرات المذكورة إنما يختص بأجسامهم البشرية المقصود بها مقاومة البشر ومعاناة بني آدم لمشاكلة الجسم ، وأما بواطنهم فمنزهة غالبا عن ذلك ، معصومة منه متعلقة بالملأ الأعلى والملائكة لأخذها عنهم ، وتلقيها الوحي منهم ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ، وقال : إني لست كهيأتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ، وقال : إني لست أنسى ولكن أنسي ليستن بي ، فأخبر أن سره وروحه وباطنه بخلاف جسمه وظاهره وأن الآفات التي تحل ظاهره من ضعف وجوع ونوم وسهر لا يحل منها شيء باطنه بخلاف غيره من البشر في حكم الباطن لأن غيره إذا نام استغرق النوم جسمه وقلبه ، وهو عليه‌السلام في نومه حاضر القلب كما هو في يقظته حتى قد جاء في بعض الآثار أنه كان محروسا من الحدث في نومه ، لكون قلبه يقظان كما ذكرناه ، وكذلك غيره إذا جاع ضعف لذلك جسمه وحارت قوته وبطلت في الكلية حملته ، وهو عليه‌السلام قد أخبر أنه لا يعتريه ذلك وأنه بخلافهم بقوله : لست كهيأتكم ، وكذلك أقول إنه في هذه الأحوال كلها من وصب ومرض وسحر وغضب لم يجر على باطنه ما يحل به ، ولا فاض منه على لسانه وجوارحه ما لا يليق به كما تعتري غيره من البشر.

٣٢٥

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال ذكر عند أبي عبد الله عليه‌السلام البلاء وما يخص الله عز وجل به المؤمن فقال سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أشد الناس بلاء في الدنيا فقال النبيون ثم الأمثل فالأمثل ويبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن عظيم الأجر لمع عظيم البلاء وما أحب الله قوما إلا ابتلاهم.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأماثل فالأماثل.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن لله عز وجل عبادا في الأرض من خالص

______________________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

السخف الخفة في العقل وغيره ، ذكره الجزري ، والفعل ككرم ، وضعف عمله أي بالكمية أو بالكيفية أو بهما.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

ويدل على أن عظيم البلاء سبب للأجر العظيم وعلامة لمحبة الرب الرحيم إذا كان في المؤمن الكريم.

الحديث الرابع : كالصحيح بل أعلى من الصحيح وقد مر مضمونه.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

٣٢٦

عباده ما ينزل من السماء ـ تحفة إلى الأرض إلا صرفها عنهم إلى غيرهم ولا بلية إلا صرفها إليهم.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أحمد بن عبيد ، عن الحسين بن علوان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال وعنده سدير إن الله إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا وإنا وإياكم يا سدير لنصبح به ونمسي.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن الوليد بن علاء ، عن حماد ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا وثجه بالبلاء ثجا فإذا دعاه قال لبيك عبدي

______________________________________________________

« ما ينزل من السماء » أي يقدر فيها « تحفة » أي من التحف الدنيوية وكذا البلية.

الحديث السادس : مجهول وقد يعد ضعيفا.

« غته » أي غمسه ، والباء بمعنى في ، ويحتمل القهر والغم ، في النهاية فيه يغتهم الله في العذاب غتا أي يغمسهم فيه غمسا متتابعا ، ومنه حديث الدعاء : يا من لا يغته دعاء الداعين ، أي يغلبه ويقهره ، وفي حديث الحوض : يغت فيه ميزابان ، مدادهما من الجنة أي يدفقان فيه الماء دفقا دائما متتابعا ، وفي القاموس غته بالأمر كده ، وفي الماء غطه ، وفلانا غمه وخنقه « لنصبح به » أي بالغت أو بالبلاء.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

في القاموس : ثج الماء سال ، وثجه أساله وفي النهاية فيه : أفضل الحج العج والثج ، الثج سيلان دماء الهدي والأضاحي ، يقال : ثجه يثجه ثجا ، ومنه فحلب فيه ثجا أي لبنا سائلا كثيرا ، وفي حديث المستحاضة إني أثجه ثجا ، انتهى.

وأقول : ما في هذا الخبر يحتمل أن يكون على الحذف والإيصال ، والباء زائدة

٣٢٧

لئن عجلت لك ما سألت إني على ذلك لقادر ولئن ادخرت لك فما ادخرت لك فهو خير لك.

