تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

قد عرفوا ومن قد علموا انه لا يجوز قبول خبره. ولا تصديقه في حكايته ، ولا العمل بما يؤديه اليهم عمن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله ص وآله ، اذ كانت دلالته أوضح من أن يخفى ، وأشهر من أن لا يظهر لهم لو انهم حققوا ذلك.

وكذلك عوامنا اذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها واهلاك من يتعصبون عليه ، وان كان لاصلاح أمره مستحقا على من تعصبوا له وان كان للاذلال مستحقا فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل عوام اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم ولا يجوز اتباع الا من وجدت فيه هذه الخصال.

(صائنا لنفسه حافظا لدينه. مخالفا لهواه. مطيعا لأمر مولاه فالعوام أن يقلدوه. وذلك لا يكون الا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم)

فان من يركب من القبايح والفواحش مراكب فسفة العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة لهم.

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) ، فويل قاع في جهنم وقد كتب اليهود صفة مخالفة لصفة محمد ص وآله وقالوا لاتباعهم صفات محمد غير هذه الصفات فصدقوهم واستمروا على ضلالهم.

(وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠))

من تلك الاماني التي ينخدع بها العوام أن الله اذا عذبهم سيعذبهم أياما ثم ينقلهم الى النعيم الخالد فلذا ترى كثيرا من العوام يستهينون بارتكاب الجرائم اعتمادا على هذه الخدعة التي يخدعهم بها ابليس اللعين أو يخدعهم بها علماء السوء وتجار الشهوات ، وأكاذيب المحتالين من علماء السوء ، وهي الاماني التي يلجأ اليها المنحرفون عن

٨١

العقيدة الصحيحة حين يقطعون فيما بينهم وبين حقيقة دينهم ، فلا يبقى لهم منه الا اسمه وشكله دون موضوعه وحقيقته. ويظنون أن هذا يكفيهم للنجاة من العذاب بحكم ما يظهرون بألسنتهم وان كانت أعمالهم وعقيدتهم خلاف ذلك ، فلذا ترى ان الله عزوجل يقول لهم : (أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) ... (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).

وهذا هو الواقع ، فالاستفهام هنا للتقرير ، ولكنه بصورة الاستفهام أو الانكاري.

(بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢))

هنا يأتيهم الجواب القاطع والقول الفصل في تلك الدعوى ان الجزاء من جنس العمل ان الذي يجترح الخطيئة انما يجترحها عادة وهو ملتذ بها. ولما تجر عليه من كسب مادي ولو انها كانت كريهة في حسه ما اجترحها ، ولو كان يحس انها خسارة ما أقدم عليها متحمسا ، وتركها تملأ عليه نفسه وتحيط به لانه خليق وحينئذ يهرب من ظلها.

ومن مقتضيات الايمان ان ينبثق من القلب في صورة العمل الصالح. وهذا ما يجب أن يدركه من يدعون الايمان. وما أحوج المسلمين أن يستيقنوا هذه الحقيقة.

ان الايمان لا يكون واقعيا حتى ينبثق منه العمل الصالح. اما الذين يدعون الاسلام ثم يفسدون في الارض ويحاربون الصلاح في حقيقته ويحكمون بغير ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون حقا وان صلوا وصاموا ، فهؤلاء ليسوا من الايمان على شيء الا الاسم.

(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣)

٨٢

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦))

لقد سبقت الاشارة الى الميثاق في معرض تذكير الله تعالى لبني اسرائيل باخلاف موقفهم معه في ما مضى. وهنا يأتي تفصيل لبعض ذلك الذي ذكر.

لقد تضمن ميثاق الله معهم : الا تعبدوا الا الله ، وهي القاعدة الاولى للتوحيد المطلق ثم الاحسان الى الوالدين. وصلة ذي القربى واليتامى والمساكين ، وحسن المعاملة للناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واتيان الصلاة وايتاء الزكاة وهي مجموعة قواعد الاسلام.

ومن ثم تتقرر حقيقتان : الاولى هي وحدة دين الله ، وتصديق هذا الدين الاسلامي لما فيه من تصديق الانبياء والشرايع السابقة ، وحيث امتنعوا عن الدخول في الاسلام وتصديق نبيه الصادق الامين ، ولذا توجه اليهم بقوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ).

