تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٧٩) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٨٠)

وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٨١) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢) وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣))

البيان ـ هؤلاء الذين تتحدث عنهم هذه المجموعات الاربعة من الآيات ، قد يكونون هم أنفسهم الذين تحدثت عنهم مجموعة سابقة في هذا الدرس ، ويكون الحديث كله عن تلك الطائفة من المنافقين ، التي تصدر منها هذه الاعمال وهذه الاقوال كلها ، ويمكن ترجيح هذا لان ملامح النفاق واضحة فيما تصفه هذه المجموعات كلها ، وصدور هذه الاعمال وهذه الاقوال عن طوائف المنافقين في الصف المسلم امر أقرب الى طبيعتهم ، والى سوابقهم كذلك ، وطبيعة السياق القرآني شديدة الالتحام بين الآيات جميعا.

ولكن مجموعة الاولى من هذه المجموعات التي تتحدث عن الذين (قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ ...) هي التي جعلتنا لا تتردد في اعتبار الآيات كلها حديثا عن المنافقين.

ولذا ان الله عزوجل يعجب من أمر هؤلاء الناس الذين كانوا يدافعون حماسة الى القتال ويستعجلونه وهم في مكة ، يتلقون الأذى والاضطهاد والفتنة من المشركين ، حين لم يكن مأذونا لهم في القتال التي يريدها الله تعالى ، فلما جاء الوقت المناسب الذي قدره الله ، وتهيأت الظروف المناسبة وكتب عليهم القتال ـ في سبيل الله ـ اذا فريق منهم شديد الفزع حتى ليخشى الناس الذين أمروا بقتالهم ـ وهم اناس

٣٤١

من البشر ـ كخشبة الله القهار الجبار. الذي لا يعذب عذابه أحد. ولا يوثق وثاقه أحد ، (أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) واذا هم يقولون في حسرة وخوف وجزع (رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ) وهو سؤال غريب من مؤمن ، وهل للنفاق آثار غير هذا. ويتبعون ذلك التساؤل بأمنية حسيرة (لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ).

ان أشد الناس حماسة واندفاعا وتهورا قد يكونون هم أشد الناس جزعا وانهيارا وهزيمة عندما يجد الجد وتقع الواقعة. (وهكذا كان أهل السقيفة يصنعون في أحد وحنين وخيبر وغيرهن).

وهذا الفريق الذي تعنيه هذه الآيات كان من ذلك الصف الذي يلذعه الاذى في مكة فلا يطيقه. فيندفع يطلب من الرسول ص وآله القتال ، فلما أن أمن هذا الفريق في المدينة ولم يعد هناك أذى ولا اذلال ، لم يعد يرى القتال مبررا أو ضرورة ، (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ ...)

وكان وجود هذه الطائفة في الصف المسلم ينشىء فيه حالة الخلخلة وينشىء فيه عدم التناسق وكان القرآن يعالج هذه الحالة بمنهجه الرباني ، (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى)

(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) انهم يخشون الموت ويريدون الحياة ، ولكن بعض الناس قد تهفو نفوسهم الى هذا القليل من الحياة ، فالموت حتم في موعده المقدر ، ولا علاقة له بالحرب والسلم.

(وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ).

ان الذين يقولون هذا القول ، وينسبون ما يصيبهم من الخير الى الله ، وما يصيبهم من الضرر الى النبي ص وآله هم المنافقون.

ان الله خلق الانسان وأوجد فيه ارادة واختيارا ، فاذا أمره

٣٤٢

بفعل خير ، يكون قد هيأ له أسبابه واعانه على فعله ووعده بالمكافأة عليه ان فعله وأطاع الله فيما أمره به. فاذا أطاع العبد مولاه وفعل ما أمره به باختياره ، ينسب الى العبد انه فعله حقيقة لانه اراده واختاره ، ويستحق الثواب من الله لارادته واختياره لما أمره به. وينسب الى الله حقيقة لاعانته عليه.

واذا نهاه الله عن فعل شيء مخالف وفعل ما نهاه عنه بارادته واختياره ، ينسب فعل الشر الى العبد حقيقة لارادته ولاختياره لفعله بعد النهي والانذار له من خالقه ويستحق العقاب والعذاب على فعل للشر لارادته وفعله له باختياره.

