تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦))

البيان : ان هاتين الآيتين تقرران أصلا كبيرا من أصول التصور الاسلامي ، ومن ثم فهما تمثلان حقيقة ضخمة في الحياة الانسانية ، ولعل الحاجة الى جلاء ذلك الأصل ، والى بيان هذه الحقيقة لم تكن ماسة كما هي اليوم ، والعقل البشري ، والموازين البشرية والاوضاع البشرية تتأرجح وتضطرب وتتوه بين ضباب التصورات وصلال والمناهج بأزاء هذا الامر الخطير.

ان الله سبحانه وتعالى يقول لأهل الكتاب : انهم لو كانوا آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ورضي عنهم (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).

وهذا انذار أيضا للمسلمين فانهم ان أقاموا القرآن وما أنزل اليهم من خالقهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولكن نبذوا القرآن وتركوا العمل بما أمروا به لسلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب ويحكم بهم أشرارهم وأعداءهم ولهم في الآخرة عذاب النار. ونحسب اننا في حاجة لان نقول : ان هذا الشرط الالهي لأهل الكتاب غير خاص بالنصارى واليهود بل يشمل المسلمين بطريق اولى وأقوى في حال الطاعة والعصيان.

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧))

البيان : عن الامام (ع) قال : حج رسول الله ص وآله من المدينة وقد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية فأتاه جبريل (ع)

٤٤١

فقال يا محمد ان الله تعالى يقرأك السلام ويقول لك.

اني لم أقبض نبيا من أنبيائي ولا رسولا من رسلي الا بعد اكمال ديني ، وتأكيد حجتي وقد بقي عليك من ذلك فريضتان مما يحتاج اليه الناس فبلغهما قومك : فريضة الحج وفريضة الولاية والخلافة من بعدك فاني لم أخل أرضي من حجة ولن أخليها أبدا ، فان الله يأمرك ان تبلغ قومك الحج تحج ويحج معك كل من استطاع اليه سبيلا ، من أهل الحضر والاطراف والاعراب وتعلمهم من حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وتوقفهم من ذلك على مثل الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرايع.

فنادى منادي رسول الله ص وآله في الناس : الا أن رسول الله يريد الحج وان يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرايع دينكم. ويوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه من غيره. فخرج رسول الله ص وآله وخرج معه الناس وانضموا اليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله فحج بهم وبلغ من حج مع رسول الله ص وآله : من أهل المدينة واهل الاطراف والاعراب سبعين ألف وقيل قد بلغوا بعد وصوله الى مكة مائة الف انسان ، او يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى بن عمران (ع) الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا وعبدوا العجل واتبعوا السامري ، وكان رسول الله ص وآله قد أخذ البيعة لعلي بن ابي طالب (ع) بالخلافة على عدد اصحاب موسى (ع) فنكثوا البيعة واتبعوا السامري وعجله سنة بسنة ومثلا بمثل واتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة ، فلما وقف بالموقف أتاه جبرائيل (ع).

عن الله تعالى يقول يا محمد ان الله يقرؤك السلام ويقول لك انه قد دنا أجلك ومدتك وانا مستقدمك على ما لا بد منه ، ولا عنه محيص

٤٤٢

فاعهد عهدك وقدم وصيتك وأعمد الى ما عندك من العلم وميراث علوم الانبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من ميراث الانبياء ، فسلمها الى وصيك وخليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بن ابي طالب. فأقمه للناس علما وجدد عهده وميثاقه وبيعته وذكرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم به وعهدي الذي عهدت اليهم من ولاية ولي ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن ابي طالب (ع) فاني لم أقبض نبيا من الانبياء الا من بعد اكمال ديني وتمام نعمتي ، بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي. وذلك كمال توحيدي وديني ، وتمام نعمتي على خلقي باتباع وليي وطاعته.

وذلك اني لم أترك ارضي بغير قيم ليكون حجة لي على خلقي ، فاليوم أكملت لكم دينكم الآية ، بولاية ولي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، على عهدي ووصيي ونبيي وخلفته من بعده وحجتي البالغة على خلقي ، مقرون طاعته بطاعة محمد نبيي ، ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي. من أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني ، جعلته لما بيني وبين خلقي من عهدي وميثاقي لهم الذي واثقهم عليه فاني قابضك الي ، ومستقدمك ، من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ، ومن أشرك ببيعته كان مشركا ، ومن لقيني بولايته دخل الجنة ، ومن لقيني بعداوته دخل النار ، فأقم يا محمد عليا علما وخذ عليهم البيعة وجدد عليهم عهدي وميثاقي.

