تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

١

٢

(يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥))

البيان : العذاب والرحمة يتبعان مشيئة الله وما يختاره العبد لنفسه من طاعة او عصيان. فان اطاع خالقه بما امره ونهاه. استحق الرحمة والكرامة في الدنيا وفي الآخرة جنات النعيم وان عصاه ونبذ ما امره ونهاه : استحق الخزي والذم في الدنيا. وله في الاخرة عذاب الجحيم. (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) فليس لكم من قوة في هذه الحياة تمتنعون بها. (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) وأين يوجد ولي لهذا المخلوق او نصير من دون خالقه. واليه يرجع الامر كله (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ ..) هذا كان جزاء هدا الناصح الشفيق المحسن لقومه ليخرجهم من الظلمات الى النور. ومن الضلال الى الهدى.

كان الجزاء من قوم ابراهيم على احسانه وارشاده اياهم : القتل او الحرق. ولكنهم قد اختاروا اقسى العقوبات وهو الحرق بالنار وغاب عنهم ان له مولى يحميه من كيدهم ويرجع كيدهم الى أنفسهم فيقعوا في الخزي والخسران في الدنيا والآخرة. (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ).

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يعني ان اهل الايمان يأخذون من نجاة ابراهيم (ع) قوة وحصنا منيعا يقويهم على اتباع الحق والعدل وان كادتهم اهل السماء والارض فان الله قادر على خلاصهم ونجاتهم وينزل الخزي والخسران على اعدائهم مهما كانوا وكيفما كانوا فالله فوقهم

٣

(وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) لا تسمع ولا تبصر. ولا تنفع ولا تضر فأين عقولكم ومدارككم. ثم يكشف لهم عن منتهى امرهم وما سيجري بينهم وما ستكون عاقبة امرهم بعد قليل وقليل : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) فيا لها من عاقبة. ويا لها من صحبة وصداقة تنتهي بالتبرىء واللعن. يوم يتنكر التابعون من المتبوعين ويتبرأ الاولياء من اوليائهم. ويلعن كل غوي صاحبه الذي قد غواه. وزين له ارتكاب الفواحش والجرائم حتى استحق الخلود في النار (مَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) فيا ليت هذه النار التي سيخلدون فيها قريبة الشبه. بالنار التي ارادوا ان يحرقوا نبيهم وناصحهم (ابراهيم (ع)) بها واي شبه بين النارين. وقد انتهت جولة ابراهيم الخليل (ع) مع قومه وما بذله من الجهود الجبارة. وما أراهم خالقهم بنجاة ابراهيم وصيرورة النار عليه بردا وسلاما. فبعد هذا كله لم يؤمن به ويتبعه في دينه الا فرد واحد هو ابن اخيه لوط (ع) وباقي القوم باجمعهم اتبعوا قادتهم المتجبرين الظالمين لهم.

(فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠))

البيان : ونقف امام قول لوط (ع) : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) لنرى فيم هاجر. انه لم يهاجر للنجاة والفرار. ولا لتجارة وكسب اموال. انما هاجر لربه. متقربا اليه ليخلص له في عبادته. ويخلص له في قلبه وسريرته. ليخلص له في ايمانه وعقيدته. بعيدا عن وطنه وعشيرته. مستنكرا على أهل زمانه الذين اختاروا عبادة الاحجار على عبادة الرحمان

٤

وحاربوا من يدعوهم الى الهدى والايمان. واتبعوا اهل الكفر والطغيان وقد عوض الله تعالى على ابراهيم (ع) عن وطنه ذرية طيبة. وعوض على لوط (ع) ان جعله نبيا ورفع مقامه. (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) ومن خطاب لوط لقومه يظهر ان الفساد قد استشرى فيهم بكل الوانه. فهم يأتون الفاحشة الشاذة التي لم يسبقهم بها احد من العالمين. يأتون الرجال. وهي فاحشة شاذة قذرة تدل على انحراف الفطرة وفسادها من اعماقها. فالفطرة قد تفسد بتجاوز حد الاعتدال والطهارة مع المرأة. فتكون هذه جريمة فاحشة. فان الله تعالى قد جعل لذة المباشرة الجنسية بين الزوجين متناسقة مع خط الحياة الاكبر ، وامتداده للنسل الذي ينشأ بينهما. وقد جهز كل من الزوجين بجهاز خاص. نفسيا وعضويا. وفقا لذلك التناسل والتناسق. فاذا تركت فسدت (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فهو منتهى الانحراف والعصيان. على الخالق العظيم. والعناد في وجه الانذار والتحد التام. (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ). وهنا ينقطع البيان. على دعاء لوط (ع).