وينسب فعل الشر الى الله عزوجل مجازا لانه تركه ولم يمنعه بالجبر والقوة ، ولو شاء أن يستعمل ارادته التكوينية ، لمنعه وحال بينه وبين ما أراده من فعل الشر لفعل لاتصافه بالقدرة المطلقة ، ولو لم يكن له القدرة الكاملة على منع عبده اذا أراد عصيانه لكان ذلك نقصا في قدرته الكاملة.

سأل ابو حنيفة الامام الكاظم (ع) عن القضاء والقدر وكان الامام صبيا فقال له (ع) :

ما يفعله العبد من الشر ، اما أن يكون من الله فقط فمن الظلم أن يعذب عبده على ما لم يفعله واما أن يكون من الله والعبد ، والشريك القوي أولى بالمؤاخذة من شريكه الضعيف. واما ان يكون ما فعله العبد من الشر من فعله فقط بعد انذار الله تعالى وتحذيره من فعله فان الله تعالى ان شاء جازاه وعاقبه وان شاء سامحه وعفى عنه فتعجب ابو حنيفة من ذلك.

وقال : الله اعلم حيث يجعل رسالته ، انهم أهل البيت زقوا العلم زقا. لسان الواقع.

٣٤٣

(وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) ان وظيفة الرسول هي اداء الرسالة ، وأمر الناس التسليم والطاعة. فمن اطاعه فقد اطاع الله. فلا تفرقة بين الله ورسوله. ولا بين الله وقول رسوله. ومن تولى معرضا مكذبا فالله حسيبه.

وبهذا البيان يتضح تصورهم عن حقيقة ما يقع لهم وعليهم. فكله مرجعه لارادة الله عزوجل والرسول وظيفته الاولى والاخيرة انه رسول لا ينشىء ولا يحدث ولا يخلق ولا يشارك الله تعالى في خاصته الالوهية. وهو يبلغ ما جاء به من عند الله تعالى من حقائق هكذا واضحة.

(وَيَقُولُونَ طاعَةٌ. فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ).

ـ ان هذا الفريق من الناس اذا كان عند رسول الله ص وآله يسمع منه القرآن وما فيه من التكاليف قالوا : (طاعة) ولكن ان يخرجوا تبيت طائفة منهم غير الذي تقول تتآمر على عدم التنفيذ. وعلى اتخاذ خطة للتخلص من التكليف.

والله تعالى يطمئن النبي ص وآله والمخلصين في الصف يطمئنهم بان عينه على الطائفة المنافقة. (وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) وكانت الخطة التي وجه الله اليها نبيه ص وآله في معاملة المنافقين هي اخذهم بظاهرهم لا بحقيقة نواياهم. والتغاضي عما يبدر منهم (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ).

وهنا يعرض عليهم القرآن خطة. هي غاية ما يبلغه المنهج الرباني. من تكريم الانسان والعقل الانساني. واحترام هذا الكائن البشري وادراكه. الذي وهبه له الخالق المنان. يعرض عليهم الاحتكام في أمر القرآن المجيد الى ادراكهم. وتدبر عقولهم. ويعين لهم منهج النظر الصحيح. كما يعين لهم الظاهرة التي لا تخطىء اذا اتبعها ذلك المنهج.

٣٤٤

وهي ظاهرة واضحة كل الوضوح في القرآن من جهة ويمكن للعقل البشري ادراكها من جهة اخرى. ودلالتها على انه من عند الله دلالة لا تمارى

(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ. وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).

ـ وفي هذا العرض. وهذا التوجيه. منتهى الاكرام للانسان. وادراكه وشخصيته. كما قلنا كما ان فيه منتهى النصفة في الاحتكام للانسان الى هذا الادراك في ظاهرة لا يعيبها ادراكها. وهي في الوقت ذاته دلالة ـ كما اسلفنا ـ لا تمارى.

والتناسق المطلق الشامل الكامل. هو الظاهرة التي لا يخطئها من يتدبر القرآن المجيد ابدا. مما لا تختلف العقول والاجيال في ادراك مداها. ولكن كل عقل وكل جيل يجد منها بحسب قدرته وثقافته واستعداده وتقواه. ما يملك ادراكه في محيط يتكيف بمدى القدرة والثقافة والتقوى.

ومن ثم فان كل احد وكل جيل. مخاطب بهذه الآية. ومستطيع عند التدبر وفق منهج مستقيم ان يدرك من هذه الظاهرة عدم الاختلاف. أو ظاهرة التناسق الحكيم الباهر منه بادراكها في حدودها.