فخشي رسول الله ص وآله ، قومه واهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا ويرجعوا الى الجاهلية لما عرف من عداوتهم ولما ينطوي عليه أنفسهم لعلي (ع) من البغضاء.

وسئل جبرائيل ان يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر أن يأتيه

٤٤٣

جبرائيل بالعصمة من الناس من الله عزوجل ، فأخر ذلك الى أن بلغ مسجد الخيف ، فأتاه جبرائيل في مسجد الخيف فأمره أن يعهد عهده ويقيم عليا للناس ولم يأته بالعصمة من الله تعالى الذي أراد حتى أتى كراع الغميم بين مكة والمدينة ، فأتاه جبرائيل وأمره بالذي أتاه من قبل الله ولم يأته بالعصمة من الناس.

فقال يا جبرائيل اني أخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي ، فرحل فلما بلغ (غدير خم) قبل الجحفة بثلاثة أميال ، أتاه جبرائيل على خمس ساعات مضت من النهار ، بالزجر والانتهار والعصمة من الناس.

فقال يا محمد ان الله تعالى يقرؤك السلام ويقول لك

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) الآية.

وكان أوايلهم قربت من الجحفة فأمره بان يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليا (ع) للناس ويبلغهم ما أنزل الله تعالى في علي وأخبره بان الله عزوجل قد عصمه من الناس

فأمر رسول الله ص وآله عندما جاءته العصمة مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر ، فتنحى عن يمين الطريق الى جنب مسجد الغدير وأمره بذلك جبرائيل (ع). وفي الموضع سلمان فأمر رسول الله ان يقم ما تحت شجرتين ، وينصب له أحجارا كهيئة المنبر ، ليشرف على الناس فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون.

فقام رسول الله ص وآله فوق تلك الاحجار ، ثم حمد الله تعالى وأثنى عليه ، فقال الحمد لله الذي علا في توحده ، ودنا في تفرده ، وجل

٤٤٤

في سلطانه ، وعظم في أركانه ، وأحاط بكل شيء علما ، وهو في مكانه ، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه ، لم يزل محمودا ، الى أن يقول ص وآله : الذي استحق من كل خلق أن يشكره ويحمده على السراء والضراء ، والشدة والرخاء ، وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله ، اسمع أمره وأطيع وابادر الى كل ما يرضاه ، واستسلم لقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته لانه الذي لا يؤمن من مكره ، ولا يخاف جوره.

أقر له على نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية وأودى ما أوحى الي حذرا من أن لا أفعل فتحلى بي منه قارعة لا يدفعها عني أحد وان عظمت حيلته ، لا اله الا هو لانه قد أعلمني اني ان لم ابلغ ما أنزل الي فما بلغت رسالته ، فقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة ، وهو الله الكافي الكريم.

فأوحى الى بسم الله الرحمن الرحيم (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) في علي ، (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).

معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما انزله وأنا مبين لكم سبب هذه الآية : ان جبرائيل هبط الي مرارا ثلثا يأمرني عن السلام ربي وهو السلام ، ان أقوم في هذا المشهد فاعلم الابيض والاسود.

ان علي بن ابي طالب (ع) أخي ووصيي وخليفتي والامام من بعدي الذي محله مني محل هارون بن موسى الا انه لا نبي بعد. وهو وليكم بعد الله ورسوله ، وقد أنزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آية من كتابه : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ، وعلي بن ابي طالب (ع) اقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عزوجل في كل حال فسألت جبرائيل أن

٤٤٥

يستعفي لي عن تبليغ ذلك اليكم ـ لعلمي بكثرة المنافقين الذين يكيدون له ـ

أيها الناس لعلمي بقلة المتقين ، وكثرة المنافقين ، وادغال الآثمين وختل المستهزئين ، بالاسلام الذين وصفهم الله عزوجل في كتابه بانهم (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) وكثرة اذاهم لي غير مرة حتى سموني أذنا وزعموا اني كذلك لكثرة ملازمته اياي واقبالي عليه حتى انزل الله في ذلك :

(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ. قُلْ أُذُنُ) ـ علي الذين يزعمون انه اذن ـ (خَيْرٍ لَكُمْ) الآية. ولو شئت ان اسمي باسمائهم لسميت ، وان أومي اليهم بأعيانهم لأومأت ، وان أدل عليهم لدللت ، ولكني والله قد تكرمت وكل ذلك لا يرضى الله مني الا ان ابلغ ما انزل الي. ثم تلا (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ـ في علي ـ (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) الآية.