٨ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن زيد الزراد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء فإذا أحب الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء فمن رضي فله عند الله الرضا ومن سخط البلاء فله عند الله السخط.

______________________________________________________

أي ثج عليه البلاء ، ويكون تسييله كناية عن شدة ألمه وحزنه ، كأنه يذوب من البلاء ويسيل ، أو عن توجهه إلى جناب الحق سبحانه بالدعاء والتضرع لدفعه ، وقيل : أي أسال دم قلبه بالبلاء.

وأقول : في جامع الأخبار وغيره بجه بالباء الموحدة ، والبج : الشق والطعن بالرمح « فإذا دعاه » أي لدفع البلاء أو لغيره من المطالب أيضا ، وفي القاموس : ألب أقام كلب ، ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب ، وإجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي وقصدي لك من داري تلب داره أي تواجهها ، أو معناه محبتي لك ، من امرأة لبه محبة لزوجها ، أو معناه إخلاصي لك لباب خالص.

الحديث الثامن : مجهول.

« يكافيء به » على بناء المفعول أي يجازي أو يساوي ، في القاموس : كافأه مكافأة وكفاء جازاه وفلانا ماثله وراقبه ، والحمد لله كفاء الواجب ، أي ما يكون مكافئا له « فإذا أحب الله عبدا » أي أراد أن يوصل الجزاء العظيم إليه ويرضى عنه ووجده أهلا لذلك « ابتلاه بعظيم البلاء » من الأمراض الجسمانية والمكاره الروحانية « فمن رضي » أي ببلائه وقضائه ، والظاهر أن المراد بالوصول في الموضعين أعم من العبد المحبوب المتقدم فإن العبد المحبوب لله سبحانه لا يسخط قضاءه ، ويحتمل أن يكون المراد بالمحبة تعريضه للمثوبة سواء رضي أم لا « فمن رضي فله عند الله الرضا » أي يرضي الله عنه « ومن سخط القضاء فله عند الله السخط » أي الغضب.

٣٢٨

٩ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن زكريا بن الحر ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إنما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه أو قال على حسب دينه.

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن بعض أصحابه ، عن محمد بن المثنى الحضرمي ، عن محمد بن بهلول بن مسلم العبدي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه.

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلا عرض له أمر يحزنه يذكر به.

______________________________________________________

الحديث التاسع : مجهول.

« أو قال » الشك من الراوي ، والحسب بالتحريك المقدار فمآل الروايتين واحد ، قال في المصباح : قولهم : يجزي المرء على حسب عمله أي على مقداره.

الحديث العاشر : مجهول.

« إنما المؤمن » كان المعنى أن حال المؤمن في إيمانه وبلائه بمنزلة كفتي الميزان كما ورد الصلاة ميزان فمن وفى استوفى ، وقيل : المعنى أن المؤمن ككفة الميزان في أنه كلما وضع فيه يوضع في الكفة الأخرى ما يوازنه عند الوزن ، فكلما زيد في المؤمن من الإيمان زيد في الكفة الأخرى وهو الكافر الذي بلاء المؤمن بسببه ، سواء كان من الإنس أو الجن فيزيد بلاؤه وأذاه للمؤمن بحسب زيادة إيمان المؤمن.

الحديث الحادي عشر : حسن كالصحيح.

« أمر يحزنه » بالضم قال في المصباح : حزن حزنا من باب تعب والاسم الحزن بالضم فهو حزين ، ويتعدى في لغة قريش بالحركة يقال : حزنني الأمر يحزنني

٣٢٩

١٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن معاوية بن عمار ، عن ناجية قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام إن المغيرة يقول إن المؤمن لا يبتلى

______________________________________________________

من باب قتل قاله تغلب والأزهري ، وفي لغة تميم بالألف ومثل الأزهري باسم الفاعل والمفعول في اللغتين على بابهما ، ومنع أبو زيد الماضي من الثلاثي فقال : لا يقال حزنه وإنما يستعمل المضارع من الثلاثي فيقال : يحزنه ، انتهى.

وقوله : يذكر به ، على بناء المفعول من التفعيل كأنه سئل عن سبب عروض ذلك الأمر فقال : يذكر به ذنوبه والتوبة منها لقوله سبحانه : « ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » (١) وربه القادر على دفع ذلك عنه فيتضرع لذلك ، ويدعو الله لرفعه وسفالة الدنيا ودناءتها لشيوع أمثال ذلك فيها ، فيزهد فيها ، والآخرة وخلوص لذاتها عن الأحزان والكدورات فيرغب إليها ، ولا يصلح القلب إصلاح الحزن شيء وقد قيل إن القلب الذي لا حزن فيه كالبيت الخراب.