تتجلى هذه الظاهرة. ظاهرة عند عدم الاختلاف .. التناسق الباهر. ابتداء في التعبير القرآني من ناحية الاداء وطرائقه الفنية ففي كلام البشر تبدو القمم والسفوح. التوفيق والتعثر في القوة والضعف والتحليق والهبوط والاشراق والانطفاء. الى آخر الظواهر. التي تتجلى معها سمات البشر. وأخصها سمة (التغير) والاختلاف المستمر الدائم من حال الى حال يبدو دائما في كلام البشر واضحا جليا .. وهو التغير والاختلاف ..

هذه الظاهرة واضحة كل الوضوح عن عكسها وهو : (الثبات).

٣٤٥

والتناسق. هو الظاهرة الملحوظة في القرآن المجيد ـ ونحن نتحدث فقط عن ناحية التعبير اللفظي والاداء الاسلوبي ـ فهناك مستوى واحد في هذا الكتاب المعجز ـ تختلف الوانه باختلاف الموضوعات التي يتناولها ـ ولكن يتحد مستواه والكمال في الاداء بلا تغير ولا اختلاف من مستوى الى مستوى كما هو الحال في كل ما يصنع الانسان. انه يحمل طابع الصنعة الآلهية. وهو يدل على الصانع ويدل على الموجود الذي لا يتغير من حال الى حال. ولا تتوالى عليه الاحوال.

وتتجلى ظاهرة عدم الاختلاف. والتناسق المطلق الشامل الكامل. بعد ذلك في ذات المنهج الذي تحمله العبارات. ويؤديه الاداء. منهج التربية للنفس البشرية. والمجتمعات البشرية ـ ومحتويات هذا المنهج وجوانبه الكثيرة. ومنهج التنظيم للنشاط الانساني للافراد وللمجتمع الذي يضم الافراد. وشتى الجوانب والملابسات التي تطرأ في حياة المجتمعات البشرية على توالي الاجيال.

وان كان الفارق بين صنعة الخالق وصنعة المخلوق واضحا كل الوضوح في جانب التعبير اللفظي والاداء الفني. فانه أوضح من ذلك في جانب التفكير والتنظيم والتشريع. فما من نظرية بشرية وما من مذهب بشري الا وهو يحمل الطابع البشري والتأثر الوقتي.

وعكس ذلك كله هو ما يتمم به المنهج القرآني الشامل المتكامل لثابت الاصول ثبات النواميس الكونية. المستمر بالحركة الدائمة ـ مع ثباته ـ كما تسمح بها النواميس الكونية. وتدبر هذه الظاهرة في آفاقها (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) والى هذا القدر الذي لا يخطئه متدبر ـ حين يتدبر ـ يكل الخالق العظيم تلك الطائفة كما يكل كل أحد. وكل جماعة. وكل جيل في كل مكان وزمان. والى هذا القدر من الادراك يكل اليهم الحكم على هذا القرآن المجيد. وبناء اعتقادهم في انه من

٣٤٦

عند الله. ولا يمكن ان يكون من عند غير الله العزيز الحكيم. الصانع القدير. الخبير البصير (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) والقرآن المجيد يدل الجماعة المسلمة على الطريق الصحيح : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ..)

أي لو انهم ردوا ما يبلغهم من أنباء الامن أو الخوف والمتشابه الى الرسول ص وآله ـ ان كان معهم ـ او الى أولى الأمر من اهل بيته المعصومين (ع). لعلموا حقيقته وهم القادرون على استنباط هذه الحقيقة واستخراجها من ثنايا الاحكام الشرعية المنزلة من عند خالق الانسان لهذا الانسان.

فمهمة الجندي الطيب في الجيش المسلم. حين يبلغ اذنيه نداء الامام له فيرجع في بيانه الى امامه عند عدم ادراك فهمه وبيان معناه الحقيقي (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ) أية واحدة تحمل هذه الشحنة كلها. وتتناول القضية من اطرافها وتتعمق السريرة. والضمير. وهي تضع التوجيه والتعليم. ذلك لأنه من عند الله :

(وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) لكنه من عند الله فلا اختلاف فيه

(فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤))

البيان : من خلال هذه الآية الكريمة ـ بالاضافة الى ما قبلها ـ تبرز لنا ملامح كثيرة في الجماعة المسلمة يومذاك. كما تبرز لنا ملامح كثيرة في النفس البشرية في كل حين.

أ ـ يبرز لنا مدى الخلخلة في الصف المسلم. وعمق آثار التبطئة والتثبط فيه.

ب ـ كما يبرز لنا مدى المخاوف والمتاعب في التعرض لقتال المشركين يومذاك.