(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥))

البيان : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) هذا المشهد مشهد الملائكة مع ابراهيم (ع) مختصر في هذا الموضع لأنه ليس مقصودا. فقد سبق في قصة ابراهيم (ع) ومن ثم لم يفصل قصتها هنا. لأن الغرض هو اتمام قصة لوط. فذكر ان مرور الملائكة بابراهيم (ع) ثم اخبروه

٥

بمهمتهم الاولى : (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) وادركت ابراهيم رقته ورأفته فراح يذكر (قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً) فهو صالح وليس بظالم (قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها) وقد كان هوى امرأته مع القوم لذا أصابها ما أصابهم (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) ويختصر هنا هجوم القوم على الضيوف ومحاورة لوط لهم. وهم في شدة الشذوذ. (قالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ).

ترسم هذه الآية مشهد التدمير الذي اصاب القرية واهلها جميعا ـ الا لوطا وأهله المؤمنين) وقد كان هذا التدمير. بقلب القرية عاليها سافلها. وامطرنا عليها حجارة من طين. قلبت المدينة وابتلعتها الارض وما تزال آثار هذا التدمير باقية. تحدث عنها آيات الله تعالى. لمن يعقلها ويتدبرها ، (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وكان هذا هو المصير الطبيعي لهذه الشجرة الخبيثة التي فسدت وانتنت فلم تعد صالحة للاثمار ولا للحياة. ولم تعد تصلح الا للعبر لمن أعتبر ويعتبر.

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧)

وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ

فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠))

البيان : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) وهي اشارة تبين وحدة الدعوة ولباب العقيدة. (اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) وعبادة الله الواحد القهار. هي قاعدة العقيدة ورجاء اليوم الآخر. كفيل بتحويلهم عما

٦

كانوا يرجونه في هذه الحياة الدنيا من الكسب المادي الحرام بالتطفيف في الكيل والميزان. وغصب المارين بطريقهم للتجارة. وبخس أشياءهم والافساد في الارض.

(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) وقد تقدم بيان الرجفة التي زلزلت عليهم بلادهم ورجتها بعد الصيحة المدوية التي اسقطت قلوبهم وتركتهم مسحوقين حيث كانوا في دارهم لا يتحركون. فأصبحوا فيها جاثمين جزاء ما كانوا يروعون الناس وهم يخرجون عليهم ظالمين مفسدين. (وَعاداً وَثَمُودَ. وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ. وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ..)

وعاد كانت تسكن بالاحقاف. في جنوب الجزيرة بالقرب من حضرموت. وثمود كانت تسكن بالحجر في شمال الجزيرة. بالقرب من وادي القرى. وقد هلكت عاد بريح صرصر عاتية. وهلكت ثمود بالصيحة المزلزلة. وبقيت مساكنها معروفة للعرب يمرون عليها في رحلتي الشتاء والصيف ويشهدون آثار التدمير. بعد العز والتمكين. وهذه اشارة مجملة تكشف عن سر ضلالهم وفسادهم. (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ..)

فقد كانت لهم عقول. وكانت امامهم دلائل الهدى. ولكن الشيطان استهواهم وزين لهم أعمالهم (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) سبيل الهدى المؤدي الى الايمان بخالق الكون وما حواه وضيع عليهم الفرصة.(قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ) بثروته وعلمه. ولم يستمع نصح الناصحين بالاحسان. والاعتدال والتواضع وعدم البغي والفساد.(وفرعون) كان طاغية غشوما. يرتكب أبشع الجرائم وأغلظها. ويسخر الناس ويجعلهم شيعا. وكان يقتل ابناء بني اسرائيل ويستحي نساءهم عتوا وظلما. وهامان كان وزيره المدبر لمكائده. المعين على

٧

ظلمه وبطشه (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ).

(فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً .. وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا).

(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥))

البيان : انه تصوير عجيب صادق لحقيقة القوى في هذا الوجود. الحقيقة التي يغفل عنها الناس أحيانا. فيسوء تقديرهم لجميع القيم. ويفسد تصورهم لجميع الارتباطات. وتختل في أيديهم جميع الموازين. ولا يعرفون الى أين يتوجهون. وماذا يأخذون وماذا يدعون.

وعندئذ تخدعهم قوة الحكم والسلطان يحسبونها القوة القادرة التي تعمل في هذه الارض. وتخدعهم قوة المال فيحسبونها القوة المسيطرة على أقدار الناس وأقدار الحياة. وتخدعهم قوة العلم فيحسبونها أصل القوة وأصل المال. وأصل سائر القوى التي يصول بها من يملكها ويجول بها من يعتمد عليها. وتخدعهم هذه القوة الظاهرة تخدعهم في أيدي الافراد. وفي أيدي الجماعات. وفي أيدي الدول. كالتجاء العنكبوت الى بيتها التي صنعته من لعابها. ولا وقاية لها من بيتها الواهن.

وليس هناك الا حماية الله. والا حماه. والا ركنه القوي الركين. هذه الحقيقة الضخمة هي التي عني القرآن المجيد بتقريرها في نفوس الفئة المؤمنة. فكانت بها أقوى من جميع القوى التي وقفت في

٨

طريقها. وداست بها على كبرياء الجبابرة في الارض ودكت بها المعاقل والحصون.

فقوة الله وحدها هي القوة. وولاية الله وحدها هي الولاية. وما عداها فهو واهن ضئيل. (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ). فلقد اتخذها جماعة من المشركين المغلقي القلوب والعقول مادة للسخرية والتهكم. وقالوا ان رب محمد يتحدث عن الذباب والعنكبوت ولم يهز مشاعرهم هذا التصوير العجيب لانهم لا يعقلون ولا يعلمون (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ). وهكذا تجيء هذه الاية عقب قصص الانبياء وعقب المثل المصور لحقيقة القوى في الوجود. متناسقة معها مرتبطة بها. بتلك الصلة الملحوظة. صلة الحقائق المتناثرة كلها بالحق الكامن في خلق السموات والارض. والذي قامت به في ذلك النظام الدقيق الذي لا يتخلف ولا يبطىء ولا يختلف. ولا يصدم بعضه بعضا. لانه الحق متناسق لا عوج به (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ). فهو وسيلتك للدعوة. والاية الربانية المصاحبة لها والحق المرتبط بالحق الكامن في خلق الكون. (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) فهي اتصال بالله يخجل صاحبه ويستحي أن يصطحب معه كبائر الذنوب وفواحشها ليلقى الله بها. وهي تطهر وتجرد صاحبها من كل دنس ولوث.

(وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) اكبر اطلاقا. اكبر من كل اندفاع. واكبر من كل تعبد وخشوع (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ).

(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ

٩

قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠))

البيان : ان دعوة الله تعالى التي حملها نوح (ع) والرسل بعده حتى وصلت الى خاتم النبيين محمد ص وآله. لهي دعوة واحدة من عند اله واحد. ذات هدف واحد. هو رد البشرية الضالة الى ربها. وهدايتها الى طريقه. وتربيتها بمنهاجه. وان المؤمنين بكل رسالة لأخوة متعاضدة. وان البشرية في جميع أجيالها لصنفان اثنان. صنف المؤمنين وهم حزب الله. وصنف المشاقين لله. وهم حزب الشيطان. بغض النظر عن تطاول الزمان. وتباعد المكان.

هذه هي الحقيقة الضخمة العظيمة. الرفيعة التي يقوم عليها الاسلام. والتي تقررها هذه الاية من القرآن (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ. وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ ..)

اذن فلا حاجة الى الشقاق والنزاع والجدل والنقاش وكلهم يؤمنون باله واحد. (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) على النهج الواحد المتصل (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ ...)