ولقد كان هذا الذي يواجههم به واقعا قريب العهد قبيل غلبة الاسلام على الانصار. وكان اليهود في المدينة ثلاثة أحياء ترتبط بعهود : بنو قينقاع. وبنو النضير. وبنو قريظة. وكان بنو النضير حلفاء الخزرج ، وبنو قريظة حلفاء الأوس.

وكان اليهود يقتل بعضهم بعضا ويخرجهم من ديارهم وهو محرم عليهم بنص شرايعهم. وهذا التناقض والانحراف هو الذي يواجههم به القرآن المجيد ، وهو يسألهم مستنكرا لأفعالهم : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ).

٨٣

ثم يلتفت الى المسلمين والى البشرية جميعا ، وهو يلعن حقيقتهم وحقيقة أعمالهم (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ ، فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ).

وقصة شرائهم الحياة الدنيا بالآخرة هنا : هي الدافع لهم على مخالفة ميثاق الله تعالى هو استمساكهم بميثاقهم مع المشركين عبدة الاصنام في حلف يقتضي مخالفة دينهم وكتابهم ، فان انقسامهم فريقين وانضمامهم الى حلفين ، هي خطة اسرائيل التقليدية في امساك العصا من الوسط وضمان صوالح اليهود في النهاية سواء انتصر هذا المعسكر أم ذاك ، وهي خطة من لا يثق بالله تعالى ، ويجعل اعتماده كله على الدهاء والمكر ، ويناقض تكاليف شريعتهم باسم المصلحة ، فلا مصلحة الا في اتباع الدين ، ولا وقاية الا بحفظ عهدهم مع ربهم عزوجل.

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧))

ولقد كانت حجة بني اسرائيل في اعراضهم عن الاسلام وابائهم الدخول فيه ان عندهم الكفاية من تعاليم أنبيائهم ، وانهم ماضون على شريعتهم ووصاياهم ، فهنا يفضحهم القرآن ويكشف عن حقيقة موقفهم من أنبيائهم وشرائعهم ووصاياهم ، ويثبت انهم كلما واجهوا الحق انحرفوا عنه بأهوائهم (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ ، فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ).

ولقد قص الله على المسلمين من أنباء بني اسرائيل في هذا ما يحذرهم من الوقوع في مثله حتى لا تسلب منهم الخلافة كما سلبها الله من بني اسرائيل عند انحرافهم وضلالهم عن الحق المبين. ولكن لم ينفع هذا التذكير والتحذير المسلمين كما انه لم ينتفع به بنو اسرائيل.

٨٤

فقد طرحوا منهج الله وشريعته ، وحكموا أهواءهم وشهواتهم وقتلوا فريقا من الهداة وكذبوا فريقا من أهل بيت نبيهم وشردوهم في كل قطر واستباحوا دمائهم بغير حق فاستحقوا اللعنة وسوء الدار كما فعلت بنو اسرائيل وزادوا أضعاف ذلك على أمة سبقتهم. فقد أخروا من قدمه الله ورسوله يوم السقيفة الخبيثة. وقدموا عبدة الاوثان وأهل النفاق وقتلوا الحسين سبط نبيهم وسبو نسائه وحرقوا خيامه وفعلوا بهم فعل الترك والديلم.

(وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨))

(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩)

بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠)

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١)

وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣))

كان اليهود يقولون للعرب قبل مجيء محمد ص وآله : ايها العرب هذا أوان نبي يخرج من مكة ومهاجرته بالمدينة وهو آخر الانبياء وأفضلهم في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة يلبس الشمل ويجتزي بالكسرة والتميرات ، ويركب الحمار العاري. يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر ليقتلنكم به يا معشر العرب قتل عاد.

٨٥

فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به كما قال الله :

(وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ).

قالوا ان قلوبنا مغلفة لا تنفذ اليها دعوة جديدة ، ولا تستمع الى داعية جديد وهذا القول يقصدون به يئس النبي ص وآله من اجابتهم لدعوته ولا تصديقهم به.

ويقول الله ردا على قولتهم : (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ).

وقد كان كفرهم قبيحا لانهم كفروا بالنبي الذي ارتقبوه واستفتحوا به على الكافرين (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا) لكأن هذا الكفر هو الثمن المقابل لانفسهم.