معاشر الناس فاعلموا ان الله قد نصبه لكم وليا واماما مفترضا طاعته على المهاجرين والانصار وعلى التابعين لهم باحسان وعلى البادي والحاضر ، وعلى الاعجمي والعربي ، والحر والمملوك ، والصغير والكبير ، وعلى الابيض والاسود. وعلى كل موحد. ماض حكمه جايز قوله نافذ أمره ، ملعون من خالفه ، مرحوم من تبعه ، من صدقه فقد غفر الله له لمن سمع منه وأطاع له.

معاشر الناس انه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربكم فان الله عزوجل هو ربكم ووليكم والهكم. ثم من دونه رسوله محمد وليكم ، القائم المخاطب لكم ، ثم من بعدي علي وليكم وامامكم بأمر الله ربكم ثم الامامة في ذريتي من ولده الى يوم القيامة ،

٤٤٦

يوم يلقون الله ورسوله ، لا حلال الا ما أحله الله ولا حرام الا ما حرمه الله. ان الله عرفني الحلال والحرام. وأنا أفضيت بما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه الى علي بن ابي طالب (ع).

معاشر الناس فضلوه فقد فضله الله ، وأقبلوه فقد نصبه الله ، معاشر الناس انه امام من الله ، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته ، ولن يغفر الله له ، وكان حتما على الله ان يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه ، وان يعذبه عذابا نكرا أبد الابد ، ودهر الدهور. فاحذروا ان تخالفوه فتصلوا (النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ).

أيها الناس بي والله بشر الأولون من النبيين والمرسلين ، وأنا خاتم الانبياء والمرسلين والحجة على جميع المخلوقين من أهل السموات والارض ، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الاولى ، ومن شك في شيء من قولي هذا فقد شك في الكل منه ، والشاك من بعدي من ذكر وانثى فله النار.

معاشر الناس ، حباني الله بهذه الفضيلة منا منه علي واحسانا منه لي ولا اله الا هو له الحمد مني أبد الابد. ودهر الدهور على كل حال.

معاشر الناس فضلوا عليا (ع) فانه أفضل الناس بعدي من ذكر وأنثى ، بنا أنزل الله الرزق وبقي الخلق ، ملعون ملعون مغضوب مغضوب من رد قولي هذا ولم يؤده عني ، ان جبرائيل أخبرني عن الله تعالى بذلك ، ويقول من عادى عليا ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبي (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ).

واتقوا الله ولا تخالفوه ، فتزل قدم بعد ثبوتها ان الله خبير بما يعملون.

معاشر الناس انه جنب الله نزل في كتابه ، حيث يقول عزوجل

٤٤٧

(يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ)

معاشر الناس تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا الى محكماته ، ولا تتبعوا متشابهه ، فو الله لن يبين لكم زواجره ، ولا يوضح لكم تفسيره الا الذي انا آخذ بيده ومصعده الي وشائل بعضده ، ومعلمكم ان من كنت مولاه فهذا علي مولاه وهو علي بن ابي طالب اخي ووصيي وموالاته من الله عزوجل. أنزلها علي ، معاشر الناس ان عليا والطيبين من ولدي هم الثقل الاصغر والقرآن هو الثقل الاكبر. فكل واحد منبىء عن صاحبه وموافق له لن يفترقا حتى يردا علي الحوض أمناء الله في خلقه وحكامه في أرضه ألا وقد بلغت ألا وقد أديت ألا وقد أسمعت ألا وقد أوضحت ألا وان الله عزوجل قال : وانا قلت عن الله عزوجل ، ألا انه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا ، ولا تحل أمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره ، ثم ضرب بيده الى عضده فرفعه وكان منذ أول ما صعد رسول الله ص وآله شال عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله ص وآله.