وهكذا يتتبع مواضيع شبهاتهم حتى على فرض أن رسول الله ص وآله. كان قارئا كاتبا. ما جاز لهم ان يرتابوا. فهذا القرآن يشهد بذاته على أنه ليس من صنع البشر. فهو أكبر جدا من طاقة البشر. والحق الذي فيه ذو طبيعة مطلقة كالحق الذي في هذا الكون. وكل وقفة امام نصوصه توحي للقلب بان وراءه قوة فوق قوة البشرية (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ). فهو دلائل واضحة في صدور الذين وهبهم الله العلم. لا لبس فيها ولا غموض. ولا شبهة فيها ولا ارتياب. دلائل يجدونها بينة في صدورهم تطمئن اليها قلوبهم. فلا تطلب عليها دليلا. والعلم الذي يستحق هذا الاسم. هو

١٠

الذي تجده الصدور في قرارتها مستقرا فيها منبعثا منها. يكشف لها الطريق (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) الذين لا يعدلون في تقدير الحقائق وتقويم الامور. والذين يتجاوزون الحق والصراط المستقيم.(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ ...)

يعنون بذلك الخوارق المادية التي صاحبت الرسالات من قبل في طفولة البشرية. والتي هي مختصة في أهلها وزمانها ثم تزول فلا يبقى لها أثر يحس. لانها كانت هكذا لوقت معلوم. بخلاف رسالة الاسلام فانها للاجيال والعصور. التي ستصبح في رقي شاهق من المعارف. وهي الرسالة الاخيرة التي تقوم حجتها على كل من بلغته دعوتها. الى أن يرث الله الارض ومن عليها. ومن ثم جاءت آياتها الخوارق ، آيات متلوة من القرآن المجيد المعجز الذي لا تنفد عجائبه ، والذي تنفتح كنوزه لجميع الاجيال. والذي هو ايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ، يحسبونها خوارق معجزة. (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) يظهرها عند الحاجة اليها. وفق تقديره وتدبيره.(وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ).

ان القرآن قد جرد العقيدة من كل وهم وكل شبهة. فلا تتلبس بصفات الله الواحد القهار.

(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥))

أولم يكفهم ان يعيشوا مع السماء. بهذا القرآن وهو

١١

يحدثهم بما في نفوسهم. ويكشف لهم عما حولهم ويشعرهم ان عين الله عليهم. وانه معكم أينما كنتم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فالذين يؤمنون هم الذين يجدون مس هذه الرحمة في نفوسهم. وهم الذين يتذكرون فضل الله تعالى وعظيم منته على البشرية بهذا التنزيل. ويستشعرون كرمه وهو يدعوهم الى حضرته ليغنيهم ويحميهم. من كل ما يخافون. وهو على ذلك قدير. وهو أقرب اليهم من كل قريب. وهو العلي الكبير العظيم.

هؤلا هم ينفعهم هذا القرآن لانه يحيا في قلوبهم. ويفتح لهم عن كنوزه. ويمنحهم دخائره. ويشرق في أرواحهم بالمعرفة والنور.(قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً ..)

(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الخاسرون لكل شيء في الدنيا والاخرة.

ان الايمان بالله كسب في ذاته. والاجر عليه بعد ذلك فضل من الله آخر. انه طمأنينة في القلب. واستقامة على الطريق. وثبات على الاحداث. وثقة بالسند. واطمئنان للحمى. ويقين بالعاقبة. وان هذا في ذاته لهو كسب لا يقدر. وان هذا في ذاته هو خسران الكافرين.(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) .. ولقد كان المشركون يسمعون النذير. ولا يدركون حكمة الله تعالى. في امهالهم الى حين. وكثيرا ما يكون امهال الله استدراجا للظالمين ليزدادوا عتوا وفسادا.

وقد يكون التأخير تصفية للمنافقين الذين يتبعون الانبياء لأجل الدنيا فالامتحان يكشفهم وقد يكون امتحانا للمؤمنين ليزدادوا ايمانا وثباتا. وتمييزا عن المنافقين الذين رجعوا بالامهال. ولكن المشركين لم يكونوا يدركون شيئا من هذه الحكمة الالهية. (وَلَوْ لا أَجَلٌ

١٢

مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) ولقد جاءهم هذا العذاب يوم بدر. ورأوا بأعينهم كيف انتقم الله من جبابرتهم. وصدق وعد الله.