الحديث الثاني عشر : مجهول كالحسن.

والمغيرة : هو المغيرة بن سعيد وقد ذكر الكشي أحاديث كثيرة في لعنه ، وقال العلامة قدس‌سره في الخلاصة : أنه كان يدعو إلى محمد بن عبد الله بن الحسن ، وقال رحمه‌الله في مناهج اليقين : القائلون بإمامة الباقر عليه‌السلام اختلفوا بعد موته ، فالإمامية ساقوها إلى ولده الصادق عليه‌السلام ومنهم من قال أنه لم يمت ، ومنهم من ساقها إلى غير ولده ، فذهب بعضهم إلى أن الإمام بعد الباقر عليه‌السلام محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، وهم أصحاب المغيرة بن سعيد ، وروى الكشي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال يوما : لعن الله المغيرة بن سعيد ، ولعن الله يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السحر والشعبذة والمخاريق (٢) إن المغيرة كذب على أبي عليه‌السلام فسلبه الله الإيمان ، وإن قوما كذبوا علي ، ما لهم أذاقهم الله حر الحديد؟

__________________

(١) سورة الشورى : ٣٠.

(٢) جمع المخرقة الكذب والاختلاق.

٣٣٠

بالجذام ولا بالبرص ولا بكذا ولا بكذا فقال إن كان لغافلا عن صاحب ياسين

______________________________________________________

وروي أيضا عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : كان المغيرة يكذب على أبي جعفر عليه‌السلام فأذاقه الله حر الحديد ، وقال في المواقف : قال مغيرة بن سعيد العجلي : الله جسم على صورة إنسان من نور ، على رأسه تاج وقلبه منبع الحكمة ، ولما أراد أن يخلق تكلم بالاسم الأعظم فطار فوقع تاجا على رأسه ، ثم إنه كتب على كفه أعمال العباد ، فغضب من المعاصي فعرق فحصل منه بحران أحدهما مالح مظلم ، والآخر حلو نير ، ثم اطلع في البحر النير فأبصر فيه ظله فانتزعه فجعل منه الشمس والقمر ، أفنى الباقي من الظل نفيا للشريك ، ثم خلق الخلق من البحرين فالكفار من المظلم ، والمؤمنين من النير ثم أرسل محمدا والناس في ضلال ، وعرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان وهو أبو بكر بأمر عمر بشرط أن يجعل الخلافة بعده له ، وقوله تعالى : « كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ » (١) نزلت في أبو بكر وعمر ، والإمام المنتظر هو زكريا بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي وهو حي في جبل حاجر إلى أن يؤمر بالخروج ، وقتل المغيرة ، فقال بعض أصحابه بانتظاره وبعضهم بانتظار زكريا ، انتهى.

وقيل : هو المغيرة بن سعد وكان يلقب بالأبتر فنسبت إليه البترية من الزيدية ولم أدر من أين أخذه.

« فقال إن كان لغافلا » إن مخففة من المثقلة ، وصاحب ياسين هو حبيب النجار وإنذاره إشارة إلى قوله تعالى : « وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ » (٢) وهذه القرية هي إنطاكية في قول المفسرين « إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ، إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ » أي رسولين من رسلنا « فَكَذَّبُوهُما » أي الرسولين ، قال ابن عباس : ضربوهما وسجنوهما « فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ » أي فقوينا وشددنا ظهورهما برسول ثالث ، قيل : كان اسم الرسولين شمعون ويوحنا والثالث بولس ، وقال ابن عباس وكعب : صادق وصدوق ،

__________________

(١) سورة الحشر : ١٦.

(٢) سورة يس : ١٣.

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

والثالث سلوم ، وقيل : إنهم رسل عيسى وهم الحواريون ، وإنما أضافهم إلى نفسه لأن عيسى عليه‌السلام أرسلهم بأمره « فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ، قالُوا » يعني أهل القرية « ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا » فلا تصلحون للرسالة كما لا تصلح نحن لها « وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ، قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ، وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ».