ثم قال معاشر الناس هذا أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي علي أمتي وعلى تفسير كتاب الله والداعي اليه والعامل بما يرضيه والمحارب لاعدائه والموالي على طاعته ، والناهي عن معصيته ، خليفة رسول الله ص وآله وأمير المؤمنين والامام الهادي وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. بأمر الله ، أقول ما يبدل القول لدي بأمر الله ربي ، أقول اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه وألعن من أنكره وأغضب على من جحد حقه.

اللهم انك أنزلت علي : ان الامامة لعلي وليك عند تبياني ذلك ونصبي اياه ، بما أكملت لعبادك من دينهم وأتممت عليهم نعمتك ورضيت لهم الاسلام دينا فقلت :

٤٤٨

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ).

اللهم اني اشهدك اني قد بلغت ، معاشر الناس انما الله عزوجل أكمل دينه بامامته ، فمن لم يأتم به وبمن يقوم من ولدي من صلبه الى يوم القيامة والعرض على الله عزوجل.

(فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ، (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ)

معاشر الناس هذا علي أنصركم لي وأحقكم بي وأقربكم الي ، وأعزكم علي ، والله عزوجل وانا عنه رضيان ، وما نزلت آية رضى الا فيه وما خاطب الله الذين آمنوا الا بدء به ، ولا نزلت آية مدح في القرآن الا فيه ، ولا شهد الله بالجنة في هل أتى على الانسان الا له ، ولا انزلها في سواه ، ولا مدح بها غيره.

معاشر الناس هو ناصر دين الله ، والمجادل عن رسول الله ـ ، وهو التقي النقي الهادي المهدي نبيكم خير نبي ، ووصيكم خير وصي وبنوه خير الأوصياء.

معاشر الناس ذرية كل نبي من صلبه ، وذريتي من صلب علي.

معاشر الناس ، ان ابليس أخرج آدم من الجنة بالحسد ، فلا تحسدوه ، فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم فان آدم أهبط الى الارض بخطيئة واحدة وهو صفوة الله عزوجل.

فكيف بكم وأنتم أعداء الله الا انه لا يبغض عليا الا شقي ولا يتولى عليا الا تقي ولا يؤمن به الا مؤمن مخلص ، وفي علي (ع) والله أنزل سورة العصر. بسم الله الرحمن الرحيم ، (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الى آخر السورة.

٤٤٩

معاشر الناس قد استشهدت الله وبلغتكم رسالتي ، وما على الرسول الا البلاغ المبين.

معاشر الناس اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.

معاش الناس آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها ، معاش الناس النور من الله عزوجل في. ثم في النسل منه الى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا ، لان الله عزوجل ، قد جعلنا حجة على المعرضين والمعاندين والمقصرين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين.

معاشر الناس اني أنذركم اني رسول اليكم ـ خاصة ولجميع الامم عامة ـ قد خلت من قبلي رسل أفان مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ، ألا وان عليا (ع) هو الموصوف بالصبر والشكر ، ثم من بعده ولدي من صلبه.

معاشر الناس لا تمنوا على الله اسلامكم فيسخط عليكم ويصيبكم بعذاب من عنده انه لبالمرصاد.

معاشر الناس سيكون من بعدي أئمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون.

معاشر الناس ان الله وانا بريئان منهم ، معاشر الناس انهم وأشياعهم واتباعهم وانصارهم في الدرك الاسفل من النار ولبئس مثوى المتكبرين ألا انهم اصحاب الصحيفة ، فلينظر أحدكم في صحيفته قال فذهب الناس الا شرذمة منهم أمر الصحيفة.

معاشر الناس انى أدعها امامة ووراثة في عقبي الى يوم القيامة ، وقد

٤٥٠

بلغت ما أمرت بتبليغه حجة على كل حاضر وغائب ، وعلى كل أحد ممن شهد أو لم يشهد ، ولد أو لم يولد ، فليبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد الى يوم القيامة ، وسيجعلونها ملكا اغتصابا ، ألا لعن الله الغالبين والمبغضين. وعندها سنفرغ لكم أيها الثقلان فيرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران.

معاشر الناس ان الله عزوجل لم يكن يذركم على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب.

معاشر الناس انه ما من قرية الا والله مهلكها بتكذيبها ، وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة كما ذكر الله تعالى ، وهذا امامكم ووليكم وهو مواعيد الله ، والله يصدق ما وعد.