وكان الذي حملهم على هذا كله هو الحسد لرسول الله ص وآله. وحقدهم لان ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ، وهذا كان بغيا منهم وظلما وهي الطبيعة الضيقة يخبو في نطاقها التعصب الاعمى.

وكان الذي يقولون اذا دعوا الى الايمان بالقرآن والاسلام (نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) ففيه الكفاية ، وهو وحده الحق ثم يكفرون بما وراءه ، سواء ما جاء به عيسى أو محمد ص وآله. فاذا قيل : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فهل يبيح دينكم وأحكامكم ذلك.

وهل اتخاذكم العجل من بعدما جاءكم موسى بالبينات وفي حياة موسى (ع) ، كان من وحي الايمان ، وهل يتفق هذا مع دعواكم انكم تؤمنون بما أنزل اليكم ، ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة ولكن :(أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ).

فهي صورة فريدة لقد اشربوا بفعل فاعل سواهم ، ويظل الخيال يتمثل تلك المحاولة العنيفة الغليظة ، وتلك الصورة الساخرة الهازئة ،

٨٦

صورة العجل يدخل في قلوبهم ، حتى لكأنهم أشربوه اشرابا في قلوبهم ، هنا تبدو قيمة التعبير القرآني المصور الجميل.

(قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤))

ويعقب على هذا التحدي القرآن المجيد بتقرير أنهم لن يقبلوا المباهلة ، ولن يطلبوا الموت لانهم يعلمون انهم كاذبون ويخشون أن يستجيب الله فيأخذهم ، وهم يعلمون ان ما قدموه من عمل لا يجعل لهم نصيبا في الآخرة ، وعندئذ يكونون قد خسروا الدنيا بالموت الذي طلبوه وخسروا الآخرة بالعمل السيء الذي قدموه ، ومن ثم فانهم لن يقبلوا التحدي فهم أحرص الناس على حياة ، وهم والمشركون في هذا سواء.

(وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦))

نعم لن يتمنوه لما قدمته أيديهم والله عليم بظلمهم واجرامهم ، لا يطمعهم في ثواب ولا يؤمنهم من عقاب ، انه لا مدخر لهم هناك ، والله اعلم بما كانوا يقترفون من جرائم وفساد.

وليس هذا فحسب ، ولكنها خصلة اخرى في اليهود ، خصلة يصورها القرآن صورة تفيض بالزراية وشدة التحقير والمهانة ، (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) حياة كريهة حياة ديدان وحشرات ولا ترفع رأسها الا حين تغيب المطرقة. فاذا وجدت المطرقة نكست الرؤوس وعنت الجباه جبنا وحرصا على الحياة.

(يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) ذلك لانهم لا يرجون لقاء الله ولا يحسبون أن لهم حياة غير هذه الحياة ، وما أقصر الحياة الدنيا وما

٨٧

أضيقها حين تحس النفس الانسانية انها لا تتصل بحياة سواها ولا تطمع في غير أنفاس وساعات على الارض معدودة.

ان الايمان بالحياة الآخرة نعمة ، نعمة يفيضها الايمان على القلب ، نعمة يهبها الله للفرد الفاني المحدود الاجل الواسع الامل.

وما يغلق أحد على نفسه هذا المنفذ الا وحقيقة الحياة في روحه ناقصة أو مطموسة. والايمان بالآخرة ـ فوق انه ايمان بعدل المطلق وجزائه الاوفى ـ هو ذاته دلالة على فيض النفس بالحيوية الممتدة ، التي لا تدرك لها حدود والتي لا يعلم حدودها الا خالق الوجود.

(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨))

في هذا التحدي سمة عجيبة حقا ، لقد بلغ الحنق والغيظ من اليهود أن أظهروا العداء والبغضاء لجبرائيل (ع) حينما سمعوا أن جبريل هو الذي ينزل بالوحي على محمد ص وآله. فقد لج بهم الضغن أن يخترعوا قصة غريبة عجيبة ، فزعموا ان جبريل عدوهم لانه هو الذي ينزل بالهلاك والدمار والعذاب على من هلك من أممهم السابقة.

وان هذا هو الذي يمنعهم من الايمان بمحمد ص وآله ودخولهم في الاسلام انه الحجة الواهية. والقرآن يصدق في عمومه ما سبقه من الكتب التي أنزلها الله تعالى على انبيائه السابقين. ولذا نجد القرآن المجيد يكرر هذه الحقيقة في مناسبات شتى. فيقول : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (هدى لقوم يؤمنون) (شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) فالهدى ثمرة الايمان والتقوى واليقين.