إلى قوله تعالى : « وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى » وكان اسمه حبيب النجار عن ابن عباس وجماعة من المفسرين ، وكان قد آمن بالرسل عند ورودهم القرية ، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة ، فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل وهموا بقتلهم جاء يعدو ويشتد « قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ » الذين أرسله الله إليكم وأقروا برسالتهم ، قالوا : وإنما علم هو نبوتهم لأنهم لما دعوه قال : أتأخذون على ذلك أجرا؟ قالوا : لا ، وقيل : إنه كان به زمانة أو جذام فأبرءوه فآمن بهم عن ابن عباس « اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ، وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ ، إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ » أي فاسمعوا قولي واقبلوه.

وقيل : إنه خاطب بذلك الرسل أي فاسمعوا ذلك حتى تشهدوا لي به عند الله عن ابن مسعود ، قال : ثم أن قومه لما سمعوا ذلك القول منه وطئوه بأرجلهم حتى مات فأدخله الله الجنة وهو حي فيها يرزق ، وهو قوله : « قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ » وقيل : رجموه حتى قتلوه ، وقيل : إن القوم لما أرادوا أن يقتلوه رفعه الله إليه فهو في الجنة ولا يموت إلا بفناء الدنيا وهلاك الجنة عن الحسن ومجاهد ، وقالا : إن الجنة التي دخلها يجوز هلاكها ، وقيل : إنهم قتلوه إلا أن الله سبحانه أحياه

٣٣٢

إنه كان مكنعا ثم رد أصابعه فقال كأني أنظر إلى تكنيعه أتاهم فأنذرهم

______________________________________________________

وأدخله الجنة ، فلما دخلها « قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ».

وفي تفسير الثعلبي بالإسناد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين : علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وصاحب ياسين ، ومؤمن آل فرعون ، فهم الصديقون وعلي أفضلهم ، كل ذلك ذكره الطبرسي رحمه‌الله في مجمع البيان.

والأخبار الطويلة الواردة في قصصهم أوردتها في الكتاب الكبير.

« إنه كان مكنعا » في أكثر النسخ بالنون المشددة المفتوحة ، وفي بعضها بالتاء وفي القاموس كنع كمنع كنوعا انقبض وانضم أصابعه ضربها فأيبسها ، وكفرح يبس وتشنج ولزم ، وشيخ كنع ككتف شنج ، والكنيع المكسور اليد ، والأكنع الأشل وكمعظم ومجمل المقفع اليد ، أي متشنجها أو المقطوعها وكنع يده أشلها وقال : كنع كمنع انقبض وانضم ، والأكنع من رجعت أصابعه إلى كفه وظهرت رواجيه.

وأقول : كأنه كان الجذام سببا لتكنيع أصابعه وكان هذا الداء أيضا مذكورا في الأدواء التي نفاها عن المؤمن ، أو الغرض بيان أن الابتلاء بالأدواء العظيمة الشنيعة لا ينافي كمال الإيمان ، وقيل : كانت أصابعه سقطت من الجذام فأشار عليه‌السلام بضم أصابعه إلى كفه إلى ذلك.

« ثم رد أصابعه » هذا من كلام الراوي أي رد عليه‌السلام أصابعه إلى كفه إشارة إلى تكنيعه « فقال كأني أنظر إلى تكنيعه » أي أعلم ذلك وكيفيته بعين اليقين « أتاهم » أي حبيب « فأنذرهم » وخوفهم عقاب الله على ترك اتباع الرسل ، بما حكى الله تعالى عنه.

٣٣٣

ثم عاد إليهم من الغد فقتلوه ثم قال إن المؤمن يبتلى بكل بلية ويموت بكل ميتة إلا أنه لا يقتل نفسه.

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن محمد الأشعري ، عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن المؤمن من الله عز وجل لبأفضل مكان ثلاثا إنه ليبتليه بالبلاء ثم ينزع نفسه عضوا عضوا من جسده وهو يحمد الله على ذلك.