معاشر الناس قد ضل قبلكم أكثر الأولين والله لقد أهلك الأولين وهو مهلك الآخرين.

معاشر الناس ان الله قد أمرني ونهاني ، وقد أمرت عليا (ع) ونهيته ، فعلم الامر والنهي من ربه عزوجل ، فاسمعوا لأمره تسلموا وأطيعوه تهتدوا وانتهوا لنهيه ترشدوا وصيروا الى مراده ولا تتفرق بكم السبل عن سبيله ، انا صراط الله المستقيم ، الذي آمركم باتباعه ، ثم علي (ع) من بعدي ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون. ثم قرأ قوله عزوجل :

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الى آخرها وقال في نزلت وفيهم نزلت ولهم عمت واياهم خصت أولياء اولئك الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الا ان حزب الله هم الغالبون الا ان اعداء علي هم أهل الشقاق العادون واخوان الشياطين الذين يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ، الا ان أولياء علي (ع) هم المؤمنون حقا الذين ذكرهم الله في كتابه فقال تعالى :

٤٥١

(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) الى آخر الآية

الا أن أولياء (آل بيت محمد (ع) هم الذين وصفهم الله عزوجل فقال الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم. أولئك لهم الامن وهم مهتدون ، ألا ان أوليائهم الذين يدخلون الجنة آمنين. وتتلقاهم الملائكة بالتسليم طبتم فادخلوها خالدين. ألا أن أوليائهم الذين قال الله عزوجل : (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ).

ألا أن أعداء آل محمد هم الذين يصلون سعيرا ، ألا ان اعدائهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا وهي تفور. لها زفير كلما دخلت أمة لعنت أختها الآية ، ألا أن أعدائهم الذين قال الله عزوجل فيهم (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) الآية.

ألا ان أولياء بيت محمد ص وآله هم الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير.

معاشر الناس شتان ما بين السعير والجنة ، عدونا من ذمه الله ولعنه ، وولينا من أحبه الله ومدحه.

معاشر الناس ألا واني منذر وعلي هاد. معاشر الناس اني نبي وعلي وصي. ألا وان خاتم الأئمة منا ، القائم المهدي ، ألا انه الظاهر على الدين ، الا انه المنتقم من الظالمين الا نه الفاتح الحصون وهادمها ، ألا انه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك ، الا انه مدرك كل ثار لاولياء الله عزوجل ، الا انه ناصر دين الله عزوجل ، الا انه الغراف من بحر عميق ، الا انه يسم كل ذي فضل بفضله ، وكل ذي جهل بجهله. ألا انه خيرة الله ومختاره. الا انه وارث كل علم ، والمحيط به ، الا انه المخبر عن ربه عزوجل ، ألا انه الرشيد السديد. الا انه المفوض اليه ، الا انه قد

٤٥٢

بشر به من سلف بين يديه ، الا انه الباقي حجة ولا حجة بعده ولا حق الا معه ، ولا نور الا عنده ، ألا انه لا غالب له ، ولا منصور عليه ، ألا انه ولي الله في أرضه وحكمه النافذ في خلقه ، وأمينه على سره وعلانيته.

معاشر الناس ، قد بينت لكم وأفهمتكم ، وهذا علي يفهكم بعدي ، ألا وان عند انقضاء خطبتي أدعوكم الى مصافحتي على بيعته ، والاقرار به ، ثم مصافحته من بعدي ، ألا واني قد بايعت الله ، وعلي بايعني. وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله عزوجل ، فمن نكث فانما ينكث على نفسه الآية.

معاشر الناس ، ان الحج والصفا والمروة والعمرة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر الاية.

معاشر الناس ، حجوا البيت فما ورده اهل بيت الا استغنوا ولا تخلفوا عنه الا افتقروا.

معاشر الناس ، ما وقف بالموقف مؤمن الا غفر الله له ما سلف من ذنوبه الى وقته ذلك. فاذا انقضت حجته استأنف عمله.

معاشر الناس ، الحجاج معانون ونفقاتهم مخلفة ، والله لا يضيع أجر المحسنين ..

معاشر الناس ، حجوا البيت بكمال الدين والتفقه ولا تنصرفوا عن المشاهد الا بتوبة واقلاع.