(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩)

٨٨

أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٠) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١))

لقد كشف القرآن المجيد عن علة كفر بني اسرائيل بتلك الآيات ، وهي تفرض نفسها فرضا على القلب المستقيم ، ولكن الفسق وانحراف الفطرة لا يسعها الايمان بالحق.

ثم يلتفت الى المسلمين ـ والى الناس عامة ـ منددا بهؤلاء اليهود كاشفا عن سمة من سماتهم الوبيئة ، وهو تعصبهم على الضلال والباطل ويكرهون أن يمنح الله شيئا لسواهم. وقد أخلفوا ميثاقهم مع الله تحت الجبل ، ونبذوا عهودهم مع أنبيائهم من بعد وأخيرا نبذ فريق منهم عهدهم الذي ابرموه مع النبي محمد ص وآله أول مقدمه الى المدينة. بينما كانوا هم أول من أعان عليه اعداءه وأول من عاب دينه وحاول بث الفرقة والفتنة في الصف المسلم : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) نبذ فريق منهم ذلك.

ولقد كان ضمن الميثاق الذي أخذه الله عليهم ان يؤمنوا بكل رسول يبعثه وان ينصروه فلما جاءهم ذلك نبذوه ونقضوا عهدهم مع الله تعالى. وفي الآية ما فيها من سخرية خفية يحمل ذلك النص ويدع الخيال يتملى هذه الحركة العنيفة حركة نبذ كتاب الله وراء ظهورهم ، ولا عجب من نكث العهد ونبذ الكتاب لكن العجب والاعجب نكث أهل السفيفة عهد الله ورسوله ونبذهم للقرآن المجيد وسنة الرسول وراء ظهورهم علنا وجهارا في أوقح صورة مخزية.

(وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ

٨٩

إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣))

لقد تركت اليهود ما أنزل الله مصدقا لما معهم ، وراحوا يتتبعون ما يقصه الشياطين وما يضللون به الناس من دعاوى مكذوبة عن نبي الله سليمان (ع) اذ قالوا انه ساحر.

والقرآن المجيد ينفي عن سليمان (ع) انه كان ساحرا ، وكأنه يعد السحر كفرا ينفيه عن سليمان (ع) ويثبته للشياطين ، ثم ينفي أن السحر منزل من عند الله على الملكين (هارُوتَ ، وَمارُوتَ).

ويبدو أنه كانت هناك قصة معروفة عنهما ، وكان اليهود او الشياطين يدعون انهما كانا يعلمان الناس السحر ، ثم يبين الحقيقة ، وهي أن هذين الملكين كانا هناك فتنة وابتلاء للناس لحكمة مغيبة. وانهما كانا يقولان لكل من يجيء اليهما طالبا منهما أن يعلماه السحر (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) وكان بعض الناس يصر على تعلم السحر منهما مع تحذيرهما له.

وهنا يبادر القرآن المجيد فيقرر كلية التصور الاسلامي الاساسية : وهي انه لا يقع شيء في هذا الوجود الا باذن الله عزوجل.

فباذن الله تترتب المسببات على اسبابها ـ لا بنفسها أراد الله أو لم يرد ذلك ـ وهذه قاعدة كلية في التصور ، لا بد من وضوحها في ضمير المؤمن لئلا يعثر في تفكيره وفعله. ويمكن تشبيه هذه القاعدة : انك اذا عرضت يدك للنار ، فانها تحترق ، ولكن هذا الاحتراق لا يكون الا باذن الله عزوجل ، فالله تعالى هو الذي جعل خاصية الاحتراق للنار ، وأودع يدك خاصة الاحتراق بها ، وهو قادر على أن يوقف هذه الخاصية حين لا يريد ترتب المسبب على سببه ، لحكمة يريدها ، كما وقع