٣٤٧

ج ـ كذلك تبرز لنا حاجة النفس البشرية ، وهي تدفع الى التكاليف التي تشق عليها الى شدة الارتباط بالله. وشدة الطمأنينة اليه. وهذه كلها حقائق يستخدمها المنهج الرباني. والله هو الذي خلق هذه النفوس وهو يعلم كيف تربى وكيف تستجيب.

(مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥))

البيان : الذي يشجع ويحرض ويعاون على القتال في سبيل الله يكون له نصيب من اجر هذه الدعوة وآثارها. والذي يبطىء ويثبط تكون عليه التبعة وآثارها في الدنيا والآخرة.

(وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً (٨٧) فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨))

البيان : لقد جاء الاسلام بتحيته الخاصة. التي تميز المجتمع المسلم وتجعل كل سمة فيه ـ حتى السمات اليومية العادية ـ متفردة متميزة. لا تندمج ولا تضيع في سمات المجتمعات الاخرى.

جعل الاسلام تحيته : (السلام عليكم) فاذا اراد زيادة زاد (ورحمة الله وبركاته) والرد على القليل بالكثير وعلى الكثير بمثله بدون نقصان. وهكذا أمر نبي الاسلام ص وآله.

(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) : انه من توحيد الله تعالى وافراده بالالوهية.

تبدأ خطوات المنهج الرباني وكذلك من الاعتقاد في الآخرة وجمع الله لعباده. ليحاسبهم هناك على ما اتاح لهم في الدنيا من فرص العمل والابتلاء (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً ..).

٣٤٨

(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) : اننا نجد في النصوص استنكار لانقسام المؤمنين فئتين في أمر المنافقين. وتعجبا من اتخاذهم هذا الموقف شدة وحسما في التوجيه الى تعود الموقف على حقيقته. وفي التعامل مع اؤلئك المنافقين كذلك.

(وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) : وانما ينسب الضلال الى الله تعالى مجازا ليبرهن عن قدرته الكاملة بمعنى انه لو اراد ان يمنع هؤلاء الذين ارادوا الضلال. لمنعهم بارادته التكوينية. ولم يكن وصولهم للضلال الذي ارادوه عن عجز من الله تعالى لكن تركهم ينفذون ما ارادوا ليزدادوا طغيانا ثم يأخذهم أخذ عزيز ذي انتقام. وفي الآخرة عذاب شديد خالدا لا يزول.

(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٨٩) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠))

البيان : انهم قد كفروا على الرغم من البراهن والمعجزات التي ظهرت لهم دالة على صدق هذا الرسول ص وآله وصواب هذا الدين الذي يدعو اليه. وحقيقة هذه الشريعة الآلهية التي اتى بها من خالق الكون وهم لم يكتفوا بكفرهم وعنادهم للحق والصواب. بل جعلوا يسعون لتضليل المسلمين ليكونوا معهم ومثلهم كافرين معاندين. لأن الذي يفسد ويخبث لا يستريح لوجود الهدى والايمان في الارض وربح من آمن واتبع الهدى. مع كونه قد كفر واتبع الضلال المبين ووقع في الخسران الهائل.

هذا هو الايضاح الاول لحقيقة موقف اؤلئك المنافقين والكافرين.

٣٤٩

والقرآن يلمس مشاعر المؤمنين لمسة قوية مفزعة لهم وهو يقول مهم : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً)

(فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ) : ان الاسلام يتسامح مع اصحاب العقائد الفاسدة فلا يكرههم ابدا. على اعتناق عقيدة الاسلام. حتى وهم يعيشون في ظل نظامه ودولته.

ولكن لا يتسامح مع من يظهر اعتناقه للاسلام ثم يريد الفساد والتضليل لجماعة المسلمة ذلك لان التسامح لأهل الفساد في الافساد. اقرارا لفسادهم وتقوية لهم على الفساد. فالاسلام وان كان من شأنه التسامح. ولكنه يكافح الفساد والمفسدين وفي هذه اللفتات واللمسات من المنهج القرآني للجماعة المسلمة الاولى. بيان وبلاغ ليحذروا من خدع الاعداء.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) .. (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) وهكذا يلمس المنهج التربوي الحكيم نفوس المسلمين المتحمسين الذين لا يرضون هذا الموقف من هذا الفريق. يلمسه بما في هذا الموقف من فضل الله وتدبيره.