معاشر الناس ، أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما أمركم الله تعالى لئن طال عليكم الامد فقصرتم. او نسيتم ، فعلي وليكم ومبين لكم ، وهو الذي نصبه الله بعدي ومن خلفه الله على امتي ، وهو يخبركم بما تسألون منه ويبين لكم ما لا تعلمون. ألا ان الحلال والحرام اكثر من أن

٤٥٣

يحصى فعلي يعرف ما تجهلون بعدي ، وهو الذي نصبه الله لكم بعدي.

ألا وان الله عزوجل امرني بان آخذ البيعة عليكم والصفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله تعالى في علي امير المؤمنين. والائمة من بعده الذين هم مني ومنه. ومنهم المهدي الى يوم القيامة الذي يقضي بالحق.

معاشر الناس. وكل حلال دللتكم عليه وكل حرام نهيتكم عنه. فاني لم ارجع عن ذلك ولم أبدل! لا فأذكروا ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تبدلوه ولا تغيروه. الا واني اجدد القول : الا فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وامروا بالمعروف أنهوا عن المنكر. الا ان رأس المعروف ان تنتهوا الى قولي وتبلغوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله. وتنهوه عن مخالفته. فانه أمر من الله عزوجل ومني واعلموا انه لا امر بمعروف ولا نهي عن منكر الا مع امام معصوم

معاشر الناس القرآن يعرفكم ان الائمة من بعده ولده. وعرفتكم انهم مني ومنه حيث يقول الله (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) وقلت لكم لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما.

معاشر الناس. التقوى التقوى. احذروا الساعة كما قال الله تعالى (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) اذكروا الموت والحساب والموازين والحساب. بين يدي رب العالمين والثواب والعقاب ، فمن جاء بالحسنة أثيب. ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنان نصيب.

معاشر الناس انكم اكثر من ان تصافقوني بكف واحدة وامرني الله ان آخذ من السنتكم الاقرار بما عقدت لعلي من أمرة المؤمنين. ومن جاء بعده من الائمة المعصومين مني ومنه. على ما اعلمتكم ان ذريتي من صلبه. فقولوا بأجمعكم انا سامعون مطيعون منقادون لما

٤٥٤

بلغت عن ربنا وربك في امر علي وأمر ولده من صلبه من الائمة المعصومين.

نبايعك على ذلك بقلوبنا وانفسنا وألسنتنا وأيدينا. على ذلك نحي ونموت ونبعث ولا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب ولا نرجع عن عهد ولا ننقص الميثاق نطيع الله نطيعك وعليا امير المؤمنين وولده الائمة المعصومين الذين ذكرتهم من ذريتك من صلبه بعد الحسن والحسين اللذين قد عرفتكم مكانهما ومحلهما عندي. ومنزلتهما من ربي. فقد أديت ذلك اليكم وانهما سيدا شباب اهل الجنة. وانهما الامامان بعد ابيهما. علي وأنا أبوهما.

قولوا اطعنا الله بذلك واياك وعليا والحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين الذين ذكرت. عهدا وميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين (ع) من قلوبنا وانفسنا وألسنتنا ومصافقة أيدينا. لا نبتغي بذلك بدلا ولا نرى من أنفسنا عنه حولا ابدا.

أشهدنا الله وكفى بالله شهيدا وانت به علينا شهيد وكل من اطاع ممن ظهر واستتر وملائكة الله وجنوده وعبيده. والله اكبر من كل شهيد.

معاشر الناس. ما تقولون فان الله يعلم كل صوت وخافية كل نفس. فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فانما يضل عليها. ومن بايع فانما يبايع الله. يد الله فوق ايديهم.

معاشر الناس. اتقوا الله وبايعوا عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين والائمة التسعة من ذرية الحسين كلمة باقية. يهلك الله من عذر ويرحم الله من وفى. ومن نكث فانما ينكث على نفسه الآية.

معاشر الناس. قولوا الذي قلت لكم وسلموا على علي بأمرة

٤٥٥

المؤمنين وقولوا سمعنا واطعنا. غفرانك ربنا واليك المصير. وقولوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله.

معاشر الناس. ان فضائل علي بن ابي طالب (ع) عند الله عزوجل ـ لا تحصى ـ وقد انزلها علي في القرآن وهي اكثر من ان احصيها في مكان واحد فمن انبأكم بها وعرفها فصدقوه.

معاشر الناس. من يطع الله ورسوله وعليا والائمة الذين ذكرتهم فقد فاز فوزا عظيما.