٩٠

لابراهيم (ع) وكذلك هذا السحر الذي يفرقون به بين المرء وزوجه ، فلا يترتب هذا الاثر الا باذن الله تعالى وارادته ، وهو قادر على أن يوقف هذه الخاصية فيه حينما تريد الحكمة الالهية ذلك. وهكذا بقية الاسباب والمسببات ، فكل مؤثر قد أودع خاصية التأثير باذن الله اثباتا ونفيا وجودا وعدما. فالمؤثر يفعل أثره باذن الله تعالى ، ويمكن أن يوقف مفعوله كما اعطاه حين يشاء ذلك. ثم يقرر القرآن المجيد حقيقة ما يتعلمون وما يفرقون به بين المرء وزوجه : انه شر عليهم لا خير. ولقد علموا ان الذي يمارس هذا العمل من فاعل ومفعول : ما له في الآخرة من خلاق. وينطبق هذا الحكم من الله تعالى على من مارسه في الزمان السابق وفي كل عصر لاحق حتى الابد.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥)

ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧)

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٠))

يتجه الخطاب في مطلع هذه الآيات الى (الَّذِينَ آمَنُوا) فيناديهم بالصفة التي تميزهم ، والتي تربطهم بخالقهم ونبيهم ، والتي تستجيش في نفوسهم الاستجابة والتلببية لمولاهم.

٩١

وبهذه الصفة ينهاهم ان يقولوا للنبي ص وآله (راعِنا) وان يقولوا (انْظُرْنا) ويأمرهم بالسمع والطاعة ، ويحذرهم من العصيان فيوردهم الى النيران.

ثم يكشف لهم عما تكنه لهم صدور اهل الكتاب من الشر والعداء ، بسبب ما اختصهم الله تعالى به من الفضل والرحمة ، ويجمع القرآن المجيد بين أهل الكتاب وعبدة الاصنام وكلاهما كافر بالرسالة الخاتمة لرسل السماء ، والجميع يضمر للمؤمنين الحقد والضغن ، وقد سبق أن ذكرنا مثل ذلك فيما سبق. (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ـ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). وليس هناك نعمة أعظم من نعمة النبوة والرسالة ، والايمان والدعوة بهما واليهما.

فالتعديل الجزئي وفق مقتضيات الاحوال ـ في فترة الرسالة ـ هو لصالح البشرية ولتحقيق خير أكبر تقتضيه أطوار حياتها ، والله خالق الناس ، وهو مرسل الرسل ومنزل الآيات ، وهو يقدر الصالح والنفع والخير للبشرية ، فاذا نسخ آية ـ سواء كانت آية مقروءة ، أو علامة خارقة لمناسبة حاضرة ـ فانه يأتي بخير منها أو مثلها ، ولا يعجزه شيء وهو صاحب الامر واليه الرجوع.

والخطاب هنا للمؤمن يحمل رائحة التحذير. ورائحة التذكير ، بان الله هو وليهم وناصرهم وليس لهم من دونه من ولي ولا نصير. (أم تريد ان تسألوا ... كما سأل اليهود نبيهم فلعنهم وأخزاهم).

فهو استنكار لتشبه بعض المؤمنين بقوم موسى (ع) ، وهو تحذير لهم من نهاية هذا الطريق وهي الضلال البعيد ، واستبدال الكفر بالايمان وهي النهاية التي انتهى اليها بنو اسرائيل حسدا من أنفسهم ، والحسد هو ذلك الانفعال الاسود الخسيس الذي فاضت به نفوس بني اسرائيل تجاه الاسلام والمسلمين والمؤمنين والصالحين.

٩٢

وهنا تتجلى الحقيقة وتنكشف فيها النوايا حسنة كانت أو سيئة ، (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) هنا يدعو القرآن المجيد المؤمن الى الارتفاع عن مقابلة الحقد بالحقد ، والشر بالشر ، ويدعوهم الى الصفح والعفو حتى يأتي الله بأمره ، ويقول لهم : امضوا في طريقكم التي اختارها الله لكم واعبدوا ربكم وادخروا عنده حسناتكم. (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ..)

وهكذا يوقظ السياق القرآني وعي الجماعة المسلمة ، ويدعها في انتظار الامر من صاحب المشيئة.

(وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢)

وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣))

الذين كانوا يواجهون المسلمين في المدينة كانوا هم اليهود مباشرة ، والنصارى بالواسطة اذ لم يكن هناك كتلة من النصارى تقف مواقف اليهود ، ولكن النص هنا عام يواجه مقولات الكتلتين ، وهذه حكاية قوليهم مزدوجة ، وان كان كل قول منهم مختص بكتلة.