وبعد الوعيد بعذاب الدنيا الذي أتاهم بغتة. جعل يكرر استعجالهم بالعذاب الدائم. (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ).

وفي استحضار المستقبل كأنه مشهود صور لهم جهنم وهي محيطة بالكافرين. وتصويره على حقيقته المستورة يوقع في الحس رهبة. وهي تحيط بهم جهنم. وتهم أن تنطبق عليهم.

(يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ. وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). وهو مشهد مفزع في ذاته يصاحبه التقريع المخزي. والتأنيب المرير (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فهذه نهاية الاستعجال بالعذاب. والاستخفاف بالنذير.

(يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠))

البيان : ان خالق هذه القلوب هو الخبير بمداخلها. وهو العليم بخفاياها. وهو العارف بما يهجس فيها. وما يستكن في حناياها. ان خالق هذه القلوب ليناديها هذا النداء الحبيب (يا عِبادِيَ) يناديها هكذا. ان خالق هذه القلوب يدعوها الى الهجرة بدينها. لتحس منذ اللحظة الاولى بحقيقتها. بنسبتها الى ربها واضافتها الى مولاها (يا عِبادِيَ).

هذه هي اللمسة الاولى. واللمسة الثانية (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ)

١٣

انتم عبادي ، وهذه أرضي. وهي واسعة فسيحة تسعكم فما الذي يمسككم في مقامكم الضيق. الذي تفتنون فيه عن دينكم. ولا تملكون. ان تعبدوا الله مولاكم. غادروها يا عبادي ، واخرجوا ناجين بدينكم أحرارا في عبادتكم. (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) فالموت حتم في كل مكان فلا داعي أن يحسبوا حسابه. وهم لا يعلمون أسبابه. والى الله المرجع والمآب. فهم مهاجرون اليه في أرضه الواسعة. وهم عباده الذين يحرسهم ويكفلهم اينما كانوا).

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ...)

وهي لمسة التثبيت والتشجيع لهذه القلوب التي قد يدخل عليها القلق والخوف. ثم يهيج في النفس دفع القلق والخوف من ضيق المعاش أو الاعداء. في مغادرة البلاد والاوطان. (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ).

وهي لمسة توقظ قلوبهم الى الواقع المشهود في حياتهم. فكم من دابة لا تقدر على السعي الى رزقها. ولا تعرف كيف توفره لنفسها. وهنا يتكفل خالقها برزقها من حيث لا تحتسب كما تكفها وهي في ظلمات ثلاث في بطن امها. وهو على كل شيء قدير ، لا يعجزه شيء ، ومن المستحيل أن يدعها تموت جوعا من تعهدها في ما تحتاج اليه. وهي لم تكن شيئا مذكورا. اذن فلا مجال للقلق والخوف من الحاجة والضياع ، في حال الخروج من الاوطان حرصا على ثبات الدين واداء شريعة الخالق العظيم. فكما يرزق الدابة يرزق من خلق لأجله الدابة.(وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). وهذا ما يجب أن يترك مكان كل خوف وقلق وطمأنينة وثقة تامة. ومكان كل تعب. راحة ورعاية في كنف الخالق المنان الرؤوف الحنان الموجود في كل مكان.

١٤

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣) وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤) فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥)

لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩))

البيان : هذه الايات ترسم صورة العقيدة العربية اذ ذاك. وتوحي بانه كان لها أصل من التوحيد. ثم وقع فيها الانحراف. ولا عجب في هذا فهم من أبناء اسماعيل بن ابراهيم (ع).

وقد كانوا بالفعل يعتقدون أنهم على دين ابراهيم. وكانوا يعتزون بعقيدتهم على هذا الاساس. ولم يكونوا يحلفون كثيرا بالديانة الموسوية. او المسيحية. وهما معهم في الجزيرة العربية اعتزازا منهم بانهم على دين ابراهيم. غير منتبهين الى ما صارت اليه عقيدتهم من التناقض والانحراف.