معاشر الناس. السابقون الى مبايعته وموالاته والتسليم عليه بأمرة المؤمنين اؤلئك هم الفائزون في جنات النعيم.

معاشر الناس. قولوا ما يرضي الله به عنكم من القول فان تكفروا فلن تضروا الله شيئا. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات واغضب على الكافرين والكافرات. والحمد لله رب العالمين.

فناداه القوم نعم سمعنا واطعنا على امر الله ورسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا. وتداكوا على رسول الله ص وآله وعلى علي (ع) وصافقوا بأيديهم فكان اول من صافق رسول الله ص وآله. الاول والثاني والثالث والرابع والخامس وباقي الانصار والمهاجرين وباقي الناس. عن آخرهم على طبقاتهم وقدر منازلهم. الى ان صليت العثاء والعتمة في وقت واحد ووصلوا البيعة والمصافقة ثلثا ورسول الله يقول كلما بايع القوم : الحمد الذي فضلنا على جميع العالمين.

وصارت المصافقة سنة ووسما يستعملها من ليس له حق فيها.

فاستفهم عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله اهذا من الله او من رسوله. فقال ص وآله : نعم هذا من الله ومن رسوله. انه امير

٤٥٦

المؤمنين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين يقعده الله عزوجل يوم القيامة على الصراط فيدخل اؤلياءه الجنة واعداءه النار.

فقال بعض الذين ارتدوا ـ بعد موته ـ قد قال محمد في مسجد الخيف ما قال .. وقال ههنا ما قال ولئن رجع الى المدينة ليأخذنا بالبيعة له فاجمع اربعة عشر نفرا وتأمروا على قتل رسول الله ص وآله وقعدوا له في العقبة. وهي عقبة هر شي بين جحفة والايواء. فقعد سبعة عن يمين العقبة. وسبعة عن يسارها. لينفروا ناقة رسول الله به. فلما جن الليل تقدم رسول الله ص وآله في تلك الليلة العسكر فاقبل ينعس على ناقته. فلما دنا من العقبة ناداه جبرائيل : يا محمد ان فلانا وفلانا وفلانا قد قعدوا لك فنظر رسول الله ص وآله فقال من هذا خلفي فقال حذيفة بن اليمان أنا حذيفة بن اليمان يا رسول الله : قال سمعت قال بلى. قال فاكتم. ثم دنا رسول الله منهم فناداهم بأسمائهم فلما سمعوا نداء رسول الله مروا ودخلوا في غمار الناس. وقد كانوا عقلوا رواحلهم فتركوها ولحق الناس برسول الله ص وآله وطلبوهم وانتهى رسول الله الى رواحلهم فعرفها فلما نزل قال ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة لئن أمات الله محمدا او قتله ان لا يردوا هذا الامر من اهل بيته ابدا. فجاؤا الى رسول الله فحلفوا انهم لم يقولوا من ذلك شيئا. ولم يريدوه ولم يهموا بما لم ينالوا من قتل رسول الله. فانزل الله عزوجل قوله :

(يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) ـ ان لا يردوا هذا الامر في اهل بيت رسول الله. (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) ـ من قتل رسول الله ص وآله ـ (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ. فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً

٤٥٧

أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) سورة التوبة (٧٤) يوجد تمامية الحديث في ج الاول ص ٤٩٩

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٦٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩))

البيان : وحينما كلف الرسول ص وآله ان يواجههم بأنهم ليسوا على شيء من الدين والعقيدة والايمان .. بل ليسوا على شيء اصلا يرتكز عليه ـ حينما كلف الرسول ص وآله بمواجهتهم هذه المواجهة الحاسمة الفاصلة. كانوا يتلون كتبهم. وكانوا يتخذون لأنفسهم صفة اليهودية او النصرانية. وكانوا يقولون : انهم مؤمنون.

ولكن التبليغ الذي كلف رسول الله ص وآله ان يواجههم به. لم يعترف لهم بشيء اصلا مما كانوا يزعمون لأنفسهم لأن «الدين» ليس كلمات تقال باللسان وليس كتبا تقرأ وترتل وليس صفة تورث وتدعى.

وانما الدين منهج حياة. منهج يشمل العقيدة المستمرة في الضمير والعبادة الممثلة في الشعائر والعبادة التي تتمثل في اقامة نظام الحياة كلها على اساس هذا المنهج.