وهذه القولة كغيرها لاتستند الى أضعف دليل سوى الادعاء الفارغ ، ومن ثم يلقن الله تعالى نبيه ص وآله أن يجيبهم بالتحدي الذي يفرض نفسه في كل دعوى وعلى كل مدع. (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، وهنا يقرر قاعدة التصور الاسلامي في ترتيب الجزاء على العمل وعلى العقيدة والمبدأ ، ويحدد ذلك : انما هو الاسلام والاحسان ، لا الاسم والعنوان.

انا قاعدة واحدة بطرفيها في العقوبة والمثوبة ، في معزل عن كل

٩٣

شيء وعن كل شعور. وهنا تبرز سمة الاسلام الاولى : ولفظ أسلم يعني سلم واستسلم وفوض أمره الى الله. ومع هذا فلا بد من الدليل الظاهر على صحة الاستسلام ، فسمة الاسلام هي الوحدة بين الشعور والسلوك بذلك تصبح العقيدة منهجا للحياة كلها ، بذلك الشخصية الاسلامية تتوحد. فالاجر مضمون لا يضيع. والامن موفور لا يساوره خوف ، والسرور فائض لا يمسه حزن ، وتلك هي القاعدة العامة التي يستوي عندها الناس جميعا ، فلا محاباة عند الله سبحانه وتعالى.

ثم يعود ترذيل محاولتهم في تشكيك المسلمين في صحة الاوامر والتبليغات النبوية ـ وبخاصة ما يتعلق منها بتحويل القبلة ـ فيقول عزوجل :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥))

وأقرب ما يتوارد الى الخاطر أن هاتين الآيتين تتعلقان بمسألة تحويل القبلة وسعي اليهود لصد المسلمين عن التوجه الى الكعبة ، أول بيت وضع للناس.

ولذا قال عزوجل (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ...) فقد جاء ذلك ردا على تضليل اليهود في ادعائهم ان صلاة المسلمين الى بيت المقدس كانت باطلة ، فردهم بقوله (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ). وانما تخصيص قبلة معينة هو توجيه من عند الله في طاعته ، واليه يرجع الامر كله.

(وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (١١٦) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧)

وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨))

٩٤

وهذه المقولة الفاسدة (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) مشتركة بين اليهود والنصارى في المسيح وعزيز. ومن العجب أن هذه القولة النكراء لم تزل في عقائد النصارى واليهود حتى في القرن العشرين.

وهنا نصل الى فكرة الاسلام التجردية الكاملة ، وعن نوع العلاقة بين الخالق وخلقه وعن طريقة حدود الخلق عن الخالق العظيم ، وهي أرفع وأوضح صورة عن هذه الحقائق جميعا.

لقد صدر الكون عن خالقه عن طريق توجه الارادة المطلقة ، القادرة (كُنْ فَيَكُونُ) فبمجرد توجه الارادة الى خلق كائن ما كفيل وحده بوجوده هذا الكائن ، بدون أدنى واسطة.

أما كيف تتصل تلك الارادة التي لا نعرف كنهها ، بذلك الكائن المراد صدوره عنها ، فذلك هو السر الذي هو فوق مستوى المخلوقات ، لاستحالة احاطة المحدود باللامحدود ، لان ذلك ليست من صلاحيتها التي وجدت لأجلها ، وهي خلافة الارض وعمارتها والتكامل الانساني ،

وبقدر ما وهب الله تعالى للانسان من القدرة على كشف قوانين الكون التي يفيده في مهمته ، وسخر له الانتفاع بها.

بقدر ما روي عنه الاسرار الاخرى التي لا علاقة لها بخلافته الكبرى ، ولقد ضربت الفلسفات في تيه لا منارة فيه وهي تحاول كشف هذه الاسرار ، فلم يتهيأ لهذا المجال الا الرجوع بخفي حنين.

وعصم الاسلام أهله المؤمنين بحقيقته ان يضربوا في هذا التيه بلا بيان ولا دليل ، والنظرة الاسلامية ان الخلق غير الخالق ، وان الخالق ليس كمثله شيء ، ومن هنا تنتفي من التصور الاسلامي فكرة : (وحدة الوجود) على ما يفهمه غير المسلم من هذا الاصطلاح (أي من أن الوجود وخالقه وحدة واحدة) (بديع السماوات والارض اذا أراد شيئا قال له

٩٥

كن فيكون) واذ ينتهي من عرض مقولة أهل الكتاب في ادعاء الولد والشريك لله سبحانه وتصحيح هذه المقولة وردها ، يتبعها بمقولة المشركين (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ).