لقد نهاهم عن السلم الرخيص. لأنه ليس الكف عن القتال. بأي ثمن هو غاية الاسلام انما غاية الاسلام : السلم الذي لا يتحيف حقا من حقوق الدعوة. ولا من حقوق المسلمين.

(سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (٩١))

البيان : هكذا نرى صفحة من حسم الاسلام وجديته الى جانب سماحته وتغاضيه. هذه في موضعها. وتلك في موضعها. وطبيعة الموقف. وحقيقة الواقعة هي التي تحدد هذه وتلك. ورؤية هاتين

٣٥٠

الصفحتين ـ على هذا النحو ـ كفيلة بان تنشىء التوازن في شعور المسلم كما تنشىء التوازن في النظام الاسلامي ـ السمة الاساسية الاصيلة ـ

فاما حين يجيء المتميعون المعتذرون عن الجهاد في الاسلام. كأن الاسلام في قفص الاتهام وهم يترافعون عن المتهم الفاتك الخطير فيجعلون الامر كله سماحة وسلما واغضاء وعفوا.

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣))

البيان : هذه الاحكام تتناول اربع حالات : ثلاث منها من حالات القتل الخطأ ـ وهو الامر المحتمل وقوعه بين المسلمين في دار واحدة ـ دار الاسلام ـ أو في ديار مختلفة بين شتى الاقوام ـ والحالة الرابعة حالة القتل العمد. وهي التي يستبعد السياق القرآني وقوعها ابتداء ، فليس من شأنها ان تقع. اذ ليس في هذه الحياة الدنيا كلها ما يساوي دم مسلم يريقه عمدا.

وليس في ملابسات هذه الحياة الدنيا كلها ما من شأنه ان يوهن من علاقة المسلم بالمسلم الى حد ان يقتله عمدا. وهذه العلاقة التي انشأها الاسلام بين المسلم والمسلم من المتانة. والعمق والضخامة والاعزاز بحيث لا يفترض الاسلام ان تخدش هذا الخدش الخطير ابدا. ومن ثم يبدأ حديته عن احكام القتل الخطأ (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً)

فهذا هو الاحتمال الوحيد في الحس الاسلامي .. وهو الاحتمال الحقيقي في الواقع. فان وجود مسلم الى جوار مسلم مسألة كبيرة. كبيرة جدا. ونعمة عظيمة. عظيمة جدا. ومن العسير تصور ان يقدم

٣٥١

مسلم الى جوار مسلم على ازالة هذه النعمة عن نفسه. والاقدام على هذه الكبيرة عن عمد وقصد.

ان العنصر المسلم عنصر عزيز في هذه الارض. وأشد الناس شعورا باعزاز هذا العنصر هو المسلم مثله. فمن العسير ان يقدم على اعدامه بقتله. وهذا امر يعرفه اصحابه. يعرفونه في نفوسهم ومشاعرهم. وقد علمهم الله اياه بهذه العقيدة. وبهذه الوشيجة. وبهذه القرابة التي تجمعهم في رسول الله ص وآله. ثم ترقى فتجمعهم في الله عزوجل. الذي الف بين قلوبهم ذلك التأليف الرباني العجيب. (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً).

انها جريمة قتل لا لنفس فحسب ـ بغير حق ـ ولكنها كذلك جريمة قتل للوشيجة الحبيبة الكريمة العظيمة. التي انشأها الله بين المسلم واخيه المسلم. انها تنكر للايمان ذاته وللعقيدة نفسها.

ومن ثم قرنت بالشرك في مواضع كثيرة واتجه بعضهم الى ان صاحبها لا يتوفق بعد للتوبة. لأن الجرائم الكبيرة تسبب تمليك الشيطان من صاحبها حتى يقنطه من رحمة الله تعالى.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤))

البيان : ان عرض الحياة الدنيا لا يجوز ان يدخل للمسلمين في حساب. اذا خرجوا يجاهدون في سبيل الله. انه ليس الدافع الى عرض الدنيا ولا الباعث عليه. وكذلك التسرع باهدار دم قبل التبين. وقد يكون دم مسلم عزيز او دم معاهد مصون محترم.