ولما لم يكن اهل الكتاب يقيمون الدين على قواعده هذه. فقد كلف الرسول ص وآله ان يواجههم بأنهم ليسوا على دين وليسوا على شيء اصلا من هذا القبيل.

وأقامت احكام الله وشرائعه معناها الدخول في دين الله مع

٤٥٨

صحة العقيدة في ذلك سواء اكانت رسالة الاسلام او ما تقدمها من الرسائل والشرائع. ومقتضاها الايمان بجميع الانبياء وما جاءوا به من خالقهم. ولو ان اهل التوراة والانجيل التزموا بما انزل فيها لألزمتهم في الايمان بصحة الاسلام وتصديق نبيه بدون هوادة. او توقف لانها تشتمل على صفات محمد ص وآله وتأمر باتباع دينه وشريعته وتوجب ذلك الزاما.

وكان الله عزوجل يعلم ان شريعة الاسلام ستزيدهم طغيانا وكفرا لانها تكشف مكرهم وخدعهم وتضليلهم لاتباعهم. وتؤثر على رياستهم وما ينالونه من شهوات الدنيا.

وكان الله عزوجل يرسم للداعية بهذه التوجيهات منهج الدعوة ويطلعه على حكمه في هذا المنهج ويسلي قلب نبيه ص وآله عما يصيب الذين لا يهتدون اذا هاجتهم كلمة الحق فازدادوا طغيانا وكفرا. فهم يستحقون هذا المصير البائس. لان قلوبهم لا تطيق كلمة الحق في اعماقها. فمن حكمة الله ان تواجه بكلمة الحق ليظهر ما كمن فيها وما بطن ولتجهر بالطغيان والكفر ولتستحق جزاء الطغيان شدة العذاب وسوء المنقلب.

(لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (٧٠) وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٧١))

ـ البيان : انه تاريخ قديم. فليس موقفهم من رسول الاسلام ص وآله بالاول ولا بالاخير انهم مردوا على العصيان والاعراض. ومردوا على اتخاذ هواهم المهم لا دين الله. ولا هدى الرسل ومردوا على الاثم والعدوان على دعاة الحق والعدل. وسجل بني اسرائيل حافل

٤٥٩

بالتكذيب والاعراض. حافل بالقتل والاعتداء حافل بتحكيم الشهوات والاهواء. ولعل من أجل ذلك ما قصه الله تعالى من تاريخ بني اسرائيل على الامة المسلمة ، في تفصيل وتطويل ، لعلها تتقي أن تكون كبني اسرائيل.

ولعل هذه الامة المسلمة تحذر مزالق الطريق التي زلقت بها بنو اسرائيل. أو لعل الواعين منها الموصولين بالله يدركون هذه المزالق البشعة المهلكة.

أو لعل ولاة الأمر في الامة المسلمة يتأسون بأنبياء بني اسرائيل حين يصطدمون بما اصطدم به انبياء بني اسرائيل. واجيال من ذراريهم المطهرين آل بيت محمد وآله واتباعهم الابرار.

او لعل ذلك يكون عظة للاجيال المقبلة من الامة المسلمة لئلا تنتهي الى ما انتهى اليه بنو اسرائيل. حين طال عليهم الامد فقست قلوبهم فتحكم فيهم الهوى ونبذوا الهدى وكذبوا دعاة الحق والعدل فريقا كذبوا وفريقا يقتلون. فعموا وصموا. فاخزاهم الله تعالى.

سبحان الله لقد فعل المنافقون والامة المسلمة كما فعل بنو اسرائيل تماما فما اذ مات نبي الاسلام حتى تحزب انصار البطل والضلال على امام الحق والعدل فسلبوه حقه الذي لم يمض سوى خمسة وسبعون يوما على مبايعته (بغدير خم).

ولم يكتفوا بهذا حتى جمعوا الحطب وهجموا على بيت نبيهم ليحرفوه على كل من فيه وفيه خيرة اهل الارض : فيه سيد الاوصياء علي بن ابي طالب (ع) الذي هو نفس النبي ص وآله ، وفيه بنت النبي سيدة نساء العالمين بدون استثناء. فعصروها خلف الباب وكسروا ضلعها واسقطوا جنينها. وفيه سيدا شباب الجنة وريحتنا ورسول الله ص وآله

٤٦٠