كانوا اذا سئلوا عن خالق السماوات والارض. ومسخر الشمس والقمر. ومنزل الماء من السماء ومحيي الارض بعد موتها. (لَيَقُولُنَّ اللهُ) ويقرون أن صانع هذا كله هو الله. ولكنهم مع هذا يعبدون أصنامهم. ويجعلونهم شركاء لله في العبادة. وان لم يجعلوهم له شركاء في الخلق. وهو تناقض عجيب. (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ .. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) فليس يعقل من يقبل هذا الخلط. ويأتي

١٥

السياق فيربط سنة الرزق بخلق السموات وسائر آثار القدرة (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

والقرآن المجيد يجعل الكون ومشاهده العظيمة هي برهانه وحجته. وهي مجال النظر والفكر والتدبر للحق الذي جاء به. ويقف القلب امام هذا الكون وقفة المتدبر اليقظ لعجائبه. الشاعر بيد الصانع وقدرته. المدبر لنواميسه الهائلة. بلفتة هائلة يسيرة. لا تحتاج الى مشاق. وانما تحتاج الى حس يقظ القلب البصير. وكلما تلا آية من آيات الكون وقف امامها يسبح بحمد خالقها ومنظمها. ويربط القلوب بخالقها. (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ).

(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ. وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).

فهذه الحياة في عمومها ليست الا لهوا ولعبا حين لا ينظر فيها الى الاخرة. حين تكون هي الغاية العليا للناس. حين يصبح المتاع فيها هو الغاية من الحياة. فأما الحياة الاخرة فهي الحياة الفائضة بالحيوية. هي (الحيوان) لشدة ما فيها من الحيوية والامتلاء.

والقرآن المجيد لا يعني بهذا انه يحض على الزهد في متاع الحياة الدنيا. والفرار منه والقائه بعيدا .. انما يعني مراعاة الاخرة في هذا المتاع. والوقوف فيه عند حدود الخالق العظيم.

والمسألة مسألة قيم يزنها المخلوق بميزان الخالق حتى لا يقع في افراط أو تفريط. فهذه قيمة الدنيا وهذه قيمة الاخرة بنظر الاسلام الحق المبين. يستشعرها المؤمن ثم يسير في متاع الدنيا على ضوئها. مالكا لحرية عقله. معتدلا في نظرته.

١٦

(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ).

وهذا أيضا من التناقض والاضطراب. فهم اذا ركبوا في الفلك وأصبحوا على وجه الماء كاللعبة تتقاذفها الامواج. هنالك يذكرون الله الذي لا يقدر على نجاتهم الا هو من الهلاك. فيتوجهون اليه بالدعاء والتضرع واعطائه العهد بالايمان به والاخلاص له بالطاعة.(فَلَمَّا نَجَّاهُمْ ...) نسوا وحي فطرتهم وما أعطوه من العهد. وكأنه لا يقدر على هلاكهم في البر كالبحر. (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ. وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) وهذا تهديد قارص وتقبيح لافعالهم السخيفة. (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً ...) ولقد كان اهل مكة يعيشون في أمن. ويعظمهم الناس من أجل بيت الله الحرام. ومن حولهم القبائل تتناحر ويدمر بعضهم بعضا. وهم في أمان واطمئنان. (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ...) وهم قد افتروا على الكذب بنسبة الشركاء له وهم كذبوا بالحق لما جاءهم ، وجحدوا به (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) بلى وعن يقين سيرون ما يوعدون. (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا. وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) والله ولي المتقين.

١٧

ـ ٣٠ ـ سورة الروم عدد آياتها (٥٩) تسع وخمسون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧))

البيان : بدأت السورة بالاحرف المقطعة (ألف. لام. ميم) التي اخترنا في تفسيرها انها للتنبيه. الى ان هذا القرآن ـ ومنه هذه السورة ـ مصوغ من مثل هذه الاحرف. التي يعرفها جميع العرب. وهو مع هذا اعجاز وتحدي لهم. وهم لا يملكون صياغة مثله والاحرف بين أيديهم. وهم أرباب الكلام.