٣٥٢

والله تعالى يذكر الذين آمنوا بجاهليتهم القريبة وما كان فيها من تسرع ورعونة. وما كان فيها من طمع في الغنيمة (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ)

وهكذا يلمس المنهج القرآني القلوب لتحيا وتتحرج وتتذكر نعمة الله. وعلى هذه الحساسية والتقوى. يقيم الشرائع والاحكام بعد بيانها وايضاحها لترفع الامة المسلمة بكمالها الانساني واذا انسان أظهر لكم انه مسلم والقى عليكم الاسلام فلا تقولوا له لست مسلما وترتبوا عليه آثار غير المسلم حتى تستحلوا منه من الدنيا ما ترغبون فما زال قد اظهر الاسلام اقبلوا منه ولو كان في نفسه كاذبا فانتم لكم الظاهر لا غير. والله تعالى هو الذي يحاسب على ما في الضمائر والخفايا فاحذروا وانتبهوا.

(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٩٦))

البيان : ان هذا النص القرآني كان يواجه حالة خاصة في المجتمع المسلم وما حوله. وكان يعالج حالة خاصة في هذا المجتمع من التراخي ـ من بعض العناصر ـ في النهوض بتكاليف الجهاد بالاموال والانفس. سواء كان المقصود اؤلئك الذين تخلفوا عن الهجرة احتفاظا باموالهم ام بسواهم.

ان النص كان يواجه هذه الحالة الخاصة. ولكن التعبير القرآني يقرر قاعدة عامة. يطلقها من قيود الزمان. وملابسات البيئة. ويجعلها هي القاعدة التي ينظر الله بها الى المؤمنين في كل زمان ومكان.

٣٥٣

ومن ثم لا بد من الجهاد. لا بد منه في كل صورة. ولا بد ان يبدأ في عالم الضمير ثم يظهر فيشمل عالم الحقيقة والواقع والشهود. ولا بد من بذل الاموال والانفس في سبيل الله وكسب رضاه لتكون كلمة الله هي العليا ويسود العدل بين الناس ويصل للضعيف حقه ويرتفع الفساد والظلم.

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩))

البيان : لقد كان هذا النص يواجه حالة واقعة في الجزيرة العربية في مكة وغيرها بعد هجرة الرسول ص وآله وقيام الدولة المسلمة. فقد كان هناك مسلمون لم يهاجروا حبستهم مصالحهم. وخوفهم من مشاق الهجرة. وجماعة حبسهم عجزهم الحقيقي من الشيوخ والنساء والولدان وقد اشتد اذى المشركين لهؤلاء الباقين من افراد المسلمين. وقد فتن بعضهم عن دينه واضطر بعضهم الى اظهار الكفر تقية. وهي سلاح الضعفاء والمظلومين في كل زمان ومكان. ولكن التعبير القرآني ـ على اسلوب القرآن ـ يعبر في صورة. ويصور في مشهد حي الحركة والحوار.

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ). ان القرآن يعالج نفوسا بشرية ويهدف الى استجاشة عناصر الخير والمروءة والعزة فيها. والى مطاردة عوامل الضعف والحرص.

ولكن الملائكة لا يتوفونهم ـ ظالمي انفسهم ـ في صمت ، بل يقبلون ماضيهم ويستنكرون امرهم ويسألونهم فيهم اضاعوا ايامهم ولياليهم وماذا كان شغلهم وهمهم في الدنيا ولماذا كنتم ترون المنكر ولا تنكروه.

٣٥٤

الم تعلموا ان الساكت عن انكار المنكر شيطان اخرس وهو يشارك المجرم في اجرامه. و (قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ) (قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها). انه لم يكن العجز الحقيقي هو الذي يحملهم على قبول الذل والهوان. بل هو حرصهم على دنياهم. وهنا بنهي المشهد المؤثر : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) ويمضي هذا الحكم الى آخر الزمان. متجاوزا تلك الحالة الخاصة التي كان يواجهها النص في تاريخ معين وفي بيئة معينة. يمضي حكما عاما يلحق كل مسلم تناله الفتنة في دينه.

(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠) وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١))

البيان : ان المنهج الرباني القرآني. يعالج في هذه الآية مخاوف النفس المتنوعة وهي تواجه مخاطر الهجرة. في مثل تلك الظروف الحرجة والتي قد تنكرر بذاتها في كل حين مع الاشرار.

فهو اولا يحدد الهجرة ـ بان تكون في سبيل الله ـ وهذه هي الهجرة المعتبرة في الاسلام فليست هجرة لاجل الدنيا وملذاتها. ومن يهاجر هذه الهجرة ـ في سبيل الله ـ يجد السعة.

وان مات (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) وما الذ هذه الهجرة واربحها ان عاش وجد سعة وان مات مات شهيدا وهل هناك سعادة وثراء اسمى واغلى من ذلك يا اولى الالباب.