والذين لا يعلمون هم عبدة الاصنام الاميون : (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ). فلا فضل لأهل الكتاب من يهود ونصارى على عبدة الأصنام الاميين ، فالآيات لا تنشىء اليقين ، انما اليقين هو الذي يدرك دلالتها ويطمئن الى حقيقتها ويهيء القلوب للتلقي الواصل الصحيح.

(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (١١٩) وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١))

يخبر الله عزوجل نبيه ص وآله بان اليهود والنصارى سيظلون يحاربونك ويكيدون لك ولا يرضون عنك الا ان تحيد عن الحق وتتخلى عن اليقين ، وتتبعهم في ضلالهم وباطلهم.

انها العقيدة الممقوتة التي ترى مصداقها في كل زمان ومكان ، هي معركة الحق والباطل والهدى والضلال ، والتوحيد والاشراك ، وعبادة الخالق العظيم ، أو عبادة المخلوق الحقير.

انها معركة العقيدة في صميمها وحقيقتها ، ولكن المعسكرين اليهود والنصارى اعداء الحق والاسلام يلونانها بألوان شتى ، في خبث وتورية.

انها معركة العقيدة ، وليست هي معركة الارض فقط .. انها الاهواء ان انت ملت عن الهدى الذي أتاك من خالق الكون ، هدى الله خسرت وأي خسارة بعد خسارة الايمان.

٩٦

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢))

(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣))

(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤))

لقد مضى البيان عن الآيتين فيما سبق والكلام في الاية الثالثة لا غير : عن المفضل بن عمر عن الصادق (ع) قال سألته عن قول الله عزوجل (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ) ما هذه الكلمات قال (ع) : هي الكلمات التي تلقاها آدم (ع) من ربه فتاب عليه.

وكان قد قال : يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين الا تبت علي فتاب الله عليه ، انه هو التواب الرحيم. فقلت له يا ابن رسول الله : فما يعني بقوله فأتمهن. فقال (ع) : أتمهن الى القائم الثاني عشر من أئمة أهل البيت المعصومين (ع) تسعة من ولد الحسين (ع). قال المفضل فقلت له يا ابن رسول الله فأخبرني عن كلمة الله عزوجل : وجعلها كلمة باقية في عقبه. فقال (ع) : يعني بذلك الامامة جعلها الله في عقب الحسين (ع) الى يوم القيامة.

فقلت له يا ابن رسول الله ، فكيف صارت الامامة في ولد الحسين (ع) دون ولد الحسن (ع) وهما جميعا ولدا رسول الله ص وآله وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة.

فقال الصادق (ع) : ان موسى وهارون نبيان مرسلان اخوان ، فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى ولم يكن لأحد أن يقول لم فعل الله ذلك.

وان الامامة خلافة الله عزوجل ليس لأحد ان يقول لم جعلها في

٩٧

صلب الحسين (ع) ، لان الله عزوجل حكيم في أفعاله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

وقد استدل الشيعة الامامية الجعفرية بهذه الآية على أن الامام لا يكون الا معصوما عن جميع الرذائل والنقائص ، لان الله سبحانه نفى أن ينال عهده الذي هو الامامة ، ظالم ومن ليس بمعصوم ، فقد يكون ظالما اما لنفسه واما لغيره.

وقال (ع) : ان الله تبارك وتعالى قد اتخذ ابراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا ، واتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا ، واتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا ، واتخذه خليلا قبل أن يتخذه اماما. فلما جعل له هذه الاشياء كلها قال اني اني جاعلك للناس اماما ، فلما عظمها في عين ابراهيم (ع) (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).

وبنص هذه الآية المباركة يثبت بطلان امامة كل من تولى الخلافة غير امير المؤمنين (ع) قبله وبعده ما عدا أبنائه الاحد عشر اماما معصوما آخرهم قائمهم عجل الله فرجه.