______________________________________________________

وربما يتوهم التنافي بين هذا الخبر وبين ما سيأتي في الروضة عن الصادق عليه‌السلام أنه إذا بلغ المؤمن أربعين سنة أمنه الله من الأدواء الثلاثة : البرص والجذام والجنون ، ويمكن أن يجاب بأنه محمول على الغالب ، فلا ينافي الابتلاء بعد الأربعين نادرا مع أنه يمكن أن يكون ابتلاء المؤمن قبل الأربعين وأيضا الخبر ليس بصريح في ابتلائه بالجذام ، والميتة بالكسر للحال والهيئة ، ويدل على أن قاتل نفسه ليس بمؤمن سواء قتلها بحربة أو بشرب السم أو بترك الأكل والشرب أو ترك مداواة جراحة أو مرض علم نفعها ، أما لو أحرق العدو السفينة فألقى من فيها نفسه في البحر فمات ، فالظاهر أيضا أنه داخل في هذا الحكم ، خلافا لبعض العامة فإنه أخرجه منه لأنه فر من موت إلى موت وهو ضعيف ، وربما يحمل على من استحل قتل نفسه ، والظاهر أن المراد بالمؤمن الكامل.

الحديث الثالث عشر : صحيح.

« من الله » أي بالنسبة إليه « ثلاثا » أي قال هذا الكلام ثلاث مرات « نفسه عضوا عضوا » أي روحه من بدنه بالتدريج ، وقيل : أراد يقطع بدنه عضوا عضوا فكلما قطع منه عضو سلب منه الروح ، وقال بعضهم : النفس بضم النون والفاء جمع نفيس ، أي يقطع أعضاءه النفيسة بالجذام ، ولا يخفى ما فيه والأول أظهر.

٣٣٤

١٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن فضيل بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن في الجنة منزلة لا يبلغها عبد إلا بالابتلاء في جسده.

١٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن محمد الأشعري ، عن أبي يحيى الحناط ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال شكوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ما ألقى من الأوجاع وكان مسقاما فقال لي يا عبد الله لو يعلم المؤمن ما له من الأجر في المصائب لتمنى أنه قرض بالمقاريض.

١٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن يونس بن رباط قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا في شدة أما

______________________________________________________

الحديث الرابع عشر : صحيح.

ويدل على أن بعض درجات الجنة يمكن البلوغ إليها بالعمل والسعي ، وبعضها لا يمكن الوصول إليها إلا بالابتلاء في الجسد فيمن الله تعالى على من أحب من عباده بالابتلاء ليصلوا إليها.

الحديث الخامس عشر : مجهول.

« وكان مسقاما » هذا كلام أبي يحيى وضمير كان عائد إلى عبد الله ، والمسقام بالكسر الكثير السقم والمرض « إنه قرض » على بناء المفعول بالتخفيف أو بالتشديد للتكثير والمبالغة ، وفي المصباح : قرضت الشيء قرضا من باب ضرب قطعته بالمقراضين والمقراض أيضا بكسر الميم والجمع مقاريض ، ولا يقال إذا جمع بينهما مقراض كما تقوله العامة ، وإنما يقال عند اجتماعهما قرضته قرضا من باب قطعته بالمقراضين ، وفي الواحد قطعته بالمقراض.

الحديث السادس عشر : ضعيف على المشهور.

« منذ كانوا » تامة ، وفي شدة خبر لم يزالوا « إلى مدة قليلة » أي إلى انتهاء

٣٣٥

إن ذلك إلى مدة قليلة وعافية طويلة.

١٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي أسامة ، عن حمران ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الله عز وجل ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية من الغيبة ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض.

١٨ ـ علي ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن محمد بن يحيى الخثعمي ، عن محمد بن بهلول العبدي قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لم يؤمن الله المؤمن من هزاهز الدنيا ولكنه آمنه من العمى فيها والشقاء في الآخرة.

١٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين بن نعيم الصحاف ، عن ذريح المحاربي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان علي بن الحسين عليه‌السلام يقول إني لأكره للرجل أن يعافى في الدنيا فلا يصيبه شيء من المصائب.

______________________________________________________

مدة قليلة هي العمر ، وينتهي إلى عافية طويلة في البرزخ والآخرة وقيل : إلى بمعنى مع.

الحديث السابع عشر : مرسل.

وفي القاموس تعهده وتعاهده تفقده وأحدث العهد به ، وقال : حمى المريض ما يضره منعه إياه فاحتمى وتحمى امتنع ، وأقول : وجه الشبه في الفقرتين في المشبه وإن كان أقوى لكن المشبه به عند الناس أظهر وأجلى.

الحديث الثامن عشر : مجهول.

« من هزاهز الدنيا » أي الفتن والبلايا التي يهتز فيها الناس ، والعمى عمى القلب الموجب للجهل بالله ، والتنفر عن الحق ، والبعد عن لوازم الإيمان ، وكل ذلك يوجب الشقاء والتعب في الآخرة.