ثم جاءت النبوءة الصادقة الخاصة بغلبة الروم في بضع سنين ، وقد كانت الفرس قد غلبت الروم ودحرتهم دحرة لم يبق أمل في مخلوق انهم يقوم لهم قائمة بعد هذا الاندحار الهائل.

ولكن الله الخبير قد أخبر في قرآنه المجيد أن الروم ستنتصر على الفرس ـ بعد بضع سنين ـ وترجع كلما أخذ منها. وذلك الوقت الذي قد عين للانتصار لا يصل لعشر سنين بل دون ذلك يقينا.

وقد حقق الله عزوجل ذلك وانتصر الروم على الفرس وارجعوا كلما أخذ منهم بالعيان. فلو كان المشركون والنصارى يريدون اتباع الحق ويتنازلون عن ضلالهم وباطلهم لكان ذلك اكبر دليل وبرهان لهم. ولكن المسألة مسألة مصالح واتباع أهواء من بعد ما تبين لهم الحق المبين.

ومما يروى أنه لما مضى سبع سنين ولم ينتصر الروم على الفرس. فرح المشركون وقالوا لقد كذب محمد بما قال ووعد. فأرسل اليهم انتظروا سنتين فانه يتحقق كل ما قلت وما وعدني ربي. وبالفعل فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على

١٨

فارس. ففرح المؤمنون وخاب المشركون (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ. يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

فالامر له من قبل ومن بعد. وهو ينصر من يشاء. والعقيدة الاسلامية واضحة ومنطقية. في هذا المجال فهي ترد الامر كله الى الله عزوجل. (يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) بعد رجوعهم الى الله تعالى.

(وَعْدَ اللهِ. لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) ذلك النصر وعد من الله. فلابد من تحققه في واقع الحياة. فوعده صادر عن ارادته المطلقة. وعن حكمته البالغة. وهو قادر على تحقيقه. ولا معقب لحكمه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ثم لا يتجاوزون هذا الظاهر ولا ما وراءه.

والذي لا يتصل قلبه بخالقه. ولا يتصل حسه بالنواميس الكونية. يظل ينظر وكأنه لا يرى. (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) فالاخرة حلقة في سلسلة النشأة وصفحة من صفحات هذا الوجود. والذين لا يدركون حكمة النشأة. ولا يدركون ناموس الوجود يغفلون عن الاخرة وآثارها الهائلة.

ومن ثم فان المؤمن يلتقي دائما بالاخرة ويحسب حسابها. بينما سواه يعيش هذه الحياة فقط وحدها ولا ينظر الى ماورائها. وعلى هذا السير المتقابل المتعاكس يسير المؤمن عكس الكافر دائما.

(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠))

١٩

البيان : وهذه دعوة الى التأمل في مصائر الغابرين. وهم ناس مثل هذه الناس. تخبر عنهم آثارهم وكيف دمرهم خالقهم لما استكبروا وبغوا في الارض. فسنة الله في الجميع على حد سواء.

وهي دعوة الى ادراك حقيقة هذه الحياة. وروابطها على مدار القرون. كي لا ينعزل جيل من الناس بنفسه.

فهؤلاء أقوام قد عاشوا قبل جيل المشركين في مكة (كانوا أشد من هؤلاء قوة) (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) فلم تتفتح بصائرهم لهذه البينات. ولم يؤمنوا فتتصل ضمائرهم بالنور الذي انزل اليهم من خالقهم مع رسله. فمضت فيهم سنة الخالق القدير. وأهلكت المكذبين. ولم ينفعهم قوتهم. ولم يغن عنهم علمهم ولا حضارتهم (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) كانت عاقبتهم السوء.

(اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦) فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠))

البيان : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) وهي حقيقة بسيطة واضحة. فالاعادة كالبدء لا غرابة فيها. (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ...) فها هي ذي الساعة التي يغفل عنها الغافلون. ويكذب بها المكذبون. هاهي ذي تجيء. وهؤلاء المجرمون حائرون لا أمل لهم في نجاة. ولا رجاء لهم في خلاص. ولا شفاعة لهم من شركائهم الذين اتخذوهم في الدنيا. ضالين مخدوعين وبشركائهم يكفرون الذين عبدوهم. (فَأَمَّا

٢٠