(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) ان الضارب في الارض في حاجة ماسة الى الصلة الدائمة بربه تعينه على ما هو فيه. واما القصد هنا انه ينبىء ان الصلاة لا تترك بحال فاذا خاف الانسان على نفسه من لص او وحش

٣٥٥

او غير ذلك وجب ان يؤدي الصلاة حسب امكانه ولو هو ماش او لغير القبلة.

(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢))

فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣)

وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤))

البيان : ان المتأمل في اسرار هذا القرآن. وفي اسرار المنهج الرباني للتربية المتمثلة فيه يطلع على عجب من اللفتات النفسية. النافذة الى اعماق الروح البشرية ومنها هذه اللفتة في ساحة المعركة الى الصلاة.

ان السياق القرآني لا يجيىء بهذا النص هنا لمجرد بيان الحكم (الفقهي) في صفة صلاة الخوف.

ولكنه يحشد هذا النص في حملة التربية والتوجيه والتعليم والاعداد للصف المسلم وللجماعة ، واول ما يلفت النظر هو الحرص على الصلاة في ساحة المعركة. ولكن هذا طبيعي بل بديهي في الاعتبار الايماني. ان هذه الصلاة سلاح من اسلحة المعركة. بل انها السلاح القوي الماضي. فلا بد من تنظيم لاستخدام هذا السلاح بما يناسب مع طبيعة المعركة. وجو المعركة. ولقد كان اؤلئك الرجال ـ الذين تربوا بالقرآن وفق المنهج الرباني ـ يلقون عدوهم بهذا السلاح القوي الماضي. الذي يتفوقون به على الاعداء قبل كل سلاح. لقد كانوا متفوقين في ايمانهم بالله وحده. ويعرفونه حق المعرفة. ويشعرون انه اسمى الاهداف جميعا.

٣٥٦

كانوا متفوقين ايضا في تصورهم للكون والحياة. ولغاية وجودهم الانساني. تفوقهم في التنظيم الاجتماعي الناشىء من تفوق منهجهم الرباني. وكانت الصلاة رمزا لهذا كله. وتذكيرا بهذا كله. ومن ثم كانت سلاحا في المعركة. بل كانت هي السلاح الماضي الفريد.

والامر الثاني الذي يلفت النظر في هذا النص هو التعبئة الروحية الكاملة تجاه العدو وهذا الحذر الذي يوصي المؤمنون به تجاه عدوهم الذي يتربص بهم لحظة غفلة واحدة عن اسلحتهم وامتعتهم. ليميل عليهم ميلة واحدة. ومع هذا التحذير والتخويف والاطمئنان والتثبيت اذ يخبرهم انهم انما يواجهون قوما كتب الله عليهم الهوان (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) على ان هذا الحذر وهذه التعبئة النفسية وهذا الاستعداد بالسلاح المستمر ليس من شأنه ان يوقع المسلمين في المشقة. فهم يأخذون منه بقدر الطاقة.

ثم يختم هذا التوجيه بالتشجيع على المضي في الجهاد ويلمس القلوب المؤمنة لمسة عميقة تمس اعماق القلوب. وتلقى الضوء القوي على البصائر (وَلا تَهِنُوا) .. (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ) (ولكن (تَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) انهن كلمات معدودات ولكن يتضمن الخطوط الحاسمة ويكشفن عن الشقة البعيدة بين جبهتي الصراع. ان اعداءهم كذلك يتألمون. وينالهم القرح ولكن شتان بين هؤلاء. وهؤلاء. ان المؤمنين يتوجهون الى الله بجهادهم. ويرتقبون عنده جزاءهم فأما الكفار فهم ضائعون مضيعون. ان عاشوا أشقياء تعساء. وان ماتوا فالى النار وبئس القرار

(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧)

يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما

٣٥٧

لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩))

البيان : انا نحس في التعبير صراحة. يفوح منها الغضب للحق. والغيرة على العدل وتشيع في جو الآيات وتفيض منها : واول ما يبدو هذا في تذكير رسول الله ص وآله بتنزيل الكتاب اليه بالحق ليحكم بين الناس بما اراه الله واتباع هذا التذكير بالنهي عن ان يكون خصيما للخائنين. يدافع عن خصمهم محاباة وانحراف عن العدل وحيفا على الخصم في الدين ان كان الحق له عند المحاكمة. فعداوة الدين شيء. والعدل بين المتخاصمين شيء اخر. ويعقب الوصف بالاثم والخيانة تصوير منفر لسلوك هؤلاء الخونة الآثمين (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) وهي صورة زرية داعية الى الاحتقار والسخرية. زرية بما فيها من ضعف والتواء .. وهم يبيتون من الكيد والمؤمرة والخيانة ويخفونها من الناس خشية اللوم والنقيضة. ولا يخافون الله ولا يخشون عذابه وعقابه للعاصين وتستمر الحملة التي يفوح منها الغضب على كل من جادل عن الخائنين الخبيثين المجرمين : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ..).