الحديث التاسع عشر : حسن كالصحيح.

٣٣٦

٢٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن نوح بن شعيب ، عن أبي داود المسترق رفعه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام دعي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى طعام فلما دخل منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على وتد في حائط فثبتت عليه ولم تسقط ولم تنكسر فتعجب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله منها فقال له الرجل أعجبت من هذه البيضة فو الذي بعثك بالحق ما رزئت شيئا قط [ قال ] فنهض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يأكل من طعامه شيئا وقال من لم يرزأ فما لله فيه

______________________________________________________

الحديث العشرون : مرفوع.

« فتقع » أي فوقعت ، واستعمال المضارع في الماضي في أمثال هذه المواضع شائع « ما رزئت شيئا » أي ما نقصت ، في القاموس رزأه ماله كجعله وعلمه رزءا بالضم أصاب منه شيئا كارتزأه ماله ، ورزأه الشيء نقصه ، والرزيئة المصيبة وما رزئته بالكسر ما نقصته ، وفي النهاية في حديث سراقة فلم يزرءاني شيئا أي لم يأخذا مني شيئا ، يقال : رزأته أرزأه ، وأصله النقص ، فقوله : رزئت على بناء المجهول ، وضمير المتكلم نائب مناب الفاعل ، وشيئا مفعوله الثاني ، وكذا لم يرزأ على بناء المجهول ، ومفعوله الثاني محذوف « فما لله فيه من حاجة » استعمال الحاجة في الله سبحانه مجاز ، والمراد أنه ليس من خلص المؤمنين ، وممن أعده الله لهداية الخلق ولعبادته ومعرفته ، فإن نظام العالم لما كان بوجود هؤلاء فكأنه محتاج إليهم في ذلك ، أو أنهم لما كانوا من حزب الله وعبدته حقيقة وأنصار دينه فكأنه سبحانه محتاج إليهم ، كما أن سائر الخلق محتاجون إلى مثل ذلك ، أو المراد حاجة الأنبياء والأوصياء إليهم في ترويج الدين ، ونسب ذلك إلى ذاته تعظيما لهم ، كما ورد في قوله تعالى : « إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ » (١) و « ما ظَلَمُونا » (٢) وأمثالهما وقد مر ذلك مشروحا ، أو أنه تعالى

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٦٠.

(٢) سورة البقرة : ٥٧.

٣٣٧

من حاجة.

٢١ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله وأبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا حاجة لله فيمن ليس له في ماله وبدنه نصيب.

٢٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن عثمان النواء عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله عز وجل يبتلي المؤمن بكل بلية ويميته بكل ميتة ولا يبتليه بذهاب عقله أما ترى أيوب كيف سلط إبليس على

______________________________________________________

لما طلب من عباده العبادات بالأوامر وغيرها كطلب ذي الحاجة ما يحتاج إليه فاستعملت الحاجة فيه مجازا ، أو سلب الحاجة كناية عن سلب اللطف به ، وترك الإقبال عليه لأن اللطف والإقبال منا لازمان للحاجة فنفى الملزوم وأراد نفي اللازم ، والوجوه متقاربة.

وإنما امتنع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طعامه لأن ما ذكره كان من صفات المستدرجين ، ومن لا خير فيه لا خير في طعامه ، والمال الذي لم ينقص منه شيء ملعون كالبدن ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ملعون كل مال لا يزكي ، ملعون كل بدن لا يزكى ، مع أنه يمكن أن يكون علم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تقريره أنه لا يؤدي الحقوق الواجبة أيضا ، وأيضا لما كانت الخصلة التي ذكرها صاحب الطعام مرغوبة بالطبع لسائر الخلق أراد صلى‌الله‌عليه‌وآله المبالغة في ذمها لئلا ترغب الصحابة فيها ، وليعلموا أنها ليست من صفات المؤمنين.

الحديث الحادي والعشرون : موثق كالصحيح.

« فيمن ليس له » أي لله وإرجاعه إلى المؤمن كما زعم بعيد ، والظاهر أن المراد بالنصيب الناقص الذي وقع بقضاء الله وقدره في ماله أو بدنه بغير اختياره ، ويحتمل شموله للاختياري أيضا ، كأداء الحقوق المالية وإبلاء البدن بالطاعة.

الحديث الثاني والعشرون : ضعيف.