ومن المعلوم ان من تقدم على امير المؤمنين (ع) كلهم قد عبد الاصنام والاوثان اكثر مدة عمره وتلوث بالفجور والاثام وارتكاب الجرائم مدة طويلة وسنين عديدة لها قيمة هائلة. هذا بغض النظر عن النص الثابت لامير المؤمنين (ع) من الله ورسوله وهو أوضح من نور النهار.

(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)

(قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي : قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) الظلم أنواع وألوان : ظلم النفس بالشرك وهو أقبح الظلم ، وظلم الناس بالبغي.

٩٨

والامامة ممنوعة على الظالمين بجميع أنواع الظلم والعدوان والفسوق والعصيان.

والامامة الممنوعة على الظالمين تشمل كل معاني الامامة : امامة الرسالة ، وامامة الخلافة ، وامامة الصلاة ، وكل معنى من معاني الامامة والقيادة.

فالعدل بكل معانيه هو اساس استحقاق هذه الامامة في أية صورة من صورها. ومن ظلم رأى لون من الظلم ـ فقد جرد نفسه من حق الامامة واسقط حقه فيها ، بكل معنى من معانيها. وهذا الذي قيل لابراهيم (ع). وهذا العهد بصيغته التي لا التواء فيها ولا غموض ، هو دليل قاطع على عدم لياقة أهل السقيفة للقيادة والامامة ، بما ظلموا واجرموا ، وبما فسقوا وانحرفوا ، وبما عتوا عن أمر الله ، وبما عتوا عن أمر الله ، وبما انحرفوا عن عقيدة الاسلام وخالفوا الله ورسوله ص وآله وخانوا عهده ونحّوا خليفته وظلما بضعته فاطمة البتول وقرة عين الرسول التي يقول فيها من أغضبها أغضبني ومن ظلمها ظلمني. ومن اغضبني وظلمني أكبه الله على منخريه في نار جهنم وخلده بالعذاب الشديد.

وهذا العهد بصبغته التي لا التواء فيها ولا غموض قاطع كذلك في وجوب تنحية من يسمون أنفسهم المسلمين اليوم وقبل اليوم بما ظلموا وفسقوا وبما بعدوا عن طريق الله وبما نبذوا من شريعته وراء ظهورهم ، ودعوا هم الاسلام كذبا وبهتانا وهم ينحون شريعة الله ويحكمون بغير ما انزل الله عزوجل.

ان التصور الاسلامي يقطع الوشائج والصلات التي لا تقوم على اساس العقيدة الصحيحة والعمل الخالص لوجه الله تعالى.

٩٩

وهو يفصل بين جيل من الامة الواحدة ، وجيل اذا خالف أحد الجيلين الآخر ، في عقيدته بل يفصل بين الوالد والولد ، والزوج والزوجة اذا انقطع بينهما حبل العقيدة.

فعرب الشرك شيء وعرب الاسلام شيء آخر ، ولا صلة بينهما ولا قربى ولا وشيجة ، والذين آمنوا من أهل الكتاب شيء ، والذين انحرفوا عن دين ابراهيم وموسى وعيسى (ع) شيء آخر ، ولا صلة بينهما ولا قربى ولا وشيجة .. ان الاسرة ليست آباء وابناء واحفادا في نظر الاسلام. انما هي ما تجمعهم عقيدة واحدة فحين اذ تصبح امة واحدة واسرة واحدة ولو اختلفت الالوان واللغات والانساب.

وان الامة ليست مجموعة أجيال متتابعة من جنس معين ، انما هي مجموعة من المؤمنين (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) مهما اختلفت أجناسهم وأوطانهم ، هذا هو التصور الايماني بنظر الاسلام الذي ينبثق من خلال هذا البيان الرباني في قرآنه المجيد ، وفي قرآنه الناطق حين يقول علي ابن ابي طالب (ع) الممثل الوحيد لتجسيم الاسلام كما أراده الخالق العظيم ، يقول (ع) :

(كنا نقتل آباءنا وأبناءنا واخواننا وما يزيدنا ذلك الا ايمانا وتسليما).

(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥))

هذا البيت الحرام الذي قام سدتنه من قريش فروعوا المؤمنين وآذوهم وفتنوهم عن دينهم حتى اضطروا الى تركه وفراقه ، حيث أصبحوا لا يأمنون على أموالهم ودمائهم ، وقد أمروا أن يتخذوا من مقام ابراهيم (ع) مصلى ، يعني ركعتي الطواف الفريضة.

١٠٠