اللهم لا مجادل عنهم يوم القيامة ولا وكيل فما جدوى الجدال عنهم في الدنيا وهي لا تدفع عنهم شيئا من العذاب.

(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢))

البيان : الآية الاولى تفتح باب التوبة على مصرعيه وباب المغفرة للتائبين تحقيقا متقينا وتجذم لكل مذنب تائب في العفو والاحسان. (وَمَنْ

٣٥٨

يَعْمَلْ سُوءاً .. ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) وانما هذه التوبة يحددها امير المؤمنين (ع) بشروط اربعة : الاول الندم على ما مضى من عصيانه ، الثاني : العزم والجزم بعدم العود الى العصيان ابدا. الثالث : ارجاع حقوق الناس اليهم حتى لا يبقى لأحد عليه حق ابدا اذا كان قادرا والعزم على الوفاء بما عليه عند القدرة على ذلك وهذا يكفيه ، الشرط الرابع : ان يقضي ما فاته من الفرائض حال عصيانه بقدر ما امكن.

والاية الثانية تقرر فردية التبعة. وهي القاعدة العادلة. التي يقوم عليها التصور الاسلامي في الجزاء على الاعمال. وهي التي تثير في قلب كل مؤمن شعور الخوف وشعور الطمأنينة. اما الخوف من حيث انه يعلم يقينا انه لا يقدر ان يتحمل عنه اوزاره ابدا واما الطمأنينة فمن حيث انه يعلم يقينا انه لا يؤاخذه الله بعمل غيره ويحمل عليه اوزاره عليه. فليست هناك خطيئة موروثة في الاسلام. كالتي تتحدث عنها تصورات الكنيسة كما انه ليست هناك كفارة صكوك غفران كما هو عند ارباب الكنيسة. فجريمة الانسان لا يمحوها الا التوبة والانابة. والمحسن في مأمن من كل تبعة يعملها سواه.

وعندئذ تنطلق كل نفس حذرة من الدنو الى الخطيئة. مطمئنة انها لا تحاسب الا على ما كسبت انه توازن عجيب في هذا التصور الفريد. وهو احدى خصائص التصور الاسلامي. واحد مقوماته التي توافق الفطرة الصافية وتحقق العدل الآلهي المطلق.

وبهذه القاعدة الاسلامية التي يرسمها القرآن المجيد يكون ميزان العدالة الذي يحاسب كل فرد على ما اجترح. ولا يدع المجرم يتملص ولا يدع المحسن يتعثر. وفي الوقت ذاته يفتح باب التوبة امام الخاطئين بشروطها الاربعة (الندم ، والعزم ، والوفاء ، والقضاء (ثم يصدر الانذار

٣٥٩

الذي يقبل بعد الاعتذار. وهو ان التوبة مقبولة ما لم تأتي علامات الموت فقط. وحينئذ يغلق الباب وتوقف الاقلام : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ. وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ..) فعليك ايها العاقل من الحذر الشديد. فلا يخدعنك الشيطان الرجيم فانه يغريك بتأخير التوبة حتى يأتيك الموت.

(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣) لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤))

البيان : ان محاولة أهل الضلال والباطل في اضلال أهل الهدى والحق كثيرة حتى يكونوا يطمعون في خدعة النبي ص وآله لعله يوافقهم في الانحراف عن الهدى والحق ولكن خابوا فيما أملوا وحاولوا فان من عرف الحق والعدل عن فهم ورشد يستحيل أن يميل أو ينحرف ولذا ـ لما قال الشيطان فوعزتك لأغوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلصين ـ قال عزوجل :

(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ...)

والمراد بقوله عزوجل : ليس لك عليهم سلطان في الغواية ، لانهم عرفوا الحقيقة عن ايمان ويقين وأيقنوا أن الالتزام بها حياة ونور. والانحراف عنها موت وعمى وظلام ، ويستحيل لعاقل مختار ان يترك الهدى والنور والحياة ، ويختار الضلال والظلام والموت.

قال عزوجل :

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ. أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) (ام هل يستوي الاحياء والاموات). ام (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)

٣٦٠