« ولا يبتليه بذهاب عقله » لأن فائدة الابتلاء التصبر والتذكر والرضا و

٣٣٨

ماله وعلى ولده وعلى أهله وعلى كل شيء منه ولم يسلط على عقله ترك له ليوحد الله به.

______________________________________________________

نحوها ، ولا يتصور شيء من ذلك بذهاب العقل وفساد القلب ، فلا ينافي ذهاب العقل لا لغرض الابتلاء ، على أن الموضوع هو المؤمن والمجنون لا يتصف بالإيمان ، كذا قيل ، لكن ظاهر الخبر أن المؤمن الكامل لا يبتلي بذلك وإن لم يطلق عليه في تلك الحال اسم الإيمان ، وكان بحكم المؤمن ، ويمكن أن يكون هذا غالبيا فإنا نرى كثيرا من صلحاء المؤمنين يبتلون في أواخر العمر بالخرافة وذهاب العقل ، أو يخص بنوع منه ، والوجه الأول لا يخلو من وجه.

« وعلى كل شيء منه » ظاهره تسلطه على جميع أعضائه وقواه سوى عقله ، وقد يأول بتسلطه على بيته وأثاث بيته وأمثال ذلك ، وأحبائه وأصدقائه.

وأقول : قد ورد ما يؤيد هذه الرواية بطريق (١) كثيرة أكثرها صحيحة أو معتبرة قد أوردتها في الكتاب الكبير ، منها : ما رواه الصدوق (ره) في كتاب علل الشرائع بسند حسن كالصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنما كانت بلية أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لنعمة أنعم بها عليه فأدى شكرها ، وكان إبليس في ذلك الزمان لا يحجب دون العرش ، فلما صعد عمل أيوب بأداء شكر النعمة حسده إبليس ، فقال : يا رب إن أيوب لم يؤد شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا فلو حلت بينه وبين دنياه ما أدى إليك شكر نعمة ، فسلطني على دنياه تعلم أنه لا يؤدى شكر نعمة ، فقال : قد سلطتك عليه ، فلم يدع له دنيا ولا ولدا إلا أهلك كل ذلك وهو يحمد الله عز وجل ، ثم رجع إليه فقال : يا رب إن أيوب يعلم أنك سترد عليه دنياه التي أخذتها منه ، فسلطني على بدنه حتى تعلم أنه لا يؤدى شكر نعمة ، قال عز وجل : سلطتك على بدنه ما عدا عينيه وقلبه ولسانه وسمعه ، فقال

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر « بطرق ».

٣٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أبو بصير : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : فانقض مبادرا خشية أن تدركه رحمة الله عز وجل فيحول بينه وبينه فنفخ في منخريه من نار السموم فصار جسده نقطا نقطا.

وروي أبسط من ذلك بسند معتبر عن أبي بصير أيضا عن الكاظم عليه‌السلام.

وروى علي بن إبراهيم أيضا في تفسيره عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام حديثا طويلا في ذلك إلى أن قال : فسلطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه ، فبقي في ذلك دهرا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود ، وكانت تخرج من بدنه فيردها ويقول لها : ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه ونتن حتى أخرجه أهل القرية من القرية والقوة في المزبلة خارج القرية.

والجمع بينها وبين ما ورد في خبر الكافي من استثناء العقل فقط ، بحمل ما في الكافي على العقل وما يتبعه ويقويه ، وهذه المشاعر من آلات العقل وأدواته فالتسليط عليها تسليط على العقل أيضا.

ثم أن للمتكلمين في تلك الأخبار شبه ، منها : ما ذكره السيد الأجل المرتضى رضي‌الله‌عنه في كتاب تنزيه الأنبياء : فإن قيل : فما قولكم في الأمراض والمحن التي لحقت نبي الله أيوب عليه‌السلام؟ أو ليس قد نطق القرآن أنها كانت جزاء على ذنب في قوله « أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ » (١) والعذاب لا يكون إلا جزاء كالعقاب ، والآلام الواقعة على سبيل الامتحان لا يسمى عذابا ولا عقابا ، أو ليس قد روى جميع المفسرين أن الله تعالى إنما عاقبه بذلك البلاء لتركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقصته مشهورة يطول شرحها؟

الجواب : قلنا : أما ظاهر القرآن فليس يدل على أن أيوب عليه‌السلام عوقب

__________________

(١) سورة ص : ٤١.

٣٤٠